حسن مزوزي: كفالة الأيتام العابرة للحدود

حماية الأطفال على ضوء مدونة الأسرة في علاقتها ببعض الاتفاقيات الدولية ذات الصلة

سناج حفيظة: دور البرلمان في تقييم السياسات العمومية

10 يونيو 2021 - 4:03 م مقالات , القانون العام , مقالات
  • حجم الخط A+A-

سناج حفيظة باحثة في سلك الدكتوراه

يمثل البرلمان حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية التي تعد المشاركة الشعبية فيها المصدر الاساسي لتأسيس وممارسة السلطة السياسية ,بحيث تلعب هذه المؤسسة دورا فعالا في إعداد السياسات العمومية وتقييمها ،وذلك تبعا للصلاحيات القانونية المخولة لكل برلمان ,بهدف ممارسة اختصاصاته في مجال التشريع والمراقبة، ولقد شكل ظهور البرلمانات  العالمية مدخلا مهما للحد من مظاهر الاستبداد والحكم المطلق الذي عاشته العديد من الدول في الماضي ،وانطلاقة مشجعة لتدشين مبدأ الفصل بين السلطات.

فمن اجل ضمان دولة الحق والقانون وصيانة الحقوق والحريات الفردية والجماعية من شطط السلطات العامة وتقييد صلاحيات الحاكم المطلقة، بادرت مختلف الأنظمة السياسية بإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية والسياسية،وفي مقدمتها مؤسسة البرلمان الذي يشكل ركيزة أساسية لتثبيت وإرساء دعائم الديمقراطية الحقة،اعتبارا لمكانته في الحياة السياسية للدولة،وكذا ارتباط هذا الأخير (البرلمان) بالقانون الذي يعتبر العنصر اليومي الذي به المواطن ويخضع لأحكامه ومقتضياته.

ومن ثم نطرح الإشكالية التالية:

  هل تعتبر اليات التقييم السياسات العمومية التي خولت للمؤسسة التشريعية بعد دستور 2011 كافية لقيام البرلمان بالدور التقييمي المنوط له بشكل يتسم بالفعالية والانتقال من منظومة رقابية تقليدية إلى منظومة تقييمية حديثة؟

سنجيب عن هذه الإشكالية عبر التصميم الاتي:

  • المبحث الأول: الإطار المفاهيمي لتقييم البرلمان للسياسات العمومية
  • المطلب الأول: ماهية السياسات العمومية
  • المطلب الثاني: تقييم البرلمان للسياسات العمومية
  • المبحث الثاني : الآليات الكلاسيكية للبرلمان في تقييم السياسات العمومية
  • المطلب الأول: الأسئلة البرلمانية كآلية لتقييم السياسات العمومية
  • المطلب الثاني : اللجان البرلمانية كأداة لتقييم السياسات العمومية
  • المبحث الثالث: الآليات الحديثة للبرلمان في تقييم السياسات العمومية وحدود التقييم
  • المطلب الأول: الآليات الحديثة للبرلمان في تقييم السياسات العمومية
  • المطلب الثاني :الدورالتقييمي للبرلمان بين المحدودية ومتطلبات التطوير   

المبحث الأول  الإطارالمفاهيمي لتقييم البرلمان للسياسات العمومية

المطلب الأول: ماهية السياسات العمومية

عادة مايتم الخلط بين السياسات العامة politique genérale  والتي تعبرعن التوجه العام للدولة وتهم التدبيرالشأن العام الوطني والمجالي والترابي ,والسياسات العمومية politique publique التي تعتبرمجالات لتنزيل البرنامج الحكومي ومحاورالسياسة العامة بهدف حل الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية التنموية .

الفرع الأول:تعريف السياسات العمومية

على الرغم من صعوبة تحديد تعريف دقيق للسياسات العمومية ،فقد ثم الوقوف على ثلاثة توجهات كبرى لتعريف السياسة العمومية وذلك باللجوء إلى مختلف الكتابات الأكاديمية المهتمة بتحليل السياسات العمومية .

 يتعلق الأول بالتعريف الذي قدمه “توماسداي” thomas dye[1].والذي يعتبر فيه أن السياسات العمومية هي كل ما تختار الحكومة أن تفعله او لاتفعله،وميزة هذا التعريف تكمن في كونه مبسطا ولايضع حدا للفعل الحكومي.

ووفقا لأستاذ العلوم السياسية الكندي”فانسان لوميو[2]” vincent lemieux ” فان”السياسات العمومية هي مجموعة من القرارات المترابطة التي يقرها فاعل أو مجموعة الفاعلين لايعني الحكومة فقط,بل يتوسع ليشمل أيضا المؤسسات الأخرى وجماعات الضغط (أحزاب سياسية,نقابات مجتمع مدني …) والتي تدفع الحكومة لتبني سياسة عمومية معينة .

كماتشيرالسياسات العمومية إلى حصيلة ما ينتجه النظام داخل مؤسسة الدولة,إنها إحدى مخارج هذا النظام ،لذلك فهي في العمق تستبطن جوابا مؤسسا عن مشكلة عامة.

لاتتعلق السياسات العمومية بالدولة في حد ذاتها,بل بما تفعله وتنتجه وتقوم عبر مؤسساتها الدستورية في المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية،لذلك عادة مايقال ان السياسات العمومية هي محاولة النظر إلى الدولة  في حالة فعل L étaten action.بهذا المعنى فان السياسات العمومية هي:[3]

– حصيلة عمل الدولة ,أي الفعل أو العمل المؤسساتي الذي يتم في إطارقانوني ومؤسساتي.إنها حصيلة عمل مجموعة من الفاعلين ,التي ترتبط بمجموعة من المحددات مثل طبيعة دور الدولة,الثقافة السياسية السائدة ,توزيع الأدواربين المؤسسات والهيئات الاجتماعية والاقتصادية

– سلسلة من النشاطات المترابطة .إنها اكبرمن مجرد قرارواحد,فعملية صنع السياسات يجب أن تفهم بصورة تشمل الإعداد والتنفيذ والتغذية العكسية,وهنا بالرغم الحياد الظاهرللكلمات والذي يعطي صورة ثابتة لهذه العملية ,فان السياسات العمومية ليست مسلسلا بعيدا عن رهانات السلطة والمصالح والقيم والصراعات

– تمرين مؤسسي يروم التنبؤ بالمستقبل,عن طريق مجموعة من الاختيارات,التي تعكس سلوكيات وقناعات واكراهات وقيم الفاعلين المتعددين الرسميين منهم اوغير الرسميين منهم اوغير الرسميين

إن السياسات العمومية هي كذلك بالتعبير الشهيرلمنظرالمدرسة النسقية ديفيد ايستون:”دراسة التوزيع السلطوي للقيم”

– مجموعة من الإجراءات والقرارات ذات المنشأ الإداري والصادرة عن السلطات العامة والمحددة ضمن اطارمنسجم يسمح بإعطاء كل إجراء او قرارمضمونا وبعدا,وهو مايجعل لها فاعلوها ومرجعياتهاواثارها المفترضة وجمهورها الخاص.

وعلى هذا الأساس,يمكن القول أن السياسة العمومية تعتبر أيضا بمثابة التزام حكومي اتجاه المواطنين,مما يعني أنها إطارا موجها لصناع القرار من اجل اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة,كما يمثل المرجعية السياسية المتاحة للمواطنين والتي على أساسها تتم مساءلة أو محاسبة الحكومة.

الفرع الثاني :  مفهوم السياسة العامة 

  يحدد احد متخصصي تقييم السياسات العامة ريكان رندلي(rejean landry  ) السياسة العامة في كونها تتعلق.بما تقرر الحكومة فعله أو عدم فعله,ويؤكد أن الحكومات تتدخل في اموركثيرة.فهي تديرالتبرعات الاجتماعية,وتنتج الخبرات,وتوزع الخدمات المادية والمكآفات الرمزية[4]

كما أن السياسة العامة تتحدد في شكل برنامج عمل programme d action خاص بواحد أو أكثرمن سلطة عمومية أوحكومية[5]

ويعني كذلك مصطلح السياسة العامة سلسلة طويلة من النشاطات المترابطة ,والتي تعني أكثر من مجرد قرارواحد

والسياسة العامة هي مجموع التدخلات المقررة من طرف سلطة عمومية قصد حل مشكل يدخل في اختصاصها[6]

وبهذه التعاريف يمكن التأكيد أن السياسات العامة هي سياسة إرادية متحكم فيها وبها نوع من العقلانية المفترضة.ولا مجال للقول بان هذه السياسة غير إرادية,لأن حتى عدم تدخل السلطات العمومية في ما يعتبرسياسة عامة تعتمد على ترك الأمورتجري كما هي عليه في الواقع.

وقد عرفها جيمس أندرسون بقوله ” فالسياسة العامة هي برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية اوموضوع” وهذا التعريف يركز على مايتم فعله في إطار ما يستوجب أو يراد فيه تميزا للسياسة عن القرار الذي هو مجرد خيارمن بين عدة خيارات أو بدائل[7]

وعلى مستوى المفكرين العرب يعرفها “خيري عبد القوي” بأنها تلك العمليات والإجراءات السياسية وغير السياسية التي تتخدها الحكومة بقصد الوصول إلى اتفاق على تعريف المشكلة ’والتعرف على بدائل حلها وأسس المفاضلة بينهما,تمهيدا لاختيارالبديل الذي يقترح إقراره في شكل سياسة عامة ملزمة تنطوي على حل مرضي للمشكل [8]

كما عرفها “حمادي بسيوني” بأنها “قرارات يتخذها فاعلون معروفون بهدف تحقيق غرض عام”

الفرع الثالث :أهمية التمييز بين السياسات العمومية والسياسة العامة

من خلال التعاريف السابقة للسياسة العامة والسياسات العمومية نستنتج أن هناك فرق بين المفهومين ولعل ذلك يتضح أكثر في النقط التالية[9]

– السياسة العامة تعبر عن مواقف وبرامج سياسية يتم تبنيها من قبل الحكومة أو الدولة وتتم أجرأتها وتنزيلها عبر اتخاذ القرارات السياسية الكبرى أو إصدار القوانين أوصياغة نظام أومنظومة ذات بعد أفقي يهم  الدولة بكاملها اويشمل منهج عمل الحكومة وتعاطيها مع الإشكالات القائمة

فهي تعبرعن التصورات ذات البعد السياسي ,والتي تلخص نظرة الحكومة بشكل عام لطريقة تسيير الدولة ,وعادة ما ترتبط بالبرنامج الحكومي

– في حين أن” السياسات العمومية” تعتبرمستويات عليا من التخطيط التنموي داخل البلد ,ويتم تنزيلها لحل الإشكالات التي تعاني منها البلد,سواء كانت ضعفا في التنمية أوالنمو الاقتصادي,او هشاشة اجتماعية وضعف التشغيل…..وتسعى عملية صياغتها لوضع الأهداف العملية المرجوة منها والبرامج المرتبطة بها,وعادة ماتتضمن الإجراءات والمخططات القطاعية أو الأفقية التي تتضمنها هذه البرامج

ومن أجل التمييز أكثر بين السياسة العامة politique générale والسياسات العمومية politique ;publique نورد المثالين التاليين المرتبطين بالعمل الحكومي بالمغرب[10]

المثال الأول:

يتعلق بالسياسة العامة في المجال الاجتماعي,بحيث تمت صياغة التصور العام في البرنامج الحكومي,ولم تصل الحكومة إلى مستوى بلورة تصور استراتيجي لسياسة عامة للحماية الاجتماعية إلا بعد سنتين من اشتغالها وعبر ثلاثة قوانين للمالية تضمنت عدة قوانين مالية وضريبية وعبر إصدارمجموعة من القوانين والمراسيم والنصوص التطبيقية .

وقد تمت ترجمة هذه السياسة العامة عبرصياغة سياستين عموميتين واضحتين politique  publique,تتعلق الأولىبإستراتيجية التماسك الاجتماعي ,والتي تم تنزيلها عبرقوانين المالية السنوية,والثانية ببدايةصياغة سياسة عمومية للحماية الاجتماعية للمهنيين والحرفيين والمهن الحرة,والتي بدأت  بوادرتنزيلها عبرمشاريع قوانين تمت احالتها على مجلس المستشارين,وتتعلق بالتقاعد والحماية الاجتماعية لهذه الفئة وعبرمشروع مدونة التعاضد.

المثال الثاني:

يرتبط بالمجال الاقتصادي ,فبناء على البرنامج الحكومي الذي وضع المحاورلتنمية الاقتصاد الوطني,بدأت الدولة منذ أواخر سنة 2013 بصياغة سياسة عامة politique généraleلمراجعة نموذج النمو modèle de croissances الذي كان معتمدا بالمغرب منذ سنة 200,وقامت سنة 2014 بالتداول في مشروع سياسة عامة متكاملة politique publique للتصنيع وتنمية الاستثمارات بهدف رفع حصة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام

وتم وضع مؤشرات واضحة للانجاز ومخططات قطاعية تمتد على خمس سنوات وينتظر من هذه السياسة العمومية التي تمت صياغتها سنة 2015 أن ترفع حجم الاقتصاد الوطني بنسبة تفوق 20% وتشغيل أزيد من 500الف من اليد العاملة في افق 2020,والمساهمة الايجابية في التصدير وفي الميزان التجاري والمبادلات الخارجية للمغرب

وقد ثم توسيع هذا المجال ليصبح توجها استراتيجيا لسياسة الدولة ,والذي تم التداول فيه خلال اجتماع المجلس الوزاري بتاريخ 23يونيو2016,خاصة وأنه أصبح سياسة عامة للدولة وسيتم بموجبه إعداد مشروع جديد بمثابة ميثاق للاستثمارات,والذي سيتم عرضه أيضا كمشروع قانون اطارطبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور.

إن التمييز بين السياسة العامة والسياسات العمومية يعتبر مسألة جوهرية لمنع الخلط بين عمليات صنع القرارات السياسية والمعطيات المتحكمة فيها باعتبارها برنامجا عاما لعمل الحكومة ,وبين عملية صياغة السياسات العمومية التي تقترب من مفهوم التخطيط التنموي لكنها تعبرعن أسلوب متطوريقوم على وضع برامج منسجمة ومتناسقة ضمن نفس السياسة العمومية ,وباحترام للمرجعية الأساسية التي تحدد مجال تدخل واختصاص السلط والمؤسسات الدستورية.

المطلب الثاني:تقييم البرلمان للسياسات العمومية

  تعزز دور البرلمان باختصاص جديد هام,تمثل في تقييم السياسات العمومية طبقا للفصل 70 من الدستورالمغربي الجديد1.في محاولة من المشرع الدستوري لإبرازنوع من التمايز الدلالي والوظيفي بين المراقبة contrôle  ,والتقصي enquête ,والتقيييم .evaluation

الفرع الأول: مفهوم تقييم البرلمان للسياسات العمومية

تعتبر مرحلة التقييم السياسات العمومية مرحلة أساسية وضرورية في تكملة والتعامل مع هذه السياسات حيث انه داخل النصوص القانونية والتنظيمية للدول التي تتوفر على بنية مؤسساتية لتقييم السياسات العمومية,غالبا ما نجد بعض التعريفات المبسطة والتي تعتبر ا لتقييم بمثابة محاولة لتحديد فعالية إحدى هذه السياسات,عبرمقارنة نتائجها بالأهداف المسطرة لها وبالوسائل الموضوعة رهن إشارتها

كما يقصد بالتقييم السياسات العمومية,قياس فعالية هذه الأخيرة بمساعدة مؤشرات الأداء,أي البحث عن ما إذا كانت الوسائل القانونية,البشرية,الإدارية والمالية…المعمول بها تمكن من نتائج الآثارالمنتظرة من هذه السياسات وبلوغ الأهداف المسطرة لها 1[11]

وتضع كذلك  المادة  212من النظام الداخلي من لمجلس النواب تعريفيا وظيفيا لتقييم السياسات العمومية فقد جاءت مقتضياتها,محددة على النحو الآتي

(يهدف تقييم السياسات العمومية من خلال انجاز أبحاث وتحاليل,إلى التعرف على نتائج,السياسات والبرامج العمومية,وقياس تأثيراتها على الفئات وعلى المجتمع ومدى تحقيقيها للأهداف المتوقعة وتحديد العوامل التي أدت الى هذه النتائج) .

وتحدد مؤشرات تقييم السياسات العمومية في العناصر التالية:[12]

  • الانسجام:هل مختلف الأهداف منسجمة فيما بينها؟
  • بلوغ الأهداف:الى أي يعكس التطورالمسجل في الواقع التطابق مع أهداف السياسة المعتمدة؟
  • الفعالية:الى ي حد تتطابق الآثارالخاصة بالسياسة مع أهدافها؟
  • النجاعة:هل هناك استعمال جيد للموارد المرصودة لهذه السياسة العمومية؟وهل نتائج هذه السياسة في مستوى المبالغ المنفقة؟
  • التأثير:ماهي الآثار الشاملة لهذه السياسة العمومية بالنسبة للمجتمع ؟وهل نتائجها ايجابية؟
  • الملائمة او وثاقة الصلة:هل الأهداف الجلية مكيفة مع طبيعة المشكل او المشاكل التي يفترض التكفل بها؟

وإذا كانت ممارسة عملية التقييم البرلماني للسياسات العمومية تتم في مختلف البلدان على أسس مفاهيمية مختلفة,فإنها بالمقابل تلتقي وتتقاطع على مستوى(معرفة السياسة وأثارها).كما أنها توضح بأن الغاية المتوخاة من ممارسة التقييم تكمن قبل كل شيء في اقتراح تحسينات تهم السياسات الحالية.وتشير بعض تلك التعريفات بشكل جلي إلى ضرورة إبرازمدى نجاح أواخفاق السياسة الخاضعة للتقييم في أهدافها.

مقال قد يهمك :   العلمي المشيشي: بدائل التدابير السالبة للحرية

الفرع الثاني:أهداف التقييم البرلماني للسياسات العمومية

  إن التقييم ليس مجرد عمل تقني لتقديم “خبرة”محايدة,انه مسلسل بطابع سياسي خالص,فالسياسات موضوع التقييم هي في الأصل نتيجة لقرارات سياسية,وهذا التقييم محكوم بدينامية الفضاء السياسي,وهو في النهاية محاولة لمسائلة شرعية الأهداف والاستراتيجيات,ولمدى النفع الذي يمكن أن تعود به هذه السياسة على المجتمع.

كل هذه العناصرتجعل التقييم,يختلف جوهريا عن وظائف الرقابة والتحقيق, التي يمكن أن يكون العمل العمومي موضوعا لها,سواء من طرف جهات سياسية اوادارية اوقضائية

ويمكن أن نلخص أهداف تقييم السياسات العمومية في العناصر التالية:[13]

– دعم الشفافية والحوار العمومي حول شرعية ومنجزات السلطات العمومية

– تكريس قيم الديمقراطية والمشاركة وتعزيزثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة

– توجيه الفعل العمومي وإعادة تحديد أولوياته وسبل تفعليه

– إرشاد صناع السياسات والمواطنين إلى كيفية تنفيذ البرامج الحكومية وتجاوز أخطاء التدبير

– ربط المعرفة بالقرار السياسي وبالنقاش العمومي

– تشجيع التقارب بين مختلف المتدخلين في السياسات العمومية

– تعبئة الفاعلين والموارد البشرية المعنية,حول أهداف السياسات العمومية

– تأمين إحدى غايات التدبيروهي عقلنة الموارد المادية والبشرية اللازمة للسياسات العمومية

ووفقا كذلك للممارسات الدولية,فيتعين على عملية التقييم المنجزة من طرف مجلس النواب ان تحقق ثلاث غايات وهي كالآتي :

دراكيةcognitive

معيارية normative

أداتيةinstrumentale

كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي أشارفي مادته 212 على تحديد الهدف وراء التقييم ألاوهوالتعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية وقياس ثاتيرها على الفئات المعنية وعلى المجتمع ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة وتحديد العوامل التي أدت إلى بلوغ هذه النتائج ويتم ذلك من خلال إجراء أبحاث وتحاليل [14] وبالتالي يتعين أن يستجيب التقييم البرلماني للمعايير والشروط التالية :[15]

يتعين على التقييم أن يمكن من فهم أفضل للسياسة العمومية,وذلك من خلال تجميع وتحليل المعطيات المرتبطة بمجال التدخل والآثار الناجمة عنه(الغاية الإدراكية)fenalité cognitive.وتبدوالمساهمة الإدراكية جلية هنا على وجه الخصوص عندما يثير تقريرالتقييم المنجزانتباه البرلمانيين والحكومة-بشكل غير مباشر-إلى وقائع وأرقام لم تكن في الحسبان.

على التقييم كذلك ان يمكن من قياس قيمة السياسة موضوع التقييم (الغاية المعياريةfénalité normative). وتعتبرهذه المساهمة أساسية بالنسبة لمجلس النواب بما أنها تساهم في ترسيخ الحكامة الجيدة من خلال تشجيع المحاسبة والشفافية لحساب المواطنين.بالإضافة إلى ذلك,فان عملية التقييم تمكن من التعرف على الممارسات الجيدة وتعميمها على باقي السياسات الأخرى .

يفترض أن تفضي عملية القييم البرلماني إلى صياغة اقتراحات تمكن من تحسين السياسة العمومية الخاضعة للتقييم,بهدف توثيق علاقتها وصلتها بأهدافها,وتحسين فاعلية ونجاعة الأعمال التي ثم تفعليها(الغاية الاداتية fénalité instrumental ).كما أن الخلاصات والتوصيات والتدابيرالمقترحة يفترض أيضا أن تكون موجهة بالأساس للحكومة وكذا للإدارات المعنية  التابعة لها أو المؤسسات الواقعة تحت سلطتها.ويشكل التقييم الأداة التي تمكن السلطة التشريعية من الحصول على معطيات موثوقة مستمدة من ارض الواقع,وذلك بهدف ملائمة العمل الحكومي (action publique ).

وذلك عبرتقديم اقتراحات للحكومة تتمثل أساسا فيمايلي:

-المراجعة الشاملة لسياسة في حالة عدم استجابتها لحاجيات\انتظارات المستفيدين من تلك السياسة

-إدخال التعديلات الضرورية لتحسين نتائج واثار السياسة الخاضعة للتقييم

– ثم استخلاص الدروس التي من شأنها ان تتحول الى مقترحات للتحيين أو تجديد السياسة العمومية وتعميمها على سياسات أخرى (نشر السلوك الجيد)

المبحث الثاني: الآليات الكلاسيكية للبرلمان في تقييم السياسات العمومية

المطلب الأول:الأسئلة البرلمانية كآلية لتقييم السياسات العمومية

تلعب الأسئلة البرلمانية دورا مهما ومتميزا,فهي أكثرالوسائل التي نص عليها المشرع الدستوري استعمالا في مراقبة سياسات الحكومة نظرا لسهولتها من جهة,ولفعاليتها من جهة أخرى,فالاسئلة البرلمانية تعتبرأكثرالوسائل التي تمكن العضوالبرلماني من الحصول على البيانات والمعلومات اللازمة لتتبع السياسات العمومية وتقييمها.

الفرع الأول: مفهوم الأسئلة البرلمانية

في هذا الاطاريرى “إيهاب زكي سلام” في السؤال البرلماني بأنه” تقصي العضو البرلماني من وزيرمختص أومن رئيس الحكومة عن حقيقة أمرمعين خاص بأعمال الوزارة أوالحكومة ككل”  [16]

فحين عرف “عثمان خليل عثمان” بأن “السؤال هوامكان العضوالبرلماني توجيه أسئلة إلى الوزارة للاستفسار عن أمريجهله العضوالبرلماني أوبقصد لفت نظرالحكومة الى أمرمن الأمور” [17]

في حين يرى “زيد بدرفراج ” تعريف السؤال هو الذي يكون لأجل طلب الاستيضاح أوالاستفسارعن أمرلفت النظرالى امراومخالفة[18]” كما حدد مختارمطيع “تعريفا للسؤال البرلماني والذي حدده من خلال الغاية منه وهي تنويرالرأي العام حول مختلف القضايا التي تناقش من قبل المؤسسسات الدستورية ,وتمكين المواطنين عبرممثليهم من متابعة تسيير الشأن العام والاضطلاع على مشاريع الحكومة وسياستها” [19].

وعرفه “جوليان لافرييه “julien laferriére” (طلب توضيح حول نقطة محددة يوجه عضومن المجلس إلى أحد الوزراء”[20]

وبشكل عم عرف السؤال بأنه “استفسارعن أمريتعلق بعمل الحكومة يعلمه العضوالبرلماني ليتحقق من حصول واقعة وصل اليها,أويقصد به الوقوف على ماتنوي الحكومة القيام به من أمرمن الأمورأو يهدف لفت نظرها إلى مخلفات حدثت بشأن موضوعها” [21]

ويبقى التعريف الذي أورده “ميشيل أمر michel ameller ” اهم تعريف للسؤال كونه أحاط بمجمل العناصرالمكونة للسؤال,حيث عرف السؤال بأنه :” الفعل الذي بمقتضاه يطلب نائب برلماني من وزيرايضاحات حول نقطة معينة وهذا الفعل يكون غيرمصحوب بجزاءسياسي فوري,مما يميزه جذريا عن الأنماط الأخرى للمراقبة في النظام البرلماني(ملتمس الرقابة,الاستجواب ) والتي تستهدف هي الأخرى الحصول على استفسارات من الحكومة ولكنه ينتهي بجزاء تصويت تتارفيه المسؤولية الوزارية.

وبذلك يعتبرالسؤال إحدى الوسائل الرقابة التي تمتلكها السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية يهدف إلى عضو البرلمان من خلال استخدامه ” الحصول على معلومات عن أمر  يجهله,أوالتحقق من حصول واقعة علمها ,أو معرفة ما تنوي الحكومة اتخاذه في مسألة بذاتها”

ان سهولة استخدام الأسئلة هي التي تؤدي إلى كثرة استعمالها سواء كان البرلماني منتميا أم لا لكتلة برلمانية,حيث يتساوى أعضاء البرلمان في استخدام هذه الوسيلة الرقابية,ومن ثم الإفصاح عن انشغالاتهم تجاه النشاط الحكومي أو الإداري,لذلك يعرف السؤال على أنه استيضاح العضو عن أمرمن الأمور,أي مجرد الاستفهام أولفت نظرالحكومة إلى موضوع معين.2 وتبعا لذلك يمكن اختزال مفهوم السؤال على انه ذلك الإجراء الذي بفضله يستطيع أعضاء البرلمان الحصول على المعلومات,وطرح الاستفسارات على الوزراء المختصين بموضوع السؤال. أو “تقصي عضوالبرلمان من وزيرمختص أو من رئيس الحكومة عن حقيقة أمرمعين خاص بأعمال الوزراة أو الحكومة ككل.

  الفرع الثاني: أنواع الأسئلة البرلمانية

اختلف الفقهاء الدستوريين في تقسيم أنواع الأسئلة البرلمانية,فبينما اتجه فقهاء الانجليزالى تقسيم الأسئلة إلى عدة أنواع هي السؤال المنجم والسؤال المستعجل والسؤال الإضافي والسؤال غيرالمنجم,اعتمد الفقه الدستوري الفرنسي على تصنيف الأسئلة إلى أسئلة مكتوبة وأسئلة الشفوية أو أسئلة الحالة أو أسئلة الحكومة, ويذهب إيهاب زكي سلام الى تقسيمها إلى نوعين اثنين أصلية وتبعية ,فالأسئلة الأصلية هي تلك التي يتطلب الرد عليها شفاهة أو كتابة,فحين أن الأسئلة التبعية أو الإضافية هي” كل سؤال مستقل يأتي من وحي الساعة يلقيه العضوالذي قدم السؤال أو غيره أثناء الإجابة على السؤال الأصلي,ويقسم الأسئلة الأصلية تبعا للمدة المطلوبة للرد عليها إلى أسئلة قصيرة المدة- مثل السؤال المستعجل- وأسئلة متوسطة المدة كسؤال المنجم في انجلترا وأسئلة طويلة المدة.

الاأن التقسيم الأكثراعتمادا في تقسيم الأسئلة البرلمانية يصنفها إلى أسئلة كتابية وأسئلة شفوية ضمنها الأسئلة الشفهية العادية والأسئلة الشفهية المستعجلة,2 وهوالتقسيم الأكثرتدوالاوالذي أخدت به العديد من برلمانات العالم( تقسيم ثلاثي للأسئلة ,كتابية,شفهية,وأخرى آنية مستعجلة).

كما لم يميز الدستورفي الفصل 100 منه بين الأسئلة الشفهية والكتابية,في حين ميزبين الأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة والمتعلقة بالسياسات العامة حيث خصص لها مرة كل أسبوع ليجيب عنها رئيس الحكومة,وبين الأسئلة الموجهة لباقي الوزراء الذين أجبرهم الدستورعلى الإجابة داخل اجل 20 يوما,أما النظامين الداخليين لكل من المجلسين فقد فصلا في أنواع الأسئلة .

أولا:الأسئلة الكتابية 

يعد السؤال الكتابي أداة حديثة ثم اعتمادها في العمل النيابي, وهي لا تختلف من حيث طبيعتها عن طلب الإرشادات التي توجه مباشرة من البرلماني إلى الوزير.[22]

وتخضع تلك التقنية إلى شروط  وإجراءات ينبغي توفرها من أجل القيام بدورها في الإعلام والمراقبة وقد ثم اعتماد هذه التقنية في اغلب الأنظمة السياسية التي احتوت دساتيرها على بعض وسائل المراقبة البرلمانية ,مثل كل من المملكة المغربية والأردنية,ودولة الكويت.

ويمكن تعريف الأسئلة الكتابية أنها”تلك التي تتلقى إجابة كتابية عنها,وتكتفي بشأنها بمجرد وصول الإجابة الى العضو السائل,دون لزوم حضورالوزيرأمام البرلمان للإجابة عن السؤال الموجه اليه.”وهذا النمط من الأسئلة يكون خارج نطاق جدول الأعمال .[23]

وقد ظهرهذا النوع من الأسئلة في بريطانيا عام 1902,كما أدخل لأول مرة في فرنسا سنة 1909 ,وتبنته أولا الجمعية الوطنية ثم أدخله مجلس الشيوخ.وصدرت بذلك لوائح المجلسين على غرارالنظام الانجليزي. [24]

والمغرب عرف هذه الآلية قبل دسترتها,حيث مثل الظهيرالملكي المؤسس للمجلس الوطني الاستشاري الصادربتاريخ 3 غشت 1956 الميلاد الأول للأسئلة باعتباره وسيلة من وسائل الرقابة مع أعمال الحكومة في النظام السياسي المغربي,وذلك عن طريق الأسئلة التي كان يوجهها أعضاء المجلس الى الوزراء.[25]

وقد ثم التنصيص على هذا النوع من الأسئلة داخل مجلسي البرلمان في جميع قوانينه وأنظمته الداخلية,واعتبرها من وسائل المراقبة التي تفرض جوابا حكوميا.[26]

بحيث تخضع الأسئلة الكتابية عند طرحها في المغرب إلى إجراءات ,أصبحت من التقاليد المعمول بها في البرلمان المغربي,حيث تحررمن قبل واضعيها ويعلن الرئيس في بداية كل جلسة عامة عن مضمونها الإجمالي,وتنشرفي الجريدة الرسمية وكذلك الأجوبة,ويحدد أجل للإجابة ابتداء من تاريخ توصل الوزيربالسؤال,وتتم عملية نشرأجوبة أعضاء الحكومة في الجريدة الرسمية,1 ,وعملية النشرتعد إجراءا هاما,وذلك لاطلاع الرأي العام وتحسيسه بدورالبرلماني الذي منحه صوته,فالأسئلة الكتابية لا تهم فقط الأعضاء الذين يوجهونها,أوالوزراء المعنييين بالإجابة,بل تهم المجلس بأكمله والناخبين.

وفي محاولة من المشرع لمحاربة ظاهرة السكوت وتأخرالحكومة عن الإجابة,فرض نشرالأسئلة الكتابية,التي من خلالها يمكن التعرف على اهتمام النواب بالسيراليومي لأمورالدولة, واطلاع  الرأي العام عليها,وكذلك ومن أجل تفعيل الأسئلة الكتابية وإعطائها نجاعة أكثروقع تحديد آجال للإجابة ,اذ على الوزيرالموجه إليه السؤال الكتابي أن يجيب في مدة لاتتجاوزعشرين يوما من تاريخ إحالة السؤال اليه,وذلك تطبيقا لأحكام الفصل 100من الدستورالمغربي لسنة 2011.

أما المادة 201 من النظام الداخلي لمجلس النواب فتنص على وجوب نشرالأسئلة الكتابية,وأجوبة أعضاء الحكومة عنها في الجريدة الرسمية للبرلمان,كما نصت الأنظمة الداخلية للبرلمان على أنه لايمكن أن تتضمن الأسئلة الكتابية توجيه أية تهمة شخصية إلى الوزراء الموجه إليهم السؤال احتراما للأخلاق السياسية التي من المفترض أن تتميزبها العلاقات السياسية بين الفاعلين السياسيين.[27]

ومن جهة فان مسطرة تحريك التهمة ذات الطبيعة الشخصية أو الجنائية لها اجراءاتها الخاصة وقنواتها السياسية الأخرى التي نص عليها المشرع الدستوري والمشرع البرلماني على حد سواء ,فهي مراقبة أخرى ومن نوع اخرلاتدخل في إطارالفصول الدستورية المنظمة للمسؤولية الجنائية للوزراء على الرغم من أن المشرع الدستوري اعتبرأن المسؤولية الجنائية للوزراء مسؤولية يمكن تحريكها من طرف البرلمان بمجلسيه ووفق شروط قانونية معينة اثناء ممارستهم لمهامهم.[28]

إن المغزى من إخضاع الأسئلة الكتابية لهذه الشروط,هو تمكين المهتمين بالمادة القانونية من الاضطلاع عليها,وماعدة الباحث في العلوم القانونية والسياسية إلا تسليط الضوء عليهاعلى المستوى الكمي والكيفي ليحدد طبيعة الأسئلة الكتابية والقطاعات التي توجه إليها,وكذا عدد الأسئلة التي يجيب عنها الوزراء,وتلك التي تبقى بدون جواب.

كما أن عملية نشر الأسئلة الكتابية في الجريدة الرسمية يسهل عملية البحث العلمي حول هذه الأسئلة البرلمانية خصوصا عندما توضع أمام مقارنة بينها وبين التجارب البرلمانية الأخرى في مجال مقاربة العمل الحكومي عبرالسؤال الكتابي المقارن,بمعنى أن دراستها قد توضح أجه التشابه وأجه الاختلاف بين التجارب البرلمانية المقارنة.

ثانيا : الأسئلة الشفوية

السؤال الشفوي هو ذلك الإجراء الذي من خلاله يمكن لأحد أعضاء البرلمان أن يطلب من أعضاء البرلمان أن يطلب من أعضاء الحكومة تقديم توضيحات حول موضوع معين.

وإذا كانت الكتابة شرط ضروري لتقديم الأسئلة سواء كانت مكتوبة أوشفوية ,فان ما يميز هذه الأخيرة هوطرحها شفويا من طرف عضوالبرلمان في الجلسة المخصصة لذلك,والرد عليها شفويا من قبل المختص خلال نفس الجلسة , الأمرالذي يضفي عليها طابعا مميزا عن الأسئلة الكتابية.

مقال قد يهمك :   خالد برجاوي : تطور قواعد النسب في القانون المغربي

وبذلك تعد الأسئلة الشفوية أداة لإثراء الحواربين الحكومة والبرلمان وهي الأصل في الأسئلة البرلمانية,وقد اقترن ظهورها بتطورالنظام البرلماني والنظام التمثيلي,وهذا منذ ظهورالحواربين الحكومة ومراقبيها.ويمثل تبادل الأسئلة والأجوبة,الوسيلة الطبيعية لهذا الحوار,حيث تنبع الأسئلة الشفوية من الحوارداخل البرلمان ,الذي ينشأ بين ممثلي الشعب الذين وجهوها ,وأعضاء الحكومة الذين يجيبون عنها.[29]

ويستأثرهذا النوع من الأسئلة في المغرب بهامش واسع من الاهتمام من طرف البرلمانيين,في محاولة منهم متابعة الأداء الحكومي,وعيله إذا تعلق الأمربالسياسة العامة للحكومة فان الوزيرالأول هوالذي يجيب,أما إذا كان السؤال قطاعيا فان الوزيرالمعني  حسب القطاع هو الذي يجيب.

وان كان الفصل 56 من دستور1996 قد حافظ على نفس المقتضيات التي تضمنها دستور1992في هذا الخصوص مع تعديل طفيف يتمثل في حق السؤال للنواب والمستشارين على السؤال,وإلزامية الحكومة بالرد داخل الأجل القانوني المحدد سواء كان السؤال مقدما من قبل مجلس النواب أو مجلس المستشارين.[30]فان دستور2011نص في الفصل 100 على أنه ” تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة,تدلي بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها,تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر.وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة”.

والحقيقة أن هذا النص له دلالة حاسمة تفيد أن السؤال لا يوجه الى وزيرفي حد ذاته ,ولكن يوجه الى الحكومة وهذه الأخيرة يمثلها رئيسها وفقا لمقتضيات الفصل 89 من الدستور,فالحكومة تشتغل تحت سلطة رئيسها ومن ثم فان تقديم سؤال الى وزيربعينه لا يجوزاداريا ودستوريا ,بل يجب توجهيه إلى رئيس الحكومة الذي له ممارسة السلطة التنظيمية.[31]

وقد نصت المواد من 187 إلى 193من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013 الأسئلة الشفهية2 ,حيث نصت على تخصيص جلسة كل اثنين “3” للأسئلة الشفهية وأجوبة الحكومة بمجلس النواب ,فيما يخصص يوم الثلاثاء لمجلس المستشارين ,يقوم مكتب المجلس بتسجيل الأسئلة الشفهية الجاهزة في جدول الأعمال ,ويوزع عدد الأسئلة حسب التمثيل النسبي.

يقدم السؤال كتابة إلى رئيس المجلس موقعا من واضعيه,حيث يقوم رئيس المجلس بإحالته لرئيس الحكومة( توجيه نسخة للوزيرالمعني قصد الإخبار), يخبررئيس الحكومة وزارة العلاقات مع البرلمان بالسؤال,حيث تتكلف هذه الأخيرة بالتنسيق مع الوزارة الذين عبروا عن حضورهم حتى يتمكن من برمجة الأسئلة وفق أجندة الوزراء تجيب الحكومة داخل أجل 20 يوما من تاريخ إحالة السؤال من لدن المجلس اذا تعلق الأمربالأسئلة القطاعية,وداخل اجل 30  يوما إذا تعلق الأمربالأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة المتعلقة بالسياسة العامة.توزع قائمة الأسئلة المبرمجة قبل تاريخ الجلسة ب 24 يوما ساعة على الأقل,ويمكن تحويل السؤال الشفهي الذي له طابع شخصي أومحلي إلى سؤال كتابي بعد اشعارصاحب السؤال بذلك كتابة ,ليعلن هذا الاخيرداخل اجل ثمانية أيام موافقته أورفضه وفي حالة عدم جوابه يعتبرذلك موافقة منه.

مدة السؤال ثلاث دقائق للعرض والتعقيب.أو ثلاث دقائق للأجابة والرد على التعقيب ولايجيب عن الأسئلة الارئيس الحكومة أو الوزراء .

ويعتبر السؤال الشفهي هو الأصل من حيث الظهور, وهو يتطلب حضورالوزيرالمسؤول الى البرلمان للأجابة عن السؤال أو الأسئلة الموجهة إليه بخلاف  الأسئلة الكتابية.[32]ونظرا لأهمية هذا النوع من السؤال ,فقد اختلف الفقهاء في حصرالتقسيمات الفرعية الأخرى التي انبثقت عنه وذلك بحسب اختلاف الأنظمة.

وعليه فقد حدد ” لبيردو” أنواع الأسئلة الشفوية الى أسئلة شفوية متبوعة بنقاش,وأسئلة شفوية غيرمتبوعة بنقاش,أسئلة الحكومة ,كما أدرج ضمنها الأسئلة الآنية :أما لوكريك” فقد اضاف الى تقسيم” لبيردو” نوعا آخر,وهو الأسئلة المفاجئة والتي بدأت الجمعية الوطنية تموسنقتصرفي هذا المجال على نوعين فقط من الأسئلة الشفوية ,وهي تلك الأسئلة الشفوية العادية التي تليها مناقشة,والأخرى التي لا تليها مناقشة,مما يجعلنا نتساءل عن الفرق بين هذين النوعين من الأسئلة الشفوية ؟ ارسها منذ 1989 .

أ-الأسئلة الشفوية العادية التي تتبعها مناقشة

هي ذلك الصنف من الأسئلة التي تتيح المجال أمام بقية النواب للمشاركة في المناقشة دون أن تقتصرالمناقشة على الوزيرالمعني وصاحب السؤال[33],مما يوسع من إطارالمناقشة ويعطي للموضوع الذي يتضمنه السؤال أهمية أكبر,بحيث قد تثارجوانب من السؤال لم يكن من الممكن اثارتها لو اقتصرالأمرعلى حواربين النائب والوزيرالمعني.

وقد نص المشرع الدستوري على هذا النوع من الأسئلة في المادة 194 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013 حيث نص على أنه” يمكن للنائبات والنواب أن يتقدموا بأسئلة شفوية تليها مناقشة”.

عندما يتم إدراج أسئلة شفهية تليها مناقشة في جدول أعمال الجلسة يبلغ الرئيس الفرق والمجموعات النيابية والنواب غيرالمنتسبين,ويفتح لائحة الراغبين في المشاركة في المناقشة وينبه الحكومة بذلك “.

ض من هذا النوع من الأسئلة هو إثارة انتباه الرأي العام حول طريقة تدبيرالشأن العام الوطني من طرف الحكومة,من جهة ,ومن جهة أخرى,فهي تفيد في انتقاد الحكومة من طرف المعارضة البرلمانية من أجل استمالة الهيأة الناخبة في الاستحقاقات الانتخابية.

وتكمن أهمية الأسئلة الشفهية  المشفوعة بنقاش ,إلى ما تتصف به من سرعة في الحوار بين صاحب السؤال,والوزيرالمعني بالأمر,إذ يتمتع صاحب السؤال الذي تتبعه مناقشة,بحق تقديم عرض في مدة لا تتجاوزخمس دقائق, ويتولى الوزيرالمعني بالأمرالجواب عن ذلك السؤال في عشردقائق.

ويمكن القول ,بالرغم من أن هذا الصنف من الأسئلة لاينتهي بالتصويت على اتخاذ إجراء معين,الا أنه لايخلو من ذلك من الأهمية,اذ يكشف عن التوجهات الحكومية في المسائل التي تتم مناقشتها.

ب-الأسئلة الشفوية التي لاتتبعها مناقشة

يقصد به النوع من الأسئلة الاقتصارعلى سؤال النائب, وجوائب الوزير,قد يتبعه تعقيب أحدهما ,لكن دون السماح لغيرهم من النواب والمستشارين بالتدخل.

وقد حدد النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة 189 للفرق والمجموعات النيابية المدة الزمنية المخصصة لكل سؤال3,ثم يتم اخباررئاسة المجلس بذلك 24 ساعة قبل بداية الجلسة, على أن لا تقل مدة السؤال عن دقيقة واحدة .

وفي حالة عدم الإخباررئاسة المجلس في الأجل السالف الذكر( تحدد تلقائيا دقيقتان لكل سؤال,وإذا حال مانع دون حضورأحد الأسئلة الشفهية يحول سؤاله الى سؤال كتابي,كما لايجيب عن الأسئلة الارئيس الحكومة والوزراء المعنيون بالأمر,وفي حالة تغيب الوزيرالذي يهمه السؤال مباشرة يمكن أن ينيب عنه أحد زملائه من الوزراء.

وقد ألزم المشرع الدستوري الحكومة بضرورة إعداد الأجوبة عن الأسئلة الشفوية خلال 20 يوما ,وهي مدة كافية للإجابة خصوصا إذا كان الوزيرالمعني بالأمريتوفرعلى موارد بشرية مؤهلة وكفأة تستطيع أن تمده بعناصرالاجابة عن السؤال البرلماني.[34]

نخلص مما سبق,على أن الأسئلة الشفهية ,حضيت باهتمام كبيرمن لدن كل من الدستوروالقانون التنظيمي  لكلا المجلسين,وعلاوة على ذلك نجد الاستخدام المكثف لهذه الأسئلة من قبل البرلمانيين النواب وكذا  المستشارين,أثناء مناقشة قضايا معينة أو من أجل الاستفسار فيما يخص عمل الحكومة,ومن نتائج تهافت البرلمانيين على هذا النوع من الأسئلة أنها تعد ميزة للنظام البرلماني وترتبط بالحقوق التي يعترف بها للمعارضة,كما أن لها أهميتها في مراقبة عمل الحكومة مما يدفع البرلمانيين إلى استخدامها بكثرة. 1 وبذلك سنشيرالى حصيلة ا الأسئلة الشفهية خلال الولاية التشريعية التاسعة ومدى تفاعل الايجابي للحكومة معها.

ثالثا:الأسئلة الآنية المستعجلة

اذا كانت الأسئلة التي يطرحها أعضاء البرلمان تهدف إلى الحصول على بيانات أو معلومات,أوممارسة نوع من الرقابة البرلمانية ,فانه يجب إلا نغيب أن المدة التي تستغرقها الإجابة على هذه الأسئلة قد تكون طويلة نسبيا,وعامل الوقت يمكن أن يكون قاتلا ,واستنادا لذلك فان هناك بعض الأسئلة لا تحتمل أي تأخيرلافي وقت طرحها ولا في مدة الإجابة عنها,فهي تتعلق بقضايا ظرفية طارئة,ولابد من الإشارة إلى أن الأسئلة العاجلة هي نوع من الأسئلة الشفوية,اذ تتجرد هذه الأسئلة من فائدتها اذا لم يكن إثارة  بعض القضايا الملحة[35].

    ومن ثم فان السؤال الآني هو ذلك السؤال الذي تفرضه ظروف استثنائية معينة قد تطبع الحقل السياسي أو الاقتصادي أوالاجتماعي لأي نظام سياسي معين,فهي تستجيب لمعطيات ومتغيرات ظرفية,تتيح للبرلمان الحق في معرفة التدابيروالمبادرات التي اتخذتها أو ستتخذها الحكومة في مجال معين.

أو هي تلك الأسئلة التي تستلزم إلقاء الأضواء عليها باستعجال من قبل الحكومة عن طريق مجلس النواب

فالسؤال الآني فرصة لإعطاء المجلسين معا لمساءلة ومتابعة عمل الحكومة,وإثارة الرأي العام الوطني الذي يتابع جلسات الأسئلة البرلمانية عبرالاذاعة والتلفزة الوطنية حول طريقة تدبيرالحكومة للرأي العام .

يبلغ رئيس مجلس النواب اورئيس مجلس المستشارين هذه الأسئلة,بمجرد ما يتوصلون بها إلى الحكومة بعد استشارة الفرق النيابية ,ويكون اليوم المخصص للإجابة عن الأسئلة الآنية المستعجلة هو اليوم المخصص للأسئلة الشفوية العادية,والتي تم تحديده في يوم الثلاثاء أمام مجلس النواب,وفي نفس اليوم أمام مجلس المستشارين ,وعادة مايكون الرد على هذه الأسئلة شفاهة استجابة لطابع السرعة والاستعجال سواء عند طرحها او الرد عليها.

وبعد الوقوف عند مفهوم الأسئلة الآنية المستعجلة ,نتساءل في هذا الصدد من الذي يملك الحق في تقريرطبيعتها الاستعجالية؟

ان حق تقريرطبيعة هذه الأسئلة يختلف باختلاف الأنظمة الدستورية,2وفي المغرب خولت الصلاحية في ذلك لرئيس مجلس المستشارين وندوة الرؤساء.إلا أن الكلمة الفاصلة في تأكيد طبيعة الاستعجال للسؤال من عدمه تكون للحكومة,لأنها هي من يبدي الاستعداد للإجابة على الأسئلة التي تعتبرفعلا  آنية ومستعجلة.

ولم يفت المشرع الدستوري أن ينص على هذه الآنية لمجلسي البرلمان.

وفيما يتعلق بالإجابة على السؤال الآني ,فالمادة  102من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013 تنص على أنه لا يجيب عن الأسئلة الارئيس الحكومة أو الوزراء المعنيون بالأمروفي حالة تغيب الوزيرالذي يهمه السؤال مباشرة يمكن أن ينيب عنه أحد زملائه من الوزراء”.

المطلب الثاني: اللجان البرلمانية كأداة لتقييم السياسات العمومية 

من أجل تحسين ظروف اشتغال المؤسسة البرلمانية في الإنتاج التشريعي وإعداد السياسات العمومية وتقييميها, نجد بأن كل البرلمانات العالمية تبنت ما يصطلح عليه باللجان البرلمانية بمختلف أنواعها سواء الدائمة منها أوالمؤقتة, يتسم تشكليها بالثبات ويكون لها اختصاص موضوعي,واضح .وعموما يدخل عمل هذه اللجان في اطارمحاولة المؤسسة البرلمانية تنظيم العملية التشريعية والرقابية على حد سواء,والرفع من جودة ونجاعة السياسات العمومية .

الفرع الأول :دور اللجان الدائمة في تقييم السياسات العمومية 

تعتبراللجان البرلمانية الدائمة بمثابة برلمانات مصغرة ,تقوم بدورفعال في العمل البرلماني عامة والتشريعي خاصة,فهي بمثابة العمود الفقري للجهاز التشريعي,داخلها تناقش النصوص القانونية سواء كانت ذات مصدرحكومي( مشاريع قوانين projet des lois ) ,أومن أصل برلماني( مقترحات قوانينproposition des lois   ),وقد تزايدت أهمية وجود اللجان البرلمانية الدائمة في عمل المجالس النيابية في الوقت الراهن,فكثرة تضخم الظواهرالقانونية والاجتماعية والحاجة إلى ضرورة تأطيرها قانونيا ,ساهم في كثرة إحالة النصوص القانونية على هذه اللجان ,وبناء عليه,تفرعت لجان مختصة بدراسة القضايا المعروضة على الجهازالتشريعي .[36]

مما تجدرا لإشارة إليه في هذا الصدد إلى جانب انه لايحق لأي مجلسي البرلمان التداول أو مناقشة أي نص قانوني ,إلا بعد إحالته على إحدى لجان الدائمة كمسطرة أولى فإنها تقوم كذلك بمراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية ,كالقيام المهام الاستطلاعية حول بعض القضايا التي تهم المجتمع,وعقد جلسات استماع للمسؤولين الحكوميين,وطلب استفسارات بشأن القطاعات التي يشرفون على تدبيرها  وتسييرها ,وكذا كل الأجهزة الإدارية الخاضعة لوصاية الدولة وإدارتها المركزية .

ووفقا للنظام الدستوري المغربي,فان الفصل 80 من الدستورلسنة2011 يقربهذا المعطى بقوله” تحال مشاريع ومقترحات القوانين فيها على اللجان التي يستمرعملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات “.

كما يحيل على ذلك دستورالجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة 1958 في مادته 43 على كون مشاريع ومقترحات القوانين تحال لأجل النظرفيها على لجان برلمانية دائمة في كل مجلس.

ونشيرالى أن من حق المؤسسة البرلمانية في تشكيل لجان برلمانية دائمة هو حق أصيل ومشروع يستمد وجوده من طبيعة النظام البرلماني نفسه ومن النص الدستوري الذي يعترف بحق البرلمان في تشكيل لجان برلمانية دائمة ,وحتى الأنظمة الداخلية للمجالس النيابية تنص على ضرورة تشكيل لجان برلمانية دائمة تحدد مهمتها في فحص النصوص القانونية وتقييم السياسات العمومية .

وقد بين النظام الداخلي لمجلسي البرلمان بالمغرب كيفية تشكيل اللجان البرلمانية الدائمة,حيث نصت المادة 37 من النظام الداخلي لمجلس النواب ,على أن يتم تشكيل هذه اللجان في بداية الفترة التشريعية على أساس التمثيل النسبي 1,ويتم انتخاب رؤساء اللجان البرلمانية الدائمة عن طريق الاقتراع السري في مستهل الفترة النيابية ثم في سنتها الثانية عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة النيابية,لأحكام الفصل 62من الدستورالمغربي 2011.

مقال قد يهمك :   رشيد المسعودي: شروط التدخل القضائي في مجال المنازعة القضائية المتعلقة بالتحصيل

وبالرجوع لكل من الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان المغربي ونظيره الفرنسي ,نجدهما قاما بتحديد عدد وأنواع واختصاصات اللجان البرلمانية الدائمة وتأليفهما والقواعد المتعلقة بسيرأشغالهما ,4فقد حددت المادة35 من النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي في (9) لجن بعدما كانت ستة ,في حين حافظ مجلس المستشارين في المادة 48 على نفس العدد والتي تتحدد في (6 ) لجن دائمة.[37]

ومن أجل القيام بهامها ومناقشة القضايا التشريعية المحالة على اللجان ,فان هذه الأخيرة تعقد اجتماعات يومية وطيلة أيام الأسبوع,بهدف دراسة القضايا السياسية والتشريعية التي تدخل في نظاق اختصاصها والمحالة إليها من لدن السلطة التنفيذية ومكتب المجلس الذي تنتمي إليه هذه اللجنة, باستثناء صبيحة اليوم المخصص للأسئلة الشفوية.

ومن المعلوم أن جلسات اللجان لايحضرها-حسب سرية اجتماعات مبدئيا إلا أعضاء اللجنة الذين لهم الحق وحدهم في النقاش والتصويت معا,وأعضاء برلمانيون آخرون ليسوا أعضاء في اللجنة لهم الحق في النقاش دون التصويت,وزراء القطاعات المعنية بصلاحيات اللجنة,والموظفون الحكوميون المرافقون للوزراء,وموظفو البرلمان الذين يسهرون على تحريرالتقاريرالتي ستقدم إلى الجلسات العامة للمجلس التي تتضمن مشاريع ومقترحات القوانين والتعديلات المدخلة عليها من طرف اللجنة والتوجيهات العامة التي سادت النقاش أثناء اجتماعات اللجنة,كما يسهرموظفوالبرلمان على تحريرمحاضرالاجتماعات لتبقى في أرشيف اللجنة وأرشيف البرلمان.[38]

وللإشارة فان اجتماعات اللجان الدائمة بمجلسي البرلمان البريطاني تكون علنية ومفتوحة أمام الجمهور.

الفرع الثاني :لجان تقصي الحقائق كآلية لتقييم السياسات العمومية

يعد تشكيل لجان تقصي الحقائق البرلمانية,من الآليات الهامة التي يمكن اللجوء إليها للوقوف على بعض الأحداث والمسائل المتصلة بالصالح العام,والتعرف على حقائق الأمورعن كثب.

فتكوين مثل تلك اللجان يساعد البرلمان على الاستعلام مباشرة من المصدر خاصة إذا كانت المعلومات التي تقدمها الحكومة غيركافية,أوغيرمقنعة لأعضاء البرلمان.

لذلك عمد المشرع الدستوري إلى التنصيص على كيفية تكوين لجان تقصي الحقائق,وأحاط ذلك التشكيل بجملة من الشروط.وتختلف الدول في موقفها من الامتيازات التي تمنحها إلى لجان التحقيق البرلمانية فبالرجوع إلى القانون المقارن ,نرى الكونغرس في الولايات المتحدة يملك سلطة إنشاء لجان التحقيق,وتحديد سلطاتها,وتتميز تلك اللجان باستقلال واسع في عملها.

وقد أوجدت تعاريف عديدة للجان التقصي ونعني بالتقصي[39]“ذاك الإجراء الذي تستخدمه السلطة التشريعية,للقيام بوظيفتها في رقابة السلطة التنفيذية,وذلك عن طريق تشكيل لجنة مكونة من أعضائها.تقوم بجمع المعلومات الضرورية وتقديم تقريرالنتائج التي توصلت إليها,وعلى ضوء هذه النتائج تتخد الهيئة البرلمانية قرارها حول موضوع تشريعي أو مالي,أو حول طريقة تسييرمرفق من المرافق,للكشف عن الخلل وضبط شرعية أعمال السلطة التنفيذية”.

في حين اعتبر الدكتورايهاب زكي سلام  التحقيق هو” عملية من عمليات تقصي الحقائق عن وضع معين في أجهزة السلطة التنفيذية ,تمارسه هيئة مختصة”

أما صلاح الدين فوزي فقد عرف لجنة التقصي الحقائق بأنها” اللجنة التي يشكلهاالبرلمان,لفحص أحوال إحدى المصالح أو المؤسسات العامة أوأي مشروع من المشروعات العامة,أو أي جهازتنفيذي أو اداري,يدخل في نطاق الاختصاص الرقابي للمجلس,وذلك لتقصي الحقيقة عن الأوضاع المالية أو الإدارية أو السياسية,بالنسبة للموضوع,والجهة التي شكلت اللجنة من أجلها ولأجل التحقق من مدى التزام أي من الجهات السابقة بسيادة القانون أو بالخطة أوبالموازنة للدولة “[40].

إذا كانت هذه اللجان لم يتم التنصيص على حق البرلمان في تشكيلها إلا في الدستورالمراجع 1992 ,فانه طبقا للفصل67 من الدستوروالمادة 71 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين,أساسية في تكريس البعد الديمقراطي في تدبيروادارة الشأن العام,ممايكفل الالتزام بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة,وهوماجسده دستور2011 ,لما منح امكانيات جديدة تسمح له بالمبادرة الى إحداث هذه اللجان دون صعوبات ,وذلك بالاقتصارعلى نصاب لايتعدى الثلث بدلامن الأغلبية في دستور1996.”[41]

وتعد هذه اللجان مؤقتة وخاصة,تعتمد على التحري الميداني لاستيفاء المعلومات مباشرة حول قضايا محددة على حقائق العملية التدبيرية1.وهي أداة مهمة في تقييم السياسات العمومية والوقوف على اختلالالتها ,لذلك عمل الدستورالمغربي 2011 على تكريس الدورالرقابي لهذه اللجان باعتبارها أداة مهمة في مراقبة السياسات العمومية,فالبرغم من تفاوت اختصاصاتها وطبيعتها وتركيبتها ومدة عملها وسلطاتها من برلمان لآخر, فإنها حاضرة في مجمل برلمانات العالم,ليس بالضرورة من خلال الوثيقة الدستورية بل عبرالنظام الداخلي للبرلمان أوالقوانين التنظيمية.[42]

قد نص المشرع الدستوري في الفقرة الثانية من الفصل 67 من الدستور2011 ” على أنه ” لايجوزتكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية,مادمت هذه المتابعات جارية ,وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق ,سبق تكوينها ,فورفتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها”.وتنص الفقرة الثالثة من الفصل 67 على أنه ” لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها,وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني,وعند الاقتضاء بإحالته, إلى القضاء من قبل رئيس هذا المجلس “وتخصص جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقاريرلجان تقصي الحقائق”.[43]

  وبتنصيص الدستورعلى حق البرلمان في تشكيل لجان التقصي تمت إلى حد ما تقوية سلطة الرقابية وتوسيعها,بالرغم من القيود الدستورية والقانونية المفروضة من أجل تقديم طلب تشكيلها”3 “والمتمثلة في الرفع النسبة الواجب توفرها لتشكيل هذه اللجان رغم كونها قد انخفضت مقارنة مع دستورسنة 1996 .وضرورة إيقاف التحقيق في أية وقائع معينة بمجرد فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها1.,كما يمكن طي الملف ووضعه في رفوف المجلس الذي تشكلت في إطاره لجنة تقصي الحقائق ,ويتم الاكتفاء فقط بعقد جلسة عمومية في المجلس المعني لمناقشة التقريردون أن تترتب عن ذلك أية نتائج سياسية قد تهدد استمرارية الحكومة في ممارسة عملها2.


 :الهوامش

تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية  

[1]-Dye.T .R(2012) .understanding public policy (14e edition) newjersey:parason

[2]pal ,L .A(2006) .beyond policy analysis.public issue management in turbulent time;Toronto

[3]احمد مصطفى الحسين 2002″مدخل الى تحليل السياسات العامة”المركز العلمي للدراسات السياسية عمان ص 17

[4]Introduction à l analyse politique sous la dir 1980 .réjean landry –-sainte-foy :presses de l université laval page 1

[5]-J .C .Thoenig ;l analyse des politiques publiques in m .grawitz et .j.leca ; traité de science  politique ;tome 5 ;1985 paris puf page 6

[6]le management public par viriato manuel santo et piere eric lerrier ; puf ; que sai  je ?1993 paris

[7] ليلى الزيراوي( 2013)  دورالبرلمان في تقييم السياسات العامة على ضوء مستجدات  دستور  2011 ,رسالة لنيل دبلوم الماسترفي القانون العام جامعة الحسن الثاني ,كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدارالبيضاء ص 17

-9 _ثامر كامل محمد الخزرجي ( 2002 ) النظم السياسية الحديثة والسياسة العامة, مطبعة محمد لاوي للطباعة والنشر الطبعة الاولى

إذن من خلال ما تقدم ماذا يميزالسياسات العمومية عن السياسة العامة؟

10  ندوة حول تقييم السياسات العمومية : الاطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية ,نظمت بمقرمجلس النواب يوم 13 يوليوز 2016 ص 32-33

11مرجع نفسه ص 33

 12-محمد حيمود (2015) تقييم السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130-13,دفاتر الحكامة .مجلة علمية تعنى بقضايا الفكروالسياسة والقانون ,العدد 2 ص 22

13 Stéphane le bouler , 2004l évaluation des politiques publiques françaises ,entretien réalisé par la documentation française en aout ;p -1_3

14حسن طارق (2014 )مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية: ,منشورات الوسيط من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ص 18-19

[14]اسماء الشقري(2015)تقييم البرلمان للسياسات العمومية على ضوء قرارات المجلس الدستوري,المجلة المغربية للتدقيق والتنمية العدد 41ص52

[15]ندوة حول التقييم السياسات العمومية:المرجع السابق ص 62-63

[16]ايهاب زكي سلام( 1983) الرقابة السياسية على اعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني,مطبعة عالم الكتب,طبعة القاهرة ص 27

[18]زيد بدرالفراج,( 1991) السؤال كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية ,دارالنهضة العربية,القاهرة ص 8

[19]-مختارمطيع,( 2002) القانون البرلماني المغربي”دراسات ووثائق” ,دارالقلم للطباعة والنشروالتوزيع الطبعة الأولى ص 123

[20]مصطفى قلوش( 1994 ) ” النظام الدستوري المغربي, الطبعة الرابعة,مكتبة دار السلام ص 231

[21]Julien laferriére( 1947) ,manuel de droit constitutionnel ;2éme édition domat ;montchrestien ,paris p,109

[22]Michel Ameller (1964) «  les questions ;instruments de contrôle parlementaire » , L.G.D.J.thése précités , pp 9

[23]المواد 195 ,196 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013

[24]أم كلثوم جمال الدين, (2006) القانون البرلماني المغربي,أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام,جامعة محمد الاول_كلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية _وجدة  ص 249

[25]لمواد 195 ,196 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013

27 ينص الفصل 15 ” يمكن لكل عضومن أعضاء المجلس الاستشاري أثناء انعقاد الدورة ان يوجه أسئلة الى  أي وزيرحول المسائل التي هي من اختصاص وزارته,وتكون هذه الأسئلة موجهة مباشرة وشفويا,وفي غيرهذه الحالة تكون مكتوبة وموجهة الى الوزيرالذي يهمه الأمربواسطة رئيس المجلس وذلك حسب المسطرة التي يحددها القانون الداخلي للمجلس.

28يونس الخضراوي (2015) “مؤسسة الحكومة في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور2011 “,رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام,جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-عين الشق-الدارالبيضاء ص 75

29اعبيزة  عبد الغني ( 2014 ) “التطورالدستوري لوسائل المراقبة البرلمانية بالمغرب” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية “مطبعة المعارف الجديدة- الرباط ص 178

34صبري السخيري زروق( 2013 )” وظائف البرلمان في المغرب والأردن والكويت” دراسة مقارنة” منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص “تونس” الطبعة الأولى

[30]– رضوان الشباكي (2006 ) ” السلطة التشريعية في المغرب,التكوين والاختصاص”دراسة مقارنة ,أطرحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ,جامعة محمد الخامس ,أكدال الرباط ص 433

32عبد اللطيف وهبي واخرون (2015) ” من وحي البرلمان” شركة المؤسسة الحديثة للكتاب طرابلس –لبنان دون ذكرالطبعة ص 164-165

33محسن يوسف (2006 ) “المراقبة السياسية للنشاط المالي, للحكومة” ,بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام. جامعة محمد الخامس- اكدال- الرباط ص 37

[33]محمد الدويري( 2004) اختصاصات البرلمان المغربي في ضل دستور1992-1996 “دراسة مقارنة ,أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام .جامعة محمد الخامس,كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية,أكدال,الرباط ص 261

35 رشيد لمدور( 2006 ) ” العمل البرلماني في المغرب قضايا وإشكالات ) مطبعة طوب بريس الرباط الطبعة 1 ص 74-73

36  صمادي عبد الرزاق ( 2013 ) ” العمل البرلماني بين وظيفتي التشريع والرقابة ” رسالة لنيل دبلوم الماسترفي القانون العام ” جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –عين الشق- الدارالبيضاء ص 84

[36]عبد الغني السرار( 2013 ) ” دوراللجان البرلمانية الدائمة في تقييم السياسات العمومية بالمغرب ” مجلة مسالك ” العدد 23-24 ص 74

38نديرالمومني ( 2006 ) دورالبرلمان في تقييم السياسات العمومية ( حالة المغرب) ورقة مقدمة في اطارتعزيزحكم القانون والنزاهة في العالم العربي ,المركز العربي لتطويرحكم القانون والنزاهة ص

[38]محمد السنوسي معنى ( 2016)  “من داخل البرلمان ” دارالنشرالمغربية –عين السبع –الدارالبيضاء –المغرب الطبعة الأولى  ص 226

[39]الزياني عثمان( 2012 ) ” الحماية الدستورية لحقوق البرلمانية مقاربة على ضوء دستور2011 ” منشورات مجلة الحقوق سلسلة الأعداد الخاصة, مطبعة المعارف الجديدة الرباط عدد 5 ص

[40]فوزي صلاح الدين ( 1995 ) ” المحيط في النظم السياسية والقانون الدستوري” ص 323

42عبد الرحيم المصلوحي “وآخرون” (2015)” تجربة الإصلاح الدستوري في المغرب ” منتدى العلاقات العربية والدولية” الطبعة الاولى  ص84

43محمد معتصم ( 1995 )” ,دوراللجان البرلمانية في المراقبة خلال ثلاث دورات الأولى للولاية التشريعية الخامسة,”المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية,عدد11

[43]أحمد مفيد( 2015 ) ” الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستورالمغربي الجديد” المجلة المغربية للسياسات العمومية ” العدد 18

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)