الأحكام العامة للعقود البنكية في التشريع المغربي

31 أكتوبر 2020 - 8:52 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

جمال أُميرة باحث بماستر قانون الأعمال تطوان


العقود البنكية :

عقد الحساب بالاطلاع

عقد القرض البنكي

عقد فتح الاعتماد البسيط

عقد الخصم


مقدمة:

تعتبر الأبناك ركيزة من ركائز الازدهار والنماء الاقتصاديينبالنظر إلى الأدوار التي تضطلع بها والرواج الذي تخلقه برسم قيامها بوظائفها، فهي عبارة عن محرك محكم الضبط لعمليات الائتمان والتوظيفات والتحويلات التي يجريها الأفراد بمناسبة مزاولتهم لعملياتهم المدنية والتجارية على حد سواء.

إن الدور الفضفاض الذي تلعبه الأبناك لا يمكن ملامسته من زاوية توظيف الأموال وتسخير قدراتها المالية وغير المالية لخدمة الزبناء، بل من زاوية الأهداف التي تسعى إلى بسطها وترنو إلى بلوغها، أهداف تتجاوز المألوف وتدهس على كل خطر قد يشوش على مقاصدها.

فالوظيفة البنكية لم تعد تنحصر في تقديم الخدمات المالية، بل أصبحت تتجاوز ذلك لتنتقل إلى طور جديد من حياتها، جعلها تحمل مشعل التنمية من خلال محاربة الهشاشة التي تنخر كيان المجتمعات العالمية منذ زمن غابر، ولا تزال تداعياتها ظاهرة بشكل بارز يكبر حجمه يوما بعد يوم على جبين المجتمع الدولي.

ووعيا من دول المعمور بأهمية الأبناك في الحياة الاقتصادية والرقي بالقدرات البشرية وحسن استغلالها، اتجهت إلى تأهيل نفسها بشكل يواكب ضخامة هذه المؤسسات العملاقة، الأمر الذي خلق ثورة على صعيد التشريع، بحيث صدرت إلى حيز الوجود العديد من القوانين التي تنظم القطاع البنكي وتمنحه تحفيزات تجعله لا يستنكف عن تدشين عملياته في بلد من البلدان.

وكباقي الدول اتجه المغرب كدولة نامية إلى كظم جماح مظاهر العجز والضعف، بحيث عمل على تحسين صورته كوجهة لا بأس بها للاستثمارات البنكية. وتمثل ذلك أول الأمر في احداث البنك المخزني بتاريخ 7 أبريل 1907، إلا أن أسهم هذا البنك كانت تملكها فرنسا مما جعل المغرب بعد الحصول على الاستقلال يفاوضها لاسترجاعه وهو ما نجح فيه بالفعل.

تم بعد استرجاع البنك المخزني من فرنسا شرع المغرب في عملية تنظيم المجال البنكي وعيا منه بدور هذا الأخير في مجال التنمية، خاصة وأن رواسب الاستعمار جعلت منه دولة متقهقرة اقتصاديا واجتماعيا، وهو ما تكرس من خلال صدور المرسوم الملكي بتاريخ 21 أبريل 1967 الذي حدد المقصود بالبنوك في الفصل الأول منه وحصر بعض العمليات التي يجوز لها القيام بها علاوة على تبيانه لشروط مزاولة النشاط البنكي بالمغرب.

بعد ذلك ظل الوضع يراوح مكانه إلى أن صدر ظهير 6 يوليوز لسنة 1993 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها[1]، الأمر الذي شكل قفزة نوعية في مستوى تنظيم القطاع البنكي، و جعله في منأى عن التيه الذي أصابه في ظل سريان المرسوم الملكي الصادر سنة 1967،  هذا الأخير لم يكلف نفسه عناء رسم معالم العمليات البنكية بشكل واضح، لا سيما مع ظهور مؤسسات جديدة تنضوي ضمن مفهوم مؤسسات الائتمان على غرار الأبناك.

وإذا كان ما تقدم يتعلق بالتطور التاريخي للقانون البنكي، فإن ذلك يوجب علينا التساؤل عن المسار الكرنولوجي للعمليات التي تزاولها البنوك سواء العامة أو الخاصة[2]. إلا أن عمليات البنوك لم تعرف تنظيما محكما، بحيث لم يتطرق لها القانون التجاري لسنة 1913، بل حتى المقتضيات البنكية لم تحط بها، نظرا لتعددها وتنوعها، مما جعل العرف البنكي هو الإطار العام الذي يشملها.

غير أن القانون 15.95 المعتبر بمثابة مدونة التجارة[3]، جاء بتحول محوري على مستوى ضبط بعض العمليات البنكية التي تتخذ في الغالب شكل عقود تبرم مع جمهور الزبناء، بحيث تطرق ولأول مرة في القسم السابع من كتابه الرابع لما يعرف بالعقود البنكية، الأمر الذي جعل الفلسفة التشريعية تنعطف إلى مسار جديد لم يكن مألوفا في ظل النصوص القديمة.

ويأتي تنظيم العقود البنكية في ظل عقد من الزمن شهد زوبعة من النصوص القانونية ذات الصلة بمجال المال والأعمال، ففي عقد التسعينات من القرن الماضي صدرت قوانين تترجم انزواء المغرب إلى دعم الاقتصاد لتجاوز الأزمات التي راكمها، وجعلته يخرج منها بخفي حنين. ويتمثل ذلك في صدور قانون احداث المحاكم التجارية والقانون البنكي وقانون شركات المساهمة، بالإضافة إلى مدونة التأمينات وغيرها من المقتضيات المتعلقة بمجال التجارة والمال والأعمال.

وتتجلى العقود البنكية التي اشتملت عليها مدونة التجارة لسنة 1996 في عقد الحساب البنكي الذي ينشطر إلى عقدين هما عقد الحساب بالاطلاع وعقد الحساب لأجل، تم عقد إيداع النقود وإيداع السندات، بالإضافة إلى عمليات التحويل وعقد الخصم تم عقد فتح الاعتماد وأخيرا حوالة الديون المهنية.

في ذات المضمار لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن العمليات البنكية تنحصر فقط فيما هو محدد داخل مدونة التجارة، لأن العقود البنكية كثيرة لا يمكن حصرها أو تعدادها، فبالإضافة إلى العقود الواردة داخل المدونة المذكورة، نجد عقودا أخرى مضمنة بالقانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[4]، من قبيل عقود الائتمان الايجاري للمنقولات والعقارات و الأصول التجارية، علاوة على عقود البيع الاستردادي للأوراق والقيم المنقولة وعمليات الاستحفاظ،  ناهيك عن عقد شراء الفاتورات وغيرها من العقود الأخرى[5].

وفي هذه الدراسة سنعمل بحول الله تعالى على التصدي لأكثر العقود البنكية شيوعا، من قبيل عقد الحساب بالاطلاع الذي يعتبر من أبرز الحسابات البنكية على الاطلاق بالنظر إلى أهميته في الحياة التجارية ككل وارتباطه الوثيق بالكيانات الاقتصادية، بحيث توجد بوجوده ويختفي بريقها باختفائه. واسترسالا في التحليل سنحط الرحال بعقد خلق نقاشا فقهيا ملتهب الوطيس، يتعلق الأمر بعقد القرض البنكي الذي يطرح على بساط الدرس والتحليل مسألة مدى جواز التعامل بالفائدة في إطار المعاملات التي يعقدها الأفراد، خاصة وأن تنظيمه القانوني وارد في القواعد العامة التي لا تقيم تمييزا بين القروض المدنية والقروض التجارية.

في ذات الإطار سنعالج عقد فتح الاعتماد البسيط الذي يعتبر عقدا مهما في مجال تمويل حاجيات زبناء مؤسسات الائتمان، على أن نختتم دراستنا بتناول عقد الخصم البنكي.

وبناء على هذا الفرش المتعلق برسم حدود دراستنا، يمكن لنا اقتراح التصميم التالي كسياج عام لما سنعمل على تحليله:

  • الفصل الأول: التنظيم القانوني لعقد الحساب بالاطلاع
  • الفصل الثاني: عقود أخرى مشمولة بنطاق العمل البنكي

الفصل الأول: التنظيم القانوني لعقد الحساب بالاطلاع

يلعب الحساب بالاطلاع دورا مهما في مجال الائتمان البنكي، بحيث يشكل السياج الشامل لمختلف العقود البنكية الأخرى التي تنسج بين البنك وزبونه، علاوة على دوره المحوري المتمثل في تسوية العمليات المتبادلة عند دورانه، فهو عبارة عن آلية مبتكرة لتحقيق الدقة والسرعة في مجال ضبط حسابات التجار، من خلال تحديد ما لهم وما عليهم من ديون، مما يقطع مع كل أوجه العشوائية التي غالبا ما تكون السبب في موت النشاط التجاري.

وللإلمام بعقد الحساب بالاطلاع نقترح التطرق أولا لمفهومه ومن تم تحديد عناصره (المبحث الأول) على أن نحط الرحال بأهم مخرجاته المتمثلة في الآثار التي يسفر عنها انعقاده (المبحث الثاني) تم نختتم دراسته من خلال حصر أسباب انقضائه (المبحث الثالث).

المبحث الأول: مفهوم عقد الحساب بالاطلاع وعناصره

لكي نضع القارئ الكريم في أتون عقد الحساب بالاطلاع سنعمل على نهج خطة تدرجية تجد مظهرها في الوقوف عند مفهومه وما يستتبع ذلك من حصر تعريفه ورصد خصائصه تم تمييزه (المطلب الأول) علاوة على النبش في عناصر صحة انعقاده (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم عقد الحساب بالاطلاع

في هذا المطلب سنحاول تحديد المقصود بعقد الحساب بالاطلاع (الفقرة الأولى) الأمر الذي سيتيح لنا إمكانية معرفة أهم خصائصه (الفقرة الثانية) وتمييزه عن عقد الحساب لأجل الذي يعتبر حسابا بنكيا كذلك حسب المادة 487 من مدونة التجارة (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: المقصود بعقد الحساب بالاطلاع

عمل المشرع على تحديد المقصود بعقد الحساب بالاطلاع في المادة 493 من مدونة التجارة التي جاء فيها:” الحساب بالاطلاع عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف“.

يستفاد من المقتضى الآنف الذكر أن عقد الحساب بالاطلاع ما هو إلا اتفاق بين البنك والزبون الغاية منه تسهيل تسوية العمليات المتبادلة بينهما، ويتم ذلك عبر التزام كل من الزبون والبنك بتغذية الحساب، هذه التغذية تتجلى في تبادل العديد من المبالغ المالية التي تترجم داخل الجدول المحاسبي الممسوك من قبل البنك في شكل مفردات محاسبية تقيد إما بالجانب الدائن أو الجانب المدين، وبعد ذلك تتم المقاصة بين الجانبين لتظهر نتيجة في خانة الرصيد المؤقت.

وعلاوة على ما تقدم نشير إلى أن العقد الذي نحلل مضمونه في هذه الأثناء يلعب دورا بارزا في مستوى تيسير عمليات التاجر سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، لأنه يسهل الوفاء بالعمليات التجارية المتسمة بالتكرار ويجعله في منأى عن الإشكاليات التي تثار برسم نشاطه التجاري.

كما أن الغاية الأخرى الكامنة من وراء إقرار العمل بالحساب البنكي في شقه للاطلاعتتجلى في كونه يعتبر الإطارالعام لباقي العقود الأخرى كالخصم وعقد فتح الاعتماد البسيط. فمثلا لا يمكن لتاجر معين أن يطلب من البنك ابرام عقد الخصم ما لم يكن متعاقد معه بموجب اتفاقية الحساب بالاطلاع، ومعناه أن باقي العقود الأخرى يؤطرها الحساب المذكور كما سيتضح معنا في قادم محاور دراستنا هذه[6].

الفقرة الثانية: خصائص عقد الحساب بالاطلاع

من خلال التعريف الذي قدمته مدونة التجارة لعقد الحساب بالاطلاع أو الحساب الجاري البنكي، يمكن لنا الوقوف عند بعض خصائصه. فهذا العقد إذن هو:

أولا: عقد تجاري

لا يُماري أحد حول تجارية عقد الحساب بالاطلاع[7]، حيث تم تنظيمه لأول مرة بموجب المواد من 493 إلى 503 من مدونة التجارة، وباطلاعنا على فحوى هذه المواد لا يسعنا إلا تأكيد حقيقة مفادها أن هذا العقد لهو عقد بنكي تجاري بامتياز، يتألف من إرادتين تجاريتين، تتمثل الأولى في إرادة البنك الذي يزاول أنشطة تجارية طبقا للبند السابع من المادة 6 من المدونة، والثانية تتمثل في إرادة الزبون الذي لا يعدو أن يكون شخصا تجاريا إما ذاتيا أو معنويا، ألزمه المشرع بضرورة فتح حساب بنكي طبقا لأحكام المادة 18 من مدونة التجارة.

وتجب الإشارة إلى أن المقصود بالحساب البنكي الذي تتكلم عنه المادة 18 لهو الحساب بالاطلاع، مما يعني بداهة أن الأمر يرتبط بعمليات تاجر يزاول أحد الأنشطة المحددة تشريعا في الكتاب الأول من مدونة التجارة، ومنه لا يمكن الانسياق وراء الاعتبار القائل بكون الحساب المذكور يعتبر تجاريا بالنسبة للبنك ومدنيا بالنسبة للزبون، لأن هذا القول لا أساس له من الصحة بل يعتبر والعدم سواء إذا ما تمعنا في مضمون المقتضيات المنظمة له أوالتي تشير إليه كما هو شأن المادة 18 من مدونة التجارة[8].

ثانيا: عقد مستمر

يتمظهر ذلك أساسا في كونه غير محدد المدة على خلاف الحساب لأجل الذي – ومن خلال تسميته- ينقضي بحلول أجله. ولعل السبب في عدم تحديد أجل لعقد الحساب بالاطلاع يتجلى في الدور الذي يلعبه في مستوى تيسير مأمورية النشاطات التجارية، فإذا كانت هذه الأخيرة تتسم بالاسترسال والتعدد، فإن ذلك يوجب بداهة على الحساب الذي سيشكل الوعاء الآزم لتسويتهاأن يكون غير محدد الأجل بل مستمرا في الزمن.

والقول بأن الحساب بالاطلاع غير محدد المدة[9] لا يعني عدم تصور إنطفائه ما دام أنه لا يتأسس على مدة محددة، بل يمكن تصور وقفه كما لو قرر الزبون ترك الاشتغال به لسبب من الأسباب، أو إذا ما قرر البنك إغلاقه لاعتبارات متعددة تجعله لا يرى في استمرار الاشتغال به أمر سيعود عليه بالنفع[10] كما سنبين في قادم محاور الدراسة.

ثالثا: عقد ملزم للجانبين

إن العمل بالحساب بالاطلاع يرتب العديد من الالتزامات يتم ذكرها في الاتفاق المبرم بين البنك والزبون، نجد من أهمها التزام كل طرف بتزويد الحساب بديون أكيدة تترجم داخل الجدول المحاسبي في شكل قيودات محاسبية تتقاص فيها بينها لتظهر نتيجة بالرصيد المؤقت في انتظار الرصيد النهائي الذي يسفر عنه قفل الحساب.

وما تقدم يفيد أن تغذية الحساب من خلال تبادل المدفوعات تجعل من التزامات أطرافه قائمة، وعلى خلاف ذلك فإن تخلف أحد الأطراف عن تزويد الحساب بمدفوعات جديدة يجعل منه مخلا بالتزامه، مما قد يسفر عن اغلاق الحساب والمطالبة بالدين والفوائد التي يعرب عنها الرصيد النهائي.

كما أن تغذية الحساب البنكي تعتبر الوسيلة المعول عليها لتحقق التسوية التي ينشدها الزبون، لأن عملية التسوية ترتبط وجودا وعدما بتبادل المبالغ المالية أو المدفوعات، وأن تخلف هذه الأخيرة يعني انعدام التسوية المنشودة التي تتم بدورها عبر المقاصة بين المفردات التي تتخذ من الحساب بالاطلاع مجالا رحبا لرسوها.

الفقرة الثالثة: تمييز الحساب بالاطلاع عن الحساب لأجل

جاء في المادة 487 من مدونة التجارة ما يلي:” الحساب البنكي إما حساب بالاطلاع أو حساب لأجل”.

ومن تنصيصات المقتضى الآنف يمكن القول أن الحساب البنكي[11] ينشطر إلى حسابين، حساب بالاطلاع[12] يعمل على تسوية العمليات و يشكل آلية لمساندة التاجر، وحساب لأجل[13] يعتبر وسيلة ناجعة فيما ينسحب إلى توظيف الأموال من خلال عقد وديعة يبرم مع البنك الذي يبادر إلى توظيف الأموال المودعة مع سريان الفوائد على ذلك يستفيد منها المودع أو الزبون.

وما تقدم يدفع بنا بكل شوق إلى طرح سؤال مفاده: ما هي أوجه التمييز بين الحساب لأجل والحساب بالاطلاع على ضوء مدونة التجارة والعمل البنكي؟

للجواب على هذا السؤال سنعمل على حصر العناصر التي يمكن لها الكشف عن الفرق بين الحسابين في الآتي:

أولا: من حيث الهدف

كما أشرنا مسبقا فإن الهدف من فتح الحساب بالاطلاع يكمن في تسوية العمليات من خلال المقاصة بين الديون المقيدة بضلع الدائنية والديون المدرجة بضلع المديونية، بما يفرز نتيجة بالرصيد المؤقت تظهر في كل مرة وتترجم حقا إما للبنك أو للزبون.

ولتوضيح عملية التسوية التي تشكل الهدف المحوري من إحداث الحساب بالاطلاع سنعطي مثالا لذلك يتمثل في قيام الزبون بسحب شيك قدره 20.000 درهم لشراء منقول مرتبط بنشاطه التجاري، وفي ذات الآن قامت المؤسسة البنكية بتحصيل كمبيالة قيمتها 10.000 درهم لفائدة نفس الزبون.

ففي الحالة الأولى التي سحب فيها الزبون مبلغ 20.000 درهم من الحساب للوفاء بقيمة المنقول المشترى، ستعمد المؤسسة البنكية إلى تقييد قيمة العملية المذكورة بالجانب المدين من الحساب، أي تقييد مبلغ مالي قدره 20.000 درهم بضلع المديونية.

أما في الحالة الثانية المنجلية في تحصيل كمبيالة لفائدة الزبون بقيمة 10.000 درهم، ستقوم المؤسسة البنكية إثر عملية التحصيل بتقييد مبلغ 10.000 درهم بالجانب الدائن من الحساب وليس المدين.

وبعد إجراء القيودات المذكورة المشطرة على ضلعي الحساب تحدث عملية المقاصة، أي أن المبالغ الدائنة تتقاص مع المبالغ المدينة. وحسب المثال الذي أسلفنا إيراده أعلاه، فإن مبلغ 20.000 درهم المقيد بالجانب المدين سيتقاص مع مبلغ 10.000 درهم المقيد بالجانب الدائن مما سيسفر عن نتيجة محاسبية بالرصيد المؤقت تترجم حقا لأحد الأطراف.

وعلى خلاف ما يتغياه الحساب بالاطلاع نجد ما يسعى إليه الحساب لأجل مختلف تماما، فهذا الأخير لا يرمي إلى تسوية العمليات كما بينا مسبقا، بل يهدف إلى توظيف الأموال، مما يعني أن الزبون يتجه إلى المؤسسة البنكية بمجموعة من الأموال لإيداعها لديها، على أن تقوم بتوظيفهالاحقا من خلال منح الائتمان[14]، مع إستفادة المودع من الفوائد المتفق عليها في عقد الإيداع.

ثانيا: من حيث الانقضاء

من مظاهر إختلاف الحساب بالاطلاع عن الحساب لأجل نجد مسألة الانقضاء، فالأول غير محدد المدة مما يعني أن ميعاد انقضائه غير معين بل يعتبر من بين أهم العقود المستمرة كما رأينا مسبقا، أما الثاني فهو محدد المدة ينقضي بحلول أجله[15].

هكذا إذن فعقد الحساب بالاطلاع لا يخضع لأي أجل بل يبقى مستمرا في إنجاز وظيفته المنجلية في تسوية العمليات المتبادلة بين أطرافه.

ونعتقد أن ذلك يعزى أساسا إلى ارتباط هذا الحساب بالنشاط التجاري، فلا يمكن أن نتخيل سيرورة هذا الأخير من دون عملية التسوية، ومن دون طلب العون الائتماني الذي يعد الحساب البنكي في شقه للاطلاع الإطار العام لإرتسامه.

في حين الحساب لأجل ليس عقدا مستمرا بل عقد ينقضي بحلول أجله. ونرى أن هذا مردود إلى الغاية التي يحققها، غاية تتجلى في توظيف الأموال المودعة، فالمودع أو الزبون يضع مجموعة من الأموال لدى البنك من أجل ربح الفوائد المستحقة عليها، في مقابل ذلك يتخذ البنك من تلك الأموال وسيلة لمنح القروض لزبناء جدد، ومعلوم أن عملية التوظيف المذكورة محصورة بأجل،بما يسمح لصاحب تلك الأموالمن توظيفها في مجالات أخرى،كالاستثمار في المجال العقاري أو غيرها من المجالات التي تمكنه من تحصيل ربح أكبر بالمقارنة مع الربح الذي يجنيه من فوائد الإيداع.

ثالثا: من حيث النطاق

عقد الحساب لأجل في الغالب يكون متفرعا عن الحساب بالاطلاع، لكون هذا الأخير يعد السياج العام لمختلف العمليات المنسوجة بين البنك وزبونه، مما يعني بداهة أن الحساب بالاطلاع أوسع وأشمل نطاقا بالمقارنة مع الحساب لأجل، وأبرز دليل على ذلك يتجلى في كون الودائع التي تدرج بالحساب لأجل غالبا ما تحول إليه من الحساب بالاطلاع[16].

وفي السياق ذاته نعتقد أن العمل على خلق الازدواجية في تمويل التاجر أمر في غاية من الأهمية، بحيث سيكون الحساب الجاري البنكي مهتم بعملية التسوية في حين سينسحب الحساب لأجل إلى توظيف الحاصلات والمكاسب المقبوضة برسم نشاط الحساب بالاطلاع.

بقي سؤال تعمدنا صراحة طرحه في هذا المستوى يكمن في مصير الأموال المودعة عند إنقضاء أمد الحساب لأجل؟

الجواب على هذا السؤال في نظرنا لا يخرج عن فرضيتين، تتمثل الأولى في أنه عند إنصرام أمد الحساب لأجل، فإن الأموال المودعة به ترجع للحساب بالاطلاع ما دام أنه مصدرها كما بينا مسبقا.

أما الفرضية الثانية فتتجلى في الإمكانية المخولة لصاحب هذه الأموال، بحيث يمكن له تجديد الحساب لأجل طبقا لمحتوى المادة 506 من مدونة التجارة[17].

المطلب الثاني: عناصر اتفاقية الحساب بالاطلاع

تقوم اتفاقية الحساب بالاطلاع على العديد من العناصر، من دونها لا يمكن لها أن تفرز آثارها القانونية، وتنقسم إلى عناصر إرادية (الفقرة الأولى) وأخرى مادية سنخصص لها(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العنصرالارادي

المقصود بهذا العنصر اتجاه نية الطرفان إلى الاشتغال بالحساب البنكي من أجل تسوية المعاملات المتبادلة بينهما، فالزبون عندما يتجه إلى المؤسسة البنكية سواء كانت عامة أو خاصة، من أجل فتح حساب بنكي لكون ذلك يدخل في حقل الالتزامات القانونية التي وضعها المشرع على كاهله، تتشكل بداخله رغبة نابعة من إرادته الخالية من كل الشوائب التي قد تشوش عليها، وهي إرادة تتجه مباشرة إلى القبول بالعلاقة التعاقدية التي تربطه بالمؤسسة البنكية، هذه العلاقة تتجلى في التزام الطرفين ببنود الاتفاق دون الإخلال بذلك تحت طائلة الجزاءات التعاقدية والقانونية الواردة في هذا الباب.

كما أن البنك عندما يعرض على أنظار زبونه وثيقة التعاقد يكون قد عبر فيها عن رغبته في الاشتغال بكل ما تتضمنه من التزامات وما تشتمل عليه في طياتها من آثار عديدة،وهو ما يخولنا صراحة استنباط أن وثيقة الحساب بالاطلاع تحرر بشكل مسبق وفي قالب نموذجي يعمل البنك على تضمين فحواها بما يشاء من بنود تخدم مصالحه، مما يطرح على البساط العملي مسألة انكماش دور إرادة الزبون في تأليف الوثيقة، بل إن إرادة هذا الأخير تتجلى في التوقيع لا غير، وهو ما يجعل منه خاضعا للغلو الذي تلوح بشاراته المؤسسات البنكية المغربية.

الفقرة الثانية: العنصر المادي

يتجلى العنصر المادي لاتفاقية الحساب بالاطلاع في المدفوعات، وللإحاطة بجوهرها سنعمل بداية على تحديد المقصود بها (أولا) ثم نقوم برصد شروط الاعتداد بها (ثانيا).

أولا: المقصود بالمدفوعات

يطلق مفرد المدفوعات على نتائج العمليات المتبادلة بين البنك والزبون، فهي كل العمليات التي يتم تبادها بين طرفي اتفاقية الحساب البنكي[18]، بحيث تعد العنصر الضروري لبقاء الحساب في حالة اشتغال، فبدون مدفوعات ستعمد المؤسسة البنكية إلى إغلاقهبعد إخطار الزبون بذلك.

وواجب علينا التأكيد على أن المدفوعات التي نحن بصدد دراستها تتخذ شكل عمليات تترجم داخل الحساب الجاري إلى أرقام دائنة وأخرى مدينة، ومنه لا ينبغي أن نفسرها تفسيرا لا تحتمله، كأن يتم فهمها على أساس أنها تتمثل في بضائع أوسلع، لكون هذه الأخيرة لا تعد مدفوعات في نظر القانون، بل قيمة البضائع أوالسلع المذكورةهيالتي تصلح لوصفها بالمدفوعات القيدية سواء الدائنة أو المدينة.

وتترجم العمليات المتبادلة داخل الحساب الجاري في شكل مجموعة من المفردات المحاسبية تتجزأ بين ضلع الدائنية وضلع المديونية، بما يسهل عملية إجراء المقاصة ومنه تحقيق التسوية التي ينشدها هذا النوع من الحسابات البنكية.

بقي أننشير إلى أن المدفوعات التي تتحول في وعاء الحساب الجاري إلى مجموعة من المبالغ المالية القيدية، يتعين أن تستجمع العديد من الشروط الآزمة للأخذ بها كما سنوضح في النقطة الموالية.

ثانيا:شروط الاعتداد بالمدفوعات

جاء فيما سبق توضيح أهمية العنصر المادي كأحد أهم عناصر اتفاقية الحساب بالاطلاع إلى جانب العنصر الإرادي، لكن ينبغي الانتباه إلى كون العنصر المادي المتمثل في المدفوعات يتطلب توافر العديد من الشروط فما هي إذن؟

يمكن حصر الشروط المذكورة في التالي:

أ) تماثل المدفوعات

تتعدد المدفوعات داخل الحساب الجاري لكن هذا التعدد لا يطرح إشكال عملي ما دام أن العمليات التي تدخل الحساب تترجم في شكل قيودات محاسبية دائنة أو مدينة، وتعبر بذلك عن اشتغال الحساب البنكي،لأنه من دون هذا التبادل سيتوقف الحساب وسيمر إلى مرحلة التصفية ومنه الإقفال[19].

والمقصود بتماثل المدفوعات أنها متشابهة غير مختلفة بما يساهم في تسريع إنجاز المقاصة بين ديون طرفي الحساب أي البنك والزبون، فالمدفوع قد يكون ناجم عن خصم ورقة تجارية أو عن فوائد لكن بمجرد دخوله حظيرة الحساب الجاري يفقد صلته بالعملية التي تولد عنها.

من قبيلتحصيل كمبيالة لفائدة الزبونمن قبل المؤسسة البنكية بقيمة10.000 درهم ناتجة عن بيع منقول، ففي هذه الحالة سنقيد فقط قيمة عملية بيع المنقول المذكورمن دون أن نأبه لطبيعة العملية أي البيع، لأن شرط التماثل يتطلب أن يتعلق الأمر بالنقود دون سواها من القيم الأخرى.

ب) أن يكون المدفوع غير متنازع بشأنه

مفاد هذا الشرط أن المدفوعات التي ستدخل الحساب الجاري يتعين أن تكون ناجمة عن ديون أكيدة غير متنازع بخصوصها، بل ثابتة في محرر يجعلها في انفصال تام عن الشكوك والاعتراضات الخارجية. ولعل هذا يعزىإلى أن المدفوع عند إلقائه في حظيرة الحساب سيتحول إلى قيد محاسبي لا يمكن إخراجه من أجل التنازع حوله، لأن العملية تخضع لنظام التجديد الذي يفصل المدفوع عن سبب نشأته.

هكذا يتضح أن المدفوع الذي سيتحول إلى مفرد محاسبي يتعين ألا يكون محل منازعة لأنه لو كان كذلك لا يمكنه دخول الحساب الجاري للزبون،أما إذا كان في وضع التنازع فهنا يتعين صدور حكم نهائي بخصوصه أو التنازل عنه[20].

ج) تبادل المدفوعات

من شروط الاستمرار في الاشتغال بالحساببالاطلاع نجد شرط تبادل المدفوعات، ومعناه قيام كل من الزبون والبنك بتزويد الحساب بنقود قيدية تتحول بفعل دخولها الجدول المحاسبي الممسوك من قبل البنك إلى مفردات محاسبية، لأنه من شروط العمل بهذا الحساب كما أشرنا إلى ذلك نجد تناوب كل من البنك والزبون على مركزي الدافع والقابض بما يسهل مأمورية إجراءالمقاصة المتسارعة بين طرفي الحساب الذي تتشابك بداخله المفردات الحسابية سواء تلك التي يمتلكها الزبون أو تلك الراجعة ملكيتها للبنك.

بقي أن أشير في هذا الصدد إلى أن بعض الفقه يتجه إلى حدود إضافة شرط آخر يلقى تجسيده في تشابك المدفوعات، الذي ينسحب من حيث المضمون إلى أن تلك المبالغ المقيدة سواء بضلع الدائنية أوالمديونية تتداخل فيما بينها في خانة الرصيد المؤقت.

لكن هذا الشرط عبارة عن نتيجة مباشرة لشرط تبادل المدفوعات، لأن هذا الأخير يترتب عليه بشكل أوتوماتيكي تشابك المدفوعات داخل الجدول الحسابي[21]، وعليه لا فائدة ترجى من التطرق إليه لكونه ضرب من التكرار لا غير.

د) تسليم المدفوعات على سبيل التمليك

من ضمن الشروط الضرورية لصحة اتفاقية الحساب الجاري نجد شرط تسليم المدفوعات على سبيل التمليك[22]، أي أن البنك مثلا عندما يبادر إلى منح مبلغ إلى الزبون عبر وضعهبالجانب الدائن لهذا الأخير، فإن قيامه بذلك يكون على سبيل التمليك، أي أن ملكية المبلغ تتحول من البنك إلى زبونه.

ونفس الأمر ينطبق كذلك على الزبون فعند تسليم هذا الأخير لمبلغ معين ناجم عن عملية ما، فإن ذلك يكون على سبيل نقل الملكية إلى بنكه الذي سيتملك قيمة المدفوع.

وفي ظل ما تم توضيحه، يتعين التأكيد على أن المدفوعات التي لا تسلم على سبيل التمليك لا تشكل مدفوعات بالمعنى القانوني الدقيق،مما يرتب عدم قابليتها لولوج الحساب ومنه الاندماج مع باقي المبالغ المودعة به إثر العمليات السابقة المنجزة بين طرفي الحساب البنكي.

بعد تبسيط المقصود بعناصر اتفاقية الحساب بالاطلاع وتحديد شروطها ننتقل الآن لدراسة أهم الآثار التي تسفر عنها هذه الاتفاقية، وهو ما سيكون موضوع المبحث الثاني.

المبحث الثاني: آثار اتفاقية الحساب بالاطلاع

لا نقاش حول حقيقة مفادها أن لكل عقد آثاره التي ينفرد بها وتجعله يتميز عن بقية التعاقدات المنسوجة في مختلف المجالات، ولا تخرج اتفاقية الحساب بالاطلاع من هذا المنطق، ذلك أنها ترتب العديد من الالتزامات القبلية والبعدية على البنك (المطلب الأول) وعلى الزبون الملزم قانونا بالتعاقد (المطلب الثاني) علاوة على أن آثارها تشمل كذلك المدفوعات المتبادلة عند حركية الحساب بالاطلاع (المطلب الثالث).

المطلب الأول: التزامات البنك

قبل فتح الحساب البنكي بصفة عامة والحساب بالاطلاع بصفة خاصة، تقوم المؤسسة البنكية بالعديد من الإجراءات الضرورية التي أصبحت عرفا بنكيا لا محيد عنه في هذه المرحلة الحاسمة. فلما كان الائتمان يقوم على العديد من المخاطر من ضمنها عدم الحصول على المبالغ المقدمة سواء كليا أو جزئيا، فإنه من الواجب على مانح هذا الائتمان أن يتخذ ما يراه مناسبا من إجراءات يرنو من خلالها إلى تحصيل حقوقه عند حلول أجل استحقاقها.

وفي سياق تبيان الالتزامات الملقاة على البنك برسم فتح الحساب البنكي، يمكن أن نميز بين التزاماته قبل فتح الحساب المذكور (الفقرة الأولى) والتزامات تترتب بعد فتحه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التزامات البنك قبل فتح الحساب بالاطلاع

تتعدد التزامات البنك قبل فتح الحساب، تروم بالأساس ضبط كل المعلومات المتعلقةبطالب التعاقد، الذي يمكن أن يكون شخص ذاتي أو معنوي، مما يجعل من البنك ملزما باتخاذ تدابير تتناسب مع كل زبون يرغب في التعامل معه على حدة.

وبناء على ما ذكر سنحدد التدابير التي يتخذها البنك عندما يكون طالب التعاقد شخص طبيعي (أولا) وعندما يتعلق الأمر بشخص معنوي (ثانيا).

 

أولا) التدابير المتخذة برسم الشخص الذاتي

يقوم البنك برسم فتح الحساب الجاري بالعديد من الإجراءات التي تدخل في صميم المهام المنوطة به قانونا، ومن ضمنها ضرورة التحقق من هوية طالب فتح الحساب، لأن ذلك سيمكن المؤسسة البنكية من معرفة كل المعلومات المتعلقة بالزبون المستقبلي، من قبيل معرفة اسمه الشخصي والعائلي وموطنه الحقيقي الذي يشكل بيانا ضروريا لا سيما فيما يتصل بالالتزام الملقى على عاتق البنك والمتمثل في إرسال الكشف المحاسبي للزبون كل ثلاثة أشهر[23].

كذلك يتعين أن يعمل الزبون على تزويد البنك بكل الوثائق المتعلقة بنشاطهورقم تسجيله في السجل التجاري بالإضافة إلى بيانات أخرى تنور إرادة المؤسسة البنكية.

هذا ونشير إلى أن البنك ملزم بالتحقق من كل الوثائق التي تعرف بالشخص الذاتي الذي يرغب في الاشتغال بالحساب الذي نحن بصدد دراسته، ويعتمد في ذلك على بطاقة التعريف الوطنية أو أي وثيقة رسمية أخرى كرخصة السياقة أو جواز السفر والتي تسهل تشكيل معلومات مضبوطة عن صاحبها، لأن عدم التحقق من البطائق المذكورة قد يثير مسؤولية البنك لكونه ملزما بضرورة الاستعلام والتحري قبل فتح أي حساب كان.

ثانيا) التدابير المتخذة برسم الشخص المعنوي

إن تنصيص المادة 18 من مدونة التجارة على إلزام كل تاجر بفتح حساب بنكي لا يقتصر من حيث السريان على الأشخاص الذاتيين بل يشمل كذلك الأشخاص المعنوية، ومعناه أن كل شخص معنوي يتعين عليه اللجوء إلى مؤسسة ائتمان لعقد اتفاق بينهما يسفر عن فتح حساب يمثل الإطار العام لباقي العقود البنكية الأخرى.

ومن هنا يتوجب على مؤسسة الائتمان أن تتحقق من كل البيانات المتعلقة بالشخص المعنوي،كالشركات التجارية التي يشملها القانون 5.96 المتعلق بشركة التضامن و شركة التوصية البسيطة والتوصيةبالأسهم، وكذا شركة المسؤولية المحدودة بنوعيها، وشركة المساهمة التي تخضع للقانون 17.95، أو وكالات الأسفار التي تخضع للقانون 11.16[24] حيث أن البنك يطلب من الممثل القانوني للأشخاص المعنوية المجرودة على سبيل المثال أعلاه تقديم معطيات حول الشكل القانوني للشخص المعنوي و تسميته و مقره الاجتماعي و الغرض الذي تأسس لتحقيقه، والشخص أو الأشخاص الطبيعيون المسند إليهم أمر تسييره والاشتغال بالحساب البنكي، وأيضا رقم التقييد في السجل التجاري ورقم الضريبة على الشركات و غيرها من المعطيات[25].

كما أن قيام مسؤولية البنك إثرالإخلال بواجبه الاستعلامي، جعل منه يتعامل بنوع من الصرامة مع الشخص المعنوي، ويتمثل ذلك في أنه يطلب من الممثل القانوني ضرورة إيداع نسخة من النظام الأساسي، هذا الأخير يشكل مرآة للوضع الحقيقي للشخص المعنوي المتعاقد معه.

بقي أن نثير إشكال مهم يتعلق بالحالة التي يتجاوز فيها الممثل القانوني لصلاحياته المدرجة في النظام الأساسي، فهل هنا تقوم مسؤولية البنك إزاء الشركة وإزاء الغير؟

نعتقد أن الجواب سيكون بالإيجاب لأن البنك يكون على دراية بكل المعطيات المضمنة في النظام الأساسي، لأنه وقبل فتح الحساب يطلب من الممثل القانوني نسخة من النظام المذكور وهو ما يعني بداهة أنه عالم بصلاحيات ممثل الشركة خاصة تلك التي تهم الاشتغال بالحساب البنكي.

لكن في بعض الأحيان قد يتجاوز المسير لتلك الصلاحيات المدرجة في النظام الأساسي بيد أنها تلزم الشركة في علاقتها بالغير ولا يمكن لها التحلل منها لكونها تدخل في مجرى تحقيق غرض الشركة، فهل في هذه الحالة تقوم مسؤولية البنك؟

نعتقد أن مسؤولية البنك تظل قائمة ولا يمكنه التجرد منها خاصة إزاء التجاوزات التي تطال الحساب الجاري، وإن كنا نأسف على قيام البنوك بإدراج شرط في اتفاقية الحساب يعفيها من المسؤولية في هذه الحالة[26]، لذلك نقترح على المشرع التنصيص على بطلان الاشتراطات التي تعفي الأبناك من المسؤولية إثر التجاوزات التي تطال الحساب الجاري.

الفقرة الثانية: التزامات البنك بعد فتح الحساببالاطلاع

بعد قيام البنك بكل الإجراءات المتصلة بفتح الحساب وتمام ذلك بشكل سليم، فإنه يترتب عن ذلك ابرام اتفاقية الحساب بالاطلاع التي ترتب العديد من الالتزامات في مواجهته يمكن حصرها في الآتي:

أولا) ضبط العمليات التي تلج الحساببالاطلاع

يتوجب على البنك ضبط العمليات التي تلج الحساب الجاري، بما يساهم في تحقيق التسوية المرجوة من الاشتغال بهذا النوع من الحسابات[27].

وضبط العمليات التي تدخل الحساب يتم بداهة عبر قيام البنك بتقييد كل عملية على حدة، من دون زيادة أو نقصان، ويتمظهر الضبط المذكور في الجدول المحاسبي الذي يعتبر اللوحة الشفافة التي ترتسم فيها كل الحقوق المرتبطة بالعمليات الملقاة بوعائه.

ويترتب على عدم ضبط العمليات قيام نزاع لا محالة، بموجبه يتسنى للزبون التعرض على العمليات غير المضبوطة الواردة في مستخرج كشف الحساب المرسل إليه كل ثلاثة أشهر.

مقال قد يهمك :   العدول الجدد يرفضون مطالبتهم بمبالغ مالية للانخراط في المجالس الجهوية

ومن الآليات المخولة للزبون لإلزام البنك بضبط العمليات التي تترجم إلى مبالغ مالية مجزأة بين ضلعي الدائنية والمديونية، نجد دعوى تصحيح الحساب، التي تمكنه من التوجه إلى البنك المعني من أجل اعلامه بكون أحد المفردات المحاسبية التي قيدت غير صحيحة، ففي هذه الحالة يجب على البنك إعادة النظر في القيودات التي أجراها بمناسبة عملية معينة، لأن امتناعه عن القيام بذلك عبر تصحيح العملية من شأنه أن يجعل الزبون يرفع النزاع إلى المحكمة للفصل فيه.

ثانيا) ارسال مستخرج كشف الحساب إلى الزبون

لكي نضع القارئ الكريم في الصورة الحقيقة لهذا الالتزام، لابد من تحديد المقصود بالكشف المحاسبي بداية، لأن ذلك مهم في سياق فهم دوره على مستوى إثبات حقوق أطراف اتفاقية الحساب بالاطلاع.

ويمكن تعريف الكشف المحاسبي على أنه مجموع العمليات المتبادلة بين البنك والزبون المجزأة بين أضلاع الحساب بالاطلاع. وبصيغة أوضح يقصد بالكشف المحاسبي كل الأوراق التجارية وكل التحويلات والفوائد التي تلج الجدول المحاسبي[28].

يتضح من خلال التعريف المساق أعلاه أن الكشف المحاسبي هو عبارة عن جدول ممسوك من قبل البنك يتضمن العديد من المعطيات المضبوطة برسم العمليات المقيدة به، مما يسهل على أطراف التعاقد معرفة ما لهم وما عليهم من ديون، كما يساهم كذلك فيإثبات الحقوق عند قيام نزاع معين.

وبحكم الأهمية التي يكتسيها هذا الكشف فقد ألزم المشرع البنك بضرورة ارسال مستخرج منه للزبون، هكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 491 من مدونة التجارة على أنه:” توجه نسخة من الكشف للزبون كل ثلاثة أشهر على الأقل”.

ومن ذلك يتضح أن ارسال مستخرج كشف الحساب للزبون يعتبر من التزامات البنك التي تقوم إثر فتح الحساب البنكي الجاري، وبالتالي فإن التخلف عن إتيان ذلك لمن شأنه أن يلحق الضرر بالزبون ويجعل المستخرج المذكور لا يحقق الفائدة التي كانت ترجى منه، والتي تتمثلبالأساس في الحصانة الثبوتية التي يكتسبها[29].

غير أن ما استوقفنا صراحة عند تحليل هذه النقطة يكمن في المدة التي ترسل فيها المستخرجات المحاسبية، بحيث نرى أن ثلاثة أشهر مدة جد طويلة، ولن تساعد الزبون في ضبط العمليات التي تلج الحساب الجاري، خاصة في ظل التراخي الذي يستحوذ على غالبية التجار المغاربة بمناسبة مسك المحاسبة بشكل منتظم.

وفي سياق تفادي كل المشاكل المرتبطة بإرسال مستخرج كشف الحساب إلى الزبون نقترح على المشرع المغربي الحلول التالية:

أولا:التنصيص في الفقرة الثانية من ذات المادة على وجوبية إرسال الكشف المحاسبي وإرفاق ذلك بجزاء يترتب على الامتناع عن ارساله، لأن الواقع العملي يفيد أن البنوك لا تحترم الأجل المحدد في المادة 491 من مدونة التجارة.

ثانيا:إلزام البنك بإرسال الكشف المحاسبي داخل أجل 15 يوما أو 30 يوما عوض 90 يوما لأن هذا الأجل الأخير جد طويل وسيخلق نوع من الصعوبة للزبون بشأن تتبع العمليات المقيدة بالحساب سواء المقيدة لفائدته أو لفائدة البنك.

المطلب الثاني: التزامات الزبون

بمجرد ابرام اتفاقية الحساب بالاطلاع فإن آثارها تمتد لتشمل عاقديها، ومن ضمنهم نجد الزبون الذي يلتزم بتغذية الحساب بالمدفوعات المالية (الفقرة الأولى) بالإضافة إلى تقيده بمسك الكشوفات المحاسبية المرسلة إليه من قبل البنك (الفقرة الثانية) بيد أن الوفاء بالالتزام يستحيل في بعض الأحيان بحكم قوة قاهرة تحول دون تحقيق ذلك، لذلك آثرنا في هذا المقام حشر تداعيات جائحة كوفيد – 19 على التزامات الزبون لتحديد مدى جواز مساءلته أو إعفائه في هذه الظرفية المريرة التي هزت كيان أعتى النظم العالمية استقرارا وجعلتنا كباحثين في مجال المال و الأعمال نتحسر عن مآل الاقتصاد المغربي الذي يدنو يوما بعد يوم (الفقرة الثالثة)

الفقرة الأولى: تغذية الحساب بالاطلاع

تغذية الحساب تتم عبر ضخ الزبون العديد من المبالغ المالية به، لأن ذلك يدخل في صميم الالتزامات التي يتوجب عليه الوفاء بها، فإذا تخلف عن ذلك سيساهم قطعا في إغلاق الحساب وتشكيل الرصيد النهائي الذي يترجم دينا غالبا ما يكون البنك هو المستفيد منه.

كما أن تغذية الحساب تشكل أحد أهم العناصر المادية لاتفاقية الحساب بالاطلاع[30]، من دونها لا نتصور استمراره في القيام بنشاطه المتمثل في تسوية العمليات، هذه التسوية نتكلم عنها إذا وجدت مبالغ مالية أو مدفوعات بالحساب، أما إذا تغيبت فإن ذلك يعني الحكم على التسوية بالموت ومنه الحكم على الحساب بالدفن.

الفقرة الثانية: مسك مستخرج كشف الحساب بانتظام

إذا كان من صميم المهام المنوطة بالأبناك ارسال مستخرج كشف الحساب إلى الزبون داخل الآجال المقررة قانونا كما رأينا مسبقا، فإن ذلك يرتب التزاما مباشرا يقع عليه يتجلى في ضرورة مسك هذه المستخرجات بانتظام، لأن ذلك يدخل في صميم واجباته المترتبة عن مزاولته لأحد الأنشطة التجارية طبقا لأحكام الكتاب الأول من مدونة التجارة والمتمثلة في مسك محاسبة منتظمة، بحيث جاء في المادة 19 ما يلي: “يتعين على كل تاجر أن يمسك محاسبة طبقا لأحكام القانون رقم 88.9 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها…”

وتزداد أهمية مسك الوثائق المحاسبية مع ارتقاء المشرع بها إلى مصاف الوثائق التي تتمتع بقوة ثبوتية، هكذا جاء في الفقرة الثانية من المادة 19 من مدونة التجارة:”إذا كانت تلك المحاسبة ممسوكة بانتظام فإنها تكون مقبولة أمام القضاء كوسيلة إثبات بين التجار في الأعمال المرتبطة بتجارتهم”.

وعلاوة على ما تبين، نعتقد أنه من مصلحة الزبون مسك محاسبة منتظمة، لا سيما مسك مستخرج كشف الحساب المرسل إليه، هذا الأخير سيخول له الاطلاع على كل العمليات التي قيدت له أوالتي قيدت عليه، وإذا أغفل عن مراقبتها قد يلحق الضرر بنفسه، خاصة مع تنامي الأخطاء في مجال تقييد العمليات. ومثاله قد يسحب الزبون شيك قدره 10.000 درهم، فيبادر البنك بالخطأ إلى تقييد 20.000 درهم بالجانب المدين ناتجة عن سحب الشيك المذكور.

ففي هذا المثال الذي أعطيناه البنك وقع في الخطأ عبر تقييده مبلغ 20.000 درهم عوض 10.000درهم، مما يعطي الحق للزبون لمطالبته بتصحيح الحساب وإلا التوجه إلى القضاء للفصل في النزاع، ومن هنا تظهر أهمية مسك المحاسبة بشكل منتظم لأنها تحصن حقوق الملزم بها من الناحية القانونية.

الفقرة الثالثة: تأثير جائحة كوفيد – 19 على التزامات الزبون

جاءت جائحة كوفيد– 19 لتحطم الآمال وتنحر الأحلام وتهز كيان أعتد الاقتصاديات العالمية، فهي جائحة فجائية غير متوقعة ظهرت في الصين لتنتشر بعده في رمشة عين عبر سائر أنحاء العالم.

والأكيد هو أن للجائحة المذكورة آثار وخيمة على كل المجالات سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها كثير لا يمكن لنا عده أو تعداده في هذا الرواق الضيق، لكن وبحكم أننا الآن في مجرى مقاربة التزامات الزبون برسم فتح الحساب البنكي سنحاول بحول الله تعالى رصد أوجه تأثير الجائحة على هذه الالتزامات.

وفي سياق التطرق لما ذكر لا مناص من التلميح بداية للتكييف القانوني لهذه الجائحة، ولأجل ذلك نقترح قراءة ماعنة في مضمون الفصل 269 من ق إ ع الذي جاء فيه:” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف؛ والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقدم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لذرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.

يتضح إذن من هذا الفصل أن القوة القاهرة أمر غير متوقع ويجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا ولا يمكن دفعه. والسؤال الذي يطرح في هذا المقام يجد أساسه في هل تخلف الزبون عن تغذية الحساب نظرا لتوقف نشاطه التجاري بسبب تفشي وباء كورونا يعتبر قوة قاهرة تجعله يعفى من تحمل المسؤولية؟

إذا ما أعدنا النظر في الفصل 269 الماثل أعلاه لا يسعنا إلا تأكيد حقيقة فحواها أن وباء كوفيد – 19 غير متوقع كما أنه غير متحكم فيه مما يعني أنه لا يمكن للمدين دفعه، ولا يعود لخطأ هذا الأخير.

وبناء على ما تقدم نرى أن التكييف القانوني للجائحة اللعينة ينجلى في القوة القاهرة، وبالتالي يمكن للمدين التحلل من التزاماته طبقا للفصل 268 من ق إ ع[31].

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد يتجلى في هل مدونة التجارة تشير إلى القوة القاهرة كسبب يخول للزبون التحلل من المسؤولية إثر عدم تغذية الحساب البنكي؟

إن الجواب على السؤال المذكور سيكون بالنفي (لا) لأن المقتضيات المنظمة لعقد الحساب بالاطلاع أو تلك المنظمة لعقد الحساب لأجل لا تتضمن في طياتها مفهوم القوة القاهرة، مما يجعل العودة إلى القواعد العامة المتمثلة في قانون الالتزامات والعقود أمر وارد وبقوة.

ومن هنا نرى أن مفهوم القوة القاهرة الوارد في قانون الالتزامات والعقود يمكن ترحيله إلى الميدان التجاري ما دام أن المدونة لم تتكلم عن ذلك.

وبناء على ما ذكر يمكن القول أن تعرض الزبون إلى أزمة اقتصادية تسببت فيها جائحة كوفيد – 19 وجعلت منه مخلا بالتزاماته لا سيما تلك المنبثقة عن اتفاقية الحساب بالاطلاع والمتمثلة أساسا في تزويد الحساب بمبالغ مالية أو مدفوعات، تجعله لا يتحمل المسؤولية، وبالتالي عدم اقدام البنك على غلق الحساب بعد مضي الأجل المقرر لذلك وقبله بعد اخطار الزبون المعني بالإغلاق[32].

بقي أن نشير إلى مسألة مهمة تتمثل في الدور الذي يلعبه الاعتبار الشخصي في هذه الظرفيات، بحيث إذا كان الزبون الذي يواجه أزمة يتمتع بثقة البنك فإن هذا الأخير سيتخذ جميع التدابير لمعاونته على انتشال نفسه من شبح اندثار نشاطه التجاري، أما إذا لم يكن يحظى بثقة البنك فإن ذلك قد يثير العديد من الإشكاليات مادام أن المادة 503 من المدونة خولت للبنك الحق في غلق الحساب بشكل ارادي بعد توجيه اشعار للزبون بذلك، ومعلوم أن البنك لا يمكن له اتخاذ إجراء كهذا إلا إذا كان الزبون المتعاقد معه لا يتمتع بسمعة جيدة على صعيد الائتمان.

المطلب الثالث: آثار اتفاقية الحساب بالنسبة للمدفوعات المتبادلة

لا تنحصر آثار اتفاقية الحساب بالاطلاع في الالتزامات المترتبة على أطرافها، وإنما تمتد لتشمل حتى الديون التي تشكل المحرك الأساسي للحساب، والمقصود بذلك أن الديون التي يتم تبادلها بين البنك والزبون تعرف تغييرا يلحق كيانها مما يجعلها تدخل في غمار نظام قانوني جديد متسم بكم وافر من الضمانات القانونية.

إن التغيير الذي يطال المدفوعات أو الديون المتبادلة بين طرفي الحساب البنكي، ناجم عن نظام مبتكر في المجال التجاري يعرف بنظام التجديدالذي يعني أن الدين أو المدفوع يجرد من نظامه القديم ويترجم داخل الحساب في شكل مفردات حسابية إما دائنة أو مدينة، ومعنى ذلك أن نظام التجديد يهدف بالأساس إلى ترجمة الديون إلى مبالغ مالية من أجل تسهيل حركية الحساب.

ويمكن حصر آثار اتفاقية الحساب بالاطلاع بالنسبة للمدفوعات المتبادلة فيما يلي:

الفقرة الأولى: تغيير طبيعة المدفوعات

إن دخول الدين الأصلي إلى عالم الحساب الجاري يجعله يفقد هويته[33]، ويعزى ذلك إلى التجديد أو شبه التجديد الذي يجعل الدين المذكور يجدد من خلال ارتدائه هنداما جديدا يأذن له فيما بعد بولوج أحد أضلاع الحساب ومن تم حصول المقاصة التي تتجلى في خصم المبالغ المقيدة بضلع الدائنية من المبالغ المقيدة بضع المديونية، فيترتب عن هذه العملية نتيجة محاسبية تظهر في خانة الرصيد المؤقت الذي يترجم بدوره دينا لأحد أطراف الحساب، أي إما أن يكون البنك هو الدائن بالمفردات أو المدين بها ونفس الأمر ينطبق على الزبون. وتجريد الدين الأصلي له عدة آثار، إذ أنه مثلا بمجرد دخول الدين المذكور وتجدده عبر اتخاذه شكل مبلغ مالي، يجعل من تقادم الدين الأصلي يتوقف، وهذا معناه أن تحول الدين الأصلي يفرز نتيجة جد هامة تتجلى في وقف التقادم الذي يسري عليه[34].

فلنفترض مثلا أن الدين الأصلي يتجلى في ورقة تجارية؛ كالكمبيالة التي تخضع للتقادم الصرفي الذي يعرف بكونه تقادما قصيرا، فإن تحول الكمبيالة إلى مبلغ مالي أو مفرد حسابي،يجعل منها خاضعة للتقادم العادي الذي ينطلق مضماره عند إقفال الحساب لسبب من الأسباب[35].

وعلاوة على ما تقدم نسجل في غمار هذه الدراسة، بزوغ أثر آخر من آثار تجدد الدين ويتمثل في الفوائد، حيث أنه إذا كانت الفوائد التي تسري على الدين قبل دخوله الحساب الجاري تحسب بالسعر المدني فإن تحول الدين المذكور إلى مبالغ مالية قيدية يجعل منها تخضع لنظام الفوائد التي تحتسب على أساس السعر التجاري.

بقي سؤال في ختام تناول هذه النقطة يتعلق بالاختصاص، لكن ومن دون كبير عناء يمكن القول أن الدين الأصلي يخضع للقضاء العادي، تم بعد تجدده عبر اتخاذه شكل مبلغ مالي يلج الحساب ويتشابك مع باقي المبالغ الأخرى يصبح تجاريا وبداهة يخضع للقضاء التجاري في حالة قيام نزاع، لأن العقد أصلا تجاري والمتمثل في عقد الحساب بالاطلاع الذي يعد من ضمن أهم العقود التجارية التي يعود اختصاص الفصل فيها للمحاكم التجارية طبقا للمادة الخامسة من الظهير المحدث لهذه المحاكم.

الفقرة الثانية: انقضاء المطالبات والضمانات المرتبطة بالمدفوعات

من ضمن الآثار المهمة التي تترتب عن تحول الدين الأصلي إلى مفرد حسابي وولوجه الحساب الجاري نجد انقضاء الدعاوى والضمانات المتعلقة به[36]، وهذا ليس بغريب ما دام أن قواعد الاشتغال بالحساب البنكي المذكور تقتضي ذلك، إذ نجده محكوم بالعديد من المبادئ الجوهرية،يبقى أهمها مبدأ عمومية الحساب الجاري الذي يرتب بشكل آلي عدم وجود المكنة للمطالبة بالدين الأصلي بعد تجدده.

هكذا إذن يمكن القول أن الحق في المطالبة بالمدفوع بعد تجدده يعد و العدم سيان[37] لأن بنود الاتفاق واضحة ولا تحتاج الإيضاح بما قد يشوش على فهم أبعاده.

كما أن عدم وجود القابلية للمطالبة بالمدفوع يسهل أمر اشتغال الحساب الجاري وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوة منه والمتمثلة في تسوية العمليات و تمويل صاحب الحساب الذي يزاول نشاطا تجاريا  بشكل معتاد يجعله في حالة طلب دائم للتمويل البنكي وهكذا أدوار يضطلع بها الحساب الذي نحلل المقتضيات المنظمة له[38].

ولتوضيح هذه الفكرة سنعطينازلةتيسر ذلك، تتمثل في قيام الزبون بتوجيه أمر إلى البنك من أجل بيع منقول معين ووضع ثمنه المقدر مثلا بحوالي 10.000 درهم بالجانب الدائن.

ففي هذه الحالة سيقوم البنك بتقييد مبلغ 10.000 درهم بالجانب الدائن الناتج عن بيع المنقول الذي تم عبر الوكالة بالعمولة، وبعد تقييد المبلغ المذكور بالحساب لا يمكن للزبون رفع دعوى من أجل المطالبة به، وهذا ناجم عن تجدد الدين الأصلي، وهو في هذا المثال الذي أعطيناه يمثل عملية بيع المنقول (الدين الأصلي)، لكن بعد تجدد العملية أي تقييد المبلغ فقط(الدين الأصلي بعد تجدده) لا يمكن المطالبة به لأن من آثار نظام التجديد أن دعوى الدين الأصلي يتم دفنها عند تقييد قيمته.

وعلاوة على ما تقدم نجد المادة 498 من مدونة التجارة تنص على ما يلي:” تنقضي الضمانات الشخصية أو العينية المرتبطة بالديون المحولة في الحساب إلا إذا حولت باتفاق صريح على رصيد الحساب “

يفهم من ذلك أن الضمانات التي تتصل بالدين لا يمكن لها أن تلج الحساب الجاري بفعل الأثر التجديدي، الذي يجرد الدين من سبب نشأته ومن كل الضمانات التي تحصن حق صاحبه، فإذا كان الدين الذي سيلج الحساب مضمون برهن رسمي مثلا، فإن هذا الرهن لا يمكنه أن يلج الحساب المذكور لأن الدين الأصلي سيتخذ شكل مبلغ مالي يسهل عملية اندماجه مع باقي المبالغ الأخرى.

لكن رغم ما تقدم فإن المشرع خول للبنك والزبون الاتفاق على إدراج هذه الضمانات برصيد الحساب، مما يشكل اعتراف من قبل المشرع لسلطان إرادة طرفي العقد البنكي.

وتجدر الاشارة إلى أن قانون الالتزامات والعقود كان له قصب السبق في ابتداع هذه الطريقة وإن كان ذلك في سياق مغاير للوضع المتعلق بالحساب بالاطلاع، وهو ما يمكن ملامسته من خلال تنصيصات الفصل 355 منه الذي جاء فيه: ” الامتيازات والرهون الرسمية الضامنة للدين القديم لا تنتقل إلى الدين الذي يحل محله إلا إذا احتفظ به صراحة …”.

وللتذكير فالفصل 355 من ق إ ع يتعلق بتجديد الالتزام جراء تغيير يطال عناصره فيحل محله التزام جديد، وحسب النص المفروش أعلاه، فإذا كان الدين الأول أو القديم مضمون بأحد الضمانات فإنها لا يمكن أن تنتقل إلى الالتزام الجديد، مع وجود الإمكانية لنقلها وذلك إذا تم الاتفاق على ذلك.

ويبدو أن المشرع في مدونة التجارة اقتبس هذه الحيلة من قانون الالتزامات والعقود عبر تخويل الإمكانية لنقل ضمانات الدين الأصلي إلى رصيد الحساب وذلك بموجب اتفاق صريح. 

المبحث الثالث: إغلاق الحساب بالاطلاع

رغم الدور الذي يلعبه الحساب البنكي في مستويات عديدة إلا أنه لا يسلم من الزوال، بحكل أسباب عديدة تم ذكرها في المادة 503 من مدونة التجارة، من قبيل الإرادة وانعدام الأهلية، الوفاة، التسوية والتصفية القضائية.

ويمكن التمييز في أسباب اقفال الحساب البنكي بين أسباب تعود إلى إرادة طرفي العلاقة التعاقدية (المطلب الأول) وأسباب لا تعود إلى الإرادة بقدر ما ترجع إلى تغيير قاهر يلحق وضعية إما البنك أو الزبون (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الاغلاق الارادي للحساب بالاطلاع

يمكن للزبون أو صاحب الحساب البنكي إغلاقه من دون قيود أو عراقيل قد تجعله يستنكف عن ممارسة حقه هذا (الفقرة الأولى) كما أن البنك يحق له إغلاق الحساب البنكي بإرادته وبصرف النظر عن إرادة الزبون، لكن مع ضرورة تقيده بشرط الاشعار كما سنوضح في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: غلق الحساب بمبادرة من الزبون

يحق للزبون غلق الحساب البنكي بإرادته من دون التقيد بأي شكلية معينة، ما دام أن المادة 503 من مدونة التجارة تعطي له الحق لممارسة ذلك.

وقد يرى البعض أن غلق الحساب البنكي في شقه للاطلاع بمبادرة من الزبون يجعله مخلا بمقتضيات المادة 18 من مدونة التجارة التي تلزم كل تاجر بفتح حساب بنكي، وكرد على ذلك نقول أن المادة المذكورة تتكلم عن التزام تجاري فقط يتعين على كل تاجر احترامه ولا تشير إلى عدم جواز إغلاق الحساب الجاري البنكي.

وعلاوة على ذلك، نرى أن تخويل صاحب الحساب إغلاقه، فيه تقوية لوضعيته في مواجهة المؤسسات البنكية، هذه الأخيرة تعمل من باب التنافس على اجتذاب الزبناء من خلال الخدمات التي تقدمها والتسهيلات التي تمنحها، ومنه فإعطاء الزبون الحق في غلق الحساب بالاطلاع لدى مؤسسة معينة والاقدام على فتح حساب جديد لدى مؤسسة أخرى غايته الأساسية عدم حرمانه من الاستفادة من العروض التي تقدمها الأبناء بالمغرب[39].

لكن يتعين الاتفاق على مسألة مهمة في هذا الصدد تكمن في أن غلق الحساب البنكي لا يعني بأي حال من الأحوال التحلل من منطوق المادة 18 من مدونة التجارة، بل إن الالتزام التجاري المضمن بها يظل ملاحقا للتاجر طيلة حياة نشاطه التجاري.

ومنه فإقدام زبون ما على غلق حساب بنكي يجعله ملزما بفتح آخر جديد يشكل الوعاء اللآزم لتسوية العمليات المتبادلة بينه وبين البنك المتعاقد معه.

الفقرة الثانية: غلق الحساب بمبادرة من البنك

إذا كان من ضمن الحقوق المخولة للزبون غلق الحساب بالاطلاع كما رأينا في الفقرة الأولى من هذا المطلب، فإن هذا الحق ممنوح كذلك للبنك، بحيث يمكنه غلق الحساب الذي يربطه مع الزبون المتعاقد معه في أي وقت.

إلا أن ما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد، يتجلى في كون حق البنك في غلق الحساب مقيد باحترام شكلية الاشعار على خلاف الزبون الذي يحق له ممارسة الاغلاق من دون أي إشعار يذكر، وهو ما يستفاد صراحة من المادة 503 من مدونة التجارة[40].

وفي تصورنا فإن الغاية من إلزام البنك بإخطار الزبون قبل الاغلاق تنجلي في تحصين مركز هذا الأخير، بمعنى حماية الزبون من الاغلاق الفجائي، مما قد يلحق الضرربه جراء توقف عملية التسوية التي تعتبر أساس الاشتغال بهذا النوع من الحسابات البنكية.

بعد كل ما تقدم يطرح سؤال يتعلق بشكل وأجل الاشعار الذي يوجهه البنك الراغب في الاغلاق إلى الزبون؟

إن الجواب على هذا السؤال لا يثير أية صعوبة ما دام أن المادة 503 من مدونة التجارة تحيل بخصوص الاشعار على أحكام الباب المتعلق بفتح الاعتماد، وبالضبط المادة 525 التي جاء في الفقرة الثانية منها:” لا يمكن فسخ الاعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفيض مدته إلا بعد تبليغ إشعار كتابي وانتهاء أجل يحدد عند فتح الاعتماد دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما”.

يتضح من ذلك أن الأمر يتعلق بإشعار كتابي يتعين على البنك توجيهه إلى الزبون ومنح هذا الأخير أجل لا يقل عن ستين يوما قبل ممارسة الاغلاق.

ونرى أن الاشعار الكتابي سيحقق فائدة للطرفين في حالة قيام نزاع، فلنفترض مثلا أن المشرع نص على الاشعار الشفوي بدل الاشعار الكتابي، ففي هذه الحالة ومن دون جدال سيدعي الزبون عدم توصله بالاشعار الواجب على البنك توجيهه قبل غلق الحساب، على خلاف الاشعار الكتابي الذي سيتحول إلى وسيلة إثبات في حالة قيام خصومة بين طرفي اتفاقية الحساب بالاطلاع.

بالإضافة إلى ذلك نعتبر أن أجل ستين يوما[41] الممنوح كمهلة للزبون لهو أجل ممتاز بحيث سيخوله الاتجاه إلى بنك آخر من أجل فتح حساب جديد يعمل على ضبط عملياته وتسويتها من دون اختلال أو ارباك قد يدحر توازنه.

المطلب الثاني:الاغلاق الغيرارادي للحساب بالاطلاع

لقد حددت المادة 503 من مدونة التجارة أسباب الاغلاق الغير ارادية للحساب بالاطلاع في الوفاة وانعدام الأهلية (الفقرة الأولى) والتسوية والتصفية القضائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الوفاة وانعدام الأهلية

تعتبر الوفاة أحد أسباب إقفال الحساب البنكي، لأنه لا يمكن الحديث عن استمرار العلاقة التعاقدية في هذه الحالة، وبالتالي فإذا توفي الزبون فإن ذلك يعني بداهة وفاة الحساب الجاري البنكي أيضا.

غير أن وفاة الزبون لا تعني غلق الحساب البنكي في جميع الحالات وإنما هنالك استثناء على ذلك يتجلى في توجيه الورثة طلب للبنك يعبرون فيه عن رغبتهم في إبقاء الحساب في حالة اشتغال، وفي هذه الحالة يصبح الحساب البنكي مملوكا للورثة[42].

ويتعين على هؤلاء الوفاء بالتزاماتهم المتمثلة في تغذية الحساب بمدفوعات متبادلة، لأن ذلك يدخل في صميم الالتزامات التي يرتبها العقد الذي يجمعهم مع البنك.

وإذا كانت واقعة الوفاة تعني غلق الحساب مالم يقرر الورثة خلاف ذلك، فإن انعدام أهلية الزبون يؤدي إلى نفس النتيجة، فمعلوم حسب القواعد العامة أن كمال الأهلية ركن ضروري لتمام التعاقد، وأن تخلفه يجعل العقد في حكم العدم، ومنه فإن حصول تغيير في أهلية الزبون يجعل من سبب الاغلاق قائما، وهنا لن يتردد البنك في إيقاعه والدفع بالحساب إلى محطة التصفية.

الفقرة الثانية: التسوية والتصفية القضائية

عمل المشرع في الكتاب الخامس من مدونة التجارة[43]على تحديد مساطر الوقاية ومعالجة الصعوبات التي تعترض نشاط الكيانات الاقتصادية، والغاية من ذلك الحد من تصفية المقاولات التي تشكل المرحلة الختامية في حياتها، وما يرافق ذلك من تقليص حجم الاستثمارات وتسريح الأجراء علاوة على تراجع دور المقاولات في تمويل التحملات العمومية.

ولن نغوص في هذه المساطر بقدر ما سنحاول تبيان وضعية الحساب بالاطلاع برسم فتحها من قبل المحكمة التجارية[44].

وفي السياق التطرق للتسوية والتصفية القضائية كسببين لإغلاق الحساب البنكينشير إلى التعارض الواقع بين مقتضيات مدونة التجارة، والذي يتجلى أساسا في أن المادة 503 منها تنص على أن التسوية القضائية تعتبرسببا لإغلاق الحساب البنكي، في حين المادة 586 تنص على أن نشاط المقاولة يتابع بعد فتح مسطرة التسوية[45]، الأمر الذي يعني بقاء الحساب البنكي في حالة اشتغال و حركة، لأنه الوسيلة المعول عليها لتصحيح الاختلال الذي هز كيان المقاولة التي تلتمس الإنعاش قبل حلول شبح زوالها.

إن التعارض المذكور جعل من موقف القضاء المغربي غير مستقر، بحيث نجد محكمة النقض في أحد قراراتها تتجه إلى أن الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية يقتضي بقاء الحساب البنكي في حالة اشتغال[46]، وهو ما سارت عليه محاكم الموضوع، بحيث أكدت على أن فتح مسطرة التسوية القضائية يستوجب بقاء الحساب في حالة حركة[47].

وعلى خلاف ذلك نجد محكمة النقض في قرار آخر صادر عنها تتقيد بروح المادة 503 من مدونة التجارة، بحيث أكدت على أن الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية يشكل سبب لممارسة الاغلاق في حق الحساب البنكي[48].

وفي نظرنا يتعين عدم التقيد بأحكام المادة 503 من مدونة التجارة خاصة ما يرتبط بالتسوية القضائية كسبب موجب للإغلاق، نظرا للصياغة العامة التي جاءت بها، فهي تتكلم بشكل شمولي عن أسباب قفل الحساب البنكي، مما يعني بداهة أنه إذا صدر حكم يقضي بفتح مسطرة التسوية القضائية في وجه مقاولة معينة فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال غلق الحساب السالف ذكره، بل يتعين العمل على ضمان سيرورة حركته.

ولا يختلف عاقلان حول دور الحساب محل الدرس والتحليل في تسوية العمليات، علاوة على أنه يعتبر الوسيلة المعول عليها لتمويل المقاولة المتأزمة، فقد يتفق البنك مع رئيس المقاولة على إبرام عقد قرض أو عقد فتح الاعتماد ينفذ داخل رحاب الحساب الجاري، وهو ما يشكل مصدر تمويلي مهم لمحاربة الاعتراضات المالية والاقتصادية التي تلوح في الأفق وتجعل المقاولة في حالة شعور مستدام باقتراب شبح الاقبارمنها.

ولكل ما سبق من تبريرات، لا نرى أن الحكم بالتسوية القضائية طبقا لأحكام الكتاب الخامس من مدونة التجارة يشكل موجبا فعليا لغلق الحساب البنكي، لأن هذا الأخير هو الحل الناجع لانتشالها من ركود قد يعصف بها وبمحيطها.

وعلى خلاف الحكم بالتسوية يشكل الحكم بالتصفية القضائية سببا فعليا لإقفال الحساب البنكي، لأن محطة التصفية تفيد أن المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه ولا أمل في علاجها، وبالتالي لا حاجة لبقاء الحساب البنكي في حالة اشتغال بل يتعين غلقه تقيدا بمجريات المادة 503 من مدونة التجارة.

الفصل الثاني: عقود أخرى مشمولة بنطاق العمل البنكي

إن بحث التجار عن السيولة المالية الآزمة لتسوية عملياتهم التجارية جعل المنظور الائتماني ينعطف إلى فلسفة ابتكارية تحمل مشعل دعم التاجر ومساندته في مستوى وفاء التزاماته ومحاولة جعله يعبر كل الاعتراضات التي قد تعصف بمشروعه الاقتصادي المعول عليه لتحقيق أهداف ذات أبعاد متباينة تنسحب في بعض الأحيان إلى تجاوز التاجر بالمفهوم الضيق والرسو عند مفهوم المصلحة العامة التي تشمل التاجر والدائنين والأجراء وكل المرتبطين بالنشاط التجاري عموما.

ومن هذا المنطلق نجد المشرع عمل على تنزيل المرونة الآزمة للرقي بقدرات التجار سواء ذاتيين أو معنويين، لأن الواقع العملي أعرب منذ القدم عن شبه استحالة النجاة من شبح عجزهم عن إنجاح مشروعاتهم من دون مساندة خارجية تترجم بالأساس في ذلك التمويل البنكي الذي يشكل المحرك الأسطوري للائتمان والمتحكم في دواليبه الفضفاضة.

إن الدعم البنكي أصبح يعرف نوعا من الابتكار والعقلانية والترشيد المسترسل للتمويلات المطلوبة من قبل شريحة العملاء التجاريين، حيث أصبحت البنوك تتخذ كل الأساليب لاجتذاب أكبر عدد من التجارفي سبيل تحصيل النفع المتبادل مع طفوح مصلحتها على مصالح الزبون في معظم الحالات، لأن العمل البنكي يقوم على أساس فلسفة برغماتية تتجلى في نسب الربح الذي ستحصله من كل التسهيلات و التحفيزات الممنوحة للأطراف، فإن قل الربح المجني من العملية ضعف التمويل البنكي والعكس صحيح[49].

ولتبيان ما تقدم سنعمل على دراسة بعض العقود المنتشرة في مجال عمليات البنوك التقليدية المغربية، ويتعلق الأمر بعقد القرض البنكي الذي قيل وما زال يقال عنه الكثير (المبحث الأول) وعقد فتح الاعتماد، الذي ينقسم إلى اعتماد بسيط واعتماد مستندي، على أننا سنركز فقط على الأول دون الثاني في (المبحث الثاني) لنختتم دراستنا من خلال التعريج على عقد الخصم من خلال تبيان معالمه وإزالة الغموض عنه خاصة مع شح المراجع التي عالجته (المبحث الثالث).

المبحث الأول: عقد القرض البنكي

يتمتع عقد القرض البنكي بأهمية بالغة على الصعيد الائتماني بالنظر إلى المزايا التي يضمرها التعامل به، ولدراسته في هذا المبحث سننطلق بداية من تحديد مفهومه ورصد تجلياته (المطلب الأول) على أن نقف بعده على أهم الآثار التي يسفر عنها انعقاده (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم عقد القرض البنكي وتجلياته

في هذا المطلب سنحدد تعريف عقد القرض البنكي ونميزه عن القرض العادي (الفقرة الأولى) تم نستتبع ذلك بالوقوف عند أهم تجلياته (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف عقد القرض البنكي وتمييزه عن القرض العادي

نستهل هذه الفقرة بالتطرق لتعريف عقد القرض البنكي (أولا) الأمر الذي سيمكننا من تمييزه عن القرض العادي الوارد بالمنظومة المدنية (ثانيا).

أولا: تعريف عقد القرض البنكي

لم تتطرق مدونة التجارة في القسم السابع من كتابها الرابع إلى عقد القرض كأحد العقود البنكية، وإنما اقتصرت على عقد الحساب البنكي وعقد الإيداع وعقد التحويل وعقد فتح الاعتماد والخصم وحوالة الديون المهنية ورهم القيم[50]، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول طبيعته القانونية، أيهل هو عقد بنكي يخضع للأحكام التجارية أم أنه عقد مدني يحتكم إلى قواعد قانون الالتزامات والعقود.

ولا نرى أن طبيعة عقد القرض البنكي تثير أية إشكالية ما دام أن المشرع لم يتناوله ضمن مدونة التجارة لسبب واحد يتمثل في تلافي السقوط في التكرار نظرا لتشابه أحكام القرض البنكي مع أحكام القرض العادي الوارد في الفصول 856 إلى 869 من ق إ ع.

ويعرف الفصل 856 من القانون المذكور أعلاه القرض أو عارية الاستهلاك على أنه: “عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للآخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى لاستعمالها، بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه، أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة”.

انطلاقا من هذا التعريف يمكن القول أن عقد القرض البنكي هو اتفاق مكتوب يلتزم بمقتضاه البنك المقرض بدفع مبلغ من المال إلى الزبون المقترض، على أن يرد هذا الأخير مبلغ القرض إلى البنك في التاريخ المتفق عليه[51].

ويتم دفع مبلغ القرض إلى الزبون المقترض إما عبر قيام البنك بتسليمه إياه مباشرة أو إلى أحد من الأغيار يعينه كوكيله مثلا، أو أن يتم إدراج المبلغ بالحساب البنكي للزبون المفتوح مسبقا لدى البنك المقرض[52].

ويلتزم الزبون بعد تملكه مبلغ القرض برده إلى البنك في التاريخ المتفق عليه في العقد من دون مماطلة أو تقاعس قد يجعله مخلا بواجباته، وعلاوة على ذلك يلتزم أيضا بدفع الفائدة المتفق عليها مسبقا في العقد.

ثانيا: تمييز القرض البنكي عن القرض العادي

رغم خضوع القرض البنكي لأحكام القانون المدني إلا أن ذلك لا يعني تطابقه مع القرض العادي، بل توجد العديد من النقاط التي تخولنا رصد مكامن الفرق بينهما يمكن بسطها على المنوال التالي:

أ) من حيث الأطراف

ينعقد القرض البنكي بتوافق إرادة البنك المقرض وإرادة الزبون المقترض على بنود الاتفاق الذي يجمع بينهما، بحيث يلتزم البنك بدفع مبلغ من المال إلى الزبون على أن يرد هذا الأخير المبلغ المذكور في التاريخ المعين بالعقد.

ومن ذلك يتضح أن القرض البنكي ينعقد دائما بتواجد البنك ولا يمكن تصور خلاف ذلك بالمرة، فهو طرف أصلي في العلاقة التعاقدية التي تجمعه مع شريحة الزبناء سواء تعلق الأمر بتجار ذاتيين أو معنويين أو أفراد عاديين لا يتمتعون بالصفة التجارية.

مقال قد يهمك :   مسطرة التنفيذ في التشريع المغربي

وهذا على خلاف القرض المدني أو العادي، الذي ينعقد بين الأفراد بالدرجة الأولى الذين لا تتوافر فيهم الصفة التجارية، بحيث يمكن لشخص ما أن يقرض شخصا آخر من باب مساعدته ومن دون مقابل يذكر، فقط يلتزم الطرف المقترض برد مبلغ القرض في التاريخ المحدد مسبقا في العقد[53].

وبصرف النظر عما سبق تجدر الإشارة إلى أن القرض البنكي يعتبر من عقود المعاوضة ما دام أن البنك يشترط على المقترض دفع فائدة تترتب عن عملية الإقراض، وهو ما لا يتحقق في القرض العادي الذي يعتبر من عقود التبرع، أي أن عملية الإقراض لا تقترن بمقابل كالفائدة مثلا.

ويعزى تغييب المقابل في القرض العادي إلى الفصل 870 من ق إ ع الذي يجعل اشتراط الفائدة بين المسلمين باطلا ومبطلا للعقد وإن كنا لا نشاطرالمشرع هذا التوجه، فصحيح لا نوافق على اشتراط الفائدة في إطار القروض المدنية، لكننا في الآن ذاته لا نقبل بطلان العقد لأن ذلك يلحق الضرر بالمقرض. لذلك نقترح على المشرع إعادة النظر في صياغة الفصل المذكور من خلال الإبقاء على جزاء بطلان اشتراط الفائدة لكن مع بقاء العقد سليما حماية للمقرض.

ب) من حيث الاثبات

ما دام أن القرض البنكي يعتبر عقدا تجاريا يندرج ضمن العقود البنكية رغم عدم وروده داخل مدونة التجارة، فإن ذلك يعني للوهلة الأولى خضوعه لحرية الإثبات المنصوص عليها في المادة 334 من المدونة المذكورة التي جاء فيها: ” تخضع المادة التجارية لحرية الاثبات. غير أنه يتعين الاثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك”.

وبهذا فالأصل في إثبات عقد القرض البنكي الحرية ما لم يقرر القانون خلاف ذلك، بيد أن اشتراط الفوائد في المجال التجاري يجب أن يتم كتابة وهو ما يستفاد من الفصل 871 من ق إ ع الذي ينص على أنه:” في الحالات الأخرى لا تستحق الفوائد إلا إذا كانت قد اشترطت كتابة. ويفترض هذا الاشتراط إذا كان أحد الطرفين تاجرا “.

وبالتالي فالقرض البنكي مقيد بشكلية الكتابة، مما يجعله يخرج عن المبدأ العام المقرر في المادة 334 المشار إليها أعلاه.

وما قيل عن القرض البنكي ينطبق كذلك على القرض العادي أو المدني، إذ نجده مقيد بشكلية الكتابة فيما ينسحب إلى إثباته، وأساس ذلك الفصل 443 من ق إ ع الذي يعتبر أن الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل الكتروني أو توجه بطريقة الكترونية.

غير أن الفرق بين اثبات القرض البنكي واثبات القرض المدني، يكمن في كون الأول مقيد بشكلية الكتابة في جميع الحالات وبصرف النظر عن قيمة القرض، أما الثاني فلا يقيد بالكتابة إلا إذا فاقت قيمة القرض عشرة آلاف درهم كما بينا مسبقا.

ج) من حيث الاختصاص

بصرف النظر عن النقاش الفقهي الذي أثير بخصوص الاختصاص في عقد القرض، نشير إلى أن هذا الأخير عقد بنكي يخضع لأحكام القانون التجاري بالإضافة إلى خضوعه للقانون 53.95 القاضي بإحداث المحاكم التجارية[54]، بحيث جاء في المادة الخامسة منه:” تختص المحاكم التجارية بالنظر في :1- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية …”

وعلى أساسه يمكن القول أن القرض البنكي يدخل ضمن الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية، سواء كان الزبون المتعاقد مع البنك تاجرا أم العكس، فالعبرة بتجارية الطرف المقرض أي البنك وليس بالمقترض. وهذا القول يتناغم مع مضمون المادة العاشرة[55] وقبله المادة السادسة من مدونة التجارة[56].

أما العمل القضائي المغربي فنجده متمسكا بطرح واحد وموحد ينسحب إلى تأييد تجارية عقد القرض البنكي، ومن جملة القرارات التي تترجم ذلك نجد مثلا القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء[57]الذي جاء فيه: “…إذا كان من المسلم به أن عملية منح القروض أو التسهيلات تعتبر بالنسبة للبنك عملا تجاريا بطبيعته بدون منازع وفقا لنص الفقرة السابعة من المادة السادسة من مدونة التجارة، فإنه حتى بالنسبة للمقترض أو المستفيد من التسهيلات البنكية فإن الفقه والقضاء استقرا على اعتبار القروض والتسهيلات التي تعقدها البنوك في نشاطها المعتاد عملا تجاريا مهما كانت صفة المقترض وأيا كان الغرض الذي خصص له القرض أو التسهيلات الممنوحة”.

وعلى خلاف القرض البنكي، فإن القرض العادي يخضع نوعيا في حالة قيام نزاع مرتبط به إلى القضاء العادي، فحسب الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية[58]، فإن المحاكم الابتدائية تبقى صاحبة الولاية العامة، أي أنها تختص نوعيا بالنظر في كل القضايا ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك[59]، وما دام القرض العادي عقد مدني فإنه من دون نقاش ينعقد اختصاص الفصل فيه إلى القضاء العادي دون سواه.

الفقرة الثانية: تجليات القرض البنكي

إذا كان من صميم المهام المنوطة بالأبناك حسب القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، تلقي الأموال من الجمهور ومنح الائتمان، فإن هذا الأخير يتخذ شكل قروض تتباين بحسب مدتها (أولا) وغرضها (ثانيا).

أولا: تجليات القرض البنكي من زاوية مدته

تعتبر مدة الاستحقاق أساسا ناجعا للتمييز بين القروض البنكية وإزالة اللبس عنها سواء من ناحية التكييف أو من ناحية الاحصائيات. وبحسب مدة العقد يمكن التفرقة بين القروض القصيرة الأجل وبين القروض المتوسطة والطويلة الأجل.

هذا ونقصد بالقروض القصيرة الأجل، تلك القروض التي تنعقد لمدة زمنية قصيرة، كشهر مثلا أو ثلاثة أشهر أو تسعة أشهر، بحيث تشكل وسيلة معول عليها لتلبية الاحتياجات ذات الطابع المؤقت، من قبيل الاحتياجات الاستهلاكية التي تدفع بالزبناء إلى الاقبال على هذه القروض بشكل متكرر ولمدد قصيرة كما قلنا.

ونعتقد أن الاقبال على هذا النوع من القروض مردود إلى مجموعة من العوامل، يتريدها عامل انخفاض نسبة الفائدة، الذي يرجع بدوره إلى عامل المدة القصيرة، الأمر يعني أن مخاطر منح هذه القروض لا تشكل تهديدا حقيقيا للبنك، مما يجعله لا يشترط ضمانات قوية سواء عينية أو شخصية من شأنها أن تجعل الزبناء يعرضون عن الاقبال عليها.

وحسب تقرير بنك المغرب لسنة 2006 فإن القروض القصيرة الأجل تشكل ما يقارب 60 بالمائة من مجموع القروض الممنوحة، وبلغت قيمتها سنة 2006 حوالي 138.1 مليار درهم[60].

أما القروض المتوسطة الأجل، فهي التي تتأسس على مدة لا تقل عنسنتين ولا تتجاوز سبعة سنوات، كأن تنعقد مثلا لمدة سنتين أو أربع سنوات. وتمتاز بالاقبال المتزايد عليها نظرا لما تحققه من مكاسب لجمهور المقترضين سواء من القطاع العام أو الخاص، علاوة على أن البنك ييسر مسألة إرجاع مبلغ القرض، فقد يتفق في العقد على الارجاع الكلي للمبلغ دفعة واحدة أو عبر دفعات متساوية أو غير متساوية تجعل من المقترض لا يشعر بثقل المبلغ والفوائد المستحقة لفائدة البنك المقرض[61].

وفي مقابل ما تقدم نجد القروض الطويلة الأجل، التي تنعقد لمدة تفوق سبعة سنوات[62]، وتمتاز بتوجهها إلى المشاريع ذات الطابع الضخم، فهي غالبا ما ترتبط بتمويل الاستثمارات الكبرى، كبناء فندق مثلاأو مصنع أو شراء آلات لتسيير نشاط شركة معينة.

وقد بلغ حجم هذه القروض 84.581 مليون درهم سنة 2006 الأمر الذي يعني تطورها وتناميها بالمغرب بفعل ارتفاع حجم المشاريع الاستثمارية علاوة على تصاعد قروض السكن[63].

ثانيا: تجليات القرض البنكي من زاوية غرضه

تتعدد الأغراض التي يخصص لها القرض البنكي، فقد يكون موجه لتمويل نشاط معين أو عدة أنشطة، وقد يخصص لتمويل عملية من العمليات اليومية للأفراد. بيد أن التقسيم الشائع للقروض من زاوية غرضها، ذلك الذي يشطرها إلى قروض عقارية وقروض استهلاكية.

ونقصد بالقروض العقارية، تلك القروض التي يمنحها البنك من أجل تمويل قطاع السكن ودعم المشاريع الكبرى المتمثلة في تشييد الفنادق وتجهيزها، علاوة على دعم الفاعلين في مجال الإنعاش العقاري.

ونعتقد أن القروض البنكية العقارية، لا تلعب دور تمويلي فقط، بل لها أدوار طلائعية تفوق المألوف عن التمويلات الأخرى، فهي تترجم من زاوية اجتماعية انسحاب الوظيفة البنكية إلى الغوص في مركب هموم المجتمع من خلال الاصغاء لمتطلبات الأسر التي لا تنشد أي شيء سوى الحصول على مسكن يشكل قارب النجاة من شبح الشارع.

أما من الناحية الاقتصادية فالقروض البنكية العقارية أصبحت تشكل المحفز البارز لإنشاء المشاريع السياحية ودعم عملية تأهيل المقاولات واتساعها من خلال تيسير مأمورية بناء وحدات أخرى تابعة لها وتجهيزها. فكل هذا يترجم بوضوح الدور الذي تلعبه البنوك من خلال الائتمانات التي تمنحها في مجال دعم الاقتصاد وإجتذاب الاستثمارات الأجنبية، والعمل على محاربة الهشاشة التي تنخر كيان المجتمع المغربي منذ زمن ليس بقريب.

في مقابل القروض العقارية، تنسحب القروض الاستهلاكية إلى خلق نوع من الرفاه الاجتماعي، من خلال تسهيل مأمورية حصول الزبناء على ما يحتاجونه من آلات ومعدات منزلية مثلا، وعموما تمويل الحاجيات الشخصية والعائلية والمنزلية[64].

لكن القروض السالفة لا تقدم على طابق من ذهب، بل طابق مغلف بضمانات تحمي حقوق البنوك عموما، فالعمل البنكي يقوم على المضاربة والتهديد الكامن في مخاطر منح الائتمان، لذلك تتجه المؤسسات البنكية إلى اشتراط ضمانات تتباين وتختلف من قرض إلى آخر.

ومن أكثر الضمانات شيوعا في مجال القرض البنكي نجد الرهن الرسمي، الذي عرفته المادة 165 من مدونة الحقوق العينية[65]على أنه حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ، ويخصص لضمان أداء الدين.

ويمنح الرهن الرسمي للبنك المرتهن العديد من الحقوق على العقار موضوع الرهن، نجد من ضمنها حق الأفضلية في استفاء الدين، وحق تتبع العقار، وأهمها حق التنفيذ على العقار، ذلك أن تخلف الزبون المقترض عن رد مبلغ القرض مع الفوائد يمنح للبنك الحق في التنفيذ على العقار موضوع الرهن الرسمي[66].

وعلى غرار الضمانات العينية تشكل الضمانات الشخصية ذرع يحمي حقوق البنوك من مخاطر منح القروض، وتتخذ صورة كفالة شخصيةتقوم على أساس ضم الذمم للوفاء بدين البنك المتمثل في مبلغ القرض والفوائد التي أسفر عنها. بمعنى التزام شخص اتجاه البنك المقرض بأداء التزام المدين المقترض إذا لم يؤده هذا الأخير نفسه[67].

المطلب الثاني: آثار عقد القرض البنكي

كباقي العقود يترتب عن انعقاد القرض البنكي العديد من الآثار تتخذ شكل التزامات مجزأة بين عاقديه، أي التزامات تقع على البنك المقرض (الفقرة الأولى) وأخرى تقع على الزبون المقترض (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التزامات البنك المقرض

من الالتزامات التي يرتبها عقد القرض على البنك، نجد الالتزام بتسليم مبلغ القرض إلى الزبون المقترض، ويتم ذلك عبر قيام البنك بتسليمه المبلغ إما دفعة واحدة أو عبر عدة دفعات متساوية أو غير متساوية حسب ما تم الاتفاق عليه في العقد. ويتخذ التسليم عدة أوجه، فقد يكون مباشرة أو يسلم المبلغ لأحد وكلاء المقترض، كما قد يتم عبر إدراج المبلغ بالحساب المفتوح لدى البنك، وإذا تعلق الأمر بالحساب الجاري البنكي فإن التسليم يتم عبر إدراج المبلغ بالجانب الدائن لأنه يصبح من أصول الزبون المقترض.

وتسليم مبلغ القرض إلى الزبون، يعني أن ملكيته انتقلت إليه، مما يفقد البنك الحق في التصرف فيه بعد ذلك، وهو ما يستفاد من الفصل 861 من ق إ ع الذي ينص على أن القرض ينقل ملكية المبلغ من البنك إلى الزبون ابتداء من الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين.

علاوة على ذلك يتعين على البنك احترام مدة العقد، فلا يجوز له مثلا أن يطالب بإرجاع المبلغ قبل حلول أجله، لأن المبلغ المذكور لم يعد ملكا له خلال مدة العقد، بل ملكا للمقترض الذي يحق له التصرف فيه كما شاء[68].

إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد، يتعلق بمدى جواز إرجاع المقترض للمبلغ قبل حلول أجل الارجاع أو السداد؟

إن السؤال المذكور يجد جوابه في الفقرة الثانية من الفصل 866 من قانون الالتزامات والعقود التي جاء فيها أنه يسوغ للمقترض رد مبلغ القرض قبل حلول أجله. لكنها تشير في الآن ذاته إلى ضرورة استحضار مصلحة البنك، الأمر الذي يعني أن الارجاع السابق لأوانه معلق على موافقة البنك.

ونرى أن الفصل 866 السالف الذكر يعتبر مظهرا من مظاهر الحماية التشريعية للمقترض كطرف ضعيف في العلاقة التي تجمعه مع الشركات البنكية، فهو من جهة أولى كبح إمكانية المطالبة بالمبلغ المقترض قبل حلول أجله، بما يشكل إقبارا لكل أوجه المطالبات التعسفية بالمبالغ المقترضة.

ومن جهة ثانية خول للمقترض إمكانية إرجاع المبلغ قبل حلول أجله، الأمر الذي يترجم نوعا من المرونة على مستوى السداد، فقد يحقق المقترض أهدافه دون استعمال مبلغ القرض أو يستعمله بشكل سريع فيحصل من ذلك على أموال أخرى تجعله متوفرا على المال الآزم لدفع ما في ذمته اتجاه البنك قبل حلول ميعاد الارجاع.

بالإضافة إلى ما سبق، يتعين على البنك تقديم النصح والارشاد إلى المقترض، لأنه يتمتع بآليات تمكنه من معرفة كل المخاطر التي يضمرها الاقراض عموما، علاوة على مراقبته كيفية استعمال المقترض للمبلغ وذلك تحت مسؤولياته[69].

الفقرة الثانية: التزامات الزبون المقترض

من الالتزامات التي تترتب على المقترض إرجاع المبلغ إلى مقرضه من دون تماطل أو تأخير من شأنه إثارة مسؤوليته العقدية، وهو ما أكد عليه قانون الالتزامات والعقود في الفصل 865 منه الذي جاء فيه: “على المقترض أن يرد مثل ما تسلمه قدرا وصفة، ولا يلزمه غير ذلك”.

وإذا كان الفصل المذكور واضح الألفاظ، إلا أنه يثير نوعا من الابهام بخصوص مقابل عملية الاقراض، فحسب صياغته فإن المقترض يجب عليه رد مبلغ القرض فقط، ولا يلتزم بدفع أي مقابل آخر كالفوائد الاتفاقية.

إلا أن هذا المضمون ينسحب من ناحية السريان إلى القروض المدنية وليس القروض التي تمنحها المؤسسات البنكية، وبالتالي لا يمكن الاعتداد به للقول بعدم جواز التعامل بالفائدة في إطار القروض البنكية.

وقد أكد العمل القضائي المغربي في العديد من المناسبات على أحقية البنك في الاستفادة من الفوائد التي تترتب عن عملية الإقراض. فمثلا جاء في قرار[70] صادر عن المجلس الأعلى ما يلي: ” لكن حيث إنه لئن كانت الفوائد الاتفاقية محرمة بين المسلمين حسب صريح الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود، والحال أن الطالب مسلم، فإن المطلوب في النقض شخصية اعتبارية مجردة من أي انتماء ديني، ومن تم فالفوائد المشروطة لا ينطبق عليها الفصل المذكور (الفصل 870 من ق إ ع) وبذلك فإن الدفع لا أثر له والمحكمة غير ملزمة بالجواب على دفع لا أثر له…”

وحسب هذا القرار فإن اشتراط الفائدة في إطار القروض البنكية لا يمكن تفسيره من زاوية القواعد العامة ولا سيما الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود، لأن هذا الأخير يجعل من اشتراط الفائدة باطلا ومبطلا للعقد إذا تعلق الأمر بالمسلمين، بيد أن هذا لا يستقيم مع خصوصية القروض البنكية، لأن مانح هذه الأخيرة شخص معنوي يتخذ لزوما شكل شركة مساهمة لا تزاول عملياتها من منطلقات دينية أو أخلاقية بل منطلقات تتأسس على الربح والمضاربة[71].

وعلى غرار التزام المقترض برد مبلغ القرض في التاريخ المتفق عليه ودفع الفائدة المتفق عليها كما بينا أعلاه، يتعين عليه أن يحسن استعمال المبلغ، لأن البنك -وكما سبق القول- ملزم بمراقبة استعماله للمبلغ تحت طائلة قيام مسؤوليته.

المبحث الثاني: عقد فتح الاعتماد البسيط

لا يأخذ الائتمان الذي تقدمه المؤسسات البنكية شكلا واحدا أو مظهرا معينا، وإنما أشكالا عديدة تتخذ صورا مختلفة تتباين من عملية إلى أخرى. وهذا يترجم نوعا من السلاسة في مستوى خلق التمويلات المطلوبة من قبل العملاء، بما يساهم في تحقيق العديد من المكاسب التي ترجع بالمنفعة على الأفراد. فالبنوك تتخذ من منح الائتمان وسيلة لتوظيف أموالها وأموال غيرها، في حين يستفيد جمهور العملاء من مبالغ مالية ترتسم في شكل قروض واعتمادات.

وفي هذا المبحث سنعمل – قدر المستطاع – على دراسة عقد ذائع الصيت يسمى عقد فتح الاعتماد البسيط، وذلك من خلال تحديد مفهومه تم تبيان مخرجاته (المطلب الأول) على أن نرسو بحالات انهائه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم وآثار عقد فتح الاعتماد البسيط

طبيعة هذا المطلب توجب علينا تناول مفهوم عقد فتح الاعتماد البسيط (الفقرة الأولى) تم حصر أهم آثاره التي تتخذ شكل التزامات تقع على البنك مانح الاعتماد وعلى الزبون المستفيد منه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم عقد فتح الاعتماد البسيط

لقد تناول المشرع التجاري عقد فتح الاعتماد كأحد العقود البنكية في القسم السابع[72] من الكتاب الرابع من مدونة التجارة، وعرفه في الفقرة الأولى من المادة 524 بأنه: ” فتح الاعتماد هو التزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ معين من النقود…”

يستفاد من ذلك أن عقد فتح الاعتماد البسيط، عبارة عن اتفاق بين البنك والزبون أو المستفيد، يلتزم بمقتضاه الأول بأن يضع مبلغ مالي متفق على قيمته رهن إشارة الثاني وذلك لمدة محددة أو لمدة غير محددة، على اعتبار أن العقد المذكور قد يتأسس على مدة معلومة وقد لا تكون معلومة، وهو ما يستفاد من الفقرة الأولى من المادة 525 من مدونة التجارة[73].

إلا أن التعريف السابق قد يثير نوعا من اللبس والخلط بين عقد فتح الاعتماد وعقد القرض الذي سبق وأن تطرقنا إليه، خاصة وأن الأول يتضمن قيام البنك بوضع مبلغ من المال رهن تصرف المستفيد وهو ما ينطبق – نسبيا- على الثاني.

إن عقد فتح الاعتماد البسيط وإن كان يتمثل في وضع مبلغ مالي تحت تصرف المستفيد، إلا أن هذا الأخير لا يلتزم بقبض المبلغ المذكور دفعة واحدة، بل له أن يقبضه أو يتركه إلى أن يحين موعد استعماله، وهذا على خلاف القرض البنكي الذي يتضمن التزاما يتمثل في تسليم مبلغ القرض بأكمله إلى المقترض طبقا لما يؤكد عليه الفصل 856 من قانون الالتزامات والعقود[74].

والقول بأن عقد فتح الاعتماد لا يعني قبض المستفيد للمبلغ وتسلمه إياه، يفيد بداهة أن الفوائد لا تسري عليه إلا إذا استعمله. بمعنى أن المستفيد إذا لم يستخدم المبلغ المعتمد فإن البنك لن يحصل على الفوائد التي يهدف إلى ربحها. وهذا يناقض أساسيات القرض البنكي، ذلك أن الفائدة في إطاره تحتسب على الزبون سواء استعمل مبلغ القرض أم لا، وهو ما يلحق الضرر به خاصة في الحالة التي يقترض من أجل تنفيذ غرض معين، تم يتلاشى ذلك الغرض بفعل حلول ظروف معينة، فيبقى ملزما برد مبلغ القرض ومعه الفوائد ولا مجال لتحججه بعدم استعمال المبلغ المقترض.

وفي ذات المضمار نرى أن عقد فتح الاعتماد يعتبر من العقود المبتكرة في المجال البنكي، نظرا للمزايا التي تحيط به، فهو أولا تجاوز عيوب عقد القرض البنكي، وثانيا خلق نوعا من الثقة بين الزبون والبنك خاصة وأنه يتأسس على الاعتبار الشخصي، فبدون هذا الاعتبار لا مجال للحديث عن عقد يدعى فتح الاعتماد البسيط.

ورغم هذا الفرق الواضح والذي لا يقبل الجدال بين عقد فتح الاعتماد وعقد القرض البنكي، إلا أن البعض يرون عقد فتح الاعتماد قرضا أو وعدا بالقرض، ويؤسسون مواقفهم على حجج واهية لا يقبلها المنطق القانوني والعمل البنكي[75].

ونعتقد أن سبب هذا الخلط  يعزى إلى أن بعض الفقه لا يعترفون لحد اليوم بالعقود التجارية، بمعنى أن اعتقادهم راسخ و لا يتزحزح من مكانه وولاءهم دائم للقانون المدني وللعقود التي وردت به، فغالبا ما ينظرون للعقود الأخرى من زاوية مدنية صرفة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتوافق مع منظور وفلسفة قانون الأعمال والنزوح التام للقانون التجاري نحو ترسيخ مفاهيم ومؤسسات تواكب التطور الطافح الذي يشهده عالم المال والتجارة والأعمال، في حين المجال المدني يعرف جمودا على مستوى الابتكار وعلى مستوى خلق صيغ عقود تواكب ما يشهده العالم من قفزات وموجات تجرف المألوف وتحكم عليه بالعجز المميت.

الفقرة الثانية: آثار عقد فتح الاعتماد البسيط

يسفر عقد فتح الاعتماد عن مجموعة من الآثار تترتب على عاقديه، بحيث يظهر البنك في إطاره مدينا ودائنا بمبلغ الاعتماد.

ويلتزم البنك بوضع المبلغ المعتمد تحت تصرف المستفيد، مع تقيده بباقي البنود الاتفاقية المضمنة في العقد. كما يجب عليه احترام مبلغ الاعتماد، من خلال عدم تجاوزه، فلا يجوز له منح المستفيد مبلغ يقل أو يفوق المبلغ المتفق عليه في العقد[76].

ففي بعض الحالات قد يقدم البنك على منح الزبون تجاوزات على أذون الاعتمادات، أي أن البنك يقدم مبالغ مالية تفوق مبلغ الاعتماد المطلوب والضمانات المرتبطة به. إلا أن هذا التجاوز يثير مسؤولية البنك وحده، لأنه المسؤول عن ضبط العمليات، ومنه لا مجال لمساءلة الزبون عن الأخطاء التي يرتكبها البنك خاصة تجاوز قيمة الاعتماد المطلوب[77].

وفي الجهة المقابلة يلتزم المستفيد برد مبلغ الاعتماد بعد انصرام المدة المتفق عليها، طبعا إذا تعلق الأمر بعقد محدد المدة. وعلاوة على ذلك يتوجب عليه دفع مقابل لما أخذه من البنك، ويتخذ المقابل شكل عمولات وفوائد، انسجاما مع الخاصية التي تطبع عقد فتح الاعتماد، المنجلية في كونه عقد ملزم للجانبين[78].

كما أن المستفيد يقدم ضمانات للبنك تتخذ شكل ضمان عيني أو شخصي يجعل البنك يطمئن للتعامل معه، لأن الائتمان تعتريه العديد من المخاطر المحتملة، مما يجعل مسألة اشتراط الضمانات حجر الأساس في هذا الإطار.

ويجب على المستفيد استعمال الاعتماد بشكل سليم ولا يثير أي إزعاج للبنك، خاصة وأن القانون منح لهذا الأخير الحق في انهاء الاعتماد المفتوح إذا تبين له أن المستفيد ارتكب خطأ جسيما عند استعماله للاعتماد.

المطلب الثاني: انهاء عقد فتح الاعتماد البسيط

إذا كانت الفقرة الأولى من المادة 525 تشير إلى أن الاعتماد قد يفتح لمدة محددة أو لمدة غير محددة، فإن ذلك يوجب علينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، نتطرق في الأولى إلى انهاء عقد فتح الاعتماد المحدد المدة، وفي الثانية إلى انهاء عقد فتح الاعتماد غير محدد المدة.

الفقرة الأولى: انهاء عقد فتح الاعتماد المحدد المدة

تنص الفقرة الرابعة من المادة 525 من مدونة التجارة على أنه: ” سواء كان الاعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة، فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الاعتماد بدون أجل، في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع أو في حالة ارتكابه لخطإ جسيم في حق المؤسسة المذكورة أو عند استعماله للاعتماد”.

يستفاد من ذلك أنه يحق للبنك انهاء عقد فتح الاعتماد قبل حلول أجله إذا توافرت أسباب تخوله ممارسة ذلك من قبيل التوقف البين عن الدفع وارتكاب المستفيد لأفعال تكيف على أنها أخطاء جسيمة.

إلا أن ما يلاحظ بخصوص ما تقدم هو الصياغة العامة التي جاءت بها المادة 525 من مدونة التجارة، لا سيما صياغة التوقف البين عن الدفع، فمعلوم حسب قواعد الكتاب الخامس من مدونة التجارة أن التوقف عن الدفع يشكل موجبا قانونيا لفتح مساطر المعالجة في وجه المقاولة المتأزمة من أجل البحث عن الحل الملائم للملمة جراحها، وبالتالي كيف لنا كباحثين القبول بكون التوقف عن الدفع يعني غلق الاعتماد المفتوح، خاصة وأن هذا الأخير يندرج ضمن العقود الجارية المعول عليها لتحسين وضعية المقاولة الموضوعة رهن العلاج القضائي.

إن ما تقدم لا يمكن وصفة إلا بالارتباك في الصياغة من قبل المشرع، ارتباك جعله لا يقيم تمييزا معقولا يفرضه المنطق والصواب، بين التوقف عن الدفع الذي لا يجعل المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، وبين التوقف عن الدفع الذي يجعلها كذلك.

ففي حالة التوقف عن الدفع الذي لا يجعل المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه تفتح في وجهها مسطرة التسوية، التي توجب استمرارية نشاطها طبقا للمادة 586 من المدونة، ومعلوم أن النشاط المذكور لا يمكنه الاستمرار من دون وجود مقوماته، تبقى العقود الجارية من أبرزها كما هو شأن عقد فتح الاعتماد البسيط.

وعليه إذا تعلق الأمر بمحطة التسوية القضائية لا يمكن للبنك غلق الاعتماد المفتوح بصرف النظرعن صياغة الفقرة الرابعة من المادة 525 المشار إليها مسبقا، لأن الاعتماد المذكور يعتبر وسيلة لتحسين وضعية المقاولة ووسيلة لإنجاح الكتاب الخامس من مدونة التجارة برهاناته وأمانيه العديدة. وعلى خلاف ذلك تعتبر التصفية القضائية سببا من أسباب غلق الاعتماد البسيط ووقف آثاره.

بالإضافة إلى ما تقدم نعتقد أن الصياغة الأخرى المعتمدة في الفقرة الرابعة من المادة 525 من المدونة والتي تتعلق بارتكاب المستفيد لخطإ جسيم في حق المؤسسة البنكية أو عند استعماله للاعتماد، صياغة مبهمة وغير واضحة، بحيث هل يعقل أن نمنح للبنك سلطة تقرير ما يندرج ضمن الأخطاء الجسيمة وما لا يندرج ضمنها؟

في اعتقادي المتواضع كان على المشرع تحديد قائمة ولو على سبيل المثال للأخطاء الجسيمة المرتكبة من قبل المستفيد والتي في ضوئها يحق للبنك انهاء عقد فتح الاعتماد، فبذلك ستتحقق الحماية للطرفين معا، أي حماية الزبون من تعسف البنك، وحماية هذا الأخير من المسؤولية المالية التي تثار عند عدم احترامه لمقتضيات المادة 525 من مدونة التجارة.

الفقرة الثانية: انهاء عقد فتح الاعتماد غير محدد المدة

في هذا المقام نستدعي لجلسة التحليل والنقاش الفقرة الثانية من المادة 525 من مدونة التجارة التي تنص على أنه:” لا يمكن فسخ الاعتماد المفتوح لمدة غير معينة بصورة صريحة أو ضمنية، ولا تخفيض مدته إلا بتبليغ اشعار كتابي، وانتهاء أجل يحدد عند فتح الاعتماد، دون أن يقل هذا الأجل عن ستين يوما”.

يستفاد من ذلك أن البنك إذا ما رغب في انهاء عقد فتح الاعتماد المنعقد لمدة غير معلومة، عليه أولا اشعار الزبون بذلك، حماية لهذا الأخير من الانهاء الفجائي الذي قد يلحق الضرر به.

ويتعين على البنك كذلك احترام مهلة الاشعار التي لا ينبغي أن تقل عن ستين يوما كما هو مشار إليه في المقتضى المذكور أعلاه، علاوة أن الاشعار ينبغي أن يكون بشكل مكتوب وأن يتضمن الأسباب الذي جعلت البنك يتخذ قرار فسخ الاعتماد المفتوح.

وإذا لم يحترم البنك شكلية الاشعار، فإن ذلك من شأنه إثارة مسؤوليته العقدية خاصة إذا لحق الزبون ضرر، وهو ما أكد عليه العمل القضائي في العديد من المناسبات، فعلى سبيل المثال جاء في حكم[79] للمحكمة التجارية بالدار البيضاء ما يلي:” وحيث ثبت للمحكمة من خلال وثائق الملف وما سبق بيانه أن البنك المدعى عليه ارتكب أخطاء جسيمة في حق المدعية تمثلت في ارجاع شيكات بدون أداء رغم توفرها على رصيد كاف لسدادها، وتحويل مبالغ مالية من حسابها دون إذنها، واحتساب نسبة فوائد غير متفق عليها، كما تراجع عن التزامه بتمويل شراء الزبناء للشقق بمشروع المدعية.

وحيث إن الأخطاء المحددة أعلاه تعتبر أخطاء بنكية صدرت على المدعى عليه توجب مسؤوليته عن الضرر المحقق الذي لحق المدعية من خسارة وما فاتها من كسب نتيجة عدم إتمام المشروع السكني وبيع الشقق للزبناء…”

المبحث الثالث: عقد الخصم

يعتبر عقد الخصم آلية مبتكرة لتسهيل تداول الأوراق التجارية وتمكين الزبناء من قيمتها قبل حلول ميعاد استحقاقها، فهو عبارة عن عقد مكتوب غايته تمكين الزبون من تملك قيمة ورقة تجارية تتحول إلى مدفوع يلتزم البنك بضخه بالحساب البنكي للزبون المتعاقد معه، وذلك بعد أن يظهر هذا الأخير الورقة للبنك تظهيرا ناقلا للملكية يستطيع بموجبه فيما بعد مطالبة الموقعين عليها، مع استفادته من فوائد وعمولات الخصم.

وسننطلق في سياق دراسة هذا العقد من تحديد المقصود به (المطلب الأول) على أن نختتم هذه الدراسة بحصر أهم آثاره (المطلب الثاني)

المطلب الأول: المقصود بعقد الخصم

إن عقد الخصم عبارة عن اتفاق بين الزبون وبنكه على أن يقدم الأول ورقة تجارية لم يحن بعد تاريخاستحقاقها في مقابل أن يقوم الثاني بتملك الورقة بعد أداء قيمتها للأول[80].

ونسجل من هذا التعريف الذي سقناه بكيفية إجرائية، أن الزبون الحامل لورقة تجارية مستحقة الأداء في تاريخ لاحق يمكن له بموجب اتفاقية الحساب الجاري التقدم بهذه الورقة إلى البنك من أجل تملكها وذلك عن طريق قيام حاملها بتظهيرها تظهيرا ناقلا للملكية إلى البنك حيث يصبح هذا الأخير الحامل الجديد لها بعد أداء قيمتها.

وتجب الإشارة في هذا المقام إلى أن انتقال ملكية الورقة التجارية إلى البنك تخول له كل الحقوق التي كانت لحاملها،لأن قيام الزبون بتظهيرها تظهيرا ناقلا للملكية يجعل من البنك المالك الشرعي لهذه الورقة، مع ما يترتب عن ذلك من حقوق تحصن مركزه، المستمدة أساسا من طبيعة الالتزام الصرفي المتسم بالقساوة وغيرها من الخصائص الأخرى التي تميزه.

وبعد إبرام عقد الخصم يتمكن الزبون من تحصيل قيمة الورقة من المؤسسة البنكية، مما يجعله يستفيد من عملية الخصم، فهو في حاجة دائمة إلى الأموال لوفاء إلتزاماته التجارية المتسمة بالكثرة والتعدد.وفي الجهة المقابلة تتمكن المؤسسة البنكية من تملك الورقة التجارية وانتظار ميعاد الاستحقاق الذي يعطي عند حلوله الضوء الأخضر للبنك من أجل التوجه إلى الملتزم بها لاستخلاص قيمتها. كما أن هذا العقد يخول للبنك الحق في نيل فائدة تترتب عن العملية علاوة على فوائد أخرى تتصل بقيمة الورقة المخصومة ومصاريف تحصيلها. وهذا يترجم بجلاء أن العقد المذكور عقد تبادلي، لكن البنك يبقى المستفيد الأكبر من العملية كما سيتضح لاحقا.

لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد يتجلى في مصير قيمة الورقة التجارية المخصومة؟ ومدى جواز سريان الأثر التجديدي عليها؟

إن معالجة ما تقدم تستوجب تقسيم الإجابة إلى نقطتين وفق الشكل التالي:

أولا: بالنسبة لمصير قيمة الورقة المخصومة

إن البنك بعد قبوله خصم الورقة التجارية كالكمبيالة [81] يقوم إلتزامه المتمثل في ضرورة العمل على تقديم قيمتها إلى الزبون، لكن عملية تقديم المبلغ تتم داخل الحساب الجاري و لا يمكن تصور طريقة أخرى للأداء[82].

ويرتسم التزام البنك بالأساس في قيامه بوضع قيمة الورقة المخصومة بضلع الدائنية من الحساب، أي قيامه إثر عملية الخصم بتقييد القيمة التي أسفرتها بالجانب الدائن للزبون؛ وهو ما يحقق التزامين من التزامات البنك في آن واحد، يرتبط الأول بعقد الخصم والمتمثل في دفع القيمة الناجمة عنه، والثاني يتصل باتفاقية الحساب الجاري التي تقضي بضرورة عمل طرفي الحساب على تبادل المدفوعات كما رأينا ذلك في سياق معالجتنا لعناصر اتفاقية الحساب الجاري البنكي.

ثانيا: بالنسبة لسريان الأثر التجديدي على قيمة الورقة المخصومة

مر معنا أن من أهم آثار اتفاقية الحساب الجاري نجد تجدد الدين الأصلي من خلال تحوله إلى أرقام دائنة ومدينة، ليطرح التساؤل حول مدى جواز سريان التجديد على الورقة التجارية موضوع الخصم[83]. أي هل يمكن تجريد الورقة من خلال تقييد قيمتها فقط بالجانب الدائن مع فقدان هذه القيمة الصلة بالدين الأصلي المتمثل في الخصم، خاصة وأنه من الشروط التي يتعين استحضارها قبل تقييد أي مبلغ ضرورة أن تكون الديون أوالمبالغ القيدية ناجمة عن ديون مؤكدة كما بينا سابقا.

مقال قد يهمك :   ناجم توفيق: الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الإداري

إن ما تقدم يجعلنا نعترفمن دون جدال بنسبية الأثر التجديدي في هذه الحالة، إذ لا يمكن الحديث عن هذا الأثر دون التمييز بين فرضيتين:

الفرضية الأولى:تتجلى في اختيار البنك في حالة عدم وفاء الملتزم بقيمتها في تاريخ الاستحقاق، تقييد قيمة الورقة بالجانب المدين عوض الدائن، أي قيام البنك بإجراء تقييد عكسي يتجلى في نقل قيمة الورقة غير المؤداة في تاريخ استحقاقها من الجانب الدائن إلى الجانب المدين. ففي هذه الحالة يبقى الأثر التجديدي ساري المفعول ولا يمكن الحديث عن نسبيته مطلقا.

الفرضية الثانية:تكمن في اختيار البنك ممارسة دعوى الرجوع الصرفي عوض التقييد العكسي، ففي هذه الحالة لا يمكن الحديث عن الأثر التجديدي، لأن الدين الأصلي يصبح محل منازعة بين الموقعين على الورقة التجارية، وهو ما يتعارض مع شرط أن تكون الديون ناتجة عن عمليات أكيدة والذي يعد شرطا صريحا لتطبيق التجديد الذي تعرفه الديون التي تلج الحساب الجاري.

عموم القول، إن الأثر التجديدي يسري على عملية الخصم لكن شريطة ممارسة البنك للتقييد العكسي بدل ممارسة الرجوع الصرفي، وذلك في حالة عدم تمكنه من استخلاص قيمة الورقة في تاريخ استحقاقها، أما إذا تمكن من ذلك، أي تحصيل مبلغها في الموعد المحدد، فهنا لا مجال للتشكيك في الأثر التجديدي.

المطلب الثاني: آثار عقد الخصم

كباقي العقود الأخرى فإن عقد الخصم يرتب العديد من الالتزامات في ذمة أطرافه، يتعين احترامها وإلا التعرض للجزاءات المقررة في هذا الباب حماية للحقوق ودحر لكل عبث قد يربك الائتمان البنكي بصفة عامة. ويبقى التقييد العكسي من أهم مخرجات هذا العقد في حالة عدم وفاء الملتزم الصرفي للبنك في تاريخ الاستحقاق.

وعلى نسج ما تبين نتساءل عن المقصود بالتقييد العكسي؟ وعن أهم خصائصه؟

للإجابة على ما تقدم سنحدد بداية المقصود بالتقييد العكسي (الفقرة الأولى) على أن نقف عند أهم خصائصه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المقصود بالتقييد العكسي

يطلق التقييد العكسي على تلك العملية التي يقوم بها البنك كرد فعل على عدم الوفاء بقيمة الورقة محل الخصم في تاريخ الاستحقاق، بحيث يقوم بنقل مبلغ الورقة غير المؤداة من الجانب الدائن إلى الجانب المدين. ولا يقتصر هذا التنقيل على مبلغ الورقة المخصومة فقط بل يشمل فوائد الخصم ومصاريف التحصيل[84].

كما يمكن تفسير التقييد العكسي بكونه ذلك التشطيب المحاسبي الذي يتجلى في شطب قيمة الورقة المخصومة من ضلع الدائنية وتقييدها بشكل عكسي بضلع المديونية، وتضاف إلى ذلك فوائد وعمولات الخصم المستحقة للبنك[85].

ومن خلال ما تبين يمكن استنزال فكرة مضمونها أن القيد العكسي يعد بمثابة الوفاء بقيمة الورقة، وهو ما يشكل ضمانة للبنك قبل التوجه إلى الملتزم بالورقة الصرفية في تاريخ استحقاقها لاستخلاص قيمتها، ففي حالة امتناع الملتزم عن الوفاء بها جاز للبنك وقتذاك تقييد قيمة عملية الخصم بوجه عام بالجانب المدين الذي يترجم دينا للبنك واقعا في ذمة الزبون طالب الخصم في هذه الحالة.

الفقرة الثانية: خصائص التقييد العكسي

يتسم التقييد العكسي كتشطيب محاسبي ممارس من قبل البنك بالعديد من الخصائص سنقتصر في هذه الفقرة على ذكر بعضها فقط ويتمثل ذلك فيما يلي:

أولا: التقييد العكسي حق للبنك دون الزبون

لقد منحت مدونة التجارة للبنوك ضمانات عديدة تحصن من خلالها حقوقها، وذلك يعزى إلى الدور الذي تلعبه في مجال دعم الحركية الاقتصادية و المالية وخلق الائتمان وتوظيف النقود وليس حراستها[86]. ومن ضمن هذه الضمانات الممنوحة للبنوك نجد حق هذه الأخيرة في تشطيب محاسبي يتجلى في شطب مبلغ عملية الخصم من ضلع الدائنية وتحويله إلى ضلع المديونة تضاف إليه فوائد الخصم ومصاريف التحصيل المستحقة للبنك.

وهذا التشطيب يعرب عن ضمانة هامة لمن له الحق فيه وهو البنك الذي يمكن له في حالة عدم وفاء الملتزم الصرفي بقيمة الكمبيالة في موعد استحقاقها إجراء تقييد عكسي يعد بمثابة الوفاء بقيمتها دون اللجوء إلى المطالبة بذلك قضائيا عبر ممارسة دعوى الرجوع الصرفي، مع أن البنك له الخيار بين التقييد العكسي وممارسة الرجوع الصرفي كما سنبين في الخاصية التالية.

ثانيا: الطابع الاختياري للتقييد العكسي

إن الطابع الاختياري للتقييد العكسي أكدت عليه المادة 502 من م ت التي جاء فيها: “حينما يكون تسجيل دين في الحساب ناتجا عن ورقة تجارية مقدمة إلى البنك، يفترض أن التسجيل لم يتم إلا بعد التوصل بمقابلها من المدين الرئيسي، ونتيجة لذلك إذا لم تؤدى الورقة التجارية في تاريخ استحقاقها فللبنك الخيار في:

– متابعة الموقعين من أجل استخلاص الورقة التجارية

– أو تقييد في الرصيد المدين للحساب الدين الصرفي الناتج عن عدم أداء الورقة أو دينه العادي ردا للقرض، ويؤدي هذا القيد إلى انقضاء الدين وفي هذه الحالة ترجع الورقة التجارية إلى الزبون”.

يتضح إذن من تنصيصات المقتضى أعلاه أن المشرع أقر الطابع الاختياري للتقييد العكسي بشكل صريح ولم يقر بإلزاميته أو إلزامية ممارسة دعوى الرجوع فقط.

بيد أن السؤال الذي يطرح في هذه الأثناء يتعلق بمبرر احتفاظ البنك بالورقة التجارية وممارسته الدعوى على الموقعين عليها خاصة وأنه قيد قيمتها عكسيا بالحساب الجاري للزبون؟

إن هذا الإشكال نعيشه في الواقع العملي وتعج به المحاكم التجارية ولا نجد له مبرر يستند على أسس تطبعها المعقولية، فهل هذا يفصح عن لهو بنكي انتقل إلى حد خرق القانون خرقا سافرا أم ماذا؟

إن الجواب على ما تقدم لا يمكن أن نفسره إلا من زاوية بحث البنوك عن الربح غير المشروع في بعض الأحيان، بحث جعلها تتخطى الحدود وتكشف عن أنيابها التي تتخذ من الزبون فريسة تغرس به.

كما أن المشرع لم يتدخل لوضع حد لهذا الخرق المبالغ فيه للقانون، فإن كانت المادة 502 من م ت واضحة ولا تتضمن في طياتها إبهاما من حيث فهم فحواها فما هو الأساس القانوني الذي يستند عليه البنك للوقوف أمام القضاء للمطالبة بحق أخذه مسبقا؟

إن السؤال الأخير يجعلنا نُسائل تعامل القضاء مع هذه القضية، وبعد بحثنا في بعض القرارات المتصلة بذلك، نسجل رفض قاطع من القضاء لمطالب البنوك المبالغ فيها. هكذا جاء في قرار[87] صادر عن محكمة النقض بتاريخ 7 أبريل 2011 ما يلي:” إذا اختار تقييد قيمة الأوراق التجارية المقدمة للخصم التي تؤد في تاريخ استحقاقها بالرصيد المدين للحساب فإن الدين ينقضي في مواجهة الزبون ويبقى البنك ملزما بإرجاعها لهذا الأخير لممارسة ما عليه من حقوق…”

واضح إذن أن القضاء المغربي التزم بمنطوق المادة 502 من مدونة التجارة التي تقر بطابع التخيير لكن هذا التخيير يتضمن في طياته التزاما ضمنيا. وبعبارة أوضح فالمادة المذكورة عند منحها الخيار للبنك بين تقييد قيمة الورقة عكسيا أو ممارسة الرجوع الصرفي، تكون بذلك قد أقرت بعدم جواز الجمع بين الاختيارين، أي تقييد قيمة الورقة غير المؤداة بالحساب وممارسة الرجوع الصرفي معا، والقضاء المغربي أفصح عن ذلك في عدة مناسبات.

خاتمة:

يلعب الائتمان البنكي دورا بارزا في مجال تحقيق التنمية، فهو اللبنة المعول عليها لحمل مشعلها والرفع من نجاعة القطاعات المختلفة، ودعم فئات عديدة من أفراد المجتمع، بالإضافة إلى مساعدة التجار على إنجاح تجارتهم والرقي بها من أجل ضمان الاستمرارية وتفادي السقوط في مطب التوقف عن الدفع. لأن التجربة أبانت منذ القدم عن صعوبة مواصلة التجار ممارسة نشاطاتهم من دون اللجوء إلى الائتمان البنكي.

ويتخذ الائتمان البنكي شكل عقود تجمع المؤسسات البنكية مع جمهور الزبناء، تعتبر الإطار العام المحدد لواجبات وحقوق كل متعاقد على حدة، ولا يجوز الخروج عنه في جميع الحالات.

إلا أن هذا الائتمان الذي يرتسم في شكل عقود بنكية تشوبه العديد من النواقص والتجاوزات تجعل من الزبون مطية سهلة للبنك، يستطيع الدهس عليها في أي وقت، من دون رقيب أو حسيب، بل بتطبيل ودعم خيالي من المشرع.

ولتجاوز الاختلال البنيوي الذي يسرح ويمرح في المجال الائتماني نقترح على المشرع الأصم الحلول الموالية:

-يتوجب على المشرع إعادة النظر في المقتضيات التي تعالج موضوع الفائدة البنكية، ومن ضمنها المادة 495 من مدونة التجارة التي تنص على أن الفائدة تسري بقوة القانون لفائدة البنك فقط، وهذا غير مقبول، إذ ما هو أساس حرمان الزبون – التاجر – من حقه الأصيل المتمثل في الفائدة خاصة إذا كان الحساب دائنا وليس مدينا.

وهذا الاقصاء يناقض أبجديات قانون الالتزامات والعقود، الذي يجعل من الفوائد أمر مباح في المجال التجاري، وبالتالي ما هو سبب حرمان الزبون من حقه في الاستفادة من الفوائد؟

صراحة هذا السؤال يجعلنا نكتشف التسلط الذي يمارسه اللوبي البنكي على المشرع، هذا الأخير أصبح وسيلة تستخدمها الأبناك لجني الربح غير المشروع.

وقد يقول البعض أن الفائدة بين المسلمين محرمة والتاجر هو الآخر مسلم لا يجوز له التعامل بالربا بإستثناء البنك الذي يحق له التعامل به كونه لا دين له، إلا أن هذا القول مردود ويسهل دحضه، فلنفترض أن التاجر هو شركة تجارية تتعامل مع بنك معين، فهل للشركة دين لتبرير حرمانها من الحق في جني الفائدة؟

جوف الصواب، يتعين على المشرع المرتبك انتشال نفسه من الغيبوبة التي يعيش فيها منذ زمن ليس ببعيد، والعمل على ترميم المادة 495 من مدونة التجارة من خلال التنصيص على أن الزبون – وعلى غرار البنك- يستفيد من الفوائد.

-ارتباطا بموضوع الفوائد البنكية نرى أنه يتعين تبسيط طرق احتسابها لكي يكون الزبون عالما بحقوقه، بالإضافة إلى أنه يتعين فرض رقابة على الفوائد الاتفاقية التي قد تتحول إلى شروط تعسفية في حق المتعاملين مع الأبناك المغربية.

-يجب تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 503 من مدونة التجارة، التي تجعل من التسوية القضائية سببا لغلق الحساب البنكي، مع العلم أن التسوية تعتبر محطة بارزة لتقويم الاختلال الذي يهدد المقاولة، وأن غلق الحساب في هذه المحطة يعني الحكم عليها بالإخفاق، لأنه السبيل لنجاحها.

– كذلك يتوجب على المشرع إعادة النظر في المادة 525 من نفس المدونة، التي تتعلق بإنهاء عقد فتح الاعتماد البسيط، وقد أوضحنا ذلك مسبقا.


 لائحة المراجع:

الكتب:

امحمد الفروجي: العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2001.

بوحور حسن: إشكالية الحساب البنكي في ضوء الممارسة البنكية والعمل القضائي، الطبعة الأولى، مطبعة دار السلام للنشر والتوزيع، الرباط 2017.

سمير الستاوي: المسؤولية البنكية في مجال خصم الأوراق التجارية، الطبعة الأولى، مطبعة دار السلام، الرباط 2005.

علي جمال الدين عوض: عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة 1981.

عبد الرحيم المودن: القانون البنكي المغربي، مطبعة سجلماسة، مكناس، طبعة 2018.

عبد العالي دقوقي: محاضرات في حق الملكية وفي الضمانات العينية والشخصية، دراسة في ضوء القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية، مطبعة سجلماسة، 2018/2019.

محمد صبري: الائتمان البنكي، مسؤولية البنك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، 2001.

الرسائل:

محمد أهلي: مخاطر القروض البنكية وآليات ضبطها، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، في القانون الخاص، قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء 2008/2009.

رشيد الشانب: شركات القروض الاستهلاكية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة القانون المدني، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، الرباط، السنة الجامعية 2003/2004.

فاتحة براني: الائتمان البنكي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة 2006/2007.

قمرية قباب: الأحكام العامة لعقد الحساب الجاري وآثاره بين المتعاقد والبنك، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر، قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي، الرباط 2012.

المقالات:

سعيد الروبيو: أحكام مشتركة بين الحساب بالاطلاع والحساب البنكي العادي، مقال منشور بمجلة العلوم القانونية، فقه القضاء التجاري، عدد مزدوج، 3-4، الرباط 2017.

حسن العفوي: مقال منشور بمجلة البحوث، فقهية – قانونية – ثقافية، العدد المزدوج 12-13، 2015

أحكام وقرارات:

حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 2003/1209 الصادر بتاريخ 28/01/2003 ملف عدد 99/6192، غير منشور.

حكم المحكمة التجارية بأكادير رقم 557 بتاريخ 07-03-2007 ملف عدد 2217 – 06 منشور بمجلة المرافعة سنة 2008، ص 356.

قرار محكمة النقض عدد 906 بتاريخ 21-07-2004 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، عدد 11 سنة 2006، ص 16.

قرار المجلس الأعلى عدد 1147 بتاريخ 14 يونيو 1982 منشور بمجلة المعيار، العدد 9-10 ص59.

قرار المجلس الأعلى عدد 983 صادر بتاريخ 14 فبراير 1996 ملف مدني عدد 3219/85 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 52، ص 159.

قرار محكمة النقض عدد 706 المؤرخ في 29-04-2010 ملف تجاري عدد 453-03-2009، غير منشور.

قرار المجلس الأعلى عدد 769 صادر في 4 أبريل 1990 ملف مدني عدد 3898/85 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد1، سنة 2003

قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 764 بتاريخ 10-06-1999 ملف عدد 814/99/8.

قرار محكمة النقض عدد 524 الصادر بتاريخ 7 أبريل 2011، ملف تجاري عدد 1377/3/1/2010.

الظهائر:

ظهير شريف بمثابة القانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974) ص2741.

ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس1996) بتنفيذ قانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4418، 19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996).

ظهير شريف رقم 1.97.65 الصادر في 4 شوال 1417 (12فبراير 1997) بتنفيذ قانون 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 15 ماي 1997، ص 1141.

القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر في 25 من ذي الحجة (22 نونبر 2011) منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص5587.

ظهير شريف رقم 1.14.193 صادر في فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) بتنفيذ قانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015، ص 462.


الهوامش:

[1]– ظهير شريف رقم 1.93.147 الصادر بتاريخ 15 من محرم 1414 (6 يوليوز 1993)، الجريدة الرسمية عدد 4210 بتاريخ 07/07/1993، ص1156 وما بعدها.

[2]– نقصد بالبنوك العامة تلك المؤسسات المصرفية التي توجد الدولة كمساهم رئيسي بها، من قبيل البنك الشعبي BMCE)) والصندوق الوطني للقرض الفلاحي (CNCA) والبنك العقاري والسياحي CIH)). في حين ينسحب مضمون البنوك الخاصة إلى المؤسسات التي يتواجد الأفراد كمساهمين بها وفي غياب تام لمساهمة الدولة، وتتمثل في التجاري وفا بنك ومصرف المغرب والبنك المغربي للتجارة والصناعة وبنوك أخرى.

[3]– ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس1996) بتنفيذ قانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4418، 19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996)

[4]– ظهير شريف رقم 1.14.193 صادر في فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) بتنفيذ قانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ 22 يناير 2015، ص 462.

[5]– تعرف المادة الخامسة من القانون 103.12، عقد شراء الفاتورات بأنه: ” اتفاق تلتزم بموجبه إحدى مؤسسات الائتمان بتحصيل ديون تجارية وتعبئتها إما عن طريق شراء الديون المذكورة وإما عن طريق التصرف كوكيل للدائن مع ضمان حسن انجاز العملية في هذه الحالة الأخيرة “.

[6]– سيتضح ذلك بجلاء عند تطرقنا لأهم العقود البنكية في الفصل الثاني من هذه الدراسة.

[7]– للمزيد بخصوص تجارية عقد الحساب بالاطلاع أنظر:

علي جمال الدين عوض: عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة 1981، ص237.

[8]-تنص المادة 18 على ما يلي:” يتعين على كل تاجر لأغراضه التجارية أن يفتح حسابا بنكيا لدى مؤسسة ائتمان أو لدى مصلحة الشيكات البريدية “.

[9]– ويمكن أن يكون محدد المدة، لكن الشائع في الواقع العملي أنه لا يتأسس على مدة محددة، مما يجعله ينفرد عن الحساب لأجل.

10- أنظر المادة 503 من م ت.

[11]– أنظر المواد 487 إلى 492 من م ت.

[12] – أنظر المواد 493 إلى 505 من م ت.

[13]– أنظر المواد 506 إلى 508 من م ت.

[14]– أشير فقط إلى أن القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها حدد وظائف المؤسسات البنكية في منح الائتمان وتلقي الأموال من الجمهور، فبخصوص الوظيفة الأخيرة تجب الإشارة إلى أنها تتم عن طريق عقود وديعة وهو ما ينطبق على عقد الحساب لأجل.

[15]– سعيد الروبيو: أحكام مشتركة بين الحساب بالاطلاع والحساب البنكي العادي، مقال منشور بمجلة العلوم القانونية، فقه القضاء التجاري، عدد مزدوج 3-4 الرباط 2017، ص60.

[16]– امحمد لفروجي: العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2001، ص177.

[17]– تنص المادة 506 من م ت على أنه:” لا يجدد الحساب لأجل إلا بطلب صريح للزبون وموافقة البنك “.

[18]– عبد الرحيم المودن: القانون البنكي المغربي، مطبعة سجلماسة، مكناس 2018، ص 122.

[19]– ويعزى شرط التماثل إلى نظام التجديد الذي يجرد الديون التي تلج الحساب من طبيعتها، وهو ما تم التنصيص عليه صراحة في الفقرة الأولى من المادة 498 من مدونة التجارة بحيث جاء فيها: ” تفقد الديون المسجلة في الحساب صفاتها المميزةوذاتيتها الخاصة وتعتبر مؤداة…”

فمن خلال هذه الصياغة نسجل أن التماثل أمر ضروري لولوج الدين الأصلي الحساب البنكي، لأنه في غياب هذا التماثل لن تتحقق المقاصة وبالتالي ستنعدم عملية التسوية التي تعتبر حجر الزاوية في فتح الحساب بالاطلاع.

[20]– عبد الرحيم المودن: القانون البنكي المغربي، م س، ص 125.

[21]– جاء في المادة 493 من م ت: ” الحساب بالاطلاع عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف وحيد …”

فحسب هذه المادة يمكن القول أن المشرع يتكلم فقط عن شرط التبادل من خلال إدراجه عبارة ” متبادلة “ ولم يشر إلى شرط التشابك كما يرى البعض، وعليه فالأمر يتعلق بشرط تبادل المدفوعات ولا محل لابتداع شرط آخر لم يشر إليه المشرع بالمرة.

[22]– امحمد الفروجي: العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، م س، ص99.

[23]– أنظر المادة 488 من م ت.

[24]– للمزيد حول موضوع وكالات الأسفار أنظر: جمال أميرة وآخرون، وكالات الأسفار على ضوء القانون الجديد 11.16، بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، السنة الجامعية 2018/2019.

[25]– أنظر المادة 488 من م ت.

[26]– عبد الرحيم المودن: القانون البنكي المغربي، م س، ص 137.

[27]– لقد حاولنا التطرق لالتزام البنك بضبط العمليات التي تلج الحساب نظرا لأهميته على الصعيد العملي، رغم أن المدونة لم تفصح عنه بشكل واضح، إلا أن تخويل الزبون الحق في ممارسة دعوى تصحيح الحساب التي تترتب غالبا عن عدم ضبط العمليات يجعل من هذا الالتزام قائما في مواجهة سائر الأبناك.

[28]– للتوسع بهذا الخصوص أنظر عبد الرحيم المودن، م س، ص 266 وما بعدها.

[29]– لأن عدم إرسال المستخرج داخل الأجل المعين لذلك سيفقده قوته الإثباتية، وهو ما من شأنه زعزعة وضعية البنك إذا ما طعن الزبون في هذه الحجية عند قيام نزاع.

[30]– أنظر ما سبق عرضه بخصوص العناصر المادية لاتفاقية الحساب بالاطلاع.

[31]– جاء في الفصل 268 ق إ ع:” لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مطل المدين”.

[32]– الفقرة الأولى من المادة 503 من م ت.

[33]– للمزيد حول تغيير طبيعة الديون أو المدفوعات كأحد أبرز آثار اتفاقية الحساب البنكي، أنظر:

علي جمال الدين عوض: عمليات البنوك من الوجهة القانونية، م س، ص 300 وما بعدها.

امحمد الفروجي: العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي: م س، ص107 وما بعدها.

[34]– قمرية قباب: الأحكام العامة لعقد الحساب الجاري وآثاره بين المتعاقد والبنك، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر، قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي – الرباط، 2012، ص 68.

[35] -نعتقد أن تخويل المفرد الحسابي الانسلاخ عن الدين الأصلي فيه حماية له وفيه تقوية لدور الحساب الجاري واعتراف ما بعده اعتراف للهيبة التي يضفيها على هذه المفردات، كما أن هذا التحول يجعل من التقادم الصرفي يسيج ويقيد بما فيه خدمة لصالح الأطراف التي تقدم على الاشتغال بالحساب الذي نحلله.

[36]– أنظر: عبد الرحيم المودن، م س، ص 150 وما بعدها

[37]– مر معنا أن من العناصر المادية التي تتألف منها اتفاقية الحساب البنكي الجاري نجد شرط أن تكون المدفوعات ناجمة عن عمليات أكيدة.

ونعتقد في هذا الصدد أن تضمين هذا الشرط في الاتفاقية المذكورة فيه إعراب مباشر عن حقيقة الأثر التجديدي، الذي يجعل من المدفوع ينسلخ من كل العمليات التي تسبق دخوله الحساب، مما يرتب بداهة أن هذا الأخير لا يمكن المطالبة به، وهذا ما يعرف بفقدان دعاوى الدين الأصلي.

كما أن تضمين اتفاقية الحساب الجاري شرط أن تكون المدفوعات أكيدة ينفي جهل الزبون بالأثر الناجم عن تجدد الدين الأصلي مما لا يحق له أن يطالب بها عند نشاط الحساب البنكي.

[38]– خاصة وأن فتح الحساب يدخل في صميم التزامات كل تاجر سواء كان ذاتيا أو معنويا، ومكامن حرية التاجر في هذا الصدد تتجلى في اختيار البنك الذي يناسبه، أما القول بأن له الحرية في عدم فتح الحساب بمسوغات واهية فهو طرح مردود ولا نقبل به.

[39]– كما أن ذلك يترجم بجلاء الاحترام التشريعي لمبدأ حرية التعاقد، هذا الأخير يتأسس على تفادي كل أوجه تقييد الحرية التعاقدية لا سيما في الميدان التجاري الذي يتسم بالسرعة والثقة والائتمان.

[40]– تنص الفقرة الأولى من المادة 503 من م ت على أنه:” يوضع حد للحساب بالاطلاع بإرادة أي من الطرفين، بدون إشعار إذا كانت المبادرة من الزبون ومع مراعاة الاشعار … إذا كانت المبادرة من البنك”.

[41]– مع الملاحظ أنه لا يمكن النزول عن هذا الحد، بمعنى آخر لا يمكن منح أجل أقل من ستين يوما لإغلاق الحساب، في مقابل ذلك يمكن للبنك أن يمنح للزبون مهلة تفوق الأجل المذكور، وهو ما يخدم مصالح الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.

[42]– امحمد الفروجي: م س، ص 147 وما بعدها.

[43]– تم نسج وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة بموجب القانون 73.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26 الصادر في 19 أبريل 2018، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6667، ص2345.

[44]– للتوسع في موضوع وضعية الحساب البنكي في ظل الكتاب الخامس من مدونة التجارة أنظر:

محمد بنخلوق: الحساب البنكي بين الاستمرارية والتفويت في ضوء القانون 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون وعمليات البنوك التشاركية، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، مكناس، السنة الجامعية 2018-2019.

[45]– جاء في الفقرة الأولى من المادة 586 من م ت:” تتابع المقاولة نشاطها بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية”.

[46]– قرار محكمة النقض عدد 906 بتاريخ 21-07-2004 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، عدد 11 سنة 2006، ص 16.

[47]– أنظر حكم المحكمة التجارية بأكادير رقم 557 بتاريخ 07-03-2007 ملف عدد 2217 – 06 منشور بمجلة المرافعة سنة 2008، ص 356.

[48]– قرار محكمة النقض عدد 706 المؤرخ في 29-04-2010 ملف تجاري عدد 453-03-2009، غير منشور.

[49]– وهذا على خلاف بعض الآراء التي تعتبر أن البنوك تبادر إلى دعم التجار من منطلق الدعم فقط، فالمبادرة البنكية لمنح التمويلات المطلوبة إلى الزبناء تصاحبها اشتراطات تعود بالربح عليها، وهو ما يجعلنا ندحض كل الآراء التي تنطلق في تحليلها من منطلقات أخلاقية والحال أن الائتمان عموما يقوم على أسس ربحية وتبادلية بل تسلطية في بعض الحالات.

[50]– أنظر المواد 487 إلى 544 من م ت.

[51]– فاتحة براني: الائتمان البنكي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2006/2007، ص8.

[52]– المرجع ذاته، ص9.

[53]– وقد لا يكون تاريخ رد مبلغ القرض العادي إلى المقرض محددا، إلا أن ذلك لا يثير أية مشكلة ما دام أن الفصل 867 من ق إ ع يعتبر أجل الرد مقرون بطلب المقرض، بمعنى يتعين على المقترض الوفاء بدينه عند طلب المقرض.

[54]– ظهير شريف رقم 1.97.65 الصادر في 4 شوال 1417 (12فبراير 1997) بتنفيذ قانون 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 15 ماي 1997، ص 1141.

[55]– تنص المادة العاشرة من م ت: ” تعتبر تجارية كذلك الوقائع والأعمال التي يقوم بها التاجر بمناسبة تجارته ما لم يثبت خلاف ذلك “.

[56]– جاء في المادة السادسة من م ت: ” مع مراعاة أحكام الباب الثاني من القسم الرابع بعده المتعلق بالشهر في السجل التجاري، تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية: … 7- البنك والقرض والمعاملات المالية؛ “.

[57]– قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 764 بتاريخ 10-06-1999 ملف عدد 814/99/8 أوردته فاتحة براني: م س، ص18.

[58]– ظهير شريف بمثابة القانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974) ص2741.

[59]– جاء في الفصل 18 من نفس القانون: ” تختص المحاكم الابتدائية – مع مراعاة الاختصاصات الخاصة المخولة إلى أقسام قضاء القرب – بالنظر في جميع القضايا المدنية والأحوال الشخصية والميراث … والاجتماعية ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف “.

[60]– أرقام واردة في التقرير السنوي لبنك المغرب 2006، ص15 وما بعدها.

[61]– وبلغت قيمة القروض المتوسطة الأمد حسب تقرير بنك المغرب 69.155 مليار سنة 2006، وهو رقم منخفض بالمقارنة مع رقم القروض القصيرة الأمد التي سبق التطرق إليها أعلاه.

[62]– فاتحة براني: الائتمان البنكي، م س، ص4.

[63]– أنظر التقرير السنوي لبنك المغرب 2006، ص15 وما بعدها.

[64]– للمزيد حول القروض الاستهلاكية أنظر، رشيد الشانب: شركات القروض الاستهلاكية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة القانون المدني، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، الرباط، السنة الجامعية 2003/2004، ص60.

[65]– القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر في 25 من ذي الحجة (22 نونبر 2011) منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص5587.

[66]– عبد العالي دقوقي: محاضرات في حق الملكية وفي الضمانات العينية والشخصية، دراسة في ضوء القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية، مطبعة سجلماسة، 2018/2019، ص160 وما بعدها.

[67]– الفصل 1117 من ق إ ع.

[68]– الفقرة الأولى من الفصل 866 من ق إ ع.

[69]– للتفصيل في موضوع مخاطر القروض البنكية أنظر:

محمد أهلي: مخاطر القروض البنكية وآليات ضبطها، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني – عين الشق – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2008/2009.

[70]– قرار المجلس الأعلى عدد 769 صادر في 4 أبريل 1990 ملف مدني عدد 3898/85 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، العدد1، سنة 2003.

[71]– للمزيد أنظر القرارات التالية:

قرار المجلس الأعلى عدد 1147 بتاريخ 14 يونيو 1982 منشور بمجلة المعيار، العدد 9-10 ص59.

قرار المجلس الأعلى عدد 983 صادر بتاريخ 14 فبراير 1996 ملف مدني عدد 3219/85 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 52، ص 159.

[72]– أنظر الباب الخامس منه.

[73]– تنص الفقرة الأولى من المادة 525 من م ت على أنه: ” يفتح الاعتماد لمدة معينة قابلة أو غير قابلة للتجديد، أو لمدة غير معينة “

[74]– أنظر فاتحة براني: الائتمان البنكي، م س، ص 22.

[75]– للاطلاع على آراء الفقه بشأن طبيعة عقد فتح الاعتماد، أنظر على جمال الدين عوض، م س، ص 422 وما بعدها.

[76]– محمد صبري: الائتمان البنكي، مسؤولية البنك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية 2001، ص65.

[77]– محمد صبري: الائتمان البنكي، مسؤولية البنك المدنية عند تجاوز أذون الاعتمادات، م س، ص67.

[78]– علي جمال الدين عوض، م س، ص 74.

[79]– حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 2003/1209 الصادر بتاريخ 28/01/2003 ملف عدد 99/6192، غير منشور.

[80]– بحور حسن: إشكالية الحساب البنكي في ضوء الممارسة البنكية والعمل القضائي، الطبعة الأولى، مطبعة دار السلام للنشر والتوزيع، الرباط 2017، ص 232.

[81]– أشير فقط إلى أن عقد الخصم ينصب في الغالب على الكمبيالات دون غيرها من الأوراق التجارية الأخرى.

[82]– بحور حسن: إشكالية الحساب البنكي في ضوء الممارسة البنكية والعمل القضائي، م س، ص 240.

[83]– للتفصيل في موضوع نظام التجديد أنظر:

قمرية قباب: الأحكام العامة لعقد الحساب الجاري وآثاره بين المتعاقدين والبنك، م س، ص 70 وما بعدها.

[84]– سمير الستاوي: المسؤولية البنكية في مجال خصم الأوراق التجارية، الطبعة الأولى، مطبعة دار السلام، الرباط 2005، ص254.

[85]– المرجع ذاته، ص 255.

[86]– فالغاية من خلق البنوك ليست جعلها كمستودع لتخزين الأموال وحراستها، فهي ليست حارس للنقود بل هي المحرك والموظف الرئيسي لها بطريقة سليمة ومعقلنة. وهو ما يمكن استنتاجه من القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الذي حصر وظائفها في تلقي الأموال من الجمهور ومنح الائتمان ووضع وسائل الأداء رهن تصرف الزبناء.

[87]– قرار محكمة النقض عدد 524 الصادر بتاريخ 7 أبريل 2011، ملف تجاري عدد 1377/3/1/2010، مشار إليه في عبد الرحيم المودن، م س، ص224 وما بعدها.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)