تطبيق مدونة الاسرة بالخارج: اسبانيا نموذجا‎‎

2 يوليو 2021 - 7:28 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

ادريس جدي دكتور في القانون محامي بمدريد

تنص مدونة الاسرة على أن مقتضياتها تسري على جميع المغاربة و لو كانوا حاملين لجنسية اخرى. فهل فعلا يتم تطبيق مدونة الاسرة على المغاربة المقيمين باسبانيا ؟ ما هي العراقيل التي تحد من تطبيق مدونة الاسرة على مغاربة اسبانيا ؟ هل القاضي الاسباني ملزم بتطبيق مدونة الاسرة المغربية ؟ ماهي سلطة القاضي الاسباني في الكشف عن مضمون قانون مدونة الاسرة؟

صعوبات تحول دون تطبيق مدونة الأسرة على مغاربة اسبانيا

بداية يمكن القول أن عدم تطبيق مدونة الاسرة على المغاربة المقيمين باسبانيا يرجع الى عدة أسباب من بينها: تشبث كل دولة بسيادتها وتطبيق قانونها الداخلي، حتى وان كان القانون الذي تعينه قاعدة الاسناد هو القانون المغربي، فالقاضي الاسباني يتمتع بسلطة واسعة في التعامل مع هذا القانون، اذ يمكنه استبعاده وتطبيق القانون المدني الاسباني محله.

كما أن تطبيق مدونة الأسرة بالخارج متوقف على رغبة الأطراف في إثبات مضمون هذا القانون وكونه ساري المفعول أمام القاضي الأوروبي، وهذا ما نص عليه الفصل 281 عليه قانون المسطرة المدنية الاسباني ـ

من جهة أخرى فإن اكتساب عدد من المغاربة المقيمين بالخارج للجنسية الاسبانية يقلص من إمكانية تطبيق مدونة الاسرة عليهم، خاصة و أن القاضي الاسباني غير ملزم بمعرفة قانون الاسرة المغربي، وعلى الاطراف اثارة هذا القانون.

بعض الملاحظات:

1ـ  المغاربة الحاملين للجنسية الاسبانية، يعتبرون اسبان وبالتالي لا يمكن ابرام عقد زواجهم أمام العدول ـ ويبقى الحل أمامهم هو ابرام الزواج وفق القانون الاساني او طلب ترخيص من السلطات الاسبانية؛

2 ـ  المغاربة الحاملين للجنسية  الاسبانية، لا يسمح لهم بالتعدد الذي تسمح به مدونة الاسرة المغربية ؛ و يعد الحصول على الاذن بالتعدد جريمة معاقب عليها جنائيا 217 ق.ج اسباني, 433 ق.ج فرنسي.

3ـ من مغاربة اسبانيا من يحمل اكثر من جنيسة، وبالتالي كيف سيتم تطبيق مدونة الاسرة على الشخص الحامل لأكثر من جنسية.  ويبقى الحل هو التنصيص في عقد الزواج على القانون واجب التطبيق.

مقال قد يهمك :   النظام القانوني لتقنية حكم الفيديو المساعد VAR

4ـ نسبة مهمة من الزواج المختلط باسبانيا يكون هدفه هو تسوية الوضعية القانونية للمهاجر  وهو ما يعرف بالزواج الابيض، واذا ما ثبث ان الزواج هو زواج غير قانوني فإن ذلك يجعل المخالفين تحت طائلة القانون الجنائي الذي يعاقب على ذلك  في الفصل 218 بالسجن من ستة أشهر الى سنتين ـ ولا يمكن رفع دعوى الطلاق الا بعد ان يبت القاضي الزجري في جريمة الزواج الغير القانوني.

5ـ  النظام المالي للزوجين باسبانيا هو نظام الاموال المشتركة، وكل ما يمتلكه الزوجين اثناء الحياة الزوجية يتم قسمته مناصفة، الى درجة ان الزوج لا يحق له بيع منزله الذي يسكن فيه هو وزوجته ولوكان مسجلا باسمه الخاص الا بموافقة الزوجة أو ترخيص قضائي طبقا للفصل 1320 ق.م.ا سباني

6ـ حسب القانون 1 دجنبر 2004 المتعلق بالعنف ضد المراة، القاضي الزجري الاسباني هو المختص بالبت في التدابير الموقتة و الطلاق في حالة العنف الممارس على الزوجة من طرف الزوج او العكس ، اذ يمنح للضحية اجلا 30 يوما لكي ترفع دعوى الطلاق امام نفس القاضي الجنائي المختص بالعنف ضد المراة، الذي يبت كذلك في الطلاق والنفقة والحضانة ونظام الزيارات في نفس الوقت.

7ـ  الفصل 107 من قانون مدني اسباني كان يقضي بامكانية إخضاع الطلاق للقانون الوطني المشترك للزوجين وقت تقديم طلب، مع ضرورة اثارة و اثباث هذا القانون، الشيء الذي كان يقف عائقا اما تطبيق مدونة الاسرة، لكن تم تعديل هذا الفصل بمقتضي قانون 2 يوليوز، رقم 15ـ2015 وأصبح الطلاق يخضع لقوانين الاتحاد الاوربي او قواعد القانون الدولي الخاص الاسباني.

8- المحاكم الاسبانية تطبق القرار الاروربي رقم 1259ـ2010 وهذا ما اكدته المحكمة الاقليمية ببرشلونة بتاريخ 20 اكتوبر 2015 التي بتث في طلاق مغربي ومغربية ونصت على ان القانون المنصوص عليه في القرار الاروربي له تطبيق شامل من أجل الامن القانونى وحماية الاشخاص بصرف النظر عن الدولة التي ينتميا اليها الزوجين.

مقال قد يهمك :   ملاطي يقارب ضوابط إدماج العقوبات السالبة للحرية بين النص القانوني والممارسة القضائية

9ـ احيانا تطلق المراة طبقا لقانون بلد الإقامة وتتزوج من جديد برجل آخر، لكن عند دخولها المغرب يتم مطالبتها بالرجوع إلى بيت الزوجية من طرف الزوج الأول لأنها حسب القانون المغربي لازلت في عصمة الزوج الاول.

10ـ  قد ترفع  الزوجة المغربية دعوى النفقة امام المحاكم الاسبانية، واثناء الجلسة تفاجأ بان الزوج  ذهب الى المغرب و حصل على حكم من المحكمة المغربية متعلق بإيقاف النفقة.

يصعب على القاضي المغربي ان يعرف الوضعية المادية الحقيقية للزوج اذا كان هذا الزوج قاطنا بالخارج؟، مع العلم ان الادارة الاسبانية لا تسلم اي معلومة لغير المعني بالامر كالزوجة مثلا نظرا لوجود قانون متعلق بحماية المعلومات.

11ـ المادة 431 م.م. شهادة كاتب الضبط المحكمة بعدم الطعن, في حالة الطلاق الاتفاقي ترفض المحاكم الاجنبية تسليم هذة الشهادة لان الطلاق تم بارادة الطرفين, ومن تم يكتسب الصيغ التنفيدية بمحردالمصادقة عليه ولا يبقي مجال للطعن فيه.

12ـ الأسوأ من هذا  قد ترفع الزوجة دعوى النفقة بالمغرب وباسبانيا في نفس الوقت دون انتظار صدور الحكم من احدى محاكم البلدين لتذييله بالصيغة التنفيذية.

13ـ  بغض النظر عن من يطلب الطلاق باسبانيا ، و بغض النظر عن اسباب الطلاق، فطالما هناك ضرر وجب التعويض وبدون اداء اي رسوم.

14ـ لا يفوتني ان لا اشير لمسألة مهمة جدا تتعلق بالارث، الفصل 9 من القانون المدني الاسباني، كان ينص على تطبيق القانون الوطني للأجنبي فيما يخص الارث، فمثلا اذ توفي مغربي باسبانيا وترك خليلة و ابن طبيعي، فالقانون الواجب التطبيق هو مدونة الاسرة ، وبالتالي لا يرث لا الابن ولا خليلة الهالك حسب مدونة الاسرة المغربية، على اعتبار ان عقد الزواج غير موجود والابن غير شرعي. (قرار البرلمان الأوربي رقم 650ـ2012 مفاده ان القانون الواجب تطبيقه بشكل عام على الميراث هو قانون بلد الاقامة الاعتيادية للهالك وقت الوفاة). ويبقى الحل هو أن يتم تحديد القانون واجب التطبيق كقانون مدونة الاسرة مثلا في الوصية.

مقال قد يهمك :   مسؤولية المحافظ عن الضرر الحاصل للمالك في حالة إقامة رسم عقاري دون تحديد المساحة الحقيقية

15ـ  أحيانا يصعب على القاضي الاسباني تطبيق واستيعاب مدونة الاسرة المغربية، اثبات مدونة الاسرة المغربية حسب الفصل 281 ق.م. الاسبانية.

16ـ في حالة ضياع عقد الزواج بالمغرب تسلم نسخة من عقد الزواج فقط، وعندما تترجم كلمة نسخة الى اللغة الاسبانية تعني “Copia”  مما يجعل القضاة الاسبان يطالبون بالادلاء بالعقد الاصلي معتبرين ان النسخة ليست هي عقد الزواج الاصلي.

خلاصة:

يبقى تطبيق القانون المغربي للأسرة بالخارج متوقفا على مطالبة الأطراف الذين لهم مصلحة في تطبيقه، إذ عليهم إثبات مضمونه وكونه ساري المفعول أمام القاضي الأوروبي ، وعليهم تحمل نتائج عدم قيامهم بذلك، وهذا ما نص عليه قانون المسطرة المدنية الاسباني في الفقرة الثانية من المادة 281 التي تؤكد على انه من يتشبث بالقانون الاجنبي عليه اثبات مضمونه وسريان مفعوله.

رغم إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول الأوروبية ومنها اسبانيا في المجال الأحوال الشخصية وخاصة تلك التي تتوفر على جالية مغربية مهمة، من أجل تطبيق قانون الأسرة على جميع المغاربة، فتارة يطبق القاضي الاسباني القانون المغربي للأسرة طبقا لقواعد الإسناد الواردة في الاتفاقية، وتارة أخرى يتجاهل وجود الاتفاقية وينتصر لقانون وطنه..

يجب العمل على استيعاب الوضعيات القانونية للمغاربة المقيمين بالخارج، و تطبيق مدونة الاسرة يصطدم بتمسك كل دولة  بسيادتها و بتطبيق قانونها الداخلي.

العمل على تفعيل وتعميم دور قضاة الاتصال ، كما أن غياب ذوي الاختصاص يزيد من عدم الفهم الجيد لنصوص المدونة الاسرة في بلد يجهل مضمونها كليا.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)