16 مارس قصة الظهير الذي أظهر حقيقة دستور 2011

الأداء البرلماني في الجزائر بين النص القانوني والواقع السياسي.

عشر مبررات لبطلان مذكرة الإشعار للغير الحائز

19 مارس 2019 - 10:08 م المنبر القانوني
  • حجم الخط A+A-
  • رضوان اعميمي أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط.

أصدرت المديرية العامة للضرائب بتاريخ 11 مارس 2019 مذكرة مصلحية موجهة لمختلف المصالح التابعة لها تحثها على وقف تبليغ مسطرة الإشعار للغير في مواجهة كل المطالبين بديون عمومية، وذلك إلى إشعار آخر.

فمسطرة الإشعار للغير الحائز (ATD) هو إجراء استثنائي وتنفيذي يمكِّن المحاسب العمومي من حيازة الأموال الموجودة بين يدي الأغيار و التي تعود ملكيتها أو تفترض ملكيتها للملزم بالضريبة، حيث يتحوَّل هذا الغير إلى منفذ لامتياز الخزينة بالتسليم الفوري للأموال تحت طائلة إثارة مسؤوليته، وهو من الإجراءات التي اعتادت الإدارة الضريبية اللجوء إليها خاصة لدى المؤسسات البنكية لما تتميز به من سرعة وفعالية.

وتثير هذه المذكرة غير المسبوقة مجموعة من الملاحظات الشكلية والموضوعية التي تجعلها معيبة إلى درجة البطلان لخرقها مجموعة من المبادئ والقواعد الدستورية والقانونية الآمرة وذلك بالاستناد إلى المبررات التالية:

أولا : أن هذه المذكرة التي صدرت بشكل مقتضب جدا في ثلاث فقرات فقط، لا تتضمن أي بيان للأسباب الداعية لهذا الإجراء، كما أنها لا توضح كيفية تطبيقها من الناحية العملية خاصة في ظل بعض الصعوبات التي قد تواكبها من قبيل الإشعارات التي قد صادف تبليغها مع صدور المذكرة، والإشعارات موضوع التعرض الإداري أو القضائي والتي تقتضي إعادة التبليغ لتصحيح المسطرة، أو الحالات التي يتعذر فيها تحصيل الديون العمومية بالطرق الأخرى، أو الحالات المرتبطة بديون على وشك السقوط بالتقادم، والأخطر من ذلك أن هذه المذكرة لم تميز بين المدين حسن النية والمدين الذي تظهر عليه سوء النية في التعاطي مع إدارة الضرائب سواء في مرحلة التأسيس، الوعاء والتحصيل، كما أن المديرية لم تعر اهتماما لطبيعة الديون موضوع التحصيل (ديون اجتماعية، مهنية، اقتصادية…)، أو للوضعية الاجتماعية للمخاطبين بهذه المسطرة.

ثانيا : خرق مبدأ المساواة أمام القانون: لقد صدرت هذه المذكرة من جهة إدارية فرعية متمثلة في المديرية العامة للضرائب، أي أن هذه الوثيقة لا تخاطب باقي المحاسبين المكلفين بالتحصيل المحددين بموجب المادة الثالثة من مدونة تحصيل الديون العمومية على مستوى الخزينة العامة للمملكة، قباض الجمارك والضرائب غير المباشرة، قباض إدارة التسجيل، وكتاب الضبط بمختلف المحاكم، وهو يعني أن المقاولات والمواطنين بديون لا تتولى تحصيلها المديرية العامة للضرائب غير معنيين بمضمون هذه المذكرة، أي تضل مسطرة الإشعار للغير الحائز سارية في حقهم.

مقال قد يهمك :   الدفع بعدم الإختصاص في التشريع المغربي: قراءة تحليلية في الفصول المنظمة

ثالثا : يشكل إصدار هذه المذكرة خرقا للدستور، خاصة المادة 6 منه التي تجعل من القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع متساوون أمامه و ملزمون بالخضوع إليه بما فيه السلطات العمومية، بمعنى أن صدور مذكرة عن المدير العام للضرائب يجعله سلطة فوق السلط خاصة التشريعية منها، حيث تعطل مقتضيات قانونية صريحة من اختصاص البرلمان، بمفهوم المادة 71 من الدستور التي جعلت التشريع الضريبي من اختصاص القانون متمثل في مدونة تحصيل الديون العمومية في هذه الحالة، وهو ما يعتبر صورة من صور اغتصاب السلطة التي يترتب عليها عدم المشروعية الجسيمة التي تصل إلى درجة انعدام العمل بشكل مطلق لخرقه قاعدة جوهرية مرتبطة بتوزيع الاختصاص بين السلط في إطار مبدأ الفصل بينها، وهي ما يعني بطلان كافة الإجراءات اللاحقة المؤسسة على هذا الخرق.

رابعا. خرق مبدأ تراتبية القواعد القانونية، الذي أكدت عليه الفقرة الثالثة من الفصل 6 من الدستور، ومضمونه أن القاعدة الأقل درجة تخضع للقاعدة الأعلى درجة حسب ما يحدده الدستور، كما أن مبدأ توازي الإجراءات يقتضي أن تعديل أو إلغاء قاعدة معينة يجب أن يتم بموجب قاعدة لها نفس القوة القانونية، وهو ما لم تحترمه المذكرة التي يجب أن ينحصر دورها في التفسير ولا يمكنها إضافة قواعد معيارية تحت طائلة عدم المشروعية.

خامسا : خرق الفصل 39 من الدستور الذي يلزم الجميع بتحمل التكاليف العامة التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وبالتالي فإن تعطيل اللجوء إلى مسطرة الإشعار للغير الحائز، وإن كان لا يشكل الوسيلة الوحيدة للتحصيل، فإنه من أبرز الآليات التي تعتمدها الإدارة الضريبية بالنظر لسرعتها ومردوديتها، على الرغم من أن اللجوء إليها بشكل مكثف وغير معقلن ودون احترام ضمانات التبليغ، خاصة مبدأ التدرج في التحصيل، قد يؤدي لآثار سلبية خاصة على مستوى توفر السيولة لدى المؤسسات البنكية.

مقال قد يهمك :   رهانات الاصلاح الجبائي بالمغرب

سادسا : خرق مبادئ الحكامة الجيدة المستمدة من الفصل 145 من الدستور التي تلزم المرافق العمومية باحترام مبدأ المساواة بين المواطنين، ومبدأ الشفافية والمحاسبة والمسؤولية وهي مبادئ وضعتها المذكرة جانبا ولم تكلف نفسها عناء توضيح الحيثيات أو دراسات الأثر التي دفعتها لاتخاذ هذا الإجراء، وهو ما يؤكد طبيعته الارتجالية وغير المفهومة والتي تعود لمرحلة ما قبل الدستور عندما كانت المذكرات المصلحية تنظم قطاعات وزارية وتؤثر على المراكز القانونية للغير.

سابعا : خرق مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية خاصة المادة 124 التي كانت صريحة في منع توقيف أو تأجيل عملية الاستخلاص أو عرقلة سيرها العادي، وذلك تحت طائلة المسؤولية الشخصية والمالية للمحاسب العمومي، كما أن المحاسب الذي يترك أجل التقادم يمر فإنه يتحمل المسؤولية سواء في أداء المبالغ المتقادمة إضافة إلى مسؤوليته أمام الهيئات الأخرى خاصة المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات.

ثامنا : إن خطورة هذا المنشور، بالإضافة إلى خرقه السافر للدستور والنصوص القانونية، تتمثل في تأكيد محدودية نظام الرقابة التي تخضع لها السلطة الإدارية ببلادنا، وهو ما يساءل قدرة النظام القانوني على حماية نفسه أولا وحماية حدود صلاحيات مختلف مؤسسات الدولة ثانيا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الأمن القانوني، ويمهد الطريق لتدخلات إدارية من نوع آخر قد تمس بالحقوق والحريات.

تاسعا : إن الديون المعنية بمسطرة الإشعار للغير الحائز تعتبر ديونا عمومية تتمتع بامتياز الخزينة، لذلك فإن إدارة الضرائب هي مجرد جهاز إداري يتولى تأسيسها واستخلاصها طبقا لما حدده المشرع، لفائدة ميزانية الدولة وهي الأموال التي يتم من حيث المبدأ تعبئتها لتدبير مرافق الدولة والجماعات الترابية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ومن شأن إيقاف هذه المسطرة التأثير على مردودية الخزينة العامة وبالتبعية التأثير على طبيعة وجودة الخدمات التي تقدمها الدولة التي لا ترقى بعد للمستوى المطلوب.

مقال قد يهمك :   الأجل القانوني في المنازعات المتعلقة بتسوية الوضعية الفردية: الإشكاليات العملية

عاشرا : صدور هذا المنشور على بعد أيام من عقد المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات يومي 3 و4 ماي المقبل يساءل الجدوى من هذه اللقاءات طالما أن عقلية الإدارة لازالت محكومة بهواجس واعتبارات يبدوا أن آخرها هو الخضوع للدستور والقانون.

         في الأخير، وعلى الرغم من المبررات التي يمكن أن تصيغها الإدارة الضريبة في اتخاذها لهذا الإجراء سواء تعلق الأمر بالتأثير السلبي على المؤسسات البنكية من حيث ضعف السيولة، أو من خلال الرغبة في إعادة الثقة بين الإدارة والمقاولة أو غيرها، إلا أنها أسباب تظل واهية مهما كانت قيمتها الاقتصادية والاجتماعية طالما لم يتم معالجتها ضمن إطارها الدستوري والقانوني ووفق المقاربة التشاركية، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلا قديما حديثا حول قوة اللوبيات الاقتصادية ببلادنا خاصة شركات الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمجموعة المهنية للأبناك…، باعتبارها الجهات الأولى المستفيدة من هذا النوع من القرارات وليس المواطن البسيط الذي تقتطع أغلب مساهماته الضريبية بطريقة الضرائب غير مباشرة التي تلازم قوته اليومي، ومصاريف التعليم، والتطبيب، والأجر الشهري، والتقاعد وغيرها كثير.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)