القانون التنظيمي لقانون المالية، والتعديلات المرتقبة

مستجدات قانونية جديدة تدخل حيز التنفيذ بشأن البارود والمواد المتفجرة

تجريم “الزواج غير الموثق”: قراءة في قرار لمحكمة النقض

14 أغسطس 2022 - 12:38 ص مقالات , القانون الخاص , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

عبد الحكيم اسباعي منتدب قضائي لدى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالناظور 

مقدمة:

يعتبر الزواج أساس قيام الأسرة والمجتمع، وهو مؤسسة اجتماعية ترقى بالإنسان من الدائرة الحيوانية إلى العلاقات الروحية لما تتميز به من ربط الأسرة برباط وثيق، كما أنه تصرف يندرج ضمن خانة أهم التصرفات القانونية التي يجريها الإنسان على الإطلاق حيث تترتب عليه الكثير من الآثار والحقوق وتتعلق به أحكام شرعية يبقى أثرها على مر الزمان.

ولما كان كذلك فقد اعتنت القوانين الأسرية بعقد الزواج بأن رفعته ليرقى إلى العقود الشكلية التي يشترط فيها الكتابة؛ أي ضرورة تضمين الزواج في عقد رسمي يستعمل كوسيلة يستند إليها في حالة إنكار واقعة الزواج ولإثباته، ومن هنا تظهر أهمية توثيق عقد الزواج لحفظ الزواج وحماية طرفيه ومعالجة الآثار المترتبة عنه بمجرد انعقاده صحيحا.

مما يعني أن رابطة الزواج لا يتصور أن يتم إثباتها إلا بموجب عقد زواج رسمي مكتوب طبق الشكل المفروض قانونا، وهو أمر ينسجم مع أهمية الكتابة لتوثيق العقود والتصرفات وحماية الحقوق والمراكز القانونية الناتجة عنها، لا سيما أمام التحولات التي تعرفها المجتمعات المعاصرة.

وهذا يقتضي القول إن فتح المشرع مجال إثبات الزواج بغير العقد المكتوب لا يعد سوى استثناء من القاعدة، بدليل ربطه بتحقق سبب أو عدة أسباب قاهرة مانعة من توثيق عقد الزواج في إبانه، بينما يبقى الأصل بصيغة المادة 16 من مدونة الأسرة هو أن وثيقة عقد الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج.

إلا أن واقع الحال يظهر أن ترك هذه الباب مشرعا على مصراعيه يعني أن يتصور المرء ما شاء من الوضعيات والأسباب التي ستقدم أمام القضاء كمسوغات وادعاءات من طالبي ثبوت الزوجية، وهو ما يثبته الواقع العملي من كثير من القضايا الرائجة أمام المحاكم المغربية.

وهو ما سنوضحه من خلال استقراء القرار التالي:

قرار محكمة النقض عدد 643 بتاريخ: 12 أبريل 2017 في الملف الجنائي عدد: 10162/6/3/2016

ومما جاء في قرار محكمة النقض:

بناء على طلب النقض المقدم من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور بمقتضى تصريح أفضى به بتاريخ: 06/01/2016 لدى كتابة الضبط بالمحكمة المشار إليها أعلاه، الرامي إلى نقض القرار الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بنفس المحكمة في القضية عدد: 49/15 ع أ وتاريخ: 04/01/2016 القاضي بتأييد الحكم المستأنف المحكوم بمقتضاه ببراءة المطلوب (..) من جناية هتك عرض قاصر يقل عمرها عن 18 سنة بدون عنف نتج عنه افتضاض والخيانة الزوجية.

في الموضوع: في شأن وسيلة النقض الأولى المتخذة من خرق مقتضيات المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية، ذلك أن القرار المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي القاضي ببراءة المطلوب من المنسوب إليه، استند في ذلك على كونه مرتبطا بالمشتكية بعقد نكاح شرعي دون تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة ليكون بذلك قد خرق مقتضيات المادة المشار إليها أعلاه وهو ما يعرضه للنقض والإبطال.

نظرا لمقتضيات المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية.

حيث إنه بمقتضى المادة المذكورة فإنه إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة.

وحيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي القاضي ببراءة المطلوب من المنسوب إليه، لما استندت في ذلك على تمسك الأخير بارتباطه بالمشتكية بعقد نكاح شرعي، دون تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة بشأن الشروط الشكلية والموضوعية لعقد النكاح الشرعي طبقا للمادة 13 من مدونة الأسرة المحددة لها، يعرض قراراها للنقض والإبطال.

لهذه الأسباب: قضت بنقض وإبطال القرار الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالناظور في القضية عدد: 49/2015 ع أ وتاريخ: 04/01/2016 وإحالتها على نفس المحكمة للبت فيها من جديد طبقا للقانون وهي متركبة من هيأة أخرى…

وبناءً على ما سبق يمكن التساؤل عن التعليل الذي اعتمدته المحكمة مصدرة القرار المنقوض، وما هي المسوغات التي بنت عليها قرارها، وما هي الوسيلة المثارة من قبل الجهة الطاعنة والتي على أساسها صدر قرار محكمة النقض وقرار غرفة الجنايات بعد النقض والإحالة.

مقال قد يهمك :   التأديب في الوظيفة العمومية على ضوء الاجتهاد القضائي

وسنحاول معالجة هذه العناصر من خلال محورين أساسيين:

  • المحور الأول: اعتبار قيام علاقة الزواج بناء على تعليل القرار المنقوض
  • المحور الثاني: مسوغات قرار محكمة النقض في تقرير المسؤولية الجنائية

المحور الأول: اعتبار قيام علاقة الزواج بناء على تعليل القرار المنقوض

أولا: استعراض موجز لوقائع القضية

تتلخص وقائع القضية في أن القاصر (..) تقدمت رفقة والدتها بشكاية مفادها أن المتهم (..) “تقدم لخطبتها فوافقت وبعد مرور أسبوع أقاما حفل الزفاف بحضور العائلة والجيران ومنحها مبلغ الصداق، وبعد انتهاء حفل الزفاف انتقلت للعيش رفقته وبعد مرور حوالي شهرين عن زواجها بلغ الأمر إلى زوجته الأولى التي قدمت الى المغرب فقام المتهم بإرجاعها إلى منزل والدها وبعد مدة عاد إلى أرض الوطن وأخذها للعيش معه من جديد، وبعد ذلك قدمت زوجته أيضا فأعادها إلى منزل والديها وأنها حينما طالبته بإبرام عقد الزواج أخبرها بأنه ليس في مقدوره ذلك لكون زوجته الأولى لم تمكنه من الإذن بالتعدد”.

وصرحت المشتكية أنها “تجهل المساطر القانونية وكون المتهم استغل صغر سنها وجهل عائلتها ليورطها في هذا الزواج غير المشروع”، وهي التصريحات نفسها التي أكدتها والدة الضحية حين الاستماع إليها تمهيديا.

ومن جهته، صرح المتهم أنه “تقدم لخطبة المشتكية من عائلتها فوافقت بعد أن أخبرهم بأنه متزوج وله أبناء، وأنه اقام حفل الزواج الذي حضر عدد من المدعوين ومكنها من صداقها، وبعد ذلك أخذها للعيش معه بمنزله وأنه كان يسافر خارج أرض الوطن فيترك المشتكية بمنزل والديها إلى أن رجع إحدى المرات فرفضت مرافقته إلى بيت الزوجية طالبة إياه بإنجاز ثبوت الزوجية وتطليق زوجته الأولى غير أنه طلب منها الصبر إلى حين بلوغها 18 سنة، كما أنه أخبرها بأنه لا يريد تطليق زوجته لكونه رزق منها بأربعة أولاد ما زاد الأمر تعقيدا حيث دخل في ملاسنات مع أفراد عائلتها”.

وبخصوص أسباب عدم توثيقه لعقد الزواج صرح المتهم بأنه لم يبرم عقد الزواج “لكونه متزوج والمشتكية قاصر”، مؤكدا أنه “تربطه بها علاقة زواج بموافقتها وموافقة والديها، كما أنه باشر إجراءات ثبوت الزوجية غير أن المشتكية صرحت أنها لا ترغب في الارتباط به وهو ما حال دون حصوله على ثبوت الزوجية”.

وبعد انتهاء البحث أحيل المتهم على السيد الوكيل العام للملك فأكد أمامه تصريحاته التمهيدية، وأصدر الأخير قراره بالإحالة المباشرة على أنظار غرفة الجنايات، قصد محاكمته في حالة اعتقال من أجل جناية هتك عرض قاصرة تقل سنها عن 18 سنة دون عنف نتج عنه افتضاض وجنحة الخيانة الزوجية، الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول: 484 و488 و491 من القانون الجنائي.

ثانيا: تعليل القرار المنقوض

استندت المحكمة (غرفة الجنايات الاستئنافية) في إصدار قرارها على مجموعة من الحيثيات، متبنية من خلالها القرار المستأنف في ما قضى به من براءة المتهم مما نسب إليه، مما قررت معه تأييده مع تبني علله وحيثياته.

وبالرجوع إلى التعليل الذي جاء به القرار الصادر ابتدائيا يمكن استخلاص مجموعة من الحيثيات التي ساقتها المحكمة للحكم ببراءة المتهم من المنسوب إليه، يمكن إجمالها في حيثيتين رئيسيتين:

أولا: انعدام القصد الجنائي: اتضح للمحكمة من مجموع وثائق الملف ومن تصريحات المتهم والمشتكية ووالدتها أن “العلاقة القائمة بين الطرفين تمت بينهما بنية الزواج وعلى أساسه وبواسطة ولي المرأة بعد ان تقدم المتهم لخطبة المشتكية من أهلها وموافقتها وموافقتهم على ذلك، وبعد أن مكنها من صداقها وبعد إقامة مراسم حفل الزفاف بحضور الأهل والأحباب وعلى مرأى ومسمع من العموم بعد إعلان هذه العلاقة نتيجة مراسم الزفاف، خاصة وأن المشتكية نفسها تقر بهذه العلاقة”.

مقال قد يهمك :   إثبات سوء النية في دعاوى إبطال التصرفات العقارية

كما كونت المحكمة قناعتها بانعدام القصد الجنائي لدى المتهم انطلاقا من واقعة تقدم المتهم أمام المحكمة الابتدائية قسم قضاء الأسرة بطلب يرمي من خلاله إلى الإشهاد على ثبوت الزوجية بين وبين المشتكية، “حيث حضر الطرفان في جلسة البحث الشخصي وأقرا بقيام العلاقة الزوجية بينهما على سنة الله ورسوله، كما حضر مجموعة من الشهود لذات جلسة البحث وأكدا قيام علاقة الزوجية بين المتهم والمشتكية”.

وبالتالي اعتبرت المحكمة أن الجريمتين المتابع بهما المتهم غير قائمتين في حقه، معللة ذلك بالقول إن “الجريمتين المذكورتين تعتبران من الجرائم العمدية التي لا يكفي فيها مادية الأفعال وإنما يجب أن يعتبر فيها القصد الجنائي الذي من شأنه أن يحدث ضررا ماديا أو معنويا”.

واستنتجت المحكمة انتفاء الأفعال موضوع المتابعة في حق المتهم معتبرة أن “القصد الجنائي غير متوفر لدى المتهم، بحكم أن نيته انصرفت عند معاشرته للمشتكية على أساس أنها زوجته الشرعية ولم تتجه نيته إلى هتك عرضها أو معاشرتها بطريقة غير شرعية”.

ثانيا: الكتابة ليست شرطا في عقد الزواج: اعتبرت المحكمة أن “الكتابة ليست شرطا في عقد الزواج”، واستندت في ذلك إلى أنه “طبقا للمادة 10 من مدونة الأسرة ينعقد الزواج بمجرد صدور الإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا”.

وجاء في تعليل المحكمة أن “الإشهاد على عقد الزواج ليس ركنا من أركانه ولا شرطا فيه، وإنما هو شرط في الدخول فقط كما نص عليه صاحب التحفة في قوله “وفي الدخول الحتم في الإشهاد، وهو مكمل في الانعقاد”.

واستدلت المحكمة كذلك بكون “الفقه الإسلامي نفى حد الزنا على الرجل والمرأة اللذين يدعيان العلاقة الزوجية بينهما وليس بيدهما إشهاد عليه بشرط أن يكون هذا الزواج قد اشتهر كما جاء في مختصر الشيخ خليل حينما قال: (وفسخ إن دخل بلاه ولا حدَّ إن فشا ولو علم)”.

المحور الثاني: مسوغات قرار محكمة النقض في تقرير المسؤولية الجنائية

أولا: الوسيلة المثارة في الطعن بالنقض

أثارت الجهة الطاعنة (النيابة العامة) وسيلة فريدة والمتمثلة في خرق القرار المطعون فيه للقانون، بحكم أن الأفعال التي أتاها المتهم تندرج تحت طائلة جناية هتك عرض قاصر يقل عمرها عن 18 سنة، وجنحة الخيانة الزوجية طالما أنه لم يدل بعقد الزواج لإثبات قيام علاقة الزواج بينه وبين المشتكية.

واعتبرت الجهة الطاعنة أن المحكمة لما اعتمدت على مجموعة من الوقائع التي أوردتها في معرض تعليلها للقول بقيام علاقة الزواج بين الطرفين تكون قد خرقت مقتضيات المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية، التي تنص على أنه “إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة”.

ومن ثمة تكون المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه حسب وسيلة النقض بتأييدها للحكم الابتدائي القاضي ببراءة المطلوب من المنسوب إليه قد “استندت في ذلك على كونه مرتبط بالمشتكية بعقد نكاح شرعي دون تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة ليكون بذلك قد خرق مقتضيات المادة المشار إليها، بينما كان يتوجب عليها تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة بشأن الشروط الشكلية والموضوعية لعقد النكاح الشرعي طبقا للمادة 13 من مدونة الأسرة المحددة لها”.

ثانيا: تعليل قرار محكمة النقض

من خلال استقراء تعليل محكمة النقض في هذه القضية يتضح أنه جاء موافقا للوسيلة التي أثارت من خلالها الجهة الطاعنة خرق القرار المطعون فيه للقانون، فسايرت بذلك مضمون المنع المؤسس عليه الوسيلة المذكورة، والمتمثل في خرق مقتضيات المادة 288 من قانون المسطرة الجنائية.

وبالرجوع إلى مقتضيات المادة المذكورة نجدها تنص على أنه “إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة”.

وبذلك اعتبرت محكمة النقض أن المنع المذكور في محله وأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما استندت في ذلك على تمسك الأخير بارتباطه بالمشتكية بعقد نكاح شرعي، دون تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة بشأن الشروط الشكلية والموضوعية لعقد النكاح الشرعي طبقا للمادة 13 من مدونة الأسرة المحددة لها تكون قد عرضت قراراها للنقض والإبطال.

مقال قد يهمك :   محكمة النقض: القضاء التجاري هو المختص للبت في التعويض عن الضرر الناتج من حادثة على متن القطار

لهذه الأسباب قضت محكمة النقض بنقض وإبطال القرار الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالناظور في القضية عدد: 49/2015 ع أ وتاريخ: 04/01/2016 وإحالتها على نفس المحكمة للبت فيها من جديد طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى…

وبعد إدراج القضية من جديد أمام غرفة الجنايات الاستئنافية قضت بإلغاء القرار الجنائي المستأنف، وتصديا بمؤاخذة المتهم من أجل هتك عرض قاصر يقل عمرها عن 18 سنة دون عنف والخيانة الزوجية وعقابه بسنتين اثنتين حبسا موقوف التنفيذ.

خاتمة:

يمكن القول في الختام إن قرار محكمة النقض المذكور يكرس قاعدة مفادها أنه لا سبيل لإثبات قيام العلاقة الزوجية سوى بأن يكون هذا الزواج ثابتا بوثيقة رسمية مكتوبة، وجعل ذلك أساسا وحيدا لتجريد الأفعال المتابع من أجلها المتهم من طابعها الزجري والمتمثلة في جناية هتك عرض قاصر بدون عنف نتج عن افتضاض والخيانة الزوجية.

مما يعني كذلك أن الأثر المتعلق بتجريد الأفعال موضوع المتابعة من طابعها المخالف للقانون الجنائي كان متوقفا على إثبات العلاقة الزوجية بين الطرفين بواسطة عقد زواج مكتوب، حسب ما تنص عليه مقتضيات المادة 13 من مدونة الأسرة، التي اشترطت توثيق عقد الزواج.

وبذلك يكون ادعاء المتهم اقترانه بالمشتكية القاصر دون توثيق عقد الزواج مردودا عليه، فسواء تعلق الأمر بمانع مادي، فإن مفهومه ينصرف إلى ذلك الحدث المادي الذي يحصل بسبب خارجي لا يد للإنسان فيه، أو مانع قانوني متعلق بكل سبب أعاق الحصول على ما يتطلبه القانون من إذن أو رخصة أو وثيقة أو تحقق شرط أو انتفاء مانع، إذ أن البين من وقائع هذه القضية أن الدفع الذي قدمه المتهم بوجود موانع مختلفة حالت دون توثيقه لعقد الزواج من قبيل كون المشتكية قاصر وعدم تمكينه من قبل زوجته الأولى بإذن للتعدد أو تقدمه بطلب لثبوت الزوجية…، فحصولها كان بتفريط من المتهم الذي اقترن بقاصر وهو عالم بذلك ومقدر لوضعيته باعتباره متزوج بامرأة أخرى. زد على ذلك فإن تقدمه أمام محكمة الأسرة بطلب يرمي إلى الحكم بثبوت الزوجية رغم علمه بعدم استيفائه للشروط المتطلبة، كل ذلك إنما يدخل في باب تفريط المتهم أو تحايله بفرض حالة واقعة وتكريسه وضعا سعى لتصحيحه جبرا وخلافا للنصوص القانونية.

ويبقى أن نشير أخيرا إلى أن محاولة القضاء تصفية بعض الأوضاع المجحفة بالمرأة الناتجة عن عدم توثيق عقد الزواج، لا سيما وأننا في نازلة الحال أمام قاصر توجد في وضعية هشاشة اجتماعية، تجعل من الضروري الحسم في مسألة توثيق الزواج باعتبارها مسألة جوهرية لا محيد عنها لانعقاد الزواج وتقرير الكتابة الرسمية في إثبات هذه العلاقة، الأمر الذي يتضح من خلال ربط محكمة النقض في قرارها موضوع هذه القراءة بين عدم توثيق العلاقة بين الطرفين وتكييف المتابعة الزجرية في حق المتهم؛ إلا أن ذلك لا يعني أن ما يقدمه العمل القضائي من حلول يمكن أن يحُد بصفة نهائية من الآثار السلبية لعدم توثيق الزواج، والمؤمل أن تفتح دعوة عاهل البلاد في خطاب العرش لتعديل مدونة الأسرة باب النقاش والاجتهاد الذي من شأنه تجويد مضامين المدونة وتجاوز مجموعة من الثغرات التي أفرزها الواقع العملي.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)