إجراءات التبليغ و التنفيذ في العمل القضائي : دراسة مقارنة(pdf)

رسالة جامعية حول الحقوق و الحريات في الدستور المغربي

نص مرافعة الهيني أمام المحكمة ببراءة الصحافي حميد المهدوي

16 نوفمبر 2018 - 2:34 ص في الواجهة , متفرقات قانونية
  • حجم الخط A+A-

إن متابعة مؤازري وزميلي الصحافي المهدوي عن عدم التبليغ عن جريمة تمس أمن الدولة هي متابعة غير قانونية وغير شرعية وغير جدية وغير منصفة وغير ملائمة، إنها ببساطة تتعلق بجريمة خيالية ومستحيلة الوقوع والتحقق ويحق تسميتها بمتابعة “الذبابة روسية الصنع”.

وحيث كتمهيد للمرافعة نعتبر أن من أهم أسباب براءة الصحافي المهدوي قبل الغوص في عمق الموضوع الجواب عن تساؤل مشروع ما الغاية من التبليغ؟ وإذا تحققت الغاية، فهل تصح مساءلة المؤازر؟

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين :

لقد التقطت المكالمة وقامت السلطات بواجبها أمنيا وقضائيا في معرفة الجرم المدعى به وصاحبه المعتوه، فهل سيبلغ المهدوي صاحب فرض كفاية السلطة نفسها التي لها علم بموضوع التبليغ، مع أن الأصل في التبليغ هو تبليغ من لا يعلم وليس من يعلم وقام بواجبه المعتبر فرض عين في الوقاية من الجريمة، إذن الجواب هو أن تجريم عدم التبليغ مرتبط بعدم علم السلطات بالشيء الواجب التبليغ عنه ومتى قام علمها انتفى ركن التجريم عن الأشخاص العاديين، وبالتالي فمادام أن المكالمة اطلعت عليها السلطات الأمنية والقضائية وعلمت بها، فلا جدوى إذن من تبليغ الصحافي المهدوي ولا موجب لمتابعته أصلا.

سيدي الرئيس، إليكم عناصر ومنهجية المرافعة ؟

  • أولا: مقابلة بين الفصلين 209 و264 من القانون الجنائي على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي
  • ثانيا: العناصر التكوينية للفصل 209 من القانون الجنائي
  • ثالثا: جريمة عدم التبليغ عن المس بأمن الدولة جريمة قصدية وفقا للقانون واجماع الفقه
  • رابعا: أهلية المتهم لفحص عناصر الجدية أو الهزل في المخطط الإجرامي
  • خامسا: صفة المتهم كصحافي وسوابقه مع القضاء لنفي المسؤولية الجنائية عنه
  • سادسا: قرائن التدليل على انتفاء الركن المادي والقصد الجنائي
  • سابعا: مرافعة النيابة العامة تبرئ المتهم وتقر بانعدام القصد الجنائي لديه
  • ثامنا: عدم تقديم الدولة لمطالبها تبرئ المتهم وتقر بانعدام القصد الجنائي لديه

أولا: مقابلة بين الفصلين 209 و264 من القانون الجنائي على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين :

حيث ينص الفصل 209 من القانون الجنائي على أنه “يؤاخذ بجريمة عدم التبليغ عن المس بسلامة الدولة، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من ألف إلى عشرة آلاف درهم، كل شخص كان على علم بخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بعقوبة جناية بمقتضى نصوص هذا الباب، ورغم ذلك لم يبلغ عنها فورا السلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية بمجرد علمه بها”.

وحيث ينص الفصل 264 من القانون الجنائي على أنه “يعتبر إهانة، ويعاقب بهذه الصفة، قيام أحد الأشخاص بتبليغ السلطات العامة عن وقوع جريمة يعلم بعدم حدوثها أو بتقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية أو التصريح لدى السلطة القضائية بارتكابه جريمة لم يرتكبها ولم يساهم في ارتكابها”.

وحيث إن الصحافي حميد المهدوي على إثر المكالمات الهاتفية التي تلقاها وكان دائما مستقبلا ولم يكن متصلا أو مبادرا اقتنع واعتقد اعتقادا صميميا بأن الشخص المشبوه إما أحمقا أو مجنونا لأنه يقول الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، بل وفي الدقيقة والثانية نفسها، على التفصيل الوارد أدناه في إثبات التناقض الفاضح والجلي الذي يمكن للقاصر غير المميز أن يلمسه، فأحرى بالشخص الراشد لم يشأ التبليغ عنها، لأنه كان بين نارين؛ أولاهما نار المتابعة بجريمة إهانة الشرطة القضائية بالتبليغ عن جريمة خيالية إن قام بالتبليغ عن المزاعم الخيالية التي لا يصدقها عاقل، وثانيهما بالمتابعة بعدم التبليغ عن جريمة تمس أمن الدولة كما حصل.

وحيث إن المحكمة بتقديرها وحنكتها وكفاءتها ستستطيع فك شفرة التداخل والمقابلة بين الفصلين والجريمتين، والتي لا شك أن تقصي العبارات والمضامين الواردة بالمكالمات الهاتفية سيجعلها تخرج بقناعة واضحة أنها تحمل مدلولا خرافيا وهلاميا يمنع التبليغ عنه لتفادي ازعاج السلطات العمومية بالتفاهات وبالتخاريف، وهو ما يحمي المتهم ويجعله محقا في عدم القيام بواجب التبليغ لأنه ليس هناك ما يستحق لغياب أي شروط موضوعية لخطط أو أفعال جدية تمس النظام العام وتعبث بأمن الوطن واستقراره

وحيث إن الاجتهاد القضائي وضع حدودا وفواصل للتبليغ الصحيح والواجب القيام به والتبليغ الباطل والواجب الامتناع عنه من خلال الخبر وصدقيته ومدى إمكانية توقعه من عدمه.

وهكذا اعتبرت محكمة النقض أن ادعاء المتهم أن شاحنة محملة باللحوم تحمل موادا متفجرة وتستهدف نسف السوق التجاري أسيما وطلبه حضور رجال الأمن يجعله مبلغا عن جريمة رغم علمه بعدم حدوثها على أرض الواقع يشكل ازعاجا لسلطات الأمن وإهانة في حقها “قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 4/4/2007 في الملف عدد 8198/06 منشور بمجلة الملف عدد 11 ص 286.

وحيث إن جريمة إهانة الضابطة القضائية بالبلاغ الكاذب تثبت بعدم صحة الوقائع الموشى بها

قرار محكمة الاستئناف بورزازات بتاريخ 31/7/2003 في الملف الجنحي عدد 963/03 منشور بمجلة الملف عدد 6 ص 341.

وحيث إن تأكد الصحافي حميد المهدوي بما يثبت كذب وزورية الوقائع موضوع المكالمات التأديبية يجعله معفى من واجب التبليغ عنها هديا على ما استقر عليه قضاء محكمة النقض ومحاكم الموضوع ويحتم الحكم بعدم مؤاخذته والتصريح ببراءته

ثانيا : العناصر التكوينية للفصل 209 من القانون الجنائي

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

وحيث إن العناصر التكوينية للجريمة تتمثل في:

1-العلم بخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال تمس بسلامة الدولة معاقب عليها بعقوبة جنائية

2-امتناع الشخص الذي كان على علم عن التبليغ عن هذه الخطط أو الاعمال بمجرد علمه بها إلى السلطة المختصة

3-النية الجرمية

وحيث إن المحكمة بتفحصها للمكالمات لن تجد أي أثر لأي خطط أو أفعال وإنما فقط أقوال ضاربة في المبالغة والافتراض والتناقض لا يمكن الوثوق بها من لدن أي شخص مميز فأحرى راشد، فالمشرع الجنائي إذن لا يعاقب عن مجرد عدم التبليغ المجرد وإنما عن عدم التبليغ الموصوف المرتبط بالخطط والأفعال.

وحيث إن تعبير المشرع بالخطط والأفعال كان ذكيا جدا لأنه إشارة لبدء الأعمال التحضيرية للمس بأمن الدولة، لذلك فلا عبرة للأقوال الزائفة ولا للكلام غير المسند بأي دليل تحضيري أو عزم مادي

وحيث إن المشرع حينما يريد إدخال الأقوال للأفعال المادية يعبر عنها بشكل صريح كما هو وارد في العديد من الفصول في القانون الجنائي لا تقع تحت حصر.

وحيث إن استثناء المشرع للأقوال من عناصر الفعل المادي للجريمة يعني بداهة إقصاءها وعدم اعتبارها كجريمة أن ظلت فقط حبيسة القول، ولم تتحول إلى أفعال قابلة للتنفيذ بخطط وأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها.

وحيث يستخلص تبعا لذلك من خلال الوقوف على وقائع النازلة انعدام أي مخطط أو أفعال يستوجب التبليغ مما يكون معه الركن المادي للجريمة منتفيا.

ثالثا : جريمة عدم التبليغ عن المس بأمن الدولة جريمة قصدية وفقا للقانون واجماع الفقه

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

حيث إن جريمة عدم التبليغ عن المس بأمن الدولة جريمة قصدية وفقا للقانون وإجماع الفقه، سواء المغربي أو المقارن، ولا يوجد أي فقيه لا مغربي ولا أجنبي يقول بخلاف ذلك ويعتبرها جريمة شكلية تتحقق بمجرد عدم التبليغ.

وحيث إن المشرع الجنائي عبر عن القصد الجنائي بالعلم وهو اتجاه الإرادة إلى ارتكاب الفعل الجرمي عن بينة واختيار وتبصر.

وحيث إن العلم في مفهوم الفصل 209 من القانون الجنائي يجب أن يتعلق بالخطط والأفعال وليس فقط بالعلم المجرد، أي الاقوال، أي يجب أن يكون المتهم عالما أنه أمام مشروع ومخطط إجرامي وأفعال.

وحيث إنه لا دليل بالملف على أن المتهم كان على علم بأي خطط أو أفعال وإنما فقط بأقوال مجردة لا دليل على صدقيتها ومشروعيتها وارتباطها بمشروع إجرامي حقيقي وموجود وقابل للتنفيذ.

وحيث إن القانون والفقه والقضاء أجمعا على أن جريمة المس بأمن الدولة جريمة قصدية يتطلب فيها القصد المعنوي فكيف أن الجريمة الأصلية يتطلب فيها القصد وجريمة التبليغ الناتجة عنها لا يتطلب فيها القصد؟

وحيث إن الفقه أجمع على أن جريمة المس بأمن الدولة جريمة عمدية، فإلى جانب الركن المادي فيها يلزم توافر الركن المعنوي، وهو يتحقق إذا أتى الجاني النشاط الإجرامي المكون للركن المادي فيها عن علم وإرادة وبقصد تحقيق وتنفيذ الجريمة.

وحيث اعتبر الأستاذ عبد الواحد العلمي أن “الجريمة جريمة عمدية، وعليه فإلى جانب الركن المادي فيها يلزم توافر الركن المعنوي، وهو يتحقق إذا أتى الجاني النشاط الإجرامي المكون للركن المادي فيها عن علم وإرادة بقصد تحقيق أحد الأهداف المعاقب عليها جنائيا”، مؤلف شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، الطبعة التاسعة 2018ص 51 و57.

وحيث أكد الأستاذ أدولف رييولط في الاتجاه نفسه أن “النية الاجرامية عنصر من العناصر التكوينية للجريمة”، القانون الجنائي في شروح، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية بالمعهد الوطني للدراسات القضائية، الطبعة الثانية 1997 ص 248.

وحيث استقر فقه القضاء الفرنسي على أن القول والخطب والكتابات لا تعد من قبيل أعمال التنفيذ، وهو نفس موقف فقه القضاء في تونس؛ إذ جاء في إحدى قرارات أمن الدولة “إنّ مجرد إبداء آراء مضادة بطريقة نشرات شديدة اللهجة… لا تعتبر قانونا من الأعمال التحضيرية للنيل من سلامة الدّولة”، فهذه الأعمال لا يقوم لها كيان مادي إلا بتواجد فعل مادي من أفعال القوة يعوّل عليه في البدء بالتنفيذ المفسّر بإنجاز عمل في الركن المادي للجريمة أو إتيان عمل آخر يؤدي إليه أحيانا.

وحيث اعتبر أستاذنا الخمليشي أن “التبليغ هنا لا يكون واجبا إلا عند شروع الجاني على الأقل في تنفيذ الجريمة، فلا تتحقق جريمة عدم التبليغ إذا كان الجاني ما يزال في مرحلة التحضير والإعداد للتنفيذ، وكل ما يمكن أن يوضع من قيود على تطبيق المادة 209 هو أن وجوب التبليغ مرتبط بالعلم بكون الخطة أو الأفعال تهدف فعلا إلى ارتكاب جناية ماسة بأمن الدولة، وهذا يتطلب التأكد واليقين من عزم المبلغ عنه على مواصلة نشاطه إلى النهاية، ولا يستخلص هذا اليقين عادة إلا إذا كان الفاعل قد تخطى مرحلة التردد ووضع خطة نهائية ومفصلة للتنفيذ أو قطع مرحلة مهمة في إنجاز الأفعال المادية لإعداد تنفيذ الجناية بحيث يبدو التنفيذ في كلا الحالتين أمرا حتميا ووشيك الوقوع، فالغاية من فرض التبليغ تحت طائلة الجزاء الجنائي هي الحيلولة دون تنفيذ الجنايات المخطط لها، ولذلك لا يؤاخذ الشخص بعدم التبليغ إلا إذا كان متيقنا من عزم وتصميم الفاعل على التنفيذ.

مقال قد يهمك :   غضبة وسيط المملكة : الإدارات تتهرب من تنفيذ أحكام صادرة باسم جلالة الملك والداخلية في المقدمة.

وقاضي الموضوع هو الذي يستقل بتقدير ما إذا كان المتهم بعدم التبليغ قد تكون لديه الاعتقاد بتصميم الفاعل على التنفيذ أم لا، وهو يعتمد في ذلك معيارا ذاتيا مراعيا الظروف الشخصية للمتهم ومستوى تصوره للأمور، وظروف وملابسات علمه بالخطة أو الأفعال الهادفة إلى إعداد التنفيذ.

ويضيف أستاذنا الخمليشي أن هناك صعوبة تمييز بين ما يجب عليه التبليغ عنه من الخطط والأفعال وبين ما لا يلزم بالتبليغ عنه من أقوال وأحاديث عارضة قد لا يتأكد من مدى جدية صاحبها فيما يقول ويروي.

وحيث لقيام جنحة عدم التبليغ، كما يؤكد أستاذنا الخمليشي، أنه يتعين حصول العلم بالخطة والأفعال الهادفة إلى ارتكاب جناية فلا يكفي الشك والشبهات، أو سماع إشاعات مهما تكن قوة رواجها.

والعلم اليقين يحصل عادة بتلقي المعلومات من صاحب الخطة أو الأفعال مباشرة، ولذلك من صاحبها رأسا ودون واسطة.

ونرى أن الأمر موكول إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع الذي عليه في جميع الأحوال أن يحكم بالأدلة إلا إذا اقتنع وجدانه بأن المتهم تأكد بصورة قاطعة من وجود النشاط الهادف إلى ارتكاب الجناية وأن الفاعل صمم وعقد العزم على التنفيذ.

وفي حالات أخرى كثيرة تقوم أمام القاضي صعوبة كبيرة في إسناد الامتناع عن التبليغ إلى إرادة واختيار الشخص والى السبب الأجنبي الذي يدعيه، ومن أمثلة ذلك أن يعلل المتهم عدم قيامه بالتبليغ بالخوف من الانتقام وإن لم يوجه تهديد صريح به، أو بعدم كفاية الحجج المثبتة لما يبلغه فيخاف تعريض نفسه للمتابعة بالوشاية الكاذبة أو بعدم تأكده من مدى تصميم الفاعل على تنفيذ الجناية.

ولا شك أنه في مثل هذه الحالات يصعب عليه أن يرجع إلى تطبيق القواعد العامة، وهذه القواعد تقضي من جهة بتحمل النيابة العامة عبء إثبات عناصر الجريمة، فهي التي تثبت أن عدم التبليغ كان إراديا، فإذا عجزت عن الإثبات تعين الحكم بالبراءة، ولا يكلف المتهم بإثبات السبب الأجنبي.

ومن جهة ثانية ثابتة، فإن القاضي إذا لم يقتنع وجدانيا ولم يطمئن ضميره لادعاءات كل من النيابة والمتهم، طبّق المبدأ الذي يقول: “الشك لمصلحة المتهم”، فيحكم بالبراءة لفائدة الشك.

والخلاصة أن القاضي لا يحكم بالإدانة إلا إذا تأكد وبصورة يقينية أن عدم قيام المتهم بالتبليغ راجع إلى إرادته واختياره، وليس إلى أسباب غير إرادية”.

للمزيد من التفصيل الرجاء مراجعة: محمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، الجزء الأول، نشر وتوزيع مكتبة المعارف بالرباط ص 104 وما يليها.

وحيث يستخلص من موقف الفقيه الخمليشي أنه “لترتيب جزاء ضد متهم بعدم التبليغ حول المس بسلامة الدولة ينبغي أن يكون المتهم على علم بالخطة المهيأة وبالغاية المحددة التي تهدف إليها الخطة”، فمتى كان المؤازر على علم بخطة؟ لأنه لم يكن سوى على علم بمزاعم متناقضة من قبيل السلاح والدبابات؟ وفي الوقت نفسه الدعوة إلى السلمية؟ مزاعم لا يجمع بينها رابط من قبيل أنه يثق في الملك ويسعى إلى جعل الزفزافي حاكما وجعل المهدوي رئيسا على الشعب الريفي؟ هل الغاية المحددة هي الحرب أم السلمية؟ هل الغاية المحددة هي جعل الزفزافي حاكما أم الثقة في الملك أم جعل المهدوي رئيسا على الريف؟ هل هناك غاية محددة في كلام المشبوه، ألا يؤكد الدكتور الخمليشي على أن القواعد العامة للمسؤولية لا تسمح بمساءلة المهدوي إلا إذا كان متيقنا من الهدف المحدد الذي يقصده الجاني أي المشبوه الذي اتصل به؟ ثم ألا يؤكد الدكتور الخمليشي على أن وجوب التبليغ مرتبط بالعلم بكون الخطة والأفعال تهدف فعلا إلى ارتكاب جناية ماسة بأمن الدولة، وهذا يتطلب التأكد واليقين من عزم المبلغ على مواصلة نشاطه إلى النهاية ولا يتم ذلك إلا إذا كان الفاعل قد تخطى مرحلة التردد ووضع خطة نهائية ومفصلة للتنفيذ أو قطع مرحلة مهمة في إنجاز الأفعال المادية لإعداد تنفيذ الجناية؟

وهنا نتساءل مع محكمتكم الموقرة السيد الرئيس انظروا إلى مضمون المكالمات كيف جاءت صياغتها، حيث المكالمة الأولى والثانية فيها حديث عن العنف ولكن المكالمة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة لا حديث فيها أبدا عن أي عنف، بل فيها انقلاب كلي على مضمون المكالمة الأولى والثانية؟ ثم ألا يؤكد الدكتور الخمليشي على أنه لا يؤاخذ الشخص بعدم التبليغ إلا إذا كان متيقنا من عزم وتصميم الفاعل على التنفيذ؟ فهل بين أيديكم السيد الرئيس المحترم ولو قرينة واحدة توحي بأن المؤازر متيقن من عزم المشبوه على تنفيذ ما يستحيل تنفيذه؟ هل هناك طرافة أكثر من إعلان الحرب عن طريق شراء الأسلحة وإدخال الدبابات بحسب زعم الشبح وبعد اثنى عشر دقيقة تتبخر هذه الأسلحة وهذه النوايا وتصبح السلمية هي الحل؟ ثم ألا يؤكد الدكتور الخمليشي في المؤلف نفسه على ضرورة أن يكون عدم التبليغ إراديا واختياريا ونابعا من رغبة شخصية، والحال أن عدم تبليغ المؤازر بما جاء على لسان الشبح لم يكن إراديا واختياريا ونابعا من رغبته الشخصية، بل نابعا من أسباب موضوعية قاهرة أولها مخاوفه من أن يقع تحت طائلة مقتضيات الفصلين 264 و445 من القانون الجنائي وتقديم أدلة زائفة والوشاية الكاذبة، كما ترتبط الأسباب بتفاهة ما بلغ إلى علمه.

وحيث يجدر التساؤل هل كان المشرع غافلا أن يضيف عبارة صغيرة في مستهل هذا النص لتعفينا من هذا اللغط المجاني بإضافة مثلا عبارة “باستثناء جرائم أمن الدولة”، وبالتالي سيصبح الفصل 264 على الشكل التالي، “باستثناء جرائم أمن الدولة، يعتبر إهانة ويعاقب بهذه الصفة قيام أحد الأشخاص بالتبليغ عن وقوع جريمة خيالية أو تقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية”.

ثم أين يتموقع الفصل 264 في القانون الجنائي، ألم يأتي لا حقا عن الفصل 209، فما الذي يمنع المشرع من إضافة العبارة المفترضة أعلاه؟ ثم ألا تدخل جريمة التبليغ عن جريمة خيالية أو تقديم أدلة زائفة في باب الجرائم المرتكبة ضد النظام العام؟ ثم هل كان المشرع جاهلا أم غافلا ليضيف عبارة: “حتى لو بدت هذه الخطط والأفعال زائفة لمن علم بها”، في الفصل 209 من القانون الجنائي الذي سيصبح النص المفترض والمقترح على الشكل التالي: “يؤاخذ بجريمة عدم التبليغ عن المس بسلامة الدولة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل شخص كان على علم بخطط وأفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بعقوبة جناية ورغم ذلك لم يبلغ عنها فورا السلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية لمجرد علمه بها، حتى ولو بدت هذه الخطط والأفعال زائفة لمن علم بها”.

وحيث أكثر من هذا وذاك، هل كان المشرع قاصرا أم جاهلا أم غافلا، والمشرع في الأصل منزه عن العبث، عندما لم يفرض نصا صريحا يكون حجة على المؤازر وعلى غيره ضمن الباب الخاص بالجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي بأن يصيغ فصلا على الشكل التالي مثلا: “بالنظر لحساسية أمن الدولة وقدسيته، يلزم جميع المغاربة بالتبليغ عن أي خطط أو أفعال تمس أمن الدولة قد تبلغ إلى علمهم، وأنه لا حق لأحد في إخضاع ما يصله من خطط وأفعال إلى منطقه الخاص حتى ولو بدت له هذه الخطط والأفعال مجرد أدلة زائفة أو تلقاها في لحظة هزل”.

وحيث تبعا لذلك يكون دفع النيابة العامة بكون الجريمة شكلية ولا يتطلب فيها القصد غير مرتكز على أساس لا من القانون ولا من الفقه ولا من القضاء.

رابعا : أهلية المتهم لفحص عناصر الجدية أو الهزل في “المشروع” الإجرامي

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

حيث إن ما تعلل به قاضي التحقيق أو النيابة العامة من كون المتهم ليست له السلطة التقديرية لمعرفة إن كان الأمر يتعلق بخطط جدية للمس بسلامة المغرب الداخلية أم لا، قول غير سليم ولا يرتكز على أي أساس لا من القانون ولا من الفقه ولا من القضاء ولا من المنطق.

وحيث إن المسؤولية الجنائية تقوم على أن كل شخص مسؤول جنائيا عن أفعاله طبقا للفصلين 1 و13 من القانون الجنائي، فكيف إذن نفترض الأهلية في المتهم حين مساءلته جنائيا ولا نفترض الأهلية في تقديره لعناصر الجريمة ليس وفق تقديره هو للأمور ولكن وفق تقدير الرجل المتوسط الموجود في الظروف نفسها.

وحيث إن المشرع لو كانت نيته متجهة نحو إعدام السلطة التقديرية للمتهم وجعله ملزما بالتبليغ في جميع الأحوال لما قيد العلم بالخطط والأفعال وإنما بالعلم بالجريمة تحت جميع الظروف والأحوال، وبصرف النظر عن جديتها.

وحيث إن الحكم على عناصر الجدية أو الهزل في المشروع الإجرامي يرجع أولا إلى تقدير المتهم لأنه شخص كامل الأهلية ومسؤول جنائيا على أفعاله، وليس به أي عارض من عوارض الأهلية، وثانيا للمحكمة التي تعتمد معيار الرجل المتوسط الموجود في الظروف نفسها للحكم على صحة أو سلامة تصرف الصحافي المهدوي من عدمه.

وحيث إن أي شخص في نفس مستوى المهدوي ثقافة ومهنة لن يقوم إلا بما قام به المهدوي من تجاهل لتصريحات وأقوال البوعزاتي وعدم إعطائها أي اعتبار أو قيمة قانونية لأنها عبارة عن خرافات وأوهام مليئة بالتناقض والازدواجية في الشخصية وصادرة عن مريض وأحمق لا يعي ما يقوله.

مقال قد يهمك :   تنظيم التجزيء والتقسيم بالمجال القروي

وحيث إن القانون الجنائي والفقه الإسلامي يدعوان إلى التبين والتثبت وعدم التسرع في ووزن الأمور مصداقا لقوله الله تعالى:

“يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.

خامسا : صفة المتهم كصحافي وسوابقه مع القضاء لنفي المسؤولية الجنائية عنه

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

حيث إن المؤازر كصحافي مهني ومحترف يحكمه بالإضافة إلى المنطق القانوني، منطق أخلاقي يدعونا جميعا إلى عدم إزعاج المؤسسات الرسمية بالتفاهات وتضييع وقت مسؤوليها بما ثبت لدى المؤازر بعدم صحته بأكثر من دليل قاطع، وأما المنطق المهني بكونه صحافيا تلقى آلاف الأخبار الزائفة خلال مشواره المهني ولم يبادر إلى نشرها اعتقادا منه بعدم صحتها، بل كان أحيانا ضحية لمثل هذه الأخبار الزائفة بعد نشرها من قبيل انفجار سيارة في مكناس سنة 2015 أدين عنها من طرف المحكمة الابتدائية بمكناس، كما أدين من طرف ابتدائية الدار البيضاء بعد اتهامه بالتبليغ عن جريمة خيالية يعلم بعدم حدوثها، وكما يقول المغاربة في مأثورهم الشعبي: “لي عضو لحنش تيخاف من الشريط”.

وحيث إنه إذا كان المؤازر قد وثق في المشبوه فلماذا لم ينشر أخباره؟ كيف مصدر بهذا الحجم والأهمية وهو صحافي مهني مهمته نشر الأخبار ولم ينشر أخباره وعددها عشرون خبرا؟

وحيث يحق التساؤل هل يمكن أن ندين صحافيا فقط لأنه تلقى سبع مكالمات هاتفية تافهة؟ أو لأنه أطال الحديث في واحدة منها وهذا من صميم عمله الصحافي لأن الهاتف وسيلة لجلب الأخبار؟ هل يمكن السيد الرئيس المحترم أن ندين صحافيا فقط لأنه تلقى مزاعم خرافية بتزامن مع اضطرابات في منطقة ما ولم يبلغ عنها؟ وهل وجود اضطرابات شرط من شروط التبليغ، بما يعني أنه مع عدم وجود اضطرابات لا معنى للتبليغ ولا حاجة إلى التجريم والعقاب؟

وحيث سبق للمؤازر أن سألتموه أثناء الاستماع إليه أمام محكمتكم الموقرة، لماذا لم تحم نفسك عبر التبليغ؟ فقال لكم في إبانه وبالحرف، لا يمكن التبليغ عن مزاعم خرافية تبين له بالملموس والأدلة القاطعة من خلالها أنها مجرد مزاعم زائفة، فكيف يغامر بتقديم أدلة زائفة للسلطات وهو مهدد بمقتضيات الفصل 264 من قانون المسطرة الجنائية ومقتضيات الفصل 445 من القانون الجنائي الخاص بالوشاية الكاذبة؟

وحيث أكثر من هذا، هل يوجد نص قانوني يحصر مجال تحريات المؤازر كصحافي حول الأخبار التي يتلقاها؟ هل هناك نص في القانون الجنائي أو قانون الصحافة حصر مجال التحريات فقط بخصوص الأخبار التي تهم حياة خاصة أو أمن خاص؟ أم إن مسؤوليته في التحري كصحافي تشمل جميع الأخبار التي يتلقاها قبل نشرها؟ فإذا كان مجال تحرياته كمهني وصحافي محترف غير محصورة ويشمل حتى ما له علاقة بأمن الدولة وتبين له بالدليل المادي الملموس بعد التحريات زيف خبر ما يتعلق بأمن الدولة، فما جدوى التبليغ عنه؟ وهو لم ينشره على موقعه الإخباري؟

سيدي الرئيس المحترم، المؤازر مرة أخرى يتساءل معكم، هل هو نجار أم لحام أم خياط للملابس التقليدية؟ أليست مهنته هي نشر الأخبار، فكيف يبلغ عن شيء لم ينشره؟ وإذا لم يكن قد نشره فمعنى هذا أنه وقف على زيفه، فكيف يبلغ عن أخبار زائفة وهناك فصل في القانون الجنائي وهو الفصل 264 يحذره من مغبة تقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية للسلطات؟

وحيث الإعلام الحر والمستقل يضمن للمواطن الحق في الإخبار، هذا الحق يصنف في خانة الواجب على الصحافة فهي مثل كلب الحراسة، لا ينام ولا يغمض عينيه.

وحيث قررت الهيئة العامة للأمم المتحدة في أول اجتماع لها في 14/12/1946: “إن حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة”.

وحيث أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، والتماس الأنباء والأفكار وتلقيها، وبثها بأية وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود الجغرافية”، وفي الاتجاه نفسه أكدت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه:

1-لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.

2-لكل إنسان حق في حرية التعبير.

ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

وحيث أعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن حرية الصحافة تلزمها حماية خاصة كي تتمكن من أن تلعب الدور الحيوي المنوط بها، دور الحارس العام، ومن تقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام. وفي قضية “Lingens V. Austria” اعتبرت أن حرية التعبير تشكل واحدة من الحريات الأساسية في المجتمع الديمقراطي، ومن واجبها نشر المعلومات والآراء في القضايا السياسية وغيرها التي تهم المصلحة العامة.

وحرية الصحافة تقدم للجمهور واحدة من الوسائل لاكتشاف وتشكيل الرأي واتجاهات القادة السياسيين، لأن حدود النقد المقبول يكون أكبر عند تطبيقه على السياسيين بالمقارنة مع آحاد الناس.

وفي مصر كرس اجتهاد المحكمة الدستورية العليا قاعدة أنه من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها؛ إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها (القضية رقم 42 لسنة 1995).

وفي قضية أخرى اعتبرت أن “حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية-تلك الأفكار التي تجول في عقولهم، فلا يتهامسون بها نجيا، بل يطرحونها عزما–ولو عارضتها السلطة العامة-إحداثا من جانبهم بالوسائل السلمية لتغيير قد يكون مطلوبا، فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير.

قضية رقم 17 لسنة 1995، انظر: يحيى شقير: مقال المعايير والآليات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير، منشور بموقع https://yahiashukkeir.wordpress.com

وحيث إن كل هذا يدخل كله في نطاق العمل الصحافي المحمي الذي يعتمد أسلوب الاستقصاء والتحقيق والتحري وجمع الأخبار، وهي أجناس صحافية تنتمي للحقل الصحافي بدليل المادة الثانية من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر التي جاء فيها بقصد بمدلول هذا القانون:

“الصحافة مهنة جمع الأخبار أو المعلومات أو الوقائع أو التحري أو الاستقصاء عنها بطريقة مهنية قصد كتابة أو إنجاز مادة إعلامية مكتوبة أو مسموعة بصرية أو مصورة أو مرسومة أو بأي وسيلة أخرى كيفما كانت الدعامة المستعملة لنشرها”.

وحيث إن المؤازر لما كان المشبوه يهاتفه كان بصدد جمع الأخبار أو المعلومات في إطار عمله الصحافي، وهو شخص خبير في المجال الإعلامي بحكم التجربة التي راكمها طيلة عقد ونيف من الزمان حاور خلالها مسؤولين في الدولة وسياسيين وقضاة ومحامين وجميع فئات الشعب المغربي، ويملك بحكم ذلك حدسا كبيرا يخوله الحكم على أي شخص وتقييم أجوبته وتمييز الجد والهزل فيها.

سادسا : قرائن التدليل على انتفاء الركن المادي والقصد الجنائي

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

حيث إن قراءة مضمون المكالمات انطلاقا من محضر تفريغها يضعنا أمام قرائن ودلائل لا يشوبها أي شك أو ارتياب تفيد بقاطع انتفاء الركنين المادي والمعنوي للجريمة على النحو التالي:

*تناقض المشبوه مع نفسه وتضارب أقواله:

1-الجمع بين الصفة الحزبية والرغبة في اقتناء السلاح: جاء في المكالمة الأولى عند الساعة الحادية عشر و59 دقيقة صباحا في تصريح للمشبوه: “أنا شاري السلاح شرجيت كوفر كامل وسأدخل عبر سبتة وسنترك الحسيمة غارقة في الدماء”، قبل أن يعود المشبوه ليتحدث بصيغة الجمع مؤكدا أنه ينتمي رفقة أغنياء إلى حزب، وأنهم اجتمعوا وقرروا شراء دبابات من روسيا وسيقودونها إلى المغرب لإحداث ثورة بحسبه، وهنا وجه الكذب الأول؛ إذ كيف يعترف بأنه ينتمي إلى حزب يتطلب الأمر منه الانضباط إليه وفي الوقت نفسه يقول إنه بمبادرة فردية قام بشراء السلاح، وبأنه شحنه في الكوفر ثم يعود ليقول إنه اجتمع بأغنياء وقرروا شراء دبابات من روسيا وأنهم قدموا عربونا لروسيا، هل يقدم العربون لشراء الدبابات؟ هل يتعلق الأمر بشراء دبابات أم بشراء “بطانية”؟ ثم هل يمكن شراء الدبابات من روسيا خارج إطار الصفقات النظامية؟ وهل السلاح الكبير يباع للأشخاص أم للدول؟ وكيف يمكن إدخال الدبابات بحجمها وكبرها إلى المغرب؟

2-الثقة في المؤسسة الملكية مع الرغبة في إدخال السلاح للمغرب: تصريح المشبوه للمهدوي: “حنا الناس ديال الحسيمة فاقدين الثقة في الحكومة كنتيقو في الملك بوحدو”، هل يعقل أن يثق أحد في الملك وهو رمز وحدة الدولة بمقتضى الفصل 42 من الدستور ثم يفكر في شراء دبابات ويزحف بها إلى المغرب لتدمير الدولة التي يرأسها الملك الذي يثق فيه؟ قبل أن يعود المشبوه للاتصال به ويخبره بأن السلمية هي الحل، فأين السلاح إذا كانت السلمية هي الحل؟

3-تنصيب الزفرافي حاكما والمهدوي رئيسا على الشعب الريفي: هل هذه الحماقة تصلح للتبليغ عنها وهي وحدها تكفي لتبيان الخرافات والمزاعم التي كان يرددها المشبوه على المؤازر في المكالمات الهاتفية، والتي جعلت المؤازر ينتفض ويقول له بنبرة تهكمية: هادشي بزاف واش وصلنا حتى لهدشي، أنا راني وطني ومؤمن بالمؤسسات.

4-الاعتراف بوطنية الصحافي المهدوي مع إخباره بالرغبة في شراء السلاح: تصريح المشبوه في المكالمة نفسها بالحرف للمهدوي: “انت تتبغي مصلحة الشعب أنت فيك الروح الوطنية أنت مابغيش صداع للبلاد”، فكيف يعرف المشبوه بأنه صحافي يحب وطنه ولا يريد له الخراب ثم يخبره بأنه “شاري السلاح وسيشترون دبابات” لتخريب الوطن الذي يحبه الصحافي بحسب المشبوه دائما؟

مقال قد يهمك :   حكم تجارية البيضاء بفتح مسطرة الإنقاذ في مواجهة شركة طبقا للمادة 560 من مدونة التجارة

5-انقطاع مكالمة المشبوه المدعى ملياردير بسبب غياب الروشارج وعدم شحن الهاتف بالتعبئة: تأكد المهدوي أنه أمام أدلة زائفة خاصة حين أخبره المشبوه في المكالمة الأولى عند الساعة الحادية عشر و59 دقيقة من يوم 27 ماي بأنه ملياردير، بل أرشي ملياردير، حين قال: “أقسم لك يمينا أنا أرشي ملياردير و”تاجر مخدرات”، ثم انقطع الاتصال الهاتفي بينهما فجأة ودون إشعار، ومرت ست ساعات على هذه الواقعة قبل أن يعود المشبوه إلى الاتصال به عند الساعة السادسة و54 دقيقة من اليوم نفسه، فسأله “شكون معايا؟ فرد عليه “قبيلة تسالى الكريدي مكملتش معاك الهضرة، معاك الولد لي عيط ليك في الصباح”. فهل هناك ملياردير في العالم يحتاج ست ساعات ليوفر نقود تعبئة هاتفه؟ وهل هناك ثري في العالم قادر على شراء دبابات من روسيا والتخطيط للقيام بثورة وهو لا يملك روشارج هاتف؟

6-تقديم المشبوه نفسه للمؤازر بأنه تاجر مخدرات: فكيف سيضمن المشبوه ثقة المهدوي في شخصه وهو يصرح بأنه تاجر مخدرات في الوقت الذي يحاول فيه إقناعه بنشر خبر مشروع إجرامي يتعلق بإدخال الأسلحة؟ مما يبين بجلاء أنه كان أمام شخصية تتميز بالحمق والجنون.

7-عدم نشر الأخبار الزائفة التي تحدث عنها المشبوه خلال المكالمة الأولى، من قبيل إدخال الأسلحة من سبتة وشراء الدبابات.

8-رفض العنف، بتعبير المهدوي: “حنا مابغيناش ديك المصايب اللي ترجع بالضرر خصنا نخدمو عقلنا”.

9-رفض الإغراءات المالية حين حاول المشبوه محاولة إغرائه بالمال: “لا أنا مخصني والو أخويا، أنا مع الحراك كصحافي في حدود صحافي”، فرفض مجددا المال: “لا لا ماغنشد منك حتى درهم”، ثم أعاد معه الكرة للمرة الرابعة حين قال: “نقسم لك باليمين حتى نصيفط لك الفلوس”، فأجابه: “ماتجبدش معايا هاذ القضية يرحم ليك الوالد”.

10-رفض تمويل الحراك من الخارج

11-الكذب بشأن مكان تواجد الزفرافي وأنه سيخرج من مخبئه لتوجيه كلمة.

12-عدم علم المهدوي بأن المشبوه انفصالي وعدم إثبات ذلك: طريفة الطرائف تأكيد السيد قاضي التحقيق أن المشبوه “نور الدين” ينتمي “لحركة 18 سبتمبر الانفصالية” وهو ما أكده قرار الإحالة دون أن يقدم للمتهم ولا للمحكمة إلى اليوم أية وثيقة، سواء صوتية أو مرئية أو مكتوبة، يكون قد استند إليها عند التأكيد أن المشبوه ينتمي إلى “حركة 18 سبتمبر الانفصالية”.

13-وجود اضطرابات في منطقة الحسيمة لا يعني وجوب التبليغ: إن المشرع الجنائي لم يعتبر وجود اضطرابات أو قلاقل موجبا للتبليغ لأنه ببساطة لم يضعها كشرط لذلك، وهي لم تصل إلى المرحلة التي تحدث عنها المشبوه، مرحلة استعمال السلاح، حتى يؤاخذ المتهم عن عدم التبليغ عن ذلك.

14-تظاهر المهدوي بالثقة بالمشبوه: إن تصريح الصحافي حميد المهدوي للمشبوه بأنه يثق في بعض من كلامه في إحدى المكالمات الهاتفية دليل وقرينة على براءة المؤازر لأنه كان يهدف إلى اختبار قدراته العقلية والنفسية والكشف عن زيف ادعاءاته، بدليل أنه كان يقاطعه كل مرة لمحاولة معرفة ما إذا كان يعي ما يقول أم لا، ولما تأكد من حمقه وجنونه كان كلما عاود الاتصال به سأله: “شكون معايا”، وهي طريقة ذكية منه لإبداء التجاهل، بل وعدم الاحترام، وما يؤكد ذلك أن المشبوه يؤكد في إحدى المكالمات “أنه مشا لو عقلو”، فكيف نبلغ عمن يعترف ويقر بعظمة لسانه بأنه أحمق ومجنون.

15-المشبوه كان دائما هو المتصل فيما كان الصحافي حميد المهدوي دائما هو متلقي المكالمات: وهذا يكشف أن المؤازر كان دائم الشك في الشخص، وهذا عنوان عدم الثقة فيه، وعدم الانسياق أو الانجرار وراء تخاريفه.

16-نشر الصحافي المهدوي لخبر واحد للمشبوه من أكثر من 20 خبرا: وهذا الخبر كان يتعلق بالرغبة في استقرار منطقة الحسيمة أمنيا وبإيقاف الاحتجاجات، حينما نشر أن الزفزافي يطالب بإخلاء الساحة وإيقاف الاحتجاجات لمدة ثلاثة أيام، وكان دافع النشر بالنسبة للمؤازر هو المساهمة في التصدي لزرع فتيل الاضطرابات والأزمات بالنسبة للحسيمة رغم شكوكه بعدم صحة الخبر مادام أن الهدف نبيل.

17-الجريمة المطلوب التبليغ عنها ظلت بدون أفعال وأعمال تحضيرية وبدون نتيجة وبدون ضرر: لم يتم ادخال أي أسلحة للمغرب ولا دبابات ولا شيئا من الأكاذيب التي روج لها المشبوه في مكالماته الهاتفية مع المهدوي، مما ظلت مع المزاعم حبيسة فكر صاحبها، وبالتالي فليس هناك أي جريمة أصلا تستحق التبليغ ولم يقع أي اضطراب اجتماعي قد ينتج عنها، مما يبين بالملموس غياب أي مشروع إجرامي وأي فعل مادي، ما يتعين معه التصريح بعدم مؤاخذة المؤازر والتصريح ببراءته.

سابعا : مرافعة النيابة العامة تبرئ المتهم وتؤكد انعدام القصد الجنائي

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

حيث ستبقى جلسة 30 مارس 2018 خالدة في ذهن المؤازر مدى الحياة، حيث قام السيد الوكيل العام للملك وصرح علنيا بأن المشبوه نور الدين مجرد متعاطف متهور، بعدما ظل يقدمه في مرافعاته بأنه شخصية حقيقية تنتمي لحركة انفصالية، وله مزاعم إجرامية حقيقية، فما الذي تغير حتى أصبح مجرد متعاطف متهور، هل اقتنع السيد الوكيل العام للملك بتصريح المؤازر أمام مجلسكم الموقر، بدليل أنه حينما سألتموه هل من سؤال للمتهم أجابكم ولا سؤال، كيف يقول السيد الوكيل العام بأنه مجرد متعاطف متهور؟ والسيد قاضي التحقيق يقول بأنه ينتمي لحركة 18 سبتمبر؟ فمن نصدق: قرار الإحالة الصادر باسم جلالة الملك، أم التصريحات الصادرة عن السيد الوكيل العام باسم جلالة الملك؟

حيث أضاف السيد الوكيل العام للملك في مرافعته الأخيرة أن المؤازر حسن النية وأنه خانه حدسه ولم يحسن التقدير وأنه لا شك في مواقفه الوطنية وغيرته، وهي كلها مفردات تفيد بالقطع انعدام القصد الجنائي.

وحيث يتعين تبعا لذلك التصريح بعدم مؤاخذة المؤازر والحكم ببراءته.

ثامنا : عدم تقديم الدولة لمطالبها يبرئ المتهم وينفي القصد الجنائي

سيدي الرئيس السادة المستشارين المحترمين

حيث إن الدولة لم تقدم مطالبها المدنية ضد الصحافي حميد المهدوي، مما يعني صراحة أنها لم تتضرر من الجريمة المتابع بها لأنها غير ثابتة من الأصل، ما يتعين معه اعتبار هذا الأساس في انتفاء القصد الجنائي والتصريح تبعا لذلك ببراءة المتهم.

سيدي الرئيس، السادة المستشارين

حيث إن المؤازر صحافي وطني وملكي مؤمن بدولة الحق والقانون وباستقلال القضاء وبحيادكم ونزاهتكم واستقلاليتكم ومتشبع بثقافة حقوق الإنسان ومخلص لرسالته الإعلامية والصحافية مما جعله صحفيا مشهورا ورائدا بحكم الإضافة التي جعلت منه أحد الصحافيين المرموقين والمقتدرين في إطار صحافة القرب بالمغرب، حيث حاز على عدة جوائز وطنية ودولية، آخرها جائزة منظمة العفو الدولية.

حيث تنص المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:

(1) كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.

(2) لا يُدان أيُّ شخص بجريمة بسبب أيِّ عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكِّل جُرمًا بمقتضى القانون الوطني أو الدولي.

وحيث تنص المادة 9 الفقرة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن “لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني”.

وحيث تنص المادة 14 الفقرة 2 من المعهد نفسه على أنه “من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا”.

وحيث ينص الفصل 23 من الدستور على أنه “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.

قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”.

وحيث ينص الفصل 119 من الدستور على أنه “يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به”.

وحيث تنص المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية على أن “لكل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.

يفسر الشك لفائدة المتهم”.

وحيث ينص الفصل 120 من الدستور على أنه “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.

حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم”.

وحيث ينص الفصل 110 من الدستور على أنه “يتعين على القاضي أن يطبق القانون بصفة عادلة”.

وحيث ينص الفصل 117 من الدستور على أن “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”.

سيدي الرئيس، السادة المستشارين

-إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، أن اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ، أن اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا. الآية 58 من سورة النساء.

-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ أن اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. الآية 8 من سورة المائدة.

لهذه الأسباب :

نلتمس من محكمتكم الموقرة

سيدي الرئيس، السادة المستشارين المحترمين

التصريح أساسا بعدم مؤاخذة المؤازر و التصريح براءته لفائدة اليقين

و احتياطيا التصريح ببراءته لفائدة الشك

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)