أيت الشيخ محمد : الإحسان العمومي بين النص و الممارسة

محمد اهتوت : استقلالية القضاء و مسؤولية القضاة في الصكوك والمواثيق الدولية والإقليمية

موسى بن داود : المساطر المؤطرة لصعوبات المقاولة على ضوء القانون 73.17

30 أغسطس 2018 - 4:32 م المنبر القانوني , تحت الواجهة
  • حجم الخط A+A-
  • من إعداد : الطالب الباحث موسى بن داود / ماستر القانون المدني و الأعمال.

 بعد أن أضحت الحاجة إلى إصلاح جذري للمنظومة التشريعية للمساطر الجماعية صادق مجلس النواب مساء يوم 09 أبريل 2018 بالإجماع على مشروع قانون رقم 73.17[1] القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة، حيث حاول المشرع من خلاله إدخال تعديلات جوهرية شملت الجانب الشكلي وكذا الموضوعي لهذا الأخير.

      ومما لا شك فيه أن التعديلات المتواترة التي سنها التقنين المغربي بدءا بنظام الإفلاس، ومرورا بالكتاب الخامس من مدونة التجارة، إلى غاية صدور هذا القانون – 73.17 – ودخوله حيز التنفيذ، فقد قطع المشرع أشواطا هامة في سبيل إنجاح مسلسل الإصلاح التشريعي ببلادنا.

وفي كل مرة يحاول سد الثغرات والنواقص التي غالبا ما يكشفها العمل القضائي من خلال التطبيق والممارسة، محاولا بذلك تحريك عجلة الإستثمار وجعله كمحطة رئيسة لإقرار مناخ أعمال محفز وقادر على الرفع من جاذبية بلادنا لمسايرة النمو الاقتصادي الوطني والدولي والتنافسية التي تفرضها إكراهات العلاقات التنافسية بين البلدان للتشجيع على الإستثمار وجلب المستثمرين.

وهذه الإصلاحات المتواترة رغم لزومها نظرا للتطور الذي يعرفه مجال المال والأعمال، إلا أنها إن دلت على شيء فإنها تدل على فشل القوانين التي سبقتها. فنظام الإفلاس[2] اتسم بطابعه العقابي تجاه التاجر والمقاولة التجارية. وبالتالي كان التاجر والمقاولة التجارية موضع إهتمام، مهما كانت الأسباب التي دفعتهما إلى التوقف عن الأداء، سواء كان هذا الدافع موضوعيا خارجا عن إرادتهما أو ذاتيا. حيث يتم الإقصاء من ممارسة النشاط التجاري وتغل يد التاجر والمقاولة على إدارة أموالهما والترف فيهما. كما أن التاجر يكون معرضا للحجر عليه، فتبطل معاملاته وتصرفاته القانونية التي يعقدها قبل فترة معينة من إشهار إفلاسه – فترة الريبة – وبالتالي كان يجرد من حقوقه المدنية والسياسية والشرفية، بالرغم من أنه يكسبها بناء على صفة المواطنة، كما أنه يحرم من حق الدفاع عن ممتلكاته والتقاضي بشأنها، وهذا خرق سافر للمواثيق الدولية التي تجعل هذا الحق من الضمانات الأساسية التي يجب منحها للأفراد[3].

ومرورا بالكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بإجراءات الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة التي جاءت مواكبة لصدور ترسانة قانونية لمجمل القوانين المرتبطة بميدان الأعمال خاصة قانون الشركات[4]. وعلى الرغم من أنها جاءت بمقتضيات جديدة ومختلفة بشكل جذري عن أحكام وفلسفة نظام الإفلاس الملغى والمتمثلة في إنقاد المقاولة المتعثرة والتي تواجه صعوبات اقتصادية أو قانونية أو مالية قد تهدد استمراريتها، إلا أن مجموعة من النواقص والاختلالات انتابتها بالخصوص على مستوى التفعيل والتطبيق، سواء على مستوى التسيير الداخلي للمقاولة ومعاملاتها مع الأغيار ونقصد هنا عقلية المسيرين وتصوراتهم حول نظام مساطر صعوبات المقاولة، وكذا على مستوى العمل القضائي بالمحاكم التجارية. مما دفع المشرع المغربي إلى إصدار القانون 73.17 محاولا اتباع بعض السبل الجديد للرصد المبكر للصعوبات التي قد تعترض المقاولة. فما هي أهم المستجدات التي جاء بها هذا القانون؟ وكيف تعامل المشرع مع مصالح المقاولة وكتلة الدائنين؟ وهل سيتمكن من معالجة الاشكالات المطروحة في المساطر الجماعية؟    

مقال قد يهمك :   رهانات الاصلاح الجبائي بالمغرب

أولا : أهم المستجدات التي جاء بها القانون 73.17

  • منح صلاحية القيام بجميع الإجراءات المتعلقة بمساطر صعوبات المقاولة بطريقة إلكترونية حسب الفقرة الأخيرة من المادة 545، وهذا دليل على إصرار المشرع المغربي على مواكبة التطورات التكنولوجية لتسهيل الإجراءات وتحقيق السرعة التي يتطلبها الميدان الأعمال.
  • تطوير آليات الرصد المبكر للصعوبات التي تعترض المقاولة، وذلك من خلال إعادة صياغة وتأهيل مساطر الوقاية من الصعوبات وتدقيق بعض المصطلحات المتعلقة سواء بمسطرة الوقاية الداخلية أو الخارجية في سبيل الرفع من فعاليتها وجاذبيتها. وذلك من قبيل استبدال كلمة “التسوية الودية” بكلمة “المصالحة” درءا لكل لبس مع مسطرة التسوية القضائية (المادة 551).
  • إقرار مبدأ استفادة الكفلاء من وقف المتابعات الفردية كما هو الشأن بالنسبة للمقاولة المدينة[5].
  • على مستوى مسطرة المصالحة، منح المشرع لرئيس المحكمة في حالة عدم تنفيذ الاتزامات الناجمة عن ابرام الاتفاق بموجب أمر غير قابل للطعن، بفسخ هذا الاتفاق وسقوط كل آجال الأداء الممنوحة حسب المادة 559.
  • إحداث “مسطرة الإنقاذ” التي تعد من أهم مستجدات هذا القانون، وذلك بإعطاء رئيس المقاولة الحرية في طلب سلوكها في سبيل تجديد الثقة في هذا الأخير وذلك باحتفاظه بكافة صلاحيات التسير للقيام بالإجراءات الكفيلة لرصد الصعوبات التي تعترض المقاولة قبل التوقف عن الدفع (المادة 560 وما يليها).
  • تعزيز دور الدائنين وذلك من خلال تحسين وضعهم في المسطرة، وتعزيز حقهم في الإعلام خلال كافة مراحلها، وكذا ضمان تمثيلية للدائنين في مسطرة التسوية القضائية عبر إحداث هيئة تمثيلية لهم، من خلال التنصيص على تشكيل جمعية للدائنين[6] وتحديد شروط تشكيلها، تأليفها، إنعقادها، وصلاحياتها (المادة 606 وما يليها).
  • إعطاء تعريف جديد للتوقف عن الدفع موافقا لما استقر عليه الإجتهاد القضائي سواء المغربي أو المقارن (الفقرة الثانية من المادة 575).
  • تعزيز حقوق الأجراء باعتبارهم أهم شريحة داخل المقاولة، إذ أن هذا القانون وضع ضمن أولوياته تحسين الوضع القانوني الهش للأجراء في المقاولات التي تعاني من الصعوبات من خلال التنصيص على مجموعة من المقتضيات المهمة[7].
  • الرفع من نجاعة التصفية القضائية، وذلك من خلال إعادة صياغة بعض المواد وكذا التنصيص على إمكانية إعادة فتح مسطرة التصفية القضائية بطلب من كل ذي مصلحة وبموجب حكم معلل كلما تبين أن هناك أصول لم يتم تحقيقها، أو دعاوى لم تباشر لفائدة الدائنين ومن شأنها إعادة تأسيس أصول المقاولة (المادة 651 ما يليها).
  • الانفتاح على البعد الدولي للمسطرة، وذلك من خلال التنصيص على “مساطر صعوبات المقاولة العابرة للحدود” والتي تهدف بالدرجة الأولى حسب المادة 768 إلى ما يلي:
  • تسهيل تعاون المحاكم المغربية مع المحاكم الأجنبية المعنية بمساطر صعوبات المقاولة؛
  • تعزيز الأمن القانوني في مجالات التجارة والاستثمار العابرة للحدود؛
  • إدارة مساطر صعوبات المقاولة العابرة للحدود إدارة منصفة وناجعة بالشكل الذي يحمي الدائنين والأطراف الأخرى بما فيهم المدين؛
  • حماية وتثمين أصول المدين؛
  • تسهيل إنقاذ المقاولات المتعثرة ماليا بما يوفر الحماية للإستثمار ويحافظ على فرص الشغل.
مقال قد يهمك :   الحماية القانونية للحقوق الفردية للأجير عن بعد

ثانيا : أبرز الإشكالات المطروحة على مستوى المساطر الجماعية

إن مساطر صعوبات المقاولة كشفت عن مجموعة من الاختلالات على مستوى التطبيق والتفعيل، مما يستدعي إيجاد مقاربة قانونية متعددة التوجهات، وجل هذه الإشكالات تستشف من العمل القضائي بالمحاكم التجارية، لذلك تنتابنا مجموعة من النقط التي يجب الوقوف عليها.

فمن جهة نجد على أن جل المقاولات التي تدخل غمار المساطر الجماعية تنتهي بالتصفية القضائية. فأين يكمن الإشكال؟ هل في القانون؟ أم في الأشخاص؟

وما يؤكد هذا الطرح هو أن مجمل الأحكام والقرارات التي صدرت عن المحاكم التجارية بخصوص مساطر صعوبات المقاولة لا يتم اللجوء إلى طلب تطبيقها من طرف المسيرين إلا بعد التوقف عن الدفع. فما هي الدوافع التي تجعل المسيرين داخل المقاولات لا يلجأون إلى طلب فتح مساطر الوقاية من الصعوبات؟

وهذا يدل على غياب الوعي لدى المسيرين داخل المقاولة بأهمية مسطرتي الوقاية سواء الداخلية أو الخارجية وضرورة تفعيلها.

ومن جهة أخرى فإن الاقتباس من التشريع الفرنسي كتشريع مقارن، له مساوئه. “فالإشكال ليس في الاقتباس في حد ذاته وإنما في تجويد النصوص القانونية وملاءمتها مع الواقع المغربي” أو بتعبير آخر “بالمناخ الاقتصادي المغربي”، بحيث نجد عقلية المستثمر المغربي تختلف على عقلية المستثمر الفرنسي من عدة زوايا. أبرزها أننا في المغرب لا زلنا نعاني من إشكالية الفصل بين الذمة المالية للشركة، والذمة المالية للمسير –مبدأ إستقلال الذمم– وهذا من ضمن الاختلالات التي قد تؤدي إلى المساس بالذمة المالية للشركة وبالتالي مواجهة صعوبات قد تؤول بها إلى التوقف عن الدفع.

ولربما هذه من ضمن الدوافع التي دفعت بالمشرع المغربي إلى إصدار القانون 73.17 الذي نسخ وعوض بموجبه الكتاب الخامس من القانون 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، محاولا تجاوز هذه الإشكالات للرفع من نجاعة مساطر صعوبات المقاولة وإيجاد سبل جديدة لتحسين مجال المال والأعمال، وتأسيس أرضية ملائمة لتطوير المناخ الاقتصادي ببلادنا.

مقال قد يهمك :   رسالة : ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بين محدودية النص القانوني و العمل القضائي

فالمشرع المغربي بعد أن رجح مصالح الكتلة الدائنة على حساب المقاولة في نظام الإفلاس، فقد حاول من خلال الكتاب الخامس من مدونة التجارة قلب الموازين، وذلك بترجيح مصلحة المقاولة على مصلحة الدائنين. ومن خلال القانون 73.17 يمكن القول أن “المشرع المغربي ولأول مرة حاول جاهدا إقامة التوازن بين مختلف المصالح المتداخلة لاسيما بين كتلة الدائنين من جهة والمقاولة من جهة أخرى”. ومن هذا المنطلق لا يمكن الجزم بخصوص القانون 73.17 إلا بعد تطبيقه وتفعيله على أرض الواقع.


المراجع المعتمدة : 

  • نور الدين لعرج – مساطر صعوبات المقاولة – مطبعة سليكي أخوين – طنجة – الطبعة الأولى 2016.
  • وزارة العدل – مذكرة تقديم القانون 73.17.
  • كلمة السيد وزير العدل الأستاذ محمد أوجار بمناسبة تقديم مشروع قانون رقم 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون 15.95 المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة.
  • القانون رقم 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة.

الهوامش : 

[1]  – الجريدة الرسمية عدد 6667 بتاريخ 6 شعبان 1439 الموافق ل (23 أبريل 2018).

[2]  – ظهير 12 غشت 1913.

[3]  – نور الدين لعرج – مساطر صعوبات المقاولة – مطبعة سليكي أخوين – طنجة – الطبعة الأولى 2016 – ص: 6.

[4]  – القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة والقانون 5.96 المتعلق بباقي الشركات.

[5]  – وزارة العدل – مذكرة تقديم القانون 73.17.

[6]  – كلمة السيد وزير العدل الأستاذ محمد أوجار بمناسبة تقديم مشروع قانون رقم 73.17 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون 15.95 المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة.

[7]  – عرض وزير العدل بمجلس النواب – أشير إليه سابقا.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)