الوسائل البديلة لفض المنازعات الاستهلاكية

تقاطع التدليس و النصب-نظرات مدنية بمقاربة زجرية- في أفق حماية جنائية للعقد على مستوى تكوينه

نقل الأشخاص بعوض في وسائل النقل البري “الطرقي والسككي “

17 فبراير 2022 - 11:38 م المنبر القانوني
  • حجم الخط A+A-

عبد الإله بن عبد المومن طالب باحث في ماستر الأمن القانوني للمقاولات والعقود

 مقدمة:

يعتبر عقد النقل البري للأشخاص من العقود البالغة الأهمية، وذلك بالنظر لكونه من عقود الخدمات التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية[1]  فهو يشكل عماد حياة الإنسان، كما أن أهمية نقل الأشخاص تفوق نقل الأشياء بسبب اتصال تنفيذ هذا العقد بجسم الراكب وحياته.[2]

ويعد النقل بمثابة الوعاء أو الواسطة في تنقل الإنسان من مكان لآخر[3]  فيما تشكل الناقلة الوسيلة التي يتم بها هذا النقل.

والنقل باعتباره من وسائل المواصلات، فهو بذلك يعد أحد الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها النشاط الاقتصادي في العصر الحديث.[4]

ويعد قانون العقود والالتزامت _ نقصد هنا الالتزامات بمختلف مصادره _ أكثر المجالات تطورا لمواجهة التقنيات الحديثة سواء تعلق الأمر بالمجال الصناعي والتكنولوجي أو بالمجال الرقمي[5]، هذه الحيوية التي أصبحت تطبع القانون لم تعد تستمد من صلب القانون ذاته كما كان يحصل في السابق عن طريق تطوير قواعد مبنية على أسس فلسفية ومنطقية أو أسس دينية وأخلاقية، بل أصبحت تستمد عن طريق الطفرة في المجال التكنولوجي والرقمي، فأصبحت بمثابة قوة أو طاقة خارجية تفرض نفسها سواء داخل النظرية العامة للعقد أو على الالتزامات بمختلف مشاربها، ومن تم أصبح القانون يلهث وراء تطور هذه الأخيرة من أجل مواءمة مقتضياته مع ما تتطلبه تلك الطفرة.[6]

فعقد النقل بما أصبح يوفره من وسائل حديثة للقيام بهذه العملية هو نتاج طفرة وثمرة التطور التكنولوجي المتزايد لوسائل المواصلات حيث أفرزت هذه الأخيرة عدة وسائل لتحقيق هذه الغاية من بينها القطارات والسيارات والطائرات. وبذلك أصبح النقل أكثر من أي وقت مضى وسيلة فعالة لتأمين تواصل الناس فيما بينهم وتقريب المسافات.

هذه الخاصية الأخيرة المتمثلة في تعزيز وسائل المواصلات وتعضيد سبل التواصل بين الناس ليست حكرا على وسائل المواصلات فحسب، بل تشترك معها فيها وسائل الاتصال الحديثة، خصوصا ما أصبح يقع عقب هذا التطور الهائل والمتسارع في المجال الرقمي لا سيما الكمبيوتر والأنترنت أو ما يعرف بالعالم الافتراضي.

لا شك أن خاصية تقريب المسافات تختلف بين المجالين، ففي مجال النقل والمواصلات يكون تقريب المسافات حاصلا بشكل فعلي واقعي، أما في العالم الرقمي فتقريب هذه المسافات يكون حاصلا بشكل افتراضي عن طريق الشبكة العنكبوتية.

ومن ثم قد يقول قائل بأن التشبيه محمود والتوسع في التفسير مذموم، وهذا القول الأخير إذا كان من الصعب نفيه من الناحية العملية في ظل الوقت الراهن فإنه من السهل إثبات عكسه من الناحية النظرية على الأقل.

ذلك أن هناك كثيرا من العقود والتصرفات والوقائع منذ زمن كان يصعب على المرء أن يتصورها خارج إطارها الواقعي، غير أن التطور المتسارع في المجال الرقمي فرض علينا واقع التعامل معها سواء تعلق الأمر بالعالم الافتراضي خاصة ما أصبح يعرف بعالم التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت أو بخدمات أصبحت تتم في العالم الرقمي عن طريق عدة ميزات أصبحت توفرها عبر الشبكة العنكبوتية، تجارة إلكترونية، مستخرجات ووثائق إدارية، أو حتى ما بات يعرف بالعقود الذكية التي تتم عن طريق لغة البرمجة، وإنترنت الأشياء.

ومن ثم إذا كان الإجماع حاصلا بيننا حول كون عقد النقل من العقود التي تستوجب الحضور الفعلي لكل من الناقل والراكب وحصول النقل بشكل واقعي، حق لنا أن نتساءل أو بالأحرى نفترض أيضا حول إمكانية قيام هذا العقد وتنفيذه بشكل افتراضي أو بالأحرى تصور صيغة أخرى يتم من خلالها هذا النقل على غرار عدة عقود أصبت محاكاتها تتم بصيغ أخرى فرضها التطور في الميدان التكنولوجي والرقمي.

وبين هذا وذاك، بين الواقع والافتراض، يقع التساؤل الجوهري، حول مدى استيعاب الأحكام والمقتضيات التشريعية التي سنها المشرع لعقد نقل الأشخاص بعوض في وسائل النقل البري، سواء  النقل الواقعي منه _ محال بحثنا ودراستنا _ أو الافتراضي _ الفرضية _ كما قدمنا، سواء من حيث الماهية أو من حيث تنفيذ العقد والآثار؟

وتتفرع عن هذا التساؤل الجوهري أسئلة فرعية تتمحور فيما يلي:

ماهية أنواع النقل البري للأشخاص بعوض، أطرافه ومجاله؟ هل يمكن تصور وجود عقد النقل خارج مجاله الفعلي الواقعي؟  وهل يمكن دمج الواقع بالافتراض لإيجاد صيغة جديدة للعقد؟

ماهي أهم التزامات أطراف عقد النقل أثناء وبعد تنفيذه؟

ومن أجل بحث هذا الإشكال الجوهري والأسئلة الفرعية المرتبطة به اتبعنا التصميم الآتي:

  • المبحث الأول: ماهية النقل البري للأشخاص بعوض
  • المبحث الثاني: تنفيذ عقد نقل الأشخاص بعوض ومسؤولية الناقل

المبحث الأول: ماهية النقل البري للأشخاص بعوض

لقد تطورت وسائل النقل بشكل كبير موازاة مع التكور الصناعي والتكنولوجي الذي عرفه هذا المجال، فبعدما كان التجار وعامة الناس في العصور القديمة يتنقلون وينقلون بضائعهم عن طريق الحيوانات والعربات المجرورة بواسطة هذه الأخيرة ، وأحيانا باستئجار خدمات الإنسان، فإن النقل في الوقت الحاضر أصبح يتم بوسائل متطورة وأكثر سرعة، مما جعل هذه الخدمة أكثر نجاعة في تلبية حاجات الناس مع ما يتطلبه عصر السرعة.

وبتغير وسيلة النقل عبر العصور واستحداث الجديد منها تغير مفهوم عقد النقل عبر الزمان، رغم بقاء نفس أطرافه، الناقل الملتزم بعملية النقل والراكب الشخص المنقول (المطلب الأول) ومن تم أصبحت لهذا العقد أركان وشروط خاصة تقتضيها طبيعته وما استحدث في هذا المجال (المطلب الثاني)

المطلب الأول: مفهوم عقد النقل البري للأشخاص بعوض، أطرافه ومجاله

يعتبر عقد النقل مجموعة من الطرق أو الوسائل التي تهدف إلى انتقال الإنسان وتداول السلع، هذا من الناحية الاقتصادية، [7]أما من الناحية القانونية وهو الجانب الذي يهمنا أن عقد النقل باعتباره تصرفا قانونيا خصوصا ذلك الذي يكون محل الالتزام فيه منصبا على نقل شخص أو عدة أشخاص من مكان معين تكون هي نقطة الانطلاق إلى مكان آخر تكون هي نقطة الوصول مما ينبغي معه تحديد مفهوم هذا العقد مع بيان أطرافه والذين تكون لهم  التزامات ومراكزه قانونية متقابلة  (الفقرة الأولى ) على أن نقوم بتحديد مجاله وذلك في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم عقد النقل البري

يقتضي أمر وضع مفهوم جامع لعقد النقل البري للأشخاص تعريفه (أولا) مع تحديد أطرافه (ثانيا) ومن ثم تحديد موقع الحضور لأطراف العقد في عملية النقل (ثالثا).

أولا: تعريف العقد

عرفت المادة 443 من مدونة التجارة[8] عقد النقل بأنه ” اتفاق يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل ثمن بأن ينقل شخصا أو شيئا إلى مكان معين مع مراعاة مقتضيات النصوص الخاصة في مادة النقل والاتفاقيات الدولية التي تعد المملكة المغربية طرفا فيها…”

والملاحظ من خلال المادة أعلاه أن المشرع جاء بتعريف عام وشامل لكل من عقد نقل الأشخاص وعقد نقل الأشياء، محيلا على النصوص الخاصة التي تنظم بعض الأنواع من النقل وعلى الاتفاقيات الدولية التي يعد المغرب طرفا فيها.

كما يلاحظ أيضا من خلال العمومية التي جاء بها المشرع لتعريف عقد النقل، أنه لا يقتصر على النقل البري، بل إنه يشمل أيضا النقل الجوي والبحري، حيث وردت كلمة الناقل في التعريف عامة دون تمييز بين الناقل البري والجوي والناقل البحري، ودون تمييز أيضا بين وسيلة النقل والمكان أو الوسط الذي تسلكه هذه الوسيلة سواء كانت عبر البر أو البحر.[9]

ومن خلال المادة أعلاه يتبين أن العوض يعتبر ركنا أساسيا من أجل تحديد وتكييف طبيعة العقد فيما إذا كان على سبيل العوض أم بالمجان، ففي حالة انتفاء العوض في عقد النقل نكون أمام ما يسمى النقل بالمجان الذي قد يكون بدوره إما على سبيل المصلحة أو على سبيل المجاملة.[10]

أما عقد النقل البري للأشخاص بعوض فيمكن تعريف على أنه ذلك النشاط الذي من خلاله يقوم النقل بنقل الأشخاص مقابل عوض إذ يتعهد بنقلهم بإحدى وسائل النقل المعدة لهذا الغرض من مكان إلى آخر عبر الطريق أو عبر السكك الحديدية.

وقل الأشخاص هنا نعني به نقل الأحياء، ذلك أن نقل الموتى يخضع لعقد نقل الأشياء، والذي تحكمه قواعد مختلفة.[11]

ويتميز عقد النقل عموما بعدة خصائص من بينها:

ـ أنه عقد معاوضة ملزم للطرفين، بمقتضاه يلتزم الناقل بتنفيذ عملية النقل المتفق عليها في المواعيد المحددة، ويلتزم المسافر بدفع الثمن مقابل النقل.

ـ كما يتميز بأنه عقد رضائي يتم بمجرد تراضي طرفيه على العناصر الأساسية خصوصا الثمن والشيء المنقول، غير أن هذه الرضائية تتعلق فقط بالانعقاد ولا تطال شروط العقد التي يحتكر الناقل وضعها، كما سنرى لاحقا، فلا يستلزم أي شكلية معينة لانعقاده، فيما تبقى تذكرة النقل مجرد وسيلة لإثباته لا شرطا لانعقاده[12]، ويخض للقواعد العامة فيما يخص شروط الانعقاد والصحة، كما تسري عليه القواعد العامة في الإثبات ويعد عملا تجاريا بالنسبة للناقل المحترف ويجوز التمسك في مواجهته بكافة وسائل الإثبات، أما المسافر فقد يكون العقد بالنسبة إليه تجاريا أو مدنيا حسب الأحوال.[13]

هذا وفيما يخص النقل الدولي هناك العديد من الاتفاقيات في هذا الصدد من بينها:

الاتفاقية المتعلقة بالنقل الدولي بالسكك الحديدية، وهي أول اتفاقية دولية في مجال النقل السككي[14] الموقعة من طرف المغرب ببرن في 2 يونيو 1987. وبموجب المادة الأولى من هذه الاتفاقية فقد تم تأسيس المنظمة الحكومية الدولية للنقل الدولي بالسكك الحديدية وقد حدد مركزها ببرن بالإضافة إلى تخويلها الشخصية المعنوية كم يحق لها بصورة خاصة التعاقد وتملك الأموال المنقولة وغير المنقولة والتنازل عنها كما يحق لها التقاضي أمام المحاكم.

ومن أهداف هذه المنظمة إقامة نظام حقوقي موحد قابل للتطبيق على النقل الدولي المباشر للمسافرين والأمتعة والبضائع بين الدول الأعضاء التي تستخدم خطوطا حديدية وكذلك إلى تسهيل تنفيذ وتطوير هذا النظام.

وفي سنة 1980 تم التوقيع على اتفاقية أخرى تضمنت قواعد موحدة متعلقة بنقل الأشخاص CIV والأشياء CIM عبر السكك الحديدية[15]

اتفاقية الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي الخاصة بالنقل البري للمسافرين والبضائع والعبور الموقعة بالجزائر من طرف الدول الأعضاء في الاتحاد في 6 ماي 1990. وقد تضمن الباب الثاني من الاتفاقية المقتضيات المتعلقة بالنقل العمومي للركاب. غير أن هذه الاتفاقية تظل معلقة حتى إشعار آخر كما هو شأن مشروع اتحاد المغرب العربي أو الكبير كما يحلو للكثير تسميته، الذي بقي معلقا نظرا لعدة إكراهات لا مجال للخوض فيها هنا وليست من صميم بحثنا، ومهما يكن فنتمنى عودة المشروع ونجاحه من غير قيد أو شرط تماشيا مع حقوق وحريات تنقل الأشخاص والبضائع والعبور التي تقرها الاتفاقيات الدولية ودساتير دول المغرب الكبير.[16]

ثانيا: أطراف العقد

عقد النقل الأشخاص سواء تم بعوض أو دون عوض فإنه يتميز بكونه يجمع بين طرفين الناقل والراكب أو المسافر، وبهذا يتميز عن عقد نقل الأشياء.[17] إذ هناك أوجه تشابه وأوجه اختلافين بين كل من العقدين نجملهما فيما يلي:

فمن بين أوجه التشابه نجد أه في كل من العقدين هناك طرف هو الناقل، أما أوجه الاختلاف فنجد أن عقد نقل الأشخاص يكون الطرف الثاني فيه هو المسافر أو الراكب في عقد نقل الأشخاص، أما عقد نقل الأشياء فالطرف الثاني فيه يكون هو الشخص الملتزم له بنقل اللشيء أو الأشياء لصالحه. ومن ثم فإن عقد نقل الأشخاص يستتبع بالضرورة التواجد الفعلي للطرف الثاني في العقد المسافر من أجل تنفيذ العقد من الطرفين معا. وفي جميع الأحوال فإن عقد نقل الأشخاص يقتضي وجود طرف هو الناقل والطرف الثاني هو المسافر.

ثالثا: وجود أطراف عقد النقل بين الواقع والافتراض

لو عدنا بالزمن إلى الوراء وسألنا شخصا معينا في مدينة وجدة سنة 1880 مثلا على أنه بإمكاننا سنة 2017 إجراء اتصال ( مكالمة ) بالفيديو مع شخص آخر موجود في برلين لكان الأمر بالنسبة إليه من ضروب الخيال ومن الصعب تصور ذلك…وهو نفس التصور الأولي الذي يقع في أذهاننا عندما نحاول تخيل أو تصور أشياء لم تقع بعد في نفس العصر أو الزمن الذي نعيشه…

لقد أصبح التشريع العالمي تحت رحمة تطور التكنولوجيا واتساع رقعة العالم الافتراضي والمجال الرقمي وهي مجالات أصبحت تفرض نفسها كواقع شبه حتمي أو بالأحرى مسلطة علينا، وهو في ذلك أي التشريع مجبر كما حدث ولا زال يحدث على سن تشريعات وتحيينها وتطوريها وفق التطور الحاصل في المجال الرقمي والتكنولوجي. فالتشريع لم يعد له ذلك الدور التقليدي المتمثل في تحديد الخطأ من الصواب بل أصبح تحت تأثير ورحمة التطور المتسارع للتقنية والتكنولوجيا حيث بات عليه أن يكون دائما مواكبا لعصره، ولا يمكن له أبدا أن يكون سابقا له وهذا حال التشريع البشري.

 وهي حالة يعيشها القانون وسيعيشها عبر عنها أستاذنا القدير العلوي المشيشي ب ” لهث القانون وراء تهافت التكنولوجيا ” فهي إذن حركية يعيشها العالم، حركية من ناحية التطور في المجال التكنولوجي والرقمي على وجه التحديد وحركية على مستوى التشريع العالمي الذي يجد نفسه مجبرا على مسايرة هذا التطور عبر تقنين وتنظيم العديد من المجالات التي لم تكن معروفة بل لم تكن متصورة الحدوث سابقا، من قبيل تنظيم مجموعة من المجالات  تتم عن طريق العالم الرقمي  من قبيل التجارة الإلكترونية والمقاولات والشركات الإلكترونية ومجموعة من العقود والتصرفات القانونية من قبيل  العقد الإلكتروني ومجلس العقد الإلكتروني والتعاقد بالمراسلة إلخ كما أصبحت تمهد الطريق لتأسيس المسؤولية الافتراضية لأشخاص العالم الافتراضي مدنية كانت أم جنائية عقدية أم تقصيرية وهي مسؤوليات موازية للمسؤولية الواقعية أو بالأحرى مدمجة فيها استحدثتها التطورات الحاصلة في المجال التكنولوجي والرقمي وتطور المجتمعات، ولعل الأمثلة عديدة على ذلك لا سبيل لحصرها إلا من باب تقريب الصورة كسن مقتضيات جديدة فيما يسمى بالجرائم المعلوماتية والتحرش والاغتصاب الافتراضين وجرائم السب والقذف والتشهير عبر الوسائط الإلكترونية إلخ…

وقد شهدت بلجيكا حادثة غريبة حيث أن الشرطة البلجيكية بدأت في إجراء تحقيقات عما إذا كان قد جرى ارتكاب جريمة اغتصاب مفترضة، بعدما تعرضت شخصية كرتونية في  لعبة في العالم الافتراضيsecond  تعرضت شخصية كرتونية تصابلشرطة البلجيكية بدأت في إجراء تحقيقةد الإلكتروني والتعاقد بالمراسلةل تكن متصورة الحدوث مسبقا، منlife وهي لعبة تسمح بإنشاء شخصية افتراضية avatar، فادعت هذه الفتاة أن شخصيتها الافتراضية تعرضت للاغتصاب من طرف الشخصية الكرتونية ورغم كون جسدها سليم إلا أن شعورها هو الذي تعض للضرر، ورغم عدم توجيه الاتهامات، إلا أن الشرطة بدأت التحقيق فعلا في القضية، الأمر الذي قد يشكل تمهيد الطريق لعالم جديد من المسؤوليات والجرائم.[18]

ومن هذا المنطلق فإذا كان الحضور الواقعي أمرا لازما لقيام العقد النقل، فإن التطور المتسارع لوسائل التكنولوجيا والاتصال والمواصلات يطرح إشكالية أو فرضية مدى إمكانية تصور حدوث عقد النقل بشكل افتراضي.

لقد بلغ إلى عمنا مؤخرا ما بات يعرف بمشروع ميتافيرس، حيث أعلنت أغلب شركات التكنولوجيا من ” fecebook” و ” microsoft” و “tender” في الأشهر الماضية عن خططها الخاصة لبناء ميتافيرس “metaverse” أو ما يعرف بالواقع المعزز هذا الأخير الذي يصف المختصون بأنه ” تطور ثوري للأنترنت حيث ستكون لدينا مساحة ثلاثية الأبعاد، وبيئات افتراضية غامرة واتصالات متطورة، فضلا عن نقلة نوعية في التجارة والترفيه…”[19]

وبخلاف الواقع الافتراضي الحالي، الذي يستخدم بالأساس في ألعاب الفيديو، فإن العالم الافتراضي عبر تقنية الواقع المعزز “metaverse” قد يستخدم في أي شيء كالعمل والتجارة والتسوق واللعب والحفلات الموسيقية وإجراء الفحوصات السريرية والذهاب إلى دور السينما إلخ… فبدلا من الجلوس أمام الكمبيوتر كما هو حاصل الآن، ربما كل ما ستحتاج إليه عند الاتصال بالميتافيرس هو نظارة أو جهاز يوضع على الرأس لكي تتمكن من دخول عالم افتراضي يربط بين مختلف أنواع البيئات الرقمية.[20]

والميتافريس حسب تصريح الخبراء المختصين في هذا المجال هو منصة مفتوحة وليست حكرا على شركة معينة لوحدها، وهو عالم رقمي يتم فيه دمج العالمين الحقيقي والافتراضي، فعلى سبيل المثال يمكنك مقابلة ابن عمك الذي يعيش في برلين في مقهى في بيئة افتراضية عن طريق شخصيتكما الافتراضية وهي شخصية وهمية avatar.[21]

الفقرة الثانية: مجال النقل البري للأشخاص بعوض

يشمل النقل البري بالأشخاص كلا من النقل الطرقي ( أولا) و النقل السككي ( ثانيا)

أولا: النقل الطرقي

يشكل مجال النقل الطرقي أجد أكثر القطاعات حيوية في كيدان النقل البري للأشخاص، نظرا لكثرة استعماله من طرف الراكبين من جهة، ومن جهة أخرى لكونه يشغل حيزا مهما من مهنييي وأرباب النقل.

هذا وبخلاف النقل السككي الذي تحتكره جهة واحدة وهي المكتب الوطنبي للسكك الحديدية، والذي تكون وسيلته واحدة وهي عربة النقل السككي، التي تتم عن طريق شبكة السكك الحديدية، فإن النقل البري تتعدد وسائله، بين سيارات أجرة وحافلات النقل، ومن ثم فهو لا يخضع غالبا لاحتكار جهة معينة أو شركة بعينها حيث تتنوع شركات النقل ويتعدد أرباب النقل.

وعليه يمكن القول بأن النقل الطرقي هو ذلك النقل الذي يتم بين الناقل والراكب بواسطة عربة برية ذات محرك سواء كانت وسيلة النقل سيارة أو حافلة، مقابل عوض يتلقاه الناقل من الراكب.

هذا ويطرح إشكال حول إمكانية إدراج العربية البرية التي لا تتوفر على محرك من قبيل العربات ذات الأحصنة للدفع، أي تلك التي يتم فيها النقل عبر حيوانات والتي غالبا ما تكون حصان أو بضعة أحصنة، وهي وسيلة للنقل نجدها في العديد من المدن خاصة المدن السياحية، كما أنها تتم مقابل عوض، وبما أن المشرع لم يحدد لنا على وجه الحصر وسيلة النقل التي يتم بها هذا النقل، فإن الرأي فيما نعتقد أن هذا النوع من وسائل النقل الذي يتم عبر الأحصنة يخضع لأحكام عقد النقل، ذلك أنه يتم بعديد من عناصر وخصائص عقد النقل من بينها عملية النقل ذاتها من مكان إلى آخر، بالإضافة إلى المقابل وهي أجرة النقل.

مقال قد يهمك :   الأداء البرلماني في الجزائر بين النص القانوني والواقع السياسي.

ثانيا: النقل السككي

بالرجوع إلى مدونة التجارة نجد المشرع شأنه شأن مجموعة من التشريعات لم يضع تعريفا لعقد النقل السككي لأشخاص، مما يفتح باب الاجتهاد من أجل ضع تعريف لهذا العقد، وذلك من خلال لم شتات عناصر هذا العقد ووضعها في قالب يحدد مضمونها، فهناك تعريف يذهب إلى أن عقد النقل السككي هو ذلك العقد الذي يتعهد بمقتضاه الناقل السككي بنقل شخص وأمتعته بوسائله الخاصة من مكان إلى مكان آخر مقابل أداء ثمن النقل [22]

المطلب الثاني: القواعد التي تحكم إبرام عقد نقل الأشخاص بعوض ووسائل إثباته

سنتطرق في هذا المطلب إلى بحث أركان تكوين عقد النقل وشروطه ;وذلك من خلال ( الفقرة الأولى ) على أن نخصص ( الفقرة الثانية ) لوسائل إثبات هذا العقد.

الفقرة الأولى: تكوين العقد

لقد مر معنا بأن عقد النقل من العقود الرضائية[23]، وطبقا للقواعد العامة لنظرية العقد وباعتبار عقد النقل من العقود الملزمة للجانبين، فإن هذا الأخير يتم عن طريق توافق إرادتي الطرفين حول الموضوع محل الاتفاق[24]، فإذا ما قمنا بمحاكاة خصائص عقد النقل من رضائية وإلزام للجانبين وإسقاطها على النظرية العامة للعقد وفق هذه الخصائص فإن الأمر يوحي للوهلة الأولى بأن العقد رضائي بامتياز هذا هو منطق النظرية العامة للعقد.
ونحن في هذا الإطار سنبحث أركان قيام العقد وشروط تكوينه، مع محاولة تحديد مضمون هذا التراضي ونطاقه ومداه، فيما إذا كان ينطبق عليه منطق النظرية العامة للعقد فيما يخص مبدأ الرضائية وبالتالي حرية المساومة في العقد ذاته، أم أنها رضائية نسبية في تكوين العقد. دون إغفال الحديث عن أركان العقد الأخرى.

أولا: أركان العقد

يشترط لقيام عقد النقل توفر الأركان العامة لأي عقد المتمثلة في الرضا والأهلية والمحل والسبب، فيجب أن يكون الرضى خاليا من العيوب وإلا كان العقد قابلا للإبطال.[25]

1ـ ركن الرضا

التراضي في عقد نقل الأشخاص يتم بالتوافق بين إرادة الناقل التي تصدرفي صورة إيجاب للعموم، وإرادة المسافر التي تصدر في صورة قبول.

إيجاب الناقل يصدر الإيجاب من الناقل في شكل إيجاب دائم عام وبات[26] خصوصا عند الحديث عن الشركات التي تحتكر هذا المجال، غير أن ذلك لا يمنع من إمكانية المساومة حول بنود العقد خاصة فيما يتم بأجرة هذه الخاصية أي المساومة حول أجرة النقل نجدها تتكرس أكثر فيما يتعلق بسيارات الأجرة والحافلات الرابطة بين المدن والقرى حيث جرت العادة على إمكانية المساومة حول الأجرة وتخفيضها.

فبالنسبة للنقل السككي نجد المشرع ينص في المادة رقم52.03 المتعلق بتنظيم الشبكة السككية الوطنية وتدبيرها واستغلالها[27] على أنه ” يستغل متعهدو النقل السككي على الشبكة السككية الوطنية خدمات سككية لنقل البضائع والمسافرين تسمى خدمات تجارية يحددون بحرية طبيعتها وتشكيلها وتنظيمها التقني والتجاري، مع مراعات منفعتها التجارية ومردوديتها. وتحدد أسعار الخدمات التجارية حسب تعريفات تبلغ إلى العموم وتتم مراجعتها بحرية من قبل متعهدي النقل السككي أو تحدد تطبيقا لعقود خاصة مبرمة مع زبائنهم” [28]

يتضح من النص أعلاه أن المشرع يشترط بخصوص خدمات النقل السككي أن يكون إيجاب متعهد الناقل السككي وما يستتبعه من من عناصر العقد الجوهرية من بينها الثمن أن يكون موجها إلى العموم وبنفس الشروط لكل مستعملي النقل دون تمييز بينهم على اعتبار أن شخصية القابل ليست لها أي اعتبار في عقد النقل السككي[29] وهو ما نصت عليه المادة 14 من نفس القانون في بندها التاسع بقولها ” احترام مبدأ المساواة في التعامل مع المستعملين…”

قبول المسافر وهو التعبير الصادر من المسافر الموجه إليه الإيجاب بقبوله العرض المقدم من قبل الناقل، وطبقا للقواعد العامة فإنه في حالة رفضه للإيجاب أو مساومته حول بنود العقد فإن العقد يستتبع قيام إيجاب جديد حسب الجهة المصدرة للعرض الجديد كأن يقدم المسافر ثمنا مختلفا عما وضعه الناقل، وفي هذه الحالة فإن العرض المقدم من قبل المسافر يعتبر بمثابة إيجاب جديد يتعين صدور قبول من الناقل بخصوصه.

أما فيما يخص الرضائية في مجال عقد النقل فهي رضائية مطلقة من حيث الانعقاد، ذلك أن كل من الراكب والناقل حر في التعاقد من عدمه وحر في اختيار الناقل الذي يفور له عروضا أفضل، إضافة إلى كل ذلك لم يشترط المشرع أية شكلية لقيام العقد، وهي رضائية نسبية فيما يخص شروط التعاقد، فرغم أن الراكب له الحق في اختيار الناقل الذي يوفر له أحسن عرض كما يمكن له في الكثير من الأحوال مناقشة شروط العقد من بينها أجرة النقل، إل أن الأمر في الغالب يخضع لاحتكار شركات معينة للنقل سواء تعلق الأمر بالنقل الطرقي أو  السككي إذ غالبا ما يتم احتكار مجال النقل من طرف جهات معينة كأن تكون مؤسسة عمومية أو شركة معينة حيث تعمد مسبقا إلى وضع أسعار الخدمات التي توفرها وتعريفات النقل وفي الغالب تكون هذه الصيغ للعقود موجهة للعموم والجمهور وبالتالي تكون باتة لا مجال للمساومة حول بنودها مبدئيا كما هو شأن النقل السككي المحتكر من طرف المكتب الوطني للسكك الحديدية إذ نصت المادة 12 من القانون 52.03 على أنه ” يستغل متعهدو النقل السككي على الشبكة السككية الوطنية خدمات سككية لنقل البضائع والمسافرين تسمى خدمات تجارية يحددون بحرية طبيعتها وتشكيلها وتنظيمها التقني والتجاري… وتحدد أسعار الخدمات التجارية حسب تعريفات تبلغ إلى العموم وتتم مراجعتها بحرية من قبل متعهدي النقل السككي أو تحدد تطبيقا لعقود خاصة مبرمة مع زبائنهم ” وبالتالي فالخاصية الثالثة التي يتميز بها عقد النقل هي كونه من عقود الإذعان.

2 أهلية المتعاقدين

باعتبار أن عقد نقل الأشخاص من عقود الخدمات، وتبعا لذلك فإن الأهلية المتطلبة تختلف باختلاف طرفي العقد.

1ـ أهلية الناقل

إذا كان شخصا ذاتيا فإن الأمر يقتضي توفره على الأهلية الكاملة وهي 18 سنة شمسية كملة من غير عارض من عوارض الأهلية.

وإذا كان شخصا معنويا وذلك بممارسته لنشاط النقل عن طريق الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية، غير أنه بالرجوع 444 نجدها تنص على أن قواعد عقد النقل تطبق على التاجر الذي يقدم عرضا وبمقابل، بنقل أشخاص أو أشياء ولو لم يكن يمارس النقل بصفة اعتيادية. فنفهم من ذلك أن شرط الاعتياد أو الاحتراف لا يطبق على الناقل الذي يقوم بنشاط النقل بشكل عرضي إ تسري عليه في هذه الحالة ولو كانت بشكل عابر وعرضي جميع أحكام عقد النقل فيتحمل بالاتزامات الملقاة على عاتق متعهد النقل.

2ـ أهلية الراكب

منطق النظرية العامة للعقد يفرض علينا هنا توفر الراكب على الأهلية الكاملة للقول بوجود عقد ـ النقل ـ بنفس منطق النظرية العامة للعقد، معنى ذلك أن انعدام الأهلية أو نقصانها يفضي إلى القول بأن العقد يدور بين البطلان والقابلية للإبطال.

بالنسبة لفقد أهلية الراكب كالصغير غير المميز أو المجنون، فإنه يحق لوليه الشرعي إبرام العقد مع الناقل وهنا يكون عقد النقل صحيحا، مع ضرورة مرافقته للركاب فاقد الأهلية أو أن يعين له مرافقا بحيث يصبح تحت مراقبته.

أما بالنسبة لحالة المسافر ناقص الأهلية فإن أثر نقصان الأهلية على التصرفات التي يجريها تجعل منها إما أن تكون نافعة له نفعا محضا أو ضارة ضررا محضا، أو دائر بين النفع والضرر، ولعل هذا الأخير هو الذي ينطبق عليه عقد النقل، وبالتالي إذا تقد ناقص الأهلية لإبرام عقد النقل بإذن من نائبه الشرعي أو قام هذا الأخير بإبرامه نيابة عنه، فإن العقد التراضي يكون سليما يترتب عنه قيام عقد نقل صحيح، لكن إذا أقدم المسافر ناقص الأهلية على إبرام العقد مع الناقل دون إذن نائبه الشرعي، فإن العقد يبقى صحيحا ما لم يطالب بإبطاله إما من قبل نائبه الشرعي أو من قبل المسافر ناقص الأهلية. أما الناقل لا يمكن له التحجج بنقص أهلية الراكب للمطالبة بإبطال العقد.[30]

وفي جميع الأحوال فإن مسؤولية الناقل تقتضي إيصال المسافر سالما معافى بغض النظر عن أهلية الراكب فإذا انعدمت أهلية هذا الأخير فلا يمكن للناقل الدفع بانعدام الأهلية للتحلل من المسؤولية خاصة التزامه بضمان السلامة إذ يمكن لكل ذي مصلحة سلوك طريق المسؤولية التقصيرية في حالة انعدام أهلية الراكب ووقوع ضرر لهذا الأخير ذلك أن عقد النقل وفق تعبير المشرع هو ” تعهد ” فإذا انعمت عناصر العقد كالأهلية لانعدام أهلية الراكب فلا مجال للتحلل من المسؤولية في حالة وقوع الضرر للراكب كون أهليته منعدمة أو ناقصة ذلك فإذا لم يستجمع عناصر ليكون عقدا فهو ” تعهد ” وكل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية.

3ـ ركن المحل

 محل عقد النقل هو الالتزامات التي ينشئها بالنسبة لأطراف، وهي على الأقل التزامين، التزام الراكب بأداء ثمن والتزام الناقل بإيصال المسافر وأمتعته.

4ـ ركن السبب

لا بد أولا من تحديد نوعية السبب المقصود عند إبرام عقد النقل، على اعتبار أن سبب العقد ليس هو سبب الالتزام. فسبب العقد فهو الدافع أو الباعث الدافع إلى التعاقد، وفي عقد النقل فإن سبب العقد ليس واحدا ذلك أن دوافع أو بواعث النقل متعددة سواء بالنسبة للراكب الواحد أو بالنسبة لمجموعة من الركاب، فقد يكون تعاقد الراكب لأجل إبرام صفقة أو من أجل غرض سياحي أو تجاري أو عمل وبالتالي تختلف البواعث من شخص إلى آخر. أما سبب الالتزام يسمى بالسبب القصدي أو الغائي لأنه يعتمد على الغاية من إنشاء الالتزام، وهو المقصود هنا بسبب الالتزام في عقد النقل، وبالتالي يكون سبب التزام كل طرف في العقد هو الالتزام المقابل الذي يقع على عاتق الطرف الآخر، فسبب التزام الناقل بنقل المسافر هو التزام هذا الأخير بدفع الثمن، وسبب التزام الراكب بدفع الثمن هو التزام الناقل بنقله.[31]

ثانيا: شروط العقد

شروط العقد تتمثل في تلك الشروط المتعلقة بالناقل (1) وأخرى عائدة للشخص المنقول (2) أما بقية الشروط فتتعلق بالزمن و المكان (3) و الثمن (4)

1: الشروط المتعلقة بالناقل

لا بد للقول بوجود عقد النقل أن تتكلف جهة مختصة تقوم بعملية النقل[32] على سبيل الاحتراف أو الاعتياد، بأن تكون هذه الجهة شخصا مهنيا يزاول المهنة سواء كان هذا الشخص اعتباريا أو معنويا، غير أنه بالجوع إلى المادة 444 نجد أن المشرع يضفي على المزاولة العرضية لعملية النقل صبغة العمل التجاري كما يضفي على الشخص المزاول لهذه العملية العرضية صبغة تاجر فيخضع كلا من العمل العرضي والتاجري الذي يقوم بهذه العملية لأحكام وقواعد عقد النقل.

2: الشروط العائدة للشخص المنقول الراكب

والمقصود هنا المسافر أو المسافرين الأحياء، ذلك أن نقل الموتى يخضع لأحكام الظهير الشريف رقم 986.ـ68 المتعلق بنظام دفن الجثث وإخراجها من القبور ونقلها.[33]

3: الشروط المتعلقة بالمكان والزمان

وفق المدلول اللغوي لمصطلح النقل، فإن عقد النقل لا يتم إلا بتحويل الشخص من مكان إلى آخر بغض النظر عن المسافة المقطوعة، بعدت أم قصرت، وغالبا ما يتم وضع تعريفة أجرة النقل وفق تلك المسافة وما تقتضيه من مصاريف تزود بالوقود ومعايير جودة أخرى توفرها شركات وأرباب النقل.

وبمعنى آخر فإننا لا نكون أمام نقل إذا ما ظل الشخص المنقول في مكانه، أو ظلت الناقلة في مكانها على حالها دون تنقل، ومكان الانطلاق يكون من نقطة محددة في زمن معين وصولا إلى نقطة معينة في زمن معين أيضا إذ يعتبر عامل الزمن مناط اعتبار في العقد بالنسبة للطرفين الناقل والراكب. غير أن ذلك لا يعني أنه دائما ما يجب أن تكون نقطة الوصول مختلفة عن نقطة الانطلاق، ذلك أنه قد يحدث أن يتفق الراكب مع الناقل نقله إلى نقطة معينة وإرجاعه إلى نفس النقطة فتكون عملية النقل ذهابا وإيابا.

وبالتالي يبطل عقد النقل إذا كان محله شيئا مستحيلا كأن يتعهد الناقل بإيصال الراكب إلى نقطة مستحيلة كإيصاله إلى سطح القمر عبر الطائرة. أو أن يتعهد بالسفر به عبر الزمن.

4: الشروط المتعلقة بالعوض في عقد نقل الأشخاص

تعتبر الأجرة من العناصر الجوهرية في عقد النقل، وبانتفاء عنصر العوض فإنه يخضع لأحكام النقل بالمجان أو النقل على سبيل المجاملة حسب الأحوال.

 الفقرة الثانية: إثبات العقد

يعتبر عقد النقل من العقود التجارية، والتي تخضع مبدئيا لحرية الإثبات المنصوص عليها في المادة 334 من مدونة التجارة.

وهو ما يعني أن عقد النقل يمكن إثباته بجميع وسائل الإثبات، خصوصا تذكرة النقل التي تتضمن اسم الناقل وثمن السفر ومكانه وموعده، كما يمكن إثباته عن طريق بطائق أوتوماتيكية أو بطائق الاشتراك التي توفرها بعض وسائل النقل، التي غالبا ما تتضمن اسم الناقل وثمن السفر ومكان، وهي جميعها بمثابة سند لعقد النقل.[34]

إضافة إلى أنه يمكن إثبات عقد النقل بواسطة كاميرات المراقبة الموضوعة في محطات النقل العمومي أو النقل الخصوصي، خاصة عند الحديث عن الدعاوى الناشئة عن الجرم وشبه الجرم والتي تكون متصلة أو مترتبة عن قعد النقل، كما يمكن إثباته عن طريق الكاميرات الموضوعة في محطات سيارات الأجرة ومحطات الحافلات والقطارات، أبعد من ذلك يمكن إثباته حتى عن طريق الكاميرات الموضوعة من جهات أخرى أو أشخاص آخرين لا علاقة لهم بأطراف العقد.

المبحث الثاني: تنفيذ عقد نقل الأشخاص بعوض ومسؤولية الناقل

يلقي عقد نقل الأشخاص بعوض سواء الطرقي منه أو السككي بالتزامات متقابلة على طرفيه[35]    إلا أن هذه الالتزامات بعضها أساسي يشكل الغاية من إبرام العقد، والبعض الآخر ثانوي تابع للالتزام الأصلي الذي يتحمله كل طرف. فالمسافر يلتزم أساسا بأداء ثمن تذكرة السفر، وفي المقابل يتعهد الناقل السككي بنقله على متن وسيلة النقل البرية وإيصاله إلى المحطة أو النقطة التي يرغب الذهاب إليها، فهذين الالتزامين يشكلان جوهر عقد النقل.[36]

والقول بأن التزامات الناقل تتمثل أساسا بقيامه بعملية النقل تستبع بالضرورة القيام بعملية نقل المسافر أو الراكب مع جوب الحرص على سلامة المسافر وتحقيق هذه النتيجة وهي إيصال المسافر[37]   أما القول بكون التزامات المسافر تتمثل أساسا بدفع تذكرة السفر فذلك مرده لكون عقد نقل الأشخاص بمقابل هو من عقود المعاوضة فلا إيصال ولا نقل بلا ثمن وإلا أصبح النقل عندها نقلا بالمجان.

إضافة إلى ذلك يلتزم المسافر باحترام الموعد المحدد للانطلاق، وانضباطه في إطار قواعد الأمن والالتزام بتعليمات الناقل المتعلقة بالسلامة، في المقابل يلتزم بضمان سلامة المسافر وسلامة أمتعته[38]   (المطلب الأول) ويترتب عن إخلال الناقل البري للأشخاص بالتزاماته التعاقدية تحمله المسؤولية إزاء الراكب أو المسافر[39]    (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التزامات أطراف عقد نقل الأشخاص

كما سبق وأن قلنا فعقد نقل الأشخاص من العقود الملزمة للجانبين، إذ يرتب التزامات متبادلة بين طرفي العقد، بحيث تعتبر التزامات كل طرف حقوقا بالنسبة للطرف للآخر[40]

فتكون بذلك لكل طرف في عقد النقل المسافر والناقل حقوق والتزامات يرتبها عقد النقل.

من هذا المنطلق سنتناول مختلف هذه الالتزامات إذا نظرنا إليها من جانب المدين ومختلف هذه الحقوق إذا نظرنا إليها من زاوية الدائن. فيكون بذلك الناقل مدينا بالتزامات معينة تجاه الراكب (الفقرة الأولى) في المقابل تقع على هذا الأخير التزامات قبل الناقل (الفقرة الثانية)

وعند الحديث عن تنفيذ عقد النقل البري للأشخاص بما يرتبه من التزامات سواء تم عبر الشبكة الطرقية أو شبكة السكك الحديدية فإن الأمر يكاد لا يختلف بخصوص هذه الالتزامات إذ أن الفروق بينهما تدق إذ تعتبر هذه الالتزامات من حيث المبدأ واحدة اللهم إذا تحدثنا عن وسيلة النقل التي تختلف، من هنا ارتأينا بحث مختلف هذه الالتزامات سواء في النقل الطرقي أو النقل السككي، ونحن هنا سنسير وفق المنهجية التي اتبعها المشرع في مدونة التجارة بخصوص التزامات الأطراف في عقد نقل الأشخاص، إذ بدوره لا يفرق بين تلك الاتزامات سواء تمت عن طريق النقل الطرقي أو السككي. وإذا بدا لنا شيء من الاختلاف سنتطرق إليه في حينه.

الفقرة الأولى: التزامات الناقل

يلتزم الناقل البري للأشخاص تجاه الراكب ـ أو الركاب ـ الذي تعاقد معه بأن يوصله وأمتعته إلى وجهته، وفي خضم هذا النقل يلزم أيضا بتوفير الظروف الملائمة للسفر[41] وتوفير الراحة له، ليس هذا فحسب، بل يجب أيضا الحفاظ على أمنه وسلامته ووقايته من كل ما قد يهدد حياته على متن وسيلة النقل أو على جنبات رصيف المحطة، وأن يوصله وأمتعته سالما معافى وفي الوقت المحدد والمعين في العقد.[42]

أولا: الالتزام بعملية النقل وإيصال المسافر وأمتعته

يعتبر التزام الناقل بنقل الراكب مع أمتعته من محطة الذهاب إلى محطة الوصول جوهر عقد النقل والغاية الأساسية من إبرامه، ومسؤوليته على ما سنرى تقوم على أساس التزامه بتحقيق نتيجة، والتي هي نقل المسافر وإيصاله سالما معافى إلى الوجهة المقصودة في الوقت المتفق عليه[43]

وبذلك فإن عقد النقل يستتبع تحديد مكان الانطلاق ومكان الوصول في العقد ذاته أو تذكرة النقل، مع التأكيد على أن المسافر أو الراكب المقصود هنا هو الشخص الحي وليس الميت، على اعتبار أن هذا الأخير يتم نقله عبر وسائل خاصة لنقل الأموات، ولا يكون طرفا في عقد النقل، مما لا يمكن معه تطبيق قواعد عقد نقل الأشخاص عليه.[44]

مقال قد يهمك :   الإرهاب بين إلزامية المكافحة ومشكلة التعريف

أما فيما يخص موعد الانطلاق فيثبت من خلال تذكرة السفر وهذا هو الغالب، كما أنه قد يقوم الناقل بإعلان برنامج بشكل مسبق يتضمن مواعيد الانطلاق خصوصا فيما يتعلق بالنقل السككي أو حتى بعض وسائل النقل عبر الطرق خاصة الحافلات الرابطة بين المدن. فيلتزم الناقل باحترام هذه المواعيد، ويعد متخلفا عن تنفيذ التزامه إذا تخلف عن مواعيد الانطلاق أو لم يتخذ الاحتياطات اللازمة للانطلاق.[45]

 أما بالنسبة للنقل الداخلي الذي يكون داخل نفس البلدة أو الإقليم وخاصة داخل المدن الكبرى فإنه دأبت العادة على أن مكان الانطلاق والوصول يكون محددا وفق محطات معينة، وللراكب أن يختار محطة الانطلاق التي تشكل النقطة الأقرب بالنسبة إليه كما يختار محطة الوصول التي تشكل الوجهة المقصودة بالنسبة إليه، أما تاريخ الانطلاق فيكون محددا بشكل مسبق خاصة عند الحديث عن حافلات النقل داخل المدن، ويحدث هذا الأمر غالبا بالنسبة للحافلات، وللراكب في جميع الأحوال أن يختار الزمان والمكان الذي تتم خلاله عملية النقل ومن خلال هذه اللحظة يمكننا الحديث عن قيام عقد النقل.

وبالنسبة لحافلات النقل الداخلي وإذا كانت تعتبر بمثابة عربة برية ذات محرك تعمل وفق نظم ميكانيكية بقيادة سائق، فإنها في نفس الوقت بالنسبة لأبواب الحافلة تعمل وفق نمط شبه آلي أو ما يعرف بالإلكتروميكانيك، وهو ما يعني أن هامش الخطأ تبقى جد وارد الحدوث، فإذا فرضنا أن حافلة مكتظة تقل عدد كبيرا من الركاب، ورغم الضغط على المكبس لا تفتح البوابات والسائق لا ينتبه إلى ذلك فيستمر في المسير معتقدا أن الركاب نزلوا فهنا يتغير مكان وتاريخ الوصول مع ما قد يرتبه الأمر من فرضيات كثيرة وآثار متعددة.

كما أنه عند الحديث عن الحافلات فنجد أن الكثير من شركات النقل الحضري إن لم نقل جلها تعمد إلى توفير بطاقات معينة تسمى ” بطاقة الحافلة ” وهي بمثابة اتفاقية بموجبها يقوم الراكب العميل بدفع وجيبة بشكل دوري يتمثل في الاستفادة من الخدمة لمدة شهر كامل، في المقابل يتعهد الناقل بتقديم الخدمة طيلة تلك المدة، وبمجرد إبرام هذه الاتفاقية نكون أمام ما يسمى عقد النقل الذي يرتب التزامات متقابلة.

وبعد تحديد تاريخ الانطلاق يبدأ التزام الناقل من لحظة دخول الراكب أو المسافر إلى المحطة والوصول إلى الرصيف المخصص لوسيلة النقل سواء كانت الوسيلة قطار أو حافلة المتفق عليها وعلى زمان انطلاقها، ويستمر إلى حين نزول الراكب وخروجه من الجهة المخصصة لمغادرة محطة الوصول، لذلك يجب على الناقل أن يحضر في التاريخ المحدد في تذكرة السفر أو التاريخ المحدد في اتفاق أو عقد النقل دون تأخير تحت طائلة فسخ عقد النقل والمطالبة بالتعويض طبقا للمادة 479.[46]

وهذا ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 2012ـ04ـ26 بقولها ” …وإذا تأخر فللمسافر الحق في التعويض طبقا للمادة 479 من مدونة التجارة ” [47]

ونصت المادة 480 على أنه ” إذ توقف الناقل أثناء السفر في أماكن لم تكن معينة في برنامج السفر أو إذا سلك طريقا غير الطريق المحدد أو تسبب بأية وسيلة أخرى أو بفعله في تأخير الوصول، فللمسافر الحق في فسخ العقد والتعويض.

يجوز للناقل الذي ينقل زيادة عن المسافرين سلعا وأشياء أخرى أن يتوقف الوقت اللازم في الأماكن التي يجب عليه تفريغ هذه الأشياء فيها.

تطبق أحكام الفقرتين السابقتين ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.”

ومن خلال الفقرة الأولى من المادة أعلاه نفهم أنه يجب على الناقل سلوك الطريق المحدد والمتفق عليه مع المسافر سواء كان طريقا عاديا أم طريقا سيارا كما يجب عليه عدم التوقف في أماكن لم يسبق الاتفاق عليها، اللهم إذا كان هذا التوقف له ما يبرره، وإذا تأخر في الوصول بسبب تغييره للمسار المتفق عليه أو المألوف فإنه يتحمل المسؤولية عن هذا التأخير[48]

أما الفقرة الثانية فتقضي بأنه في حالة قيام الناقل بنقل سلع أو أشياء أخرى فإن التوقف هنا يفترض وله ما يبرره وفقا لطبيعة الأمور.

وفي جميع الأحوال ما لم يتفق على خلاف ذلك، فبالنسبة للفقرة الأولى يمكن تصور حدوث الاتفاق عكس المفترض سواء حصل الاتفاق أثناء إبرام العقد أو أثناء تنفيذه، كأن يتفقا مثلا بعد انطلاق الرحلة على أن الناقل سيتوقف في نقطة معينة لم تكن محددة مسبقا أو على تغيير الناقل للمسار وسلوكه طريقا آخر، أو أن يخبر الراكب بأن تاريخ الوصول قد يتأخر عن الموعد المحدد من قبل ففي حالة موافقة الراكب فلا مسؤولية على الناقل. أما بالنسبة للفقرة الثانية فرغم أن التوقف لتفريغ السلع يفترض فإنه في حالة الاتفاق على عكس ذلك فيعتبر عندها الاتفاق هو الساري المفعول ولا يجوز للناقل بعد هذا الاتفاق التوقف.

ويستفاد من كل ذلك أن الناقل ملزم باحترام ميعاد الانطلاق أو السفر بتعبير المشرع (المادة 479) وملزم باحترام ميعاد الوصول (المادة 480)

ففي حالة تأخر الانطلاق أو السفر فللمسافر الحق في التعويض، أما إذا كان التأخير غير عادي أو إذا لم يبق للمسافر فائدة من السفر بسبب هذا التأخير  حق له زيادة عن التعويض أن يفسخ العقد أو أن يسترجع ثمن النقل، والواضح فيما يبدو ونعتقد أن المشرع يقصد بالتأخير غير العادي ذلك التأخير الذي يزيد عن المألوف والذي يؤدي إلى فقد الفائدة المرجوة من السفر والتي تؤدي غالبا إلى تفويت الفرص، وهو مختلف عن التأخير الوارد في الفقرة الأولى فإذا كان الثاني تأخير غير عادي يؤدي إلى فقد المسافر للفائدة المرجوة من السف، فإن التأخير الوارد في الفقرة الأولى هو تأخير عادي بالنسبة للراكب ذلك أن السفر بالنسبة إليه أمر عادي لا يهدف من ورائه إلى ابتغاء فائدة على قدر من الأهمية أو استحقاق ما أو فرصة ما، ففي النوع الثاني من التأخير قدر كبير من الأهمية كأن يكون المسافر قاصدا اجتياز مباراة ما أما الثاني فالمسافر هنا السفر يعني له تحصيل حاصل ولا يهمه موعد الوصول، والمعيار في تمييز التأخير العادي عن غير العادي هو معيار أهمية زمن الوصول فإذا كان يشكل اعتبارا بالنسبة للمسافر عد تأخير غير عادي.

أما إذا تأخر السفر نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة فلا تعويض للمسافر. المادة 479.

ونفس الحكم ينطبق في حالة تأخير الوصول، إذ يستحق المسافر التعويض وفسخ العقد، وذلك ما لم يتفقا على خلاف ذلك. المادة 480.

أما فيما يخص فسخ العقد فالواضح أن المشرع يقصد من خلاله الاستغناء عن وسيلة النقل هذه التي تسببت في تأخر الانطلاق أو تسببت في تأخر الوصول، وبالتالي البحث عن وسيلة أخرى من نفس النوع ونفس الصنف، أو نوع وصنف مختلف.

ويلتزم الناقل أيضا بنقل أمتعة المسافر كالحقائب والأغراض الشخصية أو التي يتحملها معه وتكون عائدة للغير، ولا يلزم بدفع أي ثمن إضافي عن هذه الأمتعة، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك المادة 483.

ولا يتحمل الناقل المسؤولية عن ضياع أو تلف أو هلاك الأمتعة التي تبقى بيد المساف وتحت حيازته أثناء السفر، على خلاف الأمتعة المصرح بها لدى الناقل والتي تنتقل إلى حيازة وحراسة هذا الأخير أثناء السفر، ‘ إ تكون مسؤوليته في هذه الحالة عقدية عن ضياعها أو هلاكها أو تلفها لأنها تكون محلا لعقد نقل تبعي بجانب العقد الأصلي بنقل الراكب، وتخضع للأحكام المتعلقة بنقل البضائع.[49]

” إذا تعذر السفر بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة تتعلق بوسيلة النقل أو أي سبب آخر من شأنه أن يمنع السفر أو يجعله خطيرا وذلك دون أن يصدر الخطأ عن أي طرف، فسخ العقد دون تعويض من أي طرف وألزم الناقل بإرجاع ثمن النقل إذا كان قد قبضه مسبقا ” البند 4 من المادة 477.

ثانيا: الالتزام بتوفير ظروف السفر

وإذا كانت طبيعة وسيلة النقل وصنفها يسمح بتوفير ميزات معينة، كالاتفاق على توفير درجة معينة للمسافر يجلس فيها، أو توفير دورات المياه كما هو الشأن بالنسبة لبعض القطارات والحافلات التي تتيح هذه الخاصية.  فعلى الناقل أن يهيأ للمسافر مكانا في الدرجة المتفق عليها[50]

كما يتعين على الناقل أن ينفذ التزامه بنقل المسافر في ظل شروط ومعايير توفر لهذا الأخير النظافة والأمن والرفاهية والراحة وما تعهد بتقديمه من خدمات كتكييف الهواء والاستراحة إذا كانت الرحلة طويلة مع ضرورة مراعاة الأماكن المخصصة للوقوف في برنامج السفر المسلم للمسافر أو الذي أحيط به علما.[51]

ثالثا: الالتزام بضمان سلامة المسافر

لقد تكرس الالتزام بضمان السلامة على يد القضاء الفرنسي، ومن خلاله تم التوصل إلى نقل عبء الإثبات من عاتق المسافر إلى عاتق الناقل.[52] ففي بادئ الأمر كان القضاء الفرنسي يشترط على المسافر إثبات خطأ الناقل لكي يتسنى له الحصول على التعويض، غير أنه بالنظر للانتقادات التي وجهت له من طرف الفقه جعلته يتراجع عن هذا التوجه وذلك بتبني فكرة الضرر، ومن خلالها فرض على الناقل إيصال المسافر سالما معافى إلى وجهته، وإذا ما أصابه ضرر أثناء عملية النقل تثار مسؤوليته العقدية بغض النظر عن فكرة الخطأ.[53]

وكان أول ظهور لالتزام الناقل بضمان السلامة في مجال النقل البحري سنة 1911، إذ يعتبر عقد النقل بصفة عامة وبالتحديد عقد النقل البحري أول العقود التي ظهر فيها الالتزام بصمان السلامة، وذلك بموجب قرار لمحكمة النقض الفرنسية سنة 2011 والذي جاء في حيثياته أن ” تنفيذ عقد النقل يتضمن بالنسبة للناقل الالتزام بتوصيل المسافر سليما ومعافى إلى جهة الوصول” .[54]

ثم ما لبت القضاء أن مد نطاق الالتزام ليشمل بعدها مجال السكك الحديدية من خلال قرار 1913ـ01ـ27 الذي استعمل مصطلح الالتزام بنتيجة سلامة الركاب، ثم الحافلات وسيارات الأجرة.[55]

الفقرة الثانية: التزامات المسافر

من أهم الالتزامات الرئيسية المترتبة عن عقد النقل تجاه المسفار التزامه بدفع تذكرة أو أجرة النقل، واحترام النظام الداخليي مع مراعاة تعليمات الناقل، بالإضافة إلى ضرورة الحضور في الوقت المحدد لانطلاق عملية النقل أو السفر.

أولا: الالتزام بدفع تذكرة أو أجرة السفر

يعتبر الالتزام بدفع ثمن النقل أ السفر الالتزام الأساسي الذي يقع على عاتق الراكب، فأجرة السفر تمثل محل التزام الراكب في عقد النقل إذا تم بعوض كمقابل لمحل التزام الناقل بالقيام بعملية النقل، وانتفاء العوض يجعله في عداد النقل بالمجان.

والأصل أن يتم تحديد الأجرة وميعاد دفعها بالاتفاق بين الناقل والمسافر، غير أنه إذا كان النقل محتكرا فإن الثمن وكيفية أدائه يعين بمقتضى اللوائح ولا يجوز للجمهور مناقشة هذه الشروط.[56]

ودفع ثمن النقل باعتباره التزاما رئيسا ملقى على عاتق الراكب تجاه المسافر كونه مناط التزام هذا الأخير في العقد، فهو يستتبع كمبدأ عام القيام بهذا الأداء كاملا قبل بدء عملية النقل أو أثناءها أو بعد إيصاله إلى الوجهة المقصودة، حسب الأحوال وحسب الاتفاق أو ما جرت عليه العادة.

 وسواء تم أداء أجرة النقل قبل بدء عملية النقل أو بعد صعود الراكب أو وصوله، فإن تنفيذ عقد النقل قد يتأثر ببعض التصرفات التي تصدر عن أحد طرفي العقد أو بسبب أجنبي لا يد لهما فيه[57]  وتحسبا لإمكانية حدوث خلاف بشأن الثمن، فإن المشرع نظم أحكام أجرة النقل في المواد 477ـ478ـ479ـ481، وهي كلها أحكام تدور حول ظروف وملابسات عملية النقل، حسبما إذا تأخر السفر أو تعذر أو توقف، وباختلاف هذه الملابسات نظم حالات استحقاق الناقل للثمن، وهي إما أن يستحق الناقل الثمن كاملا، أو استحقاقه لجزء منه، أو عدم استحقاقه.

أـ استحقاق الناقل للثمن كاملا

يستحق الناقل ثمن النقل كاملا وذلك في الحالات الآتية:

1ـ وأول حالة يسحق عليها الناقل ثمن النقل كاملا هي تنفيذه لالتزامه والقيام بعملية النقل للراكب وأمتعته.

2ـ إذا لم يوجد لمسافر في مكان الإقلاع في الوقت المعين، وفي هذه الحالة يستحق الناقل ثمن النقل كاملا، وإذا اختار الراكب أن يستقل وسيلة النقل في الرحلة الموالية لدى نفس شركة النقل أو لدى نفس الناقل، فإنه يجب عليه دفع أجرة النقل مرة أخرى.[58]

3ـ إذا تعذر السفر بإرادة المسافر.[59]

4ـ إذا توقف المسافر بإرادته في الطريق بعد الإقلاع.[60]

ب ـ استحقاق الناقل لجزء من الثمن

في هذه الحالة لا يستحق الناقل ثمن النقل كاملا وإنما جزءا منه، وذلك في حالتين:

1ـ إذا توقف السفر بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة تتعلق بوسيلة النقل أو بشخص المسافر، فلا يستحق ثمن النقل إلا بمقدار المسافة المقطوعة ودون تعويض من أي طرف.[61]

2ـ إذا تسبب في تأخير السفر فعل الأمير أو إجراء إصلاحات ضرورية على وسيلة النقل، أو خطر غير متوقع يجعل مواصلة السفر أمرا خطيرا، ولم يرد المسافر انتظار زوال المانع أو إتمام الإصلاحات، فإن الناقل يستحق ثمن النقل في حدود المسافة المقطوعة.[62]

ج عدم استحقاق الناقل للثمن

لا يستحق الناقل أي ثمن في الحالات التالية:

1ـ إذا تعذر السفر قبل الإقلاع بسبب فعل أو خطإ الناقل، فلا يستحق الناقل ثمن النقل، وإذا كان الراكب قد سبق له دفع أجرة النقل فله الحق في استرداده.[63]

2ـ إذا تعذر السفر قبل الإقلاع بسبب حادق فجائي أو قوة قاهرة تتعلق بوسيلة النقل أو أي سبب آخر من شأنه أن يمنع السفر أو يجعله خطيرا وذلك دون أن يصدر الخطأ عن أي طرف، فإن الناقل لا يستحق أي ثمن، وإذا كان سبق وأن قبضه ألزم بإرجاعه للمسافر.[64]

3ـ إذا توقف السفر بعد الإقلاع وامتنع الناقل عن متابعة السفر أو إذا أرغم بخطإه المسافر على التوقف في الطريق فلا يلزم المسافر بدفع ثمن النقل ويحق له استرداده إن كان قد دفعه مسبقا[65]

ـ إذا تأخر السفر وكان التأخير غير عادي أو إذا لم يبق للمسافر بسبب هذا التأخير فائدة في القيام بالسفر فلا يستحق الناقل أي ثمن، وإذا سبق له وأن قبضه فيحق للمسافر استرداده.[66]

ثانيا: احترام النظام الداخلي ومراعاة تعليمات الناقل

نص المشرع في المادة 476 على أنه ” يجب على المسافر أن يحترم النظام الداخلي الذي تضعه السلطة الحكومية المختصة”

باعتبار النقل من الأمور التي تتدخل فيها الدولة وتفرض عليها رقابتها، فإن الناقل غالبا ما يعتمد نظاما داخليا مفروضا من السلطة الحكومية المكلفة بالنقل وهي وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك. وبناء عليه يتعين على الراكب احترام التعليمات التي يصدرها الناقل خصوصا تلك المتعلقة بالحضور والمحافظة على سلامة الناقلة والركاب من كل شيء من شأنه أن يضر بالركاب.

كما يحق للمسافر طرد الراكب المخل بهذا النظام أو قام بتعريض سلامة الناقل والناقلة للخطر.[67]

ثالثا: الالتزام بالحضور في الوقت المحدد للرحلة

يتعين على المسافر الخضور في الوقت المحدد للرحلة، إذ يكون هذا الوقت محددا بشكل مسبق إما في تذكرة السفر أو في اتفقا عقد النقل. ولا يلتزم الناقل بانتظار المسافر إذا تأخر في الحضور[68]   وفي حالة تأخره فما عليه إلا أن يختار اختيار وسيلة أخرى للنقل لدى ناقل آخر أو اختيار الركوب في الرحلة الموالية لدى نفس الناقل، وفي هذه الحالة يلتزم بدفع أجرة النقل مرة عملا بالمادة 477.

المطلب الثاني: مسؤولية الناقل ووسائل دفعها

مسؤولية الناقل تنهض تجاه الراكب إذا أصيب هذا الأخير بضرر أثناء تنفيذ عملية النقل. ولا يمكن أن تترتب هذه المسؤولية إلا عند إخلاله بأحد الالتزامات المفروضة عليه بموجب العقد فمضمون التزام الناقل هو تحقيق نتيجة بإيصال الراكب إلى جانب ضمان سلامته وعدم تحقق هذه النتيجة يعني قيام مسؤولية الناقل (الفقرة الأولى) غير أن تحقق هذه المسؤولية التعاقدية بتوافر جميع شروطها لا يجرد الناقل من أن يواجه الراكب بأسباب يستهدف من ورائها إعفاءه من المسؤولية كليا أو جزئيا فيقع على عاتقه أن يثبت السبب الأجنبي الذي يحتج به لدفعها (الفقرة الثانية)[69]

الفقرة الأولى: حالات مسؤولية الناقل

 نظم المشرع المغربي مسؤولية الناقل البري للأشخاص في المواد 479 و483 و485 من مدونة التجارة. وهي حالات تتحقق فيها مسؤولية الناقل عن الأضرار التي تصيب شخص المسافر وهي إما أضرار تصيب شخص المسافر أو أمتعته وإما أضرار ناتجة جراء التأخير في انطلاق الرحلة أو تأخير الوصول.

وتجدر الإشارة إلى أن جميع هذه الالتزامات المترتبة في ذمة الناقل هي التزامات بتحقيق نتيجة، وفي حالة عدم تحقيق هذه النتيجة تنهض مسؤولية الناقل.

أولا: الأضرار التي تصيب المسافر

نص المشرع في المادة 485 على أنه ” يسأل الناقل عن الأضرار اللاحقة بشخص المسافر خلال النقل. ولا يمكن إعفاؤه من هذه المسؤولية إلا بإثبات حالة القوة القاهرة أو خطإ المتضرر”.

والملاحظ من خلال نص المادة أعلاه مصطلح الأضرار جاء عاما وبالتالي فالأضرار التي تصيب المسافر هي إما أضرار مادية أو أضرار معنوية.

ثانيا: الأضرار التي تلحق بالأمتعة

عادة ما يحمل المسافر أمتعته وأغراض يحتاجها أثناء سفره، إذ تكون هذه الأمتعة والأغراض المحمولة أثناء السفر من بين التزامات الملقاة على عاتق الناقل إذ يلتزم إلى جانب نقل المسافر أن ينقل معه أمتعته وأغراضه، غير أن هذه الأمتعة تختلف تبعا لما إذا كان مصرحا بها ومسجلة لدى الناقل أو كانت غير مسجلة، وبالتالي تختلف عناصر مسؤولية الناقل عنها تبعا لكل صنف نظرا لاختلاف القواعد التي تحكم كل صنف.

وهو ما نص عليه المشرع في المادة 483 بقوله ” يسأل الناقل عن ضياع أمتعة المسفر أو هلاكها حسب القواعد المنصوص عليها في المواد 458 و459 و460 و464، غير أنه لا يسأل عن الأمتعة التي يحتفظ بها المسافر”

مقال قد يهمك :   الضوابط القانونية في زراعة واستعمال القنب الهندي

1ـ الأمتعة اليدوية أو الأمتعة غير المسجلة

يقصد بها تلك الأمتعة أو الأشياء التي يحتفظ بها الراكب، ولا يسلمها للناقل، وهي الأمتعة غير المسجلة، والراكب لا يدفع عنها أجرة، لكونها غالبا ما تكون خفيفة وسهلة الحمل. وهن لا مجال لمساءلة الناقل لأنه لا يوجد هناك أي اتفاق بين الراكب والناقل على نقل هذه الأمتعة، رغم قيام الراكب بنقلها، فلا يمكننا استخلاص الإرادة الضمنية للناقل.[70]

 فلو أردنا مساءلة الناقل عن هذه الأمتعة لكان الأمر يقتضي بداية تصريح الراكب بهذه الأمتعة لدى الناقل، وهو الأمر الذي لم يتحقق في هذه الحالة، والقاعدة تقول لا تزر وازرة وزر أخرى، وبالتالي تحميل الراكب وحده المسؤولية عن عدم التصريح بهذه الأمتعة فتظل الأمتعة بجانبه والحراسة بجانبه سواء بسواء.

وفي هذه الحالة أي حالة ضياع أو هلاك الأمتعة غير المسجلة وأردنا مساءلة الناقل عنها، فما من مجال أما الراكب سوى سلوك طريق المسؤولية التقصيرية، وذلك بإثبات الخطأ في جانب الناقل عن هلاك أو ضياع هذه الأمتعة[71]

2ـ الأمتعة المسجلة

ويقصد بالأمتعة المسجلة تلك الأمتعة التي يسلمها المسافر للناقل قبل المباشرة بعملية النقل، مقابل تذكرة خاصة بهذه الأمتعة تبين عدد الأمتعة ووزنها وطبيعتها[72]    أو التي يسلمها له عند بداية الرحلة أو بعد انطلاقها مدة معينة، فتأخذ بدورها حكم الأمتعة المسجلة نظرا لانتقال الحراسة من الراكب إلى الناقل.

ويدخل في نطاقها كل الأغراض المخصصة للسفر الموضوعة والتي تحفظ في صناديق أو رفوف أو أكياس أو حقائب أو غيرها.[73] ويدخل في نطاقها أيضا الحيوانات المسجلة المسلمة للناقل إذ تخضع لنظام نقل البضائع والأمتعة، فيسأل عنها الناقل في حالة ما إذا أصابها ضرر. أما إذا كان الحيوان في حوزة المسافر فلا مسؤولية على الناقل.[74]

كما أجازت القواعد الموحد CIV لاتفاقية بيرن وضمن شروط محددة اعتبار الحيوانات وأشياء أخرى كالسيارات المرافقة المسلمة للنقل بمقطوراتها أو بدونها، أمتعة يمكن للراكب تسجيل نقلها عبر السكك الحديدية.[75]

ومسؤولية الناقل عن الأمتعة هي مسؤولية مترتبة عن عقد النقل ذاته وليست مسؤولية مستقلة قائمة بذاتها، وبالتالي فهو التزام أصلي قوامه تحقيق نتيجة بالمحافظة على الأمتعة سالمة وبإيصالها إلى جنب نقل المسافر وإيصاله سالما معافى، وفي حالة عدم تحقيق هذه النتيجة وتعرضت الأمتع للتلف أو الهلاك تثار مسؤولية الناقل العقدية.

ثالثا: التأخير

إن من بين أهم الالتزامات المترتبة على عاقت الناقل الالتزام بإيصال المسافر في الوقت المحدد، غير أنه في كثير من الحالات يحدث وان يحصل الاخلال بهذا الالتزام عن طريق التأخر في تنفيذ عملية النقل، أو من خلال الشروع في تنفيذ عملية إلا أنه يحصل تراخي في إتمام العملية.

ومن خلال استقرار المادتين 479  و480 يتبين ان التأخير على نوعين، فهو إما تأخير في السفر أو الانطلاق أي تأخير في تنفيذ عملية النقل، وإما تأخير في الوصول.

هذا ويعتبر التأخير في تنفيذ الالتزام بالنقل من أكثر مسؤوليات الناقل العقدية وقوعا من طرف الناقل، وأكثرها إثارة من طرف المسافر أمام المحاكم التجارية، كما هو الشأن لحالة تفويت فرصة مهمة أو اجتماع مهم لأحد رجال الأعمال أو تفويت حضور جمعية عامة للشركة أو تفويت حضور حلسة على محام أو تفويت مباراة مهنية على متبار وغيرها من الحالات الكثيرة التي لا مجال لحصرها أبدا… ومعلوم أنه غالبا ما يترتب عن هذا التأخير أضرار مادية أو معنوية أو هما معا وفي هذه الحالة يكون من حق الراكب أو المسافر مطالبة الناقل بالتعويض في إطار المسؤولية العقدية.[76]

وفي هذا الصدد قضت المحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 15 يناير 2019 بتعويض قدره 20 ألف درهم لفائدة محام متمرن في مواجه المكتب الوطني للسكك الحديدية جراء الضرر الذي تعرض له نتيجة التأخير عن الموعد المحدد للرحلة ب 15 دقيقة في 19 دجنبر 2017، وتأخره عن موعده 45 دقيقة بتاريخ 8 يناير 2018…[77]

الفقرة الثانية: أسباب دفع مسؤولية الناقل البري للأشخاص

يرتب عقد النقل على عاتق الناقل التزاما بتحقيق نتيجة مضمونها إيصال المسافر إلى الوجهة التي يقصدها سالما معافى، وفي حالة عدم تحقق هذه النتيجة تقوم مسؤولية الناقل، وبالتالي يكفي الراكب إثبات أنه أصيب بأضرار أثناء تنفيذ عقد النقل أو نتج عن عملية النقل تأخير في الانطلاق أو الوصول في الأجل المحدد، الأمر الذي أدى إلى حصول أضرار تتمثل في إضاعة أو تفويت فرص مهمة، وبالتالي تنشغل ذمة الناقل بالمسؤولية.[78]

وهذا يعني أنه متى وقع الضرر ثبتت مسؤولية الناقل، ولا يمكنه التحلل من هذه المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي[79]   والذي لا يكون للناقل يد فيه. وقد نص المشرع على أسباب دفع المسؤولية بموجب المادتين 479 و485.

حيث نصت المادة 485 أنه لا يمكن إعفاء الناقل من مسؤولية الالتزام بصمان سلامة المسافر إلا بإثبات حالة القوة القاهرة أو خطإ المتضرر

في حين نصت المادة 479 على أنه لا تعويض للمسافر إذا كان تأخر السفر ناتجا عن قوة قاهرة أو حادث فجائي.

والواضح أن المشرع عند حديثه في المادة 479 عن إعفاء الناقل من المسؤولية جراء التأخر كان يقصد التأخر في الانطلاق وهو ما نص عليه بشكل صريح إذ في هذه الحالة يعفى من تحمل المسؤولية إذا كان ذلك ناتجا عن قوة قاهرة أو حادث فجائي. غير أنه بالرجوع إلى المادة 480 نجد هناك حالة أخرى وهي حالة التأخر في الوصول، وهي تختلف عن تأخر الانطلاق في كون هذا الأخير لم يتم بعد فيه الشروع في القيام بعملية النقل، أما الأول فيقصد به التأخر في الوصول بمعنى أن عملية النقل شرع في تنفيذها ولكن التأخير ناتج عن تأخير ميعاد الوصول عن الوقت المحدد.

 والواضح أنه ليست هناك فروق كثيرة بينهما ذلك أن التأخر في السفر لا يعني دائما عدم تنفيذ عملية النقل بل إنه أحيانا قد تنتج عنه فرضيتان أو حالتين:

الأولى تأخير السفر ثم ينطلق بعدها فيصبح بعدها تأخير في الوصول. أما الثانية تأخير السفر ثم لا تحدث عملية النقل أبدا لعدة أسباب قد ترجع للناقل أو لشركة النقل أو الوسيلة المعتمدة في النقل من قبيل إفلاس شركة النقل أو هلاك أو تلف وسيلة النقل بشكل كلي أو اعتبارات شخصية عائدة للراكب. وقد ترجع لارتباطات واعتبارات عائدة للراكب أو من تكون له علاقة أو رابطة مع هذا الراكب وهذه الاعتبارات العائدة للراكب أو من تربطه معه علاقة أو رابطة هي فيما يبدو كلها اعتبارات تجعل السفر بعد تأخره غير ذي جدوى أو كما وصفه المشرع بأنه تأخير غير عادي أو لا تبقى معه للمسافر جراء التأخير أي فائدة مرجوة من السفر وهذه الاعتبارات تجد تطبيقاتها في تفويت الفرص، وتفويت اللقاءات المهمة، التي تكون فيها المواعيد محددة ومناط اعتبار، إذ لا يبقى معها في حالة حدوثها في غير الميعاد المحدد أية فائدة مرجوة.

 والواضح أن تأخير الوصول يأخذ حكم تأخير السفر مادامت العلة قائمة، فنجد المشرع من خلال المادة 479 يتحدث عن إعفاء الناقل من المسؤولية جراء القوة القاهرة أو الحادث الفجائي حالة تأخر السفر، ولا يشير إلى ذلك حالة تأخير الوصول في المادة 480. وأيا كان سبب عدم ذكر إعفاء الناقل في هذه الحالة إذا تأخر الوصول جراء القوة القاهرة أو الحادث الفجائي وهو نفسه أي المشرع يقرها حالة تأخير السفر، فنرى أن العلة قائمة والغاية مدخلة مادام تأخير الوصول أو السفر قد ينتجان عن القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.

خاتمة:

من خلال كل ما سبق يتضح بأن عقد النقل البري للأشخاص بعوض يرتب التزامات رئيسية على عاتق أطرافه تتمثل أساسا في التزام الراكب بدفع أجرة النقل والتزام الناقل بضمان سلامة المسافر وإيصاله إلى الوجهة المقصودة، خصوصا هذا الالتزام الأخير المتمثل في الإيصال في الميعاد المحدد وضمان سلامة المسافر، وأغلب منازعات هذا العقد تتعلق أساسا بالأضرار التي يتعرض لها المسافر سواء تلك المتعلقة بسلامته المادية والمعنوية وكذا مواعيد الإيصال. كما أننا عملنا من خلال هذا البحث على بسط فرضية النقل الافتراضي الذي يتم من غير التواجد الفعلي للناقل والراكب، وفي ذلك محاولة لمحاكاة ماهية عقد النقل بمفهومه الكلاسيكي مع مفهومه الافتراضي كفرضية أصحبت تطرح إمكانية حدوثها بقوة.


لائحة المراجع:

الكتب

الدكتور محمد كرام، العقود التجارية في القانون المغربي، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى

سارة أوسامة، عقد النقل السككي بين إقرار المسؤولية لمدنية وتأصيل التعويض دراسة مقارنة، سلسلة أعمال جامعية، دار نشر المعرفة، المطبعة: مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة:2018

الرسائل والأطاريح

مروفقة محمد، النظام القانوني لمسؤولية الناقل في عقد النقل البري للأشخاص، مذكرة ماستر تخصص: قانون المؤسسات الاقتصادية، جامعة  ـحمد دراية ـ أدرارـ كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2018ـ2019

كناوي آمينة، مسؤولية الناقل البري عن نقل الأشخاص، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في القانون تخصص: عقود ومسؤولية، جامعة أكلي موحند أولحاج ـ البويرةـ كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2012ـ2013

ميمون بولتام، مسؤولية الناقل البري للأشخاص على التنمية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، شبعة القانون الخاص، سلك الماستر في قانون العقود والعقار، السنة الجامعية 2007ـ2008

المجلات

  • د. براسي محمد، تقدير الالتزام بالسلامة في عقد نقل الأشخاص البري، مقال منشور بمجلة القانون، العدد الثالث جوان 2012
  • المعزوز البكاي، خصوصيات الالتزامبضمان السلامة في مجال نقل الأشخاص، مقال منشور بمجلة القضاء التجاري، العدد:6 المجلد :3 2015
  • مكيد نعيمة، مقال بعنوان ” التعويض عن الأضرار الناشئة عن عقد النقل البري للأشخاص” منشور بمجلة مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليمية، عدد 16
  • عبد الرزاق وهبه سيد أحمد محمد، مقال بعنوان ” مفهوم العقد الذكي من منظور القانون المدني: دراسة تحليلية ” منشور بمجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، المجلد 5، العدد: 8، 30 أبريل 2021
  • ذ. محمد الإدريسي المشيشي العلمي، مقال تحت عنوان ” لهث القانون وراء تهافت العلم والتكنولوجيا ” منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد:156، ص:17.

القوانين

ظهير شريف رقم 1.93.321 صادر في فاتح رمضان 1432 ( 2 أغسطس2011 ) بنشر اتفاقية الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي الخاصة بالنقل البري للمسافرين والبضائع والعبور الموقعة بالجزائر في 6 ماي 1990. الجريدة الرسمية عدد 6049 الصادرة بتاريخ 29 جمادى الآخرة 1433 21 ماي 2012 ).

ظهير شريف رقم 1.04.256 صادر في 25 من ذي القعدة 1425 ( 7 يناير2005 ) بتنفيذ القانون رقم 52.03 المتعلق بتنظيم الشبكة السككية الوطنية وتدبيرها واستغلالها. الجريدة الرسمية عدد 5284 بتاريخ 9 ذو الحجة 1425 ( 20 يناير 2005 ).

ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة. الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 ( 3 أكتوبر 1996 ).

المواقع الإلكترونية

محمد سناجلة، الميتافيرس بداية النهاية لعصر الهواتف الذكية، مقال منشور بموقع aljazera.net

مقال تحت عنوان ” الميتافيرس: هل يصبح هو مستقبل الإنترنت ؟”  منشور بموقع www.bbc.com/arabic

الخبر على الرابط التالي: Alarabiya.net/article/2007

موقع هسبريس  الحكم منشور عبر الرابط التالي: www.hespress.com/477929


الهوامش:

[1] مروفقة محمد، الالتزام القانوني لمسؤولية الناقل في عقد النقل البري للأشخاص، مذكرة ماستر تخصص: قانون المؤسسات الاقتصادية، جامعة  ـأحمد دراية ـ أدرارـ كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2018ـ2019،ص:1.

[2] مكيد نعيمة، مقال بعنوان ” التعويض عن الأضرار الناشئة عن عقد النقل البري للأشخاص” منشور بمجلة مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليمية، عدد 16،ص:1.

[3] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص:1.

[4] مروفقة محمد، مرجع سابق ص:1.

[5] عبد الرزاق وهبه سيد أحمد محمد، مقال بعنوان ” مفهوم العقد الذكي من منظور القانون المدني: دراسة تحليلية ” منشور بمجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، المجلد 5، العدد: 8، 30 أبريل 2021، ص: 83.

[6] ذ. محمد الإدريسي المشيشي العلمي، مقال تحت عنوان ” لهث القانون وراء تهافت العلم والتكنولوجيا ” منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد:156، ص:17.

[7]كناوي آمينة، مسؤولية الناقل البري عن نقل الأشخاص، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في القانون تخصص: عقود ومسؤولية، جامعة أكلي موحند أولحاج ـ البويرةـ كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2012ـ2013.ص: 1

[8] ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة. الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 ( 3 أكتوبر 1996 ).

[9] الدكتور محمد كرام، العقود التجارية في القانون المغربي، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2021، ص: 97ـ98.

[10] ميمون بولتام، مسؤولية الناقل البري للأشخاص على التنمية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، شبعة القانون الخاص، سلك الماستر في قانون العقود والعقار، السنة الجامعية 2007ـ2008.ص:42ـ43.

[11] مروفقة محمد، النظام القانوني لمسؤولية الناقل في عقد النقل البري للأشخاص، مذكرة ماستر تخصص: قانون المؤسسات الاقتصادية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أحمد درايةـ أدرار، ص: 4.

[12] محمد كرام، مرجع سابق، ص: 99ـ100.

[13] ميمون بولتام، مرجع سابق ص: 16

[14] سارة أوسامة، عقد النقل السككي بين إقرار المسؤولية لمدنية وتأصيل التعويض دراسة مقارنة، سلسلة أعمال جامعية، دار نشر المعرفة، المطبعة: مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة:2018، ص:14.

[15] سارة أوسامة، مرجع سابق ص: 14.

[16] ظهير شريف رقم 1.93.321 صادر في فاتح رمضان 1432 ( 2 أغسطس2011 ) بنشر اتفاقية الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي الخاصة بالنقل البري للمسافرين والبضائع والعبور الموقعة بالجزائر في 6 ماي 1990.

الجريدة الرسمية عدد 6049 الصادرة بتاريخ 29 جمادى الآخرة 1433 21 ماي 2012 ).

[17] ميمون بولتام، مرجع سابق، ص:16.

[18] Alarabiya.net/article/2007 الخبر على الرابط التالي

[19] محمد سناجلة، الميتافيرس بداية النهاية لعصر الهواتف الذكية، مقال منشور بموقع aljazera.net

[20] مقال تحت عنوان ” الميتافيرس: هل يصبح هو مستقبل الإنترنت ؟”  منشور بموقع www.bbc.com/arabic

[21] محمد سناجلة، مرجع سابق.

[22] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:30.

[23] محمد كرام، مرجع سابق، ص: 103

[24] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:31.

[25] محمد كرام، مرجع سبابق، ص: 104.

[26] كناوي آمينة، مرجع سابق، ص:11.

[27]المتعلق بتنظيم الشبكة السككية الوطنية وتدبيرها واستغلالها. الجريدة الرسمية عدد 5284 بتاريخ 9 ذو الحجة 1425 ( 20 يناير 2005 ).  ظهير شريف رقم 1.04.256 صادر في 25 من ذي القعدة 1425 ( 7 يناير2005 ) بتنفيذ القانون رقم 52.03

[28] ظهير شريف…

[29] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:42ـ43.

[30] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:48.

[31] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص: 53.

[32] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:39.

[33] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:40

[34] محمد كرام، مرجع سابق، ص110.

[35] محمد كرام، مرجع سابق، ص:111

[36] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:60.

[37] محمد كرام، مرجع سابق، ص:111.

[38] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:60.

[39] محمد كرام، مرجع سابق، ص،111.

[40] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص: 13.

[41] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص: 15.

[42] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص: 67.

[43] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:68.

[44] محمد كرام، مرجع سابق، ص:124.

[45] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:69.

[46] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص: 68.

[47] سرة أوسامةـ، مرجع سابق، ص:69.

[48] محمد كرام، مرجع سابق، ص: 124.

[49] محمد كرام، مرجع سابق، ص:125.

[50] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:68.

[51] محمد كرام، مرجع سابق، ص:124.

[52] د. براسي محمد، تقدير الالتزام بالسلامة في عقد نقل الأشخاص البري، مقال منشور بمجلة القانون، العدد الثالث جوان 2012، ص:10.

[53] المعزوز البكاي، خصوصيات الالتزامبضمان السلامة في مجال نقل الأشخاص، مقال منشور بمجلة القضاء التجاري، العدد:6 المجلد :3 2015، ص:25.

[54] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص: 71.

[55] المعزوز البكاي، مرجع سابق، ص:25.

[56] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص:13.

[57] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:62.

[58] البند 1 من المادة 477.

[59] البند 2 من المادة 477.

[60] البند 1 من المادة 478.

[61] البند 3 من المادة 478.

[62] البند 1 من المادة 481.

[63] البند 3 من المادة 477.

[64] البند 4 المادة 477.

[65] البند2  من المادة 478.

[66] المادة 479.

[67] محمد كرام، مرجع سابق، ص:120ـ121.

[68] محمد كرام، مرجع سابق، ص:120.

[69] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:214.

[70] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص: 259.

[71] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص:33.

[72] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص:33.

[73] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:261.

[74] مروفقة محمد، مرجع سابق، ص:33.

[75] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:261.

[76] محمد كرام، مرجع سابق، ص: 139.

[77] منشور بموقع هسبريس، تاريخ الاطلاع 14ـ01ـ2022 على الساعة 22:30.

[78] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص:279.

[79] سارة أوسامة، مرجع سابق، ص: 279.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)