أحمد منيرة: قراءة في كتاب حقيقة الإسلام للدكتور عبد الهادي بوطالب

8 يناير 2022 - 10:09 م في الواجهة , متفرقات قانونية
  • حجم الخط A+A-

أحمد منيرة باحث وإعلامي


 الكتاب: حقيقة الإسلام (الطبعة الثانية)/ 2004.

المؤلف: الدكتور عبد الهادي بوطالب

الناشر: افريقيا الشرق/ المغرب

عدد الصفحات: 288


في تقديم هذا الكتاب الذي يتضمن 14 فصلا والجدير بأكثر من قراءة اليوم، يذهب مؤلفه العالم والفقيه الدستوري عبد الهادي بوطالب إلى أنه مساهمة متواضعة  لتقديم الإسلام في صورته الحقة. صوة الإسلام المسالم الذي تطبع تعاليمه الرحمة والعدل. وتناهض العنف والعدوان وقتل النفس بغير حق. وتدعو إلى التعايش السلمي بين الديانات والحضارات والمجتمعات على اختلاف خصوصياتها.

وهو يقدم صورة واضحة عن النظام السياسي في الإسلام، وعن أسس الاقتصاد في الإسلام، وعن النظام الاجتماعي في الإسلام، وعن الشريعة  أو  إقامة الحدود (…).

(I)

تفيد القراءة المتمعنة في ستة فصول الأولى من هذا الكتاب، الغني بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتحاليل العلمية، في ملامسة العديد من منطلقات الإسلام.

يحدد الكاتب أولا معنى لفظ الإسلام. وهو برأيه، يفيد الانقياد والادعان. ويعني إسلام العبد لله وحده (الصفحة 7). والانقياد، يعني الامتثال للأمر الإلهي والتعلق به ومحبة الله وطاعته. ولا يعني التواكل وتعطيل العقل البشري (ص7).

وأن الديانات السماوية الموحدة متآخية، ملتقية جميعها على جامع توحيد الإله الواحد. والإسلام منذ البدء ظهر، دينا ودنيا (ص11). وفيما يخص مقاصد القرآن المكي والمدني. فالمكي يتضمن الأسس العامة. أما المدني، فيتضمن التفاصيل لبناء دولة الإسلام.

وعن علاقة القرآن بالعلم، يؤكد الكاتب أن كل المواضيع التي تناولها القرآن خلت من أي تناقض مع العلم، أو مجافة للعقل. وقد حض القرآن على استعمال العقل والاستنجاد به لفهم الحقائق التي جاء بها الإسلام. واستشهد بالدكتور” موريس بوكاي” الذي أبرز هذا كله بدقة علمية في كتابه: ” القرآن والثوراة والانجيل: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعرفة الحديثة “. (ص35).

ويذهب الكاتب إلى أن رسالة الإسلام امتداد لسابقاتها. وعلى ذلك، فالإسلام لم يأت هادما للرسالات السابقة  ولا بانيا على أنقاضها. ولتبقى رسالته عالمية، فإن القرآن اقتصر على بيان أحكام أصول التشريع التي لا تتغير ولا ينسخها التطور. أما أحكام الفروع – إلا النادر – فقد جاءت السنة النبوية ببعضها. وترك لاجتهاد علماء المسلمين في كل عصر تدوين تشريعها بمقتضى التطور، بشرط وحيد، هو أن لا يتعارض التشريع موضوع الاجتهاد مع الأصول الثابتة في القرآن والسنة (ص64).

ويضيف الكاتب أن الإسلام دين سماحة وتسامح. فالسماحة تشير إلى ما تحفل به تعاليم الإسلام من يسر وتخفيف على الناس. أما التسامح فيتصل بتعايش الإسلام مع الديانات السماوية الأخرى وحسن تعامله معها ومع معتنقيها (ص67). كما أن الإسلام دين الفطرة (ص66/67).

والإسلام ليس دينا فحسب، وإنما عقيدة وسلوك ونمط حياة للناس حيثما وجدوا في العالم، أي منهج شمولي. (ص75). وأوضح الكاتب هذه الشمولية من خلال أربعة مظاهر: فهو يتجاوز حصره في نطاق دين سماوي إلى أنه نمط حياة على الأرض (ص76). وهو لا يفصل بين الحياتين، بل ، يربط بينهما باعتبار أن الحياة الدنيا هي معبر للأخرى (ص77). وأن الأخلاق التي جاء بها محمد لإتمامها تشمل مظهرا آخر لشمولية المنهج الإسلامي (ص77).

 وتتجلى شمولية هذا المنهج بالأخص في استيعابه للأجوبة على الأسئلة المطروحة لحل المشاكل المتصلة بحياة الإنسان في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية ونظام الحكم. وذلك في شمولية لا تترك سؤالا بدون جواب. وفي ربط تام متناسق دائم بين متطلبات الدين والدنيا (78ص).

ويقول هذا العالم: ” وحينما نقول إن هذه الشمولية لا تترك سؤالا بدون جواب لا نعني تفاصيل التنظيمات ودقائق التنظيرات في المجالات المشار إليها. ولكن نعني أن المنهج ذو نظرة شمولية مكتملة في جميع مجلات الأصول والقواعد الثابتة ” (ص78).

النظام السياسي الإسلامي:

للبرهنة على خصوصيات النظام السياسي الإسلامي، عمد الكاتب إلى المقارنة بين النظامين الديمقراطي الغربي والنظام السياسي الإسلامي. موضحا أوجه التشابه والمفارقات بينهما. ومميزات النظام السياسي الإسلامي.

فأوضح أولا أسس النظام الديمقراطي من خلال القانون الدستوري الذي هو أحدث القوانين، وهي أربعة: وجود دولة القانون. وخضوع الحاكمين لسلطة الدولة وسمو إرادة القانون عن إرادتهم. واعتراف الحاكمين للأفراد والجماعات بحقوقهم وضمانها. ومشاركة الشعب في الحكم مشاركة تتسع أو تضيق حسب مقتضيات القوانين الانتخابية التي تختلف بين نظام سياسي وآخر.

وبناء عليه، يرى الكاتب أن النظام السياسي الإسلامي يتوفر على جميع الضمانات التي تتيح إقامة النظام الديمقراطي القائم على الأسس الأربعة السالفة الذكر. لكن، هناك مفارقات بين النظامين. فبالنسبة للأساس الأول: وجود دولة القانون. وانطلاقا من النموذج الأول في عهد محمد (ص)، يبين الكاتب أن دولة الإسلام تقوم على تشريع إلهي. فالحكم والتشريع لله وليس للبشر. ومصادر التشريع الإسلامي أربعة: القرآن، والسنة، والاجماع، والاجتهاد.

القرآن: هو الدستور الإسلامي. ومن بين ما يميزه عن الدساتير الغربية أن مقتضياته لا تقبل التعديل ولا الإلغاء ولا التوقيف. ومن أجل هذه الصلابة لم ترد فيه إلا أحكام الأصول. أما الفروع فقد تكفلت بها السنة أو مصادر التشريع الأخرى حتى يكون ما جاء في القرآن هو مجموع الثوابت. ويبقى ما عداها قابلا للتغيير بالاجتهاد على حسب خصوصيات المجتمعات وتطورها. ولكن، دائما في نطاق الأصول الثوابت التي جاء بها القرآن (ص105).

والسنة: هي أقوال النبي، وأفعاله، وما سكت عنه (…). ولها أربعة مقاصد: إتمام التشريع، والشرح، والتفصيل، والتنظيم.

أما الإجماع، فهو ” اتفاق جميع مجتهدي الأمة الإسلامية في عصر من العصور على حكم شرعي بعد وفاة النبي “. (ص106). والإجماع عبارة عن مؤسسة علمية دائمة.

والاجتهاد، يعني ” بذل العالم بقواعد الشرع جهده لاستنباط الحكم الشرعي من دليله ” وذلك وفق قواعد مضبوطة تجنبه الخطأ. (ص106).

وبالنسبة للأساس الثاني: خضوع الحاكمين لإرادة الدولة. فالمفارقة أن النظام الإسلامي، أسند الحاكمية لله وحده. وأعطى البشر مهمة الحكم. وفي ذلك تلتقي برأي الكاتب الحاكمية مع تصور السيادة في النظام الغربي الذي يعطيها للأمة أو الشعب. بينما الحاكمية في النظام الإسلامي لله (ص107).

مقال قد يهمك :   أثر شروط اكتساب الجنسية المغربية في حماية المصلحة الوطنية

وفيما يتعلق بالأساس الثالث: حقوق الأفراد والجماعات وضمانها. يرى الكاتب أن للإسلام في هذا المجال، تنظيرا وممارسة، لا يختلفان عن أغراضهما ومقاصدهما عن مقاصد النظام الديمقراطي. ولكن، لهما خصوصيات ينفرد النظام الإسلامي بها. ففي هذا الأخير، تتحكم في تحديد مجال حقوق الإنسان وحرياته مفاهيم الإسلام الأساسية. ومنها، أن العقيدة المتمثلة في الإيمان بالله والخضوع لتعاليمه هي البداية والمنتهى في جميع تصرفات الإنسان (ص107).

وإذا كان النظام الغربي يعتبر حقوق الإنسان وحرياته، حقوقا طبيعية. فإن النظام الإسلامي يعتبرها، منحا إلهية، ثابتة (ص108).

وبالنسبة لمشاركة الشعب في الحكم (الأساس الرابع)، فإن النظام الإسلامي انطلق هو أيضا من المبدأ نفسه، ولكن بتصورات وتقنيات مختلفة. وقد توقف المؤلف عند تعريف الحكم والسلطة في الإسلام مفتاحا لمعرفة طبيعة مشاركة الأمة في تدبير شؤون الحكم وتفاعلها مع السلطة في القمة(ص109).

وفي ذلك، فإذا كان الحكم في النظام الديمقراطي يعني قيام علاقة بين طرفي الحكم: من هم في السلطة ومن هم في قاعدتها (الحاكمون والمحكومون). وقد تحول الحكم منذ قرنين إلى حكم المؤسسات التي تضطلع كل واحدة منها باختصاصات لا تمارسها الأخرى.

فإن الحكم في الإسلام يعني نظاما يوفر للمجموع حياة يطبعها التوازن. ويسير ولاة الأمور شؤون الحكم فيه بعدل. وتزدحم في لفظه العربي، معاني: الأمر، والاعتدال، والحكمة، والإتقان. وهو التعبير الذي أخذ به الإسلام لتحديد مفهوم السلطة داخل هذه المضامين (ص110).

وحسب الكاتب يتميز النظام السياسي الإسلامي بتوفره على: (ص112/113)

  • إطار خاص للحكم: هو منهج الشورى الذي يهدف إلى إقامة علاقة دائمة بين القمة والقاعدة، ترتكز على المشورة الدائمة من لدن الحاكم لرعيتيه. كما ترتكز على نصيحة الأمة التي يجب أن تقدمها باستمرار لراعيها.
  • والآليات التي يعمل بها نظام الشورى ومنها: البيعة، ومجلس الشورى، والرقابة المتبادلة بين طرفي الحكم، وثنائية المساءلة أو تقاسمها بين الطرفين.

النظام الاجتماعي في الإسلام:

يذهب الكاتب إلى أن التصور الإسلامي للمجتمع العالمي، جمع البشر على وحدة المواطنة الإنسانية (ص121). جاعلا منه خليفة الله في الأرض والمسؤول عن إصلاحها. وتدبير أمورها بالعدل. ولم يقر لأي كان – نبيا أو بشرا عاديا – أن يعلو على غيره إلا بمقدار مخافته من الله وانضباطه بتعاليمه وهو ما تجمعه كلمة التقوى أي خشية الله.

والمجتمع الإسلامي مجتمع أخلاق، وعدل، ومساواة، وسماحة، وتسامح، وتكامل.  والنظام الأخلاقي الذي جاء به الإسلام ورسخه في جذور مجتمعه ذكر في القرآن والسنة، مجملا ومفصلا. والمجمل هو ما يتصل بمبادئ الإسلام العامة وقواعده الأساسية وخطوطه العريضة. وقد تعمد الإسلام أن لا يحيط بتفاصيله على قاعدته في سن قواعد الأصول وترك المبادرات للمجتمعات عبر العصور لتفصيل ذلك عبر الاجتهاد الفقهي، مجاراة للتطور المحمود الذي لا تعارض فيه مع أصول الأخلاق الأساسية. لكنه مع ذلك، جاء بتفاصيل عن الثوابت من الأخلاق التي تشكل قانون سلوك المجتمع الإسلامي حتى لا يخرج عن إطاره الحق ومنهجه الصحيح (ص125).

وفي باب العدل، يشير الكاتب إلى أن هذه الكلمة وردت في القرآن في 14 موضعا. وورد ذكرها مرادفتها وهو القسط في 16 موضعا. وتكرر في عدة آيات أخرى التنديد بنقيضيهما الذي هو الظلم (ص128).  ومن ركائز العدل في الإسلام إقامته على المساواة، فلا ميزة بين البشر ولا تفاضل بينهم إلا في درجات التقوى (ص132).

أسس الاقتصاد في الإسلام:

يعلن الكاتب اقتناعه بأن التشريع الإسلامي الخاص بالاقتصاد من خلال مقتضيات القرآن والسنة قد ” اقتصر على بيان الأسس. وتجافى الدخول في التفاصيل والجزئيات على غرار ما فعله في مجال التشريعات الأخرى، تا ركا التفاصيل والتطبيقات لاجتهادات المجتمعات المتعاقبة ” (ص143).

فبعد عهدي النبي والخلفاء الراشدين وامتداد الإسلام خارج الجزيرة العربية، واتصاله بأنظمة سياسية واقتصادية مختلفة، وامتداد حكمه على مجتمعات غير عربية أغنى الفقه الإسلامي باجتهاداته أسس الاقتصاد الإسلامي الأولى. وجاء بحلول للمشاكل الاقتصادية التي واجهت الحكم الإسلامي مما ساهم في ازدهار المجتمعات المنضوية تحت لواء الإسلام(ص143/144).

كما أن قاعدة الوسطية لم تتخلف في ميدان الاقتصاد. ومن مميزات الإسلام أن الله جعل منه نظاما ذا جانبين: دين ودنيا. وهو ما دفع الباحثين في طبيعة الاقتصاد الإسلامي إلى التمييز بين ما جاء في القرآن والسنة وهو ما يطلق عليه الشريعة الإسلامية. وما جاء من اجتهادات الفقهاء المتخصصين وهو مجال الفقه الإسلامي. ومن مجموع هذين المصدرين يتكون ما يمكن أن نطلق عليه اسم النظام الاقتصادي الإسلامي (ص150/151).

وبذلك يبرر عبد الهادي بوطالب اقتناعه المعلن في مقدمة هذا الفصل (التاسع) حيث يذهب إلى أن مصدر أسس الاقتصاد في الإسلام هو الشريعة الإسلامية.

وفي هذا الصدد، تطرق الكاتب إلى المال والملكية، والدولة، والمنهج الإسلامي.

وهو يذهب فيما يتعلق بالمال والملكية، إلى أن الشريعة الإسلامية تقر الملكية الفردية بدون تحديد لمقدارها. لكن القيد الأكبر الذي فرضه الله على الملكية هو شرعية اكتسابها. وهي مقيدة بواجب إنفاق المال وتعميم الاستفادة منه على شرائح المجتمع المحتاجة، مما يفضي إلى العدالة الاجتماعية (ص151). ويواكب هذه الإباحة، المراقبة على منشأ الملكية وصيرورتها، ونهايتها. أي المراقبة المستمرة (ص152). كما أن هناك مجموعة من التشريعات التي تحد من احتكار المال واكتنازه في يد واحدة والنهي عن إعاقة تداوله ورواجه، وتستهدف كلها إقامة توازن بين الإنتاج وتعميم فائدة الثروة على الغير(ص153).

وقد أعطى الإسلام للمال مكانته كعصب للحياة. لكنه نهى عن التكاثر المؤدي إلى كثرة الاستهلاك التي تؤدي بدورها إلى تمييع أخلاق المجتمع وانغماسه في الحياة المادية المجردة من طيب الإحساس والشعور بالتضامن (ص154).

مقال قد يهمك :   النفقة بين القوامة والمساواة

ولم يترك الإسلام بعض أنواع الملكيات للخواص. بل أناط بالدولة ملكيتها والاستفادة منها (المنشآت العامة وأملاك الأوقاف…). وذلك لتحقيق أحسن استغلال وتحقيق الوظيفة الاجتماعية للدولة (ص154).

وفيما يتعلق بالإنتاج والتوزيع، يرى الكاتب أن الإسلام يحرص على تأمين توازن دقيق بين الإنتاج والتوزيع فليست غاية الإنتاج هي إشاعة الاستهلاك القائم على التكاثر الذي ندد به القرآن، فقال: ” ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر …” (سورة التكاثر). بل أن الإنتاج مرتبط عضويا بالتوزيع، بحيث تلتقي جهود الإنتاج بعدالة التوزيع.

وعلاقة بالمنهج الإسلامي، يؤكد الكاتب أنه منهج التوسط حيث يدعو إلى الجمع بين تأمين حرية الملكية الفردية ولكن بمراقبتها في جميع أطوارها حتى لا تضر بالجماعة. وأناط بالجماعة حق الملكية، وجعل منها حقا مسؤولا عن تأمين مصلحة الفرد (ص155). ومجملا، إن المنهج الإسلامي ليس مذهبا وضعيا بل هو، منهج ترتبط فيه تنظيمات الدنيا بتعاليم الدين (ص155).

في فقرة حقوق الله وحقوق العباد يبين الكاتب بداية،  مجموعة من المفارقات القائمة بين التنظير الإسلامي لحقوق الإنسان والتنظير الغربي لها. وتتجلى المفارقة الأساسية في نعت الغرب لحقوق الإنسان بوصف، الطبيعية. ووصف الإسلام لها بالإلهية.

وحسب الكاتب، يقسم علماء الأصول التكاليف الشرعية إلى ثلاثة أقسام: حق الله تعالى فقط، وهو أمره ونهيه. وقد شرع حكمه لمصلحة المجتمع. وحق الفرد، وهو مصالحه وقد شرع لمصلحة الفرد خاصة. وقسم اختلف فيه، هل يغلب فيه حق الله أو حق الفرد (ص167/168).

ويتضمن حق الله: العبادات. وفي حقه على الناس: إقامة العدل وتوفير التكامل الاجتماعي وإقامة مجتمع الإيمان والتقوى وإقامة حدود الله على المخالفين. وأما حق الفرد: فهو ما كان فيه مصلحة الفرد خاصة.

وفي نظر الكاتب، تقوم الشخصية الإسلامية على ثلاثة مرتكزات: المعرفة (أو العلم)، والإيمان، والعمل الصالح. ووسيلتها، الحرية في نطاق الامتثال للهدي الإلهي. ويقنن الشرع الإسلامي الحق دائما بالواجب (ص167).

نظام الأسرة في الإسلام:

مما جاء في الفصل (الحادي عشر) أن القرآن هو الدستور الأسمى الذي يترك تفاصيل الأحكام للسنة والاجتهاد. ولكن، في مجال في تنظيم الأسرة تكفل الله بنفسه وبتفصيل دقيق بالتقنيات متوليا بنفسه صيانة أحكامها من المس بها (ص174).

وقد توقف الكاتب عند بعض الأحكام التي، حسبه، تفهم أحيانا غلطا وتشوش على فهم الإسلام في مفهومه الصحيح، وذلك لرفع الالتباس السائد منها طلبا للحقيقة: نظرة الإسلام إلى الزواج، ونظام سير الأسر، وتعدد الزوجات، والطلاق، والميراث، والحجاب الإسلامي.

الشريعة أو إقامة الحدود:

يرى الكاتب أن خصوم الإسلام يقدمون عنه صورة قاتمة ومرعبة، مستدلين بأمور منها: العقوبات المتمثلة في قطع الأيدي، والموت بالرجم (…) وعقوبات أقلها الجلد مائة أو 80 جلدة (ص197). ويؤكد أن جميع العقوبات التي سنها الإسلام في حق الفصائل الشادة من المجتمع، جاء تطبيقها مقيدا بشروط خاصة تجعل تنفيذ كل منها صعبا ونادرا لكثرة التحريات التي أكد الإسلام على ضرورة توفرها قبل إيقاع الحد. (ص198).

وتلك العقوبات لا تطبق إلا في حق أكبر الجرائم وأفضعها في المنظور الإسلامي. وعددها لا يتجاوز تسعا (9) وهي: جرائم الحرابة، والحرابة هي السعي بقوة إلى إشعال الفتنة في المجتمع. والبغي. وإعلان الردة. والقتل العمد. وزنا المحصن والمحصنة. والسرقة. وشرب الخمر. والقذف بالزنا (ص200).

وحصر الجرائم الكبرى في تسع مخالفات يعني أن الإسلام لم يطبق على سواها من مخالفات تعاليم الإسلام إلا عقوبات خفيفة. أو ترك الجزاء عليها إلى يوم الحساب في الآخرة (ص200).

ويرى الكاتب أن المنظور الإسلامي للجرائم والعقوبات يظهر أن الإسلام يعي كامل الوعي أن إقامة الحدود الجنائية وحدها لا تحل مشكل النزوع إلى الإجرام. وأن القضاء على ظاهرة الإجرام يمر حتما بالتربية الصالحة والعمل على أن تكون للعقوبة مقاصد أخرى غير إنزال العقاب والأذى بالمجرم (ص205).

الحضارة الإسلامية في ظل الدولة الإسلامية:

يرى الكاتب أن النموذج الدستوري النواة جاء متضمنا لأسس الحكم وآليات تطبيقه ومقننا للحياة السياسية بما يتناسب مع الواقع السياسي في ذلك الآن. وما يمكن أن يقتدى به فيما بعد، مهما امتدت رقعة الإسلام عبر العالم (ص215).

هذا النموذج، قام على توفيق دقيق بين الإيمان بما جاء به الوحي مما يدخل في مقتضيات الشرع وبين مقتضيات العقل الذي أمر الله في غير ما آية من القرآن بالاسترشاد به في التفكر والتدبر واستجلاء الحقائق (ص215).

ومن يقل عن نظام إنه يقوم في ظل العقل يقل حتما إنه لا بد وأن يسنده العلم بمعنى المعرفة في كافة أبعادها: مضامينا وأشكالا وصورا. وهذا يعني حسب الكاتب أن على المسلمين أن يكونوا مسلحين بهذه الأدوات الثلاث: الوحي والعقل والعلم. وأن لا يجمدوا ويتقوقعوا فيما ورثوه (ص216).

ويذهب بوطالب إلى أن جوانب الحكم في الدولة الإسلامية تختلف بين ما هو من مقتضيات التشريع الإلهي فيما وردت فيه أحكام القرآن والسنة، وهذه لا مجال للاجتهاد الفكري فيها. وبين ما لم يرد به نص في أصول التشريع، وهذا مجال واسع رحب يعمل فيه الاجتهاد عمله حتى تعمل دولة الإسلام بآلياتها: الشرع والعقل والعلم.

وقد تحدث الكاتب في هذا الفصل (الثالث عشر) عن حكم الإسلام في دولة الخلافة الراشدة(11هج-40هج) (632م-661م). وعن حكم الدولة الأموية(41هج-132هج)(661م-750م). وعن دولة العباسيين (132هج-656هج) (750م1258-م).

وفي حديثه عن اكتمال الحضارة الإسلامية، أشار إلى أن هذه الدول الإسلامية وفي طليعتها الدولة العباسية التي حكمت باسم الخلافة الإسلامية خمسة قرون. هي التي التقت جهودها كل فيما يخصها على صنع حضارة إسلامية متكاملة رفيعة المستوى. وليس امتداد سلطتها على المعمور إلا مظهرا خارجيا. أما ميزاتها الأساسية فهي أنها حضارة قامت على ركيزتين أساسيتين، العلم والإيمان.  مما جعل منها حضارة متميزة عن الحضارات التي سبقتها والتي جاءت بعدها والتي لم تعن بغير التقدم العمراني وامتداد النفوذ (ص241).

مقال قد يهمك :   50 درهما للجثة تعويضات الأطباء الشرعيّين بالمغرب وأوجار يعد برفعها مستقبلا

وبرأي  الكاتب فالدول الإسلامية التي جاءت بعد دولة الرسول، تأرجحت تألقا، وخفوتا، وانهيارا، بمقدار ما تقيدت به من الاقتداء بوصية الرسول أو تجافيها عنها. مما جعلها في هذه الحالة الأخيرة، سريعة العطب وفاقدة المناعة. وأوقع المسلمين في عصور التردي والانحطاط والتخلف. ” وتلك الأيام نداولها بين الناس ” (سورة آل عمران) (ص220).

الإسلام والتجديد الذاتي:

ذكر الكاتب  في هذا الفصل (الرابع عشر) بأن تاريخ الإسلام عرف بعد الخلفاء الراشدين علما جديدا بقواعده وآليات عمله هو علم الاجتهاد الذي بفضله أمكن لدولة الإسلام أن يتم لها الاكتفاء الذاتي في التشريع والتنظيم في شؤون العبادات الفرعية، وفي المعاملات الدنيوية، وفي ميدان الحكم والسلطة والإدارة والعلاقات الدولية (ص255).

ومجملا يقتضي التجديد الذاتي برأيه، الالتزام بالثوابت التي جاءت في القرآن والسنة وهي لا تقبل التعديل والتغيير. والاجتهاد في مجال المتغيرات التي  لم ينص عليها لا القرآن ولا السنة، أو اقتصر فقط على تشريع أصولها.

والتجديد يعني رفض الجمود في وجه العلم والعقل. (ص268).

(II)

نستنتج من القراءة المتمعنة في هذا الكتاب أن الإسلام: نظام حياة شمولي، ويتسم منهجه بالشمولية كذلك.

أولا- نظام حياة شمولي: 

 وهو ما يعني مجموعة قواعد ومبادئ عامة، تنظم حياة الأفراد والجماعات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. كما تنظم أسس التعاون بين الشعوب والدول وتقنن مبادئ التعايش العالمي وقواعد السلام والحرب.

وبعبارة جامعة كما أوضح الكاتب في تفسيره للحديث النبوي ” الدين المعاملة “، فالإسلام نمط حياة، بل حياتين: الحياة الدنيا والحياة الأخرى. وهو يربطهما بتوازن محكم يوفق بين مقتضيات المادة والروح، بإعطاء  كل منهما متطلباته عملا بمبدأ ” اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ” (ص11).

يتكون النظام الإسلامي من مجموعة من الأنظمة الفرعية التي تميزه عن باقي الأنظمة الغربية وتجسد خصوصياته.  ويمكننا اقتراح خمسة عناوين لهذه الأنظمة الفرعية: النظام السياسي الإسلامي. والنظام الاجتماعي في الإسلام. والنظام الاقتصادي الإسلامي. ونظام الأسرة في الإسلام. والنظام العام لثقافة المجتمع الإسلامي.

وإذا كان المؤلف قد أوضح بإسهاب خصوصيات النظام السياسي الإسلامي والنظام الاجتماعي في الإسلام ونظام الأسرة في الإسلام. فبإعلانه اقتناعه الراسخ بأن التشريع الإسلامي الخاص بالاقتصاد من خلال القرآن والسنة قد اقتصر على بيان الأسس، وتجافى الدخول في التفاصيل والجزئيات على غرار ما فعله في مجالات التشريع الأخرى، تاركا التفاصيل والتطبيقات لاجتهادات المجتمعات المتعاقبة، فإنه قدم خدمة علمية جليلة للباحثين حيث أزال الغموض عن جدل، كان ومازال قائما، حتى في أوساط الأكاديميين المختصين.

وبناء عليه، نستنتج أن ما يمكن أن نطلق عليه النظام الاقتصادي الإسلامي يتكون من مصدرين وهما:

  • المصدر الأول: ما جاء به القرآن والسنة علاقة بالاقتصاد. وهو ما يطلق عليه الشريعة الإسلامية.
  • والمصدر الثاني: اجتهادات الفقهاء المتخصصين عبر العصور، ويشكل في مجمله مجال الفقه الإسلامي.

ولم تتخلف قاعدة الوسطية في ميدان الاقتصاد.

وفيما يتعلق بالنظام العام لثقافة المجتمع الإسلامي، فهو يقوم على ثلاثة مرتكزات: الوحي (الشرع). والعقل. والعلم (المعرفة).

وهو ما يعني أن هذا النظام العام هو مجموعة قواعد ومبادئ وأسس ثابتة، أوحى بها الله، وتشرحها وتفسرها السنة النبوية. ومجموعة مقتضيات وأحكام تتغير وتتطور بتغيير العصور والأزمان، وقد تركها الإسلام للإجماع والاجتهاد.

وقد أهاب القرآن بالمؤمنين أن يمروا دائما إلى الاحتكام إلى العقل حتى من أجل الوصول إلى الإيمان الجازم. إلا إذا عجز العقل عن استكناه الحقيقة، فإن الوحي يصبح وحده مصدر العلم والإيمان.  ومن يقل عن نظام إنه يقوم في ظل العقل يقل حتما إنه لا بد وأن يسند العلم بمعنى المعرفة في كافة أبعادها (ص262).

ويبين الكاتب كيف أن لنا في تاريخ الدول الإسلامية، ونظام العبادات، وحقوق الله وحقوق الإنسان، وفي شخصية الرسول، وغيرها، إرث ثقافي إسلامي زاخر بالدروس عميقة الدلالات. ولا شيء في الإسلام يمنع المجتمع الإسلامي من إغناء ثقافته من خلال الاقتباس من الثقافات الإنسانية الأخرى والقوانين الدولية، بشرط وحيد، أن لا يتعارض ذلك مع الثوابت التي ينص عليها القرآن والسنة.

فالشخصية الإسلامية لها ثلاثة مقومات (ص163):المعرفة (أو العلم). والإيمان. والعمل الصالح.   ووسيلتها، الحرية، في نطاق الامتثال للهدي الإلهي.

ثانيا- شمولية المنهج الإسلامي:

تتجلى مظاهر شموليته في أنه يتجاوز حصره في دين سماوي إلى أنه نمط حياة على الأرض. وهو لا يفصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى، بل يربط بينهما باعتبار أن الحياة الدنيا هي معبر للحياة الأخرى. وتشكل الأخلاق مظهرا آخر لشمولية المنهج الإسلامي، فليس هناك خلق حسن مما دعا له المجتمع العالمي المتحضر لم ينص عليه الإسلام.

كما تتجلى شمولية المنهج الإسلامي في استيعابه للأجوبة على الأسئلة المطروحة لحل المشاكل المتصلة بحياة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية ونظام الحكم. لكن هذا لا يعني، كما أكد المؤلف، تفاصيل التطبيقات ودقائق التنظيرات في مجالات الحياة الدنيوية. وإنما يعني، أن المنهج الإسلامي ذو نظرة شمولية متكاملة في مجالات الأصول والقواعد الثابتة (ص78).

(III)

  • على سبيل الختم:

الإسلام نظام شمولي ينظم حياة المجتمع الإسلامي، أفرادا وجماعات ودولا. ويميزه عن باقي الأنظمة الأخرى خصوصيات نظامه السياسي، ونظامه الاقتصادي، ونظامه الاجتماعي، وشمولية منهجه.

وتشكل الوسطية والحاكمية لله وحده، القاعدتان الأساسيتان اللتان تميزانه عن النظامين الرأسمالي والشيوعي، وفي المنهج الإسلامي ترتبط تنظيمات الدنيا بتعاليم الدين.

 

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)