محكمة النقض توضح شروط اكتساب الحكم لقوة الشيء المقضي به وآثارها

علاقة النفقات الجبائية بالاستثمار

عين على مدونة الأسرة: اضطراب وحشو في بعض مواد الكتاب الثاني من مدونة الأسرة

29 يوليو 2019 - 10:34 ص المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

 الحسين اليربوعي  محرر قضائي بقسم قضاء الأسرة بإنزكان

وأنا امعن النظر في نصوص القانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة المغربية استعداد لمباراة ولوج ماستر الأسرة في القانونين المغربي والمقارن بجامعة ابن زهر اكادير – والذي لم اوفق في تخطي عتبة اختباره الكتابي ويجتاز المترشحون في هذه الأثناء اختباره الشفوي اسال الله التوفيق للجميع – أقول وانا امعن النظر في مواد الكتاب الثاني المخصص لانحلال ميثاق الزوجية وآثاره، استوقفتني بعض هذه المواد لما رافق صياغتها من التباس وتضارب أحيانا  او حشو لا معنى للتنصيص عليه، مما يجعلنا امام مازق شرعي وتشريعي[1] ان صح التعبير، وهذا الذي خالجني وجدت الزميل العزيزفضيلة الدكتور الحسن العباقي قد تطرق له  في كتابه إيقاع الطلاق بين الشريعة والقانون، حيث بسط الكلام حوله وربط المواد بعضها ببعض وخلص لهذا الاضطراب وقدم مقترحات تعديلية لبعض مواد الكتاب الثالث من مدونة الأسرة، فأين يتجلى هذا الاضطراب والحشو ؟؟

أولا :  المادة 73

“يقع التعبير عن الطلاق باللفظ المفهم له وبالكتابة، ويقع من العاجزعنهما بإشارته الدالة على قصده”

فمنطوق النص ومفهومه يدلان على  ان الطلاق حاصل وواقع بالتعبير عنه بالأمور التي أوردها المشرع من لفظ مفهم لهم وبالكتابة أو بالإشارة الدالة على قصد الطلاق في حال العجز عنهما، وهذا ينسجم وما ذهب إليه الفقه الإسلامي بمذاهبه الأربع المعلومة بان الطلاق يقع بما يفيده صراحة،

وكون الطلاق واقعا حسب منطوق المادة 73 أعلاه يجعلنا نتوقع ترتيب آثاره منذ ذلك الحين أي من تاريخ التلفظ به وإيقاعه من عدة وغيرها…وهو ما لاينسجم وما أعقبها من مواد اذكر منها:

ثانيا : المادة 79

” يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة …”

منطوق هذه المادة ينبئ بان مريد الطلاق  لا يوقعه بالكيفيات الواردة بالمادة 73 إلا بعد طلب الاذن من المحكمة وبالتالي فتنفيذ رغبته في الطلاق تظل حبيسة ارادته فقط ولا يضعها موضع التنفيذ الا اذن المحكمة ؟ اذن فما جدوى المادة 73 وحديثها عن إيقاع الطلاق؟ وهل الراغب في الطلاق ملزم بالتلفظ بالطلاق أمام هيئة المحكمة طبقا لما ورد بالمادة 73؟

مقال قد يهمك :   المصادقة على قانون جديد يتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري

وتسير المادة 80 في نفس منحى المادة قبلها .

ويقول الفقيه الجليل سيدي عبد الله بن الطاهر وهو يشرح مدونة الأسرة في إطار المذهب المالكي وادلته ” …وهذا يدل على أن الطلاق بيد القضاء وليس بيد الزوج، وهنا مكمن الداء العضال، إذ الطلاق من الناحية الشرعية قد وقع، وقد يكون للمرة الثالثة، والقانون يفرض عليه أن يعيش مع زوجته فيما يعتقدان أنه حرام …”[2]

وقد بسط الفقيه عبد الله بن الطاهر الكلام في مسألة الطلاق بيد القضاء أو تحت مراقبته فليراجع لمن أراد الاستزادة في المسألة[3]

ثالثا : المادة 129

” تبتدئ العدة من تاريخ الطلاق … ”

وهنا الاشكال والمأزق الشرعي الذي تسبب به المشرع في صياغته التوافقية لنصوص المدونة للعديد من الأزواج الذين وقعت الفرقة بينهم عمليا وواقعا حيث يصرح الزوج لزوجته بأنها طالق ويشهد على ذلك أقاربهما وغادرت بيت الزوجية بناء على ذلك غير أن طلاقهما ليس نافذا لكونه لم يستصدر اذنا من المحكمة بذلك واحيانا كثيرة يسأل العديد من الأزواج أو الزوجات ” واش أنا دابا مطلقة ؟” حتى تترتب عليها الآثار الشرعية وخاصة العدة،” أولا نتسنى الحكم تاع المحكمة؟” علما بان البت في ملفات الطلاق لا يتم في جل محاكم المملكة في آجال معقولة، فكتابة الضبط حين تتلقى طلبات المواطنين بهذا الخصوص تدرج في اول جلسة وغالبا ما تكون بعد شهر على اقل تقديرنظرا لكثرة القضايا والخصاص على مستوى الموارد البشرية، واذا اعتبرنا حضور الأطراف من عدمه ومحاولة الصلح بين الطرفين وامهال الزوجين لإتمام اتفاقهما بشان المستحقات  في الطلاق الاتفاقي،وتوثيق العدلين للطلاق وتوجيه نسخة منه للمحكمة لتصدر  الأخير قرارها المعلل فسنكون بذلك امام مدة لا تقل عن شهرين أو ثلاث فهل نعتبر ان الزوجة وخلال  مدة رواج الملف لا زالت في عصمة زوجها ام تحتسب  فترة عدة خاصة إن صرح الزوج بكونها طالق ؟؟؟؟

مقال قد يهمك :   رئيس النيابة العامة: حوالي نصف مليون محروس نظريا ومرسوم التغذية يواجه إشكالات قانونية

رابعا : المادة 90

” طلب الإذن بطلاق السكران الطافح والمكره وكذا الغضبان إذا كان مطبقا”

هذه المادة كان سيكون لها معنى لو كان الطلاق واقعا بمجرد ايقاعه من الزوج – حسب الشرع – بالفاظتفيده دون حاجة لاذن من المحكمة أما والمشرع استلزم اذن المحكمة فهل يتصور قدوم الزوج أمام هيئة المحكمة سكرانا سكرا طافحا وغضبانا غضبا مطبقا ؟؟ وقد سبق ان بينت الإجراءات والمساطر المتعلقة برفع دعوى الطلاق وآمدها.

ومما يجعلنا امام تجل من تجليات اللبس والاضطراب انه لا ممارسة عملية على أرض الواقع لإيقاع الطلاق من طرف الزوج او الزوجة بإرادة منفردة إذ ان اغلب الطلبات التي ترفع للمحكمة هي بشان الطلاق الاتفاقي او التطليق للشقاق وحتى الطلاق الاتفاقي الذي أوردته المشرع في المادة 114 من المدونة اعتبره تطليقا في الفقرة الثانية في نفس المادة ؟؟

رابعا: المادة 114

” يمكن للزوجين ان يتفقا على مبدإ إنهاء العلاقة الزوجية ……

عند وقوع هذا الاتفاق، يقدم الطرفان او احدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقا به للإذن بتوثيقه ……”

فهل نحن امام طلاق او تطليق ؟؟؟؟ لا شك اننا امام تطليق وانه لا وجود فعلا وواقعا وممارسة لطلاق يقع من الزوج او الزوجة اما على مستوى الشرع فذلك هو المازق والاضطراب الذي وقعت فيه هذه المواد وأوقعت فيه الزوج (ة) المسلم (ة) .

وقد عمد الدكتورالعباقي إلى تقديم مقترحات تعديلية للمواد 73، 78، 79، 80، 87 ..[4] وغيرها بما يحقق الانسجام والتطابق بين مواد المدونة ويزيل الاضطراب الحاصل بينها

إن الطلاق -والاحوال الشخصية المحكومة منها بضوابط وقواعد شرعية صريحة – ليست عقدا مدنيا صرفا يتصرف فيه المشرع كيفما شاء ولكنها مقيدة بضوابط وتبعات وآثار شرعية لا تنفك عنه وليست مجالا للتوافقات المجتمعية كما حصل في مدونة الأسرة – رغم كم الاجتهاد المحمود وعدم الاكتفاء بالمذهب الواحد الذي اتسمت به –  وليست استيرادا لأنظمة تخالفنا في العقيدة والثوابت، إنها تعبد لله عز وجل بإتيان ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والحاكم يتحرك داخل هذا الإطار لذلك صرح  عاهل البلاد أعانه الله ووفقه في خطاب افتتاح الدورة التشريعية بتاريخ 10 أكتوبر 2003 : “لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله أو أحرم ما أحل الله “

مقال قد يهمك :   رد السلطات المغربية على إثر البلاغ الصحفي للمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين

هي فقط بعض ما عن لي وأنا أمعن النظر وأقلب صفحات مدونة شغلت بال الناس ولازالت ولعل الإشكالات التي لازالت تطرحها في بعض موادها وعلى مستوى تفعيلها على ارض الواقع تستدعي نظرا وإزاحة لخلفيات واجندة خارجية وعقليات بائدة، واستحضارا لمقاصد الشرع وكلياته وقواعده الضامنة للعدل والانصاف والمساواة البناءة .

وهي محاولة شخصية لا شك انها قاصرة في الإحاطة بالموضوع وابداء الرأي بخصوصه اذ يستلزم الأمر علما ودراية لم أحط بهما بعد.


[1]د الحسن العباقي إيقاع الطلاق بين الشريعة والقانون

[2]الفقيه عبد الله بن الطاهر السوسيالتناني مدونة الأسرة في إطار المذهب المالكي  الكتاب الثاني ص 91  (الطبعةالأولى 2007)

[3]الفيه عبد الله بن الطراهر المرج السابق الصفحات 49 – 53

[4]د العباقي المرجع السابق

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)