مجلة مغرب القانونالقانون العامالحنكوري رضوان: نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب بين الطموح المأمول وإكراهات التنزيل

الحنكوري رضوان: نظام الدعم الاجتماعي المباشر بالمغرب بين الطموح المأمول وإكراهات التنزيل

الحنكوري رضوان باحث في العلوم القانونية جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان

 مقدمة:

يعرف العالم خلال العصر الحالي سلسلة من التحولات العميقة ذات البعد المستدام بغية تجاوز العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ظلت منذ أمد بعيد تشكل عثرة حقيقية أمام عجلة التقدم والازدهار للعديد من الدول، بسبب العديد من المتغيرات الجيوسياسية والعسكرية والمناخية والوبائية، التي باتت تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل المنتظم الدولي بشكل عام.

وأمام هذا التحديات الذي عرتها رياح التحولات الاقتصادية والاجتماعية لعالم اليوم، فإن مفهوم الدولة الحارسة لم يعد كافيا لمقارعتها، بل لا بد من قيام دولة الرفاه لتجاوز هذه المشكلة وتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة، تماشيا مع أهداف التنمية المستدامة لعالم 2030 باعتبارها الإطار الإنمائي الطموح لمختلف دول العالم[1]،الأمر الذي توج بولادة نظام الحماية الاجتماعية[2] الذي جاء ليجسد الأسس الحقيقية التي يقوم عليها العقد الاجتماعي.

وما يجب التأكيد عليه أن هذا المشروع الهام المتعلق بالحماية الاجتماعية قد شكل نقطة محورية في تحول معظم دول العالم، ما جعله يحظى بتنظيم محكم سواء على المستوى الدولي أو المحلي حقوقيا ومؤسساتيا، لكونه يشمل العديد من الأوراش التي لها تأثير ملموس على واقع التنمية بمختلف أبعادها، باستهدافه لجل الشرائح المجتمعية والمجالات موضوع الحماية المنوطة به.

ويعد ورش تعميم التعويضات العائلية من أهم المرتكزات الكبرى التي يقوم عليها هذا النظام بجل دول العالم، بالنظر لاستهدافه أهم شريحة مجتمعية وهي الطفولة والشيخوخة، المتموقعة في وضعية هشاشة، لذلك حرص التوجه الدولي في هذا المجال ولا سيما الاتفاقية 202 بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي، بالإضافة للإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 على تكريس الحق في الاستفادة من التعويضات العائلية، الأمر الذي لقي مواكبة جدية من لدن العديد من الدول، خاصة منها الأوربية التي مرت بالعديد من الأزمات والثورات جراء الحروب العالمية الماضية، ولا سيما ألمانيا وفرنسا التي عرفت تأسيس لأولى أنظمة التعويضات العائلية منذ نهاية القرن التاسع عشر[3].

والمغرب بدوره من الدول التي انخرطت في تعميم هذا الورش الإصلاحي المهم تكريسا للمبادئ الدستورية[4] وتنزيلا للتوجهات الملكية السامية في هذا المجال[5]، بإطلاقه للعديد من البرامج التنموية الهادفة لحماية المخاطر المرتبطة بالطفولة، والشيخوخة، في مقدمتها نظام راميد، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… لكنها سرعان ما أبانت عن اختلالات حالت دون تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

الأمر الذي تمخض عنه صدور قانون الإطار [6]09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الذي وضع الأسس الكبرى للدولة الاجتماعية ونظام التعويضات العائلية خصوصا ، استجابة للتوجهات الملكية السامية في هذا المجال، غير أن حرص العناية المولوية لجلالة الملك لم تتوقف عند هذا الحد بل دعا جلالته مجددا إلى ضرورة خلق برامج للدعم المباشر الموجه للطفولة والأسر المعوزة[7]، الأمر الذي تمخض عنه صدور القانون [8]58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، وكذا القانون 59.23[9] المتعلق بالوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي المباشر، بالإضافة للمراسيم التطبيقية المتعلقة بهاذين القانونين، وذلك في سبيل استكمال منظومة مشروع الحماية الاجتماعية عموما[10].

ويعرف الدعم الاجتماعي المباشر على أنه: “برنامج وطني يهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للأسر التي لديها أولاد في سن التمدرس أو تلك التي توجد في وضعية هشاشة، والتي لا تستفيد حاليا من أي تعويضات عائلية وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وذلك بهدف دعم قدرتها الشرائية، بعد استيفائها للشروط المطلوبة”[11].

  مما يعني أن الدعم الاجتماعي المباشر وفق منظور الدولة الاجتماعية  ليس مجرد تبرع يقوم على العمل التكافلي والخيري الإحساني، وإنما واجبا على الدولة تجاه الأفراد المستحقة له، وركيزة أساسية لقيام الدولة الاجتماعية التي تقتضي تحقيق العدالة الاجتماعية على كافة المستويات، لتجاوز الاختلالات البنيوية التي أفرزها سوء تدبير البرامج السابقة، كما هو الحال لبرنامج دعم الأرامل ونظام راميد.

ومن المعلوم أن هذا الورش الإصلاحي قد خصصت له تكلفة مالية مهمة قدرت ب 20 مليار درهم سنويا، تقوم في مجملها على الية التمويل التضامنية التي جاء بها قانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية 09.12، وذلك بغية النهوض بوضعية الطفولة لفائدة 7 ملايين طفل متمدرس، بالإضافة لتعزيز القدرة الشرائية للأسر المعوزة من خلال الدعم الجزافي، وفق ضوابط وأحكام تؤطر مجال هذه الاستفادة تم تحديدها بموجب قانون الإطار 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي، وقانون الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي المباشر 58.23 ومراسيمها التطبيقية.

مما يجعل من هذا الموضوع ذو راهنية وأهمية كبرى سواء على المستوى الاجتماعي لكونه يشكل ثورة حقيقية يعلق عليها الرهان من أجل النهوض بمختلف المخاطر التي تعترض مؤسسة الطفولة وما ينتج عن ذلك من ظواهر وخيمة، بالإضافة لتعزيز التماسك الاجتماعي بين الأسر، خاصة في ظل ما تعيش منظومة القيم من متغيرات خلال هذا العصر.

بالإضافة لتعزيز التموقع الاقتصادي للطبقة الهشة سواء على مستوى الفرد أو الاسرة، من خلال دعم القدرة الشرائية للأسر لتمكينها من مجابهة وكبح مد الأسعار المرتقب، وتعزيز علاقة الفرد بالمؤسسات التعليمية.

ولهذا الموضوع أيضا أهمية نظرية كبرى، ويتجلى ذلك بشكل واضح على مستوى الاهتمام المولوي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من خلال خطبه السامية التي تعد مرجعا ومواكبة حقيقية لتنزيل مشروع برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، هذا فضلا عن المواكبة التشريعية التي تعرف على المدار السنوي صدور العديد من القوا نين والمراسيم في سبيل تعزز مقومات الدولة الاجتماعية.

وتبعا لما سبق، ارتأينا طرح الإشكالية المحورية التالية:

  • أي رهان لنظام الدعم الاجتماعي المباشر في تقليص الفوارق الاجتماعية؟

للإجابة عن هذه الإشكالية المطروحة ارتأينا اعتماد التصميم الآتي:

  • المبحث الأول: الأحكام العامة المؤطرة لنظام الدعم الاجتماعي المباشر
  • المبحث الثاني: تنزيل نظام الدعم الاجتماعي المباشر بين الافاق والمعيقات

المبحث الأول: الأحكام العامة المؤطرة لنظام الدعم الاجتماعي المباشر

يعد ورش الدعم الاجتماعي المباشر خطوة هامة لإتمام المسار الذي بدأه المغرب في مجال الحماية الاجتماعية، هذا الورش الذي يعد نتيجة لحرص التوجهات الملكية على ضرورة إخراجه لحيز الوجود بغية تجاوز التفاوتات المجتمعية الحاصلة[12]، الأمر الذي تمخض عنه المصادقة على مجموعة من القوانين والمراسيم المنظمة لبرنامج الدعم الاجتماعي، والعمل على مواكبتها الاستباقية.

ولما كان الأمر كذلك فإننا سنقوم بالتطرق للقواعد المنظمة لبرامج الدعم الاجتماعي، من خلال العروج على القواعد الموضوعية في تحديد الفئات المستهدفة (المطلب الأول)، لنشرع بعدها في تناول باقي القواعد الإجرائية للاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: القواعد الموضوعية لنظام الدعم الاجتماعي المباشر

يندرج برنامج الدعم الاجتماعي المباشر ضمن الأوراش التي تحضى بأولوية كبرى ضمن مشروع الحماية الاجتماعية، لكونه استحدث في سياق انطلاقة تعميم ورش التعويضات العائلية المزمع تنزيله ما بين سنتي 2023 و 2024 [13]، ولا شك أن تنزيل هذا البرنامج الطموح حظي بعناية تشريعية لازمة، تجلت في المصادقة على القانون المتعلق بالدعم الاجتماعي 58.23 الذي حدد العديد من القواعد المتعلقة  بتحديد بالفئات المستهدفة من برنامج هذا الدعم (الفقرة الأولى)، هذا فضلا عن تنصيصه على العديد من الشروط الواجب توفرها في هذه الفئات لاستحقاقها الدعم الاجتماعي المباشر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: نطاق الأشخاص المشمولة بنظام الدعم الاجتماعي المباشر

إن نطاق تحديد الأشخاص المشمولة بهذا الورش لا يشمل عموم الأفراد، بل هناك فئات معينة حددها القانون المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر 58.23، تشمل أكبر شريحة مجتمعية من الأفراد والتي تتعلق بفئة الطفولة (أولا) فيما الفئة الثانية تتعلق بالأسر المعوزة (ثانيا).

أولا: الدعم الاجتماعي المباشر الموجه للوقاية من مخاطر الطفولة

عملا على توحيد أنظمة الدعم الاجتماعي وتجاوز مختلف الإكراهات التي حالت دون التنزيل السليم للبرامج السابقة، تم صدور قانون 58.23 الذي عمل على تحديد الفئات المستهدفة من نظام الدعم الاجتماعي، والتي يمكن تبيانها وفق التالي.

1– المنح الشهرية للأطفال في وضعية عادية

استكمالا لورش تعميم التعويضات العائلية الهادف للوقاية من مخاطر الطفولة، تم العمل على توحيد منظومة الدعم الاجتماعي، إذ تم صرف اخر الإعانات في اطار برنامج تيسير خلال  مطلع شهر دجنبر سنة 2023، ليتم بعدها دمج برنامج تيسير في إطار برنامج الدعم الاجتماعي المباشر،  بعد خضوع هذه الفئة لنظام السجل الاجتماعي الموحد الذي جاء لتجاوز كافة الثغرات التي أبانت عنها البرامج السابقة في مقدمتها برنامج راميد وكذا تيسير، خاصة وأن السجل الاجتماعي يقوم على معايير دقيقة وشفافة بعيدة عن الاختلالات التي شابت البرامج السالف ذكرها.

ولا شك أن القانون 58.23 ميز في إطار تحديده لنطاق الأطفال المشمولين بهذا الدعم بين العديد من الحالات، حيث اعتبر أن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 21 سنة، والموجودين في حالة عادية دون ارتباطهم بظرف خاص بحكم وضعيتهم (الإعاقة، الأيتام، الإهمال…) ولو كانوا متكفل بهم، تم تخويلهم منحا شهرية حددت قيمتها بموجب المرسوم  2.23.1067 مميزا في ذلك  بين المتمدرسين وغير المتمدرسين، إذ في حالة كون الولد متمدرسا يمنح له دعم مالي شهري يقدر ب 200 درهم ابتداء من سنة 2024، ليبلغ 250 درهم سنة 2025، ليرتفع في أفق 2026 إلى 300 درهم، أما عن غير المتمدرسين فقد حدد في 150 درهم بداية من سنة 2024 ليصبح 175 درهما خلال سنة 2025، ليصل إلى  250 درهم خلال سنة 2026، ويسري هذا المقتضى في حدود ثلاث أطفال الأوائل، أما  فيما بقي إلى غاية الطفل السادس فقدر دعم هذه الفئة في 36 درهم شهريا لكل طفل متمدرس، مقابل 24 درهما شهريا إذا كان غير متمدرس[14].

ب- الدعم التكميلي للأطفال في وضعية خاصة

إيمانا من المشرع بأهمية الدعم الاجتماعي والدور التكافلي الذي يقوم به، وما يخلفه من انطباع انساني على كل الفئات المستحقة له بعيدا عن منطق التمييز والإقصاء، نص على ضرورة توحيد منظومة الدعم لاستهداف فئات تؤدي أدوارا مهمة داخل المجتمع، وذلك باستحداثه لألية الدعم التكميلي الذي وجه لفئة الأطفال اليتامى المتمدرسين أو دون 6 سنوات، إذ  حدد المرسوم التطبيقي  2.23.1067  قيمة الدعم الموجه لهؤلاء في 150 درهم خلال سنة 2024، ليصل إلى 125 درهم في حدود سنة 2025 ثم 100 درهم مع سنة 2026، فيما الأطفال في وضعية إعاقة فقد منح لهم دعما تكميليا قدر ب 100 درهم شهريا طيلة الأعوام القادمة[15].

ومن المهم الإشارة إلى أن قانون 58.23 نص أيضا على شمولية الدعم للأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية وفق نفس المعايير المذكورة أعلاه، وذلك بصرفها مباشرة لحساب المؤسسة المعنية، أو في حساب المستفيد إلى حين بلوغه سن الرشد ليتسنى له التصرف فيها، الأمر الذي سيساهم في تحفيز هذه الفئة وتقوية مكانتها داخل المجتمع.

ج- المنح المستحقة عن الولادة

من اجل النهوض بوضعية مؤسسة الولادة حماية للطفولة بشكل عام من شتى المخاطر التي قد تصيبها، فقد عمل المشرع على تخصيص منح مالية في إطار برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لفائدة الاسر المعوزة بغية التخفيف من حدة هذه الظرفية وجعل مرحلة الولادة تمر في ظروف امنة.

وبرجوعنا إلى مشروع قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر نجده قد اعتبر بموجب مادته الثانية على ان منح الولادة تعتبر من أهم صور حماية المخاطر المرتبطة بالطفولة، لذلك تم تخصيصها مبالغ مالية مهمة في هذا الصدد حسب المرسوم التطبيقي 2.23.1067 السالف ذكره، إذ ستمنح إعانة مالية عن الولادة الأولى تقدر ب 2000 درهم ومبلغ 1000 درهم عن الولادة الثانية فيما باقي الولادات الموالية لا يمنح عنها أي دعم، الأمر الذي سيساهم في تشجيع النمو الشامل الذي يعد من الأهداف الأساسية لمشروع الحماية الاجتماعية[16].

ثانيا: الدعم الاجتماعي الجزافي الموجه للأسر المعوزة

تجسيدا لمفهوم التضامن والتآزر اللذان يعدان من أهم مقومات نظام الدعم الاجتماعي تم الحرص بشدة على ضرورة استهداف جل الأسر الهشة المستحقة للدعم، التي لطالما شكلت محط اهتمام التوجهات الملكية في هذا المجال، تجسيدا لمفهوم الدولة الاجتماعية التي تقوم على قاعدة الأخذ والعطاء لتجاوز الاختلالات الحاصلة على مستوى التفاوتات الاجتماعية.

وتأكيدا لما ذكر، تم التنصيص بموجب المادة 1 من القانون 58.23 على منح إعانات خاصة للأسر المعوزة التي ليست لها أطفال، أو لها أولاد تتجاوز معدلات أعمارهم 21 سنة، وذلك بغية دعمها في مواجهة مختلف المخاطر المتعلقة بالشيخوخة، وتعزيز قدرتها الشرائية، وهذا ما تجسد مع مطلع شهر دجنبر من سنة 2023 حيث تم إعطاء انطلاقة عملية تسجيل هذه الفئة لانتقائها وتمكينها من هذا الدعم.

وذلك بعد استيفائها لشروط الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر، وحسب المادة 2 من القانون المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر 58.23، فإن مبلغ الدعم الجزافي الموجه لهذه الفئة لا يجب أن يقل في جميع الأحوال عن 500 درهم عن كل شهر، وألا يتجاوز في جميع الأحوال مبلغ  1900 درهم، وهذه القيمة تختلف نسبتها حسب عدد الأفراد المكونة للأسرة المستفيدة، وذلك بالاعتماد على مجموعة من المعايير الدقيقة التي تحتويها قاعدة البيانات المضمنة بالسجل الاجتماعي الموحد[17].

 الفقرة الثانية: شروط الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر

انسجاما مع التوجه الدولي في مجال الحماية الاجتماعية[18] وتنزيلا للتوجهات الملكية في هذا المجال، تم التنصيص بموجب قانون 58.23 ومرسومه التطبيقي 2.23.1067 على

العديد من الشروط الواجب توفرها، العائدة لمجموعة من المعايير الموضوعية، وفي إطارها يمكن التمييز بين صنفين من الشروط سنقوم بعرضها وفق التالي.

أولا: الشروط العامة للاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر

المقصود بالشروط العامة هي مختلف الضوابط التي ينبغي استيفائها من قبيل المستهدفين من هذا الدعم، والتي تبقى العامل المحوري والأساسي لتقرير مصير الاستفادة وعدمه، بالاعتماد على العديد من المعايير الدقيقة، التي تسري على الكافة سنعرضها وفق التالي.

1-الإقامة القانونية فوق التراب الوطني

إن شرط الإقامة أمر ضروري للاستفادة من مزايا نظام الدعم الاجتماعي المباشر حسب المادة 3 من مشروع قانون 58.23، الأمر الذي يجعل من الأجانب غير المقيمين بالمغرب بطريقة قانونية  خارج دائرة الخاضعين لهذا النظام[19].

وبرجوعنا في هذا السياق إلى قانون 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، نجده قد حدد لنا مدلول الشخص الأجنبي بأنه ذلك الشخص الذي لا يتوفر على الجنسية المغربية، أو ليست له جنسية معروفة أو الذي تعذر تحديد جنسيته، أما مفهوم الإقامة فلم يعمل القانون المذكور على تعريفه بشكل دقيق بل اكتفى بعرض سندات الإقامة فوق التراب المغربي، والتي حددها في بطاقة التسجيل وبطاقة الإقامة، وذلك مع مراعاة السن المنصوص عليه بمقتضى هذا القانون[20].

وبناء عليه فإن المغربي الجنسية، وكذا الشخص المستوفي لشروط الإقامة الشرعية فوق التراب المغربي سيستفيدون على قدم المساواة إلى جانب المواطنين المغاربة من مختلف صور الدعم الممنوح لهم في حالة استيفائهم لباقي الشروط الأخرى المطلوبة.

2-التقييد في السجل الاجتماعي الموحد

إن الاستفادة من مختلف أشكال الدعم الاجتماعي المباشر وغيره من الأوراش الأخرى المتعلقة بنظام الحماية الاجتماعية أضحى مرهونا بضرورة تقييد المستهدفين في السجل الاجتماعي[21] الموحد الممسوك بطريقة رقمية[22]، هذا السجل الذي كان إخراجه استجابة للتوجهات الملكية التي دعا من خلالها جلالة الملك محمد السادس إلى ضرورة خلق سجل اجتماعي موحد، يهدف إلى تسجيل جميع الأسر بشكل موحد بغية تسهيل عملية منح الدعم الاجتماعي للفئة الهشة[23].

الأمر الذي تمخض عنه صدور قانون [24]72.18 المتعلق بالوكالة الوطنية للسجلات ومرسومه التطبيقي المتعلق بالسجل الاجتماعي الموحد، ويهدف هذا السجل إلى المعرفة الجيدة للواقع الاجتماعي والاقتصادي  والديمغرافي للأسر وفق قاعدة معطيات رقمية امنة ومتطورة قابلة للتغيير المستمر تحت اشراف الوكالة الوطنية للسجلات[25].

وبرجوعنا إلى المادة 11 من هذا القانون نجد بأن المشرع قد أناط بهذا السجل صلاحية تسجيل الاسر وحفظ بياناتهم المصرح بها وفق شكل يضمن تماميتها، بغية منحهم التنقيط المستحق وفق مؤشرات ومعايير دقيقة، إلا أن التقييد في هذا السجل يتوقف على ضرورة تسجيل المعني بالأسرة في السجل الوطني للسكان وحصوله على المعرف الرقمي.

وقد حدد المرسوم 2.21.582 إجراءات التقييد في السجل المذكور وذلك إما بتقديم طلب ورقي للسلطة المحلية أو القيام بملء الاستمارة عبر المنصة الالكترونية المخصصة لذلك، ليتم بعد تقييد المعني تمكينه من التنقيط المناسب وفق عملية رياضية دقيقة تختلف معادلتا بين المجال الحضري والقروي[26].

3-استيفاء عتبة الاستفادة من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

بعد التقييد في السجل الاجتماعي الموحد المذكور يتم تنقيط الأسر بناء على معايير تتعلق بالعديد من الخصائص ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، من أجل منحهم المؤشر الاجتماعي، وقد تم توضيح كيفية حساب عملية التنقيط الأسري سواء بالنسبة لساكنة المجال الحضري التي حدد المقدار الثابت المتغير بها في حدود 9.92، أو المجال القروي الذي حدد معدله المتغير في 9.69، وذلك ما ورد في الملحق الخاص بمرسوم السجل الاجتماعي الموحد[27].

وبناء على المتغيرات المذكورة التي تستند على العديد من المعايير الدقيقة، يتم منح المؤشر الاجتماعي للاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، الذي كان محصورا في معدل ثابت حدد في 9.72، قبل أن يتم رفعه بعد صدور مشروع قانون 58.23 الذي نص بموجب المادة 3 منه على ضرورة مراجعة هذه العتبة، الأمر الذي تمت الاستجابة له بموجب المرسوم 2.23.1068 حيث تم الرفع من نسبة المعدل الثابت ل [28]9.74.

وبناء عليه، فان الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي المباشر أضحت مرهونة بضرورة توفر عتبة الاستفادة المذكورة، الأمر الذي سيمكن من تغطية ما يناهز 60% من الساكنة غير المشمولة حاليا بالتعويضيات العائلية وفق القوانين والتشريعات الجاري بها العمل، والتي ستستفيد من إعانات الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة والإعانة الجزافية المنصوص عليهما في القانون رقم 58.23 السالف الذكر.

ثانيا: الشروط الخاصة بالفئات المستهدفة من نظام الدعم الاجتماعي

بالإضافة للشروط العامة المذكورة سالفا والتي تسري على كافة المشمولين بنظام الدعم الاجتماعي، هناك شروط خاصة أيضا ينبغي توفرها بصفة شخصية في هذه الفئات، والتي نميز في إطارها بين الفئات التالية.

1-شروط منح الدعم الشهري للأولاد المتمدرسين

لا شك أن عملية الدعم للأسر في هذه الحالة موجه إلى الأطفال المتمدرسين دون غيرهم الذين يمكنهم الاستفادة من صيغ أخرى من الدعم الموجه بعد استيفائهم للشروط المطلوبة، ومن أجل ضبط عملية الاستفادة لهذه الفئة نجد المشرع المغربي قد نص بموجب قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر على ضرورة توفر العديد من الشروط لهذه الفئة بغية استفادة الأسر من منح الدعم الشهرية الموجه إليها.

ويأتي شرط السن ضمن أهم الشروط الأساسية التي ينبغي توافرها في هذه الفئة، إذ حسب المادة 3 من قانون الدعم الاجتماعي 58.23 يجب ألا يتجاوز سن المستهدفين 21 سنة، وبمفهوم المخالفة فإن الأولاد الذين يتجاوز عمرهم هذا المعدل لا يستفيدون من مزايا هذا الدعم، أيضا هذه العملية حصرها المشرع في عدد محدود وهو 6 أولاد فقط لكل أسرة، مع تمييزه بطبيعة الحال من خلال المرسوم التطبيقي بين نسب حجم الدعم لهؤلاء الأولاد الستة.

2-شروط منح الدعم التكميلي للأولاد في وضعية خاصة

بالإضافة لمنح الدعم المشار إليها أعلاه نص المشرع بموجب قانون 58.23 على صنف خاص من الدعم يدعى بالدعم التكميلي، إلا أن هذا الدعم مشروط بالعديد من الضوابط، فمن حيث النطاق فهو لا يشمل إلا الأشخاص الموجودين في حالة إعاقة، لكن المشرع لم يحدد نوعية ودرجة هذه الإعاقة مكتفيا بالإحالة على صدور نص تنظيمي، وما يجب الإشارة إليه هنا هو أن المشرع لم يحصره في عدد معين من الأولاد بل ترك الأمر مفتوحا، أما الفئة الثانية التي يشترط وجودها لمنح هذا الدعم هي أن يكون الولد يتيم الأب، بمعنى  اخر أن المشرع لم يشير الى الولد اليتيم من جهة الأم، كما أن المشرع حصر هذا الدعم في حدود 3 أولاد فقط على عكس الدعم الموجه للفئة الموجودة في حالة إعاقة.

وما يجب التأكيد عليه أيضا هو أن هذا الدعم كسابقه مرهون بضرورة عدم تجاوز الأولاد المستهدفين سن 21 سنة، مع استثناء حالة واحدة فقط وهي حينما يتعلق الأمر بوجود ولد في وضعية إعاقة تحت حضانة أم أرملة، فالمشرع في هذه الحالة لم يشترط على الولد ضرورة عدم تجاوزه 21 سنة.

3-شروط منح الدعم عن الولادة

عملا على توفير بيئة سليمة لمؤسسة الولادة تشجيعا للنمو الشامل، وعلى غرار إجازة الأبوة للموظفين المؤدى عنها لمدة 15 يوما المنصوص عليها بموجب قانون [29]30.22،  نص القانون 58.58  لأول مرة بموجب المادة 2 منه على منح موجهة للولادة، ويتعلق الأمر بالولادة الأولى والولادة الثانية.

ولا شك أن هذا الدعم غير موجه لجل الأسر بل رهين بتوفر الشروط العامة المشار إليها سابقا، هذا فضلا عن الشروط الخاصة التي جاءت بها المادة 3 من القانون أعلاه، وهي ضرورة قيام المعني بالأمر بإيداع طلب الاستفادة عبر المنصة الالكترونية المخصصة لهذا الغرض والتي تشرف عليها الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، وذلك داخل أجل 6 أشهر من تاريخ الولادة المحدد بنفس المادة، بمعنى أخر أن جميع الطلبات المودعة خارج هذا الأجل لا تخول لصاحبها إمكانية الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر.

4-شروط منح الإعانة الجزافية للأسر المعوزة

تماشيا مع أهداف منظومة الاستهداف التي يقوم عليها نظام الدعم الاجتماعي والتي تتجلى في الحرص على الحد من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة، نجد المشرع قد خول دعما خاصا بالأسر المعوزة التي لا تتوفر فيها إحدى صور الدعم الموجه لحماية مخاطر الطفولة المشار إليها سالفا، وذلك علاوة على توفرها على الشروط العامة الواردة في المادة 3 من قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

لكن وبالرغم من توفر جل الشروط المشار إليها، فإن منح الإعانات الجزافية يبقى رهينا بتوفر العديد من الشروط التي نصت عليها المادة 4 من القانون المذكور، ويتعلق الشرط الأول بعدم توفر الأسرة على الأولاد، وذلك إما لكونها حديثة الزواج أو غيرها من الأسباب الأخرى.

 أما الشرط الثاني يرتبط بالحالة التي يكون للأسرة أولاد، حيث اشترطت نفس المادة أن تكون أعمار الأولاد تتجاوز 21 سنة بغية تخويل الأسرة الدعم الجزافي، وذلك سواء كانو متمدرسين أو غير ذلك وبغض النظر عن وضعيتهم.

بقيت الإشارة إلى أن هذا الصنف من الدعم والدعم الموجه لحماية الطفولة، يمنح للمصرح باسم الاسرة في السجل الاجتماعي الموحد طبقا للنصوص القانونية والتشريعية الجاري بها العمل، والذي لا يجب أن يقل عن 500 درهم عن كل شهر، الأمر الذي سيساهم في التقليل من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة.

وفي الأخير وجب التنبيه إلى مقتضى مهم وهو أنه لا يمكن لنفس الاسرة أن تجمع بين صنفين أو أكثر من صور الدعم الاجتماعي المباشر، أو من الدعم الاجتماعي ومزايا إحدى الأنظمة الأخرى الخاضعة للنصوص التشريعية الجاري بها العمل[30].

المطلب الثاني: القواعد الإجرائية لتخويل الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر

بالإضافة للقواعد الموضوعية التي تخللتها مجموعة من الأحكام الخاضعة لقانون 58.23، يقوم برنامج الدعم الاجتماعي أيضا على مجموعة من الضوابط التي تؤطر أجرأه الاستفادة من المنح التي نص عليها، ويتعلق الأمر بالقيام بمجموعة من الإجراءات المسطرية كما أن هذه الاستفادة تظل مرهونة بضرورة  إيجابية في تقرير الاستفادة وعدمه، والتي تتجلى حسب المادة 12 من القانون 58.23 في قيام المعنيين  بإيداع طلبات الاستفادة من الدعم بالمنصة الإلكترونية، المعدة لهذا الغرض لدى الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي(الفقرة الأولى)، هذا فضلا عن أن عملية الاستفادة  من الدعم قد عمل المشرع على إحاطتها بالعديد من الضمانات القانونية التي تكمن في عنصر الأجل أساسا نظرا لما له من اثار إيجابية في مسطرة تخويل الدعم (الفقرة الثانية)، وذلك وفق مبادئ تنسجم مع خصوصية هذا الورش[31]، والتي نصت عليها المادة الثالثة من قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية[32]

مقال قد يهمك :   رد السلطات المغربية على إثر البلاغ الصحفي للمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين

الفقرة الأولى: مسطرة تخويل الاستفادة من ورش الدعم الاجتماعي المباشر

للاستفادة من الدعم الاجتماعي لا بد من قيام المعنيين بالأمر بإيداع طلبات الاستفادة من الدعم بالمنصة الإلكترونية، المعدة لهذا الغرض لدى الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي(أولا)، هذا فضلا عن أن عملية الاستفادة من الدعم قد عمل المشرع على إحاطتها بالعديد من الضمانات القانونية التي تكمن في عنصر الأجل أساسا نظرا لما له من اثار إيجابية في مسطرة تخويل الدعم (ثانيا).

أولا: تقديم طلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر

لا شك أن عملية الاستفادة من ورشم الدعم الاجتماعي المباشر قد أحاطها المشرع بمجموعة من الضوابط فيما يتعلق بتقديم طلب الاستفادة، وذلك سواء فيما يتعلق بالأشخاص الذين يحق لهم ا تقديم الطلب (1)، وكذا مختلف الشكليات المتعلقة به (2).

1-الأشخاص المخول لهم تقديم طلب الاستفادة

حسب المادة 3 من المرسوم التطبيقي 2.23.1067 فإن المشرع لم يخول لأي شخص صلاحية تقديم طلب الاستفادة من ورش الدعم الاجتماعي المباشر، بل عمل على حصره في رب الأسرة الذي تبقى له الصلاحية القانونية للقيام بهذا الاجراء.

وبالرجوع للمادة الأولى من المرسوم المذكور نجدها قد عملت على تحديد نطاق الأشخاص الذين يسري عليهم لفظ مصطلح رب الأسرة، مميزة في الان ذاته بين الدعم الجزافي للأسر المعوزة، والدعم المخصص للوقاية من مخاطر الطفولة.

وطبقا لما ذكر، يقصد برب الأسرة في إطار الإعانات المتعلقة بالمخاطر المرتبطة بالطفولة حسب الفقرة المادة الأولى من المرسوم المذكور:

 “…الزوج؛

-الحاضن طبقا للنصوص الجاري بها العمل؛

-الكافل طبقا للنصوص الجاري بها العمل؛

-النائب الشرعي

….”.

أما عن مفهوم رب الأسر في إطار الإعانات المقدمة للوقاية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة والتي تشمل الدعم الجزافي للأسر المعوزة، فهو محدد حسب الفقرة الأخيرة من نفس المادة في: “… المصرح باسم الأسرة في السجل الاجتماعي الموحد طبقا للنصوص التنظيمية والتشريعية الجاري بها العمل”.

وانطلاقا مما ذكر يلاحظ بأن تحديد مجال مفهوم رب الأسرة في إطار الإعانات المرتبطة بمخاطر الطفولة جاء محصورا في الزوج والحاضن، بالاضافة للكفيل والنائب الشرعي، على عكس نطاق مفهوم رب الاسرة في إطار الاعانات الجزافية الذي أحال على لفظ مصطلح المصرح، وهذا الأخير يتخذ صورا متعددة تتجاوز الأشخاص المشار إليهم في المادة الأولى من المرسوم 2.23.1067.

2-شكليات طلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر

تطبيقا للمادة 12 من القانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، يمكن لرب الأسرة أو المصرح باسم الأسرة تقديم طلب الاستفادة من إعانات الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو الدعم الجزافي عبر المنصة الالكترونية المخصصة لهذه الغاية، والتي تتضمن استمارة تحتوي على كافة البيانات الإلزامية للمستفيد، وقد أنيط بالوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي صلاحية التحقق من مصداقية إدراج كافة البيانات الواردة باستمارة طلب الاستفادة، وفي حالة نقصان إحدى البيانات يتم إشعار المعني بنفس الطريقة، أما إذا كان مآل الطلب هو القبول فيتم إشعار المعني بجميع الطرق بما فيها الالكترونية، ليتم الشروع في صرف الإعانات المستحقة عبر الوكالات البنكية ومؤسسات الأداء المعتمدة لفائدة المصرح أو رب الأسرة[33].

وتأكيدا لما ذكر، وتنزيلا للتوجهات الملكية السامية الواردة في الخطاب الملكي الأخير[34]، فقد تم إعطاء انطلاقة تفعيل المنصة الخاصة بإيداع طلبات الاستفادة من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر المسماة “asd.ma   ” بداية من 2 دجنبر [35]2023، بغية ولوجها من قبل المستهدفين المستوفين لعتبة الاستفادة قصد إيداع طلباتهم للحصول على الدعم الاجتماعي المباشر، الذي تم الشروع في صرفه ابتداء من نهاية شهر دجنبر 2023 ، بعدما يتم التأكد من استيفاء  المعني لجل الشروط المطلوبة من خلال التبادل الالكتروني للمعطيات استنادا لاتفاقيات تبرمها إدارة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي مع باقي شركائها في هذا المجال[36].

 وفي هذا السياق وجب التذكير إلى أن عدد المستفيدين من ورش الدعم الاجتماعي المباشر قد بلغت نسبته إلى غاية شهر مارس 2024 حوالي 3.5 مليون أسرة تضم أكثر من 12 مليون شخص، من منح مالية ما بين 500 درهم و1200 درهم[37].

ثانيا: الآجال المرتبطة بطلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر

إن تقديم طلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي ليس مقيدا بأجل محدد، بل يمكن لكل الراغبين في الاستفادة منه ملء استمارة طلب التسجيل للاستفادة من الدعم في أي وقت، بعد استيفاء جل الشروط المطلوبة، لكن فور تقديم الطلب يتم حتما ترتيب العديد من الاثار سواء تعلق الامر بقبول الطلب (1)، او رفضه (2).

1-الاجال المتعلقة بعملية صرف اعانات الدعم

بعد تقديم طلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر عبر المنصة الالكترونية يثار التساؤل حول الآجال التي يتم خلالها صرف منح الدعم المستحقة، وهنا يجب التمييز بين العديد من المراحل، والتي تشمل مختلف الإجراءات المتبعة في عملية الحصول على الدعم.

فبخصوص اجل استحقاق الدعم أي المدة الواجب احتسابها في عملية منح الدعم، تجيبنا في هذا السياق المادة 9 من القانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر على أنه: “تستحق الإعانات في إطار نظام الدعم الاجتماعي المباشر ابتداء من الشهر الذي تم فيه استكمال إجراءات إيداع الطلب”.

 وبمفهوم أدق يتم احتساب انطلاق بداية اجل استحقاق الدعم من تاريخ استكمال مختلف الإجراءات الهادفة لحصول الدعم، والتي تنتهي بقبول الطلب والتوصل برسالة نصية تفيد بأن المعني بالأمر قد استفاد من الدعم.

أما فيما يخص عملية صرف الإعانات المستحقة حالة قبول الطلب، فتكون خلال  أجل أقصاه نهاية  الشهر الذي  يلي الشهر الذي تم خلاله استكمال مختلف الإجراءات المتعلقة بالاستفادة من الدعم، وتحتسب بداية المدة المستحق عنها الدعم منذ تاريخ توصل المعني بالأمر بالإشعار الذي يفيد استيفائه لمختلف شروط الاستفادة من الدعم المنصوص عليه في المادة [38]12 من القانون 58.23.

بقيت الإشارة إلى أن هناك العديد من الحالات التي لا تستفيد من نظام الدعم الاجتماعي، والتي نصت عليها المادة [39]7 من القانون 58.23، في مقدمتها الأشخاص المصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي خلال 12 شهرا التي تسبق استكمال إجراءات إيداع طلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر.

2-اجال التظلم على قرار رفض طلب الاستفادة من الدعم

سبقت الإشارة إلى أنه لقبول طلب تخويل الاستفادة من الدعم الاجتماعي بمختلف صوره لا بد من استيفاء المعني بالأمر لمختلف الشروط التي تم التطرق اليها سابقا، إلا أنه في بعض الحالات قد تتخلف تلك الشروط ليكون مال الطلب المقدم عبر منصة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي هو الرفض من لدن هذه الأخيرة، وفي هذا الإطار نجد المادة [40]5 من المرسوم 2.23.1067 قد خولت لرب الاسرة أو المصرح  رفع تظلما بشأن رفض طلبه داخل أجل 15 يوما من تاريخ إشعاره بالرفض، أمام الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لهذه الغاية، لتبت فيه إدارة الوكالة داخل أجل 30 يوما من تاريخ تسليم الوصل المثبت لعملية إيداع التظلم لصاحبه[41].

بقيت الإشارة إلى أن الحق في المطالبة بمختلف أشكال الدعم المنصوص عليها في نظام الدعم الاجتماعي تتقادم اجال منحها بمرور سنتين من تاريخ إصدارها أو من بداية كل أجل قاطع للتقادم[42]، الأمر الذي يتطلب  معه من الفئات المستهدفة ضرورة مواكبة عملية صرف هذا الدعم عبر الأجهزة الإلكترونية التي تتضمن بيانات التسجيل الأساسية المصرح بها في المنصة المخصصة لذلك، بما فيها البيانات التواصلية.

الفقرة الثانية: آليات الحكامة في تنزيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

إن الحكامة باعتبارها أسلوبا حديثا يشمل العديد من المكونات منها ماهو قيمي، وما هو قانوني، تتخللها مجموعة من الإجراءات التي من خلالها تسعى الأفراد لتحقيق أهدافها المشتركة بناء على مبادئ الانصاف والعدالة والمشاركة، من أجل تحقيق التدبير المعقلن، وبذلك فهي تشكل أهمية كبرى في الحرص على تنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر، وتنزيلا للتوجهات الملكية[43] في هذا السياق تم إحداق الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي المباشر بالاضافة لخلق العديد من اللجن  التي أنيط بها الحرص على حكامة تتبع تنزيل هذا المشروع وفق برنامج زمني محدد (ثالثا).

أولا: الهيئات المكلفة بتنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر

انسجاما مع المبادئ الدستورية الرامية لبناء دولة المؤسسات، واستنادا لما جاء به قانون الإطار 09.21 والتوجيهات الملكية السامية في هذا المجال، تم سن العديد من الهيئات التي أنيطت بها مهمة الاشراف على تنزيل مختلف المبادرات التمويلية لبرنامج الدعم الاجتماعي (1)، وفق معايير ومبادئ مضبوطة تستدف التقليص من نسبة الهشاشة على وجه الخصوص (2).

1-الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي

حرصا من المشرع على التنزيل السليم لورش الدعم الاجتماعي المباشر عمل عن القانون 59.23 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، التي يسهر على تدبير شؤونها مجلس إداري (أ) أنيطت به العديد من الصلاحيات وفق قانونها المذكور (ب)

أ-تأليف مجلس إدارة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي

تعتبر الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي المباشر من أهم المؤسسات التي خول لها المشرع صلاحيات واسعة في مجال حوكمة الدعم الاجتماعي، وهي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي، يوجد مقرها بالرباط، ويمكن إحداث تمثيليات عنها على المستوى الترابي.

ولا شك أنه وبالعودة للقانون 59.23 نجد المشرع قد نص على مجموعة من الأعضاء الواجب توفرها في مجلس إدارتها وتسييرها، وذلك حتى يتم الحرص عن ضمان المزيد من النجاعة على مستوى تنزيل مختلف المبادرات التمويلية لنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

وهكذا بالعودة للمادة الرابعة وما بعدها من القانون المذكور نجد بأن الوكالة تتوفر على جهاز الإدارة والتسيير والذي يتولى ادارته وتسييره مدير عام، كما يضم في تشكيله مجموعة من الأعضاء الاتي بيانهم:

-ممثلو الإدارة

-المدير العام للوكالة الوطنية للسجلات

-ثلاثة أعضاء مستقلون مشهود لهم بالكفاءة في المجالات المرتبطة بمهام الوكالة

وتعقد اجتماعات إدارة الوكالة بدعوة من رئيسها ويمكنه أيضا أن يدعو أي شخص من غير ما تم ذكرهم من اجل حضور اجتماعات الوكالة بصفة استشارية.

ويحظى المجلس في إطار الاختصاصات المنوطة بها بمجموعة من الصلاحيات على كافة المستويات (الميزانية، الحوسبة، التنظيم، اعداد التقارير، الدراسات…).

ب-مهام الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي

من أجل ضمان المواكبة الفعالة لتنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر، نصت المادة الثالثة من القانون 59.23 على العديد من المهام[44] التي يقوم بها مجلس إدارة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، والمرتبطة أساسا بتدبير نظام الدعم الاجتماعي المباشر، وذلك بغية تحقيق التنزيل الامثل لهذا الورش الطموح وفق مقاربة فعالة وناجحة تستمد أسسها من مبادئ الحكامة الجيدة المؤسساتية.

وطبقا لما ذكر، وباستقرائنا للمادة أعلاه نجد بأن إدارة الوكالة خول لها المشرع مهام واسعة فيما يخص تلقي طلبات الاستفادة من ورش الدعم الاجتماعي المباشر، وذلك بتأكدها من مدى استيفاء الطلب لمختلف الشروط والضوابط القانونية، بالإضافة لأحقيتها في معالجة التظلمات المرتبطة بهذا الطلب.

كما تناط بها مهمة القيام بصرف مختلف الإعانات المستحقة، وكذلك مسك الميزانية السنوية الموجهة لنظام الدعم الاجتماعي، وجمع كافة البيانات الإحصائية عن المستفيدين، والحرص أيضا على تطوير وتقييم وتتبع مؤشرات نظام الدعمبالإضافة لدورها المحوري في إعداد مختلف الدراسات والتقارير والاتفاقيات والمبادرات التي تروم لتجويد ونجاعة تدبير نظام الدعم الاجتماعي المباشر، الأمر الذي يجعل منها إحدى الأجهزة الحكماتية المهمة التي يعلق عليها رهان نجاح هذا النظام.

2- اللجان الوزارية لقيادة برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

حسب المادة 15 من قانون الإطار 09.12 المتعلق بالحماية الاجتماعية تم التنصيص على ضرورة خلق أليات حكماتية لتنزيل أوراش تعميم الحماية الاجتماعية، بغية الحرص على التنزيل المعقلن لهذه الأوراش، خاصة ورش الدعم الاجتماعي الذي يتطلب مواكبة فعلية وناجعة بغية الحرص على الاستهداف المستحق للأسر المعوزة، الأمر الذي تكلل بخلق اللجن التالية.

أ-إحداث لجنة بين وزارية لقيادة برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

إن نجاح أي مشروع يقتضي الالتزام بالحكامة التدبيرية، والتي تعد الوسيلة الوحيدة لنجاح مشروع الدعم الاجتماعي المباشر، وفي هذا الصدد نص المرسوم 2.21.532 المتعلق بإحداث اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، والذي نص على تأليفها ومختلف الاختصاصات والمهام المنوطة بها.

ومن أجل الحرص على التنزيل السليم لهذا المشروع تم التأكيد على دور هذه اللجنة مع صدور قانون مالية 2024 الذي نص بدوره على خلق لجنة القيادة الموحدة، التي يتولى رئيس الحكومة رئاستها وتضم في عضويتها باقي الوزارات المشار إليها أعلاه، وذلك إيمانا من الحكومة بضرورة وضع إطار جديد يساهم في تطوير وتوحيد برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، تشمل جميع جوانبه ومحدداته الأساسية، من خلال العمل على التنسيق بين مختلف اللجن الموضوعاتية، وبلورة التصور الاستراتيجي للبرنامج، وفق البرمجة الزمانية المحددة والعمل على معالجة مختلف المشاكل المرتبطة بتنزيل هذا الورش، والتنسيق بين مختلف المؤسسات المتدخلة في هذا المجال[45].

ب-اللجان الموضوعاتية ودورها في حكامة تنزيل ورش الدعم الاجتماعي

مما لا شك فيه أن ورش الدعم الاجتماعي المباشر يتميز بتعدد المتدخلين في تنزيله، بسبب تعدد المهام منها ما يعود للوكالة الوطنية للسجلات وما تشكله أهمية التسجيل والتقييد في السجلات التي تتولى مسكها، حيث من خلالها يتم الحصول على العتبة المخولة للاستفادة، ، إلا أن هذا التعدد للجهات المتدخلة اقتضى ضرورة خلق العديد من اللجان للحرص على تنزيل هذا الورش.

فبخصوص منظومة الاستهداف تم خلق لجنة خاصة لهذا الغرض تحت رئاسة وزير الداخلية، تتولى تقديم الدعم والمساعدة للجنة القيادة فيما يخص السجل الاجتماعي الموحد، كما تتبع عملية تفعيل السجل السكاني على مستوى العمالات والأقاليم، والحرص على إتمام عملية تسجيل الأسر بالسجل الاجتماعي الموحد، بالإضافة لحرصها على تجسيد التواصل والانفتاح على المواطنين بخصوص هذا البرنامج[46].

فيما اللجنة الثانية ضمن اللجن الموضوعاتية يرأسها السيد الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، المكلف بالميزانية، والتي تتولى مهمة الدعم والمساعدة للجنة القيادة فيما يخص تنزيل ورش الدعم الاجتماعي، ومدى انسجام جل الفئات مع الاستهداف من السجل الاجتماعي الموحد، بالإضافة لحرصها على محاكاة الجانب المالي، ومختلف الأثار والسيناريوهات الممكنة، بالاعتماد على معطيات السجل المذكور.

أما اللجنة الثالثة والأخيرة وهي اللجنة الخاصة بالمواكبة القانونية لتنزيل ورش الدعم الاجتماعي، تقع تحت رئاسة الأمين العام للحكومة، وتتمثل مهمتها في منح الدعم والمساعدة التقنية للجنة القيادة، في كل ما يتعلق بالجوانب القانونية لتنزيل هذا الورش الإصلاحي الطموح[47].

ثانيا: حكامة الجدولة الزمنية وقاعدة الاستهداف في تنزيل الدعم الاجتماعي

لا شك أن الحيز الزمني يشكل منطلقا أساسيا وتحديا حقيقيا لإنجاح مختلف المبادرات التمويلية للدعم الاجتماعي لكونه يجسد روح الالتزام الجاد في تنزيلها (1)، لا سيما أن هذا الدعم موجه للطبقة الهشة (ب) الأمر الذي يجعل من هذان العنصران إحدى المؤشرات الأساسية لنجاعة وحكامة تنزيل الدعم الاجتماعي.

1-عقلنة الجدولة الزمنية مؤشر مطمئن لتنزيل ورش الدعم الاجتماعي

إن ما يميز تنزيل ورش تعميم التعويضات العائلية بشكل عام هو اقترانه بعنصر الزمن الذي يشكل عاملا محوريا في نجاح مختلف الأوراش التنموية، إذ برجوعنا إلى قانون الإطار 09.21 نجده قد نص على ضرورة تنزيل هذا الورش خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2023 و 2024، لفائدة 7 ملايين طفل متمدرس وبتكلفة مالية قدرت ب 20 مليار درهم سنويا، الأمر الذي سيدفع بكل المتدخلين لبذل أقصى جهدهم بغية التنزيل الفعلي لهذا المشروع الذي انطلق خلال شهر دجنبر 2023 ليشمل أكبر عدد من نسبة 60 في المائة غير المشمولين بأي نظام للدعم والتأمين.

وهذا ما هو إلا تجسيد للإرادة الملكية التي ما فتئت تشيد بضرورة الانضباط والاحتكام لعنصر الزمن باعتباره أهم مقومات الحكامة الجيدة في تنزيل مختلف السياسات العمومية[48]، ذلك أن ربط التنزيل الفعلي للدعم الاجتماعي بالغلاف الزمني المحدد  أعلاه سيساهم في تنزيله بشكل أسرع من دون نهج طريق التماطل والتكاسل الذي يطبع العديد من المشاريع التي يكون مآلها الفشل، خاصة وأن هذا الدعم موجه للفئات الهشة التي لا تسمح وضعيتها المادية في ظل تقلبات أسعار السوق بسبب التأثيرات الظرفية الداخلية والخارجية المزيد من الانتظار، لذلك فعنصر الزمن يشكل آلية رشيدة ومكملة لعقلنة تنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر.

2- استهداف الفئات الهشة رهان أساسي في تنزيل الدعم الاجتماعي

من المسلم به أن قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية تم سنه أساسا للارتقاء بالطبقة الهشة، وذلك من خلال حماي هذه الفئات من شتى المخاطر التي تهدد وضعهم المعيشي، حتى يتم التقليص من حدة الفوارق الاجتماعية بين مختلف الطبقات.

وهذا تجلى مع تنزيل المحور المتعلق بالتعويضات العائلية، إذ من خلاله تم الإسراع في منح العديد من صيغ الدعم عبر برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، كتلك المتعلقة بمنح الدعم الشهري للوقاية من مخاطر الطفولة، وكذا الدعم الجزافي الموجه للأسر المعوزة بغية دعم قدرة هذه الفئات على مواجهة الهشاشة والفقر.

مما يعني أن الدعم الاجتماعي ورش طموح موجه أساسا للوقاية من مختلف المخاطر التي تهدد الطبقة الهشة، الأمر الذي يجعل منه إحدى المداخيل الأساسية للتقليص من الفوارق الاجتماعية الحاصلة، وذلك بناء على معايير تقنية دقيقة محددة، اعتمادا على السجل الاجتماعي الموحد كمرجع أساسي في تحديد قيمة مؤشر منح الدعم الاجتماعي الذي تختلف نسبته بحسب اختلاف المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية لكل أسرة.

وبناء عليه، فإن جعل الطبقة الهشة كرهان استراتيجي ولمختلف المبادرات التمويلية التي يقوم عليها نظام الدعم الاجتماعي، وبفضل المعايير التقنية الحديثة التي تحكم مؤشر الاستفادة وعدمه، سيساهم بشكل أنجع في حكامة عملية تنزيل ورش الدعم الاجتماعي كإحدى الاليات الأساسية التي يعول عليها رهان ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية عموما.

المبحث الثاني: تنزيل نظام الدعم الاجتماعي المباشر بين الافاق والمعيقات

يعد نظام الدعم الاجتماعي المباشر إحدى المشاريع الاستراتيجية التي تحضى بالأولوية للحد من مختلف المخاطر المرتبطة بحماية الطفولة والشيخوخة، وقد بدلت السلطات العمومية جهودا محمودة في هذا المجال، حيث تم الإسراع في خلق مناخ تشريعي ملائم لعملية استهداف مختلف الشرائح الاجتماعية التي ظلت عرضة للإقصاء طيلة العقود الماضية، بالإضافة للمواكبة الميدانية التي تجلت في خلق سجلات رقمية  تطلبت تكاليف باهظة لتنزيلها، الأمر الذي سيساهم في التقليل من مختلف المشاكل التي تواجه الطفولة والأسر الهشة (المطلب الأول)، هذا فضلا عن المواكبة التمويلية التي خصص مبلغ مالي سنوي لا يقل عن 20 مليار درهم موجه لكافل أشكال التعويضات والدعم الموجه للفئات الهشة، لكن واقع الحال يبوح بوجود العديد من التحديات، ترتبط بعضها بغياب قواعد ناجعة في تدبير عملية الاستفادة من الدعم، إضافة لمشكلة الاستدامة المالية لهذا المشروع (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ورش الدعم الاجتماعي المباشر ودوره في الارتقاء بالطبقة الهشة

 مما لا شك فيه أن الدعم الاجتماعي المباشر بمختلف صوره يعد نموذجا رائدا للعمل الإنساني القائم على البر، وتجسيد حقيقي لمفهوم المساواة لذلك فهو سيساهم بشكل كبير في الحد من العديد من الظواهر التي تهدد الطفولة (الفقرة الاولى)، وكذا التقليل من نسبة الهشاشة التي تشهدها شريحة واسعة من الأسر المغربية (الفقرة الثانية)، بغية تحقيق نوع من التوازن بين الشرائح الاجتماعية الذي ما فتئ شكلت محط اهتمام توجهات جلالة الملك في هذا المجال.

الفقرة الأولى: الدعم الاجتماعي مدخل للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالطفولة

رغم التحول الديمغرافي الذي يعرفه المغرب إلا أن نسبة الشباب لا زالت في ارتفاع ملحوظ، إذ سجل الإحصاء العام للسكنى سنة 2014 وجود ما يمثل نسبة 24 في المائة من الأطفال يقل سنهم عن 14 سنة، ونسبة 26 في المائة دون سن 26، الأمر الذي أفرز لنا العديد من الظواهر المهددة لهذه الفئة، والتي يبقى التقليل منها معلقا على رهان نجاح الدعم الاجتماعي، مما يفرض علينها تناول هذه النقطة وفق التالي.

أولا: الدعم الاجتماعي ودوره في التخفيف من هشاشة الأطفال

على غرار البرامج السابقة التي كانت تقصي معها شريحة واسعة من الأطفال ويتعلق الامر بالمعاقين ونزلاء المؤسسات الاجتماعية، نجد القانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر قد نص على شموليتهم بالدعم الاجتماعي ، وذلك بغية دمج وضعيتهم الاجتماعية مع باقي المستفيدين، ونفس الأمر أيضا لليتامى سواء من جهة الأب أو الأم، كما خولت المادة 3 أيضا من نفس القانون للأرملة إمكانية الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر في حالة إذا كان تحت كفالتها طفل معاق طيلة مراحل حياته، هذا فضلا عن الأطفال غير الموجودين في إحدى الحالات المشار إليها الذين بدورهم خولت لهم أحقية الاستفادة من الدعم الاجتماعي الذي يختلف بحسب العديد من المؤشرات.

وهكذا فإن إعانات الدعم الموجهة للأطفال التي حددت بموجب ملحق المرسوم 2.23.1067 قيمتها في 200 درهم عن كل شهر بالنسبة لثلاث أولاد الأوائل، والتي من المرتقب أن تصل قيمتها 300 درهم شهريا مع مطلع سنة 2026 ، وباقي أنواع الدعم الموجه للفئات الخاصة المشار إليها سابقا، ستساهم بشكل كبير في تحسين الوضعية المادية للطفل، حتى لا يظل عرضة لشتى المظاهر السلبية الناتجة عن الفقر والهشاشة من قبيل توظيفه في التسول والجنوح، وغيرها من السلوكات التي تعيق دون تمتعه بالأمن والاستقرار ، ذلك أن الجانب المالي هو من يشكل في أغلب الحالات السبب المحوري في تزايد الحرمان والإهمال والتشرد… وما لها من أثار وخيمة عل مستقبل الطفل.

إلا أن الإشكال الذي يطرح في هذا السياق هو أن المشرع في إطار تحديده لنسب الدعم الموجه للطفولة حصر الدعم الموجه للمتمدرسين في 36 درهم بالنسبة لباقي الأولاد الرابع والخامس والسادس، مقابل 26 درهما لغير المتمدرسين كمنح دعم شهرية، الأمر الذي يجعل منها مبالغ ضئيلة ولا ترقى للمستوى المطلوب، مقارنة مع قيمة الدعم المقدم لباقي الأولاد الثلاثة الأوائل كما رأينا سابقا.

وعموما سواء تعلق الأمر بالأطفال العاديين أو ذوي الحالات الخاصة، فإن استفادتهم من الدعم سيساهم بشكل كبير في الارتقاء بوضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز مكانتهم الاعتبارية داخل المجتمع.

ثانيا: الدعم الاجتماعي المباشر رهان حقيقي لتشجيع التمدرس

يعد الحق في التعليم من أهم الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الفرد داخل المجتمع، لذلك حظي بعناية دستورية لازمة لاسيما بموجب الفصل 31 من الدستور، وذلك إيمانا من المشرع بأهمية هذا الحق في بناء وتخليق دولة الحق والقانون، الأمر الذي جعل منه إحدى الدعامات الكبرى للنموذج التنموي الجديد.

إلا أن هذا الحق قد تتراجع مكانته حينما يصطدم بتفشي ظاهرة الهدر المدرسي الذي يتجسد في التوقف عن الدراسة وعدم إكمال المتعلم لمشواره الدراسي بشكل نهائي، وبالتالي حرمانه من الحصول على أية شهادة ودون تأهيل دراسي أو تكويني، بسبب تظافر العديد من الأسباب المحيطة بالفرد منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي، ومنها ما يتعلق بالمحيط الأسري والتربوي، والتي تدمر مستقبل وطموح الفرد[49].

ولأهمية هذه الفئة في النهوض بمستقبل البلد فقد تم الحرص على سن العديد من المبادرات الملكية كمبادرة مليون محفظة، بالإضافة برنامج تيسير وبرنامج راميد،  إلا أن  هذه البرامج ظلت تعاني من ضعف التدبير والتنسيق، إلى تم توحيدها من خلال برنامج الدعم الاجتماعي المباشر تنزيلا لورش تعميم التعويضات العائلية للنهوض بوضعية الطفولة، الذي يعد  إحدى الدعائم الكبرى لقانون الإطار، حيث من المتوقع أن يستفيد منها 22 مليون طفل متمدرس، وبميزانية إجمالية حددت في 20 مليار درهم، وهذا ما يتجسد مع عمليات الدعم الاجتماعي الذي أعطيت انطلاقته خلال شهر دجنبر 2023، الأمر الذي سيساهم في تعزيز متانة علاقة الفرد بالمؤسسات التعليمية خاصة في المجال القروي، الذي يعرف ارتفاعا كبيرا في ظاهرة الهدر المدرسي، نظرا لقلة الإمكانيات المادية للأسر وما يطبعها من انعكاس سلبي على المسار التعليمي للطفل.

الفقرة الثانية: دور الدعم الاجتماعي الجزافي في تقليص المخاطر المرتبطة بالشيخوخة

لا شك أن الأسرة تعد الخلية الأساس في منظومة البناء المجتمعي لذلك ما فتئ أن شكلت محط اهتمام التوجهات الملكية في هذا المجال، في طليعتها إخراج برنامج الدعم الاجتماعي المباشر بغية الارتقاء بوضعها المجتمعي على كافة المستويات، ويمكن إبراز ذلك وفق الاتي.

مقال قد يهمك :   محكمة النقض: البناء في ملك الغير دون اذن لايكسب الباني حق الزينة

أولا: الدعم الاجتماعي الجزافي ضمانة لتعزيز القدرة الشرائية للأسر المعوزة

إن تعميم الحماية الاجتماعية فرض معه ضرورة إعادة النظر في مجموعة من التدابير الإصلاحية الهيكلية، لعل أهمها الرفع التدريجي للدعم الموجه لصندوق المقاصة، الأمر الذي سيؤدي لارتفاع أسعار العديد من المعدات والمنتجات من أهمها غاز البوتان، وكذا السكر والدقيق، وغيرها من المواد الأساسية للعيش، مما يعني أن هناك شريحة واسعة من الأسر قد يكون بوسعها تحمل تكلفة هذه الأسعار، وبالمقابل وجود العديد من الأسر التي ليس في مقدورها التماشي مع مستوى هذه الأسعار.

الأمر الذي أدى إلى ضرورة إخضاع جل الأسر المقيدة في السجل الاجتماعي الموحد لمعيار العتبة المحددة بموجب المرسوم 2.23.1067 في معدل 9.74، حيث أن الأسر التي لم يتجاوز مؤشرها الاجتماعي العتبة المذكورة ستستفيد من الدعم الاجتماعي المباشر، وذلك بغية تعزيز قدرتها الشرائية أمام المد التصاعدي لأسعار المواد الأساسية، وذلك بالنظر لكونها تعد من الأسر الأكثر هشاشة وفقرا داخل المنظومة المجتمعية، على غرار باقي الأسر الأخرى التي فاق معدلها العتبة المذكورة، وهذا ما سيضع القطيعة التفاوتات الحاصلة على مستوى القدرة الشرائية التي ظلت قائمة طيلة السنين الماضية، وبالتالي ميلاد عهد جديد للدولة الاجتماعية التي قوامها العدالة الاجتماعية والمساواة.

ثانيا: الدعم الاجتماعي الجزافي رافعة لتعزيز التماسك الاجتماعي للأسر المعوزة

لا شك أن التركيبة الاجتماعية للمجتمع المغربي ظلت منذ حقبة الاستقلال تعاني على مستوى التفاوت الحاصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية، الأمر الذي يحيل على عدم وجود نظام منصف لكافة مكونات المجتمع المغربي، ولعل الغاية الأساس التي وجد من أجلها نظام الدعم الاجتماعي والحماية الاجتماعية عموما، هي وضع القطيعة مع سياسة المغرب النافع والمغرب غير النافع، تعزيزا لقاعدة التماسك الاجتماعي.

وتأكيدا لما سبق فإن الغاية التكافلية لنظام الدعم الاجتماعي الموجه للطبقة الهشة سيساهم انطلاقا من المبادئ الحكماتية التي يقوم عليها في ضمان التوازنات الاجتماعية وتجاوز الاختلالات الحاصلة، وبالتالي ضمان قوة الروابط الاجتماعية والحضارية بين الأفراد، وتعزيز الانسجام والتلاحم بين وحدات المجتمع، كإجابة لمختلف مظاهر التفكك والتفاوت التي لا تتفاعل مع متطلبات التغيير[50]، وتجاوز العديد من المحن كما هو الحال بالنسبة للتلاحم الذي ساد الأمة المغربية قاطبة من تضامن وتآزر على إثر زلزال الحوز، الذي لقي إشادة ملكية فائقة[51].

المطلب الثاني: إكراهات تنزيل ورش الدعم الاجتماعي المباشر

بالرغم من المزايا المتوخاة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر باعتباره مشروعا طموحا لتكريس الركائز للدولة الاجتماعية، إلا أن واقع الحال يكشف عن وجود العديد من الاختلالات التي تحد من تحقيق أبعاده الأساسية خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهذا أمر طبيعي لكون المشاريع التي في نجاحها نجاح للدولة برمتها دائما ما تعترضها العديد من الاكراهات خلال عملية تفعيلها، والتي يمكن تقسيمها إلى معيقات تستمد أساسها من السجل الاجتماعي نفسه (الفقرة الأولى)، وأخرى ذات طبيعة مالية تعود لوجود اختلالات على مستوى تمويل ورش الدعم الاجتماعي المباشر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تنزيل نظام الدعم الاجتماعي وقصور قواعد منظومة الاستهداف

إن عملية استهداف المستفيدين من عملية الدعم الاجتماعي المباشر تظل رهينة كما أسلفنا الذكر سابقا بالتقييد في السجل الاجتماعي الموحد بغية الحصول على المعدل الثابت المخول لإمكانية الاستفادة، إلا أن عملية تدبير هذا السجل أفرزت لنا العديد من المشاكل سواء منها ما يعود لولوجيته (أولا)، أو معايير تحديد عتبة الاستفادة (ثانيا).

أولا: ضعف نسبة المقيدين بالسجل الاجتماعي الموحد

يعتبر السجل الاجتماعي الموحد ألية مهمة لتعزيز النجاعة والتناسق بين مختلف برامج الدعم الاجتماعي، من خلال التصور الموحد الذي يقوم عليه لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف وشفاف وفعال، عبر اعتماد مساطر مبسطة ومعايير دقيقة، ترتكز على مبادئ الاستحقاق وتكافؤ الفرص وعدم التمييز[52].

إلا أن تحقيق هذا السجل للغرض المنشود والذي يكمن في استهداف أكبر شريحة مجتمعية ممكنة، تعترضه العديد من الإشكالات على مستوى تعميمه ليشمل كافة الأسر، خاصة في ظل عدم وجود أي مبدأ دستوري، أو نص قانوني يلزم الفرد أو الأسرة بضرورة الخضوع لعملية التقييد سواء في السجل السكاني أو السجل الاجتماعي الموحد، وهذا ما نلمسه بشكل واضخ من خلال حصيلة المسجلين في هذه السجلات، إذ حسب المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2024 لم يتجاوز عدد المسجلين بالسجل السكاني عتبة 13.6 مليون شخص، مقابل 9.7 مليون شخص بالسجل الاجتماعي الموحد، الأمر الذي يوحي معه وجود نسبة كبيرة من الأفراد والأسر غير خاضعين لهذه السجلات[53]، خاصة وان أغلب المواطنين غير واعون بأهمية ورش الحماية الاجتماعية بشكل عام، وهذا راجع إلى غياب مبادرات تحسيسية فعالة من مختلف الفاعلين والقائمين على  تنزيل هذا المشروع، الأمر الذي يجعل شريحة واسعة من المواطنين غير مقتنعين به، خاصة بعد فقدانهم الثقة في البرامج السابقة التي شهدت العديد من الاختلالات وسوء التدبير.

ثانيا: محدودية معايير تحديد عتبة الاستفادة من نظام الدعم الاجتماعي

لا يمكن إنكار المجهودات التي تقوم بها الدولة في سبيل تعميم ورش الحماية الاجتماعية وبرامج الدعم الاجتماعي على وجه الخصوص، الموجهة للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا، وبالفعل تم خلق سجل اجتماعي رقمي موحد لمواكبة عملية الاستفادة من هذا الدعم، الذي يقوم على معايير دقيقة وأكثر فاعلية مقارنة مع أليات تدبير البرامج السابقة.

وكما هو معلوم فإن عملية التقييد بهذا السجل تعتبر خطوة أساسية من أجل تنقيط الأسر بناء على المعطيات المرتبطة بظروفها الاجتماعية والاقتصادية وفق صيغة حسابية يتم إعدادها وتغييرها وتحيينها من لدن المندوبية السامية للتخطيط، والتي تختلف بين المجال الحضري والقروي، بغية الحصول على المعدل الثابت الذي يجب ألا يتجاوز 9.74 من أجل التمكن من الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي المباشر.

ومن أهم عناصر العملية الحسابية المعتمدة في تنقيط الأسر نجد المعامل المتغير CI والذي يعبر عن المعطى الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي للأسر، معتمدا في ذلك على مجموعة من المعايير من ضمنها الأملاك العقارية والأموال المنقولة التي في ملكية الأسرة المسجلة بالسجل الاجتماعي، وهذا أمر منطقي جدا لحصر الوضع الحقيقي للأسر.

 لكن بالمقابل نلاحظ على هذا المرسوم وجود العديد من المعايير التي تتفاعل فيها العديد من أساسيات العيش الكريم للأسر، من قبيل وصف السكن (مدى توفره على حمام، لاقط هوائي…)، أو توفر الأسرة على سيلة نقل، الهواتف المحمولة والثابتة… هذه كلها إمكانيات لازمة لعيش كل أسرة بغض النظر عن وضعيتها الاجتماعية، ولا ترقى لأن تكون معيارا في تقييم وضعية الأسر، لأنه في تحقق هذه المعايير نكون تحت عتبة الفقر بسبب انعدام أدنى شروط العيش التي من المفترض أن تكون قائمة.

كما نجد أيضا عنصر المقدار الثابت الذي يختلف بحسب اختلاف الجهات، بناء على معيار الجهات الغنية والجهات الفقيرة، وهذا لا يستقيم في ظل التفاوتات الحاصلة على مستوى الجماعات، والعمالات أو الأقاليم المشكلة للجهات، إذ نجد العديد من الجهات التي تصنف ضمن الجهات الغنية حسب التقسيم الجهوي الأخير تحتوي على عمالات وأقاليم لا زالت متخبطة في الهشاشة والفقر، كما هو الحال بالسبة لجهة طنجة تطوان الحسيمة التي تضم أعلى نسبة للمقدار الثابت، الأمر الذي يشكل تناقضا أمام تحدي التفاوتات المجالية، التي يعد الحد منها إحدى أهم طموحات الدولة الاجتماعية عموما[54].

ثالثا: استهداف فئوي محدود يفقد نظام الدعم الاجتماعي خصوصيته

إن سياسة الاستهداف التي تميز ورش الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي على وجه الخصوص، والتي ركزت بشكل كبير على المعايير الاقتصادية والاجتماعية بغية دعم الطبقة الهشة والارتقاء بها للمستوى المطلوب، باستطاعتها تجاوز مجموعة من الاختلالات التي أفرزها واقع تنزيل البرامج السابقة كما هو الحال لنظام راميد.

إلا أن واقع منظومة الاستهداف يبوح باندلاع العديد من الإشكالات التي لا نجد لها جوابا صريحا على مستوى مختلف القوانين والمراسيم المؤطرة لنظام الدعم الاجتماعي، والتي تكمن في محدودية شمولية برامج الدعم لفئات واسعة من الأسر التي لم تستوفي عتبة معدل الاستفادة بالرغم من تدني وضعيتها المعيشية[55]، بحكم توفر بعض  المعايير المشار إليها سابقا والتي يجب أن نكون في غنى عن الاعتداد بها.

كما نعيب على ذات التشريع إقصاءه لفئة الأشخاص الموجودين في وضعية البطالة، هذه الشريحة التي لم يسعفها الحظ في الالتحاق بسلك الوظيفة العمومية، أو الاشتغال بالقطاع الخاص بأجر يضمن لها الاستقرار المادي، ويؤمن لها الوضعية المعيشية، خاصة وأن الحصة الغالبة من هذه الفئة حاصلة على شواهد عليا بمختلف الشعب العلمية، وأن تزايدها بات أمرا مقلقا خلال العصر الحالي[56].

وهذا ما يشكل أيضا تعارضا واضحا مع أهداف التنمية المستدامة التي تقتضي ضرورة الإلتزام بعدم ترك أي شخص في الخلف، بغية تحقيق هدف الصفر في العديد من المجالات  (التشغيل، الصحة، التعليم…)، وبالتالي الوصول لعالم 2030 الخالي من الفقر والهشاشة والتمييز[57]، صحيح أن المغرب وفي إطار ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية قد شرع منذ سنة 2021 على إطلاق العديد من المبادرات الشبابية (برنامج فرصة، أوراش…)، إلا أن هذه البرامج ليست حلا ناجعا لعموم الشباب في وضعية بطالة، خاصة وأن معظم هذه المشاريع التشغيلية ذات طابع مؤقت، ولا تضمن الاستقرار الدائم للفرد.

وعلى خلاف ما ذكر، نجد العديد من الدول المقارنة في مقدمتها فرنسا التي تمتلك إحدى أجود أنظمة الحماية الاجتماعية قد خصصت منحا مهمة لفئة البطالة، إيمانا منها بدور هذه الفئة في البناء المجتمعي، لذلك ندعو المشرع المغربي الى ضرورة لفت النظر تجاه الفئة التي تعيش البطالة خاصة منهم حاملو الشواهد العليا وتخصيصهم دعما مباشرا ترسيخا للمفهوم الحقيقي للدولة الاجتماعية، كما دعا إليها جلالة الملك محمد السادس.

الفقرة الثانية: نظام الدعم الاجتماعي المباشر ومعضلة الاستدامة المالية

إن إنجاح رهان الدعم الاجتماعي المباشر كإحدى المداخيل الأساسية لبلوغ الدولة الاجتماعية يحتاج لضرورة ضمان تمويل منصف ومستدام، بشكل يتماشى مع التوصيات الدولية في هذا السياق، والمشرع المغربي بطبيعة الحال إيمانا منه بأهمية التمويل في بناء أسس الحماية الاجتماعية بشكل عام، نص بموجب قانون الإطار 09.21 على العديد من المصادر التمويلية المتنوعة لتمويل هذا الورش الإصلاحي المهم من خلال أليتي الاشتراك والتضامن، هذه الأخيرة التي يرتكز عليها بشكل أساسي نظام الدعم الاجتماعي ولا سيما في جانبها المتعلق بالإمدادات الميزاناتية للدولة[58]، إلا أن تكلفة تمويل هذا البرنامج ستطرح تحديا حقيقيا في واقع التفعيل نظرا لوجود العديد من الاكراهات، تتجلى أساسا في قلة وضعف موارد صندوق عدم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي (أولا)، وما سيفرزه تحول مسار امدادات صندوق المقاصة موازاة مع رفع الدعم عن العديد من المواد الأساسية (ثانيا).

أولا: صندوق دعم الحماية الاجتماعية وتحدي الاستدامة التمويلية للدعم الاجتماعي

يعتبر صندوق دعم الحماية الاجتماعية ودعم التماسك الاجتماعي[59] من أهم الحسابات الخصوصية المحدثة، والحسابات الخصوصية بشكل عام هي مجموع المرافق والمصالح التي يتم تدبيرها بمعزل عن الميزانية العامة نظرا لخصوصيتها، وقد أخصها المشرع بالعديد من الإمدادات المالية (1)، والتي قد تواجه مستقبلا تحديا حقيقيا يكمن في مدى استدامتها وصلاحبتها  لتمويل ورش الدعم الاجتماعي (2).

1-الإمدادات المالية الموجهة لصندوق تمويل ورش الحماية الاجتماعية

تعد المخصصات الميزاناتية في مقدمة الإمدادات المالية المخصصة لتمويل الدعم الاجتماعي المباشر، وفي هذا الصدد بلغت ميزانية الدولة الموجه لورش الدعم حسب مشروع قانون مالية سنة 2024 ما يقارب 30.7 مليار درهم، بارتفاع نسبته 2.5 مليار درهم عن ميزانية سنة 2023 التي لم تتجاوز عتبتها 28.13 مليار درهم، والتي وجهت بشكل أساسي لتأهيل المنظومة الصحية [60]، وقد تشكلت نسبة  25 مليار درهم منها لتمويل ورش الدعم الاجتماعي المباشر، كما أن 20 مليار درهم من هذه الموارد تعود بالأساس للميزانية الذاتية للدولة، وهو رقم  محفز للسير نحو بلوغ الطموح المنشود، وإن لم يصل لحجم الميزانية التي تخصصها بعض الدول الناجحة في مجال الحماية الاجتماعية[61]،

 ارتباطا بما ذكر، تم العمل أيضا على ترشيد وعقلنة الامدادات الموجهة لمختلف الصناديق التي كانت مبعثرة من قبل (صندوق دعم الأرامل، برنامج تيسير، مبادرة مليون محفظة…)، حيث تم إعادة النظر في مخصصاتها المالية بتوجيهها مباشرة لصندوق دعم الحماية الاجتماعية ودعم التماسك الاجتماعي، ليصبح هو المصدر الأساسي لضخ التمويلات التي كانت توجه للبرامج المذكورة بشكل معقلن، والتي يفوق مجموع تكاليفها 15 مليار درهم سنويا، وهو رقم ليس بالأمر الهين وسيكون له وقع إيجابي على تمويل ورش الدعم الاجتماعي.

بالإضافة لما ذكر، نجد الإمدادات الضريبية، حيث أن المشرع الضريبي وعيا منه بأهمية الموارد الضريبية في تعزيز التكلفة المالية لتمويل برامج الدعم الاجتماعي، قام بالعديد من الإصلاحات التي همت المجال الضريبي كان أخرها القانون 69.16[62]، الذي سعى من خلال مادته الثالثة للتوسيع من نطاقه لإرساء المزيد من دعائم العدالة الضريبية[63]، تنزيلا لتوصيات المناظرة الوطنية للجبايات التي حثت على عقلنة توسيع الوعاء الجبائي[64].

وفي هذا الصدد تم ابتكار بعض الإمدادات الضريبة لتمويل برامج الدعم الاجتماعي إيمانا من المشرع بأهمية الامداد الضريبي في تمويل هذا الورش الإصلاحي المهم، في مقدمة هذه العائدات نجد نظام “المساهمة الاجتماعية للأرباح والأجور” التي تقتصر على الشركات التي يفوق ربحها الصافي 1 مليون درهم حسب قانون مالية 2022، بعدما كان نطاقها في السابق يشمل أيضا الأشخاص الذاتيين، ومما لا شك فيه أن هذه المساهمة تمكن من توفير امدادات مالية مهمة تفوق6 ملايير درهم لصندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي.

فإذ كانت هذه هي أهم الموارد المالية المعتمدة في تعبئة صندوق الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي لتمويل الدعم الاجتماعي، فإن الإشكال يطرح حول مدى قدرتها على ضمان استدامة تمويلية لورش الدعم الاجتماعي المباشر؟

2-الديمومة المالية تحدي حقيقي لإمدادات صندوق دعم الحماية الاجتماعية

 كما رأينا سالفا فإن منظومة تمويل ورش الدعم الاجتماعي القائمة على صندوق الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي وبإمداداته المالية المهمة، سيساهم بشكل كبير ضمان الادخار المالي لهذا الورش، إلا أنه بالمقابل قد تطرح جملة من الإشكالات المرتبطة بالديمومة المالية في هذا السياق.

 ولعل أهم تحدي يواجه الميزانية الذاتية للدولة، هو مدى قدرتها على المواكبة التمويلية لنظام الدعم الاجتماعي المباشر، خاصة إذا سلمنا أن أغلب موارد هذه الميزانية سواء في بعدها التحصيلي المركزي أو الترابي تتسم بعدم الثبات، في الوقت الذي كان مفترضا أن يبلغ حجم ميزانية الدعم لهذه السنة ما يفوق 25 مليار درهم، في أفق بلوغها 29مليار درهم مع مطلع سنة 2026.

     وبمفهوم أدق يكمن الإشكال أساسا في مدى ديمومة المخصصات الميزاناتية  لتمويل ورشم الدعم لفترة ما بعد سنة 2026، خاصة وأننا لا زلنا في مراحلنا الأولى تشهد استهداف فئة محدودة من الدعم، في الوقت الذي تتوقع التوجهات الحكومية بلوغ مجموع التكلفة التمويلية لنظام الدعم الاجتماعي ما يفوق 30 مليار درهم سنويا، الأمر الذي يجعل من المواكبة الميزاناتية  احدى التحديات الكبرى لتمويل هذا المشروع، خاصة أمام تزايد المطالب الدولية نحو الدعوة لضرورة رفع من ميزانية ونطاق ورش الدعم الاجتماعي للارتقاء بالطبقة الهشة في أفق بلوغ عالم 2030 الخالي من الهشاشة والفقر.

بالإضافة لما ذكر، نجد المشرع الضريبي فيما يخص المخصصات الضريبية كأهم مورد لصندوق دعم الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي خصوصا، قد سعى نحو التوسيع من دائرة التنويع الضريبي تماشيا مع القاعدة القائلة حيث توجد الأموال الكثيرة تم فرض الضريبة، لكن الأمر يثير كثير من الغموض من جهة أخرى على مستوى الظرفية الزمنية لاعتماد هذه النوع من المبادرات، فعلا سبيل المثال المساهمة الضريبية عن الارباح  تم حصرها في أجل لا يتجاوز حلول سنة 2025، مما يجعل منها ومن باقي المبادرات الضريبية في هذا المجال امدادا محدودا ولا يضمن التمويل المستدام المطمئن للدعم الاجتماعي، وفق ظرفية زمنية غير محددة.

وأمام هذا التحدي تلجأ الحكومة في كثير من الأحيان إلى الرفع من ضرائب الاستهلاك، كما هو الحال بالنسبة للزيادات التي طالت مجال النقل وفواتير استهلاك الماء والكهرباء، والأغشية المطاطية بموجب قانون مالية سنة 2024، الأمر الذي جعل من الضريبة على القيمة المضافة إحدى الموارد الأساسية لتمويل ورش الدعم الاجتماعي، في ظل غياب موارد أخرى للتمويل، وهذا ما يثقل كاهل المواطنين ويجعلهم غير قادرين على مواجهة الزيادات والإضافات الضريبية المفروضة، مما يعني أننا نعيش على واقع سوء تنزيل وبلورة مختلف السياسات العمومية في هذا المجال القائمة على البحث عن الأموال السهلة[65][66]، والتي تضم حسب القانون التنظيمي 130.13 باب الموارد وباب النفقات، والتي ستؤدي دورا محوريا في تمويل هذا المشروع الذي يعد أولوية وطنية حسب قانون الإطار.

عموما فإن الحاجة الملحة للتفكير في عقلنة موارد صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعية باتت تفرض نفسها مع إطلاق ورش الدعم الاجتماعي، لذلك ينبغي التوسيع من دائرة إمداداته المالية والحرص ترشيدها وفق منهجية رشيدة ومعقلنة.

ثانيا: رفع الدعم عن صندوق المقاصة بين متطلبات الديمومة التمويلية وسلبيات الواقع

يعتبر صندوق المقاصة مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وظيفته الأساسية تكمن في دعم أسعار المواد الأولية الأساسية (كالبوتان، السكر، الدقيق الوطني من القمح اللين)، هذا الدعم الذي كان يوجه له مباشرة من الميزانية العامة للدولة ليستفيد منه الجميع، لكن مع فلسلفة الدولة الاجتماعية أضحى هذا الدعم موجها مباشرة للمستهدفين في إطار نظام الدعم الاجتماعي المباشر، الأمر الذي سيتمخض عنه إقصاء فئوي ربما قد يكون في أمس الحاجة إليه، مما سيؤثر سلبا على واقع الأسعار، هذا ما سنبينه وفق الاتي.

1-رفع الدعم عن صندوق المقاصة ضرورة مرحلية لتمويل ورش الدعم الاجتماعي

إن فكرة صندوق المقاصة ليست وليدة اليوم بل تعود حقبة تأسيسه لأربعينيات القرن الماضي، بمبادرة فرنسية بغية مواجهة مد الغلاء الذي طال ان ذاك أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة للمغرب، ليتم إعادة النظر في مجموعة من أحكامه بموجب ظهير 1977، والذي نص بموجب مادته 8 على العديد من الموارد التي يقوم عليها بغية تدعيم أسعار المواد الأساسية[67].

ومع ظهور مشروع الدولة الاجتماعية الذي تقتضي المساواة في تقاسم الثروة، تم تزامنا مع إطلاق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر التفكير في إعادة النظر في طريقة توجيه الدعم الذي يقدمه، وذلك من خلال رفع الدعم الموجه له وتخصيصه مباشرة لصندوق الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، لتستفيد منه الفئات المستهدفة التي خول لها معدل العتبة الذي لا يجب أن يفوق 9.74 إمكانية الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.

وكما هو معلوم أن وظيفة هذا الصندوق تكمن في دعم الدولة للمواد الأساسية ويتعلق الأمر بغاز البوطان والسكر والدقيق الوطني من القمح اللين، وذلك بمبالغ مالية مهمة تناهز سنويا ما يفوق 16 مليون درهم حسب قانون المالية لسنة 2024، والتي يحتمل أن تصبح 8 مليار درهم مطلع سنتي 2025 و 2026، لكن مع فلسفة المفهوم الحديث للدولة الاجتماعية وما تتضمنه من مبادرات في طليعتها إطلاق ورش الدعم الاجتماعي المباشر، تم العمل على التقليص من حجم هذا الدعم، فكانت البداية مع الرفع التدريجي الموجه لغاز البوطان، وذلك بغية توفير ادخار مالي مهم لتمويل هذا الورش الهام.

إذ عرفت الأشهر الأولى من سنة 2024  انطلاق أول مرحلة للرفع التدريجي عن غاز البوطان، على أن تستمر استراتيجية الرفع إلى حين حلول سنة 2026 التي ستعرف رفعا تاما ونهائيا لدعم غاز البوطان[68]، إذ تم خلال الثلاث أشهر الأولى من سنة 2024 توفير هوامش مالية مهمة ناهزت 4 مليار درهم جراء الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة، وستزداد قيمة هذه التحويلات بشكل أكبر لتقارب 20 مليار درهم مع حلول سنة 2026، الأمر الذي سيساهم في ضمان وانتعاش الهوامش المالية الموجهة للدعم الاجتماعي المباشر.

إذا كانت هذه أهم محاسن رفع الدعم عن صندوق المقاصة بخصوص دعم ورش الدعم الاجتماعي المباشر، إلا أنه بالمقابل تطرح سياسة تحويل مسار هذه الامدادات اشكالا مهما يتجلى فيما مدى قدرة واقع تضخم الأسعار في مجارات هذا الرفع؟

2-رفع الدعم عن صندوق المقاصة وتأثيره على استقرار تضخم الأسعار

لا شك أن رفع الدعم عن صندوق المقاصة سيساهم بشكل كبير في تعزيز القدرة الشرائية للطبقة الهشة، وهو ما سيساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تسعى إليها الدولة الاجتماعية، لكن هذا لا ينفي من التكهن والتوقع بوجود العديد من الاكراهات، التي من شأنها أن تؤدي لحدوث خلل في ميزان أسعار السوق، ولعل الخطوة السابقة التي تجلت في رفع الدعم عن المحروقات خير دليل على تدهور أسعار السوق، إذ صحيح أن هذا الإصلاح ساهم في تخفيف العبء عن ميزانية الدولة الموجهة للمقاصة لدعم المحروقات بانخفاضها من مبلغ يتجاوز 50 مليار درهم سنة 2014 لتصبح سنة 2016 لا تتجاوز 17 مليار درهم، فبالمقال نجده خلف العديد من المشاكل حيث استغل الموردون هذا الرفع في تحديد هامش الربح الذي كان ولايزال فيه ضرب للقدرة الشرائية للمواطن المغربي[69].

وسيرا على نفس التوجه فإن الرفع التدريجي للدعم الموجه للمقاصة عن العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية من قبيل غاز البوتان، الدقيق اللين، السكر، سيؤدي حتما لارتفاع تكلفة التوريد لدى الطبقة المتوسطة والطبقة الغنية، الأمر الذي سيفرز لنا العديد من المشاكل على مستوى استقرار الأسعار، فإذا كان هذا الرفع دعم للطبقة الهشة فإنه بالمقابل محنة ومدخل للغو لدى باقي الشرائح الطبقية، نظرا للتأثير الحاصل في منظومة التوريد وكلفة الإنتاج.

كما أن تدهور سوق الأسعار وتضخمها نتيجة الارتفاع المهول في مستوياتها (رغم المقاربة التدريجية في رفع الدعم عن المقاصة)، سيكون لها تأثيرا واضحا على مستوى البنية الطبقية للمجتمع المغربي، منها الطبقة المتوسطة على وجه الخصوص التي لم تعد قادرة على مسايرة هذا النهج، الأمر الذي سيجعلها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اللحاق بالطبقة الغنية وإما الرسوب للطبقة الهشة، والتموقع في هذه الأخيرة هو ما سيزيد من تعميق أزمة تدبير الدعم المخصص لصندوق المقاصة، بفضل هذه التداخلات التي من المحتمل جدا أن تؤدي للانصهار الطبقي، وستزداد نسبة الفقر والهشاشة وبالتالي توسع نسبة المستهدفين من برامج الدعم الاجتماعي، مما يجعل من الية رفع الدعم ليس مجرد تحويل في مسار تمويلي لبضع سنوات مضمونة، بقدر ما هي تحدي حقيقي للعدالة الاجتماعية عموما.

خاتمة:

لقد أضحى ورش الدعم الاجتماعي المباشر اليوم حقا من حقوق الإنسان الأساسية، وثورة اجتماعية بامتياز، بعدما كان ينظر إليه على أنه مجرد برنامج تكافلي قوامه الصدقة والعمل الخيري، انسجاما مع المنظور الحديث للدولة الاجتماعية القائم على الرفاه وضمان مزيدا من الحقوق والحريات للأفراد التي تهم المجال الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يجعل من هذا الدعم نموذجا رائدا وورشا مهما ضمن سلسلة أوراش الحماية الاجتماعية التي نص عليها قانون الإطار 09.21، لكونه يشمل القلب النابض للمجتمع وهي فئة الأطفال والشيخوخة، خاصة في ظل تزايد الأزمات والمخاطر التي باتت تعترض هذه الفئات خلال العصر الراهن، الأمر الذي سينعكس إيجابا على تحقيق العدالة الاجتماعية ببعدها المستدام.

ولعل التوجهات الملكية السامية التي تمخضت عنها العديد من الخطابات خير دليل على أهمية هذا الورش في الارتقاء بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسر الهشة، منذ إبان فترة جائحة فيروس كرونا كوفيد 19، التي شكلت أولى المراحل المجسدة للأهمية القصوى لمنح الدعم الاجتماعي المباشر.

ولبلورة هذه المجهودات تم توفير الترسانة القانونية التشريعية اللازمة، في مقدمتها قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، وقانون 59.23 المتعلق بالوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي التي أنيط بها مهمة معالجة مختلف طلبات الاستفادة المودعة لديها، عبر المنصة الالكترونية المخصصة لذلك، فضلا عن العدد من المراسيم الصادرة في هذا المجال، الأمر الذي سيساهم في التقليص من حدة الفقر والهشاشة والحد من حدة التفاوتات الاجتماعية الحاصلة.

مقال قد يهمك :   مــحمد الــعلالي: السبل الكفيلة لتجاوز ظــاهرة عـدم تــيويـم الرسوم العقارية

 إلا أنه وبالرغم من كون هذا المشروع حديث العهد، ويؤمل منه أن يكون نقطة مهمة في مسار التحول المجتمعي بتجميعه وتوحيده لشتات مختلف برامج الدعم الاجتماعي، إلا أن واقع تنزيله يوحي بوجود العديد من الاكراهات سواء على مستوى منظومة الاستهداف، أو على مستوى الاستدامة المالية لهذا المشروع خلال السنوات المقبلة، ولما كان الأمر كذلك فإننا ارتأينا اقتراح بعض التوصيات، وذلك في سبيل تجويد نظام الدعم الاجتماعي المباشر، ويمكن ايجازها فيما يلي:

  • توحيد المنظومة القانونية المؤطرة لنظام الدعم الاجتماعي وباقي الأوراش الأخرى التي جاء بها قانون الإطار في قانون واحد تحت اسم “مدونة الحماية الاجتماعية”.
  • إعادة النظر في ضوابط منظومة الاستهداف لنظام الدعم الاجتماعي المباشر، والتوسيع من نطاقها، لتشمل باقي الفئات خاصة المخاطر المرتبطة بالبطالة.
  • الحرص على ضمان الاستدامة التمويلية التي تعد إحدى أبرز تحديات تفعيل نظام الدعم الاجتماعي المباشر.
  • تعزيز الرقابة القانونية على التصريحات المتعقلة بطلبات الاستفادة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر.
  • خلق برامج تحسيسية ولقاءات ميدانية مع المواطنين لتوضيحهم أهمية ورش الدعم الاجتماعي، وباقي المرتكزات الأخرى للحماية الاجتماعية.

 


الهوامش:

[1] – أهداف التنمية المستدامة هي خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع، لمواجهة مختلف التحديات التي يعيشها العالم، بما في ذلك تحدي الهشاشة والفقر والتعليم، للمزيد من المعلومات حول أهداف التنمية المستدامة يرجى الاطلاع عليها عبر الرابط الالكتروني التالي: هنا ، تم ولوجه بتاريخ 01/01/2024 على الساعة 14:51 زوالا.

[2] – عرف الفصل 5 من منظمة العمل الدولية الحماية الاجتماعية على أنها: ” حق من حقوق الإنسان، تضمن للجميع الحصول على الرعاية الصحية وتأمين الدخل، ومدك، كما أسرتك، بالمعونة الازمة عندما تكون مريضا أو عاطلا عن العمل أو مصابا أو عندما تكون المرأة حاملا، وتقدم الدعم لأسرتك إذا أصابك مكروه”.

[3] – عزيز العطاتري، تحديات الحكامة والتمويل في مشروع الحماية الاجتماعية في المغرب، مقال منشور بمجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، لشهر دجنبر 2023، العدد 61، ص: 119.

[4] -ينظر الفصل 31 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 المنفذ بظهير شريف رقم 1.11.91 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011، ص ،3600 على ما يلي:

[5] – “… إننا نحرص دائما على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين.

لذلك، دعونا لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة.

وهو مشروع وطني كبير وغير مسبوق، يرتكز على أربعة مكونات أساسية:

– أولا: تعميم التغطية الصحية الاجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج.

– ثانيا: تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة.

– ثالثا: توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش.

-رابعا: تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.

ولهذه الغاية، ندعو للتشاور الواسع، مع جميع الشركاء، واعتماد قيادة مبتكرة وناجعة لهذا المشروع المجتمعي، في أفق إحداث هيئة موحدة للتنسيق والإشراف، على أنظمة الحماية الاجتماعية…”.

 مقتطف من نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، المؤرخ بتاريخ 09 أكتوبر 2020.

[6] – قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.21.30 بتاريخ 23 مارس 2021، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6975 بتاريخ 5 أبريل 2021، ص 2178.

[7] – وسنشرع بعون الله وتوفيقه، في نهاية هذه السنة في تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي.

وتجسيدا لقيم التضامن الاجتماعي، الراسخة عند المغاربة، فقد قررنا ألا يقتصر هذا البرنامج على التعويضات العائلية فقط، بل حرصنا على أن يشمل أيضا بعض الفئات الاجتماعية، التي تحتاج إلى المساعدة.

ويهم هذا الدعم الأطفال في سن التمدرس، والأطفال في وضعية إعاقة، والأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة، بدون أطفال في سن التمدرس، خاصة منها التي تعيل إفرادا مسنين.

وبفضل أثره المباشر، سيساهم هذا البرنامج، في الرفع من المستوى المعيشي للعائلات المستهدفة، وفي محاربة الفقر والهشاشة، وتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية، والبشرية، فالمجتمع يكون أكثر إنتاجا وأكثر مبادرة، عندما يكون أكثر تضامنا، وأكثر تحصينا، أمام الطوارئ والتقلبات الظرفية…”، مقتطف من نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، المؤرخ بتاريخ 13 أكتوبر 2023.

[8] – القانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.23.87 بتاريخ 30 نونبر 2023، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7253 بتاريخ 4 دجنبر 2023، ص 10223.

[9] – القانون رقم 59.23 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.23.88 بتاريخ 30 نونبر 2023، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7253 بتاريخ 4 دجنبر 2023، ص .10225

[10] – يجب التنبيه إلى أن موضوع الدعم الاجتماعي المباشر الذي هو محور دراستنا هو المنظم بموجب قانون الإطار 58.23 المتعلق بالدعم الاجتماعي المباشر، وليس الدعم الموجه للسكن الذي يجد سنده القانوني في المادة 8 من قانون المالية لسنة 2024، والمرسوم رقم 2.23.350 المؤرخ بتاريخ 15 نونبر 2023 القاضي بتحديد أشكال إعانة الدولة لدعم السكن وكيفيات منحها لفائدة مقتني مساكن مخصصة للسكن الرئيسي، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7250، بتاريخ 23 نونبر 2023، ص: 10088.

[11] – للمزيد من المعلومات حول برنامج الدعم الاجتماعي المباشر يرجى زيارة المنصة الالكترونية المخصص لإيداع طلبات الاستفادة من الدعم عبر الرابط التالي: https://www.asd.ma/ar/ ، تم ولوجها بتاريخ 2024/01/02 على الساعة 14:49.

[12] -. الخطاب الملكي الموجه للأمة المغربية، بتاريخ 29 يوليوز 2023 بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش.

[13] – تعميم التعويضات العائلية يعد من أهم مرتكزات الحماية الاجتماعية الذي يشمل التعويضات الموجهة للوقاية من مخاطر الطفولة، والدعم المقدم للأسر المعوزة، وتبلغ تكلفته التمويلية 20 مليار درهم من أصل 51 مليار درهم المخصصة لورش الحماية الاجتماعية.

[14] – للمزيد من التفاصيل حول قيمة الدعم الاجتماعي المباشر الموجه للوقاية من مخاطر الطفولة، يرجى الاطلاع على ملحق المرسوم 2.23.1067، القاضي بتطبيق القانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

[15] – للمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على نفس المرجع.

[16] – نفس المرجع.

[17] – نفس المرجع.

[18] – ينص الفصل الخامس من منظمة العمل الدولية على ما يلي: “تشكل الحماية الاجتماعية الشاملة ركيزة أساسية لتحقيق مجموعة من أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، إلا سبيل على للقضاء على الفقر أو تقليص حجم التفاوت أو تحقيق المساواة بين الجنسين ما لم تتوافر تلك الحماية”.

[19] –  أنظر المادة 3 من مشروع قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

[20] – للمزيد من التفاصيل أنظر المادة 5 وما بعدا من قانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.196 المؤرخ في 16 رمضان 1424 الموافق ل 11 نونبر 2003، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5160 بتاريخ 18 رمضان 1424 الموافق ل 13 نونبر 2003، ص 3817.

[21] – السجل الاجتماعي الموحد الخاضع للمرسوم 2.21.582 الصادر بتاريخ 28 يوليوز 2021، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7011 المؤرخة بتاريخ 9 غشت 2021، ص: 6003.

[21] – للمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على الملحق رقم 1 والملحق رقم 2 للمرسوم 2.21.582 المتعلق بالسجل الاج

[22] – يمكن تعريف السجل الاجتماعي الموحد على أنه نظام معلوماتي وطني يتيح إمكانية تسجبل الأسر التي ترغب في الاستفادة من أوراش الحماية الاجتماعية، واستهدافها بناء على مؤشر يتضمن العديد من المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية ـعكس المستوى المعيشي لكل أسرة.

[23] – “… وفي هذا الصدد فإننا نعتبر المبادرة الجديدة لإحداث السجل الاجتماعي الموحد بداية واعدة، لتحسين مردودية البرامج الاجتماعية، تدريجيا وعلى المدى القريب والمتوسط…”، مقتطف من نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش المجيد، المؤرخ بتاريخ 29 يوليوز 2018.

[24] – قانون رقم 72.18 يتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.77 المؤرخ بتاريخ 9 غشت 2020، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6908 بتاريخ 8 غشت 2020، ص: 4360.

[25] – النويري عبد العالي، تعميم الحماية الاجتماعية وفق قانون الإطار 09.21، مقال منشور بمجلة قراءات علمية للأبحاث والدراسات القانونية والإدارية، عدد 26 دجنبر 2023، ص: 306.

[26] – لمعرفة شكليات تقديم طلب التقييد بالسجل الاجتماعي الموحد، والعملية الرياضية المعتمدة للحصول على التنقيط المعتمد في الحصول على المعدل الثابت للاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي المباشر، يرجى الاطلاع على المواد 1 و2 و3 من المرسوم 2.21.582 المتعلق بالسجل الاجتماعي الموحد.

[27] – للمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على الملحق رقم 1 والملحق رقم 2 للمرسوم 2.21.582 المتعلق بالسجل الاجتماعي الموحد.

[28] – أنظر المادة 1 من المرسوم 2.23.1068 المؤرخ بتاريخ 01 دجنبر 2023، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7253، المنشورة بتاريخ 04 دجنبر 2023، ص: 10239.

[29] – قانون رقم 30.22 الصادر بتنفيذه الظهير 1.22.55 بتاريخ 11 غشت 2022، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7122 بتاريخ 1 شتنبر 2022، القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأسا  سي العام للوظيفة العمومية.

[30] – للتوسع أنظر المادة 5 وما بعدها من مشروع قانون الدعم الاجتماعي المباشر 58.23.

[31] – تعتبر المبادئ المؤطرة لمختلف أوراش الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي خصوصا من أهم المرتكزات التي جاءت بها المادة الثالثة قانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، والتي تنقسم إلى

مبدأ التضامن: والذي يعد من أهم المبادئ الدستورية،  إذ يكفل حقوق الفرد داخل الدولة عن طريق التعاون والتكافل الذي تتكلف به جميع دول المعمور في إطار دولة الحق والقانون، وعليه فقد أكد المشرع الدستوري على أن يتحمل جميع المواطنين بصفة تضامنية، حسب ما يتوفرون عليه من إمكانيات التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، الأمر الذي سيساهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة[31]

مبدأ عدم التمييز: والذي يشكل ركيزة أساسية للدولة الاجتماعية بمفهومها الشامل، وتجسيدا حقيقيا لنموذج العقد الاجتماعي، لكونه يفرض سياسة التخلي عن جميع قيم التخلف لإنجاح هذا المشروع بتوفير البيئة الاقتصادية والاجتماعية الملائمة له، كريم لحرش،

[32]مبدأ المشاركة: بموجبه خول للمواطن العديد من الصلاحيات من أجل إشراكه في تسيير الشأن العام، وذلك بصريح العديد من الفصول من أهمها الفصل 13 الذي نص على خلق أليات للتشاور والحوار لإشراك مختلف المتدخلين والفاعلين لبناء التصورات التنموية، من خلال مراحلها الثلاث (الإعداد، التفعيل، التنفيذ، التقييم)، الأمر الذي سيساهم في تعزيز البعد الديمقراطي لهذا المفهوم.

 للتفصيل أكثر راجع: عصام عطار، السياسات العمومية الترابية في مجال التدبير الترابي، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، ماستر تدبير الشأن العام المحلي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، جامعة عبد المالك السعدي، الموسم الجامعي 2015-2016، ص: 153.

مبدأ الاستباق: هذا المبدأ الذي يقتضي ضرورة تقييم أدوار كل الفاعلين في منظومة الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي على وجه الخصوص، ويتجلى ذلك من خلال إخضاع مختلف السياسات العمومية في هذا المجال للتقييم بعد مرحلة تنفيذها، بغية تقدير قيمة تنفيذها والوقوف على مدى تحقق الأهداف المرجوة والنتائج المحققة في سبيل تعميم هذا الورش التكافلي.

كما يشكل أداة محورية للتأثير في مدى رضا عموم المواطنات والمواطنين بالسياسات العمومية المنجزة، بما فيهم الفئة المستهدفة من عمليات الدعم الاجتماعي، سواء من الجانب المتعلق بطرق وشروط التمكين من هذه الخدمات، أو ما يتعلق بقيمتها ومدى تلائمها مع الوضع الهش لهذه الفئات.

[33] – للمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على المادة 5 وما بعدها من قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

[34] – “…مشددا جلالته على ضرورة أن يشكل البرنامج نموذجا ناجحا في تنزيله، على أساس نظام الاستهداف الخاص بالسجل الاجتماعي الموحد، وأن يستهدف من الفعالية التي توفرها التكنولوجيا الحديثة…”، مقتطف من نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، المؤرخ بتاريخ 13 أكتوبر 2023.

[35] – وفي هذا السياق صرح رئيس الحكومة المغربية على إثر انعقاد المجلس الحكومي بتاريخ 25 دجنبر 2023، على أنه تم تلقي أزيد من 1.9 مليون طلب الاستفادة منذ إطلاق البوابة الالكترونية إلى حدود هذا التاريخ، وابتداء من يوم 28 دجنبر 2023 سيم البدء في عملية صرف منح الدعم الاجتماعي المباشر لا تقل قيمتها عن 500 درهم، لفائدة حوالي مليون أسرة المستوفية لشروط الاستفادة، أي ما يعادل 3.5 مليون مغربي.

[36] – للمزيد من التفاصيل حول منصة الدعم الاجتماعي المباشر يرجى الاطلاع عليها عبر الرابط الإلكتروني التالي: https://asd.ma/ar/ ، تم ولوجه بتاريخ 15دجنبر 2023 على الساعة 14:24.

[37] – وقد جاءت نسب الاستفادة من هذا الدعم على الشكل التالي:

-دعم ملايين طفل شهريا

-دعم 1.4 مليون أسرة ليس لها أطفال، شهريا

– دعم 1.2 مليون شخص مسن شهريا

–  دعم 375.000 أرملة شهريا

– دعم 17.000 منحة للولادة

 الحصيلة  المرحلية لعمل الحكومة  خلال نصف ولايتها،  تم تقديما من طرف رئيس الحكومة بتاريخ 24 أبريل 2024، منشورة على الرابط الالكتروني التالي: https://www.cg.gov.ma/ar/node/11802   تم ولوجه بتاريخ 30 أبريل 2024 على الساعة 19:37 مساء.

[38]  – تنص المادة 10 من القانون 58.23 على ما يلي: “تصرف الإعانات المستحقة خلال أجل لا يتعدى نهاية الشهر الموالي للشهر الذي تم فيه الإشعار المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 12 من هذا القانون”.

[39] – للتوسع أكثر حول الحالات المستثناة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر يرجى الاطلاع على المادة 7 من القانون 58.23.

[40] – تنص المادة 5 من المرسوم 2.23.1067 على ما يلي: “يمكن لرب الاسرة الذي تم رفض طلب استفادته من الاعانة أو الإعانات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا المرسوم لعدم استيفاء الشروط المنصوص عليها في القانون السالف الذكر رقم 58.23 أمن يقدم تظلما بشأن طلبه داخل أجل لا يتعدى خمسة عشر (15) يوما من تاريخ إشعاره بالرفض.

يودع التظلم لدى الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، عبر المنصة الإلكترونية مقابل وصل، وتبت فيه الوكالة داخل أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما من تاريخ الوصل”.

[41] – للمزيد من التفاصيل حول شكليات تقديم طلب الاستفادة من الدعم الاجتماعي يرجى الاطلاع على المادة 3 وما يليها من المرسوم 2.23.1067 القاضي بتطبيق مشروع قانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

[42] – أنظر المادة 11 من القانون 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.

[43] – “… كما نؤكد على ضرورة اعتماد حكامة جيدة لهذا المشروع، في كل أبعاده وأن يتم وضع الية خاصة للتتبع والتقييم، بما يضمن له أسباب التطور والتقويم المستمر…”، مقتطف من نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، المؤرخ بتاريخ 13 أكتوبر 2023.

[44] –  تنص المادة 3 من قانون 59.23 المتعلق بالوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي على ما يلي: “تسهر الوكالة على تدبير نظام الدعم الاجتماعي المباشر طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. ولهذا الغرض تتولى القيام بالمهام التالية : – تلقي طلبات الاستفادة من الإعانات في إطار نظام الدعم الاجتماعي المباشر والبت فيها ومعالجة التظلمات المرتبطة بها ؛ – صرف الإعانات للمستفيدين ؛ – التحقق من صحة المعطيات المصرح بها من أجل الاستفادة من الإعانات ؛ – مسك وتدبير الحسابات المتعلقة بالميزانية السنوية المخصصة للنظام ؛ – إعداد المعطيات الإحصائية الخاصة بالفئات المستفيدة من النظام ؛ – إصدار تقارير دورية تهم حصيلة تدبير النظام ؛ – تطوير أدوات مراقبة ورصد وتتبع المؤشرات المتعلقة بمجال الدعم الاجتماعي المباشر ؛ – إنجاز دراسات تقييمية حول نجاعة نظام الدعم الاجتماعي المباشر واقتراح حلول مبتكرة لا لرتقاء به ؛ – تقديم كل توصية أو اقتراح إلى الحكومة، من أجل تحسين تدبير نظام الدعم الاجتماعي المباشر والرفع من فعاليته ؛ – إبرام اتفاقيات شراكة مع مختلف المؤسسات والهيئات الوطنية والدولية التي تروم تحقيق أهداف مماثلة. علاوة على ذلك، يمكن للدولة أن تعهد إلى الوكالة، بموجب تشريع خاص أو بموجب اتفاقيات، بتدبير أي برنامج أو نظام آخر للدعم الاجتماعي. ا

[45] – ينظر المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2024، ص: 49.

[46] – ينظر نفس المرجع.

[47] – نفس المرجع

[48] – العطاتري عزيز، مرجع سابق، ص: 129.

[49] – حميد القلعي، تشخيص منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب بين واقع الحال وسبل الإصلاح والتعزيز، مقال منشور بمجلة عدالة للدراسات القانونية والقضائية، عدد مزدوج 18/19 السنة الرابعة 2021، ص: 22.

[50] – إبراهيم بلوح ويونس مجدوبي، مرجع سابق، ص: 14.

[51] – “… ورغم هول الفاجعة، فإن ما يخفف من الألم، ويبعث على الاعتزاز، ما أبانت عنه فعاليات المجتمع المدني، وعموم المغاربة، داخل الوطن وخارجه، من مظاهر التكافل الصادق، والتضامن التلقائي، مع إخوانهم المنكوبين…”، مقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، المؤرخ بتاريخ 13 أكتوبر 2023.

[52] – رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول: مشروع قانون رقم 82.18 يتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، المنشور سنة 2020، ص: 26.

[53] – المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2024، ص: 51.

[54] – لمزيد من التفاصيل حول معدلات المقدار الثابت المتغير بين الجهات يرجى الاطلاع على الملحق رقم 1 والملحق رقم 2، للمرسوم التطبيقي رقم 2.21.582 المؤرخ في 28 يوليوز 2021، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 7011 بتاريخ 9 غشت 2021، ص: 6004.

[55] – رحوتي محمد، نظام الحماية الاجتماعية بالمغرب في أفق التعميم، مرجع سابق، ص: 97.

[56] – حسب المذكرة الإخبارية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول المميزات الأساسية للسكان النشيطين لسنة 2022، فإن  نسبة الشباب الذي لا تتجاوز أعمارهم 24 سنة تبلغ 5.9 مليون شخص، من بينهم 15% عاملون فقط مقابل 7.4% عاطلون، فيما 77.2 منهم خارج سوق العمل، للمزيد من الاطلاع يرجى الرجوع إلى: عثمان مخون، ورش الحماية الاجتماعية: هل يتغلب المغرب على التحديات المطروحة؟، مقال منشور على الرابط الالكتروني التالي : هنا تم ولوجه بتاريخ 18 مارس 2024 على الساعة 19:39 مساء.

[57] – يعتبر القضاء على الفقر الهدف الأول ضمن الأهداف السبعة عشرة التي جاءت بها ديباجة خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والمغرب من الدول الملتزمة بتطبيق هذا المقتضى، الأمر الذي يفرض عليه ضرورة التوسيع من نطاق برامج الدعم الاجتماعي لتجاوز الإكراهات التي تهدد مرحلة الشباب الموجودين في وضعية بطالة.

[58] – جاء في المادة 13 من قانون الإطار ما يلي: ” تخول الالية القائمة على التضامن المنصوص عليها في البند (ب) من المادة 11 أعلاه، حق الاستفادة من خدمات الحماية الاجتماعية المتعلقة بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض ومن التعويضات المخصصة للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو من التعويضات الجزافية. وترتكز هذه الالية على الأداء المسبق للاشتراكات من طرف الدولة لفائدة الأشخاص المعنيين، وذلك من خلال الموارد الاتية:

-المخصصات المالية من ميزانية الدولة

-العائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية

-الموارد المتأتية من إصلاح صندوق المقاصة

-الهبات والوصايا

-جميع الموارد الأخرى التي يمكن أن ترصد بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية خاصة.

[59] – هذا الصندوق ليس وليد اليوم بل تم إنشاؤه بمقتضى المادة 8 من قانون المالية لسنة 2012، إلا أن تنزيله الحقيقي ظهر مع صدور قانون المالية لسنة 2021، وذلك ليكون المورد الأساسي لاستقبال مختلف النفقات الموجهة لتمويل ورش الحماية الاجتماعية، للمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على، فاطمة الزهراء أوكار، القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية: “بين التطبيق والتمويل”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر قانون الأعمال، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، السنة الجامعية 2022-2023، ص: 128.

[60] – مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2024، ص: 55.

[61] – في هذا السياق نجد دولة مصر التي تعد الأكثر إنفاقا على عربيا على ورش الحماية الاجتماعية قد تصل ميزانيتها التمويلية لبرامج الدعم الاجتماعي لما يقارب 200 مليار جنيه مصري أغلبها من الميزانية الذاتية للدولة، وهو رقم محفز جدا مقارنة مع باقي الدول كالمغرب، وإن كانت مصر تضم كثافة سكانية ضخمة، للمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على الرابط التالي: https://sis.gov.eg/?lang=ar  محمد معيط وزير المالية المصري، الانفاق الفعلي على الدعم الاجتماعي لسنة 2023، تم ولوجه بتاريخ  02 يناير 2024 على الساعة 15:45 مساء.

[62] – قانون الإطار 69.16 المتعلق بالإصلاح الجبائي الصادر بتنفيذه ظهير شريف 1.21.86، المؤرخ في 26 يوليوز 2021، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7007 بتاريخ 26 يوليوز 2021، ص: 5684.

[63] – للمزيد من التفاصيل حول الأهداف التي جاء بها قانون الإطار 69.16 يرجى الرجوع في هذا الصدد للمادة 3 من القانون المذكور.

[64] – المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنعقدة بالصخيرات أيام 03 و04 ماي 2019.

[65] – النهري حميد، اختيارات تمويل تحديات مشروع قانون المالية لسنة 2024، مداخلة في ندوة وطنية حول: مشروع قانون المالية لسنة 2024: الأبعاد الاجتماعية والرهانات الاقتصادية والمالية، من تنظيم فريق البحث، القانون والسياسة والتدبير، تحت اشراف مختبر الدراسات والأبحاث القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان بشراكة مع: مركز الدراسات حول الحكامة والسياسات العمومية ومنتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية وماستر القانون الإداري والسياسات العمومية،  أقيمت بتاريخ 15 نونبر 2023، برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان.

[66] – عسو منصور، قانون الميزانية العامة ورهان الحكامة المالية الجيدة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى أكتوبر 2017، ص: 7.

[67] – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.403 يتعلق بإعادة تنظيم صندوق المقاصة، المؤرخ بتاريخ 19 شتنبر 1977، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3388 بتاريخ 10 أكتوبر 1977، ص: 2849.

[68] – حسب البلاغ الصحفي الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية بتاريخ 17 ماي 2024 فإنه في أطار إصلاح منظومة دعم أسعار البوطان بشكل جزئي، تم العمل على الشروع ابتداء من 20 ماي 2024 في التقليص الجزئي من للدعم الموجه لقنينات غاز البوطان برسم سنة 2024، بما قدره 2.5 دراهيم بالنسبة للقنينات من فئة 3 كلغ، و10 دراهم لقنينات الغاز من فئة 12 كلغ، وستستمر هذه الزيادة على نفس المنوال لغاية 2026.

[69] – عزيز العطاتري، تحديات التمويل والحكامة في مشروع الحماية الاجتماعية في المغرب، مقال منشور بمجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية، العدد 61، دجنبر 2023، ص: 155.