باحث يرصد أبرز التعديلات التي لحقت مدونة الجمارك على ضوء قانون مالية 2021

رشيد المسعودي: شروط التدخل القضائي في مجال المنازعة القضائية المتعلقة بالتحصيل

محفوض حجيو:مطلب الحرية الجنسية تقدم أم تخلف حضاري؟!

9 فبراير 2021 - 6:24 م في الواجهة , متفرقات قانونية
  • حجم الخط A+A-

محفوض حجيو، دكتور في القانون.

أصبح النقاش حول الحرية الجنسية يفرض نفسه في كل مرة وحين بين أفراد المجتمع المغربي، شأنه شأن أغلب الدول الإسلامية التي تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج، أو بين طرفين من نفس الجنس. وهو توجه له ما يبرره باعتباره يتماشى مع المرجعية الدينية لهذه الدول. لكن في المقابل هناك من أصبح يدعوا وبإلحاح مستمر بضرورة إلغاء هذا التجريم باعتباره يمس الحرية الجنسية للفرد، بدعوى أن التقدم الحضاري والحقوقي الذي عرفه العالم أصبح لا يقبل مثل هذا التجريم أو الوصاية على جسد الفردباعتباره ملك للشخص وليس ملك للمجتمع. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول هل من حق المجتمع فرض قيم معينة على الأفراد تحول بينهم وبين ممارسة الجنس بحرية؟

نشيرفي البداية إلى أن الأصوات المنادية بالحرية الجنسية تتفق على ضرورة إقرار حريةكل فرد في إشباع رغبته الجنسية بالطريقة التي تحقق له أكبر قدر من اللذة مع أي شخص كيفما كان جنسه ذكرا كان أم أنثى. ولا حدود ولا قيود سوى حد أو قيد واحد،وهو رغبة الطرف الآخر الراشد المشارك في العلاقة الجنسية.

وهي المطالب التي تبناها مجموعة من الأشخاص والجمعيات التي تغتم الفرصة في كل قضية ذات الطابع الجنسي انتشرت تفاصيلها في مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الإعلام، حتى تجدد مطالبها بإلغاء الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، باعتبارهالفصل الذييجرم العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة دون زواج، ويمتد المطلب كذلك إلى إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يعاقب كل شخص مارس الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه. وهذا كله بذريعة أن هذا التجريم يحد من الحقوق والحريات الفردية.

ومشكلة هؤلاء المدافعين عن الحرية الجنسية، إما أنهم يفتقدون إلى الحد الأدنى من المعرفة بهذه الحقوق، وإما أنهم يعرفونها لكنهم يتعمدون نشر أفكار مسمومة وخبيثة بشعارات رنانة تهدف إلى نشر ثقافة حقوق الحيوان للبشر.

لأن الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان وفقا للإعلان والمواثيق والعهود الدولية،  لا تتحدث عن مثل هذهالحقوق أصلا، وربما تعتبرها من حقوق الحيوان، فالأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان تمّ تصنيفها وفقاً لنظرية الجيل الأول، الثاني والثالث على أنها:

مقال قد يهمك :   مداني يوسف: آفاق الرقابة القضائية الدستورية على الحملة الانتخابية

1- الجيل الأول لحقوق الإنسان: يشمل الحقوق المدنية والسياسية للفرد، منها  ما يتعلق بمعايير الأمن المادي والمدني من قبيل منعالتعذيب، منع معاملة الأفراد بطريقة غير إنسانية ومنع العبودية. ومنها ما يتعلق بقواعد السلطات المدنية والسياسية أو ما يسمى بالتمكين المدني والسياسي، كالحق في المشاركة السياسية.

2- الجيل الثاني لحقوق الإنسان: ويشمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، منها ما يهتم بمعايير الاحتياجات الأساسية وضرورة تلبيتها للأفراد، كالتغذية والرعاية الصحية. ومنها ما يهتم بمعايير الاحتياجات الاقتصادية وطرق تلبيتها، كتأمين الأجور العادلة بما يكفل العيش الكريم للأفراد.

3– الجيل الثالث لحقوق الإنسان: يشمل فئة واسعة من الحقوق، منها ما يتعلق بحق تقرير مصير الشعوب، وتشمل الجوانب المتعلقة بتنمية المجتمع، وشؤون الوضع السياسي. ومنها ما يتعلق بحقوق الأقليات العرقية والدينية.

فهل تم توفير كل هذه الحقوق الأساسية ولم يبق سوى النضال من أجل ممارسة جنسية حرة مع من نشاء وكيف نشاء؟

فالحقوق والحريات الفردية ليست مطلقة، بل تخضع لمنطق القيم السائدة في المجتمع، لذلك ينبغي بالضرورة أن تراعي تعزيز القيم الأساسية الأخرى للإنسان ككائن اجتماعي، والتي تتمثل في التآخي والتضامن بين أفراد المجتمع الواحد،وأنلا تؤديإلى إفقار البعد الأخلاقي للأنشطة والسلوكيات الفردية والجماعية.فالمنطق السليم يقتضي أن لا يكون في المجتمع أفراد يتمتعون بحرية مطلقة،وخضوع الباقي لهذه المجموعة ممن اتخذ قرار التحرر، دون الأخذ بعين الاعتبار باقي الأفراد ممن يخالفهم الرأي. لأن حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر.

فحتى المجتمعات الغربية التي تسمح بالحرية الجنسية، لا تسمح للشخص أن يمشي في الشارع عاريا مجردا من جميع ملابسه، على الرغم من أن جسد الإنسان ملك له وليس ملك للمجتمع، وأن الفضاء العام ملك للجميع كما يقول دعاة التحرر الجنسي، لأنهذا السلوك يمس ويخدش الشعور العام لباقي الأفراد ويستنكرونه، مما جعل المشرع يجرمه،لذلك فكل حرية كيفما كان نوعها، لابد لها من تنظيم و حدود تراعي خصوصية وثقافة كل مجتمع على حدة.

مقال قد يهمك :   استئنافية أكادير : جماعة العدل و الإحسان جماعة مرخص لها قانونيا و حفل التأبين ليس تجمعا

وبالتالي ينبغي احترام مشاعر الجميع وإيجاد صيغة وحدود متوافق عليها، فلا يمكن لأحد أن ينكر أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج أصبحت في المغرب تمارس بشكل كبير في السر، وهناك الكثير من التساهل في التوقيف والعقاب عن هذه الممارسات، لذلك فكل ما يهدف إليه دعاة التحرر الجنسي، هو محاولة نقل هذه الممارسات من الفضاء الخاص إلى الفضاء العام وتوفير أكبر قدر ممكن من ظروف استغلال المرأة جنسيا ليس إلا.

فبغض النظر عن موقف الشريعة الإسلامية التي تحرم الفساد بمقتضى آيات قرآنية وأحاديث نبوية صريحة، فإن عواقب المطالبة بالحرية الجنسية على المجتمع المغربي سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية، ستكون كارثية بكل المقاييس، فالانفتاح الجنسي وسهولة ممارسة الجنس في المجتمع تظهر عواقبه في وقت لاحق بين أفراد المجتمع، إذ تؤدي  إلى ظهور الأطفال المتخلى عنهم ضحية الحرية الجنسية، وكثرة الأطفال المتاحين للتبني، مما يعني أن تنظيم العلاقات الجنسية يحول دون وجود اللقطاء، ويساهم في حماية المرأة أكثر من إضرارها.

فحسب تصريح لعائشة الشنا رئيسة جمعية التضامن النسوي (منشور أواخر سنة 2019 بالموقع الإلكتروني اليوم 24)، هناك حوالي خمسة آلاف طفل يتم التخلي عنهم سنويا في المغرب، و24 منهم يرمى يوميا في القمامة. فهل رفع التجريم عن العلاقة الجنسية الرضائية سيحل هذا المشكل أم  سيزيد من تفاقمه؟وهل تجردنا من الحس الإنساني إلى هذه الدرجة التي أصبح فيها رمي المواليد مثلهم مثل القمامة؟

فالمشكل ليس مشكل ممارسة الجنس برضائية وقضاء نزوة عابرة، بل المشكل فيما يتولد عن هذه العلاقات من آثار وخيمة في المستقبل، فإضفاء نوع من اللباس الحقوقي على الحرية الجسدية للفرد من أجل إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، لن يساهم سوى في اتجاه الشرعنة القانونية لإستغلال المرأة في الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وهي المؤسسة التي تضمن لها وللأبناء الكثير من الحقوق.وفي غيابها فمن المؤكد أن الرجل المغربي عن حدوث أي مشكل سينزل في أقرب محطة ويغادر هذه العلاقة مسرعا، تاركا وراءه المرأة تتخبط فيما جنته منها،والتي غالبا ما تكون هي الضحية الأولى في هذه العلاقة، ومن بعدها الأبناء الذين قد تفرزهم، ومن بعدهم المجتمع نفسه، إذ حسب علماء الإجرام، وعلماء النفس الجنائي، فإن الأطفال اللقطاء اللذين يشكلون غالبية أطفال الشوارع غالبا ما يسلكون دروب الإدمان بكل أنواعه في غياب الأسرة والتربية السليمة،وكرد فعل ضد المجتمع يعمدون إلى ارتكاب الجرائموالإنتقام من أفراد هذا المجتمع الذي سمح بظهور أمثالهم ولم يفر إلا الشارع مأوى لهم.

مقال قد يهمك :   نقيب هيئة المحامين بالرباط يصعد لقمة الطالعين على هسبريس

وحتى الدول الأوربية التي يتخذها دعاة التحرر الجنسي قدوة، أصبحت عاجزة عن معالجة آثار هذه الظاهرة لما وجدت نفسها أمام أشخاص بدون هوية، حتى مع توفير الظروف المعيشية للأطفال المتخلى عنهم، وأصبحت اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، تنتقد “صناديق الأطفال”[i]لكونها منافية لمبدأ من مبادئ الاتفاقية، الذي ينص على أن:

“من حق الطفل معرفة أبويه والحصول على متابعة منهم”

وتؤكد اللجنة أن حرمان الطفل بطريقة غير قانونية من هويته، يفرض على الدول الموقعة على الاتفاقية العمل على توفير حماية ومرافقة مناسبة لاسترجاع هويته، وهو الأمر الذي لا يتم مع الأطفال المتخلى عنهم في تلك الصناديق.

لكل ماذكر، لا ينبغي على الفرد العاقل رجلا كان أو امرأة أن يسمح لنفسه بالتجرد من الحس الإنساني والتدني إلى المستوى الحيواني، و يجعل من جهازه التناسلي محركا لعقله،بل يجب أن يتحقق لهذه العلاقة من القدسية ما تستحق.


[i]صناديق الأطفال هي عبارة عن صناديق تجدها في مدخل الكنائس أو المستشفيات أو بالقرب من مباني البلديات..عبارة عن خزائن زجاجية بداخلها سرير ذاتي التسخين مزود بكاميرا وجهاز إنذار مرتبط بأقرب مركز للعلاج، موضوعة رهن إشارة من يرغب في التخلي عن الأطفال.

معلومة منقولة من الموقع الإلكتروني للجزيرة https://www.aljazeera.net/news/international/2012/6/12

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)