حدود مراقبة النيابة العامة للمهن القانونية والقضائية

رئاسة النيابة العامة تشارك في المؤتمر الإقليمي حول “الضمانات الاجتماعية والمهنية للقاضيات الإفريقيات، أي مقاربة؟”

أثر انقضاء دعوى الزوجية على إثبات النسب: قراءة في ضوء أبرز الإجتهادات القضائية

10 أكتوبر 2019 - 1:52 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

بوزياني حسن باحث في العلوم القانونية

مقدمة:

      يعتبر عقد الزواج من أهم التصرفات التي يجريها الإنسان في حياته، بالنظر لما يترتب عليه من حقوق و التزامات، وكونه يعد مدخلا لقيام مؤسسة الأسرة المبنية على علاقة الزواج الشرعي، ولأجله فقد قررت الشريعة الإسلامية أركانا لانعقاده وشروطا لصحته، غير أن تطور وتعقد الحياة الاجتماعية فرض على المشرع المغربي كغيره من التشريعات ملاءمة التشريع الأسري مع ما تقتضيه الظرفية الحالية، فقد قرر المشرع وسيلة وحيدة لإثباته وهي العقد المكتوب وفق الشكليات و الأحكام التي حددتها مدونة الأسرة[1]، وذلك بعدما كان يسمح في مرحلة سابقة إمكانية إثباته استثناء بكافة وسائل الإثبات إذا حالت ظروف قاهرة دون توثيقة حسب المادة 16 من مدونة الأسرة، فأضحت بذلك كتابة عقد الزواج بمثابة شرط صحة فيه، مع العلم أن الكتابة عند السادة المالكية ليست بركن ولا شرط، فقد جاء في التحفة:

                                والمهر و الصيغة و الزوجان    ثم الولي جملة الأركان[2].

     إن الإشكال الذي يطرح تبعا لذلك هو  أثر هذا المستجد بالذات على إثبات النسب، وذلك على أساس أن القاعدة تقضي أن الولد للفراش،أيالعلاقة الزوجية بين أمه وزوجها، وباستحضار أن النسب يعد أولى ثمرات ذلك الزواج، والذي تم تنظيمه شرعا تنظيما محكما، كونه يعد عصب المادة الأسرية، وهو من النظام العام، لذلك فالأصل فيه أن يستند إلى عقد زواج صحيح كقاعدة.

     مما لا شك فيه أن موضوع أثر انقضاء دعوى الزوجية يندرج ضمن مجال حساس تتداخل فيه مجموعة من العوامل، وتتعدد مصادره التشريعية، وهي خاصية مميزة بالنسبة لمجال الأسرة التي تحكمه ثنائية القواعد الفقهية و القانونية، وهذا الأمر أضفى على اجتهاد قضاء الأسرة نوعا من الخصوصية، في اتجاه خلق نصوص قانونية أخرى، وذلك بسبب التغيرات المجتمعية السريعة، وتجاوز التطبيق الحرفي للنصوص القانونية المتعلقة به.

   ومنه يمكن القول إن هذا الموضوع يطرح مجموعة من الأسئلة هي كالآتي:

  • هل يعتبر الخيار الذي تبناه المشرع المغربي بوضع حد لسماع دعوى الزوجية خيارا سليما من الناحية القانونية والاجتماعية؟وما هي آثار ذلك على نسب الأطفال؟
  • ألا ينذر ذلك بتراجع مرتقب لمؤسسة الفراش كسبب ووسيلة لإثبات النسب لفائدة مؤسسات بديلة أخرى؟
  • أليس بوسع القضاء الإستمرار في سماع دعاوى الزوجية غير الموثقة بالرغم من المقتضى السالف الذكر حفظا لنسب الأطفال؟

المطلب الأول: موقف الفقه و القضاء من وضع حد لسماع دعوى الزوجية

إن وضع حد لسماع دعوى الزوجية أمام ردهات المحاكم، يعتبر من المواضيع التي تعرف تضاربا بين الفقهاء، بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه الذي سلكه المشرع المغربي مؤخرا (الفقرة الأولى)، على أن هذا التضارب شمل أيضا الأحكام القضائية المتعلقة به بالرغم من وضوح إرادة المشرع بشأن ذلك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الموقف الفقهي بشأن وضع حد لسماع دعوى الزوجية

     في هذا الإطار يرى الأستاذ محمد الكشبور[3]، أن من شأن إلغاء قاعدة إثبات عقد الزواج عن طريق أحكام تصدر عن المحاكم أن يحول كتابة ذلك العقد بواسطة العدلين المنتصبين للإشهاد إلى شرط صحة فيه لا إلى وسيلة لإثباته، إضافة إلى أن من شأن ذلك أن يخلق تنافرا بين مدونة الأسرة و الفقه الإسلامي الذي لا يشترط الكتابة لتمام عقد الزواج[4]، فيغدو بالتالي عقد الزواج غير الموثق صحيح من الناحية الشرعية، غير معترف به من الناحية القانونية وهو وضع شاذ.

 نفس الموقف يزكيه الأستاذ محمد الأزهر[5]، الذي يرى أنه كان من الضروري الإبقاء على المادة 16 في صيغتها القديمة نظرا لوجود تقاليد و عادات مستحكمة تحول دون الامتثال لهذا المقتضى التشريعي فكان من الأجدر توعية الناس وتيسيير توثيق العقود، فعقد الزواج وكما هو معلوم ليس كبقية العقود المالية حيث تترتب عنه آثار مهمة تشمل الأبناء و المجتمع بصفة عامة ومن ثم كان بالإمكان الإبقاء على إمكانية الإعتراف بالعقود العرفية و السماح بتوثيقها[6].

    وذلك في مقابل إلحاح البعض على أنه كان بالإمكان وضع حد لسماع دعاوى الزوجية مبكرا معارضين لتوجه المشرع المغربي السابق المحدد لفترة انتقالية لسماع هذه الدعاوى[7]، وهو نفس ما يذهب إليه الأستاذ أحمد الخمليشي[8]، الذي يرى أن إجراءات توثيق عقد الزواج أضحت في الوقت الراهن ضرورة لا محيد عنها حماية لنسب الأطفال و حقوقهم، بل يرى أنه كان بالإمكان الاحتفاظبالغرامة التهديدية التي كانت مقررة في المشروع لكل مسؤول عن عدم توثيق عقد الزواج.

      وفي هذا السياق يمكن القول أن تقرير إلزامية كتابة عقد الزواج  من شأنها في الحقيقة أن تضع حد لمجموعة من المشاكل الناتجة عن الاعتداد بالعقد الرضائي، و التي من بينها؛ وضع حد للجحود و النكران تجاه العلاقة الزوجية وصعوبة إثباتها و ما لذلك من تأثير خاصة في حالة وجود أطفال، وكذلك وضع حد لتحايل بعض الأشخاص على مؤسسة التعدد بإبرام زواج ثان على الطريقة التقليدية و عدم توثيقه، و الذي يحظى بقبول لدى القضاء سيما في حالة وجود أطفال حماية لحقهم في النسب[9]،بالإضافة إلى مكافحة ظاهرة الزواج دون سن الأهلية، وزواج بعض حاملي السلاح دون الحصول على رخصة بذلك من لدن السلطات المعنية[10].

    على أنه وفي المقابل يبقى اعتمادها بشكل إلزامي مشوب بالمخاطرة سيما أمام تزايد دعاوى ثبوت الزوجية وعدم ترسخ ثقافة توثيق العقود، ومن هذه الناحية كان ينبغي القيام باستقصاء اجتماعي تمهيدا لهذا الحدث التشريعي للإحاطة بعوامل تفشي هذه الظاهرة و إقرار حلول لها ربما قد تكون خارج الإطار التشريعي.

 وفي هذا الإطار يرى الأستاذان خالد الغازي ومعمر مصطفى[11]، أن المجهود التشريعي الذي بذل لإصدار مدونة الأسرة لم يواكبه في الحقيقة مجهود سوسيولوجي لتوضيح مضامين هذا القانون و إقناع الرأي العام بأهميته و جعله أكثر انغماسا داخل البنية الإجتماعية بالإعتماد على وسطاء لتوضيح مضامينه و نقلها إلى الأطراف المعنية.

   و يطرح الأستاذان مثال يعكس بشكل جلي مدى تفاعل الدراسات السوسيولوجية في بعض الدول الأجنبية مع قوانينها و بالخصوص تعامل القضاء مع هذه الدراسات المنجزة حيث أكدت دراسة سوسيولوجية استحالة منع المراهق من استعمال الدراجة النارية أو العادية على الرغم من المحاولات اليائسة التي يمكن أن يقوم بها الأولياء وما يمكن أن ينتج عن ذلك من أضرار، ونتيجة لهذا التأويل السوسيولوجي لجأت المحاكم الفرنسية إلى تطبيق مقتضيات المادة 1384 من القانون المدني، و القاضية بإعفاء الأب أو الأم من المسؤولية في حالة استحالة منع حصول الضرر[12]، هذه الواقعة يمكن قياسها على مسألة ثبوت الزوجية بالنسبة للمجتمع المغربي حيث من المنتظر أن يعمد القضاء المغربي بالرغم من المقتضى السالف الذكر إلى سماع دعاوى الزوجية خاصة في حالة وجود أطفال بالنظر لاستحالة شمول توثيق الزيجات كافة شرائح المجتمع لاعتبارات ثقافية بالدرجة الأولى لا مجال للخوض فيها[13]، وربما يتم هذا الإجتهاد بالإستناد إلى المادة 400 من مدونة الأسرة ذلك أن الفقه الإسلامي عموما لم يعرف مسألة توثيق عقود الزواج.

الفقرة الثانية: الموقف القضائي من وضع حد لسماع دعوى الزوجية

  من خلال الإطلاع على الأحكام المتعلقة بثبوت الزوجية الصادرة بعد انقضاء الفترة التي كانت مخصصة لسماع هذه الدعوى، اتضح جليا من خلال بعض الأحكام القضائية تشبتها بحرفية المادة 16 من المدونة بعد التعديل،وهو أمر متوقع خاصة في حالة عدم وجود أطفال أو حمل، وهكذا فقد جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الإبتدائية بمكناس:”…، حيث يهدف الطلب إلى الحكم بثبوت الزوجية بين الطرفين، وحيث أنه طبقا لمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة فإن سماع دعوى الزوجية إذا حالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج في وقته إنما تقرر فقط لفترة انتقالية وصلت في أقصاها إلى 15 خمسة عشر سنة إبتداء من دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ بتاريخ 25/02/2004، وبعد مرور هذا الأجل فإن وثيقة الزواج وحدها التي تبقى الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، وحيث إنه بذلك تكون الدعوى في جميع الاحوال غير مسموعة لتقدم المدعيين بها بتاريخ 06/02/2019 أي بعد انصرام الفترة الإنتقالية المذكورة مما يتعين معه التصريح بعدم قبولها.”[14]

   على أنه بالمقابل يلاحظ من خلال بعض الأحكام القضائية وكما سبق التأكيد عليه، اجتهاد السادة القضاة في إيجاد حل لهذه المسألة خاصة في حالة وجود حمل أو أطفال ناتجين عن هذه العلاقة صيانة لنسبهم وحفظا لتماسك الأسرة، وذلك بالحكم أساسا بثبوت الزوجية بالرغم من المقتضى القانوني السالف الذكر بالاستناد أساسا على الفقه المالكي من خلال إعمال مقتضيات المادة 400 من م.أ، على أن ما يثير الانتباه هو تعارض التوجهات بشأن ذلك داخل نفس القسم -قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس نمودجا- وذلك باختلاف الهيئة التي أصدرت الحكم.

   وهكذا فقد جاء في حكم أول:”…، حيث التمست المدعية إصدار حكم يقضي بثبوت الزوجية بينها و المدعى عليه.. وحيث أجاب المدعى عليه بأنه تربطه بالمدعية علاقة زوجية وأن علاقتهما أنجبت البنت فرح، وحيث إن مقتضيات المادة 16 من م.أ وإن كانت تعتبر أن عقد الزواج هو الوثيقة الوحيدة لإثبات العلاقة الزوجية فإنها أوردت استثناءا مؤقتا يتمثل في جواز سماع دعوى الزوجية في حالة عدم إبرام عقد الزواج في حينه وسمحت باعتماد كل الوسائل المقررة شرعا وقانونا لإثباتها، وحيث إن الإستثناء المؤقت الذي أجازته مقتضيات الفصل القانوني المذكور أعلاه يجد سنده في أحكام الفقه تبعا للإحالة عليه بمقتضى المادة 400 من م.أ، وحيث تتلخص أحكام الفقه في هذا الباب في أنه لا يجوز الدخول بالزوجة إلا بعد العقد عليها كقاعدة عامة إلا أنه إذا وقع الدخول قبل العقد فإن النكاح لا يفسخ لأن العقد ليس ركنا في النكاح كما في فتوى ابن لب حسب ما نقله الشيخ التسولي في البهجة على شرح التحفة عند قول صاحب التحفة العلامة ابن عاصم:

مقال قد يهمك :   إجراء الحجز مرتين على نفس المبلغ يعتبر تعسفا في استعمال الحق يوجب التعويض

وفي الدخول المتمم في الإشهاد                   وهو مكمل في الإنعقاد

وهو نفس الحكم الذي تبناه المشرع في المادة 10 من مدونة الأسرة التي ورد فيها’’ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين، وقبول من الآخر، بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا’’،و عملا بقول المتحف:

و المهر و الصيغة و الزوجان           ثم الولي جملة الأركان

وحيث وإنه وسعيا من المحكمة نحو الوقوف على الحقيقة فقد أجرت بحثا استمعت فيه إلى المدعية..و المدعي..كما استمعت المحكمة إلى تصريحات الشهود الذين صرحوا بعد أدائهم اليمين القانونية بأن الطرفان يتعاشران معاشرة الأزواج منذ شهر يوليوز 2018 وأن بينهما البنت فرح..وحيث إن إشهار النكاح مع علم الولي والزوجين وإن لم يحصل به إشهاد فهو قائم يحفظ للزوجين ترابطهما ونسلهما خاصة إذا نتج عن هذا الزواج أبناء إذ الزوجية تثبت في هذه الحالة بالبينة الشرعية..وحيث إنه بناء على ذلك تكون كل الأركان و الشروط الشرعية للعلاقة الزوجية ثابتة بين الطرفين في النازلة سواء على مستوى الفقه المالكي أو على مستوى مدونة الأسرة ويتعين الحكم بثبوت الزوجية بينهما.”[15]

   وعلى النقيض من ذلك جاء في حكم آخر صادر عن هيئة أخرى داخل نفس القسم:”بناء على المقال الإفتتاحي للدعوى و المؤدى عنه الرسوم القضائية بتاريخ 18/02/2019 يعرض فيه المدعيان بأنهما متزوجان ويتعاشران معاشرة الأزواج منذ مدة وأنجبا بنتا واحدة وأن هذا الزواج تم بصداق محوز وبولي معروف وأنهما أقاما حفل زفاف حضره مجموعة من الشهود لكنهما تعذر عليهما إبرام عقد الزواج لأسباب خارجة عن إرادتهما…،وحيث تبين للمحكمة من خلال اطلاعها على المقال أنه مؤشر عليه بتاريخ 18/02/2019، وحيث أن مدة سماع دعوى الزوجية انتهت بمضي الفترة الانتقالية بتاريخ 05/02/2019.. وحيث أن المدعيان تقدما بطلبهما خارج الأجل القانوني واعتبارا لما ذكر يكون طلبهما أعلاه عديم الأساس ويتعين تبعا لذلك التصريح بعدم قبوله وتحميل رافعيه الصائر.”[16]

   ما يمكن قوله من خلال ما تم بسطه أعلاه أن هذا التضارب القضائي المستمر فيما يخص قضايا الأسرة عموما لا يمكن البتة حسمه من خلال إقرار نصوص قانونية بين الفينة و الأخرى، ومن وجهة نظري يجب الإعتراف للقاضي الأسري خصوصا في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة بسلطة التفسير و التأويل[17]، والذي ينبغي حمله على معناه الواسع، حسب ما يروج أمامه من قضايا، إذ في نهاية المطاف ينبغي الإعتراف أن النص القانوني وحده لا يمكن أن يحيط بسائر كليات مواضيع الأسرة بصفة عامة، على أن هذا التفسير يجب أن يكون موجها مسبقا لكل ما يحقق مصلحة هذه المؤسسة وفق اجتهاد مقاصدي، وهو ما يمكن أن يساهم في توحيد التوجهات، وبالإضافة إلى ذلكفإن الأمر  يتطلب حقيقة دعم تكوين القاضي في كل ما يتعلق بالمادة الاسرية، بالحصول تكوين موازي للعلوم القانونية في العلوم الإجتماعية أو علم النفس، يكون من شأنه دفع القاضي الأسري إلى تجاوز التطبيق الحرفي للنصوص القانونية إلى محاولة القيام بتحليل وظيفي للقانون في ضوء الأهداف الإجتماعية التي يسعى إلى تحقيقها، بالإضافة وهذا شبه مؤكد ينبغي على القاضي الأسري الإحاطة ما أمكن بسائر القواعد و التوجهات الفقهية[18]المرتبطة بمواضيع الأسرة بصفة عامة، بل إن وظيفة التأويل هاته ينبغي أن تكون التزاما قانونيا يلقى على كاهل القضاة.

   ثم إن وظيفة التأويل هاته وهذا لاجدال فيه تعتبر نشاطا قانونيا يتم تحت إشراف محكمة النقض، وعلى الرغم من ذلك، فإن قضاء الموضوع قد يكون رائدا في هذا المجال حيث هو الذي يوحي لقضاء النقض بالحل الواجب الإتباع[19] انطلاقا مما عرض أمامه من وقائع.

المطلب الثاني: أثر انقضاء دعوى الزوجية على إثبات النسب

إن التلازم المفترض بين دعوى الزوجية ودعوى إثبات النسب، يجب يجد أساسه في القاعدة التي تقضي بأن الولد للفراش أي للعلاقة الزوجية، مع العلم أن هناك أسباب أخرى يمكن الاستناد عليها لإلحاق النسب بالأب، بما فيها مؤسسة الإقرار و الشبهة، بالإضافة إلى إمكانية إثباته بالزواج غير الصحيح؛ الزواج الفاسد و الزواج الباطل عند حسن النية، وبظهور حمل بالمخطوبة وفق الشروط المحددة في المادة 156 من م.أ (أولا)، لكن ذلك قد يكون له تأثير على الفراش في إثبات النسب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المبدأ ألا تأثير لانقضاء دعوى الزوجية على إثبات النسب

يمكن أن نستشف ذلك من خلال المبدأ الذي يقضي باستقلالية دعوى الزوجية عن دعوى النسب، الذي يعتبرمن المسلمات في الوقت الحالي، مع العلم أنهليس وليد اللحظة بل يعتبر متجدرا في الاجتهاد القضائي المغربي، هكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط “لا يشترط في دعوى ثبوت النسب أن تكون مسبوقة بدعوى ثبوت الزوجية لأن النسب يثبت بالظن و بالشبهة و بظهور الحمل بالمخطوبة خلال فترة الخطوبة بشروطها، الإقرار بالوطء وتأكيد الشهود قيام العلاقة الزوجية التي نتج عنها الولد، وإثبات الخبرة للحامض النووي، حجة على ثبوت النسب…”[20].

وفي قرار آخر لمحكمة النقض:”…، والمحكمة لما قضت بثبوت نسب الإبن للطاعن اعتمادا على أن قرار محكمة النقض انصب على العلاقة الزوجية دون النسب باعتبار أن عدم ثبوت الزواج لا يمنع من ثبوت النسب، تكون قد طبقت مقتضيات الفصل أعلاه تطبيقا سليما وتقيدت بالنقطة القانونية موضوع الإحالة”.[21]

    وفي نفس السياق يطرح الأستاذ عبد المجيد غميجة[22]، في أطروحته قضية قديمة عرضت على المجلس الأعلى تتعلق بمدعية تطالب فيها المدعى عليه بنفقتها ونفقة ابنها منه كانت وسيلة إثبات زواجها حجة عدلية شهد فيها عدلان بتزوج المدعى عليه منها سنة 1958، فحكمت المحكمة الابتدائية وفق الطلب غير أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم لعدم توفر الظروف المبررة لإعمال حالة الاستثناء و العدول عن مبدأ العقد المشهود عليه، فطعنت المدعية المذكوة في الحكم بالنقض فقرر المجلس الأعلى أنه:”حيث أن المحكمة كانت على صواب حينما صرحت بإلغاء دعوى الزوجية لكون الحجة المعتدة في صحة الزواج هي بينة أصلية عدلية، وفي ذلك مخالفة للفصل 5 من المدونة، الأمر الذي ينبغي معه التصريح برفض الطلب فيما يرجع لصحة الزوجية”، لكن المجلس الأعلى رتب ثبوت النسب فيما يرجع لما يترتب على هذه الزوجية الفاسدة من آثار ومن جملتها إثبات النسب ولحوقه بأبيه المدعى عليه، ولذلك نقض المجلس الأعلى الحكم المطعون فيه جزئيا، فرفض الطعن في ما يخص دعوى الزوجية، ونقض الحكم فيما يرجع إلى نسب الولد وقضى على وجه التصدي بلحوق الولد بنسب المدعى عليه و بإلزامه بالإنفاق عليه تصحيحا للحكم الابتدائي.

  لكن ما تجب الإشارة إلى أنه في حالة استناد المدعي على قيام علاقة زوجية صحيحة كأساس لإثبات النسب فلا مناص للمحكمة من البحث في شروط هاته الأخيرة، بل إن التمسك بالمطالبة بإثبات النسب مجردا من أي دليل يوجب على المحكمة البحث في أسباب لحوق هذا الأخير ومدى توافرها في النازلة مع بحث توافر شروطها أم لا و بالتالي ترتيب الآثار القانونية على ذلك و التي من بينها النسب، هذا ما أشار إليه حكم محكمة النقض إذ جاء فيه:”إن دعوى المدعية تهدف إلى طلب النفقة، وأن قرار المحكمة التمهيدي بإجراء بحث تمهيدي مع الشهود لإثبات الزوجية يتضمن تحريفا و خروجا في موضوع الدعوى الذي هو النفقة و آثار الزوجية، وأن العلاقة الزوجية لا تثبت إلا بعقد عدلي و إذا كانت المطلوبة في الطعن تتمسك بالاستثناء فعليها عبء إثباته…، لكن حيث إنه من أسباب النفقة الزوجية والقرابة و لا يمكن الحكم بها دون ثبوتها و المحكمة كانت على صواب لما بحثت في وجود الزوجية لترتيب آثارها ومنها النفقة و النسب…”[23].

 وفي نفس السياق يمكن القول أيضا أنه بغض النظر عن توثيق عقد الزواج فإن المحكمة لها في إطار سلطتها التقديرية الاستجابة لطلب إثبات النسب رغم كونة مستند على علاقة زواج غير موثقة كون الكتابة ليست من أركان عقد الزواج و لا من شروط صحته وهو ما دأبت المحاكم على الاستجابة له دون إلزام المدعين بالإدلاء بعقد زواج ولا حتى إثبات الظرف القاهر الذي حال دون توثيق هذا العقد، وذلك عندما يتعلق الأمر بأبناء يطالبون بثبوت نسبهم إلى أبيهم فقط يلزم التحري في شأن تلك العلاقة مخافة الوقوع في المحظور بالحكم بإثبات نسب ناتج عن علاقة غير شرعية.

وهكذا جاء في حيثيات قرار محكمة الاستئناف بمكناس:”بناء على المقال الافتتاحي المقدم من طرف المدعيان بواسطة نائبهما إلى كتابة ضبط المحكمة المذكورة أعلاه المؤدى عنه الرسوم القضائية يعرضان فيه أن والدتهما هي السيدة…، ووالدهما هو السيد…، وأنهما كان يتعاشران معاشرة الأزواج وأن والدهما هجرهما منذ أن كانا في سن مبكرة…، وحيث أنه بالرجوع إلى وثائق الملف ليس هناك ما يفيد أن العلاقة التي كانت تربط أم المستأنف عليهما بالهالك المذكور، علاقة غير شرعية وأن المستأنف عليهما كانا نتيجة هذه العلاقة المزعومة…، وحيث أن بعض الورثة… والذين بعد أدائهم اليمين القانونية أكدوا أن المستأنف عليهما هما ابني الهالك المذكور،…وحيث إن المحكمة و بعد دراستها لوثائق الملف ومستنداته ثبت لها أن الحكم المستأنف ( الذي قضى بثبوت نسب هؤلاء) جاء مصادفا للصواب مما يتعين تأييده…”[24].

مقال قد يهمك :   المعرفة الفنية في عقدي الترخيص والامتياز التجاريين

   بقيت ملاحظة أخيرة تتعلق بتطبيق المادة 16 بصيغتها الحالية من حيث الزمان، حيث إن السؤال الذي يطرح في هذا الإطار؛ هل المادة المذكورة يمكن التمسك بها تجاه كافة عقود الزواج التي تمت على الشكل الرضائي ولو تعلق الأمر بالزيجات المبرمة قبل التعديل الذي شهدته هذه المادة، أي أنه لا يمكن سماع دعاوى الزوجية بشأنها مطلقا؟

أعتقد أنه تطبيقا لمبدأ عدم رجعية القوانين[25]، فلا مجال و الحالة هاته لإثارة شكلية إثبات عقد الزواج تجاه تلك العقود، وإنما يقتصر الأمر على العقود المبرمة منذ تاريخ إيقاف العمل بسماع دعاوى الزواج غير الموثق، تحديدا منذ الخامس من شهر فبراير 2019،على أن الأمر ليس بهذه البساطة، فكما هو معلوم فالمادة 16 بصيغتها القديمة لم ترفع شكلية إثبات عقد الزواج بصفة مطلقة وإنما أجازت استثناء ولأسباب قاهرة سماع دعاوى الزوجية، وبالتالي يكون من غير المقبول أن تتجه المحاكم إلى عدم مراعاة شكلية إثبات عقد الزواج بالمرة تجاه تلك العقود ، ولعل من المناسب في هذا السياق أن تتأكد المحكمة من توافر الظرف القاهر المانع من توثيق عقد الزواج تطبيقا للمادة 16 بصيغتها القديمة على الوقائع التي نشأت في ظلها مع مراعاة ظروف الحال وما إذا كان هناك أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية حيث ينبغي التيسير في إثباته.

  إن المبدأ الذي يمكن الخلوص إليه انطلاقا مما سبق ذكره يتمثل في استقلالية دعوى الزوجية عن دعوى النسب كقاعدة ويترتب على ذلك إمكانية إثباته بسائر وسائل الإثبات المقررة قانونا، لكن أفلا ينذر ذلك بتراجع مرتقب لمؤسسة الفراش على حساب باقي وسائل الإثبات الأخرى؟

الفقرة الثانية: بعض مظاهر تـأثر الفراش كوسيلة لإثبات النسب بعد انقضاء دعوى الزوجية

  بعد انقضاء الأجل الذي ضربه المشرع للأشخاص الذين لم يسارعوا إلى توثيق عقود زواجهم، تطرح مسألة مستقبل مؤسسة الفراش باعتبارها السبب الأول للحوق النسب، سيما أمام اتساع مجال إثبات هذا الأخير، إذ يمكن إثباته تمسكا بمقتضيات المادة 156 من مدونة الأسرة المتعلقة بإثبات النسب حال الخطبة، بالإضافة إلى الإقرار، وسائر وسائل الإثبات من شهادة الشهود و الخبرة الطبية.

   غير أن ما تجب الإشارة إليه هو أنه إذا كان بالإمكان الاستناد على الإقرار أو الشبهة أو الزواج الفاسد لإثبات النسب، حيث أن الأمر واضح باعتبار هذه الوسائل في مجموعها تشكل أسبابا حقيقية للحوق النسب، فإنه عندما يتعلق الأمر مثلا بشهادة الشهود أو الخبرة القضائية باعتبارها فقط وسائل لإثبات ذلك النسب، فلا يمكن والحالة هاته الاعتماد عليها بصفة مستقلة لإثبات النسب الذي تعذر إثباته استنادا إلى زواج صحيح مكتمل الأركان، بل لابد من تعضيدها بسبب من أسباب لحوق النسب المتمثلة في الفراش و الإقرار والشبهة.

   إن ما ينذر حقا بتراجع مؤسسة الفراش كسبب لإثبات النسب أنه في فترة سابقة كان يتم الاعتماد على الأسباب الأخرى للحوق النسب في وقت كانت فيه إمكانية إثبات العلاقة الزوجية غير الموثقة أمرا ممكنا جدا[26]، أما في الوقت الراهن وبعد أن قطع  المشرع كل محاولة لذلك،فمن المنطقي جدا أن لا يتم الاستناد على مؤسسة الفراش لإثبات النسب، خاصة في ظل يسر باقي وسائل إثبات النسب وأخص بالذكر مؤسسة الإقرار[27]، بالإضافة إلى مؤسسة الخطبة، خاصة في ظل التساهل الذي يطبع تعامل القضاء بشأنها كمبدأ عام، يضاف إلى ذلك إثبات النسب الناتج عن الزواج الفاسد.

وهكذا فقد جاء في قرار لمحكمة النقض:” الزواج الذي لم يتم الإشهاد عليه ولم يسم فيه الصداق يبقى زواجا فاسدا يفسخ قبل الدخول وبعده، ويترتب عنه لحوق النسب”[28]،وفي قرار آخر:”الإقرار يثبت به النسب من غير احتياج إلى بيان السبب من زواج أو اتصال بشبهة، شرط أن لا يصرح المقر بأن الولد المقر بنسبه من الزنا كما هو مقرر فقها”[29].

كما جاء في حكم آخر صادر عن قسم قضاء الأسرة بمكناس:”بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به المدعيان…، يعرض فيه المدعي أن الإبن (ه) ازداد من صلبه…، وأنه نظرا لعدم توثيق الزوجية فإنهما لم يتمكنا من تسجيل مولودهما بسجلات الحالة المدنية الشيء الذي جعله يقر بثبوته…، وحيث عزز المدعي دعواه بإقرار ببنوة…، وحيث أن النسب يثبت بالإقرار كما يثبت بالفراش أو البينة…، وحيث أن الإقرار استوفى جميع شروطه…، مما يكون معه طلب المدعيان مرتكز على أساس و يتعين الاستجابة له.”[30].

وفي حكم آخر صادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بفاس جاء فيه:” بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به المدعي، والمودع بكتابة ضبط هذه المحكمة.. بتاريخ 23/04/2019، والذي عرض من خلاله أنه سبق له وأن قام بالتعدد بزوجته لمياء على كتاب الله وسنة نبيه بحضور عائلته وعائلة المدعى عليها وقراءة الفاتحة و القيام بحفل زفاف وأن المدعى عليها أنجبت منه البنت ريتاج ولم تسجل بالحالة المدنية لعدم وجود عقد الزواج..وأنه يقر ويعترف بابنته..وحيث أدلى المدعي تعزيزا لطلبه بإقرار ببنوة مصادق على إمضائه بتاريخ 10/04/2019 يشهد فيه ويقر بكون الطفلة المسماة “ريتاج” المزدادة بتاريخ 16/07/2016 هي ابنته من صلبه من أمها لمياء..مما يكون معه الطلب مبررا ويتعين الاستجابة له”.[31]

   كما جاء في حكم آخر صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بالراشيدية:”بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعي إلى كتابة ضبط هذه المحكمة..بتاريخ 13/03/2019 والذي عرض فيه أنه ازدادت من طلبه البنت (إ) بتاريخ 17/02/2019 بالرشيدية من والدتها (ح) والتمس الحكم بإلحاق نسب البنت إليه وأرفق المقال بإقرار بالنسب مصحح الإمضاء، وبناء على إدراج القضية بجلسة البحث بتاريخ 20/03/2019، حضر الطرفان وصرحا أنهما متزوجان وأن البنت (إ) ابنتهما..وحيث إنه من أسباب لحوق النسب الإقرار طبقا للمادة 152 من مدونة الأسرة..مما يبقى معه الطلب مؤسس ويتعين الاستجابة له.”[32]

     فهذه الأمثلة الأخيرة من الأحكام القضائية الحديثة الصادرة بعد التعديل الذي طال المادة 16 من م.أ، تعكس جليا مدى تأثير فرض مبدأ توثيق عقود الزواج على تغير أسباب لحوق النسب على مستوى الطلبات القضائية الرامية إلى إثبات النسب، حيث إنه تم الاستناد بالدرجة الأولى على مؤسسة الإقرار لإلحاق النسب بالأب.

خاتمة:

          يتضح مما سبق ألا تأثير لانقضاء دعوى الزوجية على إثبات النسب، إذ هناك مجموعة من الوسائل الأخرى التي يمكن الاستناد عليها لتحقيق نفس الغرض في غياب عقد الزواج الموثق، على أن وضع حد لسماع دعوى الزوجية من وجهة نظر متواضعة هو توجه غير صائب،إذ قد تترتب عنه مجموعة من الآثار منها ضياع نسب الاطفال،.

ذلك أن الوسائل الأخرى لإثبات النسب تبقى في جانب كبير منها خاضعة لإرادة الزوج، كما هو الشأن بالنسبة للإقرار، لذلك فحبذا لو يتم توعية الناس بأهمية توثيق عقود الزواج، وسلوك مختلف الحلول لإزالة الاسباب المانعة من عدم الالتزام به، أنذلك يمكن اعتماده.

  إن صعوبة تطبيق هذا المستجد تبدو شاخصة من خلال بعض الأحكام الصادرة عن المحاكم، التي لم تلتزم بهذا المقتضى التشريعي، في مقابل أحكام أخرى صارت إلى التطبيق الحرفي له، وهذا الأمر يعكس بشكل جلي الطبيعة المميزة لقضاء الأسرة المنفتح بشكل كبير على مقتضيات الفقه الإسلامي، بالإضافة إلى إخضاع النصوص القانونية إلى الظروف المحيطة بكل قضية.


الهوامش :

[1]ـ وذلك بعد انتهاء المهلة المخصصة لتسوية عقود الزواج غير الموثقة، والتي ناهزت خمسة عشر سنة ابتداء من دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، إلى غاية شهر فيراير من سنة 2019.

[2]ـ عبد السلام التسولي”البهجة في شرح التحفة”، الجزء الأول، الطبعة الأولى 1998، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، ص 377.

[3]ـ محمد الكشبور”الواضح في شرح مدونة الأسرة، الزواج”، الطبعة الثالثة 2015، مطبعة النجاح الجديدة، ص 467.

[4]ـ وإنما يشترط إعلانه بين الناس فقط لإبعاد كل مظنة قد تدنسه أو تسيء إليه.

[5]ـ محمد الأزهر”شرح مدونة الأسرة”، الطبعة الثامنة 2017، مطبعة النجاح الجديدة، ص 67.

[6]ـ الحسين الموس”مدونة الأسرة في ضوء تقييد المباح”، الطبعة الأولى 2015، مطبعة النجاح الجديدة، ص 85.

[7]ـذلك أن من شأن ذلك تشجيع ذوي النيات السيئة للتحايل على المقتضيات القانونية المتعلقة بزواج القاصر و التعدد، وإعطاء الشرعية في بعض الأحيان لعلاقات السفاح، مع الإشارة إلى أن هناك بعض التشريعات التي حسمت ومنذ مدة في اعتبار الكتابة شرط صحة في الزواج من ذلك مثلا التشريع التونسي بموجب مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1956.

ـ خديجة البوهالي”أثر الإثبات في ضوء مدونة الأسرة، دراسة مقارنة بقوانين الأسرة لدول المغرب العربي”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، السنة الجامعية 2016ـ2017، ص 54وما بعدها.

[8]ـ أحمد الخمليشي”من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة”،الطبعة 2012، مطبعة المعارف الجديدة، ص 247 وما بعدها.

[9]ـ ذلك أنه وبالرغم كون الظرف القاهر الذي يمنع الطرفان من توثيق عقد الزواج هو مانع قانوني بالدرجة الأولى يتمثل في ضرورة سلوك مسطرة التعدد فإن القضاء و بالرغم من ذلك يقبل دعوى الزوجية في إطار الزواج الثاني مشيرا في نفس الوقت إلى أن مسطرة التعدد يتم مباشرتها قبل العقد أما بعد العقد ووقوع البناء فإنها تصبح متجاوزة، قرار محكمة النقض بتاريخ 29/04/2014، رقم 611/2/1/2013، عدد 339، منشور بمجلة القضاء المدني، سنة 2017، العدد 15/16،ص 231، وفي قرار آخر”عدم سلوك مسطرة التعدد لا يحول دون تقديم دعوى ثبوت الزوجية إن حصل الزواج فعلا ونتج عنه أولاد؛قرار محكمة النقض بتاريخ 29/04/2014،رقم 396/2/1/2013،عدد 329، منشور بمجلة القضاء المدني،العدد 17/18 سنة 2018،ص 203.

مقال قد يهمك :   أطروحة جامعية : التدبير المالي العمومي بالمغرب ومتطلبات الحكامة المالية

[10]ـ من خلال الإطلاع على عينة من الأحكام القاضية بثبوت الزوجية المتعلقة بالفئات المشار إليها أعلاه يظهر أن هناك تساهلا في تعامل القضاء مع هذه  القضايا حتى ولو كان الأمر يتعلق بمخالفة صريحة للقانون كما هو الشأن بالنسبة لحاملي السلاح حيث لا تتردد المحاكم في الحكم بثبوت الزوجية خاصة في حالة وجود أطفال حماية لنسبهم من الضياع، و في هذا الإطار جاء في حكم المحكمة الإبتدائية بمكناس قسم قضاء الأسرة:”بناءا على الطلب الذي تقدم به المدعيان مفاده أن العلاقة الزوجية قائمة بينهما، ورزقا بمولود، ملتمسين الحكم بعد الإستماع لشهودهما بثبوت الزوجية… وأن الصداق حدد في 20000 درهم وأن الزواج تم بولي معروف و قراءة الفاتحة…وأن المدعي جندي ولم يتم خمس سنوات من دخوله للعمل…، وحيث أنه بناءا على ماراج في جلسة البحث تبين للمحكمة أن طرفي الدوى متزوجين…، ومن ثم وصونا أيضا للإبن الناتج عن هذه العلاقة، فإن طلب المدعيين يبقى مؤسسا ويتعين الإستجابة له”.

ـ حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة المحكمة الإبتدائية مكناس بتاريخ 07/03/2019، رقم 163/1611/2019، عدد 726، غير منشور.

ـ وارتباطا بنفس الموضوع قضت محكمة الأسرة بمكناس بثبوت الزوجية بناءا على طلب قدم إليها في اليوم الأخير لانتهاء دعوى الزوجية حيث جاء في حيثيات حكمها:”بناء على الطلب الذي تقدم به المدعيان المسجل بتاريخ 05/02/2019، الذي مفاده أنه يتعاشران معاشرة الأزواج منذ 2018 ورزقا بإبن، ملتمسين الحكم بثبوت الزوجية…، وأنهما لم يبرما عقد الزواج لأن المدعية قاصر…، وحيث أنه بناءا على ماراج بجلسة البحث ثبت للمحكمة أن طرفي الدعوى متزوجان منذ مدة و أن علاقتهما الزوجية تتوفر على جميع الأركان و الشروط القانونية المشترطة في عقد الزواج من أهلية وإيجاب و قبول و صداق و خلو من الموانع الشرعية ماعدا توثيقه، ومن ثم وصونا أيضا للإبن الناتج عن هذه العلاقة، فإن طلب المدعيين يبقى مؤسسا ويتعين الإستجابة له”.

ـ حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الإبتدائية بمكناس بتاريخ 07/03/2019، رقم 433/1611/2019، عدد 727، غير منشور.

[11]ـ خالد الغازي و معمر مصطفى”مدخل لعلم الإجتماع القانوني”، 2006ـ 2007 دون ذكر المطبعة، ص 227و 228

[12]ـ المرجع السابق، ص 219.

[13]ـ هناك البعض من الناس الذي يرى أن في الإجراءات الإدارية الخاصة بتوثيق عقد الزواج مسألة دخيلة على الشريعة الإسلامية وأنه ليس لهم، إلا احترام القواعد التي سنتها هذه الشريعة من أركان و شروط لانعقاد الزواج، أنظر بشأن ذلك؛ محمد الكشبور”قراءة في المادة 16 من مدونة الأسرة”، الطبعة الأولى 2018، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 154.

[14]ـ حكم بتاريخ 21/02/2019، عدد 529، رقم 457/1611/2019، غير منشور.

[15]ـ حكم صادر عن قسم قضاء الأسر التابع للمحكمة الإبتدائية بمكناس، بتاريخ 28 ماي 2019، رقم 421/1611/2019، عدد 1586، غير منشور.

ـ وتأكيدا لذلك جاء في حكم آخر صادر عن نفس الهيئة:”بناء على المقال الإفتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعية إلى كتابة ضبط هذه المحكمة و المؤدى عنه الرسوم القضائية بتاريخ 06/02/2019 والذي تعرض فيه المدعية على أنها متزوج بالمدعى عليه وأنها حامل منه…، و حيث إن الطلب يرمي إلى الحكم بثبوت الزوجية بين المدعية و المدعى عليه وذلك منذ شهر غشت من سنة 2018، وأن جميع أركان الزواج متوافرة في نازلة الحال من إشهار و إيجاب وقبول وصداق معلوم، وحيث إن قيام العلاقة الزوجية لا تثبت إلا بإبرام عقد الزواج وفق المادة 16 من م.أ كأصل، غير أنه ثمة حالات يتعذر فيها على الأزواج إبرام الزواج في حينه لأسباب قاهرة تحول دون ذلك ويتم على أساسها الزواج عن طريق الفاتحة واتفاق الزوج مع الزوجة نظرا لوجود ثقة بين الأطراف، وتعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية على سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة طبقا للمادة 16 من المدونة، وحيث إنه في نازلة الحال أكدت المدعية في جلسة البحث بوجود علاقة زوجية بينها وبين المدعى عليه واستمرارها منذ تاريخ شهر غشت من سنة 2018 إلى يومه وهو ما أقر به المدعى عليه في مذكرته الجوابية…، وحيث إن شهادة الشهود جاءت منسجمة مع تصريحات المدعية ولا لبس فيها و لا إجمال.. وعملا بقول المتحف:

وأعملت شهادة السماع            في الحمل و النكاح و الرضاع

 وحماية لاستمرار هذه العلاقة خاصة وأنه نتج عنها حمل المدعية، ومادام هذا الزواج جاء مستوفيا لجميع شروطه و أركانه المنصوص عليها في المواد 10 و 11 و 13 من نفس القانون باستثناء التوثيق، فإنه يتعين الإستجابة للطلب”. حكم صادر بتاريخ 21/05/2019، رقم 438/2019، عدد 1608، غير منشور.

[16]ـ حكم صادر بتاريخ 28/02/2019، رقم 560/1611/19، غير منشور.

[17]ـ الواقع أن وظيفة التأويل لا تعتبر حكرا على القاضي، بل تشكل مجالا خصبا للباحثين و الفقهاء و علماء الإجتماع… والفارق الجوهري هو أن تأويل القاضي يكتسب لوحده الصفة الإلزامية. خالد الغازي ومعمر مصطفى، م.س، ص 212.

[18]ـ إذا كانت النصوص التشريعية الوضعية محددة سلفا باعتبارها نصوص مكتوبة ومنشورة بالجريدة الرسمية، فإن أحكام الفقه الإسلامي متناثرة بين ثنايا كتب الفقه الإسلامي، حيث يقتضي الأمر من الباحث أو القاضي أو المحامي بذل الكثير من الجهد للوقوف عليها أولا، ثم التمكن من الآليات العلمية التي تسمح لهم بذلك. ـ محمد الكشبور”قراءة في المصطلح، الراجح و المشهور وما جرى به العمل من فقه الإمام مالك (إطلالة على جانب من التراث الفقهي)، مقال منشور بمجلة المناهج، عدد مزدوج 5/6، سنة 2004، ص 168.

[19]ـ محمد الكشبور”رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية”، الطبعة 2001، مطبعة النجاح الجديدة، ص 357.

[20]ـ قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالرباط في 12 يونيو 2006، أورده: محمد الشافعي”مدونة الأسرة في الإجتهاد القضائي” حصيلة ست سنوات من التطبيق العملي (2004ـ2010)،الطبعة الأولى 2011، المطبعة و الوراقة الوطنية زنقة أبو عبيدةـ مراكش ص133.

[21]ـ قرار صادر بتاريخ 22/07/2014،رقم 168/2/1/2013،عدد 568،منشور بمجلة القانون المدني،العدد 17/18 2018،السنة،ص 194.

[22]ـ عبد المجيد غميجة “موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون و الفقه في مسائل الأحوال الشخصية”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، السنة الجامعية 1999ـ2000، ص 119ـ 120.

[23]ـ قرار محكمة النقض بتاريخ 15/11/2006، رقم 160/2/1/2006، عدد 633،أورده: عمر أزوكار”قضاء محكمة النقض في مدونة الأسرة، مدونة الأسرة عشر سنوات من التطبيق”،م.س، ص: 123.

[24]ـ قرار صادر عن محكمة الاستئناف بمكناس بتاريخ 23/01/2017، رقم 628/1613/2016، عدد 97، غير منشور.

[25]ـ الفقرة الأخيرة من المادة السادسة من الدستور”ليس للقانون أثررجعي”.

[26]ـ في هذا السياق يقول الأستاذ عبد المجيد غميجة في أطروحته بشأن تعامل المجلس الأعلى سابقا مع قضايا النسب أنه نظرا لما كان يكتنف دعوى الزوجية من ظروف وملابسات فإنه لا يطرحها بالمرة و إنما يعتبرها شبهة يثبت معها النسب وذلك لاستقلال دعوى الزوجية عن دعوى النسب، م.س، ص 211.

[27]ـ هذا الأمر أكدته الدورية الصادرة عن وزارة الداخلية، بشأن تدعيم التصريح بالولادة بوثيقة الإقرار بالبنوة، بتاريخ 15 غشت 2017، حيث جاء فيها:”وبعد، فقد نصت المادة 17 من المرسوم التطبيقي لقانون الحالة المدنية على ضرورة تدعيم التصريح بالولادة بعقد زواج الابوين فيما يخص المغاربة المسلمين، وذلك لإثبات العلاقة الشرعية التي نتجت عنها الولادة، كما اعتبرت المادة 16 من مدونة الاسرة وثيقة الزواج، الوسيلة المقبولة لإثباته، وحددت فترة انتقالية لفائدة الأزواج الذين لم يوثقوا زواجهم في وقته لرفع دعوى سماع الزوجية لدى المحاكم المختصة.

إلا أن الصعوبات التي ترتبت عن تفعيل هذه المقتضيات الأخيرة في الوقت المحدد من طرف المشرع، رغم تمديد لفترتين إضافيتين، حالت دون تمكن العديد من المواطنين من توثيق علاقاتهم الزوجية لأسباب اجتماعية واقتصادية، وبالتالي استحالة تسجيل أطفالهم في الحالة المدنية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة عدد غير الخاضعين لهذه المؤسسة.

وأمام هذا الوضع، لجأ المواطنون إلى المحاكم لاستصدار أحكام تصريحية بالولادة بناء على وثيقة الإقرار بالبنوة، حيث استجابت المحاكم لطلباتهم، معتبرة أن لوثيقة الإقرار، كامل القوة القانونية لإثبات النسب ولحوق الابن بأبيه وتسجيله في الحالة المدنية، شأنها في ذلك شأن جميع الوسائل المعتمدة من طرف المشرع في موضوع إثبات النسب...”، سيتم الوقوف على ذلك بشيء من التفصيل في الفرع الذي خصصناه لإمكانية إثبات النسب بوثائق الحالة المدنية.

[28] ـ قرار صادر بتاريخ 27/1/2010، رقم 39 في الملف عدد 305/2/1/2008، أورده عبد العزيز توفيق”قضاء محكمة النقض في مدونة الأسرة، من سنة 1957 إلى 2012″م.س، ص 194.

[29]ـ قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 08/06/2005 في الملف رقم 713/2/1/2003، تحت عدد 319، منشور بمجلة نشرة قرارات المجلس الأعلى، العدد 4 ص 119.

[30]ـ حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 21/05/2015، رقم 1452/1613/2015، عدد 2360، غير منشور.

[31]ـ حكم صادر بتاريخ 22/05/2019، عدد 5259 رقم 1554/1613/19، غير منشور.

[32]ـ حكم صادر بتاريخ 16/05/2019، عدد 473، رقم 282/1613/2019 غير منشور.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)