مجلة مغرب القانونالقانون الخاصاحمد بن الطيب: شروط اتفاق التحكيم في التشريع المغربي

احمد بن الطيب: شروط اتفاق التحكيم في التشريع المغربي

     احمد بن الطيب طالب باحث بسلك الدكتوراة مخبر الدراسات القانونية و الاجتماعية كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة

يقصد بالتحكيم لجوء الأطراف لفك منازعاتهم الآنية و المستقبلية الى جهة غير قضائية للبت فيها بشروط محددة بمقتضى اتفاق تحكيم كأهم الطرق المؤدية الى إصدار قرار تحكيمي يكون موضوع تنفيذ سواء كان ذلك اختياريا أو جبرا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية و بالرجوع الى المشرع المغربي يتبين انه عمل على تنظيم اتفاق التحكيم في قانون المسطرة المدنية إذ ينص على أن اتفاق التحكيم هو :

  “التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية”.

و مادام الأمر يتعلق باتفاق تحكيم فوجب توفر مجموعة شروط سواء في المحكمين ، أو في اتفاق التحكيم بحد ذاته (المطلب الأول)، بالإضافة إلى تمتعه بخصوصيات فيما يتعلق بالآثار الناتجة عنه (المطلب الثاني) ، وذلك بعيدا عن باقي أشكال التحكيم الأخرى.[1]

المطلب الأول: شروط الاتفاق التحكيمي.

ينص الفصل 308 من قانون 05/08 على أنه : “يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة، سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم “.

ويتضح من خلال هذا الفصل ، أن من بين الشروط الواجبة في المحكمين الأهلية ، هذه الأخيرة الذي يذهب الفقه [2]  إلى أن المطلوب فيها ليس فقط أهلية التعاقد ، بل ضرورة التوفر على أهلية التصرف في الحقوق موضوع النزاع ، إذا أن اشتراط القدرة على التصرف في الحقوق يعد معيار للأهلية الواجب توفرها في أطراف اتفاق التحكيم.[3]

وإذا كان المشرع المغربي لم يوضح الأهلية المقصودة، فإن معرفة كون عملية التحكيم تصرف قد ينقل الحقوق،[4] ويؤثر على الذمة المالية للمحتكم سلبا ، أمكن القول بيقين ضرورة توفر أهلية التصرف ، و على هذا الأساس فإن الأشخاص الذين ليست لهم الأهلية ممنوعون من الإتفاق على التحكيم ، فالوصي والمقدم لا يحق لهما إبرام اتفاق التحكيم بخصوص أموال القاصرين مالم يكونوا حاصلين على إذن خاص من القاضي المكلف وفقا لمدونة التجارة[5]،

كما لا يجوز للأجنبي الذي لم يبلغ سن الرشد في القانون المغربي أن يبرم اتفاق التحكيم بخصوص التجارة التي ينوي ممارستها بالمغرب ما لم يكن مأذونا له من طرف رئيس المحكمة التي ينوي ممارسة التجارة داخل نفوذ دائرتها حتى ولو كان قانون بلده يقضي برشده[6].

ومن المستجدات التي جاءت بها مدونة التجارة الحالية أن المرأة المتزوجة يمكنها ممارسة التجارة دون أن يتوقف ذلك على إذن زوجها ، وبالتالي فبإمكانها إبرام اتفاق تحكيم دون قيد أو شرط[7] و ينصرف ما سلف ذكره على القاصرين وناقصي الأهلية ، الذين ليس بوسعهم إبرام اتفاق تحكيم ما لم يؤذن لهم بذلك ، أو قضي بترشيدهم ، أو باشروا هذا الأمر بواسطة نائبهم القانوني.

إلا أن الإشكال الذي يطرح حسب بعض الفقه[8]، يتجلى في الحالة التي يكون من خلالها للأب إمكانية مباشرة التصرفات الخاصة بإبنه ومنها إتفاق التحكيم ، بالنيابة عن ابنائه القاصرين المولى عليهم دون قيد أو شرط وتكون تصرفاته صحيحة[9].

و أما إذا تعلق الأمر بالأم نيابة عن أبنائها القاصرين، فيذهب جانب من الفقه، أنه بإمكانها الإتفاق على التحكيم إذا كانت راشدة، مستدلين في ذلك بمضمون المادة 231 من مدونة الأسرة.

و رغم ذلك ، وجب التمييز بين ما إذا كان اتفاق التحكيم منصبا على منقولات في ملك القاصر، حيث بإمكان الأم إبرام الإنفاق المذكور، وبين ما إذا كان موضوع الإتفاق عقارات، إذ يمنع عليها والحالة هذه إبرام اتفاق التحكيم[10].

وبخصوص أهلية الشخص الاعتباري ، فقد قضى المشرع[11] بجواز إبرام المقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية اتفاقات تحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس إداراتها ، أو رقابتها ، أو أجهزة تسييرها[12]، وكل خروج عن هذه الشروط يجعل من اتفاق التحكيم الذي قد يبرم من قبل المسيرين باطلا.

كما يمكن للدولة إبرام عقود تحكيمية[13] بالنسبة للمؤسسات العمومية وفق الإجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس إدارتها، شريطة أن تكون الاتفاقات المتضمنة لشروط ‏ التحكيم محل مداولة خاصة تجريها مجلس الإدارة ، وفي هذا الصدد يرى أحد الفقه[14]، أن الحرية الواسعة التي منحت لأشخاص القانون العام يجب أن تواكبها إجراءات صارمة للمراقبة والتتبع، لكون العقود والالتزامات التي يبرمها الشخص العام والمتعلقة بالتحكيم، تقتضي التفاوض بشكل دقيق واحترافي من أجل صياغة اتفاق التحكيم بصورة جيدة و دقيقة بغية حماية الثروة الوطنية.

وهو ما سار على نهجه القضاء المغربي، إذ ورد في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط[15] أن : ”  قرارا عاما أو خاصا صادرا عن السلطة الرئيسية ، هو وحده الذي يمكن من توسيع سلطات الممثلين القانونيين للدولة بما في ذلك الترخيص باللجوء إلى التحكيم ، و بتخفيض قيود الرقابة المفروضة من النيابة العامة، وحيث يستنتج من ذلك أن إتفاق التحكيم الذي يبرمه المدير العام للأشخاص العمومية مع كل حارس فني دون أن يرخص بصورة قانونية  يعد باطلا ولا يمكن اعتباره بمثابة أساس لقرار تحكيمي”[16].

وبخصوص الأهلية في الإتفاقيات الدولية، نجد أن الإتفاقية الأوربية لسنة 1961  منحت أهمية خاصة لأهلية الأشخاص المعنوية في القانون العام، وخولتهم إمكانية إبرام اتفاقات تحكيم، وأعطت القوانين الداخلية حرية تحديد المقصود بالشخص العام[17].

كما تعرضت اتفاقية للبنك الدولي بدورها للأمر ، و ميزت بين النزاعات التي يكون أحد أطرافها دولة أو جهة تابعة لها و بين الشخص الطبيعي والقانوني ، و أخرجت المنازعات التي يكون أحد أطرافها أشخاصا طبيعيين وحاملين لجنسية الدولة الأخرى في النزاع ، و هذا الإخراج أو عدم الصلاحية لإبرام اتفاق التحكيم لا يمكن تصحيحه من طرف الدولة محل النزاع.

أما اتفاقية نيويورك[18]، فيتضح أنها أجازت لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية إبرام اتفاقيات التحكيم بمن فيهم الشخص العام[19]. وإلى جانب الأهلية، يتضح من خلال الفصل 308 من قانون 05/08 ضرورة توفر ملكية التصرف في الحق موضوع التحكيم، إذ أن حق إبرام اتفاق التحكيم يقتصر على من يملكون التصرف في الحقوق موضوع التحكيم[20]، ومن ثم يستثنى الحارس سواء كان قانونيا أو اتفاقيا، وكذا المودع عنده، الذي يلزمه الفصل 791 من قانون الالتزامات والعقود بالسهر على حفظ الوديعة بنفس العناية التي يبذلها في المحافظة على أمواله ، و أيضا الفصل 793 من نفس القانون الذي يحمله المسؤولية عن هلاك الوديعة ولو نتيجة قوة قاهرة أو حادت فجائي، وكذا إذا استعملها أو تصرف فيها دون إذن المودع.

وإذا كان الأصل أن كل الحقوق قابلة لأن تكون محلا للتحكيم ، فإن المشرع المغربي وتحقيقا للمصالح الاقتصادية والاجتماعية وكذا محافظة على النظام العام[21]، نص على حالات لا يجوز أن تكون فيها بعض الحقوق محلا للتحكيم، وذلك من خلال الفصلين 309 و 310 من قانون المسطرة المدنية والتي يمكن إجمالها في:

مقال قد يهمك :   مختصون بوجدة يقاربون المستجدات التشريعية لأراضي الجموع وسؤال التنمية المستدامة

  • النزاعات المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم.
  • الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة.
  • النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة والجماعات أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية[22]

وعلى اعتبار أن الأمر يتعلق باتفاق ، فلابد لقيامه من توفره على الشروط المتطلبة بصفة عامة في الاتفاقات من حيث الرضا، والمحل، والسبب. إذ لابد من توافر التراضي، وذلك بتوافق وتطابق إرادة الأطراف حول اعتماده بشكل صريح  إذ لا تكفي الإرادة وحدها ، بل يتعين أن تكون حرة و صريحة ، غير مشوبة بأي عيب من عيوب الرضى كالغلط أو الإكراء أو الغين، أو التدليس.

وهكذا فالاتفاق المعتد به هو الذي يكون فيه التعبير عن اللجوء إلى التحكيم ناتجا عن إرادة حرة غير مدفوعة إلى إبرام الالتزام وأهلية أحد المتعاقدين مشوبة بعيب[23]، كما يشترط تطابق الإيجاب والقبول وفق النظريات المتعارف عليه في القانون المدني[24]

وبالإضافة إلى التراضي، يجب أن يشتمل هذا النوع من الإتفاق على محل أو موضوع  هذا الأخير و الذي يتمثل في حسم النزاع الذي من الممكن أن ينشأ مستقبلا عن تنفيذ وتفسير العقد عن طريق التحكيم.

وقد أثير نقاش حول ما إذا كان المحل ركنا في الاتفاق أم ركنا في العقد، إذ تباينت وجهة نظر الفقهاء بصدد الإجابة على هذا السؤال، فهناك من يرى بأن المحل ركن في الالتزام وليس في العقد[25]، وهناك من يرى بأن المحل ركن مباشر في الإلتزام وركن مباشر في العقد[26]، وما يهم هو أن يكون محل اتفاق التحكيم موجودا أو قابلا للموجود في المستقبل ، بحيث إذا تم إبرام اتفاق التحكيم لإجراء عملية التحكيم على شيء معين، ثم تبين أن هذا الشيء غير موجود أصلا، فإن هذا الإتفاق يقع باطلا.

وقد أجاز المشرع إنشاء الإتفاق على التحكيم في أشياء قابلة للوجود مستقبلا بحيث يستساغ إمكانية ألا تكون قائمة وقت إبرام التحكيم، كما يشترط في محل اتفاق التحكيم أن يكون ممكنا غير مستحيل، ومشروعا وقابلا للتعامل فيه[27] .

وقد كرس المشرع المغربي من خلال قانون 08/05 مسألة المحل من خلال الفصل 308، وحددها في الحقوق التي يملك الأشخاص الطبيعيون والمعنويون حرية التصرف فيها[28]، ثم أعطت الفقرة الثانية من نفس الفصل الإمكانية بوجه خاص للنزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة الخامسة من القانون 53.93 القاضي بإحداث المحاكم التجارية[29]، مستثنيا المسائل التي لا يمكن أن تكون موضوع اتفاق تحكيم وهي تلك التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم، وكذا بعض الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة.

كما يجب في اتفاق التحكيم بالإضافة إلى ما سلف ضرورة توفر السبب، الذي كرسه المشرع من خلال قانون 08/05 من خلال الفصل 308، والذي في حال توفر ما سلف يطرح معه الإشكال حول آثار قيام الاتفاق التحكيمي صحيحا أو وقوعه باطلا.

المطلب الثاني : آثار الإتفاق التحكيمي

تختلف الآثار المنبثقة عن اتفاق التحكيم بين ما إذا قام هذا الأخير صحيحا وبين ما إذا كان باطلا . و تعتبر حالة قيام اتفاق التحكيم صحيحا منتجة لأثر هام يتمثل في إسناد المنازعة الناشئة بينهم والمتفق على حلها إلى الهيئة التحكيمية ، كما يترتب عن قيامه مجموعة آثار أخرى تمثل بالأساس في إسناد الاختصاص للهيئة التحكيمية بالإضافة إلى الاختصاص بالاختصاص.

 ففيما يتعلق بإسناد الاختصاص للهيئة التحكيمية فيبقى الأثر البارز لاتفاق التحكيم من الناحية الإجرائية هو نقل الاختصاص من القضاء  و إسناده للهيئة التحكيمية التي تصبح صاحبة الولاية في تسوية المنازعات القائمة بين الطرفين ، والمبرم بشأنها اتفاق التحكيم و ذلك بحرمان أطراف العقد من اللجوء إلى القضاء بشأن النزاع الذي وقع الإتفاق على حله عن طريق التحكيم[30] وبالرجوع إلى المشرع المغربي، تجده لم يغفل هذا المبدأ وذلك من خلال النص عليه في الفصل 327 من قانون 08/05 حيث نص على أنه :

  ” عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق التحكيم على نظر إحدى المحاكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تطرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم إذا كان النزاع لم يعرض بعد على الهيئة التحكيمية ، وجب كذلك على المحكمة بطلب من المدعي عليه أن تصرح بعدم القبول ، ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضح”..

ويعني هذا الفصل أن الهيئة التحكيمية هي من يثبت لها سلطة الفصل في النزاع بموجب اتفاق التحكيم ، ليبدأ الطرفان في إجراءات التحكيم التي تبتدئ من يوم تسلم المدعى عليه طلب التحكيم من المدعى ثم يأتي بعد ذلك تشكيل هيئة التحكيم ، و الإتفاق على الإجراءات المتبعة لبدء الأخيرة لعملها ، وذلك بالبت في صحة اتفاق التحكيم وكذا مسألة اختصاصها للنظر في النزاع وغيرها من الإجراءات[31]، مما يستتبعه التزام الأطراف بالعودة إلى المحكم بالمسائل موضوع الإتفاق على التحكيم تطبيقا لمبدأ القوة الملزمة للإتفاق.

بيد أن هذا الأمر لا يعني قطع الصلة بين التحكيم والقضاء ، إذ أن المحكمة المختصة تقدم خدمات عديدة للتحكيم ، سواء بالنسبة للإجراءات المسطرية ، أو فيما يتعلق بفعالية قرار التحكيم، كتعيين المحكم إذا تعذر ذلك من لدن الأطراف[32]، أو الحكم على المحكمين بالجزاء الذي يقتضيه القانون وإيداع أصل الحكم التحكيمي[33] ، والبت في بعض المسائل الاستعجالية و قواعد الإثبات[34].

ويعتبر اللجوء للهيئة التحكيمية من أهم آثار اتفاق التحكيم ، ويطرح في شأنه اشكالا حول السبيل في حالة ما إذا أثير النزاع أمام المحكمة رغم النص على عرض النزاع على التحكيم بناء على إتفاق في هذا الصدد؟.

لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة ، سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي وفقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، ويجوز الرجوع عن تلك الاجراءات بالطريقة ذاتها.

و يعتبر الإتجاه التشريعي السالف الذكر منحى القضاء المغربي، إذ صرحت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء في قرار لها أن :

” قاضي المستعجلات مختص باتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية والتحفظية[35] . وهو نفس الإتجاه الذي أخذ به القضاء الفرنسي[36] . و أما فيما يتعلق بمسألة الاختصاص بالإختصاص ، فقد طرحت مجموعة من الإشكالات تتمثل أساسا في إمكانية أن ينحصر تحديد الاختصاص من لدن هيئة تحكيمية أم أن القضاء العادي يعود إليه الإختصاص للحسم في هذه المسألة في حالة المنازعة؟. إن أول مسألة إجرائية تلتزم هيئة التحكيم بالبت فيها بداية ، هي اختصاصها من عدمه ، وهو ما يعرف بمبدأ الاختصاص بالاختصاص، وهو لا يحول دون تصدي القضاء لبحث مسألة اختصاص هيئة التحكيم أمامه عند الطعن ببطلان التحكيم أو رفض تذييله بالصيغة التنفيذية لصدوره من هيئة تحكيمية غير مختصة.  وهكذا إذا ، فإن الفرصة تمنح أولا لهيئة التحكيم للفصل في المسائل المتعلقة باختصاصها دون سلب القضاء لحقه في الرقابة اللاحقة[37]. وتنص العديد من القوانين المقارنة على هذه القاعدة، ومنها القانون النموذجي الفرنسي للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية، كما أتيحت الفرصة للقضاء الفرنسي للنظر في الموضوع من خلال قرار جاء فيه :

مقال قد يهمك :   عصام عطياوي: قضايا الاستيلاء على عقارات الغير،دراسة في ضوء التشريع والفقه والقضاء (مؤلف حديث)

 ” حيث أن مبدأ كون القاضي المطروح عليه النزاع يكون مختصا بالفصل في اختصاصه، وهذا يستلزم بالضرورة عندما يكون القاضي محكما، حيث يستقى سلطاته أصلا من اتفاق الطرفين وفحص وجود الاتفاق[38] .

وتعتبر إشكالية الاختصاص بالاختصاص مثار خلاف بين الفقه والقضاء، إذ اتبع كل فريق النظرية التي يعتنقها فأنصار النظرية العقدية ظلوا أوفياء لها، وناصروا قضاء الدولة باعتباره مرجع الاختصاص وحده لحسم الإشكال.

في حين ذهب أنصار النظرية القضائية إلى اختصاص المحكمين[39]. ويترتب على المبدأ المذكور اثرين هامين يتمثل الأول في كون الاختصاص ترجع إلى المحكمين وحدهم في كل مسألة تتعلق باختصاصهم، أما الثاني فيتجلى في امتناع المحكم من البت في أي دعوى تهم اتفاق التحكيم أو موضوع النزاع مباشرة قبل أن يقول المحكمون كلمتهم في الإختصاص[40] .

وحتى تقوم الهيئة التحكمية بصلاحياتها على الوجه السليم، وجب عليها القيام بمجموعة من الإجراءات[41] كما هو حال التحقيقات مثلا، والمتمثلة في الاستماع إلى الشهود ، و تعيين الخبراء، أو القيام بأي إجراء آخر، حيث أوكل للهيئة التحكيمية القيام بأي إجراء تراه مفيدا لحل النزاع ، و الإطلاع على ما يوجد لدى الأطراف من حجج بالإضافة إلى إلزامهم بالإدلاء بها والقيام على غرار ما هو مسند للقضاء الإستعجالي بإجراءات تحفظية وتدابير وقتية حفاظا على حقوق الأطراف من الضياع[42] ، كما يمكنها تعيين مكان ملائم للتحكيم مراعية في ذلك ظروف الدعوى ومحل اقامة الأطراف[43] .

وبالرجوع إلى المشرع المغربي يتبين أنه أورد مقتضى تشريعي هام يتمثل في تمكين الهيئة التحكيمية من إتباع ما تراه أو ما يتفق عليه الأطراف من مساطر عدا إذا اتفق هؤلاء الأطراف على اللجوء إلى ما ورد في القواعد القانونية الواردة في قانون المسطرة المدنية.

 وقد أثار بعض الباحثين[44] إشكالا يتعلق بمدى أحقية الهيئة التحكيمية ومدى صلاحيتها في تحقيق الخطوط في حالة الطعن بالزور. وبالنظر إلى الصلاحيات الواسعة التي أصبحت للمحكمين في ظل قانون 05 08، فالفصل  17-327 منه نص على أنه :

” إذا تم عرض مسألة على هيئة التحكيم تخرج عن اختصاصهم ، أو تم الطعن بالزور في ورقة او سند قدم لها ، واتخذت إجراءات جنائية بشأن تزويره يجوز لهيئة التحكيم الاستمرار في نظر موضوع النزاع إذا ارتأت أن الفصل في المسألة أو في التزوير أو في ادعاء الزور

ليس لازما في موضوع النزاع، وإلا أوقفت الإجراءات حتى يصدر حكم نهائي في الموضوع” ويترتب على ذلك وقف سريان الموعد المحدد لإنهاء حكم التحكيم[45] ومما سبق، يمكن القول أن هذا التوسع لصالح الهيئة التحكيمية[46] هو في صالح التحكيم بصفة عامة، شريطة أن تتوفر هيئة التحكيم على أشخاص من ذوي الخبرة والتخصص والثقافة القانونية اللازمة وكل ما يؤهلهم للقيام بهذه المهمة التحكيمية وذلك حتى يؤتي التحكيم نتائجه ويقوم صحيحا منتجا لآثاره لا باطلا.

وإذا كان الأمر كذلك بخصوص اتفاق التجكيم الذي يقوم صحيحا فإن الحالة التي يأتي فيها الاتفاق باطلا فقد تطرق اليها المشرع المغربي  بشكل صريح من خلال الفصل 315 من قانون

 05-08 الذي جاء فيه :

 ” يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان:

1 – تحديد موضوع النزاع.

-2  تعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها.

 3 – يكون العقد لاغيا إذا رفض محكم معين فيه القيام بالمهام المستفيدة إليه. “

وإذا كانت حالاته المحددة في الفصل المذكور واضحة فإن  الآثار الناجمة عن بطلان اتفاق التحكيم، فتتجلى أهمها في نزع الاختصاص عن الهيئة التحكيمية للنظر في النزاع ، فإذا أثيرالأمر أمامها صرحت بعدم الاختصاص ،  و في حال إغفالها ذلك أو لم تبت أو لم تنتبه إلى بطلان اتفاق التحكيم فإن صاحب المصلحة يمكنه إثارة عدم الإختصاص أمام القضاء.

ويرى بعض الفقه[47] أن مظلة القضاء تظل ضمانة اللجوء الى عملية التحكيم ، و دليلهم في ذلك ما تم التنصيص عليه من خلال مجموعة فصول، كالفصل 327-[48]1.

وفي نفس الاتجاه سار القضاء في أحد أحكامه الذي ورد فيه :

  ” لكن حيث أنه إذا كان التحكيم يعتبر نظاما قانونيا وقضائيا تمييزا له عن نظام القضاء الرسمي والإلزامي، فإنه يظل نظاما اختياريا يقوم إلى جانب القضاء العادي يلجأ إليه لبساطة الإجراءات وسرعة البت في القضايا.

 وحيث أنه رغم الطابع الإختياري لنظام التحكيم ، فإن اتفاق الطرفين على اللجوء إلى مبدأالتحكيم لفض المنازعات القائمة بينهما يضفي على هذا الإتفاق الصبغة القانونية الملزمة[49]

وكخلاصة يمكن القول أن التحكيم، وإن كان وسيلة يتفق بمقتضاها الأطراف على عرض نزاعاتهم على هيئة تحكيمية يرتضونها ، فإن القضاء يبقى الباب المفتوح الذي يمكن الدخول إليه[50] عندما يعتري اتفاق التحكيم ما من شأنه إبطاله، وبالتالي لا يمكن الحديث عن وجود إرادة نحو فض النزاع عن طريق التحكيم.


لائحة المراجع :

  • عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مصادر الالتزام، الجزء الأول.
  • احمد شكري السباعي ، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الاسلامي والقانون المقارن، منشورات عكف طبعة 1987
  • أبو زيد رضوان : الأسس العامة في التحكيم التجاري، دار الفكر العربي بيروت ، طبعة 1981.
  • ناريمان عبد القادر: اتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994. ط 1 القاهرة، دار النهضة العربية، 1996
  • محمد بوشيبة : الاتفاق التحكيمي ، دون طبعة .
  •  عبد الكريم الطالب : الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية .
  •   عبد الله درميش : اعتمام المغرب بالتحكيم إلى أي حد؟ مجلة المحاكم المغربية عدد 73.
  •  عز الدين عبد الله ، تنازل القرارين في مسائل التحكيم في مواد القانون الخاص مجلة القضاء والتشريع التونسية ، السنة 24 العدد الأول 19.
  • احمد عبد الكريم سلامه: قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الأولى 2004،
  • احمد عبد الكريم سلامه : قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي دار النهضة العربية القاهرة،الطبعة الأولى 2004
  • – عزيز الفتح الهيئة التحكيمية في ظل قانون 05-08 مجلة أنظمة التحكيم مطبعة المعارف الجديدة، الرباط العند 12 سنة 200166
  • عبد الرحمان المصباحي ” المادة التحكيمية أو قابلية النزاع التحكيم، مجلة القضاء والقانون العدد154، الصفحة 65 محمد نور عبد الهادي شماته الرقابة على أصال المحكمين موضوعها وصورهادراسة مقارنة، دار النهضة العربية طابعة 1993

الهوامش:

[1]  يراجع في هذا الصدد:

مقال قد يهمك :   الرقابة القضائية على العمل الضريبي - حالات عملية للدراسة -

أبو زيد رضوان: الأسس العامة في التحكيم التجاري، دار الفكر العربي بيروت، طبعة 1981، صفحة 62

  • ناريمان عبد القادر: اتفاق التحكيم وفقا لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994. ط 1 القاهرة، دار النهضة العربية، 1996، ص 12 .

[2]  محمد بوشيبة: الاتفاق التحكيمي ، دون طبعة  صفحة 12

[4]  عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،  صفحة 12.

  محمد بوشيبة: مرجع سابق، صفحة 81/82

  5 – المادة 14 من مدونة التجارة

 [6]   – المادة 16 من مدونة التجارة

 [7]   – المادة 17 من مدونة التجارة

[8]   يراجع في هذا الصدد:

  عبد الله درميش : اعتمام المغرب بالتحكيم إلى أي حد؟ مجلة المحاكم المغربية عدد 73. ص 9

[9]  –  المادة 240 من مدونة الأسرة

[11]  أنظر المادة 311 من قانون 08/05

[12]  انظر الفصول من 39 إلى 105 من قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة المصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 124.196 في 14 ربيع  الأول 1417 30 غشت 1996 منشور بالجريدة الرسمية عدد 1422ء، بتاريخ 4 جمادى 1417 / 17 اكتوبر 1996 ص 2320

[13]  ينظر في هذا الشأن:

عبد الله درميش ، مرجع سابق ، من 73 إلى 110.

[14]  محمد بوشيبة، مرجع سابق، من 84

[15]  قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط في يوليوز 1993

[16]  للمزيد من الإيضاح الإله برحاني:

  مرجع سابق، ص 453-454

[17]  محمد رافع ، الأسس العامة في التحكيم التجاري،دون طبعة ص 46

[18]  محمد رافع المرجع نفسه ص .47

[19]  عبد اللطيف مشبال: مرجع سابق، ص 244

[20]   ينص الفصل 308 من قانون المسطرة المدنية يجوز لجميع الأشخاص من الري الأمنية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين او يبرموا

اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها.

[21]  عبد الكريم الطالب مرجع سابق، ص 337

[22]  ورغم ذلك يجوز إبرام اتفاق التحكيم بخصوص العقود التي تكون بالدولة فيها أو الجماعات المحلية طرفا، شريطة التقيد بالمقتضيات الخاصة بشرقية أو الوصاية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في هذا النوع من العقود.

الفقرة الثانية من الفصل 310 من قانون المسطرة المدنية.

[23]  عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مصادر الالتزام، الجزء الأول ص 265

[24]  عبد الرزاق أحمد السنهوري، مرجع نفسه ص 241.

[25]  احمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي والفقه الاسلامي والقانون المقارن، منشورات عكف طبعة 1987

 صفحة 356 وما يليها .

[26]  عبد الرزاق السنهوري: المرجع السابق، صفحة 375

[27]    انظر الفصول 57-59 من قانون الالتزام والعقود.

[28]  ينص الفصل 308 من قانون 05/08 على أنه يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الاجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب وذلك مع التنفيذ بمقتضيات الظهير الشريف الصادر في رمضان 1331/ 12  غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود كما وقع تغييره و تتمينه ولا سيما الفصل 62 منه.

 [29] تنص المادة 5 من القانون 53-95 المتعلق بإحدى المحاكم التجارية على أنه تختص المحاكم التجارية في:

  • الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية
  • الدعاوى التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية
  • الدعاوي المتعلقة بالأوراق التجارية
  • التزامات الناشئة بين الشركاء في شركة تجارية
  • الدعاوي المتعلقة بالأصول التجارية

[30]  عز الدين عبد الله تنازل القرارين في مسائل التحكيم في مواد القانون الخاص مجلة القضاء والتشريع التونسية، السنة 24 العدد الأول 198، ص 41 وما يليها.

  • عز الدين عبد الله تنازع القوانين في مسائل التحكيم بدون طبعة ومطبعة ص 38.

[31]  احمد عبد الكريم سلامه: قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الأولى 2004، ص 216.

[32]  احمد عبد الكريم سلامه : قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الأولى 2004، ص 216 انتظر في هذا الشأن المادة 5-327 من اللون 05-08

[33]  وجب التذكير بهذا الخصوص أن الحكم التحكيم يكتب الحجة بمجرد صدوره بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه غير أن الحكم المتعلق بنزاع أحد أطرافه شخص معنوي فيجب الحصول على أمر بتخويله السرعة التنفيذية وقنا الفصل 6-327

[34]  عبد الله درميش، مرجع سابق الرسالة ص 219.

[35]  قرار محكمة الاستئناف بالبيضاء، عند 690 بتاريخ 9 دجنبر 1976 منشور بمجلة القضاء والتشريع عدد من السنة 1977/19، الصفحة 56

[36]  للمزيد من الإطلاع حول موقف القضاء الفرنسي يراجع عبد الله درميش الرسالة – محمد رافع مرجع سابق، السلطة 226

[37]  محمد رافع، مرجع سابق الصفحة 52

[38]  عزيز الفتح الهيئة التحكيمية في ظل قانون 05-08 مجلة أنظمة التحكيم مطيعة المعارف الجديدة، الرباط العند 12 سنة 2008.

الصفحة 166

[39]  عبد اللطيف مشبال، مرجع سابق، الصفحة 394

[40]  محمد رافع مرجع سابق، الصفحة 53

[41]  ينص الفصل 11-327 على ما يلي : ” تقوم الهيئة التحكيمية بجميع إجراءات التحقيق بالاستماع إلى الشهود أو تعيين خبراء أو بأي إجراء أخر.

[42]  عزيز الفتح: مرجع سابق، الصفحة 167

[43]  من الفقرة الثانية من الفصل 327/ 110 من التون 08:05 ولطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في المملكة المغربية أو خارجها فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكانا ملائما للتحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى ومحل إقامة الأطراف. ولا يخول ذلك من دون أن تجتمع هيئة التحكيم في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع والشهود أو الخبراء أو الاطلاع على المستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو اجراء مداولة بين أعضاءها أو غير ذلك.

[44]  عبد الرحمان المصباحي ” المادة التحكيمية أو قابلية النزاع التحكيم، مجلة القضاء والقانون العدد 154، الصفحة 65 محمد نور عبد الهادي شماته الرقابة على أصال المحكمين موضوعها وصورها دراسة مقارنة، دار النهضة العربية طابعة 1993 الصفحة 83

[45]  يقصد به القرار الذي يحسم النزاع بين الأطراف الذي يكون قابلا للتنفيذ مباشرة بعد شموله بالصيغة التنفيذية كما يتمتع بحجية الأمر المقتضى به

[46]  محمد رافع مرجع سابق الصفحة 59

[47]  عبد الرحمان المصباحي م س ص 88

[48]  انظر الفصل 1-327 من قانون 08-05

[49]  قرر المجلس الأعلى رقم 43 مستر عن غرفتين بتاريخ 1998/05/27 في الملف الإداري رقم 692-19-961 منشور بدفاتر المجلس الأعلى عدد 2 سنة 2005، الصفحة 175

[50]  عيد اللطيف مشبال مرجع سابق الصفحة 405-404.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]