تحميل تقرير لجنة العدل والتشريع و حقوق الإنسان حول مشروع قانون التنظيم القضائي

تعديل الفصل 106 من ظهير الإلتزامات و العقود لتعويض ضحايا ألغام الانفصاليين

الاتفاقيات الجبائية الدولية : أحكامها و أنواعها و مراحل صياغتها و مدى فعاليتها للحد من التهرب الضريبي

13 يناير 2019 - 10:22 م فضاء المكتبة , عروض الماستر , فضاء المكتبة , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

مقدمة(*):

تعتبر الضرائب من أهم وأقدم مصادر الإرادات العامة في الدولة، إذ عرفت المجتمعات البشرية طرقا عديدة لدفع الضريبة، فساد في الامبراطورية الرومانية نظاما ضريبيا محكما كانت فيه الضريبة تحصل في صورة عينية، بينما كانت في العصور الوسطى تسدد في شكل ساعات عمل أو عينيا كأعمال تعبيد الطرقات والتمويلات بالحبوب والمنتوجات الزراعية الأخرى، لتتحول في المجتمعات الحديثة إلى الشكل النقدي المفروض على المكلفين بها من أجل المساهمة في تغطية النفقات العامة.

وإذا كان للدولة مطلق السيادة على إقليمها في مجال فرض الضرائب وتحصيلها جبرا من المكلفين بها تحقيقا للنفع العام، فإن مقتضيات الدولة الاقتصادية وانسياب حركة التجارة الدولية أدت إلى تشابك مصالح الدول وتعدد أنواع الضرائب المفروضة على الثروة والمداخيل.

مما أدى إلى  تنامي ظاهرة التهرب الضريبي والازدواج الضريبي الدوليين التي غالبا ما تصاحب الجرائم الدولية المنظمة كتبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات وتمويل الإرهاب.

إن هذا الوضع المقلق بالمجتمع الدولي يتبنى عددا من الاتفاقيات الثنائية والاتفاقيات النموذجية لتفادي الازدواج الضريبي و التهرب الضريبي الدوليين، وتشجيع حركة انتقال الاستثمارات من جهة، ومكافحة التهرب الضريبي والازدواج الضريبي على النطاق الدولي من جهة أخرى. هذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى فعالية الآليات القانونية المعتمدة في الاتفاقيات الجبائية الدولية لمكافحة التهرب الضريبي الدولي والازدواج الضريبي الدولي؟ للإجابة عن الاشكالية المطروحة، ارتأينا تناول الموضوع وفق مبحثين أساسيين وذلك وفق التقسيم الآتي:

  • المبحث الأول : أحكام الاتفاقيات الجبائية الدولية و أنواعها ومراحل صياغتها.
  • المبحث الثاني : مدى فعالية الاتفاقيات الجبائية الدولية في مكافحة التهرب الضريبي والازدواج الضريبي.

 المبحث الأول : أحكام الاتفاقيات الجبائية الدولية وأنواعها ومراحل صياغتها

تعتبر الاتفاقيات الجبائية الدولية مصدرا هاما من مصادر الجباية الدولية، إلى جانب القانون الداخلي للدول حيث تهدف الجباية الدولية إلى تحديد شروط فرض الضريبة على العمليات الدولية.

وعليه سنتطرق في هذا المبحث إلى ماهية الاتفاقيات الجبائية الدولية (المطلب الأول)، وأنواعها ومراحل صياغتها (المطلب الثاني).

المطلب الأول : ماهية الاتفاقيات الجبائية الدولية

تسعى الاتفاقيات الجبائية الدولية إلى وضع حدود لمجال التدخل الضريبي لدولة ما بالنسبة لدولة أخرى، من أجل تفادي أي تداخل لهذا المجال على حساب المكلف، وعليه سنقسم هذا المطلب إلى تحديد مفهوم الاتفاقيات الجبائية الدولية (الفقرة الأولى)، وأهداف هذه الاتفاقيات (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم الاتفاقات الجبائية الدولية

تعد الاتفاقيات الجبائية مصدرا هاما من مصادر الجباية الدولية، إذ توفر إلى جانب القوانين الداخلية للدول قواعد وطرقا لتنظيم العلاقات الضريبية بينها، وإيجاد حلول للمشاكل الضريبية على المستوى الدولي.

إن تلك الاتفاقيات لا تخرج عن كونها معاهدات دولية تخضع للقانون الدولي، والتي يمكن تعريفها حسب اتفاقية فيينا للمعاهدات [1] على أنها اتفاق دولي بعقد بين دولتين أو أكثر ويخضع للقانون الدولي، سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية التي تطبق عليه.

ونستنتج من خلال هذا التعريف أنه قد تتعدد التسميات التي تستخدم للدلالة على معاهدة دولية، إلا أنه يشترط فيها أن تبرم من طرف أشخاص القانون الدولي أي من طرف دولتين أو أكثر، كما يجب أن تكون موثقة ومكتوبة، إذ لا يمكن اعتبار الاتفاق الشفوي الذي يتم بين ممثلي دولتين أو مجموعة من الدول أنه معاهدة دولية.

الفقرة الثانية: أهداف الاتفاقيات الجبائية الدولية

إن الهدف الأساسي للدول من وراء إبرام اتفاقيات جبائية دولية، هو تفادي حدوث مشكلة ازدواج ضريبي دولي والتهرب الضريبي الدولي، من خلال تحديد مجال الاختصاص الضريبي لكل دولة في الاتفاقية، حيث يمكن أن يمنح الحق في فض الضريبة لإحدى الدولتين فقط (سواء كانت دولة إقامة المكلف أو الدولة مصدر الدخل) وفي هذه الحالة فإنه يتم القضاء كليا على تلك المشكلة، وإما أن يوزع الحق في فرض الضريبة على كلا الدولتين مع الاتفاق على طرق وتقنيات لمعالجة الازدواج الضريبي كإعفاء المكلف من دفع الضريبة في دولة إقامته بالنسبة لدخل حققه في دولة أخرى.

إضافة إلى ما سبق تسعى الاتفاقيات الجبائية إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • محاربة كل من التهرب الضريبي والازدواج الضريبي الدوليين، عن طريق تبادل المعلومات بين السلطات الضريبية للدول المتعاقدة حول الوعاء الضريبي للمكلفين المعنيين، بالإضافة إلى تقديم الدول المتعاقدة لبعضها البعض المساعدة في تحصيل الضرائب.
  • منع التمييز بين شخص حامل لجنسية الدولة وآخر لا يملك جنسيتها بالنسبة للضرائب والالتزامات الجبائية التي على هذا الأخير أداءها والتي يجب ألا تكون أكثر عبئا من تلك التي يتحملها الشخص الذي يحمل جنسيتها.
  • تفادي عرقلة التدفق الحر للتجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا على الصعيد الدولي.

المطلب الثاني : أنواع الاتفاقيات الدولية ومراحل صياغتها

 تمثل المعاهدات الضريبية جانبا هاما من القواعد الضريبية الدولية لكثير من البلدان، لذلك نجد أنواع متعددة يخص المعاهدات الجبائية الدولية المتعلقة بالميدان الضريبي حيث نجد كل من هذه المعاهدات يخص مجالا معينا. حيث تعد الاتفاقيات الجبائية الدولية مصدرا هاما من مصادر الجباية الدولية، إذ توفر إلى جانب القوانين الداخلية للدول قواعد وطرق لتنظيم العلاقات الضريبية بينها وإيجاد حلول للمشاكل الضريبية على المستوى الدولي.

وعليه سوف نتناول في هذا المطلب أنواع المعاهدات الدولية (الفقرة الأولى)، ومراحل صياغتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أنواع الاتفاقيات الدولية

هناك عدة أنواع من المعاهدات التي تتناول القضايا الضريبية فعلى سبيل المثال، قد يكون لدى الدول التي تفرض الضريبة على التركات أو الميراث، معاهدات ترمي إلى القضاء على الازدواج الضريبي. فبالإضافة إلى ذلك قامت العديد من الدول التوقيع على الاتفاقية المتعددة الأطراف بشأن المساعدة الإدارية المتبادلة في المساءل الضريبية. وتتناول هذه الاتفاقية قضايا ضريبية إدارية كتبادل المعلومات، والمساعدة في تحصل الضرائب وتسوية المنازعات.

بالإضافة إلى ذلك هناك أنواع عدة من المعاهدات التي تتعامل في المقام الأول مع مسائل غير ضريبية لكنها تشمل أحكاما تتعلق بالضرائب. وتشمل هذه المعاهدات غير الضريبية

اتفاقيات النقل الجوي ومعاهدات التجارة والاستثمار، كالاتفاق المنظم لمنظمة التجارة العالمية، وغالبا ما تحتوي هذه الاتفاقيات على أحكام استثنائية تبين على أن أي قضايا تتعلق بضريبة الدخل تعالج حصرا بموجب معاهدة ضريبة الدخل المبرمة بين البلدان.[2]

وثمة تطور مهم حدث مؤخرا يتمثل في تكاثر الاتفاقات المتعلقة بتبادل المعلومات الضريبية. وتقوم بإبرام هذه الاتفاقات عادة البلدان ذات الضرائب المرتفعة مع البلدان ذات الضرائب المنخفضة أو ليست لديها ضرائب والتي ليس واردا أن يكون لها معها معاهدات ضريبية. وبوجه عام، تتطلب هذه الاتفاقات من البلدان ذات الضرائب المنخفضة أو التي ليس لديها ضرائب أن تتبادل المعلومات على نفس النحو المنصوص في المادة 26 (تبادل المعلومات) من الاتفاقيتين النموذجيتين للأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

مقال قد يهمك :   قرار الهاكا بخصوص بث قنوات تلفزية لصور مرتبطة بشغب حدث بمناسبة تظاهرة رياضية على أساس أنها صور مرتبطة بالأحداث التي شهدتها مدينة الحسيمة

وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدة منظمات أهمها OCDE ومنظمات أخرى كمنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الاتحاد الأوروبي، كلها توحي بتبادل المعلومات مع الجنات الضريبية، وعقدت اجتماعات كثيرة مع كبار الاقتصاديين المتخصصين في الضريبة لمواجهة التهرب الضريبي.[3]

الفقرة الثانية: مراحل صياغة الاتفاقيات الجبائية الدولية

تبعا للمادة الثانية من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 تعتبر المعاهدة الدولية اتفاق يعقد كتابة بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي بقصد إحداث أثار قانونية معينة تخضع لقواعد القانون الدولي سواء تم اخراج هذا الاتفاق في وثيقة واحدة أو عدة وثائق وأيا كانت الأسماء التي نطلق عليه.[4]

ويمر إبرام الاتفاقيات الدولية لما لها في معالجة التباينات بين قواعد التنازع المدرجة في قوانين الدولتين المعنيتين بالتعاون الضريبي، انطلاقا من قاعدة سمو المعاهدات الدولية على القانون الداخلي،[5] بأربعة مراحل:

+أ: مرحلة التفاوض : وتكون بتبادل وجهات النظر المختلفة بين ممثلي الدول والمنظمات الدولية المزودين بأوراق التفويض الرسمية بقصد إبرام الاتفاقية التي تحكم الموضوع المراد تنظيمه عن طريق القنوات الديبلوماسية، ويمكن اعتماد ثلاث أساليب للتفاوض:

  • الأسلوب الكتابي: مراسلات رسمية متبادلة
  • الأسلوب الشفوي: التفاوض عن طرق اتصالات شخصية
  • الأسلوب المختلط: هو الذي يجمع بين المفاوضات الشفوية والكتابية.

+ب:مرحلة الصياغة : في صياغة الاتفاقيات الدولية الخاصة بالازدواج الضريبي أو التهرب الضريبي يتم الاستئناس باتفاقيات نمطية تبرمها الدول فيما بينها إما بشكل ثنائي أو بصورة جماعية (نموذج الأمم المتحدة، نموذج الاتحاد الأوروبي).

+ج : مرحلة التوقيع : يعد التوقيع بمثابة إقرار يعبر عن رضى الأطراف الموقعة على ما تم التوصل إليه من اتفاق. وغالبا ما يتم التأشير على الاتفاقية من قبل الأطراف المشاركة في المفاوضات عن طريق التوقيع المختصر أو التوقيع بالأحرف الأولى، ويتم اللجوء إلى هذا الإجراء في الحالة التي تزود الدول ممثليها بالسلطات الكاملة للتوقيع، ثم يلي هذه المرحلة التوقيع الكامل والنهائي.

+د : مرحلة المصادقة : التصديق وفق الأوضاع الدستورية التي تحكمه هو التعبير الرسمي والنهائي عن ارتضاء الدولة، أو المنظمة الدولية للالتزام بأحكام الاتفاقية عن طريق تبادل وثائق التصديق. وبذلك تصبح الدولة ملزمة قانونا بالتقيد ابتداء من هذه اللحظة فلا قيمة للاتفاقيات إلا بعد التصديق عليها.[6]

المبحث الثاني : مدى فعالية الاتفاقيات الجبائية في مكافحة التهرب الضريبي

عقد المغرب عدة اتفاقيات مع دول أوربا وأمريكا وآسيا، ومع عدة دول عربية وإفريقيا، وسنحاول أن نبرز مدى أهمية هذه الاتفاقيات بالنسبة للمغرب (المطلب الأول)، وكذلك الطرق المعتمدة في الاتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي وضمان الاستثمار الأجنبي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أهمية الاتفاقيات الجبائية الدولية.

تبرز أهمية الاتفاقيات الجبائية الدولية التي أبرمها المغرب، على مستوى الازدواج الضريبي (الفقرة الأولى)، وعلى مستوى التهرب الضريبي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : على مستوى الازدواج الضريبي.

تمثل المعاهدات الضريبية جانبا هاما من القواعد الضريبية الدولية لكثير من البلدان، وهناك حاليا أكثر من 3000 معاهدة ثنائية نافذة بشأن الضريبة على الدخل، وتعتبر المعاهدات بموجب المادة 26 من اتفاقية فيينا، ملزمة للدول المتعاقدة وعلى هذه الأخيرة تنفيذها بحسن النية، وهذا هو مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وإذا لم يحترم بلد ما المعاهدات الضريبية التي التزم بها، فقد تجد البلدان الأخرى أنه ليس لها مصلحة في الدخول معه في معاهدات ضريبية، ويعتبر مبدأ المعاملة بالمثل مبدأ أساسيا في المعاهدات الضريبية، فعلى المستوى الأوروبي هناك عدة اتفاقيات أبرمها المغرب مع الدول الأوروبية، ونذكر من بينها الاتفاقية الدولية بين المملكة المغربية والدولة البلجيكية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب والغش الضريبي في ميدان الضرائب على الدخل، الموقعة ببروكسيل في 31ماي 2006، حيث نصت في مادتها 23 التي نصت على طرق تفادي الازدواج الضريبي في المغرب. عندما يحصل مقيم بالمغرب على مداخيل تفرض عليها الضريبة في بلجيكا طبقا لمقتضيات هذه الاتفاقية. فإن المغرب يمنح على الضريبة التي يستخلصها عن مداخيل هذا المقيم خصما يساوي مبلغ الضريبة على الدخل المؤدى في بلجيكا إلا أن هذا الخصم لا يمكنه أن يتجاوز الجزء من الضريبة على الدخل المغربي، المحسوبة قبل الخصم والمطابقة للمداخيل المفروضة عليها الضريبة في بلجيكا، وعندما تكون المداخيل التي يحصل عليها مقيم بالمغرب معفاة من الضريبة وفقا لأي مقتضى من هذه الاتفاقية، فإن المغرب من أجل احتساب مبلغ الضريبة على باقي مداخيل هذا المقيم، يأخذ بعين الاعتبار المداخيل المعفاة.

  • في حالة بلجيكا، يتم تفادي الازدواج الضريبي بالطريقة الآتية.
  • عندما يحصل مقيم في بلجيكا على مداخيل، غير أرباح الأسهم أو الفوائد أو الإتاوات التي تفرض عليها الضريبة في المغرب طبقا لمقتضيات هذه الاتفاقية والتي خضعت فيه للضريبة، فإن بلجيكا تعفي هذه المداخيل من الضريبة، لكن يجوز لها عند احتساب مبلغ الضريبة على باقي مداخيل هذا المقيم تطبق نفس السعر كما لو أن تلك المداخيل لم تكن معفاة.

غير أن بلجيكا تعفى أيضا أرباح المقاولات التي تفرض عليها الضريبة في المغرب طبقا لمقتضيات الاتفاقية والتي يعفيها التشريع المغربي الحالي المتعلق بالحوافز الضريبية لمدة 5 سنوات متتالية ابتداء من السنة الضريبية التي أنجزت فيها أول عملية أدت إلى الإعفاء، وتتخذ السلطات المختصة في الدولتين المتعاقدتين التدابير اللازمة لتجنب الاستعمال المفرط أو المخالف للمقتضيات المشار إليها أعلاه.[7]

وأبرمت الدولة المغربية على المستوى العربي عدة اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب والغش الضريبي، منها موريتانيا ، السعودية والكويت والإمارات…، ونأخذ كنموذج الاتفاقية الموقعة بأكادير مع دولة قطر في 16 من صفر 1427 (17مارس2006)، فيما يتعلق بالضريبة على الدخل.[8]

المغرب منذ ستينات القرن الماضي، وبعد الاستقلال لعديد من البلدان الافريقية أحدث شبكة كبيرة من التعاون الثنائي مع هذه الدول من خلال وضع إطار تنظيمي ملائم وتخضع العلاقات الاقتصادية بين المغرب والدول الافريقية في إطار قانوني يتكون من أزيد من 500 اتفاقية تعاون، تتميز بمشاركة القطاع الخاص في المبادرات الحكومية المختلفة.

وقع المغرب على سلسلة من الاتفاقيات الثنائية مع عدد كبير من الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء تهم الجانب التجاري والاستثمار، وتأخذ شكل اتفاقيات التجارة، أو اتفاقيات لتعزيز وحماية الاستثمارات، أو اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي[9]، وتعتبر الاتفاقيات الجبائية أداة قانونية فعالة، ليس فقط لتفادي الازدواج الضريبي على المستوى الدولي، وإنما أيضا لمكافحة التهرب والغش الضريبي الدولي، من خلال تبادل المعلومات الضريبية حول المكلفين بين الدول المتعاقدة، والمساعدة المتبادلة في تحصيل الضرائب[10]

مقال قد يهمك :   الديمقراطية التمثيلية والتشاركية  للجماعات في ضوء القانون التنظيمي رقم 113.14

الفقرة الثانية: على مستوى التهرب الضريبي.

إن ظاهرة التهرب الضريبي تعتبر قديمة قدم وجود الضريبة فهي توجد بوجودها، غير أن أهمية وجودها تختلف من دولة إلى أخرى، كما أنها تعتبر ظاهرة عامة حيث نجدها حتى في الدول المتقدمة التي تتوفر على أنظمة جبائية متطورة، لكن حدتها تتفاوت بالطبع بالنسبة للدول المتقدمة والدول النامية.[11]

تعد الضريبة بمثابة اقتطاع من دخول وثروات أفراد المجتمع نتيجة لما تنطوي عليه من فريضة إلزامية تقرها الدولة لما لها من سلطة و سيادة، فمن المتوقع أن يلجأ بعض أفراد المجتمع إلى محاولة التخلص بشتى الطرق والأساليب من أدائها وهذا ما يطلق عليه بالتهرب الضريبي.[12]

فالتهرب الضريبي هو تخلص الملزم من عبىء الضريبة بصورة كلية أو جزئية، حيث يستخدم المكلف في تهربه من الضرائب أساليب متعددة منها تقديم إقرارات غير صحيحة…، كما تتجلى في استخدام وسيلة التهريب بإدخال السلع إلى الدولة دون أن يصرح بها، الأمر الذي يقود إلى التهرب من ضريبتين الأولى هي الضريبة الجمركية والثانية هي الضريبة من المبيعات في حالة بيع تلك السلع المهربة.[13]

 للتهرب الضريبي نتيجة أساسية هي فقدان الدولة لجزء من إيراداتها التي تحصلها عن طريق الضرائب، فإذا نظرنا إلى التهرب الضريبي من ناحية إقليمية، أي وقوعه على إقليم الدولة أو خارج هذا الإقليم، فإنه ينقسم إلى تهرب ضريبي داخلي وتهرب ضريبي خارجي،[14] وظاهرة التهرب الضريبي على المستوى الدولي يمكن أن تعرف بأنها فعل التخلص من الضريبة في دولة ما عن طريق التحويل اللاشرعي للأسس الضريبية المحصل من هذه الدولة على دولة أخرى، حيث الضريبة أقل ارتفاعا أو منعدمة.

وفي نفس المعنى يعتبره MAGNIN بقوله “يرتكز التهرب الضريبي على الاستفادة من الاختلاف في العبئ الضريبي الموجودة بين العديد من الدول عن طريق نقل المادة الضريبية المعاصرة أو المستقبلية بهدف تخفيف العبئ الضريبي.[15] وبهذا فإن التهرب الجبائي ذو الطبيعة الدولية مرتبط بتطور الأنظمة الجبائية على المستوى الوطني، كما أنه مرتبط بالعلاقات الاقتصادية الدولية.

ويرجع سبب هذا التهرب إلى عوامل سياسية أو اقتصادية، كأن ينقل الأفراد رؤوس أموالهم خشية من المصادرة، لارتفاع سعر الضريبة بها، أو لوجود ظروف استغلال لرأس مال أحسن في دولة أخرى.

عموما فإنه في جميع حالات التهرب والغش الضريبي الدولي قد تتحقق بطرق متعددة لنقل الأرباح دون دفع الضرائب المستحقة[16]، على أن التهرب الضريبي الخارجي ليس بالأمر الميسور دائما، لأنه يفرض بالضرورة وجود المال الخاضع للضريبة ايا كان نوعها في الخارج، وهو ما ليس بالسهل تحقيقه إلا لقلة من المواطنين والمنشآت ولمحاربة التهرب الضريبي على المستوى الدولي تعقد الاتفاقيات الدولية، وذلك لمحاولة الحد من هذه الظاهرة وهنا تتجلى أهمية عقد الاتفاقيات الجبائية الدولية.

المطلب الثاني : الطرق العتمدة في الاتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي وضمانات الاستثمار الأجنبي.

اعتمدت الاتفاقيات الجبائية مع دول الاتحاد الأوروبي طرقا لمعالجة مشكلة الازدواج الضريبي التي قد يعاني منها المقيمون في الدولتين والتي تناولتها الاتفاقيات بالنسبة لكل دولة على حدة، ومن خلال تفادي حدوث الازدواج الضريبي أو التقليل من عبئه لابد من الاتفاق على منح إحداهما خصما أو إعفاءات ضريبية، وإلى جانب ذلك تضمنت الاتفاقية اجراءات تهدف إلى مكافحة التهرب والغش من خلال المعلومات ومن السلطات المحددة للدولتين والمساعدة المتبادلة لتحصيل الديون الجبائية، ولهذا سنقسم هذا المطلب الى فقرتين طرق تفادي الازدواج من خلال اتفاقية المغربية البلجيكية (الفقرة الأولى)، ضمانات الاستثمار الأجنبي في الاتفاقيات الدولية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : طرق تفادي الازدواج من خلال الاتفاقية المغربية البلجيكية.

اعتمدنا من خلال الاتفاقية المغربية البلجيكية بعض الطرق سواء بالنسبة للمغرب أو بلجيكا التي اعتمدت من طرفها لتجنب الازدواج الضريبي ويتم على الشكل التالي:

أولا : في حالة المغرب

– عندما يحصل مقيم بالمغرب على مداخيل تفرض عليها الضريبة في بلجيكا طبقا لمقتضيات هذه الاتفاقية، فإن المغرب يضع على الضريبة التي سيتخلصها عن مداخيل هذا المقيم خصما يساوي مبلغ الضريبة على الدخل المغربي المحسوبة قبل الخصم والمطابقة للمداخيل المفروضة عليها الضريبة في بلجيكا.

– عندما تكون المداخيل التي يحصل عليها مقيم بالمغرب معفاة من الضريبة في المغرب وفقا لأي مقتضى من هذه الاتفاقية، فإن المغرب من أول احتساب مبلغ الضريبة مع باقي مداخيل هذا المقيم، يأخذ بعين الاعتبار المداخيل المعفاة.

ثانيا: في حالة بلجيكا

  • عندما يحصل مقيم في بلجيكا على مداخيل غير أرباح الأسهم أو الفوائد أو الإتاوات التي تفرض عليها الضريبة في المغرب طبقا لمقتضيات هذه الاتفاقية والتي خضعت فيها الضريبة، فإن بلجيكا تعفي هذه المداخيل من الضريبة لكن يجوز لها عند احتساب مبلغ الضريبة عن باقي مداخيل المقيم تطبق نفس السعر كما لو أن تلك المداخيل لم تكون معفاة.
  • غير أن بلجيكا تعفى أيضا أرباح المقاولات التي تفرض عليها الضريبة في المغرب طبقا لمقتضيات الاتفاقية والتي يعفيها التشريع الضريبي االمغربي المالي المتعلق بالحوافز الضريبية لمدة خمس سنوات متتالية ابتداء من السنة الضريبية التي أنجزت فيها أول عملية أدت إلى الإعفاء، وتتخذ السلطات المختصة في الدولتين المتعاقدتين التدابير اللازمة لتجنب الاستعمال المفرط.

إن أرباح الأسهم التي تحصل عليها شركة مقيمة في بلجيكا من شركة مقيمة في المغرب تعفى من الضريبة على الشركات في بلجيكا في الشروط والحدود المنصوص عليها في التشريع البلجيكي.

الفقرة الثانية : ضمانات الاستثمار الأجنبي في الاتفاقيات الدولية

لو تظهر إلى الوجود أية اتفاقية تتعلق بالاستثمار الأجنبي اللهم إذا استثنينا اتفاقية البنك الدولي المتعلق بتسوية خلافات الاستثمار، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم نجاح سياسات الدول بهذا الخصوص.

وأمام فشل الوصول إلى إبرام معاهدة جماعية أو إقليمية تأخذ بعين الاعتبار المصالح المتعددة لكل الأطراف. أبرمتها اتفاقيات ثنائية بين الدول مصدرة رؤوس الأموال والدول المصنفة والمستوردة.

وأول اتفاقية ابرمها المغرب بهذا الخصوص بعد الاستقلال كانت مع الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 31مارس 1961 تم تلتها اتفاقية مع ألمانيا في 31غشت 1961 التي تمت المصادقة عليها في يونيو 1967 المتعلقة بتشجيع استثمارات رؤوس الأموال الأجنبية، وتهدف هذه الاتفاقيات إلى حماية الاستثمار في الدول الموقعة عليها[17] وانعكاسات هذه الاتفاقيات تكون على مستويين.

مقال قد يهمك :   التعويض في الكراء التجاري بين ظهير 1955 و قانون 49.16

أولا : على مستوى الدولة المضيفة و المستثمر

يتطلب ضمان تدفق لرؤوس الأموال على الدولة المطبقة للاستثمار في إقليمها أساسا وجود مناخ إيجابي للاستثمار، وكما كان هذا الأمر إسهاما لدعم عملية الإنتاج، ويحقق أغراضها وأهدافها المنشودة، وفي نفس الوقت يحقق أغراض المستثمر من خلال تنظيم عادل يعكس ما هو ممكن لتطوير التنمية الحقيقية والمتوازنة في مختلف مناطق الدولة.

وأيا كانت الطريقة المتبعة لتقدير عائد الاستثمار وملائمة منحه مزايا خاصة، فإن من المشاكل الرئيسية التي ينبغي أن تواجه في الاتفاقيات الثنائية هي كيفية ضمان التوازن بين الدولة المضيفة للاستثمار، ومصالح المستثمر.

ثانيا : على المستوى الاجتماعي والاقتصادي

يتعين قبل إصدار الاتفاقيات الثنائية دراسة آثارها وانعكاساتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولتحقيق ذلك ينبغي مراعاة مصالح الدولة المضيفة والمستثمرة ومراعاة هذا الأمر يقتضي من ناحية دراسة آثار تقنين المزايا والإعفاءات للمشروعات الاستثمارية، وما يقابلها من تطلعات ومنافع في جانب الدولة ليسترشد بها واضعوا الاتفاقية في صياغة نصوصها، ومن ناحية أخرى يجب النص في هذه الاتفاقية على وجود إجراء دراسة خاصة كل مشروع مفتوح من أجل وضع حساب اقتصادي واجتماعي عن آثار قبل منح الترخيص بإنشائه أو قبل التعاقد بشأنه.

وينبغي أن يكون لدى صياغة الاتفاقية في مجموع نصوصها أن مصلحة المستثمر وإن كان ينبغي أن تراعي و تصان، إلا أن المصلحة النهائية للاستثمار ينبغي أن تكون خلال مدة معقولة لصالح الدولة.

خاتمة :

مما لا شك فيه أن الاتفاقات الدولية تساهم بشكل فعال في الاستجابة لحاجات ملحة تفرضها طبيعة الاستثمارات الدولية وحركة رؤوس الأموال عبر أقاليم الدول، في عالم يتجه يوما بعد يوم نحو تدويل الأنشطة الاقتصادية والتخلي عن ضوابط السيادة، التي كانت الدول تتمسك بها إلى وقت الازدواج من تشجيع حركة الاستثمارات الأجنبية وأتاحت للشركات متعددة الجنسيات المشاركة الفعالة في دفع عجلة الاقتصاد العالمي، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن اختلالات خطيرة كاستعمال أسعار تنازل غير حقيقة في العمليات مع فروع تلك الشركات، والمعاملات الوهمية التي تسمع بتبييض الأرباح غير المصرح بها، مما دعا إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الجبائية وفق منظور جديد يأخذ في الاعتبار ما يلي :

  • تشديد الرقابة القانونية على المعاملات المشبوهة بواسطة التعاون الدولي وتبادل المعلومات الضريبية والمعرفية على نطاق ثنائي وعالمي.
  • ربط التحصيل الضريبي بالتنمية المحلية بغرض تحفيز المكلفين على الوفاء بالتزاماتهم الضريبية.

 لائحة المراجع :

الكتب:

  • فتحي أحمد سرور: الجرائم الضريبية، مطابع الأهرام التجارية، قليوب مصر طبعة 1990.
  • يونس أحمد بطريق: المالية العامة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر طبعة 1984.
  • صباح نعوش: العامة ومالية الدول النامية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1983.
  • عبد السلام أديب: السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، دراسة تحليلية للنظام الجبائي المغربي 1956-2000 تم الطبع في فبراير 1998 بمطابع إفريقيا الشرق الدارالبيضاء.

المجلات:

  • زهرة حبو: التهرب الضريبي الدولي، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية- المجلد 27 العدد الأول 2011.
  • مهداوي عبد القادر: الآليات القانونية والاتفاقية لمكافحة التهرب الضريبي الدولي: دفاتر السياسة والقانون، العدد الثاني عشر/ جانفي2015.
  • هاني عبد الكريم: الازدواج الضريبي الدولي المغرب كنموذج، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية عدد 02/2012.
  • Abdelkader Tialati : la fraude et l’évasion fiscale internationale, El Mayadine, revue universitaire des études jurdiques, économiques et politiques N4, édition 1989, page 18.

الأطروحات و الرسائل:

  • محمد لوكيلي: تحكيم البنك الدولي لتسوية خلافات الاستثمار بين دولة وشخص خاص أجنبي أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط 1982. ص33.
  • غربي فوزية: تفادي الازدواج الضريبي في إطار الاتفاقيات الجبائية الدولية دراسة حالة الاتفاقية الجبائية الجزائرية الفرنسية، سنة 2009/10/20 جامعة 20 أغسطس 1955 ، سكيكدة رسالة لنيل شهادة الماجيستر التخصص: المالية

المواقع الإلكترونية:

www.un.org/esa


الهوامش :

(*) تم إنجاز هذا البحث في إطار سلسلة العروض المنجزة من طرف طلبة و طالبات مسالك ماستر قانون الاعمال في كلية الحقوق بوجدة.

[1] – تدعى بمعاهدة المعاهدات وتم إبرامها بتاريخ 23ماي 1969 تحكم المعاهدات الدولية منذ إبرامها إلى غاية إنهائها أو الانسحاب منها.

[2]WWW.UN.ORG تاريخ الولوج: 9/06/2016 17h50-

[3] – زهرة حبو: التهرب الضريبي الدولي، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية- المجلد 27 العدد الأول 2011، ص431.

[4] – هاني عبد الكريم: الازدواج الضريبي الدولي المغرب كنموذج، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية عدد 02/2012: ص:40.

[5] – مهداوي عبد القادر: الآليات القانونية والاتفاقية لمكافحة التهرب الضريبي الدولي: دفاتر السياسة والقانون، العدد الثاني عشر/ جانفي2015 ،ص6.

[6] – هاني عبد الكريم، مرجع سابق ص40 وما يليها.

[7] – الجريدة الرسمية عدد 5971 الصادرة بتاريخ 21رمضان 1432 (22 أغسطس 2011).

[8] – الجريدة الرسمية عدد 5735 الصادرة في 22 جمادى الأولى 1430 (13 ماي 2009).

[9] – غربي فوزية: تفادي الازدواج الضريبي في إطار الاتفاقيات الجبائية الدولية دراسة حالة الاتفاقية الجبائية الجزائرية الفرنسية، سنة 2009/10/20 جامعة 20 أغسطس 1955 ، سكيكدة رسالة لنيل شهادة الماجيستر التخصص: المالية

[10] – صباح نعوش: العامة ومالية الدول النامية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1983 ص:197 .

[11]– عبد السلام أديب: السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، دراسة تحليلية للنظام الجبائي المغربي 1956-2000 تم الطبع في فبراير 1998 بمطابع إفريقيا الشرق، ص:11.

[12] – يونس أحمد بطريق: المالية العامة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر طبعة 1984 ص:113

[13] – صباح نعوش: مرجع سابق، ص79.

[14] – عبد السلام أديب: مرجع سابق، ص:76.

[15] – Abdelkader Tialati : la fraude et l’évasion fiscale internationale, El Mayadine, revue universitaire des études jurdiques, économiques et politiques N4, édition 1989, page 18.

[16] – فتحي أحمد سرور: الجرائم الضريبية، مطابع الأهرام التجارية، قليوب مصر طبعة 1990 ص:313

[17] – محمد لوكيلي: تحكيم البنك الدولي لتسوية خلافات الاستثمار بين دولة وشخص خاص أجنبي أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط 1982. ص33.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)