نظام الفاتورة الإلكترونية

ثروة الجامعات العربية.. في زمن التحديات

أي سياسة جزائية نريد ؟

8 فبراير 2019 - 10:22 م المنبر القانوني
  • حجم الخط A+A-
  • مكرم العزيزي مساعد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بسيدي بوزيد-تونس

تشهد تونس ومنذ سنوات حركية تشريعية حثيثة طالت المادة الجزائية بصدور قوانين جديدة أو بإنكباب لجان مختصة على مراجعة أخرى وتأتي في صدارتها المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية، وإذ يعكس ذلك خطورة الظاهرة الإجرامية وتنوع صورها فإنه يطرح بالمقابل عدة أسئلة بخصوص فاعلية ونجاح السياسة الجزائية المتبعة بالبلاد ، هذا و يختلف تعريف السياسة الجنائية /الجزائية بتعدد المنطلقات الفلسفية والمرجعيات العلمية لواضع التعريف، ويعد الفيلسوف الألماني فيورباخ أول من إستعمل هذا المصطلح في بداية القرن 19 فهو يعتبرها “مجموعة الوسائل التي يمكن اتخاذها في زمن معين ومجتمع معين من أجل مكافحة الإجرام “ ،في حين عرفها غراماتيكا بكونها “دراسة الوسائل العلمية للوقاية من الإنحراف الإجتماعي وقمعه “ ،أما رائد مدرسة الدفاع الإجتماعي مارك أنسل فيقدم تعريفا لها من خلال تبيان هدفها بكونها” تهدف إلى الوصول إلى أفضل صيغة لقواعد القانون الوضعي وتوجيه المشرع واضعه والقاضي الذي يقوم بتنفيذه والإدارة العقابية المكلفة بتنفيذ ما يقضي به القضاء “.[1]

 فهي إذا تدل على رسم الإستراتيجية الآنية والمستقبلية لمكافحة الاجرام ومعاملة المجرمين والمبادئ العامة التي يراعيها المشرع في مجال التجريم والعقاب ،وكيفية حماية المجتمع مجموعات وأفراد مع بيان الأهداف المتعين إنجازها لتأمين هذه الحماية ضمن السياسة العامة للدولة .

وهي حسب الفقه تتميز بعدة خصائص فهي؛ غائية إذ تنطلق من رسم غايات وأهداف يراد تحقيقها في مجال الجريمة ونسبية فتختلف من حقبة زمنية الى أخرى ومن مجتمع الى ٱخر سياسية فتتأثر بالنظام السياسي القائم والتوجهات المرتبطة بسياسة الدولة في مكافحة الاجرام، ومتطورة تتغير بتغير السياسة العامة وخيارات الدولة[2].

ويبين إستقراء المنظومة القانونية التونسية أنها تنكر هذا المصطلح بإستثناء ما أورده الفصل 115 من الدستور في فقرته الثانية الذي ينص على أن” النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور ويمارس قضاة النيابة العمومية مهامهم المقررة بالقانون وفي إطار السياسة الجزائية للدولة وطبق الإجراءات التي يضبطها القانون .” ،والذي لم يبين واضع هذه السياسة ومن البديهي الإشارة الى أن ذلك من صميم إختصاص السلطة التشريعية بإعتبارها من قبيل السياسات العمومية ويلحظ المتتبع لمسار “التقنين الجزائي “في بلادنا “تضخما تشريعيا” و هو وإن بدا في ظاهره جهدا “يجهد ” لمكافحة الظاهرة الإجرامية ومحاصرتها. فإنه في المقابل لا يعكس وجود سياسة جزائية ” وطنية ” واضحة ،معلومة ومنشورة يقدمها واضعها ويجلي معالمها بصفة دورية ويحاسب من يكلف بتنفيذها بشكل يجعل إنتاج القوانين إما” تقنينا للرغبات [3]، أو تكريسا للولاءات أو إستحابة لإملاءات وخاصة منها تلك الصادرة عن الضفة الشمالية للمتوسط التي فرضت نفسها بعد المصادقة على إتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي ليصبح رضا ” أهل الشمال ” الضرورة وغاية المنى .

هذا وتفرض التغيرات السياسية ،الإجتماعية والسياسية بالبلاد ضرورة إعادة ضبط العلاقات القائمة بين السلط الثلاثة بشكل يقطع مع تفرد السلطتين التشريعية والتنفيذية بصلاحية رسم السياسة الجزائية نحو واقع جديد تشاركي يكون فيه للسلطة القضائية رأي فاعل ومشورة حتى تكون القوانين عاكسة للجهد والواقع القضائي إضافة إلى مختلف مكونات الجسم الحقوقي . ثاني أوجه إصلاح السياسة الجزائية يتعلق بمرحلة تنفيذها وذلك بإستبعاد أي تدخل لللسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل في هذا المجال لما في ذلك من مساس جسيم بمبدأ إستقلال القضاء ويكون هذا بإلغاء رئاسة وزير العدل للنيابة العمومية المنصوص عليها بالفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية والتكريس الفعلي لإستقلالية النيابة العمومية بإسناد رئاستها الى الوكيل العام لدى محكمة التعقيب مع التنصيص على ندوات دورية للوكلاء العامون ووكلاء الجمهورية للسهر على حسن تنفيذ القانون وضمان النقل الأمين لواقع الدعوى العمومية بالجهات .

مقال قد يهمك :   الغرامة في جرائم الأعمال بالمغرب

وتقدم المملكة المغربية مثالا جديرا بالإقتداء في هذا الإطار فتحقيقا لملاءمة التشريع لما كرسه دستور البلاد لسنة 2011 من إستقلالية للسلطة القضائية صدر قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية[4]، والقانون المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة[5]، و قانون إستقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل يتعلق بنقل إختصاصات وزارة العدل الى الوكيل العام لدى محكمة النقض بوصفه رئيسا للنيابة العامة[6]، والذي منح لهذا الأخير إختصاص ؛ _”الإشراف على عمل النيابة العامة وممارسة صلاحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها في إطار إحترام مضامين السياسة الجنائية طبقا للتشريعات الجاري بها العمل . _السهر على حسن سير الدعاوى في مجال إختصاصها وومارسة الطعون المتعلقة بها ..” ونص على نقل ملكية الأرشيف والوثائق والملفات المتعلقة بإختصاصات النيابة العامة الموجودة لدى وزارة العدل الى رئاسة النيابة العامة،هذا طبعا مع تمتيعها بإستقلالية مالية وإدارية وبمقر خاص بها . وقد ألزم القانون الخاص بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية رئيس النيابة العامة بتقديم تقرير سنوي يخص ” تنفيذ السياسة الجنائية وسير نشاطها للمجلس وقد صدر التقرير المذكور الخاص بسنة 2017[7]، مبينا أوليات تنفيذ هذه السياسة وعمل جهة الإدعاء مقدما معطيات إحصائية دقيقة في ذلك . وما نؤكد عليه ختاما هو حاجة البلاد الى مراجعة معمقة للسياسة الجزائية كيفما سبق بيانه و هو ما يقتضي وجوبا المسارعة بتنزيل المكتسبات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية.

وإصدار القوانين اللازمة لتحقيق ذلك وهو ما تأخر كثيرا ولا أدل على ذلك عدم إرساء المحكمة الدستورية وعدم صدور القوانين الأساسية الخاصة بالقضاة وقانون التفقدية العامة للشؤون القضائية إلى حد الآن .


[1]– -للمزيد حول هذه النظريات يراجع ،أحمد فتحي سرور ،المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ،مطبعة جامعة القاهرة ص 5 وما بعد.

مقال قد يهمك :   العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية: أية علاقة في ظل الأزمة الاقتصادية لكوفيد-19؟

[2]– -أحمد فتحي سرور ،مرجع سابق الذكر.

[3]– -العبارة للراحل محمد حسنين هيكل.

[4]– قانون عدد 13_100المؤرخ في24مارس 2016.

[5]– قانون عدد 13_106 المؤرخ. في24مارس 2016.

[6]– عدد 33/17 المؤرخ في 08 أوت 2017.

[7]– منشور بموقع رئاسة النيابة العامة على الأنترنيت.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)