شروط طلب التعويض عن الضرر نتيجة إنهاء عقد الشغل (قرار قضائي)

بلاغ المجلس الجهوي للموثقين بوجدة بخصوص تقرير مجلس المنافسة حول أتعاب الموثقين

سليمة فراجي: من هم رواد الديموقراطية التشاركية ؟

21 فبراير 2020 - 6:49 م في الواجهة , وجهة نظر
  • حجم الخط A+A-

سليمة فراجي محامية برلمانية سابقة 

اذا كنا نجزم ان الديموقراطية التمثيلية تميزت بقصور و شعور بعدم الرضى المعبر عنه من خلال أصوات ارتفعت من مختلف المنابر ومنصات التواصل الاجتماعي ، والاسلوب الجديد المتمثل في 20 الف احتجاج يسجل سنويا بمعدل 46 احتجاجا في كل يوم ، وكنا ندرك ان الأمل اصبح معقودا على الديموقراطية المواطنة او الديموقراطية التشاركية ، وكنا نجزم ايضا ان رواد الديموقراطية التمثيلية والتشاركية هم ابناء وطن واحد ومنتوج فكري سوسيوثقافي نبع من نفس المجتمع ، مجتمع اصبح يغوص في الرداءة و يعاين باستسلام انهيار منظومة القيم ، فما الفرق إذن وما هي النتائج المرجوة من ديموقراطيتين نابعتين من منظور وممارسات وقيم نفس المجتمع بجميع مكوناته ؟ ديموقراطية تمثيلية عمادها منتخبون منحهم الشعب صوته لتمثيله أصبحت متجاوزة بسبب تغلب المصالح الخاصة على المصلحة العامة وانحياز الاحزاب الى الماكينات الانتخابية بدل الكفاءات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وديموقراطية تشاركية عبارة عن آلية لتفعيل مساهمة المواطنين في مسلسل صنع القرار العمومي وتقييمه ومراقبته ; وإيجاد الحلول الناجعة لمختلف المشاكل المطروحة.

 أسئلة كثيرة تجعلنا نعرج على تطور المجتمع المدني عبر التاريخ و مختلف المحطات التي عرفتها الانسانية بشأنه ، فعبارة المجتمع المدني ظهرت لأول مرة في القرن السادس عشر ، ومنذ ذلك الحين توالت التعريفات واختلفت حسب الكتاب والإديولجيات والمصالح , وأصبح مفهوما مستعصي التنظير . و قبل القرن التاسع عشر كان مفهوم المجتمع المدني مرادفا للمجتمع السياسي ،ولما جاء ” هيجل ” « HEGEL » قام بالتمييز بين الدولة ( المجتمع السياسي ) والمجتمع المدني وقال بأن هذا الأخير يشمل مجال المصالح الخاصة للأفراد والواقع الإجتماعي والإقتصادي ،مقابل المجال السياسي والمؤسسات المتفرعة عنه.

وابتداء من الثمانينات أعيد استعمال عبارة المجتمع المدني , وقد كتب ” فاكلاف هافيل ” وهو منشق أصبح فيما بعد رئيسا لجمهورية التشيك بأن المجتمع المدني هو ” مجتمع موازي : ونوع من ” مختبر للأفكار ” ومجال للتعبير وممارسة السلطة من طرف أولئك الذين لا سلطة لهم “.

ان فكرة المجتمع المدني تقوم إذن على أساس أنه بين الأحزاب السياسية التي هدفها الأساسي هو الوصول إلى السلطة والمجموعات التي تتوخى الربح كالشركات مثلا , هناك مكان لأشكال أخرى من التنظيم المستقل الذي يمكن أن يلعب دور الوسيط بين الدولة وباقي المجتمع , يمكن أن نسميه مجتمعا مدنيا , وهناك من أطلق عليه إسم ” القطاع الثالث ” إذ أنه لا ينتمي لا للدولة ولا للقطاع الخاص .

فالمجتمع المدني بذلك هو مجموع الهيآت والتنظيمات الإجتماعية التطوعية التي تتميز باستقلالها عن الحكومات وعن الأحزاب وبعدم سعيها وراء الربح , وأكبر مكون للمجتمع المدني هم الجمعيات التي تتوفر فيها هذه الشروط أو ما اصطلح على تسميته بالمنظمات غير الحكومية .

لذلك أصبح المجتمع المدني فضاء للتعبير عن الحاجيات والتطلعات الجديدة للمجتمع , اذ في السابق كانت الأحزاب السياسية والنقابات تمثل القنوات الأساسية لتطلعات السكان , وكانت الدولة أخذت على عاتقها مهمة التكفل بحاجيات السكان في ميادين الشغل والتربية والصحة والبنيات التحتية …. وفي هذه الفترة , ظهرت تطلعات خاصة انبثقت عنها أول موجة للجمعيات اهتمت بميادين الثقافة والشباب والمسرح …… بدون أن ننسى جمعيات الإحسان التي لها جذور دينية وثقافية عريقة في القدم .

مقال قد يهمك :   دورية مشتركة حول شهادة عدم الصبغة الفلاحية (تحميل)

لكن منذ الثمانينات , لاحـظــنا أن هــناك نـوعا مــن أزمـة ” السياسي ” في قدرته على إيصال تطلعات السكان , وفي نفس الوقت عدم قدرة الدولة على تلبية المطالب التي تصلها . و ترجع هذه الأزمة التي أدت إلى انتعاش الجمعيات وديناميتها إلى دوافع كثيرة أهمها :

أولا : التغييرات الإقتصادية :

إن تضاعف اعتماد الدولة على الخارج لسد احتياجاتها أدى إلى تراكم المديونية واتباع سياسة التقويم الهيكلي , فتراجعت الدولة عن بعض وظائفها التوزيعية والخدماتية وأصبحت غير قادرة على الإستمرار بأجهزتها في التنفيذ المباشر لبرامج ومشروعات التنمية , تاركة عددا كبيرا من فئات المجتمع بدون حماية , هذه الفئات التي أصبحت مرغمة على البحث عن حلول جديدة لمشاكلها , وهكذا ظهرت موجة جديدة من الجمعيات في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات تهتم بإيجاد حل لتدني العيش وأخذه على عاتقها تلبية لعدد من الحاجيات في ميادين الصحة والنظافة والتعليم ومحو الأمية والتكوين ودعم البنيات التحتية كالكهربة وإيصال تعاونيات الماء الشروب وبناء الطرق وتحقيق مشاريع تخلق فرص للشغل ( مثل الرعي والمقاولة الصغيرة جدا ) .

ثانيا:  نمو اللاتسييس

في الثمانينات , أصبح نقد الإختلالات داخل المجتمع نقدا غير سياسي , وأصبح ممكنا أن لا يرى الحكام كأعداء طبيعيين , وظهر أنه من اللازم التفاهم معهم من أجل إصلاح المجتمع , إن هذا التوافق يعني اتخاد وجهات موحدة , قبول الحـكام اعـتبار الديمقراطية ( بما فيها دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان ) كشيء إيجابي , وفي نفس الوقت تخلي مؤيدو التغيير عن رفضهم لمرتكزات النظام وهكذا اختارت الجمعيات استراتيجية الحياد وارتكزت على الخبرة متجاهلة في بعض الأحيان الطابع السياسي للمشاكل التي تعالجها .

ثالثا: اتساع الطلبات وتجزئتها حسب فئات المجتمع 

في السابق كانت القنوات السياسيةالتقليدية تعبر عن حاجيات المجتمع، لكنها حاليا ليس في استطاعتها أن تستجيب لطلبات كل من النساء والأطفال والشباب والمعطلين ذوي الشهادات والعالم القروي والمرضى والمعاقين والأميين والمهتمين بالبيئة ، هذه الفئات تجمعت في شكل منظمات غير حكومية , ليس ضد الدولة أو الأحزاب السياسية ولكن لمخاطبتها بمشاكلها ومساءلتها أكثر فأكثر من أجل إرساء تشارك وتكامل بين موارد واختصاصات كل منهم ،فبروز ودينامية المجتمع المدني لا يجب أن يفهم على أنه إضعاف للدولة ,ولكن كإعادة تعريف لعلاقتها مع المجتمع بصفة عامة .

مقال قد يهمك :   محكمة النقض توضح أهمية العمد و سوء النية لقيام جنحة إخفاء شيء متحصل من جريمة

إن دور المجتمع المدني متعدد الأشكال إذ نجده ليس فقط على مستوى مطالبه اتجاه القطاعين العام والخاص من أجل تحسين مستوى الخدمات وتحقيق تنمية مستديمة , بل كذلك من خلال دعمه المباشر للسكان حتى يتكفلوا بأنفسهم لتحسين ظروف عيشهم .

كما أنه ينظر إلى المجتمع المدني كعامل مساعد في مسلسل الديمقراطية إذ أنه يساهم في إضفاء الشرعية على المؤسسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية , كما أنه يعتبر من أحسن الوسائل الكفيلة بالمساهمة في إرساء وتدعيم ما يـسمى بالحكامة الجيدة  la bonne gouvernance .

إن المجتمع المدني يساهم كذلك في استتباب السلم الإجتماعي نظرا لدوره الإيجابي في خلق فرص جديدة وتحقيق مداخيل وتوفير خدمات متعددة لصالح الفئات الإجتماعية الفقيرة والمهمشة ولعل خلق التعاونيات من احل تسويق المنتوجات المحلية ساهم في امتصاص البطالة وإيجاد فرص الشغل خاصة شريحة من نساء العالم القروي.

وبصفة عامة فإن المجتمع المدني يساهم في خلق جو مشجع للنمو الإقتصادي , ويعطي الفرد إحساسا بأنه قادر على التأثير ولو بقدر ضئيل في بيئته الإجتماعية كما يعطي قدرا ولو متواضعا من الشعور الجماعي بالأمان اتجاه الدولة ويتيح عددا أكبر من فرص الإرتقاء الذاتي .

إن دراسة هذا التطور لدور الدولة والجمعيات يمكننا من فهم بعض التطورات الإجتماعية والتفاعل بين القوى الحية بالبلاد, إذ تبين لنا أنه لما تضعف قوى معينة فإن أخرى تنشأ وتتدعم في إطار دينامية دائمة , وفي بعض الأحيان غير متوقعة في اتجاه دعم التقدم والديمقراطية .

  • دور المجتمع المدني في ظل دستور 2011 :

يعتبر اعتماد الدستور الجديد محطة متميزة في مسار البناء الديمقراطي للمغرب ومن أولوياته العمل على ترسيخ هذا المسار من خلال بناء الدولة الديمقراطية ومحاربة الإختلالات وأوجه الفساد من خلال التنزيل التشاركيوالديمقراطي لمقتضيات الدستور والجهوية المتقدمة وإصلاح الإدارة وتكريس استقلالية السلطة القضائية وفعاليتها .

وقد ارتقى الدستور بالمجتمع المدني إلى سلطة كاملة في مجال التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية والتي تنظمها المقتضيات الدستورية خصوصا الفصول 12- 13 – 14 – 27 – 33 – 139- 170 من الدستور والخطب الملكية السامية التي تؤكد على أهمية المجتمع المدني في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية( خطاب العرش 30 يوليوز 2000 , وخطاب 30 يوليوز 2003 , وخطاب 18 مارس 2005 , والخطاب المرجعي 9 مارس 2011 , بالإضافة إلى ان الحكومة السابقة كانت لديها وزارة أنيط بها مهمة تتبع وتعزيز حكامة المجتمع المدني الا انه لم يعد لها وجود في الحكومة الحالية ، وقد اكد الدستور في الفصل 14 على أحقية المواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع والتي تعد من اهم مرتكزات الديموقراطية التشاركية وكذا خارطة طريق توضح معالم تنظيم العلاقة بين المواطن والدولة ، كما نص في الفصل 15 على حق المواطنين في تقديم عرائض الى السلطات العمومية ، الا ان الواقع وفي عز الثورة الالكترونية اثبت ان هذا المجتمع المدني او مختبر الأفكار او القطاع الثالث اوممثل من لا سلطة لهم ،نبع من قواعد وشرائح شعبية ولدت من رحم مجتمع عانى من نتائج كارثية بسبب تردي قطاع التعليم والتنشئة و الأخلاق وانهيار منظومة القيم و تفشي ظاهرة الغش والفساد و انفراط ثقافة الحوار ،وتراجع روح المواطنة ، والاستسلام للرداءة والتفاهة و التشتت والتيهان و الاستكانة الى الصمت، في غياب تنشئة اجتماعية سوية داخل الاسرة والمدرسة والمحيط العائلي والأحزاب السياسية المستقيلة من مهام التأطير ، وجل الجمعيات التي تخلت عن الدور المنوط بها مكتفية بالمطالبة بالدعم المادي ، لقضاء مصالح شخصية ، كل هذه العوامل لم تساهم في تقديم نموذج مواطن مغربي سوي ، هذا اضافة الى تدني البرامج والمناهل التعليمية وتقديم تجارب فاشلة لكل مسؤول يفد على قطاع التعليم.

مقال قد يهمك :   مؤسسة الحكامة الجيدة في المرافق العامة

اذ منذ الحصول على الاستقلال وانقراض طبقة مثقفة متشبعة بروح المواطنة والإيمان بالمستقبل ،أصبحت الأجيال اللاحقة تتقاذفها برامج تعليمية متدنية واستعمال المتمدرسين بمثابة “كوباي ” لتجارب فاشلة بكل المقاييس ، أفضل مثال على ذلك ان جل مسؤولي قطاع التعليم السامين يسهرون على تكوين فلذات أكبادهم خارج ارض الوطن ، في الوقت الذي يرددون فيه شعارات جوفاء تشيد بلغة الضاد ، فهل يعتبر هذا النموذج مؤهلا لتحمل ثقل الديموقراطية التشاركية ؟

أسئلة تتطلب صحوة جماعية من اجل عملية اصلاح شاملة تستبعد معايير الشعبوية والتمييع والإلهاء والخروقات وتنتصر للترشيد والتخليق ومواجهة مكامن الخلل من جذوره ، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة وتقدير الكفاءات.

وإسماع صوت الحكماء بدل الاستكانة الى الصمت واللامبالاة و مراعاة الجودة واتقان العمل مع الكف عن ازدراء البلاد و المس بسمعتها و تلميع صورة دول اخرى من طرف بعض من يقتاتون على حساب الوطن دون تقديم ادنى خدمة او اضافة قيمة له.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)