الفاسي ياسين: التشهير والمس بالحياة الخاصة في القانون المغربي

المغرب خارج اللائحة الرمادية للملاذات الضريبية للاتحاد الأوروبي

الوساطة الإجتماعية بين حداثة التجربة المغربية ورهانات الإدماج ضمن مقتضيات مدونة الشغل

27 فبراير 2021 - 3:14 م مقالات , القانون الخاص , في الواجهة , مقالات
  • حجم الخط A+A-

 نادية بالمعطي باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الخاص بكلية الحقوق-السويسي

تعد نزاعات الشغل الجماعية من أصعب وأخطر النزاعات التي يعرفها قانون الشغل إلى درجة أن هذا القانون نفسه يضع حلولا أو طرقا غير مألوفة لفض مثل هذه النزاعات بحيث يلاحظ أن قانون الشغل لا ينص على إحالة هذه الأخيرة على المحاكم مباشرة بل ينص على إحالتها لآليات وأجهزة مهنية وإدارية لحلها، وهذا ما يلاحظ في القانون المغربي إذ نجد أنه تم تخصيص الكتاب السادس من مدونة الشغل المغربية لتسوية نزاعات الشغل الجماعية والذي يتضمن جميع المراحل التي تمر منها النزاعات الجماعية تبتدئ من مفتشية الشغل ثم مندوبية الشغل ثم اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة برئاسة عامل الإقليم ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة برئاسة وزير الشغل والإدماج المهني ثم المرور إلى مسطرة التحكيم التي لا زال تفعيلها ضعيفا.

ومهما تعددت الخلافات أو النزاعات الجماعية للشغل فإنها تبقى مع ذلك متشابهة من حيث المنابع القانونية على الخصوص وما يستتبع ذلك من تكييف مستمر يمكن من إيجاد الحل الأنسب، لذا عملت جل التشريعات المقارنة على البحث عن وسائل جديدة تشكل بديلا للقضاء حتى تتمكن من مسايرة التطورات التنموية التي فرضتها المتغيرات الجديدة لهذا العصر، ومن بين الوسائل البديلة التي تم تفعيلها لحل الخلافات الشغلية كالتحكيم والصلح نجد الوساطة الإجتماعية.

وبالرغم من عدم تنصيص المشرع على الوساطة الإجتماعية صراحة إلا أن جميع المجالات التي يجوز فيها الصلح في مدونة الشغل والتي من بينها نزاعات الشغل الجماعية فإنه يمكن أن تصلح مبدئيا لإعمال نظام الوساطة فيها شريطة احترام الشكليات المتطلبة والمنصوص عليها في كل من مدونة الشغل والقانون رقم 08.05 المتعلق بالتحكيم الداخلي والدولي والوساطة الإتفاقية.كما أن الأهمية التي حظيت بها الوساطة كوسيلة من الوسائل السلمية لتسوية نزاعات الشغل الجماعية، خصوصا إبان ظهورها سنة 1955 بفرنسا، انعكست على الإهتمام الفقهي بها، والذي نجده يختلف حول تعريفها، في ظل صمت غالبية التشريعات عن إعطاء تعريف لها[1].

إلا أننا نجد بخلاف جل التشريعات المقارنة، أن المشرع الجزائري في القانون رقم 90-02 المؤرخ بتاريخ 06 فبراير 1990، و المتعلق بالوقایة و تسویة نزاعات العمل وممارسة حق الإضراب، عرف الوساطة الإجتماعية  في المادة العاشرة منه بأنها:“إجراء یتفق بموجبه، طرفا الخلاف الجماعي على إسناد مهمة اقتراح تسویة ودیة للنزاع إلى شخص من الغير یدعى الوسيط ویشتركان في تعيينه”[2].

ومنه يمكن القول أن من أهم السمات المميزة للوساطة الإجتماعية، المرونة  والليونة وما تقتضيه من التخلي عن تشعب إجراءات ومساطر القضاء وتعقيداته، واعتبارها كذلك مرحلة وسطى بين التصالح  والتحكيم، بحيث أصبح نظام التحكيم بدوره لا يلجأ إليه إلا بعد استنفاذ طريق الوساطة[3]، التي تحقق حل الخلاف بأيسر السبل وأقل التكاليف.

وإذا كانت الوساطة في نزاعات الشغل الفردية لا تجد في القانون المغربي والمقارن مرجعية قانونية خاصة بها[4]، اللهم إذا أمكن اللجوء إليها في إطار القواعد العامة للوساطة، فإن نزاعات الشغل الجماعية قد حظيت بوجود إطار قانوني للوساطة فيها لدى العديد من القوانين المقارنة[5]. فماذا عن القانون المغربي؟

ومنه تطرح الإشكالية التالية:

أي موقع للوساطة الإجتماعية كآلية بديلة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية في ظل حداثة التجربة المغربية ورهان الإدماج ضمن مقتضيات مدونة الشغل؟

وللخوض في غمار الموضوع والإجابة على الإشكالية أعلاه تم وضع التصميم الآتي:

  • أولا: تجليات الوساطة الإجتماعية على المستوى الوطني
  • ثانيا: الوساطة الإجتماعية ورهانات إدماجها في التشريع المغربي

أولا: تجليات الوساطة الإجتماعية على المستوى الوطني

إن رغبة المشرع المغربي في إحتواء النزاعات الجماعية  وتحقيق السلم والأمن الإجتماعيين عكسها الكتاب السادس من مدونة الشغل الحالية[6]، وذلك بإعادة إحياء آليتي المصالحة والتحكيم  من خلال إلزامية المصالحة واختيارية التحكيم، مشددا على أن يتم النظر في النزاع  وفق مدد زمنية  قصيرة وإجراءات مرنة ومبسطةودون أن يتوسع ليشرع مساطر أخرى كالوساطة رغم انتشارها واهتمام التجارب المقارنة بها .

وإذا ما تحدثنا عن تجليات الوساطة الإجتماعية لحل النزاعات في قطاع الشغل بالمغرب، فإننا نجد أن الواقع المغربي لا تخفى عن ثقافته وتقاليده هذه الآلية الودية لتسوية النزاعات، إذ أنها كانت تمارس بشكل غير نظامي بعيدة عن الإطار القانوني، وذلك حينما كان يقوم بها أمين الحرفيين أو الصناعيين التقليديين عند نشوب النزاعات  بين المتعلم أو المتعلمين والمعلم  أو بين الحرفيين أنفسهم حيث يعمل على تسوية النزاع بإرجاع المتعلم إلى عمله أو منحه  قدرا من المال كتعويض في حالة وقعت له إصابة معينة، وقد كانت هذه الآلية ناجعة في كل من مدينة فاس ومراكش بالخصوص حيث كان يتم تسوية العديد من النزاعات التي لها علاقة بالشغل عبرها وبعيدا عن مؤسسة القضاء.

وبما أن المشرع المغربي  يقر بإلزامية اللجوء إلى مسطرة التصالح في نزاعات الشغل الجماعية، وكذا بجوازية اللجوء للصلح في نزاعات الشغل الفردية من خلال مدونة الشغل، فحسب اعتقادي فجواز إجراء الوساطة فيما يتعلق بالمنازعات الشغلية فردية كانت أم جماعية، فإنه سيعطي دفعة قوية لتعزيزالطابع الحمائي للأجير.

وفي هذا الإطار ولتفعيل آلية –الوساطة الإجتماعية- التي ترسخ معنى الحوار الإجتماعي، قام الإتحاد العام لمقاولات المغرب[7] بصفته منظمة تتحلى بالمسؤولية الإجتماعية، باستغلال مناخ الثقة الذي بدأ يتأسس مع فرقائه الإجتماعيين، والتفكير في وضع آلية الوساطة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية، لكونها من بين الطرق السريعة والودية والفعالة والأقل تكلفة، ولتصبح أداة مكملة لطرق التسوية القانونية – الصلح والتحكيم- التي لا يزال استعمالها ضعيفا من طرف المقاولات والمنظمات النقابية .

مقال قد يهمك :   فراجي : رئاسة النيابة العامة تصحح المفاهيم بخصوص قانون مكافحة الاتجار بالبشر

وفي هذا الصدد وقعت الفدرالية الديمقراطية للشغل مع الإتحاد العام لمقاولات المغرب كأكبر تجمع لأصحاب المقاولات والشركات والمصانع بالمغرب بمقر الفيدرالية بالدار البيضاء يوم الثلاثاء 26 مارس 2012 إطارا توافقيا لنظام الوساطة الإجتماعية رغبة من الطرفين في تطوير التوافق في الآراء  بشأن جميع المشاريع ذات المصلحة الوطنية، وبهدف تشجيع الوساطة بين الفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين من أجل خلق آلية استباقية لحل المنازعات الإجتماعية، وخلق قضاء اجتماعي سلمي يشجع على المردودية والتنافسية في إطار إحترام الإلتزامات الإجتماعية للمقاولة وتطوير المكتسبات الإجتماعية للأجراء، ومن تم رفع إنتاجية المقاولات بإحترام تام لمدونة الشغل والمواثيق الدولية، وتعزيز الشراكة في مجال تسوية نزاعات الشغل الجماعية من خلال اعتماد آلية الوساطة الإجتماعية بهدف الوقاية من هذه النزاعات والعمل على حلها عند وجودها[8].

ولمواكبة مسار الإصلاح الذي سار عليه الإتحاد العام لمقاولات المغرب، بادرت لجنة الشغل والعلاقات الإجتماعية لإتحاد العام لمقاولات المغرب، بدعم من مكتب العمل الدولي، إلى إصدار“دليل للوساطة الإجتماعية” كمحاولة للنهوض بآلية الوساطة وإعمالها في وسط العلاقات الإجتماعية خصوصا الجماعية منها(للإطلاع على الدليل يمكن الرجوع لصفحة CGEM).

وتنبغي الإشارة إلى أن مهمة الوساطة كوسيلة بديلة لتسوية نزاعات الشغل لا تناط في معظم الأحيان بهيئة مكونة من عدة أعضاء، وإنما تناط بشخص واحد، شخص تلعب شخصيته وتكوينه، ومدى العلاقة التي تربطه بطرفي النزاع والثقة التي يتمتع بها لديهما دورا هاما إن لم نقل حاسما في نتيجة الوساطة وبتحريك إجراءاتها وفي التوصل إلى تسوية النزاع .

كما أن دور الوسيط لا يقتصر فقط على التقريب بين وجهة  نظر كل طرف من أطراف النزاع بل يتجاوز هذه الحدود ليمتد إلى البحث والتحقيق وتقديم المقترحات التي يرى أن من شأنها المساهمة في إيجاد التسوية المطلوبة للنزاع مع المحافظة في ذات الوقت على العلاقة الطيبة بين طرفيه وضمان استمرار التعاون بينهما، وذلك باحترام الوسيط للمراحل المحددة للوساطة ووفق المبادئ المؤطرة لها… .

وبعد استيفاء مراحل الوساطة وانتهاء الأطراف من جميع إجرائتها، انطلاقا من تقويم النزاع والتفاوض بشأن النقط التي تثير خلافا بين الطرفين، فإن الوساطة قد تتوج بفشل الأطراف في التوصل إلى حل بينهمكما أنها قد تنتهي بنجاح الأطراف في صياغة حل نهائي في حالة الإتفاق فيما بينهم.

  • فشل الوساطة في نزاعات الشغل الجماعية

إن فشل الوساطة يتم عندما لا يتمكن الوسيط من تسوية النزاع كليا أو جزئيا خلال المدة القانونية بسبب وصول المفاوضات إلى طريق مسدود لا يمكن معه للأطراف الإستمرار في النقاش نظرا لعدم تقارب وجهات نظرهم حول النزاع ، أو بسبب تغيب الخصوم وعدم متابعتهم لإجراءات الوساطة ..، إذ أن الوسيط في هذه الحالة يخبر الأطراف بهذا الفشل [9] ويشعرهم بأن كل ما أدلو به خلال مراحل الوساطة من تصريحات أو وثائق لا يمكن التمسك بها أمام جهة أخرى وتبقى محاطة بسرية تامة، في هذه الحالة يسلم الوسيط للأطراف وثيقة عدم وقوع الصلح، إلا أن السؤال الذي يطرح هنا هو ما الغاية في تسليم هذه الوثيقة ما دام لم يتوصل الأطراف إلى صلح ومادام لا يمكن التمسك بما جرى أمام الوسيط من نقاشات أو تبادل للحجج أمام جهة أخرى؟ لهذا يمكن القول أن هذا الإجراء لا فائدة منه، ويمكن اعتباره  تكليفا للوسيط وإجراءا لا طائل منه يستحسن إلغائه في أول فرصة تتاح للمشرع[10]، تكريسا لخاصية المرونة والسرعة التي تتميز بها الوساطة، وعدم إدخاله في تقنينه المستقبلي للوساطة الإجتماعية.

إلا أن فشل الوساطة لا يحول  دون إكتساب الأطراف المتنازعة لعدة امتيازات أو ما يمكن أن نسميه ” بنجاحات ” أهمها[11]:

  • تبادل المعلومات وفض العداءات والتحامل والأحكام الخاطئة المسبقة.
  • مساعدة الأطراف على التواصل والتعامل بسلوك مثمر فيما بعد.
  • إعطاء فرصة لكل الأطراف في الإستماع لما يقوله الطرف الأخر.
  • تسهيل رسم عملية تفاوض فيما بعد.

وفي الأخير فإن فشل الوساطة لا يمنع من اللجوء الى التحكيم أو القضاء وإحالة النزاع على إحداهما، إذ أن اللجوء إلى الوساطة لا يقلص بأي شكل من الأشكال الحق في اللجوء سواء للتحكيم أو القضاء في حالة فشلها، وذلك من أجل عرض النزاع على جهاز جديد، إلا أن الوساطة كما تنتهي بالفشل فقد تتوج بالنجاح.

  • نجاح الوساطة في نزاعات الشغل الجماعية

إن الوساطة تتوج بالنجاح من خلال اتفاق الأطراف فيما بينهم حول نقط الخلاف ويتحقق هذا بانخراط كل طرف في المفاوضات بشكل جدي، باستماعه للطرف الآخر، واستعداده للتنازل عن بعض حقوقه ليتأتى التوافق فيما بينهم، وهذا الإتفاق قد يكون كليا من خلال اتفاق الأطراف على جميع النقط التي كانت محل خلاف بينهم، وقد يكون جزئيا باتفاقهم على بعض النقط واختلافهم على بعضها، وقد نص المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 68-327 على أن الصلح الذي يتوصل إليه الأطراف يخضع للقسم التاسع من الكتاب الثاني لقانون الإلتزامات والعقود المنظم للصلح، وبالرجوع إلى هذا القسم نجد أن الفصل 1110 منه يعطي لكل طرف من طرفي الصلح التحلل من التزامه إذ لم يقم الطرف الآخر بتنفيذ التزامه مع حفظ حق الطرف الأول في طلب التعويض، وهذا يسري على الوساطة آخدا بمفهوم الموافقة.

مقال قد يهمك :   قراءة في مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية

والصلح الناتج عن الوساطة الإجتماعية يكون عبارة عن إيجاد حلول توافقية تكون إما بإرجاع الأجراء إلى مناصبهم واستمرار عقد العمل والإستجابة لمطالبهم، وإما تمكينهم من مستحقاتهم الناتجة عن إنهاء عقد العمل.

فضلا عن أنه ليس هناك ما يمنع من الإتفاق مع الموكل على مبلغ جزافي منذ الوهلة الأولى بغض النظر عن الوقت الذي سيستغرقه الفصل في القضية عن طريق الوساطة أو المحاكمة[12].

ثانيا: الوساطة الإجتماعية ورهانات إدماجها في التشريع المغربي

إن أول رهان للتأسيس الوساطة الإجتماعية بالمغرب وإنجاحها هو تقنينها وإدماجها ضمن مدونة الشغل لإضفاء طابع الشرعية والقانونية عليها، كما نجد أن الوساطة الإجتماعية بحسب أحكامها العامة  والضوابط التي تضبطها، من خلال تجارب بعض الدول  التي قننتها كما سبق الإشارة إليه، غير موجودة بصورة صريحة في نظام الشغل المغربي، إلا أنه توجد بعض مظاهر الصلح في قضايا الشغل تتسم بالطابع الإداري بحيث يلزم الأطراف باعتماد مسطرة الصلح قبل كل إضراب، أي بعد إستطلاع رأي الدولة [13]، كما أنه باستقراء مضمون مدونة الشغل نجد أنها تنص في مجموعة من المواد تارة على الصلح التمهيدي، وأخرى على التصالح والتحكيم[14].

ويمكن القول أن الدور الذي يقوم به المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، أو الذي يتولاه العون المكلف بالتفتيش داخل المقاولة بحضور الأطراف المعنيين في النزاع، والذي يسعى من خلاله إلى الوصول إلى حل ودي وصلح فيما بينهم يشبه إلى حد كبير دور الوسيط، ذلك أنه يستمع إلى الأطراف، ويطالب بجميع الحجج و الوثائق المتعلقة بجوانب الخلاف، ويثبت في النهاية في محضر ما تم التوصل إليه من اتفاق تام أو جزئي يوقع عليه إلى جانب المعنيين في النزاع.

وبالرجوع إلى القواسم المشتركة بين الصلح والوساطة بخصوص نقط الإلتقاء بينهما، يتضح أن الدور الذي يقوم به مندوب أو عون الشغل يقارب إلى حد كبير دور الوسيط.

ولا يخفى على أحد الدورالكبير الذي أصبحت تلعبه الوساطة كآلية بديلة لحل النزاعات في كثير من المجالات والتي وإن تم تفعيلها والعمل بها في حل نزاعات الشغل الجماعية فستحقق نجاحا وافرا وبالتالي سوف تساهم في الحد من الإضطرابات بين طرفي العلاقة الشغلية والذي ينتهي في غالب الأحيان إلى خوض إضرابات من طرف الأجراء، وكذا الإغلاق الذي يتم من طرف رب العمل الشيء الذي سيؤدي إلى تعثر عجلة النمو الإقتصادي.

والوساطة الإجتماعية كونها من بين الطرق السريعة والودية والفعالة والأقل تكلفة يمكنها أن تصبح أداة مكملة لطرق التسوية القانونية – التصالح والتحكيم- والتي لا يزال إستعمالها ضعيفا من طرف المقاولات والمنظمات النقابية.

وبالتالي أصبح اللجوء إلى الوساطة لفض منازعات الشغل الجماعية إلى جانب آليتي المصالحة و التحكيم أمرا مطلوبا و ضرورة ملحة تفرضها طبيعة هذه النزاعات للحد من الخلافات التي تنشأ بين الفرقاء الإجتماعيين، وكذلك للأهمية التي تكتسيها هذه الآلية في نزاعات الشغل الجماعية، الأمر الذي يدفع إلى ضرورة التفكير في تحديث تحيين المنظومة التشريعية المغربية، من خلال أخذ المشرع بها وإدماجها في حلقه القانوني بالتنصيص عليها وجعل فصل خاص بها ضمن مقتضيات مدونة الشغل المغربية.

كما يعتبر العمل بالوساطة الإجتماعية شيئا إجابيا ومنعطفا تاريخيا في مجال تنظيم علاقة الشغل الجماعية وتطوير العلاقة المهنية واستتباب السلم الإجتماعي وتكريس سياسة التفاوض والحوار داخل وحدات الإنتاج.

مقترحات لتطوير آلية الوساطة الإجتماعية:

  • ضرورة تنصيص المشرع على آلية الوساطة الإجتماعية ضمن مقتضيات مدونة الشغل شأنها شأن التصالح والتحكيم وأن تكون كمحطة وسطى بينهما، كما أنه إذا تم التنصيص عليها ستتكون ثقة أكثرلدى أطراف نزاعت الشغل الجماعية في اللجوء إليها وستكون الفعالية في تطبيقها ولن يعود اللجوء إليها محتشما.
  • تدعيم الوساطة المؤسساتية في مجال نزاعات الشغل الجماعية.
  • نشرثقافة اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات في أوساط النقابات والمقاولات والعمال، وتدعيم كل مبادرة من أجل تكوين وسطاء في هذا المجال وحث الفرقاء الإجتماعيين على إدراج شروط الوساطة في مجال الإتفاقيات الجماعية وعقود الشغل.

وفي الأخير أريد الختام بمقولة صدق من قالها:“إن العدالة ليس أن يصل صاحب الحق إلى حقه فحسب وإنما العدالة في أن يستوفي حقه وبغير عنت وفي وقت قليل”.وهذا ما يمكن أن نجده من خلال اعتماد آلية الوساطة الإجتماعية.


الهوامش:

[1]. مولاي البشير الشرفي ” النظام القانوني لنزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل المغربية ” رسالة لنيل الدكتوراه ، السنة الجامعية 2008/ 2009 – جامعة محمد الخامس – كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية  أكدال –الرباط ص : 200 .

[2]. أحمد بوهرو ” نزاعات الشغل الجماعية وفق المدونة الجديدة للشغل ” مطبعة دار القلم الرباط طبعة 2004 ص 44.

مقال قد يهمك :   دورية وزير الداخلية بخصوص اعتماد وثيقة الإقرار بالبنوة لتدعيم التصريح المباشر بالولادات

[3]. جاء في المادة 30 من قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم اللبناني الصادر في 2 شتنبر 1964، مرسوم رقم 17386 ما يلي: “تخضع جميع نزاعات العمل الجماعية للوساطة وأصولها “. وأضافت المادة 44 من نفس القانون على أنه: ” في حال عدم الوصول إلى اتفاق أو في حال الوصول إلى اتفاق جزئي حول النزاع المعروض، يدون كل ذلك أيضا في المحضر ويوقعه الوسيط وأصحاب العلاقة ويعتبر الإتفاق الجزئي بمثابة عقد يخضع له طرفا النزاع وتسوى القضايا التي تظل موضوع خلاف حسب أصول التحكيم عند الإقتضاء”.

كما نصت المادة 130 من القانون رقم 25 لسنة 2003 اليمني على أنه: “عندما لا تسفر الوساطة إلى حلول نهائية لموضوع النزاع يحق لأحد الطرفين رفعه إلى لجنة التحكيم المختصة خلال مدة أقصاها أسبوعين من تاريخ محضر فشل الوساطة. وفي نفس الإطار قضى المشرع المصري في المادة 170 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أنه: إذا لم تتم تسوية النزاع كليا خلال ثلاثين يوما من تاريخ بدء المفاوضة جاز للطرفين أو لأحدهما أو لمن يمثلهما التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لإتخاذ إجراءات الوساطة”. كما نصت المادة 17 من نفس القانون “إذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التي قدمها الوسيط، كان لأي منهما أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم”.

[4]. لم يعتمد المشرع الفرنسي ولا التشريع المصري ولا القوانين الأخرى الوساطة في مادة تسوية نزاعات الشغل الفردية.

[5]. من أهم التشريعات المقارنة التي أخدت بآلية الوساطة في حل نزاعات الشغل الجماعية نجد التشريع المصري، الجزائري، الموريتاني، السوري، اللبناني والفرنسي.

[6]. القانون  رقم 65-99 المتعلق بمدونة الشغل الحالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 المؤرخ في 14 رجب 1424 ( 11 سبتمبر 2003 ) الجريدة الرسمية عدد: 35167 شوال 1424 ( 08 دجنبر 2003 ) الصفحة 3969.

[7]. الإتحاد العام لمقاولات المغرب  , la confédération général des entreprise du Marocمعروف باختصار ب CGEM ، و هو هيأة مهنية لأرباب المقاولات المغربية ، تأسست في 20 أكتوبر 1947 ، و هو الممثل  الرئيسي للمقاولات المغربية أمام الحكومة المغربية و كذلك على مستوى الحوار الإجتماعي ، وكانت ترأسه سيدة الأعمال مريم بنصالح شقرون منذ سنة 2012 الى غاية 2018 بحيث أصبح السيد صلاح الدين مزوار هو الرئيس، وللإطلاع أكثر أنظر : مقال منشور بالموقع الإلكتروني لجريدة la vie économique

[8] . محمد أطويف ” الوساطة الإتفاقية في نزاعات الشغل الجماعية ” م.س: ص: 106.

[9]. إذ نص المشرع في الفقرة 7 من الفصل 327-68 من القانون 05-08 المتعلق بالتحكيم الدولي والداخلي والوساطة الإتفاقية، على أنه: ” في حالة عدم وقوع الصلح لأي سبب من الأسباب فإن الوسيط يسلم وثيقة عدم وقوع الصلح التي تحمل توقيعه للأطراف “.

[10]. محمد أطويف ” الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل ” م.س، ص: 355.

[11]. العمراني بوخبزة ” خصوصيات الوساطة في نزاعات الشغل الجماعية ” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تخصص القانون المدني والأعمال ، جامعة عبد المالك السعدي ، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية – طنجة – السنة الجامعية 2012-2013ص: 73.

[12]. الحسن بويقن: “مدى إمكانية تطبيق نظام الوساطة بالمغرب” مجلة المرافعة عدد مزدوج 15.14 دجنبر2004، ص: 20.

[13]. رغم أن هذه المسطرة لم تلق قبولا و لا نجاحا بالنظر إلى الموقف النقابي الرافض لإجبارية الصلح لما تحمله من قيود على هذا الحق الدستوري، وإلى ازدواجية دور الدولة كسلطة إشراف ومراقبة، ودور مفتش الشغل كآلية للمراقبة والتفتيش وأداة للمصالحة، للإطلاع أكثر أنظر: بنسالم أوديجا ” الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات ” مطبعة دار لقلم.الرباط الطبعة الأولى سنة 2009 ص: 48.

[14]. من المواد التي تنص على الصلح: 41 (الفصل التعسفي و الصلح التمهيدي)، 70 (الفصل بإذن و بدونه و الصلح التمهيدي)،555 (جلسة الصلح المنعقدة بحضور المندوب أو العون المكلف بتفتيش الشغل )، ومن المواد التي تنص على التصالح : من 551 إلى 556 ، أي مواد الفرع الأول الذي يتعلق بمحاولة التصالح على مستوى مفتشية الشغل من الباب الثاني الذي يهم التصالح ، و كذا المواد من 557 إلى 563 أي مواد الفرع الثاني الذي يهم اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، وكذا المواد من 564 إلى 566 أي مواد الفرع الثالث الذي يهم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، ومن المواد التي تنص على  التحكيم المادة 437، وكذا مواد الفرعين الأول والثاني من الباب الثالث المنظم للتحكيم بما في ذلك مسطرة التحكيم والطعن في القرارات التحكيمية، أي المواد من 567 إلى 580.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)