موقف القضاء الإداري المغربي من عدم استعمال العربية كلغة رسمية للدولة في تصرفات الإدارة

تأصيل الحكم وتفصيل القول في مسألة إلزامية الإستعانة بمحام: مساهمة فقهية تأصيلية

الإشكاليات العملية لجنحة عدم وضع الكمامة الواقية

27 يوليو 2020 - 1:03 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

يوسف سلموني زرهوني عضو نادي قضاة المغرب

كان المغرب من الدول الأوائل والقلائل التي فرضت وضع الكمامات الصحية، وبذلت مجهودات جبارة لتوفيرها لعمومواطنيها والمقيمين بها بأثمنة مناسبة. ووصل نجاح المغرب في هذا المجال إلى حدود تصنيعها محليا ثم توجيهها لمساعدة عدد من الدول الصديقة وبيعها لدول أخرى.

وتم فرض وضع الكمامات الواقية منذ تاريخ 6 أبريل 2020 بصدور البلاغ المشترك لوزارات الداخلية، والصحة، والاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، والصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، والذي يعتبر النص المنظم لجنحة عدم وضع الكمامات الواقية.

وقد ورد في هذا البلاغ ما يلي: “في إطار المجهودات المبذولة للحد من انتشار وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، وتبعا للتعليمات السامية التي أعطاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، من أجل اتخاذ الاجراءات اللازمة لتوفير الكمامات الواقية لعموم المواطنين بسعر مناسب، وبناء على المادة الثالثة للمرسوم بقانون رقم 2.20.292 ، قررت السلطات العمومية العمل بإجبارية وضع “الكمامات الواقية” ابتداء من يوم الثلاثاء 7 أبريل 2020 بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية المقررة سلفا.ولتوفير هذه الكمامات بالكميات الكافية، وفي إطار أجرأت التعليمات المولوية السامية عبأت السلطات مجموعة من المصنعين الوطنيين من اجل انتاج كمامات واقية للسوق الوطني، كما تم تحديد سعر مناسب للبيع للعموم في 80 سنتيما للوحدة بدعم من الصندوق الخاص الذي أنشئ من أجل تدبير جائحة “كوفيد 19. وفي هذا الصدد، تم اتخاد جميع الإجراءات اللازمة لضمان تسويق “الكمامات الواقية” بجميع نقط القرب التجارية.إن وضع الكمامة واجب وإجباري، وكل مخالف لذلك يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 ، والتي تنص على عقوبة “الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد”.

ويشير البلاغ إلى النص المعاقب والذي هو المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292، والذي يعاقب عليها باعتبارها جنحة ضبطية.

وقد طرح تطبيق هذا النص عدة إشكاليات سأعرض لها في النقط التالية:

  • أنه يروج في عدد من وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الإجتماعي، أن عدم وضعية الكمامة الواقية مخالفة يمكن لعناصر الأمن و الدرك استخلاصها مباشرة من مرتكبيها، وأن مبلغها محدد في 300 درهم. هذا الأمر لا سند له من القانون، فهذه الجنحة لا يمكن استخلاص الغرامات التي قد يحكم بها إلا بعد صدور حكم نهائي حائز على قوة الشيء المقضي به وتنفيذه في مواجهة المحكوم عليه. وقد يكون مبلغ الغرامة 300 درهم إلى حدود 1300 درهم حسب السلطة التقديرية للمحكمة. كما أن المحكمة يمكن لها في إطار سلطتها التقديرية أن تحكم بالعقوبة الحبسية دون الغرامة.
  • أن إلزامية وضع الكمامات يبدأ من الخروج من المنزل أو أي فضاء خاص في حكمه ( انظر دراستي السابقة حول سياسة التجريم والعقاب في ظل قانون الطوارئ الصحية- دراسة مقارنة). وبالتالي يعتبر حمل الكمامة داخل السيارة إجباري طالما أنها متواجدة في الفضاء العام ( الطريق العمومية ). و قد لا يستسيغ عدد من الأشخاص هذا التفسير إذ يعتقدون أن تواجدهم داخل سياراتهم هو بمثابة تواجدهم في فضاء خاص، والحال أن السيارة لا تعتبر كذلك، ولا تحظى بأية حماية قانونية كوضع ضوابط خاصة بتفتيشها على غرار المنزل. والسائقحينما يتواجد في المدار الحضريقد يتوقف أمام إشارات المرور، ويمكن تقف إلى جانبه سيارة أخرى لا يضع ركابها بدورهم كمامات واقية، وأن هذه المسافة تكون أحيانا قريبة جدا و بالتالي تكون سببا في نقل العدوى. إلا أن هذا الإحتمال يقل إذا كان السائق في طريق وثانوية أو وطنية أو طريق سيار. وهنا يمكن للقضاء حسب سلطته التقديرية أن يستخلص مدى توفر العناصر التكوينية لهذه الجنحة.
  • إلزامية ارتداء الكمامات تسري كذلك في أماكن العمل خاصة في الإدارات العمومية، ولو كان الموظف أو المستخدم وحيدا في مكتبه، طالما أن هناك احتمال لولوج المرتفقين أو زملاءه في العمل إلى مكتبه.
  • أن وضع الكمامات الواقية يبدأ من الخروج من المنازل ولم يتم استثناء أي فضاء عام آخر. إلا أن بعض الأماكن بالنظر لخصوصيتها لا يمكن فيها تصور وضع الكمامات الواقية كالتواجد في المسابح وشاطئ البحر والحمامات. ولذلك يمكن القول – نظريا – أن عدم ارتداءها في هذه الأماكن يعد فعلا مجرما، إلا أنه لا يمكن تصور ذلك من الناحية العملية.وهذاالإشكال لم يضع أي بلاغ حلا له، ويبقى الأمر موكول إلى السلطة التقديرية للمحكمة وإلى اجتهادها.
  • حمل الكمامة دون وضعها بشكل صحيح لتغطية الأنف والفم والإكتفاء بحملها تحت الذقن مثلا، تعرض مرتكبها للمتابعة بهذه الجنحة.فالمطلوب ليس “حمل” الكمامات الواقية بل “وضعها”والذي لا يكون إلا بتغطية الفم والأنف حتى يتم الحد من انتشار الفيروس في الهواء كما هو ثابت علميا.
  • أن للكمامات مدة صلاحية محددة في بضع ساعات، وبالتالي فإن إعادة ارتداءها لعدة مرات سيحد من فاعليتها ومن الهدف الذي صنعت من أجله. إلا أن البلاغ الصادر لم يتطرق إلى هذا الجانب، وبالتالي لا يمكن المعاقبة على هذا الفعل اعتبارا للمبدأ القانوني الراسخ بعدم جواز التوسع في تفسير القانون الجنائي.
  • أن قرار السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الادارة رقم  1057.20 المتعلق باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار الكمامات الواقيةوإن كان ينص على معايير المواصفات المغربية 5.200 (الجريدة الرسمية عدد 6871)،إلا ان الأمر يتعلق بمواصفات لتحديد أسعار البيع القصوى ولا يتعلق بمواصفات لتجريم عدم وضع كمامات لا تستجيب لتلك المعايير. وبالتالي يمكن القول أنه يمكن ارتداء أية كمامة شريطة أن يثبت أنها واقية. ويكمن الإشكال في هذا التفسير في أن الشخص المتابع بهذه الجنحة قد يدفع بأن كمامته تفي بالغرض المعدة له وهو الوقاية، وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تأمر بإجراء خبرة للتأكد من ذلك.
  • للمتابعة بهذه الجنحة ينبغي توفر الركن المعنوي وهو تعمد الشخص عدم وضع الكمامة. إلا أنه قد يثبت أن الكمامة – والتي تلف حول الرأس أو الأذن – قد انقطع شريطها بشكل غير إرادي مما استحال معه وضعها، وأنه قبل توجه هذا الشخص على أقرب محل تجاري للتزود بالكمامة تم ضبطه، مما يكون معه الركن المعنوي منعدم في هذه الحالة. ولم يعالج البلاغ حالةوجود خطر صحي على الشخص في حالة ارتدائها، كأن يكون مصابا بضيق التنفس المزمن أو غيره. وأعتقد أنه إذا استطاع إثبات هذه الحالة عن طريق خبرة طبية فقد يحكم ببراءته.
  • يعاقب بنفس الجنحة كل شخص قام بالتحريض على عدم ارتداء الكمامات الواقية. وهذا الفعل وإن كان من أفعال المشاركة طبقا لمقتضيات الفصل 129 من القانون الجنائي، لكن عناصره مستقلة ومضمنة حصرا في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة لمرسوم بقانون رقم 2.20.292، ولذلك لا ينبغي للنيابات العامة أن تضيف إلى المتابعة في هذه الحالة مقتضيات الفصل 129 ق.ج.
مقال قد يهمك :   مصطفى بنحمزة: ســلطة الـــقضاء الــتقديرية- وجــهة نــظر على ضوء الفقه الإسلامي-

وفي الختام أشير إلى أنه يلاحظ تراخي التقيد بهذا التدبير الصحي، ووجود عدد كبير من الأشخاص لا يقدرون خطورة وعواقب عدم وضع الكمامات الواقية.

ولا أعتقد أن العقوبات المنصوص عليها في المادة الرابعة كافية لزجر المخالفين، ويمكن التفكير في تعديلها بعقوبة يشعر بها المخالفون بشكل فوريكأن يتم تعديل النص المعاقب ليقتصر في مرحلة أولى على فرض غرامة تستخلص فورا من المخالف، وفي حالة رفض أو عدم التمكن من أدائها في الحين، يمكن عندئذ متابعته بالجنحة المنصوص عليها في المادة الرابعة أعلاه،وبالتالي إمكانية وضعه تحت تدابير الحراسة النظرية.

كما أنه يمكن تفعيل مسطرة الصلح أمام النيابات العامةطبقا لمقتضيات المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية وأداء المخالف لنصف الحد اللأقصى للغرامة (650 درهم) ( انظر الدراسة السابقة المشار إليها أعلاه)

ولا يمكن للمقتضيات الزجرية مهما بلغت من الصرامة وسرعة تنفيذها أن تحل محل التوعية والتحسيس بأهمية وضع الكمامات الواقية، وينبغي تشجيع المواطنين على الإلتزام بهذا التدبير الصحي حفاظا على الصحة العامة.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)