دعوى المطالبة بالتعويض بسبب عدم اشتغال الكيس الهوائي بالسيارة إثر تعرضها لحادثة

الإجهاض يفرض تمديد أجل وضع التعديلات على مشروع القانون الجنائي

امبارك بوطلحة: حق المرأة في المساواة بين مدونة الأسرة والتزامات المغرب الدولية

25 سبتمبر 2019 - 12:50 ص فضاء المكتبة , أطروحات جامعية , فضاء المكتبة , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

بوطلحة مبارك دكتور في الحقوق

ملخص أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص

حول موضوع : 

 حق المرأة في المساواة بين مدونة الأسرة والتزامات المغرب الدولية

تقرير البحث 

لا تعتبر قضايا المرأة مسألة حديثة، بل شكلت جزء من الحلول لإشكالية التخلف ومعيقات التقدم والتنمية المستديمة، من خلال إهدار حقوق المرأة وكبح طاقتها الإبداعية، ولاسيما تلك المتعلقة بمساواتها للرجل .

ولا شك أن المساواة كمبدأ إنساني وقيمة كونية، من الأفكار الجذابة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ البشري، وكانت قديما تضطهد من قبل التفاضل والتمايز، فالمساواة الاعتبارية شغلت بال فلاسفة والمفكرين عند تقسيم المجتمع إلى طبقات .

فإذا كان الاعتراف بحق المساواة يبدو اليوم بديهي، وأقرت به الأديان السماوية التوحيدية، فإن ذلك لم يكن بالأمس القريب، إذ اعتبر المواطن أفضل من الأجنبي، والرجل أسمى من المرأة، والسيد أرقى من العبد .

وقد سعى المفكرون خلال عصر الأنوار بعد الظلمة التي سادت خلال العصر الوسيط إلى المناداة بالمساواة ومقاومة التفاوت بين الناس، بعدما شغلت المساواة والإنصاف الضمير الإنساني بشكل كبير .  ومن خلال ذلك تم التمهيد لصياغة تصورات شمولية عن قيم المساواة اتخذت أبعادا تتجاوز السيادة الوطنية، وتخطت الحدود والثقافات، وشغلت المنتظم الدولي  واهتمام هيئات الأمم المتحدة، وتمت ترجمة هذه الجهود في الإعلانات العالمية، التي تؤرخ لمعاناة المرأة وسلبها جميع حقوقها الطبيعية والمدنية، وتبنتها جل دساتير الدول وقوانينها الداخلية.

ويرجع الفضل في هذا المسار التغييري للحركات النسائية بكل أشكالها التي نهضت به، في نضالاتها المستمرة من أجل الحصول على حقوقها الإنسانية كاملة، واعتبرت رسالتها رائدة متميزة، ومساهمة جديرة بالاعتبار، فالحركات النسوية منذ نشأتها، انطلقت من مطالبات تحاكي الثورات السياسية، والجهود العلمية والفكرية لتوجيه الضوء نحو ما هو مضمور من سلوكيات وإيديولوجيات وثقافات، تغرس بالمرأة في الظل وسط المجتمعات، بينما يعلو مركز الرجل أكثر .

وتحولت النسوية فيما بعد إلى مشروع أو أطروحة في جميع الفصول المعرفة، وتنوعت كنحل متنوعة : مثل النسوية اليبرالية والماركسية والراديكالية والإسلامية، وتأثرت بالرؤية الإيديولوجية لرواد الحركات النسائية و ميولاتها السياسية .

وحملت  دعوات تحرير المرأة من الجهل والتخلف الاجتماعي، وسعت إلى مقاومة فكر رجولي تمتد جذوره في المجال التاريخي، كرسته بنيات اجتماعية وذهنية، وربطت بين تحسين وضعيتها والتغيير الشامل في قيم المجتمع وشرائعه،  وتحولت جذريا إلى المطالبة بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، متبنية  في سبيل الدفاع عن ذلك المرجعية الدولية التي تتغذى من مدونات حقوق الإنسان، مستفيدة من دعم الهيئات الأممية المهتمة بالموضوع، وهذه  الحركية سواء الوطنية أو الدولية المنشغلة بالنهوض بأوضاع المرأة، لعبت من خلالها تيارات الحركة النسائية سواء العالمية أو الإقليمية دورا لا يستهان به، في بلورة وعي خاص بحقوق المرأة وواكبت عملية تطوير التشريعات للنهوض بحقوق النساء والنضال على مستوى الواقع .

وقد عملت الحركة النسائية على الترويج لخطابها بحمولته الفكرية والفلسفية خارج العالم الغربي، فظهرت فصائل من النسوية في العالم الإسلامي تردد أفكار النسوية العالمية،   فتأثرت بالأفكار الغربية، وأصبحت تدعو تارة إلى استبعاد الدين عن مجال الأحوال الشخصية وتجاوز الازدواجية التشريعية، أو تطويره بما يستجيب لمقتضيات العصر بأدوات منهجية حديثة، وبحثت في مشروعها الفكري عن العوامل التي تؤدي إلى اللامساواة بين الجنسين والقيود الدينية التي تأسر طاقات المرأة في المجتمع،  ونقد المنظومة الفقهية التراثية، والقراءات الأبوية المجحفة للنصوص التأسيسية التي اعتبرتها مسئولة عن إقصاء المرأة، وتكريس دونيتها في كل مناحي الحياة .

إن قضية المرأة وما تحمل من أسئلة متعلقة بالنهوض بأوضاعها وإقرار مساواتها بالرجل، من المفاهيم المقلقة في المنظومة المعرفية، إذ أن إدماجها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية على قدم المساواة يشكل عنصرا أساسيا في التحول الديمقراطي، وأن المقاربات المطروحة في الساحة الفكرية متباعدة، فأضحى يشكل موضوع المرأة المظهر الأكثر تجسيدا للخصوصية، والأوضح تعبيرا عن تفرد الذات في قلب التجاذبات الفكرية، وهو موضوع متجدد في الفكر النهضوي، وخضع لتوظيفات متعددة بين الفرقاء في عرض المطالب النسائية، والتمايز في الأسس المرجعية بين المنظومة المحلية والبعد المعياري، ويتمثل الإشكال الجوهري الذي تمت مناقشته في تساؤلين محوريين هما :

  • ماهي الجذور الفلسفية والمنطلقات الحقوقية لمفهوم حق المرأة في المساواة في المنظومة الغربية، والمرجعية الشرعية للعلاقة بين الرجل والمرأة في الفكر الإسلامي، وتوجهات الدستور المغربي ومدونة الأسرة في صياغة أنموذج يراعي الالتزام بالمعايير الدولية ؟.
  • وإلى أي حد استطاع المشرع المغربي في ظل التحولات الاجتماعية والمتغيرات السياسية والثقافية، صياغة مقاربة توفيقية للمساواة بين الجنسين في مدونة الأحوال الشخصية والتشريعات الوطنية، وكيف جسد القضاء المغربي الاختيارات  الدستورية من خلال الممارسة القضائية  ؟.

ومن أجل مقاربة الموضوع والإجابة على الإشكالات الأساسية والفرعية التي يقتضيها، تم تقسيمه إلى قسمين كما يلي:

  • القسم الأول : المنطلقات الفكرية لحق المرأة في المساواة ونقد خطاب التمييز
  • القسم الثاني : النظام القانوني الوطني والدولي للمساواة بين الجنسين .

وتناولت في  القسم الأول  المرجعية الفكرية لحق المرأة في المساواة سواء في الفكر الغربي أو الإسلامي، ونقد خطاب التمييز في الأدبيات النسائية  من طرف الحركة النسائية التي تقدم نفسها مدافعة عن المرأة .

لقد قام مبدأ المساواة تاريخيا ضد فكر التمايز بأشكاله المختلفة، ويختزل في عمقه صراعا  في ظل حضارات مختلفة، فقد كان هناك تمييز داخل الإنسان، اتخذ أشكالا ومتنوعة، أهمها التمييز الجنسي، وتتشابه هذه الأشكال من حيث أنها تتأسس على أن الطبيعة تتولى تحديد منازل الناس ومراتبهم، ويصبح التفاوت أمرا عاديا تقرره الطبيعة .

ولم يتحقق التوحيد النظري لمفهوم الإنسان إلا في الفلسفة الحديثة،  فقد اعتبر أن العقل الصواب، وكل الناس  رجالا ونساء أوتوا منه الكفاية، وكانت هذه الفكرة الأساس الأولي لفكرة المساواة .

وقد ورد ذكر المساواة والدفاع عنها في كتابات المفكرين القدامى والمحدثين، وفي الإعلانات والمواثيق الأممية التي جعلته مبدأ كوني وأعطته قوة الإلزام . و كانت المطالبة بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة لدى الحركات النسائية في البداية تقتصر على مجالات محددة،  إلا أن مدلوله  سيشهد تغييرا جذريا يمتد إلى الجوانب المساواة الفعلية، التي قد لا تتطابق مع طبيعة  كل منهما في الخصائص البيولوجية والفيزولوجية والسيكولوجية  .

 وهكذا تم الانتقال من المطالبة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، إلى المطالبة بإلغاء جميع الفوارق بينهما، كحل وحيد للقضاء على اللامساواة الموجودة في واقع حياة المرأة في الغرب، بل أكثر من ذلك إنكار وجود هذه الفوارق واعتبارها مجرد بناءات سوسيو ثقافية، أو هي فروق إيديولوجية اجتماعية  دافع عنها المجتمع والثقافات المختلفة بقوة القانون .

وتشكل المواثيق والعهود الصادرة عن المؤسسات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وتوصيات الأجهزة المختصة داخل المنتظم الأممي، آليات لفرض الأسس الفكرية للحركة النسوية، ونشر المفاهيم المعبرة عن فلسفتها، وهو الشيء الذي تعكسه بجلاء مضامين الصكوك الدولية وثائق المؤتمرات التي نظمت الأمم المتحدة .

وأضحت المواثيق هي تجسيد للمعيارية الدولية التي أعلن المغرب عن التزامه باحترام ما تسعى إليه من أهداف، وبذل الجهود من أجل ملائمة تشريعاته الوطنية مع مقتضياتها، وهي مقاربة تتقاطع مع المرجعية الدستورية التي تنهل من الدين الإسلامي، ولاسيما المذهب السني المالكي في وضع محددات لعلاقة الرجل بالمرأة في سائر المجالات، ولاسيما مجال الأحوال الشخصية .

لاشك أن الاختلاف بين الشريعة الإسلامية والنسوية الغربية لا يقتصر على تفسير وتأويل النصوص وطبيعة الحقوق محل التساوي، وإنما إلى الأسس التي تحدد اختيارات كل   من المذهبين الوطني والدولي، فهو الاختلاف في الجذور الفلسفية والأصول الشرعية، ويستدعي ذلك بحث الجذور الفلسفية التي تقوم عليها الرؤية الغربية، وتنزيلات ذلك على الحقوق المطالب تكريس المساواة بين النوعين أمامها، ودراسة الضوابط الشرعية التي يقدم الفكر الإسلامي لتعليل أطروحته بشأن المساواة من خلال دراسة النصوص التأسيسية التي تؤطر الموضوع، والقراءات المتعددة للمدونات الفقهية القديمة والحديثة، وما استخلصت من أحكام اجتهادية تضبط حدود العلاقة بين الرجل والمرأة في الحياة الخاصة والعامة .

وهكذا خصصت الفصل الأول لإبراز المنطلقات الفكرية للمساواة في المعايير الدولية، والفكر الإسلامي الذي تستمد منه مدونات الأحوال الشخصية  المغربية مرجعيتها،  فتناولت بالتحليل المرتكزات المرجعية للمساواة، وقمت بمقاربة التعريف اللغوي للمساواة وبعده الاصطلاحي، وتمييزه عن كتلة من المفاهيم المشابهة أو المستحدثة لخدمته، وهي: التمييز الايجابي والسلبي والمناصفة والإنصاف، وبيان مدلوله في المعايير الدولية  ومختلف المراحل التي مر منها في سبيل تطويعه لخدمة النظرية النسوية في إقرار المساواة المطلقة في ضوء الرؤية النسائية .

كما تطرقت  إلى المرجعية الحقوقية والفلسفية لحق المرأة في المساواة، ذلك أن الأفكار الداعية إلى المساواة قديمة وليست حديثة العهد، ونجدها  في كتابات بعض الفلاسفة الذين دعوا إلى وحدة الجنس البشري على أساسها،  تلك المساواة التي لا تعترف بتميز جنس على جنس، ولا لون على لون، ولا سيد على عبد، وقد عمل فلاسفة الأنوار على تطويرها، وسنتها المواثيق الدولية سواء العامة أو الخاصة .

إن الأسس المعيارية للمساواة  تقوم على مقولة حقوق الإنسان، وهي المدونة العالمية  التي من وجهة نظر الفكر الغربي حصاد لكافة القيم الإيجابية والعليا التي اشتملت عليها الأديان والثقافات الإنسانية، فقد تشكلت نتيجة جهد كوكبة من العقول الفذة استطاعت أن تجمع شتات تلك القيم من كل نفائس الفكر الإنساني على مر العصور، مما يؤهل هذه المدونة لأن تكون مرجعا عالميا يسد الفجوات التي قد تنشأ بين الخصوصيات الثقافية والدينية، ومنظومة حقوق الإنسان تشكل أحد أبعاد تحديد تجليات مفهوم المساواة في الفكر الغربي، لذا فقد قمت بتحديد مفهوم حقوق الإنسان باعتبار أن منظومة حقوق الإنسان هي : الحقل التطبيقي الجامع لتجليات ممتالية النسوية، فهي المصب الأخير الذي تجتمع فيه روافد الثقافة الغربية بحمولتها المتغيرة والمتطورة، ليتم صبها في قوالب على هيئة مواثيق دولية، ويشهد لذلك الجريان المستمر لتلك الروافد والاستيعاب المستمر لها وصياغتها في هيئة حقوق جديدة، وقد تناسلت لدرجة أصبح معها من المتعذر إيجاد تصنيف واف وشامل .

كما عرجت للحديث عن حقوق الإنسان والإسلام ، فنظام الحقوق في الإسلام، لم يأت اعتباطا  ولا استجابة لمصالح فئة من البشر على حساب فئة، وإنما لتغيير أوضاع إنسانية من أجل تحرير الفرد من كل رقابة غير رقابة الله، فمصدر الحقوق هو الشريعة والتي تظل بعيدة عن التجاذبات، وليس إرادة تشريعية منبثقة عن اتفاقات بين فئات من البشر، ويكون الجميع إزاء الحقوق سواسية كأسنان المشط، ولا يملك أحد تبديلها أو تغييرها أو إبطالها . فالمرجعية الإسلامية في خطوطها ومقاصدها العامة، لا تتعارض مع مرجعية حقوق الإنسان، وأن هناك التطابق بين أسس الإسلام النظرية ومنطلقات  الفكر الغربي الحديث .

وفيما يتعلق بالتأصيل الفلسفي للمساواة في الفكر الغربي، فتوخيت فيه نحث مصوغات المدارس الفكرية التي نهلت منها تيارات الحركة النسائية في تقديم مبررات تواجه بها منتقدي المساواة، وإيجاد جذور فلسفية تصمد أمام رياح النقد، لجعلها تنسحب إلى تغطية كل الثقافات المحلية، من خلال مفهوم الجندر والتمركز حول الأنثى .

أ:  مفهوم الجندر :

يوصف مصطلح الجندر بأنه من أعقد المفاهيم  وأكثرها تغيرا، لكونه ينتج باستمرار ظلالا جديدة . و تعمل الجنوسة كمفهوم تحليل في ميدان واسع الدراسة ، تدل على مفاهيم مترابطة مثل : الذكور والإناث، والتذكير والتأنيث، وهي تدل في العادة على التميزيات الاجتماعية والثقافية والتاريخية بين الرجال والنساء، وأحيانا توصف بأنها دراسة التذكير والتأنيث.

مقال قد يهمك :   المتهم بين حجية المحاضر وسلطة القاضي الزجري

إن المنهج الجديد الذي أطلقته حزمة المفاهيم والأدوات النظرية والمقاربات التطبيقية المرتبطة بالنوع الاجتماعي، قد رتب إعادة نظر كلية بقضايا النساء، وتكمن أهمية هذا المفهوم في كونه أنجز فصلا عاما ما بين الثابت والمتغير في العلاقة بين الرجل والمرأة، فإذا كانت البيولوجيا موضوعا ثابتا لا يتأثر بالإرادة الإنسانية، فإن الأدوار الاجتماعية التي تنتجها العناصر المادية والمعنوية بالمجتمع، تتغير من ثقافة لأخرى، بحيث إذا كان جنس الفرد ثابتا لا يتغير، فإن البناء الاجتماعي مكتسب يخضع للتطور، ويحدد الهويات الجنسية، فالنوع الاجتماعي يسمح بالتمييز بين ما هو بيولوجي وما هو اجتماعي وثقافي، وهكذا يشير المصطلح إلى أن الاختلافات بين الجنسين، ترجع للتركيبة الاجتماعية الثقافية، لا إلى الطبيعة البيولوجية القائمة على الجنس .

ب- فلسفة التمركز حول الأنثى

تؤكد حركة التمركز حول الأنثى في إحدى جوانبها الفوارق العميقة بين الرجل والمرأة، وكونها تصدر عن رؤية إمبريالية ، كأنه لا توجد مرجعية مشتركة بينهما، فالمرأة متمركزة حول ذاتها  في حالة صراع كوني أزلي مع الرجل، ومن ثم تتحول حركة التمركز حول الأنثى من حركة تدور حول فكرة الحقوق الاجتماعية والإنسانية للمرأة والتي عمرت طويلا، وشكلت النواة الأولية لحركات التحرير وقوى المجتمع المدني المناصرة للمرأة، إلى حركة تدور حول فكرة الهوية، ونتيجة ذلك فهم يرفضون فكرة توزيع الأدوار وتقسيم العمل داخل المجتمع،   فالقضاء على الأدوار المرتبطة بالجنسين لن يتحقق إلا بالقضاء على الأدوار الثابتة التي يقوم بها الرجل والمرأة، وانطلاقا من هذه الرؤية ينادى دعاة التمركز حول الأنثى بإعادة صياغة كل شيء : التاريخ واللغة والمعارف والرموز، بل الطبيعة البشرية ذاتها  .

وهكذا  قامت فلسفة المساواة بين الجنسين في الفكر الغربي على مقاربة مفهوم النوع، هذا المفهوم اكتسب شعبية وانتشارا كبيرا، أفقده القدرة على التحليل والنقد، والنتيجة أنه ليس هناك إجماع حول استعمال المفهوم في العلوم الاجتماعية . ويستشعر الباحث نحوه بنوع من القلق المعرفي بخصوص حمولته ودلالاته الاستكشافية، بالنظر إلى تعدد استعمالاته ووظائفه، فلم يعد مجرد مفهوم علمي يستمد شرعيته الابستمولوجية من الدراسات الانثربولوجية، بل تحول إلى مفهوم معياري وأداة نقدية موظفة من قبل الحركات الاجتماعية وخاصة النسائية  .

وبعد ذلك انتقلت للحديث عن المرجعية الفكرية لحق المرأة في المساواة في الفكر الإسلامي، والذي تجسده تشريعيا في إطار العلاقة بين الرجل والمرأة، مدونة الأسرة المستمدة من المذهب السني المالكي، واستعرضت أفكار الحركة النسائية بالمغرب على مختلف تياراتها وحدود مطالب المساواة في أدبياتها، قبل معالجة موقف الشرع من قضية المساواة والمنهجية التي طبعت عمله في التعاطي مع الموضوع  .

فبخصوص أسس المساواة لدى الحركة النسائية المغربية، وقبل الحديث عن موقف التيار اليساري من المساواة، تطرقت إلى مفهومي العلمانية والحداثة لديه، ونقده التراث الإسلامي من خلالهما، تم ناقشت محددات المساواة من وجهة نظر الفصيل اليساري،  فوجدت أن المساواة أصبحت  مفهوم مركزي في خطاب وأدبيات الاتجاه اليساري ومطلبها الأساس والجوهري، والمرتكز الفكري والقانوني الذي ينبغي أن تبنى على أساسه كل التغيرات التي ينبغي القيام بها من أجل تحسين أوضاع المرأة، بما في ذلك الدعوة إلى  ملائمة القوانين المغربية مع مقتضيات المواثيق والإعلانات الدولية، بما يوجب ضرورة إلغاء جميع النصوص التشريعية التي تتضمن ميزا بين المرأة والرجل في الحقوق،  ولن يتحقق ذلك  في نظرها إلا  بتبني القيم الكونية لثقافة حقوق الإنسان استنادا إلى الصكوك الدولية .

ترى النسويات المنتميات للاتجاه العلماني، أن النسوية بالأصل حركة حقوقية مدنية ترفض إقحام الدين في الحياة العامة، إذ ترى أن القرآن واضح بشأن تفضيل الرجل على المرأة في المجال الدنيوي، وإن ساوى بينهما في المجال الروحي، مما يجعل التحرك النسوي خارج الإطار الإسلامي أمرا لابد منه، فالتشريعات العربية ما زال نظام القوامة يبسط ظلاله عليها . ويجب إقصاء الدين عن الحياة التشريعية لإخلاء المكان للبديل الإنساني، فالحلول الآتية من الماضي لا تحقق المساواة، لأن المساواة لم تكن من مطالب واهتمامات القدامى، وأن كتلة الأحوال الشخصية هي أقوى حصن من حصون نظام الفحولة، لأنها الضمان الوحيد لبقاء الأدوار الجندرية التقليدية .

وترى النسويات أن المرأة سجنها الفقه التقليدي ضمن المركزية الذكورية، وإن أعطاها القرآن مساواة نسبية مع الذكر،غير أن القراءات التقليدية للنص كثفت النهج الذكوري، فاستبعدت النساء من المجالات الدينية والعامة، مما يتطلب إعادة وضع النص في سياقه التاريخي، فالجزء الأكبر من فقه المرأة نهض على الخطاب القمعي، فبدا الله في الإسلام، كما لو أنه عدو للنساء بسبب سيطرة التأويلات الذكورية على المقدس، اجتماعيا ومؤسساتيا وثقافيا.

وبعد ذلك انتقلت لمناقشة  المساواة في أدبيات الحركات النسائية الإسلامية، التي تتبنى المرجعية الإسلامية، فهي تدعو إلى تجديد فقه السلف وتطويره، وفق أصول الشريعة الإسلامية، و تؤكد النسويات الإسلاميات على اشتمال القرآن على المثل والمبادئ العليا المتعلقة بالحقوق الإنسانية، ويرين إمكانية تبني إطارا للمساواة والعدل، يتسق مع مقاصد الدين الإسلامي ومبادئ حقوق الإنسان، باعتبار القرآن يمهد الطريق نحو العدل والمساواة بين الجنسين، مثلما مهد  للقضاء على مؤسسة العبودية.

وتقتنع بالانفتاح على الكسب الإنساني الراشد والسليم انفتاحا إيجابيا، على اعتبار أنه إرث بشري ناتج عن تراكم حضاري إنساني عبر التاريخ، وترفض رفضا باتا التبعية لإملاءات ما يسمى بالمعايير الدولية التي تخالف بعض مقتضياتها شرع الله، أما التي لا تخالفه فلا نقاش فيها . ويتسم خطاب التنظيمات النسائية الإسلامية في موضوع المرأة بالانطلاق من ثوابت المرجعية الإسلامية والدفاع عنها، وتحكيمها فيما عداها من المرجعيات .

 وتناولت نظرية العدل بين الجنسين في الفكر الإسلامي، وأشرت في البداية إلى أن بوادر الإصلاح وخطط النهضة بدأت مبكرا في العالم الإسلامي لمجابهة التخلف، وانطلقت من الشريعة من خلال قراءة تنويرية لأحكام الدين مع الإصلاحيين الأوائل، بما قدموا من أفكار مستنيرة مستمدة من الأصول الشرعية، في معالجة الإشكاليات المتعلقة بأحكام المرأة والسعي إلى تحريرها وفق ضوابط الشرع ومقاصد الشريعة .

فالحديث عن نظرية المساواة في الفكر الإسلامي، يقتضي الحديث عن الاختلافات بين الجنسين من حيث المفهوم والمجال والنطاق . وقبل استعراض موقف الفكر الإسلامي بخصوص ذلك، تطرقت إلى مفهوم العدالة بتوظيفاته المتعددة كنسق يحدد العلاقة بين الجنسين، تنطلق من تحديد التعريف اللغوي في المعاجم ومدلول اللفظ قديما وحديثا، وبيان المفهوم الاصطلاحي واستعمالاته في مختلف حقول المعرفة، ولاسيما  المجال الفلسفي والفكري .

تم تناولت بالتحليل  نظرية العدل في الفكر الإسلامي، إذ يقدم حول موضوع العلاقة بين الجنسين، مقولة متكاملة تتفق مع الحقائق العلمية المعاصرة،  فالاختلاف بين الجنسين أمر قديم في أدبيات الحديث عن حقوق المرأة،  فالرجوع إلى آثار الثقافات والحضارات المختلفة، فإنها تشير إلى رسوخ هذه الفكرة، ونجد لها شذرات لدى الفلاسفة القدامى، وتكاد تكون الاختلافات بين الجنسين من المسلمات بين الفكر الغربي، إذ اعتمد العقل الغربي على الأبحاث التجريبية والنظريات العلمية في التأصيل للاختلافات البيولوجية  .

ومن جهته، فإن التصور الإسلامي قدم أنموذجا في هذا المجال، ينبع من النص الديني، ويؤكد أن المرأة ليست أقل ولا أكثر من الرجل في قيمتها الإنسانية، ولا منزلتها الإيمانية،  لكن وظيفة كل منهما في الحياة تختلف باختلاف طبيعته الجسمانية والنفسانية، واختلاف إمكاناته الفطرية التي فطره الله عليها،  فعدم المساواة بين النوعين يبدأ من حقائق بيولوجية  .

إن المساواة في التشريع الإسلامي أصل، وموانعها هي عوارض فطرية وشرعية، إذا تحققت تقتضي إلغاء حكم المساواة، لظهور مصلحة راجحة في ذلك الإلغاء، أو لظهور مفسدة عند إجراء المساواة، وبالمقابل لا تتأثر المساواة بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية، بما يمنح أحد الجنسين  من رخص شرعية، تهم مثلا : الصيام والحج والصلاة .

إن خطاب الشريعة مبناه المساواة، فكان من أصول الفقه الإسلامي، وبمقتضاه اعتبر ما جاء في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة متوجها إلى سائر الأمة،  فوصف الذكورة والأنوثة لا مدخل له بحد ذاته في اختلاف الأحكام بين الرجل و المرأة، فكل ما شهدت الفطرة بالتساوي فيه بين الناس، فالإسلام يرمي فيه إلى المساواة، وكل ما شهدت طبيعة الإنسان بتفاوت المواهب البشرية فيه، فالإسلام أعطى ذلك التفاوت حقه بمقدار ما استحقه ، فيساوي بين البشر، ويقرر أنه لا فضل لعربي على أعجمي  إلا بالتقوى، وأبطل ما ينافي ذلك، فلا يتفاضلون إلا بوجوه الخيارات الإرادية، بناء على أوصاف مكتسبة غير لصيقة بالإنسان .

وبتتبع وتأمل آيات القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية، نلحظ أن الأصل فيها مساواة الرجل للمرأة في الحقوق والواجبات، فلا فرق بين الذكر والأنثى، ومظاهر هذه المساواة بينهما واضحة وصريحة، وتمتد تجلياتها في الإسلام لتشمل مجال الأحكام، فكلاهما متساويان من حيث التكاليف الشرعية والثواب والعقاب .

ويعد مبدأ المساواة إذن أصلا ثابتا في الشريعة الإسلامية بمقتضى نصوص قطعية الدلالة والورود، ولا يستثنى من هذا الأصل إلا  أحكام محدودة شرعت مراعاة لخصوصيات المرأة، وهي أحكام لا تثبت إلا بالنص، ولا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها إلا بدليل، وعدم التساوي  في شؤون الحياة الدنيا، يجب فهمها بوصفها استثناء، أي نصوص ذات دلالات خاصة ، وأن يعاد تأويلها وتفسيرها في ضوء نصوص التساوي الأساسية  .

ومقصد الاختلاف بين الجنسين في الشريعة يظهر من خلال كون التفاضل بين الجنسين يتم على أساس العقيدة، أما الاختلاف في بعض الأحكام، إنما مرجعه خصائص كل واحد منهما وتباين  الوظائف والأدوار، وتظل مشروطة بتأكيد الفوارق الشرعية الفاصلة بين الجنسين.

والقرآن الكريم، وإن أشار إلى صراعات كثيرة ومتعددة، بين ضدين كالحق والباطل، والخير والشر، إلا أن آياته لم تتضمن الإشارة إلى أي صراع بين الرجل والمرأة، وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على أنهما  حيث إنسانيتهما على حد سواء، مشتركان بالسوية في إعمار الكون  وخدمة الإنسانية  كل في مجال اختصاصه، مما يوصلنا في نهاية الفصل الثاني إلى أن مقاربة الاختلاف والتساوي، لابد من تحليل النص سواء الديني أو القانوني، وتوجيهه في كليته نحو تحقيق المساواة، وفق أصول الفقه التي تضع ضوابط  بحث النص الديني،  والاجتهاد في هذا المضمار يتوخى تحقيق انسجام بين النص والواقع، وتحري  مصالح العباد بأدوات  منهجية محايدة، تكسبه الطابع العلمي، على ضوء مساءلة المقاصد الشرعية كإطار قابل للتجديد، والسعي إلى تطهير الدين من العوائد الفاسدة التي تترسب مع توالي الأزمان، وتلوث روح الشريعة الناصعة، وتدعو إلى مراجعة نقدية بناءة لأقوال السلف الصالح، التي لم تعد تساير بيئة العصر، ومصالح الناس المستحدثة، واستيعاب الجديد في نطاق وسطية الإسلام  .

أما الفصل الثاني من القسم الأول فخصصناه للحديث عن  جهود الحركة النسائية في مجال المساواة بين الجنسين، واستعرضت موجات الحركة النسوية، بحيث انشغلت الموجة النسوية الأولى بمعالجة عدم المساواة الاجتماعية والقانونية التي كانت تعاني منها المرأة خلال القرن التاسع عشر في  أوروبا، فيما يتعلق بقضايا التعليم والتوظيف وتطوير حقوق النساء.

تم تجاوزت مطالب النسويات في المرحلة الثانية من الدعوة للمساواة في الحقوق إلى التحرر الكامل، وشكلت مسألة الاختلاف والمساواة القضية الرئيسية، وقد نقل مضمون أفكارها التي أنتجت في الحقل المعرفي إلى دول الجنوب وما وراء البحار، إلا أنها تقاطعت في العديد من رؤياها مع الخصوصيات المحلية .

مقال قد يهمك :   إسماعيل ملوكي : ترجمة المصطلحات القانونية إلى العربية-طبيعتها و تحدياتها-

لقد تأثر العالم العربي والإسلامي بالحركة النسوية الغربية، الأمر الذي تجسده بجلاء حركات تحرير المرأة في العديد من البلدان العربية ، ففي المرحلة الأولى بها كان الحديث عن حقوق المرأة ومناصرتها يتأتي في سياق البحث عن حلول للنهضة العربية في ضوء العلاقة العضوية بين التحول الديمقراطي وتحرير المرأة، وشكل الفقه التجديدي الإصلاحي أحد مولدات حركات التحرر النسائي، وقد انصب اهتمام النسوية في مجال المرأة حول قضايا تحرير المرأة وإقرار المساواة الاجتماعية والقانونية .

وتولدت فيما بعد في الساحة المعرفية تيار من النسوية  الإسلامية – بنفحة العلمانية – ترى أن النظام الذكوري الأبوي، حول المساواة التي أرسى الإسلام إلى أداة لاضطهاد النساء، وأن المنظومة الفقهية حولت المرأة المسلمة إلى كائن سلبي، فالقوامة والدرجة والعدة والختان وطاعة الزوج والنشوز والإرث والديات والمهر والشهادة، مواضيع تشكل جزءا طفيفا من اللامساواة الفقهية بين الجنسين،  وأن فقه السلف بتر المساواة القرآنية، وقرأ النص قراءة ذكورية تعلي من مركزية الذكر وتهمش الأنثى .

وتناولت مظاهر التمييز بين الجنسين في خطابها، والتي تتجلى في مؤسسات البطريركية والهيمنة الذكورية، والصور النمطية للمرأة في المجتمع  والمرتبطة بدونية جسد المرأة ، فلاحظت النسوية أن القرآن حط بشكل صريح من شأن الأنثوي في الآيات التي تعلن أفضلية الرجل على المرأة، ويكتشف تاريخ الإسلام الفقهي عن حقل دلالي خصب، قوامه إخضاع الأنثى لرغبات الذكر . وبحثت الأدبيات النسوية التحيزات الاجتماعية من خلال مؤسسة كالحجاب، ورأت الأقلام النسائية  أنه أنموذج للتمييز الجندري، يدعم  الفوارق الجنسية والطبقية، فأضحى يعكس سلطة التمييز التي أقامها المقدس والتاريخي بين الجنسين عبر البوابة الدينية والمجتمعية.

ومن خلاله طرحت المدونات الفقهية معادلة المرأة / الفتنة، ليبقى الحجاب شكل من أشكال التمييز نهضت به المنظومة الذكورية – الفقهية، ويكرس الاختلاف العميق بين الذكر و الأنثى من طريق الخلاصات الفقهية، وترى أن معركة الحجاب هي معركة في سبيل المساواة بين المرأة والرجل، والتخلص من الذهنية البطريركية، والانخراط في المنظومة الكونية.

كما عالجت النسوية مسألة منع الاختلاط في الفضاء العام، وترى أن  “مركزية الأنا الذكورية ” تسيطر  على جسد الأنثى في الإسلام الفقهي، الذي نظر إلى المرأة من خلال أمكنة العورة ومفاتنها . وتبعا لذلك تكدست الآراء الفقهية ونهضت بعدتها على أساس مصادرة حق المرأة المسلمة في التعبير والمشاركة في المجال العام إلى جانب الرجل، وأصبحت المرأة في الإسلام البطريركي سجينة الجسد، واتجه أكثر الفقهاء إلى وضع مجموعة من شروط لخروج النساء إلى الفضاء العام، وأقاموا بذلك تمييزا بين النوعين أدى إلى تأسيس هندسة جندرية على عتبات المقدس.

 واستعرضت في هذا الفصل أيضا نقد الحركة النسائية  لخطاب اللامساواة،   ذلك أنه في ضوء المبررات الفقهية لقوامة الزوج، خولت قوانين أحوال الشخصية للرجل رئاسة الأسرة ومتعته بمجموعة من الحقوق التي تعتبر من تبعات القوامة، فرسمت الخطوط الرئيسية لمؤسسة الزواج التي  تفرض تراتبيا هرميا  اعتبر ترسيخا لدونية المرأة، وتمحور النقد النسوي حول مفهومي القوامة والطاعة، في ظل التفسيرات التقليدية وما نتج عنها من تعزيز السيادة للرجل والاحتقار للمرأة .

وامتد النقد النسوي لموضوع توزيع الأدوار والوظائف  بين الجنسين في الأسرة والمجتمع بحسب الجنس في المدونات الفقهية، وتعتقد – وفق لأرائها –  أنه بالعودة إلى القرآن الكريم يتضح  للنسوية، أنه لا يقيم تمييزا أنطولوجيا بين الرجل وبين المرأة، لا تراتبية ماهوية بين الجنسين، مما جعل أدوار الزوجين تعرف تغييرات بنيوية ووظيفية تسائل فقه السلف الصالح  .

القسم الثاني : المساواة بين الجنسين في المعايير الدولية والتشريع المغربي

خصصت الفصل الأول من هذا القسم لمعالجة المساواة بين الجنسين في المعايير الدولية والقانون المغربي، ذلك أن حقوق المرأة وخاصة المساواة  لم تتجاوز الحدود وتصل إلى كل أقطاب العالم إلا إبان عصر الأنوار، حيث نادى الفلاسفة ومنظرو  الفكر السياسي والحقوقي بضرورة مجابهة اللامساواة التي عانت منه المرأة، في سائر المجالات، فكانت أفكار هؤلاء المفكرين هي أساس الثورات الإنسانية الكبرى، وبمثابة مقدمات حثت المجتمع الدولي على  صياغة مجموعة من المواثيق  والإعلانات، فاهتمت هيئة الأمم المتحدة منذ نشأتها بقضية المرأة وركزت في اتفاقياتها ومؤتمراتها على الإقرار بأهمية المساواة بين البشر،  وسعت إلى النهوض بالمساواة  بين الرجل والمرأة .

 وتنوعت الصكوك الدولية التي تعنى بحقوق المرأة، وتوزعت ما بين المواثيق ذات الصبغة العامة أو تلك التي تهتم فقط كالنساء، بعدما لاحظت المجموعة الدولية أنه ما  يزال هناك، تمييز واسع النطاق ضد المرأة. وعقدت المؤتمرات التي تضمنت أشغالها ثراءا فكريا يعبر عن موقف الدول انطلاقا من مرجعياتها المتعددة، ويمهد الطريق لبلورته في شكل صكوك أممية، واتجهت في توصياتها  نحو القضاء على الممارسات المجحفة، وإلغاء جميع التمايزات العرفية والقيود التشريعية التي تنقص من قيمة المرأة في المجتمع ، كما توصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة بين الرجل والمرأة، و خطوات لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تجعل من التمييز عرفا متماديا، وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، وحظر أشكال التمييز بسبب السلالة أو الجنس أو اللغة أو العقيدة أو اللون  أو الرأي السياسي  أو المنشأ الوطني أو الأصل الاجتماعي أو الثروة   أو الإعاقة أو الحالة الزوجية  أو الانتماء النقابي .

و إلى جانب المقاربة الدولية لحق المرأة في المساواة، نجد على المستوى الوطني أن المغرب سعى لإيجاد رؤية تبرز تعاطيه مع الموضوع  داخل النسق التشريعي، منذ أول وثيقة دستورية في بداية الاستقلال، وقد عبر دستور سنة 1996  بشكل حقيقي عن الالتزام بما تقرره المجموعة الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعمل المغرب برغم من التراث الفقهي المالكي في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، على تسريع وتيرة الإصلاحات المؤسساتية والقانونية، وهي الجهود التي بذلها المغرب، وتكللت بدستور 2011 ، المؤطر والمؤسس لتعاقد دستوري مجتمعي جديد من أجل المضي قدما في بناء مجتمع قوامه تكريس حقوق الإنسان والرقي بها.

وقد صادق المغرب منذ الحصول على الاستقلال على عدة اتفاقيات، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة، فشكلت هذه  المكتسبات القانونية الجديدة  توجها الدائم نحو الانفتاح والتفاعل مع محيطه الإقليمي  والدولي، مزج من خلالها بين ما هو خصوصي بالهوية الوطنية بروافدها الإسلامية والعربية والأمازيغية والإفريقية، وما هو عالمي وكوني بخصوص القيم المشتركة للبشرية فيما يخص النهوض بحقوق النساء  .

وأقدمت المملكة المغربية في مسار وفائها بالتزاماتها الأممية المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة على سحب التحفظات، ورفع التصريحات الذي سبق أن قدمت بشأن اتفاقية مناهضة أشكال التمييز ضد المرأة، والموافقة على البرتوكول الاختياري لها .

 وأكد  الدستور الجديد انطلاقا من ديباجته، على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما .

وعلى المستوى التشريعي، نسجل أنه قبل خضوع المغرب للحماية، كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي، ومن خلالها تبلورت أحكام الفقه المالكي التي أغناها الاجتهاد القضائي وفقه النوازل، الذي أبرز تنوع المعطى التشريعي في تكريس مقاربة عادلة للعلاقة بين الرجل و المرأة، وتطورت هذه المقاربة مع دخول الحياة الدستورية وإقرار الدساتير، وصياغة نصوص جديدة  تؤطر فروع القانون الخاص والعام ، وقد تضمنت في طياتها العديد من الأحكام القانونية المتعلقة بالمساواة وضمان تمتع النساء بها، وقام فضلا عن ذلك بمجموعة من الإصلاحات التشريعية همت مجالات مختلفة تتعلق بالجانب السياسي والاقتصادي والمجال المدني والاجتماعي، بما يتلائم مع تطور مفهوم حق المرأة في المساواة في ظل المحددات الدستورية، وفاء لالتزاماته الدولية واستجابة للمتغيرات الحاصلة في المجتمع، فشكلت هذه الإضافات قيمة حقوقية  تعزز  الترسانة القانونية التي يتوفر عليها المغرب، والتي تثري رصيده القانوني والحقوقي .

وإلى جانب الإقرار القانوني للمساواة، سعى لتطوير القدرات والآليات المواكبة للتعديلات التشريعية، بإحداث مؤسسات تعمل على ترجمة وتنزيل الاختيارات الدستورية، وتتولى تقييم السياسات، كهيئة المناصفة ومحاربة أشكال تمييز، ولجنة المناصفة  بالأحزاب، وصندوق دعم تمثيلية النساء في الانتخابات، ولجنة المساواة وتكافؤ الفرص بالجماعات الترابية.

وواكب ذلك اتخاذ مبادرات وخطط حكومية، و هكذا أعدت الحكومة المغربية في مجال النهوض بحقوق المرأة، الخطة الحكومية  للمساواة في أفق المناصفة  المسماة  : “إكرام”، وخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والميثاق الوطني لتحسين صورة النساء في الإعلام .

ومن جهته، فإن القضاء الموكول له حماية الحقوق والحريات وضمان سيادة القانون، انخرط في هذا الورش المؤسساتي، وعمل على صياغة مقاربة قضائية تروم من جهة تكريس المساواة أمام القانون و حماية مكتسبات المرأة في مجال المساواة، وتجسيد إرادة المشرع في كفالة حقوق المرأة بما يتماشى مع تغير الظروف وتطورها ، في إطار الضوابط الدستورية التي تشرع لرؤية تشريعية للمساواة بين الجنسين .

  وفي سياق ما يخص موقع الاتفاقية الدولية المتعلقة بحق المرأة ضمن التشريع المغربي وحدود تطبيقاتها، نص الدستور الجديد في ديباجته على جعل الاتفاقيات الدولية  تسمو على التشريعات الوطنية وفق الشروط الدستورية، فأبرز موقفه بشكل واضح من الالتزامات الدولية خلاف للدساتير السابقة، مما شكل قفزة نوعية . وتحدد الوثيقة الدستورية الجديدة الضوابط  القانونية، ليأخذ المقتضى الدولي مركزه  في التشريع الوطني، ويسمو على باقي التشريعات العادية، وفق ما يستشف من تصدير الدستور، وباقي مواده ولاسيما الفصل 19 منه .

وبخصوص الكفالة القضائية للمساواة بين الجنسين، فقد سعى القضاء إلى بلورة رؤية واضحة في تعاطيه مع مبدأ المساواة، سواء في مفهومها العام الذي ينصرف إلى ضمان مساواة جميع المواطنين أمامه و تكافؤ الفرص، أو الخاص القائم على معيار العدل والإنصاف ومقاربة النوع، وقد تناولت  موقف القضاء المغربي من  تطبيق المعايير الدولية المتعلقة بالمرأة قبل الدستور الجديد، والذي عرف  اتجاهين مختلفين :

الاتجاه الأول يعطي أولوية للمعايير الدولية، والاتجاه الثاني يرجح التشريع الداخلي على التشريع الدولي .

 وعلى مستوى كفالة الضمانات القضائية، فإن العدالة الدستورية أكدت أن القوانين التنظيمية ذات الصلة بموضوع المساواة بين الجنسين، مطابقة للدستور بما اتخذته من أحكام تفصيلية لتنزيل مقتضياته في مجال التمييز الايجابي، لتشجيع المرأة  لتولي الوظائف الانتخابية في أفق تحقيق المناصفة  – باعتبارها هدفا تسعى الدولة إلى بلوغه -، وتيسير الولوج الفعلي إلى مناصب المسؤولية ، وقضت أيضا أن تخويل النساء وضع خاص بواسطة الدائرة الانتخابية الوطنية، وتحفيز المرشحات الإناث بغض النظر عن سنهم، هو سعي إلى تحقيق غاية مقررة دستوريا .

وخصصت الفصل الثاني من القسم الثاني، للحديث عن  مركز المساواة بين الجنسين في مدونة الأسرة، بحيث تطرقت للإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه، إلى ظهور حركة تقنين التشريعات بالمغرب، إذ نادت الحركات النسائية بتدوين الفقه الإسلامي عقب الاستقلال، ذلك أنه خلال فرض الحماية عرف المغرب عملية تقنين واسعة، لكنها لم تشمل الأحوال  الشخصية والميراث، وهكذا فإنه في بداية الاستقلال أسست لجنة لم تكن مهمتها قاصرة على وضع قانون للأحوال الشخصية، وإنما لتدوين أحكام الفقه الإسلامي .

 وقد ظهرت البوادر الأولى التي تدعو إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية في مرحلة مبكرة على صياغة مدونة الأحوال الشخصية من أجل ملائمتها مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وهمت هذه الخطوات تعديل سنة 1993، الذي جاء في سياق حراك قادته جمعيات نسائية يهدف إلى تغيير قانون الأحوال الشخصية، إلا أنها لم تكن كافية، ولم تعبر عن طموحات الأسرة المغربية، و تستجيب لانتظارات الحركة النسائية، وبقيت غير منسجمة مع الاتفاقات والمواثيق الدولية المتعلقة بالمرأة، وفي ظل هذه الأوضاع، وخاصة أن الخطة الحكومية لإدماج المرأة التي تمت فيما بعد، خلال سنة 1997 لقيت معارضة من تيار كبير داخل المجتمع، أجري تعديل جوهري  بمبادرة من جلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين، ذو طابع مجتمعي انتهى بإقرار مدونة الأسرة في صيغتها الحالية، ولا تزال محل تجديد لخطاب عدم الرضا، وتدعو الحركة النسائية إلى استحقاق المرأة للمساواة في إطار الأسرة بدون قيد أو شرط يرتبط بمعيار الجنس، وهي تحديات تواجه المشرع الأسري في استيعاب المعايير الدولية وحدود التعاطي معها وفق الضوابط الشرعية، و تبني القيم الكونية المؤسسة للمساواة في بعدها المعياري من قبل التيار العلماني .

مقال قد يهمك :   محكمة النقض : المشغلة غير ملزمة باتخاذ نفس العقوبة على كل العمال الذين تشاجروا

وفي المقابل تصطف باقي مكونات الحقل الفكري والمتهمين إلى جانب النسخة الجديدة لمدونة الأسرة،  هذه الأخيرة التي يتضح من متنها، أنها التزمت بالثوابت الشرعية، وأساسا قواعد الفقه المالكي مسلكا ومنهجا، مع النهل من المذاهب السنية الأخرى عند الحاجة، بما يتناسب مع حاجيات العصر والانسجام مع مضامين المواثيق الدولية ، بقصد إقرار مساواة بين مكونات الأسرة المغربية ، وتأسيس علاقة أسرية مبنية على  العدل والإنصاف .

لا شك أن التحولات المتعددة الجوانب التي مست بنية المجتمع المغربي، ومن خلاله الأسرة المغربية، أدت إلى خلق بنيات اجتماعية واقتصادية تختلف كثيرا عما كان سائدا في الماضي، وهذا ما كان له انعكاسات على بنية الأسرة ووظائف الزوجين داخلها، ومن هنا برزت تصورات جديدة للعلاقات الأسرية عموما، وللعلاقة بين الزوج والزوجة خصوصا، تستند على مبدأ تساوي الجنسين في الحقوق والوجبات خلال كل مراحل الحياة الأسرية وانحلال ميثاق الزوجية، وتعزيز المركز القانوني للمرأة في مدونة الأسرة .

وقد قمت بدراسة وتحليل الاختيارات التي جسدت مدونة الأسرة الجديدة  في تنظيم علاقة بين الرجل والمرأة برؤية واضحة وإرادة صادقة في السعي إلى إقرار المساواة بين الرجل والمرأة، ومراعاة تطور وضع المرأة من زوجة مطيعة إلى زوجة شريكة، بحيث انطلقت من تبني مفاهيم حديثة لا تمس كرامة وإنسانية المرأة، مفعمة بالحياد العادل، وتنخرط في المنظومة الدولية وما تتوافق عليه الأمم التي يتشكل منها المنتظم الأممي . وكرست من خلال أحكامها مظاهر المساواة خلال مرحلة إنشاء عقد الزواج، وإزالة الوصاية على المرأة في التعبير عن إرادتها في الزواج،  وأثناء قيام الزوجية من خلال الأحكام التي قررت مدونة الأسرة للتدبير المشترك للحياة الزوجية والإشراف على الأبناء، وخلال انحلال ميثاقها، وما ينتج عنه من آثار تتعلق بالإرث والأموال المكتسبة .

وقد خلصت في الخاتمة إلى مجموعة من الخلاصات لمختلف النقاط التي تناولتها في أقسام الدراسة، وبينت فيها الإشكالات التي تناولت والعوامل التي أفرزتها، والحلول التي انتهيت إليها، واستعرضت المقاربة القانونية التي نهج المشرع المغربي، والمسلك التوافقي الذي سلك لتحقيق التوافق بين المرجعتين الدولية والدينية،  في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتدويل حقوق الإنسان، وما يحمل من تنافس بين الخصوصية والعالمية، في ظل محاولات إقصاء قيم التعايش  والتسامح بين الحضارات والثقافات .

 وأوضحت أن الخطاب النسوي الغربي المهيمن، وما يحمل من تراكمات معرفية في نطاق حقوق المرأة، والذي تقوم جذوره الفكرية والفلسفية على الفكرة المساواة المطلقة المبنية على مدونات حقوق الإنسان، امتد إلى العالم العربي والإسلامي الأمر الذي تجسده بجلاء حركات تحرير المرأة في العديد من البلدان العربية  .

لا شك أن احتدام الجدل بين الأطياف الفكرية المتواجدة في الساحة العمومية بالمغرب والمهتمة بقضايا المرأة، ومراعاة للسياق الدولي، والجهود المبذولة من طرف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، كلها عوامل تضافرت في تشكيل مقاربة دستورية وقانونية لحق المرأة في المساواة، تجسدت بشكل أساسي في الدستور الجديد الذي يعد امتداد للدساتير السابقة، والمرجعية الدينية، ومدونة الأسرة – بوصفها القانون الذي يجسد أساسا المنظومة الدينية – في صيغتها الحالية مكسبا تشريعيا مهما يجسد عبقرية العقل الإسلامي – المغربي – في تقبل الاختلاف واحتوائه، ومراعاة التطورات التي لحقت الأسرة المغربية، واعتبرت المدونة في صيغتها الحالية إنجازا تاريخيا رائدا، انفتحت من خلاله  على المعايير الدولية ذات الصلة، بحيث بدا أن الصكوك القانونية للأمم المتحدة تتوافق معها   .

وجسدت  مدونة الأسرة في مقتضياتها مبدأ المساواة بين الجنسين، كأحد  المبادئ الراسخة التي تشكل قطب الرحى في السياسات التشريعية، وكرسته  وفق أصول الدين ، وأسست العلاقة الأسرية في ضوءه، فالتشريع المغربي في تعامله مع موضوع حق المرأة في المساواة، ظل مخلصا للثوابت الدينية  ومبادئ الدستور، فيما يقرر من تبني للمساواة بين الرجل والمرأة، وإقرار حقوقها مساوية للرجل، وهي رؤية تختلف من مجال إلى أخر .

وفي نطاق الأحوال الشخصية، بدا الأمر شديد الحساسية، وله صلة بأصول المذهب الرسمي للدولة، فعملت مدونات الأحوال الشخصية على تنزيل مقاربة النوع وفق منظور دستوري –  شرعي، يتسم بالنسبية والتكاملية في الحقوق والواجبات .

ورغم المكاسب التي حملت المدونة الجديدة للأسرة، لا تزال التيارات النسوية تقدم المزيد من المطالب التي تضع المشرع الأسري أمام العديد من التحديات والرهانات، وتساؤل المنظومة الفقهية، والتي نجملها في ما يلي :

  • أ – الدعوة إلى الإسراع باستكمال مسلسل المصادقة على الصكوك الفئوية الخاصة بالمرأة، ويعلق الأمر باتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقوده، والاتفاقية المتعلقة بجنسية المرأة المتزوجة .
  •  ب-  إلغاء أحكام التعدد وتزويج القاصر :  تردد العديد من الهيئات النسائية في المنابر الفكرية بضرورة إلغاء التعدد في الزواج، كمظهر من مظاهر التمييز ضد المرأة،  وتزويج القاصرات باعتباره مخالف للمعايير الدولية التي تمنع الزواج دون سن الرشد القانوني .
  • ت- تعديل النصوص التشريعية المتعلقة بالولاية على الأبناء، بجعلها مشتركة بين الأم والأب سواء خلال قيام الزوجية أو بعد انحلالها، وذلك بإقرار مسعى المناصفة – المقرر دستوريا – بين الزوج والزوجة في النيابة الشرعية على الأبناء خلال الزوجية أو بعد انحلالها ، دون انفراد الأب بالنيابة الشرعية عن الأولاد .
  •  ث- تجديد فهم النصوص الشرعية المتعلقة بمنع المرأة المغربية المسلمة من الزواج برجل أجنبي غير مسلم، سواء كان من أهل الكتاب أم لا ، وبالتالي تنقيح مواد مدونة الأسرة ذات الصلة، خلاف الأمر بالنسبة للمغربي الذي يحق له الزواج بغير المسلمة دون مراعاة معتقدها الديني  .
  • ج – تدبير وضعية النسب غير الشرعي، بحيث ترى النسوية أن المشرع يقيم تمييز واضحا بين النسب الشرعي والنسب غير الشرعي، فيما يتعلق بآثاره على الأبناء، فرغم أن الاتجاه الرافض للحوق النسب غير الشرعي واسع النطاق في الفقه الإسلامي القديم والحديث، إلا أن وجود أراء لكبار الصحابة والتابعين تقول بالرأي الآخر، يبقي المسألة خلافية، وتجعلها قابلة للنقاش الفقهي مع مراعاة مقاصد الشريعة السمحة .
  • ح – تدعو النسوية إلى تعميم أحكام المادة  156 من مدونة الأسرة  المتعلقة بلحوق النسب للابن الذي يزداد خلال فترة الخطوبة بعد قيام موجباتها الشرعية، ليشمل الأطفال الناتجين عن الاغتصاب وزنا المحارم.
  • خ – المطالبة بإعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بالعدة الشرعية، سواء بإلغاء أحكامها أو اقتصارها على حالات غير الوفاة، وتبني التحليل الطبي مكانها .
  • د – تدعو العديد من الفاعليات المناصرة للمرأة بإلغاء أحكام المهر لعدم مسايرته التطور الحالي، واعتباره مظهرا من مظاهر العبودية ودونية المرأة، بما يقرره من مقابل مادي عند إبرام الزواج .
  • ذ- تطالب الحركة النسائية بمراجعة حكام الميراث بما يضمن المساواة المطلقة للمرأة بالرجل في كل أحكامه، وذلك بإلغاء أحكام التعصيب في الميراث، ومبدأ للذكر مثل حظ الأنثيين، وتفعيل أحكام الوصية الإرادية .

إن هذه الرهانات، وإن كانت تبدو اليوم غير مقبولة لكنها تروج في الأوساط الفكرية والمهتمة بقضايا الأسرة، وتجد من يناصرها في الداخل والخارج، وتتغذى من قيم كونية معيارية، وخاصة أن المتغيرات سواء الوطنية أو الدولية تدعو إلى تقييم حصيلة الممارسة التطبيقية لمدونة الأسرة، وتقويم بعض مقتضياتها لتجاوز القصور أو إزالة الغموض التشريعي.

 وهي أسئلة تخاطب المنظومة الفقهية، وتحتاج من الباحث والفاعل إلى حوار مع ذات والأخر، لإيجاد أجوبة تقنع المتلقي، وتضمن للشريعة شموليتها، وتحيي مناسك التجديد والاجتهاد وفق أصول الدين،  بما يسود الثوابت الدينية، ويبقي الهوية الإسلامية في الأفاق، الأمر الذي يدعوني  إلى اقتراح مجموعة من التوصيات في هذا المجال :

أولا  : لابد من التعجيل بإخراج النصوص التنظيمية للهيئة الدستورية المتعلقة بالمناصفة ومحاربة أشكال التمييز، التي نص عليها الفصل 19 من الدستور، لتباشر مهامها بعد سن القانون الخاص بها، حتى يمكن لها أن تقدم اقتراحات تهم تدعيم المساواة بشكل فعال في السياسات الحكومية، وتكريس ثقافة المساواة في المجتمع، وتترجم الخيارات الدستورية في هذا المجال .

ثانيا : أوصي بإنشاء مؤسسة متخصصة بقضايا المرأة، تراعى في تمثيليتها كل الأطياف الفكرية سواء الرسمية أو غير الرسمية من الفاعلين والباحثين، من أجل تقديم الآراء و الدراسات التحليلية، أو النقدية ذات صبغة علمية – حيادية -، في مجال المساواة، لتكون قوة اقتراحية في مجال النهوض بحقوق المرأة، وتطوير التراكمات المعرفية .

ثالثا : العمل على استكمال مسار الملائمة والإدماج للتشريع الوطني مع المعايير الدولية على مستوى تشجيع القضاء على السلوكات التمييزية، والأنماط التقليدية التي تكرس أشكال الحيف داخل المؤسسات الاجتماعية، لتكريس المساواة من حيث الواقع أو المساواة الفعلية عبر المجال التعليمي، وبوابة وسائط الإعلام  بكل أشكاله، المرئية،السمعية،البصرية.

رابعا : الإسراع بتنزيل حقيقي وفعال لآليات المساواة ومكافحة التمييز في المشهد الوطني، وتقديم الدعم الازم لإنجاح التجربة المغربية، إذ لم تشفع المكتسبات التشريعية في استكمال هياكل المساواة ومناصفة بين الجنسين وإدماج مقاربة النوع في المؤسسات، من أجل زحزحة العلاقة بين الرجل والمرأة من التبعية إلى الشراكة ، لأن المرأة عنصر منخرط في صلب الفعل الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي .

خامسا :  على الحركة النسائية أن تقدم جهود صادقة بعيدا عن استثمار قضايا المرأة في نطاق خلفيات مذهبية، وأن تنتج قراءات موضوعية للواقع، وتقدم اقتراحات معقولة، منفتحة على القيم الكونية، تتوافق مع المحددات الدستورية و الثوابت الدينية، فموقف الإسلام إيجابي من المرأة، ذلك أن آيات القرآن وأحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام نص متسامي مليء بالمعاني، ويتعامل في مجال المعاملات أساسا بالكليات تاركا لنا جزئيات الواقع، ووجود هذه المسافة يشكل مجال تفاعل الإنسان مع الدين، ومن خلاله يمتحن العقل البشري الذي يظل عاجزا عن الإحاطة بدلالات النص دفعة واحدة، مما يجعله ذا مقدرة توليدية لا متناهية، تولد معارف صالحة للدوام، وتشكل إطار للمعرفة المتجددة.

فالإسلام يمنحنا قيما للمساواة، والتي ينبغي أن يعهد لأرباب الرأي ممن تتوفر فيهم شروط الاجتهاد، الكشف عنها، وإرساء بناء فكري متماسك مستمد من الدين يسعى لخير الإنسان وسعادته في الدارين .

تعليقات الزوار ( 1 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)