إشكالية إصدار الأحكام القضائية داخل أجل معقول

حول عدم دستورية  المادة 35 من مشروع القانون 17.95 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية

التعسف في استعمال الحق في التشريع المغربي و المقارن

2 أغسطس 2020 - 6:12 م المنبر القانوني
  • حجم الخط A+A-

محمد السملاوي طالب باحث بماستر القانون المدني المعمق بكلية الحقوق -أكادير-

مقدمة :

إن القانون مجموعة من القواعد التي تنظم حياة الافراد داخل المجتمع بغية تحقيق العدالة و إعطاء كل ذي حق حقه . و الحق الذي بهدف القانون حمايته هو مايقع به الفرد على ماهو عائد له بصفة مشروعة من قيم أو أشياء ، ويكون لهذاغ الفرد الإستفادة من هذه القيم أو الأشياء بنطاق واسع وإلزام الغير بعدم التعرض له في هذه الإفادة[1] .

إن نظرية التعسف في إستعمال الحق عرفت في القوانين و التشريعات الغربية في القرن التاسع عشر على يد الفقيه الفرنسي جوسران ، كما أن العديد من فقهاء الشريعة الاسلامية كانوا أيضا السباقين إلى الحديث عن هذه النظرية خاصة وجوب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، وضرورة تحمل الضرر العام بالأولوية على حساب الضرر الخاص .

فقد أسهموا في وضع القواعد الفقهية التي تنظر إلى الحق بوصفه وطيفة إجتماعية يجب أن لا تضر بالغير[2]، وكما يقول الدكتور سليمان مرقص في نعرض حديثه عن هذه النظرية “وقد وجدت بذور هذه النظرية في الشريعة الإسلامية من قبل ظهورها في الشرائع الغربية بنحو ستة قرون على الأقل … ” ، فهذه النظرية ظهرت في الفقه الإسلامي قبل قرون من ظهور نظرية جوسران التي يعزوا إليها الفقهاء الغربيين أل مبدأ التعسف في إستعمال الحق .

من خلال ما تم تناوله يمكن طرح الإشكال الآتي : إلى أي حد أعادت القواعد القانونية المتعلقة بالتعسف في استعمال الحق التوازن بين مصلحة صاحب الحق و مصالح الغير المتضرر ؟

محاولة منا للإجابة عن الأسئلة أعلاه ، ارتأينا معالجة هذا الموضوع وفق خطة محكمة التصميم قائمة على تقسيم ثنائي ، أمكن عرضها كالآتي :

  • المبحث الاول : الاحكام العامة لنظرية التعسف في استعمال الحق
  • المبحث الثاني : الأحكام الخاصة بالتعسف في استعمال الحق وتطبيقاتها

المبحث الاول : الاحكام العامة لنظرية التعسف في استعمال الحق:

في هذا المبحث سنتحاول عند حديثنا عن الاحكام العامة لنظرية التعسف في إستعمال الحق عن الإطار المفاهيمي لهذه النظرية ( المطلب الأول ) ، ثم سنتطرق للحديث عن نطاق تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق.

المطلب الأول : الإطار المفاهيمي لنظرية التعسف في استعمال الحق

للحديث عن الإطار المفاهيمي نظرية التعسف في استعمال الحق يقتضي الحال التطرق لماهية هذه النظرية ( الفقرة الاولى ) ، ثم الحديث عن اهم خاصة من خصائص نظرية التعسف في استعمال الحق ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الاولى : ماهية التعسف في استعمال الحق

من الحقائق المسلم بها أن الإنسان أناني بطبيعته ، و لذلك فهو يسعى إلى تحقيق مصلحته على حساب غيره، ومن البداهة عند تحقيق هذه المصالح فهو كثيرا ما يتعسف في استعمال حقه ، وهذا يعتبر خروجا عن مقصود الشرع الذي راعى حماية مصالح الاشخاص .

ولبيان المعنى الحقيقي للتعسف في استعمال الحق يجب التعريف بالمعنى هذه النظرية .

فالمقصود بالتعسف لغة : جاء في لسان العرب أن كلمة التعيف تستعمل للدلالة على عدة معاني منها العسف أي السير بغير هداية ، و الأخذ على غير الطريق، وكذلك الاعتساف و التعسيف و هو السير على غير علم ولا أثر ، وتعني أيضا الظلم.[3]

وجاء أيضا في قاموس المحيط لمجد الدين الفيروز آبادي  : أن معنى كلمة التعسف هي عسف عن الطريق يعسف ، مال ، ةعدل ، و ظلم[4] .

أما اصطلاحا ، فقد اختلف الفقهاء في تعريفهم للتعسف يناءا على اختلاف نظرتهم إلى طبيعته ىحيث نجد الفقيه سالي عرفه أنه انتفاء الحق ليس إساءة استعماله[5].

وقد عرفه رمضان أبو السعود بأنه : “استعمال صاحب الحق لسلطته المخولة قانونيا بكيفية تلحق ضررا بالغير بمعنى أن الاستعمال في حد ذاته مشروع ولكن نتائجه و أغراضه غير مقبولة”[6].

ويعرفه أيضا يلحاج العربي بأنه “كل ايتعمال للحق بنية الضرر بالغير دون أن يكون لصاحب الحق مصلحة في ذلك”[7].

و عليه يمكن القول بأن استعمال الحق هو وظيفة يقررها القانون للحق ويحميها ، شريطة عدم الإضرار بالغير . ومن خلال هذه التعريف يتضح أن التعسف في استعمال الحق هو خروج عن حدود الحق .

الفقرة الثانية : خصائص نظرية التعسف في إستعمال الحق

من خلال التطرق للتعريفات السابقة يتبين لنا أن نظرية التعسق في استعمال الحق لها عدة خصائص اهمها، أنها ظاهرة مرتبطة بالحق فقط دون باقي الظواهر القانونية ، وعلى هذا الأساس لا نكون أمام تعسف في حالة تجاوز المرخص له حدود الرخصة[8]. حيث يرى أصحاب هذه النظرية أن التعسف في استعمال الحق هي فكرة مرتبطة أساسا بفكرة الحق ، ذلك أن الحقوق بما تمنحه من سلطات استئثارية وليست غاية بحد ذاتها ، وإنما شرعت من أجل تحقيق غايات معينة .

وهذه هي نقذة الارتباط بين نظرية التعسف و فكرة الحق ، حيث ترتبط حماية القانون للحق وصاحبه بالالتزام بغايته ، وترتفع الانحراف عنها وفي هذا الصدد يقول الفقيه حسن كيرة : “تبدو فكرة التعسف متعلقة أساسا بتصوير الحق ، إذ هي في حقيقتها وزن لاستعماله على ضوء غايته ، مما يجعلها فكرة ملازمة أو مكملة لفكرة الحق بحيث لا يستقيم النظر أليها بمعزل عنه… بل إن فكرة التعسف تصبح في الواقع هي التصحيح أو التقويم اللازم لفكرة الحق”[9].

وعلى حد هذا القول نستخلص أن فكرة التعسف فكرة ملازمة أو مكملة للحق، و أنها مشكلة أولية سابقة على المسؤولية التقصرية لتصبح نظرية مستقلة تجد مكانها الطبيعي في النظرية العامة للحق.

المطلب الثاني :نطاق تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق:

لم تتطرق التشريعات العربية وكذا الغربية إلى تنصيص على نظرية التعسف في استعمال الحق ، و إنما جاءت نصوص عامة بحيث لم تحدد أي نوع من الحقوق يندرج ضمن هذه النظرية ، بينما إختلف فقهاء القانون في تحديد نطاق نظرية التعسف و مجال تطبيقها ، حيث نتج عن ذلك إتجاهين فقهيين الاول يرى أن التعسف يرد على الحقوق دون الرخص ، و الثاني يبسط محل التعسف على الحقوق و الرخص العامة .

الفقرة الاولى : سريان نظرية التعسف على استعمال الحقوق فقط

يذهب مناصروا هذا التوجه من الفقه ومنهم الفقيق السنهوري و سليمان مرقس وغيرهم إلى أن التعسف مقصور على الحقوق بالمعنى الدقيق دون الرخص و مثالها حرية التعاقد و التملك ، وغيرها من الحقوق العامة ، فعندما تباشر هذه الرخص و يترتب بذلك ضرر للغير فلا تكون المسؤؤلية على أساس فكرة التعسف في استعمال الحق بل على اساس أحكام المسؤولية المدنية التي تتكفل بذلك ، فالرخص لا تخول لصاحبها الاستئثار بأي قيمة ة إنما تثبت للناس كافة[10].

و إنه طبقا لأحكام المسؤولية المدنية ، فإن الانحراف في استعمال الخق مثل في إقامة الدعوى أمام القضاء في الدعاوى الكيدية يعتبر خطأ مستوجبا للتعويض[11].

ويرى منتقدي هذا الاتجاه أنه لا مبرر لتلك التفرقة ، حيث يجب أن تمتد نظرية التعسف لتشمل الحقوق و الرخص على حد سواء ، فالمشرع يهدف ألى ان تشمل رقابة هذه النظرية لافة التصرفات  القانونية[12].

الفقرة الثانية : سريان نظرية التعسف في استعمال الحق على الحقوق و الرخص بصفة عامة

ذهب هذا الجانب من الفقه و منهم “أنور سلطان و إسماعيل غانم” أن مدجال تطبيق نظرية التعسف في استعمال التعسف لتشمل الحقوق و الخص على حد سواء ، فإشتراط المشرع لمشروعية الحق أي أن استعماله لا ينطوي على ففي المقابل قد وضع معايير تحدد كيفية ممارسة هذه الحقوق بشكل لا يضر بمصالح الغير، سواء كانت هذه التصرفات تتمثل في الحق بمعناه القانوني الدقيق أم كانت من الحقوق العامة[13]الممنوحة للجميع فكما يرد التعسف في استعمال الحق بمعناه القانوني الدقيق على الحقوق فإنه يشمل كذلك الحريات و الرخص العامة .

مقال قد يهمك :   دراسة مورفو- قانونية للسواحل بالمغرب في إطار القانون 81.12

وعليه فإن من يستعمل رخصة ويسبب اضرار مشروعة للغير يحميه القانون شأنه في ذلك من يستعمل حقا بالمعنى الدقيق و بمفهوم المخالفة فإنه من استعمل رخصة في ظروف غير مشروعة وأضر بمصلحة من مصالح الأغيار فإن في هذه الهالة يتحقق التعسف ، فالقانون يحكم مصالح الفراد في حالة الاستعمالهم لحقوقهم في نطاق المشروع وكذلك في الاستعمال غير المشروع[14]  وذلك بالحد من التعسف في استعمال الحقوق.

وبهذا نرى أنه لم ينعقد إجماع بين فقهاء القانون سواء في الغرب أو العرب على أن يستثنو الحربات العامة من نظرية التعسف في استعمال الحق ، فاليعض يذهب إلى شمول هذه النظرية للحق و الرخصة على حد سواء ، بينما يذهب البعض الآخر أن هذه الأخيرة لا تدخل ضمن نطاق هذه النظرية .

وذلكعلى عكس الفقه الاسلامي الذي لم يفرق بينهما ، فنظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلاميقائمة بالخصوص على نظرية سد الذرائع والتي يقول فيها القرطبي : “الذريعة عبارة عنأمر غير ممنوع لنفسه، يخاف من ارتكابه الوقوع في الممنوع[15].

المبحث الثاني : الأحكام الخاصة بالتعسف فس استعمال الحق وتطبيقاتها

سنعرج عند الحديث عن الأحكام العامة المتعلقة بنظرية التعسف في إستعمال الحق الحديث عن أساس نظرية التعسف في استعمال الحق في القانون مغربي و المقارن في المطلب الأول . ثم سنحاول الحديث عن تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق في المجال العقاري في المطلب الثاني .

المطلب الاول : أساس نظرية التعسف في استعمال الحق في القانون مغربي و المقارن

سنحاول في هذا المطلب التطرق لأساس نظرية التعسف في استعمال الحق في التشريعات المقارنة ( الفقرة الاولى ) ثم التطرق لأساس هذه النظرية في التشريع المغربي   ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الاولى : أساس نظرية التعسف في استعمال الحق في التشريعات المقارنة

بالرجوع للتشريع الفرنسي فإننا نجد أن المشرع الفرنسي لم ينص على نظرية التعسف في استعمال الحق في القانون المدن الفرنسي بل كان اقضاء الفرنسي يطبق مقتضيات المادتين 1382 و المتعلقة بالمسؤولية التقصيرية[16].

بينما المشرع المصري جعل نظرية التعسف في استعمال الحق في الباب التمهيدي ، وهذا يعني أنها نظرية عامة تسري على كل نواحي القانون و أنها بعيدة عن نطاق المسؤولية التقصيرية[17].

اما التشريع الجزائري فقد  جعل نظرية التعسف في استعمال الحق  ضمن القسم المتعلق بالاحكام المسؤولية التقصيرية ، وذلك في المادة 124 مكرر من القانون المدني الجزائري، ويستفاد ذلك[18] من مقتضيات الفقرة الاولى من المادة اعلاه والتي تنص على : ” يشكل الاستعمال التعسفي للحق الخطأ لاسيما في الحالات التالية…” .

الفقرة الثانية : أساس نظرية التعسف في استعمال الحق في التشريع المغربي

إن أهم ما يميز التشريعات الحديثة هو تبنيها لنظرية التعسف في استعمال الحق لذلك فإننا نجد النص عليها في أغلب التشريعات ، ومنها التشريع المغربي حيث وزد التنصيص عليها في مقتضيات المواد 91 و 92 و 94 من قانون الإلتزامات و العقود ، يتبيين من خلال مقتضيات هذه الفصول أن المشرع المغربي على غرار التشريعات المقارنة قد فرض قيودا علىصاحب الحق مراعتها في استعماله إياه و إلا اعتبر مخطئا[19]، وبالتاللي جازت مساءلته عن الضرر الذي سببه للغير بهذا الخطأ[20]ـ

وبالرجوع إلى الحالات أو صور التعسف في إستعمال الحق في التشريع المغربي نجد انها تتحدد على سبيل المثال في الحالات الآتية :

  • قصد الإضرار بالغير :تعتبر هذه الصورة من صور التعسف اكثر وضوحا و انتشارا إذا قصد الإضرار بالغير[21] ، أي أن تكون نية الإضرار هي الباعث الوحيد لدى صاحب الحق عند استعماله لحقه حتى ولو أدى هذا الإستعمال إلى منفعة عارضة ، كأن يغرس صاحب الحق أشجارا في حدود ملكه و غرضه الوحيد من ذلك هو حجب الضوء عن جاره فيعد متعسفا في استعمال حقه ولوعادت الأشجار على صاحب الأرض بالنفع[22].
  • ترجيح الضرر على المصلحة : يعتبر صاحب الحق متعسفا فس استعمال حقه إذا كانت المصالح التي ترمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية ، بحيث ات تتناسب مع مايصيبة للغير من ضرر ،و هذا المعيار الموضوعي بحث فهو يختلف عن سابقه في أنع لا يستند إلى ناحية شخصية لدي صاحب الحق وإنما يقوم على الموازنة بين المصالح المقصودة و الضرر الذي يصيب الغير وفي ذلك انحراف عن السلوك للرجل العادي ، فإذا كانت المصلحة دون ضرر بدرجة كبيرة كان ااستعمال الحق في هذه الحالة انحرافا عن مسلك الرجل المعتاد فتتحقق معه المسؤولية[23].
  • عدم مشروعية المصلحة التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها : لا يكفي أن يكون لصاحب الحق مصلحة ظاهرة أو ذات قيمة كبيرة لاستعمال حقه ، بل يجب أن تكون هذه المصلحة مشروعة ، و تقرير هذا الشرط نابع من فرضية قانونية أن الحق بوجه عام له وظيفة اجتماعية إذ أنه وسيلة لتحقيق التكافل و التضامن في المجتمع و المساس بذلك يمثل تعسفا في إستعمال الحق[24] .

المطلب الثاني : تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق في المجال العقاري

يعد التعسف في استعمال حق الملكية العقارية الخاصة ، من أهم تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق ، ويمكن القول أن حق الملكية يعد من أوسع الحقوق العينية نطاقا ذلك أنه يعطي لصاحبه سلطات واسعة كسلطة الاستغلال و الاستعمال و التصرف وذلك في إطار ما تقضي به الأنظمة و القوانين الجاري بها العمل إلا أن هذا الحق قد ترد عليه مجموعة من القيود من قبيل الارتفاقات العقارية والتي سنتطرق لبعضها ، حيث آثرنا في هذا المطلب ان نتناول بنوع من الايجاز و التركيز مضار الأغراس و امتداد الأشجار في ( الفقرة الاولى) على أن نخصص ( الفقرة الثانية ) لمضار الصحة و البيئة.

الفقرة الاولى : مضار الأغراس وامتداد الأشجار

جاء في المادة 73 من م ح ع على أنه لا يجوز للجار ان يغرس اشجارا بجوار بناء جاره إذا كانت هذه الاشجار تمتد جذورها ، فإذا غرسها فإنه يحق لمالك هذا البناء ان يطالب بإزالتها بقلعها .

وتعتبر هذه المادة مستقاة من الفقه الاسلامي ، لا يسما الفقه المالكي منه ، وقد ورد في تحفة ابن عاصم :

وكل ما كان من الأشجارجنب جدار مبتدي انتشارا

فإن يكن بعد الجدار وجداقطعما يؤدي الجدار أبدا

وحيث كان قبله يشمر  وتركهوان أضر الاشهر

ويستخلص من الابيات أنه يجب التمييز بين ما هو مضر من الأغراس المحاذية لممتلكات الجيران ، وما ليس مضرا بها ، فإذا كانت الأشجار المحاذية لبناء الجار و منتشرة عليه ففي ذلك قولان ، فإن كان الجدار سابقا عليها تقلع تلك الاشجار ، و إن كان الشجر سابقا على الجدار تشذب أغصان الأشجار ، وإن كان الشجر سابقا على الجدار تشذب أغصان الأشجار ، قيل لا تشذب لأن من بنى بقرب الأشجار يعلم بأن أغصانها و فروعها ستمدد. غير أن المشهور من الفقه المالكي هو تشذيبها.

مقال قد يهمك :   البنوك التشاركية بالمغرب

أما بالنسبة لأغصان الأشجار الممتدة على ملك الجار فيجوز المطالبة أمام القضاء بقطعها، وفي حالة توقع حدوث الضرر من بقائها يمكن مباشرة عملية القطع بدون ضرر، وهذا الأمر ينسحب كذلك على الأشجار المحاذية للطريق العامة[25] ، لأنها ملك عام لا يحق لأي شخص تملكها لأنها على الشيوع ، وهذا ما نصت عليه المادة 74 من م ح ع.

و من ثم ، فللمالك أن يغرس أشجارا أو شجيرات أو أغراسا على حدود أرضه أو يعوضها إذا ماتت أو قطعت أو قلعت دون مراعاة المسافات التي تحددها الأنظمة ، فإن لم تكن هناك أنظمة تحدد المسافات وجب عليه أن يغرسها بعيدا عن الحد الذي يفصل أرضه عن أرض جاره ، بمسافة لا تقل عن مترين إذا كانت المغروسات مما يفوق ارتفاعها مترين، و عن نصف متر إذا كانت مما دون ذلك ، غير انه يمكن أن تغرس الأشجار و الشجيرات و الأغراس على جهتي الحائط الفاصل بين عاقرين دون أن يكون من اللازم مراعاة أي مسافة ، غير أن لا يجوز أن تعلو قمة الحائط ، هذا مع حفظ حق المطالبة برفع ما قد تسببه من أضرار . و هو ما تم التنصيص عليه بموجب المادة 72 من م.ح.ع .

و في نفس السياق ذهب محكمة النقض في قرار[26] لها و الذي جاء فيه :

” تعتبر إزالة الأغراس من موجبات رفع الضرر متى أقيمت بين الحدين الفاصلين بين الملكين المملوكين لأطراف النزاع “

وقد يطرح سؤال عن شجرة مائلة في أرض الغير أو منتشرة عليها، المعول عليه في مدونة الحقوق العينية أنه إذا امتدت أغصان الأشجار فوق أرض الجار ، فله أن يطالب هذا الأخير بقطعها إلى الحد الذي تساوي حدود ارضه ، وتكون له الثمار التي تسقط منها طبيعيا ، كما يجوز لهذا الجار أن يقطعها بنفسه إذا خشي أن يصيبه ضرر من ذلك[27].

الفقرة الثانية: مضار الصحة و البيئة

نصت المادة 77 من م ح ع على أنه يجب ان تقام المصانع وغيرها من المحلات المضرة بالصحة أو الخطرة أو المقلقة للراحة بالمواصفات و على المسافات وداخل المناطق المنصوص عليها في القانون.

كما يجب على مالكها إتخاذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على البيئة والحيلولة دون الاضرار بأي أحد طبقا للقوانين الجاري بها العمل ، كما هو الحال بالنسبة لمقتضيات القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء[28] ، و بالأخص المادة 5 منه التي تقضي بأنه يتعين على كل مالك عقار يمارس نشاطا تجاريا أو صناعيا أن يتخذ الاحتياطات و التدابير اللازمة من أجل عدم تسرب أو انبعاث ملوثات الهواء داخل أماكن العمل بشكل غير مألوف ، تحت طائلة وقف النشاط المتسبب في التلوث وعند الضرورة تطبيق عقوبة جنائية ضد مقترف الفعل الضار[29]، ومن ثم فإن ممارسة نشاط تجاري مملوك لتاجر أو غيره مقيد بعدم الاضرار بالبيئة .

ومن بين صور مضار البيئة نورد ما يلي :

  • – الأضرار الناتجة عن الروائح الكريهة : ذلك أن الأزبال من بين أهم مصادر الروائح الكريهة التي لا يستطيع الانسان تحملها أو العيش بمقربة منها[30].

وهكذا قضت المحكمة الابتدائية بالرباط[31] على أن صاحب المحل التجاري الذي يقوم برمي الأزبال و القاذورات أمامه و أمام المحلات التجارية الأخرى بإزالتها و الحفاظ على نظافة المركب التجاري بما في ذلك من ضرر عليها.

  • – مضار فساد البنايات بسبب التسربات المائية: تعتبر التسربات المائية لبنايات الغير من الاضرار التي تتفاقم مع مرور الوقت وتزيدها وهنا على وهن ، فتشبع البناية بالمياه يفسدها و يتسب في تقشير طلائها و انتشار البقع السوداء بها ، كما يمكن أن تتسبب في انتشار الروائح الكريهة بالبناية إذا كانت المياه المتسربة عبارة عن مياه الصرف الصحي .

وفي هذا الإطار قضت المحكمة الابتدائية بالرباط[32] قضت برفع الضرر الناتج عن نفس التسربات المذكورة من مسكن الجيران بطريقة مغايرة تتمثل في هدم الغرفة المشيدة عشوائيا فوق هذا الأخير مادامت هي المتسببة في دخول المياه إلى البناية.

  • – الأضرار الناتجة عن إشعاعات محطات الإرسال الهاتفي : برز في الآونة الأخيرة موضوع الأضرار الناتجة عن إشعاعات محطات الإرسال الهاتفي التي نبهت إليها بعض الدراسات العلمية[33]، هذه المحطات التي اصبحت تكسو سطوح المنازل والعمارات وتثير قلق المجاورين لها من السكان حول الأضرار الصحية المحتمل أن يتعرضوا لها سواء نسبة تأثير الأمواج المنبعثة منها أو بالنسبة لعناصرها الإلكترونية المؤثرة على الأضواء المحيطة بها[34].

غير أن القضاء اعتبر أن هذه الأضرار غير مؤكدة ومجرد توقعات محتملة، نسوق في هذا الإطار القضية التي عرضت على المحكمة الابتدائية بمراكش[35]، عندما حكمت على المدعى عليه الذي أقام تجهيزات للإرسال اللاسلكي  الخاص بالهاتف المتنقل فوق منزله و على المدخلة في الدعوى شركة الهواتف بإزالة المحطة الهاتفية بعدما أفاد الخبيرين المعينين من طرف المحكمة للتأكد من الضرر الناتج عنها و آثاره على صحة المدعي و عائلته ، و أن مرحلة الإرسال تبعد عن منزل المدعي بحوالي ستة عشر مترا وأن كل الأجهزة تحتوي على عناصر الكترونية وتؤثر على الأضواء المحيطة بها و تسبب اضرار و حساسيات مختلفة للجوار ، وأن المدعي يعاني من آلام في الرأس و زيادة في النوم وأن له ارتباط بالموجات المنبعثة من محطة الإرسال الهاتفي. 

خاتمة :

تعتبر نظرية التعسف في استعمال الحق من أهم النظريات التي غيرت النظرة  إلى الحق باعتباره حقا مطلقا ، فأصبح ذو قيمة اجتماعية إذ لها الفضل في الحفاض على احقوق الأفراد من خلال تقييد استعمالها ، بما يضمن مصلحة الفرد و الجماعة على حد سواء وذلك من خلال وضعها مقاييس تحدد متى يتحقق التعسف في استعمال الحق ، وقد عرفت الشريعة الاسلامية نظرية التعسف في استعمال الحق منذ أربعة عشر قرن مضت وكانت السباقة إلى وضعها ، وأرستها القوانين الوضعية في تشريعاتها الداخليه .

وخلاصة القول إن نظرية التعسف في إستعمال الحق تصطبغ بأهمية قصوى و تستند إلى فكرة العدالة ، إذ لا يجور أن يستتر البعض بإستعماله لحق مقرر له بهدف الإساءة لحقوق الآخرين ، ولا يمكن تسبيق المصلحة الخاصة على المصالح الجماعية ، ولهذا فالتشريعات و القضاء بدورها تسعى لتطبيق نظرية التعسف في إستعمال الحق، وإن كان بعضهم عد ذلك خروجا عن مبدأ حماية الحق الذي يخول لصاحبه استعماله على النحو الأكثر إطلاقا.


لائحة المراجع

  • ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد التاسع ، دار صادر ، بيروت ، لبنان ، 1968 .
  • أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، ج 2 ، ط الاولى ، دار الكتب المصرية ، مصر.
  • بلحاج العربي ، الوجيز في شرح قانون الأسرة ، الجزء الاول ، ط السادسة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر.
  • بلحاج العربي ، أبحاث ومذكرات في القانون و الفقه الاسلامي ، الجزء الاول ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر.
  • حسن كيرة ، المدخل إلى القانون ، الطبعة الخامسة ، منشأة المعارف الإسكندرية ، 1974.
  • رمضان أبو السعود ، النظرية العامة للحق ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، مصر ، 2005.
  • رمضان أبو السعود وم محمد حسين منصور ، المدخل إلى القانون ، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ، بيروت.
  • سعاد بلحورابي ، نظرية التعيف في استعمال الحق و تطبيقاتها في الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، رسالة ماجستير في القانون “قانون المسؤولية المهنية” ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، الجزائر .
  • سعدية شرقي ، التعسف في استعمال حق الملكية ، مذكرة ماستر عقود و مسؤوولية ، جاكعة اكلي امحند اولحاج ، البويرة ، 2013.
  • سعيد أمجد ، التعسف في إستعمال حق الملكية في الشريعة و القانون ، الجزء الثاني ، مكتبة الشطابي (دون ذكر السنة) .
  • عامر حسين ، التعسف في إستعمال الحقوق و إلغاء الحقوق ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1960.
  • عبد الرحمان مجوبي ، التعسف في إستعمال الحق وعلاقتع بالمسؤولية المدنية ، رسالة ماجستير في العقود و المسؤولية ، كلية الحقوق بن عكنون ، الجزائر ، 2005.
  • فتحي الدريني ، نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلامي ، الطبعة الثانية ، مؤسسة الرسالة ، لبنان 1977.
  • فريدة محمدي زواوي ، المدخل للعلوم القانونية ، نظرية الحق ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبغية ، الجزائر ، 1998.
  • مجد الدين الفيروز آبادي ، قاموس المحيط ، دار الحديث ، القاهرة ، مصر ، 2008.
  • محمد حسين منصور ، نظرية الحق ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، مصر ، السنة 2004 .
  • محمد مومن، الضرر بين ظهير الالتزامات و العقود المغربي و مدونة الحقوق العينية ، مقال منشور ل الدكتورة أمينة أيت حسين في ” مدونة الحقوق العينية بين الواقع و المأمول “، أعمال الندوة العلمية الوطنية يومي 04 و 05 ماي 2018 ، عدد 58 ، السنة 2018.
  • نبيل ابراهيم ، المدخل لدراسة القانون (نظرية الحق) ، مطبعة منشأة المعارف الإسكندرية ، مصر ، 2002.
مقال قد يهمك :   موقف القضاء الإداري من اللغة العربية في تصرفات الإدارة

الهوامش:

[1]– عامر حسين ، التعسف في إستعمال الحقوق و إلغاء الحقوق ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1960 ، ص 14 وما بعدها .

[2]– سعيد أمجد ، التعسف في إستعمال حق الملكية في الشريعة و القانون ، الجزء الثاني ، مكتبة الشطابي ، ص 8 (دون ذكر السنة)

[3]– ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد التاسع ، دار صادر ، بيروت ، لبنان ، 1968 ، ص 245 .

[4]– مجد الدين الفيروز آبادي ، قاموس المحيط ، دار الحديث ، القاهرة  ، مصر ، 2008 ، ص 1081 .

[5]– فتحي الدريني ، نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلامي ، الطبعة الثانية ، مؤسسة الرسالة ، لبنان 1977 ، ص 38 .

[6]– رمضان أبو السعود وم محمد حسين منصور ، المدخل إلى القانون ، منشورات الحلبي الحقوقية ، لبنان ، بيروت ن ص 65 .

[7]-بلحاج العربي ، أبحاث ومذكرات في القانون و الفقه الاسلامي ، الجزء الاول ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص 48 .

[8]– سعدية شرقي ، التعسف في استعمال حق الملكية ، مذكرة ماستر عقود و مسؤوولية ، جاكعة اكلي امحند اولحاج ، البويرة ، 2013 ، ص 16.

[9]– حسن كيرة ، المدخل إلى القانون ، الطبعة الخامسة ، منشأة المعارف  الإسكندرية ، 1974 ، ص 765-766 .

[10]– نبيل ابراهيم ، المدخل لدراسة القانون (نظرية الحق) ، مطبعة منشأة المعارف الإسكندرية ، مصر ، 2002 ، ص 208 .

[11]– بلحاج العربي  ، الوجيز في شرح قانون الأسرة ، الجزء الاول ، ط السادسة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص 109 .

[12]– محمد حسين منصور ، نظرية الحق ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، مصر ، السنة 2004 ، ص 439 .

[13]– الرخصة هي الحرية المباحة للشخص فب التصرف كالتعاقد و التقاضي وغيرها من الحريات العامة التي يكفلها الدستور للأفراد ، بينما الحق هو مصلحة معينة يحميها القانون .

[14]– رمضان أبو السعود ، النظرية العامة للحق ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، مصر ، 2005 ، ص 497 .

[15]– أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، ج 2 ، ط الاولى ، دار الكتب المصرية ، مصر ، ص 252 .

[16]– عبد الرحمان مجوبي ، التعسف في إستعمال الحق وعلاقتع بالمسؤولية المدنية ، رسالة ماجستير في العقود و المسؤولية ، كلية الحقوق بن عكنون ، الجزائر ، 2005 ، ص 47 .

[17]– سعاد بلحورابي ، نظرية التعيف في استعمال الحق و تطبيقاتها في الفقه الاسلامي و القانون الوضعي ، رسالة ماجستير في القانون “قانون المسؤولية المهنية” ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، الجزائر ، 2014 ، ص 59 .

[18]-يعاد بلحورابي ، م س ص 62 .

[19]– محمد مومن، الضرر بين ظهير الالتزامات و العقود المغربي و مدونة الحقوق العينية ، مقال منشور ل الدكتورة أمينة أيت حسين في ” مدونة الحقوق العينية بين الواقع و المأمول “، أعمال الندوة العلمية الوطنية  يومي 04 و 05 ماي 2018 ، عدد 58 ، السنة 2018 ، ص 378.

[20]– سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ، ج الثاني ، المجلد الثاني ، ط الخامسة ، دار الكتب القانونية ، المنشورات الحقوقية  ، مصر ، ص 105 .

[21]– فريدة محمدي زواوي ، المدخل للعلوم القانونية ، نظرية الحق ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبغية ، الجزائر ، 1998 ص 50 .

[22]-بلحاج العربي ، م س ، ص 124 .

[23]-محمد مومن ، مرجع سابق ، ص 380 .

[24]– محمد مومن ، مرجع سابق ، ص 381-382 .

[25]– العربي محمد مياد ، م س ، ص 109 .

[26]– قرار عدد 3579 ، المؤرخ بتاريخ 28/08/2012 ، ملف مدني عدد 451/1/5/2012 ، غير منشور .

[27]-العربي محمد مياد ، م س ، ص 108 .

[28]– ظهير شريف رقم 1.03.61 بتاريخ 12 ماي 2003 .

– العربي محمد مياد ، م س ، ص 109 .[29]

[30]– هدى بوالهند ، م س ، ص 52 .

[31]-حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط ، رقم 206 ، بتاريخ 24/01/2008 ، في الملف رقم 1/2696/2006 ، أشارت إليه هدى بالهند ، م س ، ص53 .

[32]– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط، عدد 143 ، بتاريخ 22/01/2009 ، في الملف رقم 1/266/2007 ، أشارت إليه هدى بالهند ، م س ، ص 56 .

[33]– الحسن بيهي ، التعويض المدني عن الأضرار الناتجة عن إشعاعات الهاتف المحمول ، مجلة لملف ، عدد 4 ، شتنبر 2004 ، ص 8

[34]– هدى بوالهند ، م س ، ص 68 .

[35]-حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش ، عدد 3070  بتاريخ 10/7/2003 ، في الملف رقم 13499/11/2002 ، منشور بمجلة المناهج ، العدد المزدوج 7 و 8 ، 2005 .

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)