عمر علوي هشماني: إشــكـالية الطعـن في قـرارات الرفض الصريح والضمني لرخص البناء أمام القضاء الإداري

21 فبراير 2022 - 10:01 م مقالات , القانون العام , في الواجهة , مقالات
  • حجم الخط A+A-

ذ: عمر علوي هشماني دكتور في القانون العام

تمهيد:

إذا كانت المواد 13 و22 و41 و45 و46 و48 و55 و58 من القانون رقم 90. 12 صريحة في تخويل رؤساء الجماعات الترابية صلاحية تسليم رخص البناء،[1] مع تقييد هذه الصلاحية أحيانا بوجوب الحصول على الأذون والآراء والتأشيرات المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل،[2] فالإشكال لا يطرح بحدة في تحديد السلطات المختصة بمنح هذه الرخص، بقدر ما يثار بشأن طلبات الترخيص بالبناء، والتي قد لا يستجاب لها أحيانا إما صراحة أو ضمنا.

ففي هذه الحالات تكون هذه القرارات التي بمقتضاها يتم الرفض أو المنح، وسواء كانت صريحة أو ضمنية، قابلة للطعن فيها بالإلغاء أمام جهة القضاء الإداري، الذي يتولى البت في مشروعيتها انطلاقا من عيوب المشروعية المنصوص عليها في المادة 20 من قانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية. ومن ضمن القرارات التي يمكن للإدارة أن تصدرها في مجال رخص البناء، قرار الرفض الصريح لهذه الرخص، القرار الضمني لمنح هذه الرخص، ثم قرار سحب رخص البناء بعد الاستفادة منها.

وتأسيسا عليه، فإن قرار الترخيص ما دام بطبيعته مؤقتا ومقرونا بأجل محدد، وظل دون تنفيذ بعد مرور مدة طويلة على تاريخ صدوره، وكانت شروط تنفيذ هذا القرار قد تغيرت خلال هذه المدة، فإن على المستفيد من هذا القرار مراجعة الجهة الإدارية المختصة للتأكد من مطابقة القرار لقواعد المشروعية القائمة عند تنفيذه. وذلك لكي تحترم ضوابط وقوانين التعمير، فإذا ثبت أنها مخالفة لهذه المقتضيات، يحق لكل متضرر منها، المطالبة بإلغائها أمام القضاء الإداري في شقه المتعلق بالإلغاء، ومن ثم يبقى معولا على القاضي الإداري، خلق نوع من التوازن بين المصلحة العامة والحفاظ على جمالية العمران من جهة، والمصلحة الخاصة وضمان حقوق وحرية الأفراد من جهة ثانية، لتحقيق الغاية المثلى الرامية إلى ضرورة البحث عن مدينة ذات وجه إنساني تمزج بين تهيئة عقلانية للمجال وعلاقة متوازنة بين الإطار المبني وغير المبني.[3]

وللتطرق لهذا الموضوع من كل جوانبه، والنزول به إلى الواقع العملي، ارتأينا بحث وتحليل بعض أحكام وقرارات المحاكم الإدارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية، والغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، انطلاقا من قانون التعمير رقم 90-12، ظهير 25 يونيو 1960 بشأن تنمية العمارات القروية، ومشروع قانون التعمير 04-04، إضافة إلى العديد من المراسيم والدوريات الصادرة في هذا الشأن.

 وأخيرا، سيتم الاشتغال في هذا المقال على فقرتين، نتطرق في الأولى إلى الطعن في الرفض الصريح لرخص البناء، أما الثانية، نخصصها للطعن في القرارات الضمنية لمنح رخص البناء.

الفقرة الأولى: الطعن في قرار الرفض الصريح لرخص البناء

حسب المادة 43 من قانون 90-12 المتعلق بالتعمير، فإن رخص البناء لا تسلم إلا بعد التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، خصوصا الأحكام الواردة في تصاميم التهيئة، وأن أي خرق لضوابط البناء من جانب طالبي الرخص قد يكون موضوع رفض من طرف السلطات المختصة، مما يفتح الباب أمام المتضررين للطعن في مشروعية هذه القرارات أمام القضاء الإداري والقاضي الإداري عند مراقبته لمشروعية هذه القرارات، فإنه يحاول أن يتقيد دائما بمقتضيات هذا الفصل، والتحقق من أن الطلبات المقدمة تتوفر فيها فعلا الشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل وكذا تصاميم التهيئة المعمول بها، مع إقامة نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، محاولا دائما ترجيح المصلحة الأولى، انطلاقا من اعتبار قانون التعمير من النظام العام، وأنه يبقى ملزما للجميع، فيترجم أحكامه وقراراته إما بالإلغاء إذا تبين له أن طلب الإلغاء المقدم أمام المحكمة مؤسس قانونا ومتسم بتجاوز من جانب الإدارة عند رفضها طلب الترخيص، أو إعطاء تفسيرات خاصة بها لا علاقة لها بالتعمير، أو العكس يحكم برفض هذا الطلب متى تبين له أن هناك إخلالا من جانب طالبي الرخص بقوانين التعمير.[4]

وهكذا ففي قضية[5] “نعيمي علي” ومن معه، ضد رئيس المجلس البلدي لجماعة وجدة سيدي زيان، عللت المحكمة حكمها بما يلي:

“حيث إن رئيس المجلس البلدي اتخذ قراره بالرفض بناء على كون القطعة الأرضية المطلوب بناؤها تدخل ضمن مشروع التهيئة في إطار توسيع ساحة عمومية.

وحيث إنه بالإضافة إلى ذلك فإن المجلس المذكور لم يفند ما ورد بتقرير الخبير من كون العقار أصبح صالحا للبناء بعد المصادقة على تصميم التهيئة.

وحيث إن الوكالة الحضرية لمدينة وجدة، وإن كان رأيها ملزما لرئيس المجلس البلدي حين اتخاذه قرار في موضوع البناء، فقد عبرت في مذكرتها المرفوعة إلى هذه المحكمة عن عدم معارضتها في تسليم هاته الرخصة بعد إجراء دراسات تقنية وتطبيق المادة 30 و37 من قانون التعمير.

وحيث إنه في نازلة الحال فالواقع أثبت عكس ما ذكر، مادام أن تصميم التهيئة قد أجاز البناء فوق القطعة الأرضية موضوع النزاع.

وحيث إنه لذلك يكون قرار رفض تسليم الرخصة والحالة ما ذكر مشوب بالتجاوز في استعمال السلطة لمخالفة القانون، مادام أن قانون التعمير لا يمنع الطاعنين من بناء عقارهم المملوك لهم بمقتضى الشهادة العقارية المدلى بها، وتطبيقا لمقتضيات الفصل 15 من الدستور الذي يضمن حق الملكية.

لكل هذه الأسباب قضت المحكمة الإدارية بوجدة، بإلغاء قرار رئيس المجلس البلدي لجماعة وجدة سيدي زيان مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية، وبرفض باقي الطلب”.

يمكن إجمال الملاحظات حول هذا الحكم في علاقته بمنح أو رفض منح الرخص، أنه في ظل قانون التعمير 90-12، تتميز مسطرة منح رخص البناء أو دراستها، بتدخل عدد من الإدارات والهيئات لإبداء الرأي بشكل مستقل قبل البث في الطلب من طرف السلطة المختصة، بدل دراسته بشكل جماعي في إطار لجنة موحدة، وتتضح هذه المسألة من خلال التناقض والتضارب الحاصل حول أسباب رفض أو منح رخصة البناء من خلال الحكم السابق، وذلك في كون المجلس البلدي رفض الترخيص بالبناء لكون القطعة الأرضية تم تخصيصها حسب تصميم التهيئة لتوسيع وتهيئ ساحة عمومية، الشيء الذي فندته الوكالة الحضرية وتقرير الخبير الذي اطلع على تصميم التهيئة، وذلك بأن العقار هو عبارة عن بناية.

وضعف أو انعدام التواصل بين الجهات المكلفة بالتعمير، يأتي نتيجة غموض النصوص القانونية المتعلقة به[6] بشأن التأشيرات والاستشارات التي تبديها هذه الإدارات، هل هي ملزمة أم اختيارية لرئيس المجلس الجماعي؟ حيث اقتصرت قوانين التعمير على الإشارة بصفة مقتضبة، إلى أن تسليم رخصة البناء أو الإذن بالتجزيء أو التقسيم يتم دون إخلال بوجوب الحصول على الرخص والأذون المنصوص عليها في تشريعات خاصة، لذلك يجب تحديد هذه الاختصاصات بدقة لتفادي مثل هذا التضارب.

مقال قد يهمك :   أطروحة جامعية : التدبير المالي العمومي بالمغرب ومتطلبات الحكامة المالية

كذلك لا ينبغي أن يفوتنا أن نشير إلى أن أغلب الأقسام أو المصالح المختصة بدراسة طلبات رخص التعمير غير مزودة بكفاءات مؤهلة للنهوض بمسؤوليتها بالجماعات أو الإدارات المعنية ونخص بالذكر هنا، رؤساء المجالس الجماعية -حضرية كانت أم قروية- في أنهم يتولون مهامهم عن طريق الانتخاب، وأن المستوى الدراسي المطلوب[7] لتقلد مثل هذه المناصب لا يؤهلهم في نظرنا للتعامل مع مثل هذه الملفات، علما بأنها تتسم بطابعها القانوني والتقني المعقد، الشيء الذي يصعب عليهم مجاراته، مما يؤدي إلى ضياع حقوق الأفراد إذا لم يلجؤوا إلى القضاء للدفاع عنها.

وهذا الشيء يتضح كذلك من خلال قرار آخر لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط[8] بين المستأنف رئيس المجلس الجماعي الحضري لمدينة الجديدة والمستأنف عليهما أحمد خليل ومن معه.

في أسباب الاستئناف: حيث يعيب المستأنف الحكم المستأنف بعدم ارتكازه على أساس لما قضى بقبول الطلب رغم خرقه مقتضيات الفصل 48 من قانون التعمير، كما يعيبه بمجانبته للصواب لما قضى بإلغاء القرار المطعون فيه باعتبار أن المنطقة والرسم العقاري موضوع النزاع أصبح محطة طرقية، التي تم توسيعها لتشمل عقار المستأنف عليهما.

“وحيث إنه من الثابت في أوراق الملف أن الطرف المستأنف عليه تقدم بطلب لرخصة البناء توصلت به الجماعة بتاريخ 24 ماي 2007 حسب تأشيرتها عدد 5023،مما يكون للرئيس أجل الجواب إلى غاية 24/07/2007، وأنه بعد هذا التاريخ يعتبر سكوته استنادا للمقتضى القانوني أعلاه بمثابة قبول ضمني، إلا أن الرئيس لم يتم تحرير جوابه إلا بتاريخ 08/08/2007، مما يكون هذا القرار مناقضا لما جاء في مقتضيات المادة 48 أعلاه.

وحيث عن صدور قرار رفض منح المستأنف عليه رخصة البناء حيادا على مقتضيات المادة 48 من قانون التعمير، يعطيه الحق للطعن في هذا القرار باعتباره مس حقوقه وبالتالي تكون له مصلحة في الطعن خلافا لما يدعيه المستأنف.

وحيث إنه من جهة ثالثة فالمادة 27 من قانون التعمير، تقضي بأنه إذا لم يتم نشر النص القاضي بالمصادقة على مشروع تصميم التهيئة خلال أجل 12 شهرا يبتدئ من تاريخ اختتام البحث العلني المتعلق به فإن أحكام المشروع تصير غير لازمة التطبيق.

وحيث إنه من الثابت من أوراق الملف خاصة الشهادة الإدارية عدد 848 المؤرخة في 30/01/2008 المرفقة بالمقال الاستئنافي للمجلس، أن سجل الملاحظات ظل مفتوحا من 18/12/2007 إلى 11/01/2008، إلا أنه لم يتم الإدلاء بالنص القانوني المتعلق بالمصادقة على تصميم التهيئة داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 27 أعلاه، مما يبقى القرار المطعون فيه قد بني على سبب لا وجود له أساسا، ويبقى متسما بتجاوز السلطة لعيب السبب، ويكون السبب المعتمد في هذا الصدد غير جدير بالاعتبار والحكم المستأنف لما قضى بإلغائه صائبا وواجبا التأييد”.

يتضح أيضا من خلال هذا القرار أن القاضي الإداري لا يسلط رقابته على الوقائع من الناحية المادية البحتة فقط، وإنما تكون رقابته من الوجهة القانونية كذلك، عن طريق إجراء مقابلة بين السبب المادي والقاعدة القانونية، ويعمل أيضا للوصول إلى التفسير الحقيقي الذي تقدمه الإدارة للقاعدة القانونية على الأسلوب الذي اتبعته في تطبيقها، وينتهي بعد التحقق من الوجود المادي للواقعة إلى البحث عن مدى قانونيتها، وهل يصح أن تتخذها أساسا لقرارها المطعون فيه.[9]

أما في حالة تسليم رخصة البناء من طرف المجلس الجماعي لطالبها، فيجب على هذا الأخير الشروع في أعمال البناء داخل أجل السنة من تسليم الرخصة، وفي حالة تماطل هذا الأخير إلى حين مرور هذا الأجل تصبح هذه الرخصة لاغية وعديمة الأثر طبقا للمادة 49 من قانون التعمير رقم 90-12[10] ففي مثل هذه الحالة قضت المحكمة الإدارية بالرباط[11] بين المختاري أحمد ضد المجلس البلدي الرباط حسان، حيث يهدف الطلب إلى الحكم على المجلس البلدي بتجديد أجل الشروع في البناء طبقا لرخصة البناء عدد 384/02.

“وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 49 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير، التي حددت الأجل الأقصى للشروع في البناء بعد الحصول على الرخصة، فإن هذه الأخيرة سواء كانت صريحة أو ضمنية تسقط إذا انقضت سنة من تاريخ تسليمها، أو من تاريخ انتهاء أجل الشهرين على إيداع طلب الحصول عليها في حالة سكوت رئيس مجلس الجماعة، دون أن يشرع في الأشغال المتعلقة بأسس المبنى المنصوص عليها في التصميم المرخص في شأنه.

حيث يستفاد من هذه المقتضيات، أن الرخصة المسلمة أصبحت لاغية وفي حكم العدم، ويتعين عليه الحصول على أخرى جديدة.

وحيث إنه من الثابت أن المدعي تقدم بطلب من أجل تجديد أجل الرخصة، دون أن يعزز طلبه بالوثائق اللازمة، في غياب نص قانوني يسمح بتجديد الرخصة الممنوحة سابقا بناء على نفس الوثائق المدلى بها في أول الأمر، الأمر الذي يكون معه طلبه الحالي منعدم الأساس القانوني ويجعله عرضة لعدم القبول”.

الفقرة الثانية: الطعن في القرارات الضمنية لمنح رخص البناء

إذا كانت القاعدة العامة هي أن رخصة البناء تمنح بشكل صريح من قبل السلطة المختصة لفائدة طالبها للقيام بالبناء المرغوب فيه، فإن المشرع المغربي أقر مع ذلك منح هذه الرخصة بصفة ضمنية.

حيث نصت المادة 48 من قانون 90-12 صراحة على أنه: ” في حالة سكوت رئيس مجلس الجماعة، تعتبر رخصة البناء مسلمة عند انقضاء شهرين من تاريخ إيداع طلب الحصول عليها”.

كما أن المادة 7 من ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية العمارات القروية، نصت على أنه: “في حالة سكوت الإدارة، فإن رخصة البناء تعتبر ممنوحة بعد انصرام أجل شهرين يبتدئ من تاريخ إيداع طلب الحصول على رخصة البناء وتسليم وصل بذلك”.

إن التفسير الحرفي لمقتضيات هذه المواد، من شأنه أن يؤدي ضمنيا إلى المساس في بعض الحالات بقواعد وضوابط التعمير، إذ أنه قد يصبح بإمكان أي شخص وإن كان البناء المزمع القيام به لا تتوفر فيه أدنى شروط ومتطلبات الجمالية وقواعد التعمير، أن يباشر عملية البناء هاته لمجرد مرور أجل شهرين الموالية لتاريخ تقديم طلبه، بعلة توفره على رخصة ضمنية بالبناء، وبالتالي توفره على حماية قانونية وفرتها له هذه المواد.[12]

وإذا كان الهدف من وراء وضع هذا المقتضى القانوني يعود إلى رغبة المشرع إلزام الإدارة للبث في طلبات الترخيص التي تقدم إليها بالسرعة المطلوبة قصد تشجيع الاستثمار، فالواضح أن هناك عدم فهم لهذا المقتضى سواء من جانب الإدارة المكلفة بالتعمير أو من جانب حتى الأفراد، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته على مستوى الأحكام القضائية التي صدرت في الموضوع.

مقال قد يهمك :   قراءة في مستجدات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية ومذكرة السيد المحافظ العام بشأنها

ففي حكم لإدارية مراكش،[13] بين المحجوب هضمي وبين جماعة اسفي الداودية، حيث لم يجب رئيس هذه الأخيرة على طلب البناء المقدم له داخل أجل شهرين، فما كان من المدعي إلا أن تقدم بطلب عن تعويض الضرر اللاحق به من جراء ما اعتبره رفضا ضمنيا لطلبه، بينما اعتبرت المحكمة الإدارية أعلاه:” أن مرور أجل شهرين على تقديم الطلب المذكور يعتبر ترخيصا ضمنيا بالبناء وليس رفضا له. وقضت بعدم قبول الطلب.

ترتيبا على هذا الحكم، يمكن إجمال القول على أن الرخصة الضمنية غير معروفة لدى العامة، إذ يعتبرها أغلبيتهم أنها رفض ضمني للرخصة، حيث يتم الطعن فيها، فترد دعواهم بعدم قبولها طبقا لمقتضيات الفصل 48 من قانون 90-12.

وعدم معرفة العموم بهذا الإجراء القانوني لا يعفي المحامي بالاضطلاع به، لكونه الدارس للقانون، والعارف بمستجداته، وهو الذي ينوب عن موكليه لرفع هذه الطلبات.

فالسقوط في مثل هذه الأخطاء، ينم عن احتمالين اثنين هما:

أولا: أن المحامي يعتبر القضايا التي يترافع فيها عبارة عن تجارة وكسب، حيث يغض الطرف عن كون الدعوى سيكون مصيرها الرفض، وعدم تقديم النصح لموكله بمراجعة أوراقه وبالتالي تفادي تضييع المال والوقت، وكذلك تراكم القضايا على المحاكم.

ثانيا: التكوين المدني للمحامي {القانون الخاص}، وهذا يجعل القانون العام عنصرا غريبا لا يتم التعامل به إلا استثناء وهو ما يؤثر على الدعوى الادارية، في حين يجب عليه الالمام بجميع القوانين والاضطلاع على جميع المستجدات القانونية سواء كانت مدنية، جنائية أو إدارية….

أخيرا يمكن القول ان المحامي عند أدائه لمهمته وواجبه لا يخضع لغير ضميره الحر والمستقل، لذا يجب عليه التحلي بالنزاهة والجدية والالتزام بالقانون،[14] وتقديم النصح بالدرجة الاولى، كذلك يجب أن يكون مؤهلا تأهيلا قانونيا كفيلا بأدائه لمهمته.

ونفس الإشكال يتضح وفي العديد من الأحكام، أن باقي الطلبات ترمي إلى الحكم على الإدارة بالقيام بعمل أو الامتناع عنه، في حين أن القاضي الإداري، لا يمكنه تعديل القرار الاداري الذي حكم بإلغائه، ولا أن يستبدله بقرار آخر ولا ان يصدر أمرا للإدارة باتخاذ قرارات معينة، ولو سمح القاضي الإداري لنفسه بالقيام بذلك لكان معتديا على مبدأ الفصل بين السلطات، بأن اتخذ اجراءات تعتبر من اختصاص السلطة الإدارية، وكما يقال فإن القاضي الإداري يقضي ولا يدير،[15] وهذا المبدأ نجده مكرس في العديد من احكام المحاكم الادارية، ومن تم خاضع لرقابة الغرفة الادارية بالمجلس الاعلى، التي جاء في أحد قراراتها: ” وحيث ان التجاوز في استعمال السلطة يكمن في خرق القاضي للحدود التي حصر القانون سلطته في إطارها، فإن لجوء مؤسسة ابن الزايدية مباشرة إلى القضاء الاداري بطلبها الرامي إلى إخراج القمح المحجوز بمطامير ميناء الدار البيضاء والاذن لها بطحنه قبل أن تستصدر في هذا الشأن قرارا من الجهة الإدارية المختصة، تكون الغرفة الادارية بقرارها عدد: 984 المؤرخ في 22/06/2000 في الملف عدد 165/04/01/2000، قد حلت محل السلطة الادارية والتي يرجع إليها حق التقرير فيه، مما يعد تدخلا في صميم عمل الادارة وبالتالي تجاوز قضاة مصدري القرار المذكور المطعون فيه لسلطاتهم مما يتعين معه التصريح بإلغائه عملا بمقتضيات الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية”.[16]

وفي قرار آخر قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط[17] بين عبد الحي اليسيني ضد الجماعة الحضرية بفاس ومن معها.

“وحيث إن المشرع تكفل بالتسليم الضمني للرخصة طبقا للمادة 48 من قانون التعمير 90-12، فكان على المعني تفعيل هذا المقتضى ولا يراجع القضاء إلا بعد إيقاف أشغاله من الجهة المختصة، وهو الشيء الذي لم يسلكه المستأنف مما تكون دعواه الحالية غير مقبولة، وحيث يتعين تأييد الحكم الابتدائي بهذه العلة”.

وإذا كانت المحاكم الإدارية تعتبر سكوت رئيس مجلس الجماعة عن طلب الترخيص بالبناء المودع لدى المصالح التابعة إليه منذ فترة تعدت شهرين بكثير لا يعد قرارا بالرفض وإنما قبولا لذلك الطلب، فقد أصبحت من خلال عدد من الأحكام التي صدرت عنها بعد ذلك تعتبر بأن مرور شهرين على تقديم طلب البناء لا يعتبر ترخيصا ضمنيا، وإنما لابد أن يكون هذا الطلب قدم مستوفيا لكافة الشروط القانونية والتنظيمية المتطلبة في ميدان التعمير،[18] وذلك لضبط التطورات العمرانية مع ضرورة الامتثال للضوابط التنظيمية للبناء والتعمير لتحقيق تدبير عمراني جيد.[19]

وأخيرا، يمكن القول بأنه إذا كانت الرخص الصريحة تكرس بواسطة قرار مكتوب أو رسالة إدارية، فإن الرخصة الضمنية لا تمنح بموجب قرار أو رسالة مما يجعل من الصعب تنفيذها، فعلى المستوى العملي يتعين على صاحب الرخصة أن يشهر رخصته في لوحة خاصة تحمل رقمها، تعلق على العقار المعني، من تم يصعب على المستفيد من هذه الرخصة تقديم الحجة لمراقبي البناء عند قيامهم بمراقبة الأوراش والبنايات، الذين عادة ما يكونوا لا يفقهون شيئا في حالة الرخصة الضمنية، بل يعتبرون البناء بدون رخص.

ثم إن حتى المالكين المجاورين، بل ومن قد يدعي ملكية العقار موضوع طلب الرخصة أو حقوقا عليها، سوف لن يتمكنوا من معرفة وجود الرخصة الضمنية إلا بعد الشروع في البناء، في غياب وجود إشهار في لوحة معدة لهذا الغرض التي من المفروض أن تهيأ لو أعطي رقم لها للمستفيد.

وللاستعاضة عن ذلك، يكفي أن يكتب المستفيد من الرخصة الضمنية على لوحة رقم النص المنظم لهذه الرخصة تحت عبارة: رخصة ممنوحة وفقا للمادة 48 من قانون 90-12، أو رخصة ممنوحة وفقا للفصل 7 من ظهير 25 يونيو 1960 كما يكتب على اللوحة رقم وصل إيداع الطلب وتاريخه، وتكون على إثرها عملية البناء مستوفية لجميع شروطها.[20]

خلاصة:

يعتبر التعمير والبناء من أهم القطاعات الحيوية بالمدن والمراكز الحضرية التي ترتبط بعدة مجالات منها: سلامة المساكن، نوع البناء، المظهر الجمالي للبناء بالمدينة أو المركز، إلى غير ذلك من المجالات المرتبطة بأي بناء. فموضوع التعمير يكتسي أهمية بالغة في الوقت الحالي، نظرا للتوسع الحضري والنمو الديمغرافي المتزايد اللذين تعرفهما المدن والتجمعات العمرانية في الدول، وخاصة منها النامية.[21]

ورخصة البناء هي إحدى وسائل الحد من حرية أو حق استعمال الملكية العقارية، والمراقبة المسبقة للبناء،[22] إذ تمكن السلطات العمومية المختصة من فرض احترام ضوابط وقواعد البناء، والقواعد الصحية وغيرها على الراغبين في تشييد مباني فوق أرضهم، أو ترميم أو إصلاح البنايات القائمة، أو إنجاز أشغال أخرى تستلزم الترخيص، ومن ثم مراقبة التطور العمراني، وتجنب البناءات العشوائية التي تعتبر من أخطر الظواهر التي تهدد المدن والقرى.[23] وقد عرفها “م. ريكارد” باعتبارها الإذن الذي تسلمه السلطة الإدارية لتشييد بناء جديد، وتعديل بناء موجود وذلك قبل مباشرة الأشغال.[24]

مقال قد يهمك :   جنحة الادخار السري لمادة الدقيق المدعم بقصد المضاربة فيها و تحريف المنافسة

وتشكل رخصة التعمير- التجزئات، البناء- رقابة مسبقة للبنايات أو التجزئات المراد إنجازها، حيث تخضع هذه الرخص لمسطرة دقيقة ومعقدة، مع ضرورة استصدار في شأنها تأشيرات إدارية أخرى مسبقة، يكون الهدف منها الدراسة المدققة والمطابقة لوثائق التعمير من جهة، وللقوانين المنظمة من جهة أخرى.

فالقرارات التي تصدر بمناسبة هذه الرخص، من قبيل الرفض، المنع، الإذن، أو السحب، تعتبر قرارات إدارية متى كانت مؤثرة في الوضعية القانونية للمخاطب بها، وبالتالي تكون قابلة للطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري.

ومن خلال تفحص مجموع الأحكام والقرارات الصادرة في هذا المجال، يتبين أن القاضي الإداري يكون جريئا في بعض الحالات، وفي حالات أخرى يغض الطرف عن النصوص الواضحة لقوانين التعمير، بإتباع بعض المناشير والدوريات التي تعتبر أقل قوة لتعليل قراراته.


الهوامش:

(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات

والأبحاث القانونية.

[1] إلا أن هناك بعض الاستثناءات الواردة على هذه القاعدة، وهي أن الظهير المعتبر بمثابة قانون بشأن البنايات المخصصة لإقامة شعائر الدين الاسلامي فصل {1 و2 من الظهير الشريف رقم: 150.84.1 صادر في 06 محرم 1405 موافق لـ 03 أكتوبر 1984}، منح لعمال الأقاليم والعمالات صلاحية تسليم رخص البناء الخاصة بالمساجد وكل بناية مخصصة للشعائر الدينية الاسلامية.

[2] محمد محجوبي، رقابة قاضي الإلغاء على مشروعية القرارات المتعلقة بالتعمير، مجلة الملحق القضائي، مكتبة دار السلام، العدد 38 مارس 2005، ص 55.

[3] El Yaagoubi (M): Le permis de construire et l’environnement au Maroc، REMALD، Etudes، N° 44-45، Mai – Août 2002، p: 63.

[4] عز العرب الحمومي، القضاء الإداري والتعمير، مجلة المعيار، العدد 40 المطبعة الأور ومتوسطية للمغرب، طبعة دجنبر 2008، ص 47.

[5] المحكمة الإدارية بوجدة، حكم عدد 92/99 بتاريخ 07/07/99 ملف رقم 27/98 غير منشور.

[6] مشروع قانون 04-04 المتعلق بالسكنى والتعمير: “المستجد الذي نص عليه المشروع في الفقرة الثالثة من المادة 39 من الباب الرابع المتعلق بأحكام متنوعة وانتقالية، والتي تنص على إحداث لجنة تتضمن ممثلي الإدارات والهيئات لدى كل وكالة تعمير، تتكلف بدراسة الملفات التقنية المتعلقة بطلبات رخص البناء التي يعرضها رئيس المجلس على موافقة الوكالة، والتي يجب أن تبث في الملفات بواسطة رأي نهائي.

[7] المادة 28 من قانون 00.78 المتعلق بالميثاق الجماعي: “لا يجوز لأعضاء المجالس الجماعية الذين لا يثبتون توفرهم على مستوى تعليمي يعادل على الأقل مستوى نهاية الدروس الابتدائية أن ينتخبوا رؤساء ولا أن يزاولوا هذه المهام بصفة مؤقتة”.

[8] قرار عدد 242 بتاريخ 11/02/2009 ملف عدد 51/08/5، غير منشور.

[9] الشريف البقالي، رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الصادرة في مجال التعمير، الطبعة الأولى 2006، ص 205.

[10] محمد بوجيدة، رخصة البناء، الجزء الثاني، الطبعة الأولى 2000، ص 18.

[11] حكم عدد 1133 بتاريخ 07/10/2003 ملف رقم 343/02غ غير منشور.

[12] من حسنات المشروع الجديد للتعمير رقم 04-04 في مادته 43 مكررة الاقتصار على الرخص الصريحة بحذف الضمنية مقابل توفر طالب الرخصة على أجل عشرة أيام من تاريخ انقضاء الأجل المذكور لرفع الالتماس إلى العامل قصد إعادة دراسة طلبه.

كما أن من إيجابيات المشروع التي تشكل ضمانة قضائية هو اعتبار الأجل الذي يجري بين تاريخ رفع الالتماس إلى العامل وجوابه يوقف الأجل القانوني المنصوص عليه للطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن جواب العامل على الالتماس جاء غير محدد بأجل معين وهو ما يجب تداركه وذلك بتحديد أجل معقول تتم فيه الإجابة على الملتمسات المقدمة أمام العامل بهذا الشأن نظرا للآثار القانونية التي تترتب على جواب العامل المذكور.

[13] حكم عدد 48 بتاريخ 16/02/2000 صادر في ملف 35/95.

أورده: أحمد أجعون، التعمير والحكامة المجالية وفق اخر المستجدات التشريعية والقضائية، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم: 11، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى 2019، ص 179.

[14] الافلج سعاد، التطبيقات القضائية في مجال الاسكان واقع وآفاق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط، السنة الجامعية 2003 – 2004، ص 8.

[15] محمد آيت المكي، محاضرات في القضاء الاداري، مكتبة المعارف الجامعية، السنة الجامعية 2004-2005، ص 113.

[16] قرار عدد 302 بتاريخ 25/03/2003، الصادر في الملف الاجتماعي عدد: 194/ 5/1/2002، غير منشور.

[17] قرار عدد 875 بتاريخ 06/05/2009 ملف عدد 251/08/5، غير منشور.

[18] قرار عدد 360 بتاريخ 10-5-2006 ملف إداري عدد 3127-4-1-2005، غير منشور.

[19] François Priet « approfondissement de la décentralisation de l’urbanisme ou recentralisation ? » Droit de l’aménagement de l’urbanisme et de l’habitat، Editions Dalloz، Paris 2001، p: 120.

[20] الشريف البقالي، رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الصادرة في مجال التعمير، مرجع سابق، ص 227.

[21] أحمد أجعون، التعمير والحكامة المجالية وفق اخر المستجدات التشريعية والقضائية، مرجع سابق، ص 163.

[22] محمد صقلي حسني، رخصة البناء ورقابة القضاء الإداري، موضوع المشاركة في أشغال اليوم الدراسي حول: “التعمير وإشكالاته”، المنظم بالمحكمة الإدارية بفاس يوم 06 أبريل 2001، ص 1، غير منشور.

[23] محمد بوجيدة، رخصة البناء، الجزء الأول، مطبعة دار الجيل، الطبعة الثانية 2000، ص 14.

[24] Henri Jacquot et François Priet: op، cité، p: 547. Et selon Jacqueline Morand – Deviller qui a défini le permis de construire، comme : « L’autorisation donnée par l’administration d’édifier une construction après qu’ait été vérifiée la conformité du projet à la réglementation d’urbanisme » ، la commune، l’urbanisme et le droit، édition L.G.D.J، paris، p: 78.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)