رئاسة النيابة العامة تشارك في المؤتمر الإقليمي حول “الضمانات الاجتماعية والمهنية للقاضيات الإفريقيات، أي مقاربة؟”

ابتدائية الناظور: اجتهاد قضائي بخصوص الطعن بالنقض المنصوص عليه في المادة 319 من مدونة الحقوق العينية

مآالات التعديل الحكومي 9 أكتوبر 2019: حكومة الكفاءات أم برلمان الكفاءات؟

11 أكتوبر 2019 - 10:27 م في الواجهة , وجهة نظر
  • حجم الخط A+A-

مارية جوهري باحثة في العلوم السياسية والقاون العام- جامعة محمد الخامس – الرباط

قبل الحديث عن التعديل الحكومي الأخير بتاريخ 9 أكتوبر 2019، لا بدا من التذكير أن  الحكومات المتعاقبة بعد الإصلاحات الدستورية لسنة 2011، أفرزت  حكومتين سياسيتين،  الحكومة رقم 30 برئاسة عبد الإلاه بنكيران ، وقد جاءت في سياق خاص جعل الرهان عليها كبيرا، والحكومة رقم 31 برئاسة سعد الدين العثماني. إلا أن سمة  التعديل الوزاري باتت هي السمة البارزة على هاتين الحكومتين، فمنذ سنة 2012، تعاقبت ست ( 6) حكومات، على الشكل التالي:

– 03 يناير 2012، الإعلان عن الحكومة الثلاثين، برئاسة السيد عبد الإله ابن كيران، وضمت  32وزيرا.

– 10 أكتوبر 2013، تعديل وزاري في الحكومة التي ترأسها السيد عبد الإله ابن كيران، وأصبحت تضم حكومة بنكيران الثانية 39 وزيرا.

– 20 ماي 2015، تعديل وزاري ثاني في الحكومة التي ترأسها السيد عبد الإله ابن كيران.

– 05 أبريل 2017، تم تعيين  الحكومة الواحدة والثلاثين برئاسة السيد سعد العثماني، بعدد 39 وزير.

– 22 يناير 2018: تعديل وزاري، بتعيين خمسة وزراء جدد لشغل المناصب الشاغرة في حكومة  سعد الدين العثماني، إثر إعفاء جلالة الملك يوم 24  أكتوبر 2017 لعدد من المسؤولين الوزاريين.

– 9  أكتوبر 2019، التعديل الوزاري  الثاني في حكومة العثماني، حيث بلغ  عددها  23 وزير، و هي الأقل عددا في تاريخ الحكومات المغربية.

ولا يمكن قراءة هذا التعديل الحكومي الأخير، إلا في سياق وطني يحمل العديد من الرهانات الإقتصادية والإجتماعية، والتنموية ، فقد جاءهذا التعديل استجابة لمضامين الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش (2019)، حيث راهن هذا الخطاب على ضرورة ضخ نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، بل حتى على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة. وبالتالي يبقى التساؤل مطروحا، إلى أي حد أجابت الهندسة الجديدة للحكومة، عن قدرات وكفاءات أعضائها لكسب رهان النموذج التنموي المنشود؟ وهل ستتمكن من إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، كما دعى إلى ذلك جلالة الملك؟ وحتى إن قامت بذلك ، فهل ستقوم هذه المخططات على التكامل والإنسجام، بما يجعلها أساس النموذج التنموي؟

مقال قد يهمك :   ورشة تكوينية لفائدة المتمرنات والمتمرنين في خطة العدالة من تنظيم فدرالية رابطة حقوق النساء

من أولى الملاحظات حول التعديل الحكومي الأخير، إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، بتقليص عدد أعضائها ليصبح  23 وزيرا، إذ  أصبحت الأقل عددا من حيث الوزراء في تاريخ الحكومات المغربية في عهد الملك محمد السادس، وبالتالي فهي إشارة واضحة إلى أن الإصلاحات الحقيقية تبدأ من لحظة تشكيل الحكومة، و تنطلق مع سلطة تنفيذية تتخذ صيغة فريق عمل  يضم كفاءات، وتركز على الملفات ذات  الأولوية.

جميل أن نلمس في التعديل الأخير،  أهدف الترشيد وعقلنة الشأن العام، من خلال تركيز مجموعة من القطاعات الوزارية، ودمج المصالح الإدارية التي تتعلق بنفس القطاع، وهو ما سيفيد بتسريع وثيرة العمل الإداري والحكومي، وأيضا تركيز المسؤوليات، وعدم تشتيتها، مما سيساهم في تفعيل المحاسبة. فمثلا  وزارة الإصلاح الإداري، تم إلحاقها بوزارة المالية والاقتصاد، و الوزارة المنتدبة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، تم حذفها ، وهي وزارة اضطلعت بمهام كانت تمارسها وزارة الاقتصاد والمالية، بالإضافة إلى حذف كتابات الدولة، والتي كانت تستأثر بعدد كبير من المناصب الوزارية.

غير أن واقع الأمر، يثير مجموعة من التساؤلات، هل يكفي تجميع القطاعات الوزارية، وتقليص عددها، مع الإحتفاظ بنفس المدبرين الحكوميين، أم ضرورة تغيير العقليات والمؤهلات؟  ألن يؤدي هذا التركيز إلى ارتباك إداري ، وهدر في الزمن السياسي لتنزيل الإصلاحات؟ وما هي كلفة تنزيل الهيكلة الجديدة على مستوى البنيات والوحدات الإدارية وأيضا على على مستوى الموارد البشرية للقطاعات الوزارة المجمعة ؟

إن التعديل الأخير، وباستثناء وزارة العدل، احتفظ وزراء القطاعات السيادية والقطاعات الاقتصادية (المالية والفلاحة والصناعة) بمناصبهم، رغم أن الرهان الكبير يعول على هذه الأقطاب الإقتصادية في الإقلاع التنموي، فقد يبدو أن  التعديل الحكومي مجرد تعديل  تقني،  أكثر منه ذو مدلول سياسي، فلم يحمل هذا التعديل تجديد على مستوى النخب ، ببقاء أحزاب الأغلبية بحقائبها الوزارية نفسها، وبنفس مكوناتها.

من جهة أخرى، و بالنظر إلى مكونات الهيكلة الجديدة للحكومة، يلاحظ أنها زاوجت بين المقاربة السياسية من خلال تمثيل الأغلبية النيابية برئاسة الحزب الفائز المتصدر الإنتخابات التشريعية، وبين مقاربة التكنوقراط، والتي تستلزم كفاءات بعيدة عن الإنتماءات الحزبية، وعن الحسابات السياسية الضيقة. وهذا الأمر يشكل رسالة على فشل النموذج الحزبي في تقديم كفاءات ونخب سياسية قادرة على مواجهة التحديات التنموية وضع الحلول للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي يعاني منها المغرب. وبالتالي ألا يحق لنا التساؤل عن الجدوى من الإنتخابات، وما أهمية الأحزاب في المشهد السياسي ، في ظل حكومة  نصف وزرائها غير منتمون لأي حزب سياسي؟   ألا يحق لنا التساؤل عن جدوى هذا التغييرالحكومي، والذي سيكون مؤقت بالنسبة للمشهد السياسي في انتظار المحطة التشريعية القادمة لسنة 2021 ؟ ففي ظرف 8 سنوات من التدبير الحكومي، تعاقبت 6 حكومات بمعدل حكومة لكل سنتين أو أقل( 2012-2013-2015-2017-2018-2019)، فمالذي ستغيره هذه الحكومة في المدى القريب، وأي أولوية ستضعها في الأجندة الحكومية للسياسات العمومية، في وقت لا يفصلها سوى عام ونصف العام عن الإنتخابات التشريعية المقبلة؟.

مقال قد يهمك :   مبشور عادل: الـــسياســة الــسكنية بـــــالمغرب

ثم هل ستتمكن تشكيلة مقلصة العدد تم تكليفها بمهام أكثر، من إنجاز ما عجزت عنه حكومة بأربعين عضو؟ وكيف لهذه الكفاءات أن تتجاوز مشكل تضخم المصالح الإدارية وتراكم الملفات الناتج عن تجميع القطاعات الوزارية.

إن الرهان المطروح على الهندسة الحكومية الجديدة ، هوالفاعلية و القدرة على الإنجاز التنموي، وتنزيل الإستراتيجيات والسياسات العمومية، فالمصلحة العامة تقتضي أن يكون للحكومة مخرجات تدبيرية تنتج آثارا على المواطن، وعلى العدالة الإجتماعية، فشرعية الحكومة تنبثق من شرعية الإنجاز وتحقيق الأهداف، وهوما سيشكل  تحدي كبير أمام رئيس الحكومة، لتجاوز مشكل الإنسجام الحكومي والسياسي، في ظل حكومة صارعت ولا زالت تصارع من أجل البقاء .

صحيح أن تقليص عدد الحقائب الوزارية، سيقطع مع منطق الإرضاءات الحزبية، وتفادي أزمات الأغلبية الحكومية و مشكل استمراريتها ، مما سيساعد رئيس الحكومة على  الإنشغال أكثر بتدبير وتفعيل البرنامج الحكومي. إلا أن الحكومة المعدلة تجد نفسها أمام تحديات ، أولها احترام وتنزيل مقتضيات البرنامج السياسي وثانيها احترام ميثاق أغلبيتها التي هو جزء منها، ثالثها تنزيل المخططات القطاعية الكبرى بشكل متناسق ومنسجم، وهو ما يتطلب  توافق وانسجام جميع مكوناتها.

 لتبقى أصعب التحديات المطروحة هو، مدى قابلية، أو قدرة المشهد السياسي على التأسيس لنموذج حكومي واحد، يضاهي الحكومات المتقدمة، ويتجاوز  إشكالية بلقنة المشهد الحكومي؟

وأخيرا وليس بأخر، هل بناء حكومة الكفاءات سينجح دون برلمان الكفاءات؟

كل هذه الأسئله لا إجابات لها حتى الآن، و لكن الأيام القليله القادمه ستسفر عن الكثير من الإجابات، فالمثل يقول: “إذا انجلى الغبار أتحته فرس أم حمار؟ “،  فكلنا أمل في المستقبل القريب و ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه ،  فلا تنسي يا حكومة الكفاءات أن تشدي الأحزمة فالرحلة طويلة ومليئة بالمفاجآت.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)