الأعذار الموجبة للرجوع في الهبة : دراسة مقارنة

النموذج التنموي الوطني : مقومات مرتقبة للنموذج الجديد

قراءة في المادة 49 من مدونة الأسرة على ضوء الاجتهاد القضائي

9 ديسمبر 2018 - 5:38 م المنبر القانوني
  • حجم الخط A+A-
  • من إعداد : محمد قاسمي باحث في العلوم القانونية والشؤون الأسرية و مدير مسؤول عن مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية و مدير مسؤول عن سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة.

يقول تعالى : (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)[1]

لما كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تتطرق إلى مسألة تدبير الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية[2]،  حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى للتنصيص على ما يلي:

” لكن ردا على ما أثير في الوسيلتين معا فإنه وإن كانت مدونة الأحوال الشخصية لم تنظم بنصوص خاصة أحكام الأموال التي يكتسبها الزوجان بعد عقد زواهما، فإنها نصت في حالة عدم وجود نص الأخذ بالمشهور أو الراجح أو ما جرى به العمل في مذهب الإمام مالك…”.

 فإن المدونة تطرقت لها بصريح النص، حيث جاء المادة 49 من نفس القانون[3] للتنصيص على ما يلي :

“لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها. يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر. إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة “.

وقد ورد تعليق على هذه المادة في الدليل العملي للمدونة نص على ما يلي :

لقد جاءت هذه المادة لتؤكد على ما كان عليه الوضع من أن الذمة المالية لكل واحد من الزوجين مستقلة عن الآخر يتصرف فيها كيف شاء.

إلا أنه في إطار المنظور الجديد والبعد الذي ابتغاه واضع النص لما يجب أن يسود أجواء الأسرة من تعاون من أجل النهوض بأعبائها كل واحد من موقعه فقد منحت إمكانية للزوجين في أن يتفقا في عقد مستقل على تدبير الأموال المكتسبة بعد الزواج فهو اتفاق اختياري ويجد سنده في ما يصطلح عليه فقها وقانونا من تصرفات تدخل في نطاق مبدأ سلطان الإرادة التي تخول لكل شخص تدبير شؤونه وإدارة أموالها، والتصرف فيها بالشكل الذي يراه ملائما من غير أن يخالف القواعد الآمرة فهذا الاتفاق  يحدد فيه نصيب كل واحد في الأموال المكتسبة بعد الزواج.

وهذه القاعدة لا علاقة لها فيما يعرف في بعض القوانين من إبرام عقد الزواج في إطار فصل الأموال المشتركة، لأن المقتضى الجديد يختلف تماما عما ذكر، كما أن هذه القاعدة لا علاقة لها بقواعد الميراث لأنها تصرف في أموال يطالها قيد حياة الشخص وهي مثل التصرفات الأخرى التي تتم بعوض أو بدونه كالصدقة أو الهبة أو البيع أو غير ذلك.

وقد يحث ألا يقع اتفاق بين الزوجين بخصوص تدبير هاته الأموال ويدعي أحدهما حقا له على ما اكتسبه الآخر خلال فترة الزواج فعند النزاع يمكن لكل منهما أن يثبت أنه ساهم في تنمية أموال الآخر، ففي هذه الحالة تطبق القواعد العامة في الإثبات ومفاد ذلك أن الفصل في هذا الادعاء لن يطال أبدا ما كان يملكه كل واحد منهما قبل إبرام عقد الزواج وسوف ينحصر البت في الأموال المكتسبة خلال مدة الزواج وذلك على ضوء ما قام به المدعي من أعمال ومجهودات وأعباء ساهمت في تنمية أموال المال ووسعت استثماره.

والتقدير ليس معناه التوزيع مناصفة بل سوف يحدد قدر المجهود الذي بذل من طرف كل واحد وأثر ذلك المجهود على ما تم اكتسابه من أموال.

وبطبيعة الحال فإن تقدير المجهود والعمل مكتروك للمحكمة التي عليها تقدير مدى المجهود ونوعه وأثره على ما تحقق من كسب مال خلال فترة الزواج.”

مقال قد يهمك :   رسالة إلى  لجنة  بنموسى: من أجل أمصال قادرة على علاج الأعطاب التنموية والجروح المفتوحة على  المستقبل

فالأصل حسب منطوق المادة 49 من المدونة أن لكل زوج من الزوجين ذمته المالية يستقل بها عن ذمت الزوج الآخر، وهذا المبدأ العام يجد سنده في الشرع الإسلامي، حيث ورد في محكم التنزيل قوله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)[4].

يقول الأستاذ عبد الله السوسي التناني “كما يتمتع الرجل في الإسلام بذمة مالية مستقلة، فإن المرأة أيضا تتمتع بذلك كالرجل سواء بسواء، بحيث يمكن لها استثمار أموالها لحسابها الخاص عن طريق التجارة والصناعة والفلاحة وجميع أنواع المعاملات المالية المشروعة[5]، كما يمكنها ادخار أموالها في اسمها الخاص، والتصرف فيها كما شاءت بالبيع، والشراء، والإيجار وغير ذلك من التبرعات كالهبة والصدقة، دون أن يكون لزوجها الحق في التدخل بمنعها، أو تقييد حريتها، إلا ما يمس الدين والأخلاق، كأن تفتح بأموالها مرقصا أو خمارة أو غير ذلك مما يجلب المعرة لزوجها ولأولادها، كما كان من حقها أن تتدخل لمنع زوجها من ذلك سواء بسواء.”[6]

غير أنه يجوز للزوجين في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج على استثمارها وتوزيعها حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى[7] ما يلي: ” الأموال المكتسبة بين الزوجين تقتضي ورود اتفاق مكتوب وإلا فالقاعدة العامة للإثبات””، يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، فالمدونة أجازت في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب خلال العلاقة الزوجية للزوجين إمكانية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها، وهذا الاتفاق يدخل في إطار الشركة، فيطبق عليه أحكامها، والزوجين بإمكانهما عقد شركة[8] بينهما لتنمية أموال الأسرة واستثمارها.

فبعد ما ينتهي العدلان من إبرام عقد الزواج وسماعهما للإيجاب والقبول من الزوجان وتوثيقه، يشعر طرفي العلاقة الزوجية حول ما إذا كانا يرغبان في أن تكون الأموال التي ستكتسب خلال العلاقة الزوجية مشتركة بينهما أم لا، فإذا كان الجواب بالموافقة فيتم تضمين هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج يرجع لها عند كل نزاع في المسألة، أما في حالة عدم وجود نظير لهذا الاتفاق فيسار للقواعد العامة للإثبات، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى ما يلي:” في حالة عدم وجود اتفاق بين الزوجين على استثمار وتوزيع الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية فيرجع للقواعد العامة للإثبات”[9].

مقال قد يهمك :   خصوصية إجرام الياقات البيضاء

إن مرتع الإشكالات ومورد النقاش يثور بخصوص الفقرة الأخيرة من المادة 49 من المدونة و التي يفهم من مضمونها أنه في الحالة التي لا يكون هناك اتفاق بين الزوجين على تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء العلاقة الزوجية، فيرجع للقواعد العامة للإثبات[10]، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة خلال فترة قيامها.

وعند عدم وجود اتفاق كتابي ينظم كيفية تدبير الأموال المكتسبة، فإن تقدير ما ساهم به كل زوج من الزوجين في هذه الأموال يرجع السلطة التقديرية للمحكمة.

حيث جاء في هذا الإطار قرارات عديدة للقضاء المغربي، ومنها القرار الصادر عن المجلس الأعلى والذي جاء فيه: ” تقدير الكد والسعاية يخضع لسلطة المحكمة التقديرية طالما كان قضاؤها معللا”[11].

فالقرار موضوع التعليق يندرج بدوره في صلب هذه الفقرة، حيث أن الطالب في النقض والمطلوبة أثناء إبرامهما لعقد الزواج لم يبرما معه اتفاقا يقضي بالكيفية التي سيدبران بها أموالهما المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، الشيء الذي كان معه على القضاء بعد نزاعهما على هذه الأموال تفعيل القواعد العامة للإثبات كما هو وارد من وقائع حيثيات القرار كالكشوفات الحسابية والخبرة والأوراق التجارية وإقرارات الأطراف…الخ، وهو ما سبق للقضاء المغربي أن سار عليه وكرسه حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى نص على ما يلي:” الأموال المكتسبة بين الزوجين تقتضي وجود اتفاق مكتوب وإلا تم الرجوع للقواعد العامة للإثبات”[12]، مع العلم أنه ليست كل الوسائل مقبولة لإثبات حق الكد والسعاية وهو ما سبق للقضاء المغربي أن دهب إليه، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى ما يلي:” التصريحات بالشرف ليست وسيلة من وسائل الإثبات المنصوص عليها في المادة 404 من قانون الالتزامات والعقود، ولا يصح الاحتجاج بها لإثبات حق الكد والسعاية”[13].

ويراعى عند تقسيم الأموال المكتسبة بين الزوجين عمل كل واحد منهما، وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء في سبيل تنمية أموال الأسرة وهو ما سبق للمجلس الأعلى أن دهب إليه في العديد من القرارات الصادرة عنه، ومنها القرار الصادر بتاريخ 3 دجنبر 2008 حيث جاء فيه :

” عدم وجود اتفاق مسبق بين الزوجين لتدبير الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية لا يمنع أحدهما من إثبات ما قدمه من مجهود أو ما تحمله من عبء لتنمية أموال الأسرة والمطالبة بنصيبه”[14].


الهوامش : 

[1] سورة النساء، الآية: 32.

مقال قد يهمك :   قراءة في مدى ملاءمة مشروع قانون تعديل القانون الجنائي لأحكام القانون الدولي الإنساني

[2] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 16/04/2003 في الملف عدد 192/2/1/2002، منشور ب:

– المنتقى من عمل القضاء في تطبيق المدونة، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 10، فبراير 2009، مطبعة إليت، الرباط، ص: 54.

[3] – دليل عملي لمدونة الأسرة، وزارة العدل، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد الأول، 2004م، ص: 44 و 45.

[4] – سورة النساء، الآية: 32.

[5] – لقد سمحت مدونة التجارة للمرأة بأن تمارس التجارة دون أن يكون لزوجها الحق في منعها وذلك في المادة 17 من مدونة التجارة.

[6] – عبد لله السوسي التناني، مدونة الأسرة في إطار المذهب المالكي وأدلته، الزواج،سلسلة تأصيل الفقه المالكي، العدد 3، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، 2014م، ص: 215.

[7] – قرار صادر عن المجلس الأعلى مؤرخ في 18 أكتوبر 2006، منشور ب:

– محمد الشافعي، مدونة الأسرة في الاجتهاد القضائي، حصيلة ست سنوات من التطبيق العملي، سلسلة البحوث القانونية 19، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، 2011م، ص: 45.

[8] – يقسم فقهاء المالكية الشركة إلى أنواع ثلاث وهي: شركة الأموال، شركة الأبدان، شركة الوجوه. للاستزادة أكثر حول الموضوع، يرجع إلى:

– عبد الله السوسي الثناني، مرجع سابق، ص: 218 وما يليها.

[9] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 21/10/2009 تحت عدد 520 في الملف عدد 08/8 أورده:

– محمد بفقير، مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي، منشورات دراسة قضائية، سلسلة القانون والعمل القضائي المغربيين، الطبعة الثانية، 2011م، ص: 59.

[10] – وهي المنصوص عليها في المادة 404 من قانون الالتزامات والعقود والتي منها الإقرار والشهادة واليمين والقرائن، بالإضافة إلى وسائل تحقيق الدعوى كالمعاينة والخبرة الواردة في الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية.

[11] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 10/11/2006 تحت عدد 579 في الملف الشرعي عدد 245/06، منشور في:

– مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 66، ص: 135 وما يليها.

[12] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18 دجنبر 2006، منشور في:

– مجلة الاشعاع، العدد 32، الصادرة في سنة 2007، ص: 245.

[13] – قرار صادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ 28 مارس 2007. وارد في:

– مجلة الملف، العدد الحادي عشر، الصادر سنة 2007، ص: 240.

[14] – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 3 دجنبر  008 منشور في:

– نشرة قرارات المجلس الأعلى، الغرفة الشرعية والميراث، الجزء الرابع، الصادر سنة 2010، ص: 5.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)