الغرامة في جرائم الأعمال بالمغرب

قراءة في أولى التطبيقات القضائية للقانون 61.19 المتعلق بمسطرة تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية

قراءة في الفقرة الأولى من المادة 218 من مدونة الحقوق العينية

13 نوفمبر 2019 - 11:36 م المنبر القانوني
  • حجم الخط A+A-

الكمري معاد باحث في العلوم القانونية

نصت الفقرة الأولى من المادة 218 من مدونة الحقوق العينية[1]، على أنه:“إذا وقع التراخي في مواصلة الإجراءات التي تتلو الحجز، أمكن للمحجوز عليه أن يتقدم بمقال إلى رئيس المحكمة المختصة بوصفه قاضيا للمستعجلات للمطالبة برفع اليد عن الحجز”.

باستقرائنا لهاته الفقرة ونظرا للطبيعة الوقتية للحجز العقاري التي تجعل منه إجراءً يلجأ إليه الدائن لا لذاته وإنما لتحقيق غايته المتمثلة في استخلاص مبلغ الدين، نجدها مكنت المدين الراهن الذي تراخى دائنه المرتهن في مواصلة إجراءات الحجز من تقديم طلب لرئيس المحكمة المختصة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة برفع الحجز على العقار المرهون وتحريره  من القيود التي فرضت عليه.

ولنا أن نتساءل عن نطاق تطبيق هاته المادة، فهل تشمل جميع أنواع الحجوز بما فيها الحجز التحفظي والتنفيذي، أم أن الأمر ينحصر فقط في الحجز المؤسس على رهن رسمي؟ بمعنى آخر هل رفع الحجز في إطار المادة 218 من م.ح.ع، يستفيد منه المدين الراهن في إطار الرهن الرسمي فقط أم يستفيد منه حتى المدين غير الراهن؟

في هذا الصدد نجد بعض الفقه[2] ذهب إلى اعتبار المادة 218 من م.ح.ع إنما تشمل جميع أنواع الحجوز، وذلك لأن هذه المادة إنما وردت في القسم الثالث المتعلق بالحجز والبيع الجبري للعقارات وليس في الباب الثالث من القسم الثاني الخاص بالرهون الرسمية، مما يجعل تخصيصها من غير مخصص غير مستند على موجب قانوني، وقد أكد ذلك المجلس الأعلى في قرار له[3]، حيث جاء فيه أن:” الفصل 208 من ظهير 2/6/1915 –المادة 218 من م.ح.ع- يشير إلى الإجراءات التي تتلوا الحجز ومنها الحجز التحفظي..”.

أما الاتجاه الثاني من الفقه[4] ذهب إلى أن المادة 218 السالفة الذكر، إنما تتعلق بالإنذارات العقارية والحجوز المتولدة عن مسطرة تحقيق الرهن، ولا يتعداها ليشمل باقي الحجوز التحفظية والتنفيذية التي يبقى للذي يطلب رفعها اللجوء لرئيس المحكمة في إطار القواعد العامة المقررة في الفصل 149 من ق.م.م، وهو ما استقرت عليه محكمة النقض في العديد من القرارات الصادرة عنها[5]، حيث جاء في أحد قراراتها ما يلي[6]:” إن هذا الفصل الذي يفيد أن أمر قاضي المستعجلات لا يقبل الاستئناف إنما يطبق في حالة الرهون الرسمية التي تعطي للدائن المرتهن الحق في اتخاذ كافة إجراءات التنفيذ الجبري بما فيه بيع العقار المرهون عن طريق المزاد العلني… ولا يطبق على الحجوز التي تتخذ في الحالات الأخرى كإجراء حجز تحفظي في انتظار الحصول على السند التنفيذي ضد المدين”، كما أن نفس المحكمة أتيحت لها فرصة تأكيد نفس التوجه من خلال أحد قراراتها التي جاء فيه[7]:” لما كان الإنذار بحجز عقاري أو الحجز العقاري المتعلق بالتقييدات الواجب تسجيلها بالرسم العقاري يمكن التشطيب عليها بأمر نهائي ونافذ فور صدوره في إطار الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن هذا المقتضى لا علاقة له بالحجز المتخذ على أساس حق شخصي استنادا لقواعد قانون المسطرة المدنية، والذي يمكن طلب رفعه لدى الجهة التي أمرت به..”.

مقال قد يهمك :   وضع الكراء التجاري والسكني والمهني في ظل جائحة كورونا

وفي اعتقادنا المتواضع نرى أن المادة 218 من م.ح.ع، لا يعقل أن يتم قراءتها في معزل عن المواد السابقة لها، ومنها المواد 214 و 215 و 216 و 217 التي كلها تتحدث عن الرهن وعن الشهادة الخاصة بتقييد الرهن والإنذار العقاري، وبالرجوع للفصل 452 من ق.م.م، نجده نص صراحة على وجوب تحديد الأمر القاضي بإيقاع حجز تحفظي مبلغ الدين ولو على وجه التقريب، أي أن المشرع أقر إجراء حجز عقاري تحفظي أو تنفيذي لضمان دين معين وليس لضمان حق عيني، ومعنى ذلك أن الحجز العقاري لا يمكن إيقاعه على العقار إلا لضمان حق شخصي يسعى من خلاله الدائن الحاجز إلى مواصلة إجراءات الحجز قصد بيع العقار المحجوز لاستيفاء مبلغ الدين من منتوج البيع بالمزاد العلني، وبمفهوم المخالفة لا يجوز قانونا تقييد حجز عقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية لضمان حق عيني متعلق برسم عقاري.

لكن ليس هناك ما يمنع  في رأينا من تطبيق المادة 218 من م.ح.ع عن طريق القياس على الحجز التحفظي، خاصة إذا ما علمنا بأن هناك حالات كثيرة على مستوى العملي يقوم الدائن بإيقاع حجز تحفظي على عقار مدينه ويتراخى بعد ذلك في مواصلة الإجراءات التي تتلو الحجز واستصدار السند التنفيذي، مما يشكل ضررا للمحجوز عليه، وهو ما ذهب إليه الأمر الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش[8]، حيث جاء فيه، ما يلي:” إجراء الحجز التحفظي من قبل الدائن وتراخيه بعد ذلك في مواصلة الإجراءات التالية يعتبر إساءة في استعمال هذا الحق قياسا على مقتضيات الفصل 208 من ظهير 19 رجب المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة –المادة 218 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية- الذي يسمح في مثل هذه الحالة للمحجوز عليه باللجوء إلى قاضي المستعجلات لرفع هذا الحجز”.

وإذا كان التراخي في مواصلة إجراءات الحجز قد يقع في الحجوز السالفة الذكر، فإن الواقع العملي أبان على أنه لا يمكن تصوره في مرحلة الحجز التنفيذي[9]، على اعتبار أن المشرع المغربي قد حدد آجالا لإجراءات التنفيذ، قد تتأخر المسطرة في بعض الأحيان لكن لا يمكن اعتبارها تراخيا، لأن المنفذ له ليس من مصلحته التراخي في الإجراءات ما دام دينه ثابت بموجب السند التنفيذي، وحتى لو افترضنا جدلا تقاعس المنفذ له عن مواصلة الإجراءات بعد فتح ملف التنفيذ لسبب ما، فإنه لا يخول الحق للمنفذ عليه رفع الحجز بالعلة المشار إليها، ما دام أن المنفذ له دينه ثابت بموجب سند تنفيذي.

كما أن ما يمكن أن يؤاخذ على المشرع المغربي في صياغته للمادة موضوع الدراسة أنه لم يحدد أجلا معينا لواقعة التراخي، على اعتبار أنه أسند الاختصاص لرفع اليد عن الحجز لرئيس المحكمة في إطار الفصل 149 من ق.م.م، وهو له كامل الصلاحية في تقدير حالة الاستعجال من دراسة القضية وملابساتها وفائدة الاستجابة لطلب المدعي، ولا رقابة لمحكمة النقض في ذلك، شرط تعليل القاضي قضائه بالقبول أو الرفض تعليلا كافيا واضحا، إلا أن الإشكال الذي قد يطرح يتعلق بمدى تعسف الحاجز في إيقاعه للحجز وبالتالي تقرير مسؤوليته؟

مقال قد يهمك :   التعسف في استعمال الحق في التشريع المغربي و المقارن

في هذا الصدد ومادام تقدير واقعة التراخي خاضعة للسلطة التقديرية للقضاء، نجد هناك عدة توجهات قضائية في تحديد زمن التراخي وبالتالي تقرير المسؤولية من عدمها، ومن ذلك  محكمة الاستئناف التجارية بفاس، حيث ذهبت في أحد قراراتها[10] إلى أن:” الغاية من إجراء حجز تحفظي على أموال المدين تبعا لمقتضيات الفصل 452 من ق.م.م هي المحافظة على حقوق الدائن من الخطر الذي قد ينجم عن احتمال وقوع المدين في حالة إعسار وبالتالي منعه بدون تعسف من التصرف في أمواله.

تقاعس الدائن عن سلوك أي مسطرة في الموضوع تكفل له الحماية القطعية لدينه لمدة تفوق ثلاث سنوات بعد توفيرها له بصفة مؤقتة بمقتضى الحجز تجعل الحجز تعسفيا وتبرر رفعه”، وفي قرار آخر لنفس المحكمة[11] اعتبرت أن التراخي في مواصلة إجراءات الحجز لا يقتضي بالضرورة الإساءة لحقوق المدين والحكم بالتعويض له بعلة تقاعس الدائن ومن ثم لا يعد مبررا موجبا للتعويض.

في حين نجد محكمة الاستئناف بالرباط ذهبت في أحد قراراتها[12] إلى أنه:” حيث يكون الحجز التحفظي وهو عمل تهديدي أكثر منه تدبير للضمان، فإنه يكون ذا طابع تعسفي ويمكن منح المحجوز عليه تعويضا عن الضرر الحاصل له من الحجز، لكن حين لا يتأتى تقدير مبلغ هذا الضرر يكون الحكم على الحاجز بالمصاريف تعويضا كافيا”.

وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء[13] اعتبرت مجرد مرور سنتين على صدور الأمر بالحجز دون تتبع طالب الحجز لمسطرة حصوله على دينه المزعوم مبررا لرفعه.

ومن خلال ما سبق فإن الفقرة الأولى من المادة 218 من م.ح.ع، لا شك أنها تكرس ضمانة هامة للمدين في استعادة سلطاته على العقار محل الحجز كلما تراخى الدائن الحاجز عن مواصلة إجراءات الحجز وذلك بتقديم طلب لرئيس المحكمة في إطار الفصل 149 من ق.م.م، إلا أنه تفاديا للإشكالات التي تطرحها وكذا توحيد العمل القضائي في تطبيقها، لا تفوتنا الفرصة في إبداء اقتراحات لسد النقص والحد من النقاش الدائر حولها عن طريق:

  • إعادة صياغتها وحبذا أن ترد في الشكل الآتي:” إذا وقع التراخي في مواصلة الإجراءات التي تتلو الإنذار العقاري…”.
  • وجوب التنصيص على أجل محدد يستشف من خلاله واقعة التراخي من عدمها، مما سيضع حدا للتضارب القضائي فيما يتعلق بتقدير مسألة التراخي وبالتالي تقرير سوء نية الحاجز أم لا.

[1] – ظهير شريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

[2] – عبد العالي الدقوقي، الإلغاء والتشطيب في التشريع العقاري المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس-أكدال- الرباط، السنة الجامعية: 2001/2002، ص: 230 وما يليها.

– سهيلة الساهل، الرهن الرسمي العقاري كضمان عيني وصعوبات تحقيق المسطرة، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، السنة الجامعية: 2013/2014، ص: 83.

مقال قد يهمك :   حول عدم دستورية  المادة 35 من مشروع القانون 17.95 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية

[3] – قرار عدد، 3614، بتاريخ: 27/11/2002، في الملف المدني عدد: 2702/1/11/97، أوردته رشيدة أمزوغ، الإشكالات العملية في مسطرة تحقيق الرهن الرسمي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول –وجدة-، السنة الجامعية: 2007/2008، ص: 70.

[4] – حسن فتوخ، موقف القضاء الاستعجالي من التشطيب على الحجز العقاري والتقييد الاحتياطي، مقال منشور بمجلة الودادية الحسنية للقضاء، العدد: 2، نونبر 2010، ص: 196.

– محمد سلام، تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2002، ص: 92.

[5] – جاء في قرار للمجلس الأعلى، ما يلي:” إن مقتضيات الفصل 208 من ظهير 2 يونيو 1915 بتحديد التشريع المطبق على العقارات المحفظة لا تجد مجالا لتطبيقها في مساطر الحجز التحفظي ورفعه، إذ هي تتعلق بالإجراءات التي تتلو الحجز العقاري المقيد بمناسبة توجيه الإنذار العقاري للمدين والتي لم يتم التشطيب عليها بأمر رئاسي كلما تراخى الدائن الراهن في مواصلة الإجراءات..”.

– قرار صادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ: 11/03/24، تحت عدد: 456، في الملف التجاري عدد: 1265/3/1/10، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد: 75، ص: 256 وما يليها.

[6] – قرار صادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ: 17/06/87، تحت عدد: 1433، في الملف المدني عدد: 287/99، منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد: 139، ص: 81 وما يليها.

[7] – قرار محكمة النقض، عدد: 180، صادر بتاريخ: 2 أبريل 2015، في الملف التجاري عدد: 2013/1/3/1259، أورده حسن فتوخ، موقف المحافظ العقاري من تقييد الأحكام والأوامر القضائية، مقال منشور في موقع: WWW.MarocLaw.Com، تاريخ الزيارة: 16/10/2019، على الساعة: 17.40.

[8] – أمر صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش، عدد: 32، بتاريخ 24/01/06، في الملف عدد: 624/05، منشور بمجلة المحامي، عدد: 50، ص: 115 وما يليها.

[9] – زيارة ميدانية لنائب رئيس المحكمة الابتدائية بفاس، بتاريخ 18 أكتوبر 2019.

       – زيارة ميدانية لمفوض قضائي  بفاس، بتاريخ 05 أكتوبر 2019.

[10] – قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس، رقم 845 الصادر بتاريخ 03/06/2009 في الملف عدد 08/1801، غير منشور.

[11] – قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس، رقم 532، الصادر بتاريخ 2009/04/02، في الملف عدد 08/832، غير منشور

[12] – قرار محكمة الاستئناف بالرباط، صادر بتاريخ 31/21/1935، منشور بمجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط، سنة 1935، ص: 431.

[13] – قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، عدد 2770/93، صادر بتاريخ 22/04/1993، في الملف عدد 725/93، مجلة المحاكم المغربية، العدد 81، مارس-أبريل 2000، ص: 139 وما يليها.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)