نور الدين الفلاق : حماية المستهلك بين حراك المقاطعة و فعالية الجمعيات على ضوء التشريع المغربي

  • من إعداد الدكتور نور الدين الفلاق محامي متمرن بهيئة تطوان.

مقدمة :

حاول المشرع المغربي منح تصور شامل لمفهوم المستهلك رغبة منه في توفير الحماية القانونية له وهذا ما يظهر جليا من خلال المادة الثانية من القانون رقم  31.08التي نصت على أنه :

يقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية متوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي. 

ويستفاد من التعريف المذكور أنه ينبغي أن تتوافر جملة من العناصر حتى يمكن إضفاء صفة المستهلك على الشخص وهذه العناصر هي :

  • أن يكون الشخص طبيعيا أو معنويا.
  • اقتناء أو استعمال منتجات أو سلعا أو خدمات.
  • تلبية  حاجيات غير مهنية .

و قضية حماية المستهلك على رأس اهتمامات كل الدول المتقدمة والمنظمات الدولية باعتبارها ضرورة ملحة، ولم يكن للمجتمع المدني في جل المجتمعات الاستهلاكية ليتجاهل هذه الضرورة، على اعتبار أنه يضطلع بدور فعال في توفير الحماية
لهذه الفئة الاجتماعية.و إن إيمان المشرع الدولي بأهمية حماية المستهلك جعلته يقر له العديد من الحقوق ضمن إعلاناته ومبادئه[1] إلى درجة أصبحت هذه الحقوق تتمتع بقيمة دستورية في بعض الدول كإسبانيا – البرتغال- سويسرا وفي دول أخرى تم التنصيص عليها في قوانين تشريعية[2].

ولقد التفت المشرع المغربي كغيره من التشريعات لضرورة تمتيع المستهلك بحقوقهخاصة من خلال نصوص قانونية متفرقة كالقانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وقانون الملكية الصناعية رقم 17.97 لينظم لهذه القوانين القانون رقم 31.08المتعلق بحماية المستهلك.وتكتسي جمعيات حماية المستهلك في هذا الإطار أهمية بالغة في الدفاع عن مصالح
المستهلكين وحقوقهم وسلامتهم، ولذلك تعتبر الأقدر على التعبير عن حاجاتهم ومتطلباتهم حيث تهدف إلى تمثيل المصالح الفردية والجماعية للمستهلكين أمام المؤسسات الإدارية والقضائية والسلطات العمومية والفاعلين في القطاع الخاص، كما تقوم بجمع المعلومات الموضوعية حول المنتوجات والخدمات المعروضة ومعالجتها ونشرها، إضافة إلى تثقيف المستهلك وتوعيته بأهمية جودة السلع والخدمات ومراقبة مطابقة السلع للمواصفات.[3]

وقد عرفت الجمعية بموجب الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 376 -58 -1 الصادر في 15نونبر 1958المتعلق بحق تأسيس الجمعيات بأنها : ” اتفاق لتحقيق تعاون مستثمرين شخصيين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم”.

وعليه فقد ظهرت إلى الوجود فعاليات المجتمع المدني المتمثلة في جمعيات محلية ووطنية والتي لعبت دورا فعالا في الدفاع عن مصالح المستهلكين إذ أصبحت من جماعات الضغط الاجتماعي سواء على المشرع الذي كثيرا ما دفعته لتبني سياسة حمائية كما شكلت أيضا ضغطا على المهنيين من خلال الأساليب أو الطرق التي سلكتها لحماية المصلحة الجماعية للمستهلك.
هنا جاب التساؤل من أجل الغوص في فلسفة التشريع و الثغرات.

ما هي الأدوار الموكولة للجمعيات لتحقيق حماية فعالة للمستهلك؟ و هل هي كافية لحماية هذا المستهلك؟
و هل آليات العمل الممنوحة للجمعيات من شأنها مساعدة هذه الأخيرة على الدفاععلى حقوق المستهلك, وإذا كان كذلك لماذا لجئ المواطن إلى أسلوب المقاطعة؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه وفق التصميم التالي:

  • المبحث الأول : الدور الحمائي لجمعيات حماية المستهلك
  • المبحث الثاني: الدور العلاجي للجمعيات في حماية المستهلك

المبحث الأول : الدور الحمائي لجمعيات حماية المستهلك

تقوم جمعيات حماية المستهلك بدور وقائي الهدف منه منع وقوع الضرر علىالمستهلك، وتتجلى الأدوار الوقائية لجمعيات حماية المستهلك في لجوء هذه الجمعيات إلى وسائل خاصة لمواجهة المهنيين الذين لا يحترمون المصلحة الجماعية للمستهلكين، ومن بين هذه الوسائل هو اعتماد الاتفاقيات الجماعية والإعلام كوسيلة للتوعية و التحسيس والتي لا تشكل خطورة على مصالح المهنيين، وهذا ما سنتطرق إليه في (المطلب الأول)، وكذا اللجوء إلى أساليب الضغط كالدعاية المضادة والامتناع عن الشراء والإضراب و المقاطعة والتي تشكل خطرا على مصالح المهنيين والتي سنتحدث عنها في (المطلب الثاني)

المطلب الأول : اعتماد الاتفاقيات الجماعية والإعلام في حماية المستهلك

تعتبر جمعيات حماية المستهلك المنظمة بموجب القسم السابع من القانون رقم 31.08 إحدى أهم الآليات التدبيرية الفعالة في مواجهة الشروط التعسفية وذلك من خلال لجوئها إلى مجموعة من الأساليب التي تسعى من ورائها إلى حماية مصالح المستهلك والمتجسدة في إبرام اتفاقيات جماعية (الفقرة الأولى) والقيام بأدوار من أجل التوعية و التحسيس لفائدة المستهلك (الإعلام) (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : أهمية الاتفاقيات الجماعية في حماية المستهلك

تلجأ الجمعيات إلى إبرام اتفاقيات جماعية تتم بين جمعية أو أكثر ممثلة للمستهلكينمن جهة وبين مهني أو عدة مهنيين أو منظمات من جهة ثانية، هذه الحاجة تزداد مع تزايد التكتلات الاقتصادية نظرا لما تكتسبه هذه الاتفاقيات من أهمية ولما تحققه من فوائد كبيرة لكلا الطرفين وخصوصا الطرف الضعيف في المجال الاقتصادي، فالاتفاقيات الجماعية بين جمعيات المستهلكين والمهنيين تكون بمثابة وسيلة لتحقيق المساواة بين الطرفين، كما تمكن المستهلك من الحصول على حقوق ما كان ليحصل عليها منفردا لأنه لا يقوى على مجابهة المهني، لذلك كان لا بد من تكتل المستهلكين وتجمعهم في شكل جمعيات تنوب عنهم في التفاوض مع المهني أو مجموعة من المهنيين بشكل يضمن احترام مصالح كل طرف.[4]

وتعتبر العقود النموذجية من أهم صور الاتفاقيات الجماعية وبما أن هذا النوع منالعقود يعد من المصادر الأساسية لعقود الإذعان، فإن حضور جمعيات المستهلكين في صياغة هذه العقود إلى جانب المهنيين يجعلها عقودا متوازنة وتحولها من أداة لفرض الوضع للمسيطر إلى وسيلة لحماية المستهلكين إلا أن هذا لا يتحقق إلا مع وجود جمعيات المستهلكين قوية وقادرة على التفاوض ومعتادة على إبرام مثل هذه العقود النموذجية.[5]

وتعد هذه المفاوضات أو الاتفاقيات الجماعية بين جمعيات المستهلكين والمهنيينمكملة للحماية التشريعية التي أتى بها المشرع، وحسب قانون حماية المستهلك المغربي فإن السهر على مناقشة الاتفاقيات الجماعية بين ممثلي المستهلكين والمهنيين من أهم اختصاصات المجلس الوطني للاستهلاك.

وتبقى الحاجة إلى مثل هذه الاتفاقيات الجماعية أكثر إلحاحا في علاقة المستهلكبالمهني من أجل خلق نوع من التوازن بينهما ولو نسبي في العقود الاستهلاكية، وذلك للحد من الإجحاف والتعسف الذي قد يلحق بالطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.[6]  وبالتالي يتضح على أن هذه الاتفاقيات الجماعية التي تلجأ إليها الجمعيات تلعب دورا فعالا في حماية المستهلك باعتبارها وسيلة يتم اللجوء إليها للحد من الشروط التعسفية التي قد يضمنها المهني في إطار العقود الاستهلاكية المبرمة بينه وبين المستهلك وكذا الحماية من المخاطر المحتملة الوقوع مما يشكل ضمانا أساسيا لحماية المستهلك.

الفقرة الثانية : الدور الإعلامي للجمعيات في حماية المستهلك

تعتمد جمعيات حماية المستهلك في حملاتها التحسيسية والتوعوية على وسائل الإعلام لتحقيق أهدافها، إذ يشكل جزءا من المهام الأساسية لمنظمات المستهلكين عبر مختلف الدول على نشر الوعي الاستهلاكي وتلجأ في ذلك ألى وسيلتين اثنتين إما عبر الجرائد والمجلات المتخصصة (أولا) أو عبر وسائل الإعلام العامة (ثانيا).

 أولا : إعلام المستهلك عبر الجرائد والمجلات

تلجأ معظم جمعيات حماية المستهلك في مختلف الدول إلى إصدار جرائد ومجلات خاصة بهدف تحسيس القارئ أو المستهلك وتوعيته وكذلك بهدف ضمان وصول الخبر إلى أكبر عدد من المستهلكين، حيث نجد مثلا أن الإعلام الفرنسي يشتهر بمجلتين هامتين لعبتا دورا كبيرا في توعية المستهلك الفرنسي هما مجلتي : “خمسون مليون مستهلك” ومجلة “ماذا تختار” اللتين يصدرهما المعهد الوطني للاستهلاك والاتحاد الفيديرالي للمستهلكين[7] وتهدف هاتين المجلتين إلى تزويد المستهلك بالمعلومات اللازمة بشأن خصائص المنتوجات والخدمات المعروضة في السوق وتمكينه من المقارنة فيما بينها من خلال الاختبارات التي تقوم بها هذه الجمعيات على تلك السلع. وعلى الصعيد الوطني نجد الجمعية المغربية للاستهلاك على رأس الجمعيات التي استطاعت توفير إعلام متخصص للمستهلك المغربي وذلك من خلال إصدارها لما يعرف ب “دليل المستهلك”le guide du consommateur’ وهوعبارة عن مجموعة تتكون من 620صفحة، اهتمت بتجميع النصوص القانونية التي لها علاقة بحماية المستهلك، فقد أرادت الجمعية من خلال نشرها لهذا الدليل تحقيق نتيجتين أساسيتتين :

الأولى : هي إعلام المستهلكين بأن المواد الغذائية والمواد الأكثر استهلاكا منظمة بنصوص قانونية توفر لهم حماية فعلية.
الثانية : إعلام المهنيين بالتزاماتهم التي يفرضها عليهم القانون وبالعقوبات المقررةلها في حالة الإخلال بهذه الالتزامات[8].

ومن بين الجرائد المتخصصة كذلك في حماية المستهلك نجد ” مع المستهلك ” التيأصدرتها العصبة الوطنية لحماية المستهلك ابتداء من غشت ،2000كما أصدر فرعها بمراكش أسبوعية المستهلك”، فضلا عن إصدار الجمعية المغربية للاستهلاك لنشرة شهرية بالفرنسية تسمى ” المستهلك المغربي” منذ سنة . [9] 1996وعلى صعيد مدينة طنجة توجد عدة جمعيات تهتم بحماية المستهلك وتبقى أهمها ” رابطة الدفاع عن حقوق المستهلك بطنجة”.[10]

وهذا الدور الإعلامي لجمعيات حماية المستهلك نصت عليه المادة 152من القانونرقم  31.08والتي تنص: ” تتولى جمعيات حماية المستهلكين المؤسسة والعاملة وفقاللنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، المتعلقة بحق تأسيس الجمعيات ،
الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك وتعمل على احترام أحكام هذا القانون.”

يستفاد من هذا النص أن الجمعيات تضطلع بدور تربوي وتوعوي وتحسيسي، بحيثتعمل على إرشاد المستهلك وإعلامه بضمان وتسهيل حياته.وعموما فالجمعيات جعلت من إعلام المستهلكين وتوعيتهم النشاط الرئيس لها، فقد عملت على تنظيم ندوات حول مواضيع شتى منها سلامة المنتجات الغذائية والتسميم ومخاطر القروض وغيرها كما تشارك في الندوات المنظمة من السلطات العمومية[11].

ثانيا : إعلام المستهلك عبر وسائل الإعلام العامة

إلى جانب الوسيلة الأولى للإعلام المتمثلة في الجرائد والمجلات تعمل جمعيات حماية المستهلك على نشر الوعي الاستهلاكي كذلك من خلال وسائل الإعلام السمعي البصري، وكذلك من أجل نشر التوعية وتحسيس المستهلكين بشكل يساعدهم على اختيار حاجاتهم دون التعرض لأي تأخير من قبل المهني فبفضل هذه الوسائل يمكن أن تصل إلى الجمهور العريض الذي يتوفر على هذه الوسائل.

والواقع أنه يتعين على الجمعيات إنجاز البرامج التلفزيونية والإذاعية التي يتم بثهافي ساعات معينة يكون فيها الاستماع أو المشاهدة مكثفتين لا سيما وأن هذا النوع من الإعلام يستقطب جمهورا عريضا، لكن الملاحظ أن جمعيات المستهلكين لا تستطيع الاستفادة بشكل كاف من خدمات المحطات الإذاعية أو التلفزيونية لأنها تفتقر إلى الوسائل المادية التي تمكنها من تمويل الإعلانات الخاصة بتوعية المستهلكين وبثها بصورة دائمة ومنتظمة.[12]

مقال قد يهمك :   العناصر التكوينية لجريمة انتهاك الحق في الصورة

ويمكن القول أن قلة الموارد المالية لجمعيات حماية المستهلكين يجعلها تتوقف عنإصدار الجرائد والنشرات المتخصصة في شؤون الاستهلاك بعد صدور أعداد قليلة، كما أن حملاتها التحسيسية غير متسمة بالاستمرارية[13] مما يعني أن مجال إعلام المستهلكين ما يزال في حاجة إلى مزيد من التقوية والدعم.وأمام نجاعة هذه الوسائل لا يبقى أمام الجمعيات سوى اللجوء إلى وسائل أخرىأكثر جرأة في الدفاع عن حقوق المستهلكين ومصالحهم بهدف إيجاد نوع من الضغط على تلك المشروعات التي تعرض مصلحة المستهلكين للخطر.

المطلب الثاني: أساليب الضغط المستعملة من طرف الجمعيات

تتمثل أساليب الضغط التي تلجا إليها الجمعيات في حالة فشل الوسائل الحمائية المذكورة أعلاه في استعمال تقنيات أخرى أكثر جرأة كالدعاية المضادة (الفقرة الأولى) و المقاطعة الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى : الدعاية المضادة

ويقصد بالدعاية المضادة قيام جمعيات حماية المستهلك بنشر توزيع انتقادات المنتجات والخدمات المعروضة بالسوق عن طريق توعية المستهلكين بخصائص السلع والخدمات والتحذير من مخاطر بعضها أو عيوبها التي تظهر عند الاستخدام بهدف تحقيق التوازن بين منظمات الإنتاج وبين جمعيات حماية المستهلك[14]

إن قيام جمعيات حماية المستهلك بهذا الدور من الإعلان التوعوي يشكل نقيضالأسلوب الدعاية التي يقوم بها المهني على اعتبار أن هذه الأخيرة مهما كانت صادقة فإنها لا تتضمن إلا المزايا والمحاسن دون المساوئ أي تفتقد للموضوعية[15]ولا يمكن القول بأن هذه الانتقادات تعتبر عملا من أعمال المنافسة غير المشروعةلأنها لا تصدر عن جهة منافسة بل عن جمعية لا تستهدف تحقيق الربح، كما أنه يمكن أن تلحق هذه الدعاية بالمشروعات الموجهة إليها أضرارا جسيمة لذلك فإن من حقها الرد عليها قبل إعلان النتائج أو عقب إعلانها أي الدفاع عن مصالحها لكنها لا تلجأ إلى ذلك إلا نادرا وتفضل الالتجاء إلى رفع دعوى المسؤولية المدنية والجنائية على جمعيات المستهلكين، كما أن هذه الأخيرة خولت لها التشريعات حق رفع الدعاوى القضائية للدفاع عن المستهلكين حيث يمكن وفقا للتشريع المغربي لجمعيات حماية المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة أن ترفع وحدها الدعاوى القضائية للدفاع عن مصالح المستهلكين كما هو منصوص عليها قانونا.[16]

الفقرة الثانية : المقاطعة

إلى جانب أسلوب الدعاية المضادة تلجأ جمعيات حماية المستهلك إلى أسلوب آخريهدف إلى حماية المستهلك والدفاع عن مصالحه ويتعلق الأمر بالمقاطعة ويرتكز هذا الأسلوب على حمل المستهلك على عدم اقتناء منتوج أو استعمال خدمة معينة، وذلك بالامتناع عن الدفع أو الإضراب عن التزود للضغط على المهني بهدف الاستجابة لمطالب المستهلك[17] ويعتبر هذا الأسلوب من أقوى وسائل الاحتجاج لانعكاساته الخطيرة على مؤسسات التوزيع والإنتاج وعلى النشاط الاقتصادي العام للبلد[18]
لكن ينتقد بعض الدارسين[19] هذه التقنية لكونها قد تعرض المهني للإفلاس أو إلىإقفال محله التجاري نهائيا وتشريد اليد العاملة ” لذلك يبدو من الضروري حفاظا على مصالح كل القوى الاقتصادية قبل أن تطالب جمعيات المستهلكين بالامتناع عن الشراء بمحل تجاري معين أن توجه إنذارا إلى صاحبه تنذره بذلك وتطلب منه التخلص من أسباب هذه المقاطعة”. وليس في القانون المغربي ولا الفرنسي قواعد تخص المقاطعة ، حقيقة إن الذين يمتنعون عن الشراء لا يتعرضون لأية مسؤولية، لكن هل من حق جمعيات حماية المستهلك أن تصدر أمرا للمستهلكين بتنفيذ المقاطعة؟

يوجد اختلاف كبير في ذلك، فقد طالب البعض بمنع المقاطعات بسبب المخاطر التي تتعرض لها الشركات التجارية المعنية، بينما يرغب البعض الآخر في الاعتراف بالمقاطعة، إلا أن القضاء يميل إلى اتباع حل وسط فالأمر بالمقاطعة الصادر عن الجمعية لا يعتبر في حد ذاته سلوكا خاطئا من جانب الجمعية إلا إذا كان تعسفيا. ولم ينص المشرع الجزائري كذلك على مدى شرعية هذا الأسلوب، وعليه فالأصل في هذا الأسلوب هو مشروعيته بشروطه المرتبطة بعدم التعسف في استعماله، ولا يكون هناك تعسف متى كان هو الوسيلة الوحيدة والأخيرة بعد استيفاء هذه الجمعيات كل الطرق الأخرى التي تحمي المستهلك. [20]

ولم ينص المشرع الجزائري كذلك على مدى شرعية هذا الأسلوب، وعليه فالأصلفي هذا الأسلوب هو مشروعيته بشروطه المرتبطة بعدم التعسف في استعماله، ولا يكون هناك تعسف متى كان هو الوسيلة الوحيدة والأخيرة بعد استيفاء هذه الجمعيات كل الطرق الأخرى التي تحمي المستهلك[21].

المبحث الثاني : الدور العلاجي للجمعيات في حماية المستهلك

يعتبر حق الدفاع عن مصالح المستهلكين أمام الهيآت القضائية غاية في الاهمية،ورغم وجود بعض المنظمات التي لم يسمح لها القانون بذلك، لأن السماح قد يدفع العديد من الجمعيات إلى التستر وراء مصلحة المستهلكين من أجل الوصول إلى أهداف أخرى لا تمت بصلة، لذلك اشترط المشرع أن تكون الجمعية ذات منفعة عامة ومعتمدة من طرف الجهات الرسمية حتى يتسنى لها اللجوء إلى القضاء لحماية المستهلكين، وعليه سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، الأول نخصصه لنطاق تمثيل المستهلك أمام القضاء المطلب الأول على أن نخصص الثاني إلى تدخل الجمعيات لدعم مركز المستهلك أمام القضاء ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول : نطاق تمثيل جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء

شكلت سنة 2011 فارقا أساسيا في التشريع المغربي إذ بدأ المشرع يلطف من حدة قواعد قانون الالتزامات والعقود بما يخدم مصلحة المستهلك، وهكذا تم تتويج مسيرة التشريع المغربي أخيرا بصدور قانون خاص بحماية المستهلك بعد طول انتظار وهو يتضمن قواعد حمائية عقابية ومدنية، تشكل أغلب مواده[22] ،ولكن قبل هذا القانون، تم إصدار مجموعة من القوانين والتي منحت مجموعة من الحقوق لجمعيات المجتمع المدني للدفاع عن مصالح المستهلك، ونخص بالذكر هنا قانون حرية الأسعار والمنافسة والذي سنتطرق إليه في (الفقرة الأولى) ثم قانون المسطرة الجنائية التي سنعالجها في (الفقرةالثانية على أن نخصص الفقرة الثالثة للحديث عن قانون حماية المستهلك (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى : على مستوى قانون حرية الأسعار والمنافسة

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 99 من القانون رقم 99.60 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة نجد بأنه عرف تعديلا تحت رقم ،[23]104.12غير أن هذا لا يمنعنا من معرفة وضعية جمعيات حماية المستهلك قبل هذا التعديل وحتى قبل قانون حماية المستهلك، إذ يعتبر قانون رقم 99.60 أول قانون في المغرب منح لجمعيات المستهلكين الصفة للتقاضي أمام القضاء المدني أو الجنائي للدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين، كما يعكس طفرة تشريعية متقدمة بالمقارنة مع مدونة الاستهلاك الفرنسية التي ما تزال تحظر على جمعيات حماية المستهلك رفع دعوى مستقلة عن الخطأ ألجرمي للمطالبة بالتعويضات عن الضرر اللاحق بالمصلحة الجماعية للمستهلكين بخلاف التشريع المغربي الذي رفع كل لبس وجدل بتنصيصه صراحة على أنه يمكن أن تنصب طرفا مدنيا سواء أمام القضاء الجنائي أو تحصل على تعويضات عن الضرراللاحق بالمستهلكين بناء على دعوة مدنية مستقلة.

و كذلك تجاوزت مجموعة من القواعد التقليدية، كما نجد الصفة والمصلحة طبقا للفصل 1 من ق م م والمادة 7 الفقرة الأولى من ق م ج وكذا النيابة العامة التي التي تعتبر هي الحامية الوحيدة للمصلحة الجماعية التي تنتظم داخل المصلحة العامة تم نجد اتساع نطاط الحقوق لعمل هذه الجمعيات حيث يتحدد مجال استغلالها بكل القضايا المدنية أو الجنائية أو التجارية التي تدخل في عالم المنافسة والاستهلاك، كما أن الجمعيات لها صفة وهي الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين لأنه هو مبرر وجودها ومحور عملها واهتماماتها، والمقصود هنا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين الضرر الذي يمس مجموعة من المستهلكين ناتج عن أفعال متسعة النطاق وبالغة الانتشار فهو ليس بضرر يمس المصلحة العامة ولا بضرر يمس المصلحة الفردية[24] ، تم نجد أخيرا أن الجمعيات تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها أي طرف في الدعوى، حيث يمكنها المطالبة سواء أمام القضاء العادي أو المتخصص برفع الأضرار اللاحقة بالمصلحة الجماعية للمستهلكين ، من خلال وقف الأعمال المتسببة والمطالبة أيضا بتعويض عادل عنها يجبر الضرر وليس مجرد تعويض رمزي[25] كما يمكنها الطعن في الأحكام القضائية الصادرة بجميع طرق الطعن المتاحة، وبهذا يمكننا القول أنه قبل سنة 1999لم يكن القانون المغربي يتوفر على مقتضيات خاصة لتنظيم المنازعات في المادة الاستهلاكية ولا على الاعتراف للجمعيات بالحق في التضامن لكن هذه الوضعية انتهت بصدور  ق ح ا م حيث نجد المادة 99 أعطتللجمعيات مجموعة من الحقوق كما سبق وأشرنا إليها، وتجدر الإشارة أنه مع صدور القانون 31.08قد نص في المادة 201منه على كون مقتضيات المادة 99 ق ح ا م تنسخ ابتداء من دخول المقتضيات التنظيمية المتعلقة بولوج جمعيات حماية المستهلك إلى القضاء ولكن المشرع عاد من خلال المادة 157من ق ح م للنص على إعطاء الحق لجمعيات حماية المستهلك قصد اللجوء إلى القضاء لرفع دعاوى قضائية[26].

الفقرة الثانية : على مستوى قانون المسطرة الجنائية

تجدر الإشارة إلى أن قانون المسطرة الجنائية هو الآخر تولى بالتنظيم الصفة التمثيلية للجمعيات بصفة عامة وليس فقط جمعيات حماية المستهلك التي تخولها التقاضي للمطالبة بالحق المدني أمام القضاء الجنائي، وهكذا فقد نصت المادة 7من ق م ج على أحقية الجمعيات المعلن على أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقبل قبل ارتكاب الفعل الجرمي وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي، ومن خلال هذه المادة نستشف أنجمعيات حماية المستهلك لا تملك تحريك مسطرة الإدلاء المباشر أمام المحكمة الجنحية، لأن المشرع قصر تدخلها على ممارسة حقوق الطرف المدني بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو الطرف المتضرر ومن أجل ممارسة هذا الحق نجد أن المشرع خصها بمجموعة من الشروط؛ وهي أن تكون قد تأسست بصفة قانونية، بمعنى تم خضوعها لظهير 1958والذي عرف مجموعة من التعديلات في بعض مواده [27]. كما يشترط أن تكون ذات منفعة عامة وبخصوص هذه الصفة لا يمكن الحصول عليها إلا بمرسوم[28] ،كما أن الجريمة يجب ان تدخل في إطار اختصاص الجمعية كي تدخل كطرف مدني وهذا الاختصاص يكون محددا في القانون الأساسي للجمعية، هذا ويشترط أيضا أن تكون هذه الجمعيات مؤسسة قبل أربع سنوات كما سبقت الإشارة. وإذا كان هذا الأمر لم يتضمنه قانون حرية الأسعار والمنافسة، فإن هذا الإشكال لم يعد مطروحا الآن بعد صدور القانون رقم 31.08والذي ينص في المادة 157الفقرةالأخيرة منها، أنه لا تطبق أحكام الفقرة الثانية من المادة 7من القانون رقم 22/01المتعلق بالمسطرة الجنائية على الجامعة الوطنية وجمعيات حماية المستهلك.

مقال قد يهمك :   اقتسام الأموال المكتسبة بين الزوجين بين التشريع و القضاء

الفقرة الثالثة : على مستوى قانون حماية الملكية الصناعية

لقد كان قانون حماية الملكية الصناعية سباقا للاعتراف للجمعيات عموما بصفة التقاضي، وإن كان ذلك بصفة محتشمة ورغم ذلك فإن لهذا الأخير دورا في إعطاء الجمعيات حق التقاضي وهذا ما نصت عليه المادة 183 من القانون رقم 217.97 والتي أكدت أن إقامة الدعوى العمومية في حالة القيام بأفعال غير مشروعة المنصوص عليها في المادة 182من نفس القانون وتتجلى إما في الاستعمال المباشر أو غير المباشر لبيان كاذب أو خداع يتعلق بمصدر منتج أو خدمة بهوية المنتج أو الصانع أو التاجر أو استعمال مباشر أو غير مباشر لبيان جغرافي أو لتسمية تنشأ كاذبة أو خداعة أو تقليد بيان جغرافي أو تسمية منشأ حتى ولو كان مشارا إلى منشأ المنتج الحقيقي أو كانت التسمية مترجمة أو مشفوعة بعبارات مثلا: “النوع” أو ” الطريق” أ “التقليد” أو ما شابه ذلك. تقام الدعوى إما من طرف النيابة العامة أو من طرف أي متضرر أو جمعية او نقابة أو من طرف الجمعيات التي تمثلهم لهذا الغرض دون الإخلال بحقهم في اللجوء إلى الطريق المدني أو المطالبة بالإجراءات التحفظية للمطالبة بالتعويض سواء كان شخصيا أو معنويا.

وبالتالي يمكن القول بان المشرع المغربي سمح لجمعيات حماية المستهلك الادعاء المباشر لكن في حدود ضيقة كما أشارت إلى ذلك المادة 182من القانون 17.97على عكس ما نجده في قانون المسطرة الجنائية التي لا تمنح جمعيات حماية المستهلك حق تحريك الدعوى المباشرة أمام المحكمة الجنحية كون المشرع قد قصر تدخلها على ممارسة حقوق الطرف المدني بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو من طرف المتضرر.[29]

من خلال ما سلف يتبين لنا أن نطاق تمثيل جمعيات حماية المستهلكين أمام القضاء جد واسع ولعل ما يبرر ذلك هو أن مشاركة المجتمع المدني في دعم حماية المستهلك يشكل دعامة أساسية لبروز وعي حقوقي بأهمية الظاهرة الاستهلاكية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وبكونها عامل من عوامل نجاح أي سياسية تشريعية تعنى بشؤون المستهلك وحقوقه.

المطلب الثاني : تدخل الجمعيات لدعم مركز المستهلك أمام القضاء

باعتبار جمعيات حماية المستهلك تسهر على الدفاع عن مصالح المستهلكين، فإنها بمقتضى ذلك يمكنها استعمال هذا الحق الحمائي على شكل دعوى قضائية، لكن هذه المرة ليست بصيغتها الجماعية إنما بالأساس الدفاع عن المصالح الفردية للمستهلكين ويكون ذلك بناء على انضمام الجمعية إلى دعوى جارية رفعها واحد أو اكثر من المستهلكين (الفقرة الأولى إضافة إلى دعوى التمثيل المقترنة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : انضمام الجمعية إلى دعوى جارية

يحق لجمعيات حماية المستهلك الانضمام للدعوى الفردية للمستهلك قصد حمايته والوقوف غلى جانبه أمام القضاء المدني حينما يكون موضوع الدعوى الأصلية تعويض الضرر الحاصل لواحد أو أكثر من المستهلكين طبقا للمادة 157من القانون رقم ،31.08 فإذا كان المشرع المغربي قد خول للجمعيات حق الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين بمقتضى الباب الثاني من القسم السابع ق ح م فإن هذا الحق المقرر للمستهلك شكل سبقا من أجل ضمان حقوقه، لكن هناك مجموعة من الإكراهات والصعوبات التي تحد من أهمية دعوى المستهلك الفردية وتفرغ حقه في التقاضي من محتواه، فكما هو معلوم أغلب المستهلكين ينتمون للطبقة المتوسطة غن لم نقل الضعيفة وبالتالي لا يقدرون على تحمل تكاليف التقاضي الباهضة من رسوم قضائية وأتعاب المحامي ومصاريف الخبرات، خصوصا إذا كانت قيمة البضاعة موضوع الدعوى زهيدة بالمقارنة مع المصاريف الواجب دفعها. ليبقى السبب الرئيس في ضآلة عدد الدعاوى الفردية إن لم نقل انعداما خاصة في المغرب هو اعتقاد المستهلكين بأنهم ملزمون بكل بنود العقد ولا يمكنهم التحلل منها ، لذلك يعتبر حق إقرار الجمعيات في التقاضي لحماية مصالح المستهلكين أمرا يكتسي أهمية بالغة[30] ،ومن خلال الوقوف عند المادة 157من ق.ح.م يتضح بأن الحق المخول لجمعيات حماية المستهلك بالتدخل في الدعوى الفردية يمكن ان يتم عن طريق آليتين أولهما أن جمعية حماية المستهلك تتدخل بصفة أصلية في حالة تعرض المصلحة الجماعية للمستهلكينللضرر إلا أنه في حالة طلب الجمعية إلغاء الشروط التعسفية فهي تكتفي بالتدخل في نزاع فردي بسيط رفع من طرف واحد أو اكثر من المستهلكين وهذا ما نجده في المادة 162من ق.ح.م كما تستطيع جمعيات حماية المستهلك الادعاء أمام القضاء المدني ليس عن طريق دعوى اصلية ولكن عن طريق التدخل الاندفاعي في دعوى سبق رفعها بواسطة واحد أو اكثر من المستهلكين ولا يقبل هذا التدخل بطريقة فرعية إلا إذا كان الطلب أو الادعاء الاصلي من المستهلكين قد قدم بغرض تعويض الضررالذي أصابهم، ومن الأمثلة على تدخل الجمعيات تدخلها في الحالة التي يكون فيها موضوع الطلب الأصلي تعويض المستهلك عن ضرر ناتج عن عيب في الشيء المبيع أو عن أداء غير صحيح للخدمة.

الفقرة الثانية : الدفاع عن المستهلك من خلال دعوى التمثيل المقترنة

إن دعاوى التمثيل المشترك ترتبط بمصدر واحد أو بمعنى آخر يكون الطرف المدعى عليه هو نفس الشخص الذي ترفع ضده هذه الدعوى القضائية من طرف عدة مستهلكين إذ عوض التقاضي بصفة منفردة يمكن للمستهلكين أن يجتمعوا ويتقدموا للمحكمة عن طريق جمعية تمثلهم، وذلك لطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب المورد[31] وقد خص المشرع هذه الدعوى الحديثة في المادة 158من القانون [32]31.08 وهو ذات المقتضى الذي سبق وجاء به قانون حماية المستهلك الفرنسي الصادر بتاريخ/1 يناير/ 1992تحت رقم 92.60 والذي أدرجت مقتضياته في المواد من L 422-1 إلى L422-3  من مدونة الاستهلاك، وقد تم تحديد إجراءات هذه الدعوى بموجب المرسومالصادر بتاريخ 11دجنبر 1992 تحت رقم 1306.92الذي تم إلحاقه بمدونة قانون حماية الاستهلاك في المواد R 422-1إلى ،R422-[33]10 وتبدو اهمية دعوى التمثيل المشترك في كونها لا تقوم بنفس الدور الذي تقوم به دعاوى الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين مع اعتبار الغاية من إحداثها لا تتمثل في تفعيل إجراءات المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يصيب المستهلكين، وإنما تجميع الدعاوى المماثلة من حيث الهدف التي يرفعها عدد من المستهلكين في إطار دعوى واحدة للدفاع عن المصالح الفردية المتماثلة والمشتركة وليس المصالح الجماعية، كما هو الشان مثلا في حالة الجهاز الذي تباع منه كمية كبيرة ويظهر في بعضه عيوب تقنية أو جماعة من السياح الذين لا يحصلون على الخدمات الموعود بها في سفرهم، إذ يحق لهؤلاء رفع دعوى قضائية على المهني بمساعدة جمعيات حماية المستهلك في حالة حصول اضرار تمس فردا بعينه او عدة افراد.[34]

ولقبول هذه الدعوى –التمثيل المشترك- لا بد من توفر شروط محددة في كل من المستهلكين والجمعيات الذين يمارسون هذه الدعوى لفائدتهم وهو ما سنتطرق له في أولا على أن نتطرق للاختصاص في إقامة الدعوى في ثانيا.

أولا : شروط ممارسة دعوى التمثيل المشترك

يشترط أن يكون المستهلك وفق المفهوم الذي حددته المادة 25من ق ح م، وأن يوجد عدة مستهلكين في مركز قانوني واحد متماثل أي لحق كل منهم ضرر ناتج عن فعل واحد ألا وهو المهني.
وضمانا لفعالية الدعوى في حالة ممارستها من طرف جمعيات حماية المستهلك، ينبغي توفر مستهلكين حتى وإن كان عدد المستهلكين المتضررين أكثر بكثير من ذلك.
هذا بالإضافة غلى ضرورة توفر الجمعية على توكيل من طرف مستهلكين اثنين على الأقل المعنيين بالأمر ويجب أن يكون التوكيل كتابة، وتجدر الإشارة ها هنا إلى ان الجمعية لا تمثل إلا من وكلها، أما باقي المستهلكين المتضررين والذين لم يوكلوا الجمعية فيحتفظون بحقهم في مباشرة الدعوى الفردية التي يمكن رفعها من طرفهم بشكل فردي أو جماعي.

وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية التي ترغب في الدفاع عن مجموعة من المستهلكين المتضررين تطمح دائما للحصول على أكبر عدد ممكن من التوكيلات من طرفهم لذلك أعطاها المشرع إمكانية توجيه دعوة للعموم من أجل ذلك شريطة ان لا تكون هذه الدعوة عن طريق التلفزة أو الإذاعة أو الإعلان المنشور أو أي وسيلة من وسائل الاتصال عن بعد[35].

ولا شك بأن الدعوى الممارسة هنا تدخل في إطار القواعد العامة للوكالة التي تفرض مبدئيا أن يتعرف الموكل على شخص الوكيل، ما دام القانون يعتبر الوكالة عقدا هذه الدعوى فنص صراحة على كون الوكالة التي تمارسها الجمعية تكون بالمجان ودون مقابل[36] ، إضافة إلى ذلك فالمشرع المغربي خول للمستهلك حق سحب التوكيل الذي سبق و ان منحه للجمعية وفي أي وقت، لكن لم يرتب على سحب التوكيل سحب الدعوى وإنما نص على كونها تبقى جارية بغض النظر على عدد المستهلكين المرفوعة باسمهم.  وإذا توافرت الشروط السابقة أمكن للجمعية رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض عن الضرر أو الأضرار التي لحقت المستهلكين الذين قامت الجمعية بتمثيلهم، وفي حالة خسارتها للدعوى وصدر حكم ضدها حكم فإن المستهلكين لن يحصلوا على أي تعويض فضلا عن فقدانهم لحق مباشرة الدعوى بشكل فردي. أما إذا أقر الحكم بمسؤولية المهني وكسبت الجمعية الدعوى فإن التعويضات التي تحكم بها المحكمة تعود للمستهلكين الذي أعطوا التوكيل للجمعية[37].  وتجدر الإشارة إلى ان الحكم لا ينتج أي آثار في حق المستهلكين المتضررين غير الممثلين من طرف الجمعية، فهؤلاء يبقى لهم حق ممارسة دعاوى فردية في مواجهة المهني لجبر الضرر اللاحق بهم[38].

مقال قد يهمك :   جامعة ابن زهر أكادير: مناداة بالإسراع في مشروع " التنظيم القضائي " وفق دستور 2011

ثانيا : الاختصاص في إقامة دعوى التمثيل المشترك

بخصوص الاختصاص فإن المشرع نص في المادة 159من القانون رقم 31.08 على أنه “يكون الاختصاص المحلي في الدعاوى المدنية لمحكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب للضرر أو أمام محكمة موطن المدعى عليه باختيار الجامعة الوطنية أو جمعية حماية المستهلك”. وبالتالي فإنه يحق لجمعيات حماية المستهلك رفع دعوى مدنية مستقلة ولو كان المقصود بالدعوى المدنية الواردة في الفقرة الأولى للمادة 159ق ح م الدعوى المدنية التابعة لما نص عليها المشرع في المادة 159/2على أنه “تقام الدعاوى المدنية التابعة أمام المحكمة الزجرية وفقا للشروط المقررة في القانون 22.01المتعلق بالمسطرة الجنائية “.
وعليه فإن عبارة الدعوى المدنية الواردة في المادة 159جاءت عامة تنصرف إلى إعطاء الحق لجمعيات حماية المستهلك برفع دعوى مدنية مستقلة.[39]

وأكدت الفقرة الاخيرة من المادة 159على أنه ” توجه الإشعارات والتبليغات التي تهم المستهلك إلى الجامعة الوطنية أو جمعية حماية المستهلك التي تقيم الدعوى نيابة عنه، وتكون صحيحة بتسليمها إليها مع احترام الآجال المقررة في القانون وتجدر الإشارة على أن الدعوى المرفوعة من طرف الجامعة الوطنية أو جمعيات حماية المستهلك لم يحدد المشرع المحكمة المختصة بل ترك الباب مفتوحا أمامهم لترفع أمام أي محكمة مختصة بحسب طبيعة النزاع وهو ما تؤكده عبارة أي محكمة التي جاءت في المادة 158.

خاتمة :

في ظل وجود عدة جمعيات للدفاع عن مصالح المستهلكين وحقوقهم، فإنها قد عجزت على أن تكون قوة ضاغطة إلى درجة تجعلها تواجه نفوذ المهنيين.

كما أن هناك عدة عوائق تحول دون قيام جمعيات حماية المستهلك بالدور المنوط بهافي مجال حماية المستهلك والدفاع عن مصالحه، ولعل أهمها هو اشتراط المشرع في قانون حماية المستهلك أن تكون الجمعية معترف لها بصفة المنفعة العامة من أجل تمكينها من حق التقاضي نيابة عن المستهلكين.
هذا بالإضافة إلى عدم كفاية الموارد المالية التي قد تساعد على نشر أفكارها وتوسيعنطاق عملها، وبالتالي فكل هذه المعيقات وغيرها تحد من قدرة جمعيات حماية المستهلك على توفير الحماية الفعالة للمستهلك, مما عجل إلى ما سمي على بعض القنوات الأجنبية بالثورة البيضاء التي يسقوها رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أجل مقاطعة بعض المنتجات التي تعرف ارتفاع في أسعارها

و إن تفعيل مجلس المنافسة يبقى باب الأمل أمام المستهلك المغربي, ويبقى السؤال إلى متى يتدخل المشرع لحماية المستهلك الطرف الضعيف في الحلقة الاقتصادية ؟


لائحة المراجع :

  • المؤلفات :

– رياض فخري، حماية حقوق المستهلك الاقتصادية والتمثيلية والإنصات إليه، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2015.
– المهدي العزوزي، تسوية نزاعات الاستهلاك، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الأولى 2013.

  •  الاطروحات والرسائل:

– نزهة الخلدي، الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية، عقد البيع نموذجا، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية .2005/2004
– مهدي منير، المظاهر القانونية لحماية المستهلك، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة .2005/2004 سنة
– حكيمة بن مشيش، حماية المستهلك بالمغرب بين القواعد العامة والمستجدات، رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا سنة 2012/2011
– جميلة جلال، الحماية الجنائية للمستهلك من الغش التجاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش سنة .2011/2010
– صياد الصادق، حماية المستهلك في ظل القانون الجديد رقم 03/09المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستيرفي العلوم القانونية والإدارية تخصص قانون الاعمال جامعة قسنطينة 1 كلية الحقوق السنة الجامعية .2014/2013
– رشيد أحنكور، حماية المستهلك في ضوء القانون 31.08عقد البيع الاستهلاكي نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقارجامعة محمد الاول وجدة 2013/2012

  • المقالات:

– سعاد تيالي، دور الجمعيات في حماية المستهلك من خلال قانون رقم ،31.08مجلة قانون وأعمال، العدد الثاني، دجنبر 2011
– إبراهيم المامون، جمعيات حماية المستهلك، مجلة القضاء المدني، العدد 4
.2014 سنة
– يوسف الزوجال، الضمانات القانونية للمستهلك في عقد التأمين في التشريع المغربي، مجلة القضاء المدني، العدد ،4سنة 2014
– محمد الهيني، إشكالية تمثيل جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء، مجلة المعيارعدد 38 دجنبر 2007


الهوامش :

[1] المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة فيما يخص حماية المستهلك الصادرة سنة  ،1985وقد سعت هذه المبادئ إلى : توفير السلامة المادية للمستهلك

وتعزيز وحماية المصالح الاقتصادية للمستهلك- ضمان سلامة وجودة السلع الاستهلاكية والخدمات- وضع برامج التثقيف والإعلام

[2]  سعاد تيالي، دور الجمعيات في حماية المستهلك من خلال القانون ،31-08مجلة قانون وأعمال، العدد الثاني، دجنبر ،2011ص .

[3]  براهيم المامون، جمعيات حماية المستهلك، منشورات مجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث، العدد ،4سنة 2014ص .

[4]  حكيمة بن مشيش : حماية المستهلك بالمغرب بين القواعد العامة والمستجدات، رسالة لنيل دبلوم الماستر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا سنة ،2011-2012ص .78

[5]  حكيمة بن مشيش، مرجع سابق، ص .7

[6]  حكيمة بن مشيش، مرجع سابق، ص .7

[7]  مهدي منير : المظاهر القانونية لحماية المستهلك، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
.19 ، ص2006-2005 وجدة سنة

[8]  نزهة الخلدي، الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية، عقد البع نموذجا- أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد
الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط السنة الجامعية .2004-2005ص .29

[9]  إبراهيم المامون، مرجع سابق ص58 .

[10]  يوسف الزوجال، الضمانات القانونية للمستهلك في عقد التأمين في التشريع المغربي، مجلة القضاء المدني سلسلة دراسات وأبحاث- العدد 4
ص 151, السنة 2014

[11]   إبراهيم المامون، مرجع سابق ص188 .

[12]  إبراهيم المامون، مرجع سابق188.

[13]  إبراهيم المامون، مرجع سابق ص188 .

[14]  جميلة جلام، الحماية الجنائية للمستهلك من الغش التجاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مرااكش
.214 ص2011 -2010 سنة

[15]  صياد الصادق، حماية المستهلك في ظل القانون الجديد رقم 03/09المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في
العلوم القانونية والإدارية، تخصص قانون الأعمال، جامعة قسنطينة 1كلية الحقوق السنة الجامعية 2014/2013ص .140

[16]  جميلة جلام، مرجع سابق، ص .215-214

 يوسف الزوجال، مرجع سابق، ص .15 [17]

[18]  رشيد أحنكور، حماية المستهلك على ضوء القانون رقم 31.08عقد البيع الاستهلاكي نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود
والعقار جامعة محمد الأول وجدة .2013-201

[19]  نزهة الخالدي، مرجع سابق، ص .303منقول عن يوسف الزوجال، مرجع سابق ص .15

[20]  جميلة جلام، مرجع سابق، ص .217

[21]  صياد الصادق، مرجع سابق، ص .142

[22]  رياض فخري، حماية حقوق المستهلك الاقتصادية والتمثيلية والإنصات إليه، مطبعة المعارف الجديدة الرباط طبعة 2015ص .38

[23]  ظهير شريف رقم 1.14.116صادر في 2رمضان 30( 1435يونيو )2014بتنفيذ القانون 104.12المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة،
الجريدة الرسمية عدد 6276الصادر بتاريخ 26رمضان 24 ،1435يونيو 2014ص .66 77

[24]  محمد الهيني، إشكالية تمثيل جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء، مجلة المعيار، العدد ،38دجنبر ،2007ص .22.

[25]  صعوبة تقدير الأضرار ومن تم احتساب التعويض، هذا ما جعل بعض الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع المغربية التي قضت بتعويض
رمزي فقط (درهم واحد) لفائدة الجمعية المغربية للمستهلكين رغم انعدام صفة هذه الجمعيات في قانون م ج القديم الملغى
– حكم المحكمة الابتدائية لابن امسيك سيدي عثمان البيضاء الصادر بتاريخ 95/04/28ملف جنحي عدد 95/ 2020غير منشور
– حكم المحكمة الابتدائية لابن مسيك سيدي عثمان البيضاء الصادر بتاريخ 95/02/24ملف جنحي عدد 95/ 2543غير منشور
– حكم المحكمة الابتدائية الدار البضاء أنفا بتاريخ 496/4ملف جنحي عدد 96/981غير منشور
أوردتها نزهة الخلدي، مرجع سابق ص  310.

[26] المهدي العزوزي، تسوية نزاعات الاستهلاك، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى 2013ص .16

[27]  ظهير شريف رقم 1.58.376يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات الجريدة الرسمية عدد 2404مكرر بتاريخ 16جمادى الأولى ،1378
.2849 ص1958 نونبر27

[28]  انظر المادة 3والمواد من 35إلى 39من المرسوم رقم 2.12.503الصادر في 4ذي القعدة 11 – 1434شتنبر 2013بتطبيق بعض
أحكام القانون رقم 31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، الجريدة الرسمية عدد 6192بتاريخ 26ذي القعدة 3 – 1434أكتوبر
.6384 ص2013

[29]  محمد الهيني، مرجع سابق، الصفحة 25

[30]  المهدي العزوزي، مرجع سابق، الصفحة .178

[31]  المهدي العزوزي، مرجع سابق، الصفحة 63.

[32]  تنص المادة 158 على  ”  استثناء من أحكام الباب الثالث من القسم الثاني الفقرة الثالثة من الفصل…”

[33]  المهدي العزوزي، مرجع سابق، ص .182

[34]  المهدي العزوزي، مرجع سابق ص 182أورده مهدي منير ” المظاهر القانونية لحماية المستهلك، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص، وحدة قانون الأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية .2004

[35]  المادة 158.2من ق ح م

[36]  لمادة 160من ق ح م

[37]  المادة 161من ق ح م

[38]  نزهة الخلدي، مرجع سابق، ص .325.

[39]   المهدي العزوزي، مرجع سابق، ص .169.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)