وضع الكراء التجاري والسكني والمهني في ظل جائحة كورونا

الصياغة التشريعية المرتبكة والتطلعات المستقبلية

قراءة في مقترح قانون لتعديل قواعد استيفاء الوجيبة الكرائية خلال حالة الطوارئ الصحية

4 يونيو 2020 - 8:08 م في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

سعيد الوردي

أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق بفاس 

تقدم فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب بمقترح قانون يرمي إلى تعديل القانون رقم 67/12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للاستعمال السكني أو للاستعمال المهني ، والقانون رقم 49/16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي ، وقانون الالتزامات والعقود ، فيما يخص استيفاء الوجيبة الكرائية في حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها بلادنا جراء وباء كوفيد 19.

وحسب مذكرة تقديم هذا المقترح فقد جاء بالنظر للتداعيات الاقتصادية الوخيمة لفيروس كوفيد 19 على جميع الأسر المغربية ، وبالنظر إلى ما خلفه هذا الوضع الاستثنائي من صعوبات في وفاء المكترين للمحلات السكنية والمهنية والتجارية والصناعية والحرفية بالوجيبة الكرائية للمحلات التي يعتمرونها على وجه الكراء.

فحالة الطوارئ الصحية نجم عنها توقف العديد من الأنشطة التجارية والحرف المهنية ، ومنع تنقل المواطنين وخروجهم من بيوتهم إلا للضرورة وبناء على إذن مكتوب من السلطات العمومية ، مما ترتب عنه تواجد العديد من الفئات في وضعية اقتصادية جد حرجة ، تجعلهم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه المكرين.

ومخافة من أن يلجأ المكري إلى اغتنام هذه الأوضاع واتخاذها فرصة لإفراغ المكتري مع ما يترتب عن ذلك من فقدانه لمسكنه أو مورد عيشه ، جاء فريق العدالة والتنمية بمقترح قانون يرمي إلى إقرار قواعد استثنائية في تنظيم مسألة الوفاء بالوجيبة الكرائية خلال فترة الطوارئ الصحية. فما هي أهم المقتضيات التي جاء بها هذا المقترح ؟ وهل فعلا نجح في الحفاظ على التوازن المطلوب في العلاقة بين المكري والمكتري؟.

ذلك ما سنحاول التعرف عليه من خلال التطرق لمضامين مقترح القانون الرامي إلى تعديل قوانين الكراء – المحور الأول – ثم مدى قدرة هذا المقترح على حفظ التوازن بين طرفي العقد في العلاقة الكرائية – المحور الثاني

المحور الأول: مضامين مقترح قانون بتعديل قوانين الكراء

لقد جاء مقترح القانون الذي تقدم به فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب مكونا من أربع مواد ، حيث تنص المادة الأولى منه على أنه استثناء من القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني ، والقانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي ، وقانون الالتزامات والعقود ، واستثناء من كل مقتضى مخالف ، لا يترتب عن تخلف المكتري الذي تأثر دخله بسبب جائحة كوفيد 19 عن أداء الوجيبة الكرائية تماطلا طيلة مدة فترة الطوارئ الصحية المحددة بموجب المرسوم رقم 2.20.292.

مقال قد يهمك :   البنية التقليدية لنظام الإثبات المدني وخيارات التحديث

وتنص المادة الثانية على أن الوجيبة الكرائية المترتبة عن فترة الطوارئ الصحية ولغاية 60 يوما لتاريخ رفعها تعد دينا عاديا يحق للمكري المطالبة باستيفائه بعد انتهاء فترة الطوارئ الصحية ، ولا يترتب عن عدم أدائها خلال الفترة المذكورة فسخ عقود الكراء ، ولا تستحق عنها فوائد ولا تعويضات عن التأخير في الأداء.

أما المادة الثالثة فنصت على أن طلب استيفاء الوجيبة الكرائية يقدم من طرف المكري بموجب طلب معفى من جميع الرسوم والمصاريف القضائية أمام السيد رئيس المحكمة المختصة ، ولرئيس هذه المحكمة أن يمنح المدين بناء على طلبه مهلة للأداء لا تتعدى 90 يوما حسب ظروف كل نازلة وحسب وضعية المدين.

أما المادة الرابعة فقد أقرت مبدأ سريان هذا القانون على دعاوى المطالبة بالديون الكرائية المتعلقة بمدة سريان حالة الطوارئ ، ولو لم تتم المطالبة بها إلا بعد رفع الحالة المذكورة.

المحور الثاني: مدى قدرة مقترح قانون تعديل قوانين الكراء على حفظ التوازن في العلاقة الكرائية

إنه من المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها العلاقة الكرائية نجد مبدأ حفظ التوازن في هذه العلاقة، ذلك أن هاجس المشرع كان دائما هو إقرار نوع من التوازن بين طرفي العلاقة الكرائية ، فلم يجنح إلى تغليب كفة المكري على المكتري ، ولا إلى ترجيح كفة المكتري على المكري. لذلك نتساءل عن مدى احترام هذا المبدأ في ظل التعديل المقترح ؟.

بالرجوع إلى مواد المقترح كما تم تفصيلها أعلاه نجدها تصب كلها في مصلحة المكتري الذي تأثر دخله بسبب جائحة كوفيد 19 ولم يتمكن من أداء الوجيبة الكرائية. حيث تحولت هذه الوجيبة بفضل المقترح إلى دين عادي يمكن استيفاؤه طبقا للقواعد العامة ، ولا يمكن المطالبة به إلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية. وتقتصر المطالبة فقط على الوجيبة الكرائية وحدها دون إمكانية المطالبة من طرف المكري بمبالغ إضافية كفوائد أو تعويضات عن التأخير في الأداء. بل أكثر من ذلك فعدم أداء واجبات الكراء من طرف المكتري خلال هذه المرحلة لا يمكن اعتباره سببا للمطالبة بفسخ عقد الكراء.

ومن المزايا التي جاء بها أيضا هذا المقترح لفائدة المكتري أنه يمكنه أن يطلب من رئيس المحكمة الذي قدم إليه طلب الأداء بأن يمنحه مهلة للأداء لا تتعدى 90 يوما حسب ظروف كل نازلة وحسب وضعية المدين. ويسري هذا الحكم حتى على الوجيبة الكرائية للشهرين الموالية لتاريخ رفع حالة الطوارئ الصحية. ويستفيد المكتري من هذه المزايا كلها حتى ولو تم إمهاله من طرف المكري خلال فترة الطوارئ الصحية ولم يطالب بالوجيبة الكرائية إلا بعد انتهاء هذه الفترة.

مقال قد يهمك :   إشكالية الطبيعة الشخصية للزبناء في الأصل التجاري الإلكتروني

في حين تضمن هذا المقترح في مجموعه مقتضى واحد يصب في مصلحة المكري وهو تمكينه من تقديم طلب استيفاء الوجيبة الكرائية بموجب طلب معفى من جميع الرسوم والمصاريف القضائية أمام السيد رئيس المحكمة المختصة.

إذن انطلاقا مما سبق يمكن القول بأن هذا المقترح من شأنه أن يؤدي إلى هدم التوازن القائم في العلاقة الكرائية ، لأنه يقر مجموعة من الضمانات تصب كلها في مصلحة المكتري ولا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المكري وظروفه ، وكأن الجائحة لم تصب سوى المكترين ولا تأثير لها بتاتا على المكرين. ولم تشفع مقتضياته حتى لذلك المكري الذي يتحلى بالأخلاق الفاضلة ولم يطالب بالوجيبة الكرائية إلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية مراعاة منه لظروف المكتري.

فهذا المقترح إذن جاء بهدف الانتصار للمكتري ولم يراعي بتاتا وضعية المكري رغم أنه نص في ديباجته على ضرورة مراعاة ظروف المكري لكن لم نلمس ذلك في متنه. فالملاحظ أن حالة الطوارئ قد امتدت حاليا لتشمل ثلاثة أشهر ، وأن هذا المقترح أضاف شهرين بعد انتهاء حالة الطوارئ الصحية يسري عليها نفس الحكم ، ثم منح لرئيس المحكمة الحق في إمهال المكتري لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ، وهو ما يعني في مجموعه ثمانية أشهر قد يظل خلالها المكري بدون وجيبة كرائية. فأين هو إذن مبدأ التوازن الذي يجب أن يحكم العلاقة الكرائية ؟

إن هذا المقترح يشكل إضرارا كبيرا بمصلحة وحقوق المكري ، ولم يأخذ بعين الاعتبار وضعيته ولا ظروفه ، فمن كان يتعيش من وجيبة الكراء كيف سيكون وضعه وهو الذي لم يستخلص درهما واحدا خلال ثمانية أشهر ؟

ذلك أنه بعدما تم التنصيص على إضافة ستون يوما لما بعد حالة الطوارئ الصحية لتسري عليها هذه الأحكام ، حيث نفهم بأن هذه الفترة مبررة بضرورة تعافي الوضعية المادية للمكتري وتمكنه من استعادة الحيوية لنشاطه المهني حتى يتمكن من الوفاء بالتزامه. فإن منح القضاء الحق في تمديد مهلة الأداء لثلاثة أشهر إضافية بناء على طلب المكتري لا نرى له مبررا سوى الإمعان في الإضرار بمصلحة المكري والإجهاز على حقوقه المشروعة.

انطلاقا مما سبق نعتقد أن مقترح القانون المذكور أعلاه لم يكن موفقا في وضع قواعد تمكن طرفي العلاقة الكرائية من تجاوز آثار جائحة كورونا دون تغليب طرف على حساب الآخر. ومن أجل الرقي بهذا المقترح إلى المستوى المنشود ، وبهدف عدم الإخلال بالتوازن المطلوب في العلاقة الكرائية نقترح ما يلي:

  • التنصيص على ضرورة عدم إمكانية الاستفادة من مقتضيات هذا التعديل إلا بعد إثبات المعني بالأمر لواقعة توقف النشاط المهني أو التجاري بسبب الجائحة أو تضرره منها، وأن يعطى للمكري الحق في إثبات العكس متى كان باستطاعته ذلك.
  • تعديل المقتضى الذي يخول لرئيس المحكمة إمكانية منح مهلة للمكتري قصد الأداء لمدة لا تتجاوز ثلاث أشهر ، وذلك بحصره من حيث الزمن في شهرين فقط ، ومن حيث الدين في ذلك الذي ترتب خلال سريان حالة الطوارئ الصحية ، دون أن يشمل الشهرين المواليين لرفع حالة الطوارئ الصحية. لأنه من المفروض أن المكتري يكون قد استأنف نشاطه المهني أو التجاري … وأن مدة شهرين كافية لتعافي الوضعية المادية للمكتري وتمكنه من الوفاء بواجباته ، وهكذا نكون قد حصرنا مدة استحقاق واجبات الكراء في خمسة أشهر بدلا من ثمانية ، و كل مهلة إضافية على ذلك ستلحق ضررا بالمكري.
  • التنصيص على حق المكري الذي تعذر عليه استيفاء الوجيبة الكرائية بسبب تضرر دخل المكتري ، في اللجوء إلى رئيس المحكمة خلال فترة الطوارئ الصحية للمطالبة بجزء من مبلغ الوجيبة الكرائية كالنصف مثلا، وذلك بعدما يثبت عدم توفره على وسائل دخل أخرى ، وأن الوجيبة الكرائية هي مصدر عيشه. فكما نفكر في وضعية المكتري المادية ونسعى لحمايته ، يجب أيضا أن نفكر بنفس الحماس في وضعية المكري المادية وأن لا نتركه عرضة للفقر والحاجة وحقوقه معلقة عند غيره.
مقال قد يهمك :   كيف ساهمت التجربة المغربية في تطوير مفهوم العدالة الانتقالية؟

ونعتقد أن من شأن إضافة هذه المقترحات وغيرها أن يخفف من حدة الاختلال الذي سيحدثه هذا المقترح بين طرفي العلاقة الكرائية ، ويساهم في تجاوز أزمة جائحة كورونا دون الإضرار بأحد طرفي العلاقة الكرائية.

 كما نعتقد بأن الأوضاع الحالية تدعو إلى الإسراع بإخراج قانون يجيب عن التساؤلات المطروحة بخصوص المشاكل المرتبطة بتسديد الوجيبة الكرائية وعدم الوقوف فقط عند مرحلة تقديم مقترحات قوانين دون اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمناقشتها والمصادقة عليها.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)