المنازعات المتصلة بالعقود الإدارية : التوظيف بموجب عقود بالتعليم العمومي بالمغرب نموذجا

إشكالات تحفيظ أراضي الجموع من خلال الاجتهاد القضائي.

استخلاص ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و مسطرة التحصيل الجبري.

8 فبراير 2018 - 2:39 ص مقالات , القانون الخاص , مقالات
  • حجم الخط A+A-

 

  • علالي محمد : إطار محاسب.

تفاعلا مع قرار محكمة النقض رقم 1124-4-1-2017 الصادر بتاريخ 14/09/2017 في الملف الإداري رقم 3042/4/1/2015، ارتأينا توضيح بعض الأمور المتعلقة بمدى أهلية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في سلوك مسطرة التحصيل المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية.

ولئن كان القرار المذكور قد اعتبر اعتماد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مسطرة الإشعار للغير الحائز غير مؤسس قانونا، فإنه قد اعتبر بالمقابل أن ديون الصندوق المذكور هي ديون عمومية بمقتضى المادة الثانية من القانون 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية يستوفيها طبقا للمدونة المذكورة. وهو الشئ الذي يستدعي الدخول في مناقشة حوله باعتبار أن المادة الثانية التي يشير إليها قرار محكمة النقض لا ينبغي قراءتها بشكل ناقص ولا بمعزل عن المادة الثالثة من ذات المدونة.

سنحاول في هذه الورقة أن نبين ما هي الشروط التي ينبغي توفرها في ديون المؤسسات العمومية لكي تكون لهذه المؤسسات الصلاحية في تحصيلها وفق أحكام مدونة تحصيل الديون العمومية (أولا). بعد ذلك، سنقوم بتطبيق عناصر النتيجة المتوصل إليها على حالة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من حيث هو مؤسسة عمومية، وذلك بهدف الجواب عن السؤال المتعلق بمدى قانونية اعتماده مسطرة التحصيل الجبري في عملية استخلاص ديونه (ثانيا).

أولا: ديون المؤسسات العمومية[1]: شروط اعتبارها ديونا عمومية بمفهوم مدونة تحصيل الديون العمومية.

لكي يتم اعتبار ديون مؤسسة عمومية ما ديونا عمومية بمفهوم مدونة تحصيل الديون العمومية، ينبغي استيفاء الشرطين التاليين:

  • الشرط الأول: أن يعهد بقبض ديون المؤسسة العمومية للمحاسب المكلف بالتحصيل.

تنص المادة الثانية من مدونة تحصيل الديون العمومية بهذا الخصوص على ما يلي:

” تعتبر ديونا عمومية بمقتضى هذا القانون:

– سائر الديون الأخرى لفائدة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية التي يعهد بقبضها للمحاسبين المكلفين بالتحصيل،….” .

وقد حددت المادة 3 من ذات المدونة على سبيل الحصر المحاسبين المكلفين بالتحصيل ومن ضمنهم “الأعوان المحاسبون بالمؤسسات العمومية“.

غير أن هذا الشرط لا يكفي في حد ذاته للقول بأن دين مؤسسة عمومية ما يكتسي صفة الدين العمومي بمفهوم مدونة تحصيل الديون العمومية، بل لابد من توفر الشرط الثاني.

  • الشرط الثاني: التنصيص بشكل صريح في النص المحدث للمؤسسة العمومية على تطبيق أحكام مدونة تحصيل الديون العمومية.
مقال قد يهمك :   ضحايا حوادث السير وتحديات نظام المسؤولية التقليدية: قراءة على ضوء التشريع المغربي والمقارن

تنص المادة 3 من مدونة تحصيل الديون العمومية بهذا الخصوص على ما يلي:

” يكلف بتحصيل الديون العمومية المحاسبون الآتي ذكرهم:

  • الأعوان المحاسبون بالمؤسسات العمومية بالنسبة إلى ديون هذه المؤسسات عندما يتم التنصيص صراحة على تطبيق أحكام هذا القانون (أي مدونة تحصيل الديون العمومية) في النصوص المحدثة لها“.

تأسيسا على ذلك، فإن دين مؤسسة عمومية ما لا يكمن أن يتصف بكونه دينا عموميا بمفهوم مدونة تحصيل الديون العمومية إلا إذا تم التنصيص بشكل صريح في النص المحدث لها على تطبيق أحكام مدونة تحصيل الديون العمومية (الشرط الأول) متى عهد بقبض الدين للعون المحاسب بتلكم المؤسسة (الشرط الثاني).

ثانيا: تطبيق عناصر النتيجة على حالة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:

سنحاول تطبيق تلكم العناصر على حالة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من خلال مواجهة النتيجة المترتبة عن القراءة التقاطعية للمادتين الثانية والثالثة من مدونة تحصيل الديون العمومية:

  • بمقتضيات المادتين 21 و41 من القرار رقم 2.0042 المؤرخ في 6 يناير 1998 الصادر عن مديرية المقاولات العمومية والخوصصة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية[2]
  • وبمقتضيات الفصل 28 من الظهير رقم 1-72-184 المؤرخ في 27/07/1972.

  أ . الجهة ذات الاختصاص الحصري بخصوص العمليات المتعلقة بتحصيل الديون:

بالرجوع إلى القرار رقم 2.0042 المؤرخ في 06 يناير 1998 المتعلق بالتنظيم المالي والمحاسبي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، نجده ينص صراحة في المادة 21 منه على أن الجهة ذات الاختصاص الحصري بخصوص العمليات المتعلقة بتحصيل ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هي الإدارة العامة وليس العون المحاسبagent comptable، كما أن المادة 41 منه وفي فقرتها الثانية تخرج بصريح العبارة عملية تحصيل الديون من نطاق اختصاصات العون المحاسب للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وذلك بتنصيصها على أن عمليات التحصيل التي يباشرها العون المحاسب يجب أن تراعي المقتضيات المنصوص عليها في المادة 21 من القرار المذكور. علاوة على ذلك، فإنه بالإطلاع على الإنذارات commandements[3] التي يوجهها الصندوق للمدينين، نجدها صادرة عن الإدارة العامة للمؤسسة وليس عن العون المحاسب بها، ولا يغني توقيع القابض percepteurعلى هذه الإنذارات للقول بغير ذلك باعتبار أن القابض يوقعها بتفويض من الجهة المصدرة لها وباعتبار أن جهة تعيين القابض هو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلافا للعون المحاسب الذي يتم تعيينه من طرف الوزير المكلف بالمالية.

مقال قد يهمك :   حوالة الحق الشخصي ومبدأ سلطان الإرادة

  ب. هل تم التنصيص الصريح على تطبيق أحكام مدونة تحصيل الديون العمومية في النص المحدث للصندوق الوطني للصندوق للضمان الاجتماعي؟

بالرجوع إلى الفقرة الأولى من الفصل 28 من الظهير رقم 1-72-184 المؤرخ في 27/07/1972 نجدها تنص على ما يلي:

” يباشر الاستخلاص وتجري المتابعات عند الاقتضاء كما هو الشأن في الضرائب المباشرة خلال أجل أربع سنوات يبتدئ من تاريخ تبليغ قائمة المداخيل القابلة للتنفيذ إلى الملزم بالأداء”.

ويتم تفسير هذا المقتضى من الفصل 28 على أساس أنه يحيل على الظهير الصادر في 21 غشت 1935 بسن نظام للمتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والآداءات المماثلة لها حسبما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير رقم 1.60.103 الصادر بتاريخ 25 يونيو 1962[4] والذي ينص في الفصل 71 منه على ما يلي:

” تنطبق مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا على استيفاء ديون المؤسسات العمومية أو المصرح بأنها ذات مصلحة عمومية وكذا على المتابعات التي تتناول هذا الاستيفاء إذا كان هذا التطبيق منصوصا عليه بكيفية صريحة في الظهير الشريف الصادر بإحداث المؤسسات المذكورة ولو كانت مهام العون المحاسب أو أمين الصندوق لا يقوم بها قابض الضرائبles fonctions d’agent comptable ou de trésorier ne sont pas assurées par un percepteur وفي هذه الحالة فإن الاختصاصات المنوطة بالقابض بمقتضى ظهيرنا الشريف هذا تخول إلى العون المحاسب أو إلى أمين الصندوق وتناط اختصاصات رئيس مصلحة القباضات chef du service des perceptionsإلى رئيس المصلحة أو إدارة الوصاية التي ينتمي إليها العون المحاسب أو أمين الصندوقchef du service ou de l’administration de tutelle dont relève l’agent comptable ou le trésorier”.

غير أن الشئ الذي ينبغي الانتباه إليه هو أن تخويل الاختصاصات الذي يشير إليه هذا المقتضى من ظهير 21 غشت 1935، حسبما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير رقم 1.60.103 الصادر بتاريخ 25 يونيو1962، لا يقابله أي مقتضى مماثل في مدونة تحصيل الديون العمومية، وبالتالي فهو يعتبر من الأحكام المخالفة للأحكام الواردة في القانون رقم 97-15. وغني عن البيان أن ما يخالف الأحكام التي وردت في هذا القانون يعد منسوخا طبقا للمادة 162 منه. علاوة على ذلك، فإن العون المحاسب للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، لا يملك اختصاص مباشرة تحصيل الديون التي هي بذمة المنخرطين بالصندوق.

مقال قد يهمك :   ابراهيم نايت وكراز: سياسة الهجرة واللجوء في المغرب وسؤال الأنسنة بين المرجعيات الدولية والوطنية

وعليه، فإن ما تنص عليه الفقرة الأولى من الفصل 28 من الظهير رقم 1-72-184 المؤرخ في 27/07/1972 يصبح غير ذي معنى في غياب توفر الشرط المنصوص عليه في المادة الثانية من مدونة تحصيل الديون العمومية الذي يقضي بأن يعهد بقبض ديون المؤسسة العمومية للعون المحاسب باعتباره محاسبا مكلفا بعملية التحصيل.

وترتيبا على ذلك، فإن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يعتبر مخاطبا بمقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية في عملية استخلاص الديون التي هي بذمة منخرطيه، وأن عليه بالتالي أن يقوم بمراجعة القضاء للمطالبة بتلكم الديون في إطار دعوى الأداء[5] المنصوص عليها في مقتضيات الفصل 76 من الظهير رقم 1-72-184 المؤرخ في 27/07/1972 حسبما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير رقم 195-84-1 الصادر بتاريخ 28/12/1984.


الهواميش : 

  1. باستثناء الديون ذات الطابع التجاري.
  2. مجموعة النصوص التشريعية المنشورة على موقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي http://www.cnss.ma/sites/default/files/Receuil%20des%20textes%20legislatifs.pdf . وقد تمت زيارة الموقع بتاريخ 28/01/2018
  3. بعتبر الإنذار أول إجراء من إجراءات التحصيل الجبري بحسب المادة 39 من مدونة تحصيل الديون العمومية،
  4. الجريدة الرسمية عدد 2593 الصادرة بتاريخ 06/07/1962
  5. يرجى الإطلاع بهذا الخصوص على الحوار الذي خص به السيد سعيد أحميدوش، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، جريدة L’ECONOMISTE في عددها رقم 3723 الصادر بتاريخ 20/02/2012.

تعليقات الزوار ( 2 )

  1. قام الأستاذ الجليل عبد اللطيف مشبال، مستشار سابق بمحكمة النقض رئيس غرفة ومحام بهيئة البيضاء، مشكورا بتنبيه كاتب هذا المقال إلى أن قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء سبق له في نهاية سبعينيات القرن الماضي أن خلص إلى نفس النتيجة التي خلص إليها قرار محكمة النقض رقم 1124-4-1-2017 الصادر بتاريخ 14/09/2017 في الملف الإداري رقم 3042/4/1/2015. والأمر الاستعجالي المذكور منشور في العدد 18 مارس-أبريل 1981 من مجلة المحاماة.

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)