الأداء البرلماني في الجزائر بين النص القانوني والواقع السياسي.
العايب شعبان، جامعة عبد الرحمن ميرة، بجاية.
مقدمة:
تنصب الوظائف الأساسية للبرلمان في سن القوانين وممارسة الرقابة، وكلاهما يساهم في عملية البناء الديمقراطي الذي هو الهدف من وراء الممارسة السياسية داخل أي دولة بغض النظر على النظام السياسي المطبق فيها.
وعليه يتضح دور السلطة التشريعية في عملية البناء الديمقراطي بإبراز علاقتها مع باقي سلطات الدولة المعترف بها في الدساتير الحديثة، داخل إطار الضمانات الكفيلة بقيام البرلمان بدوره في البناء الديمقراطي، أهمها توفر مناخ الحرية، وخضوع الدولة للقانون، وتجسيد مبدأ الفصل بين السلطات، والتعددية الحزبية.
يتأكد دور البرلمان في البناء الديمقراطي إذا توفرت الشروط والضمانات السابقة، لكن هذا التوجه قد تعترضه صعوبات في الممارسة الميدانية، بعضها مرتبط بتقليص سلطة البرلمان في التشريع سواء من ناحية الكم في مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة للبرلمان، ثم تأخد طريقها لتصبح قوانين بعد أن يضفي عليها البرلمان الشرعية، أو من ناحية النص الدستوري نفسه الذي يقلص سلطات البرلمان في العملية التشريعية وينقلها إلى السلطة التنفيذية.
وتفاديا لذلك قامت مختلف الدول من خلال دساتيرها بتحديد إختصاصات كل سلطة، خاصة إختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية، بإعتبارهما المبادرتان بممارسة مظاهر السلطة والحكم في الدولة.
مر البرلمان الجزائري بمرحلتين حسب طبيعة كل دستور، وما يهمنا في هذه الدراسة، البرلمان في ظل الشرعية الدستورية المكرسة لمبدأ دولة القانون، لأن أسسها الحرية والفصل بين السلطات والتعددية الحزبية، المنبثقة عن دستور 1989،لكن دور البرلمان في الممارسة السياسية بقي محدود وعليه: ما هو مستوى الأداء البرلماني في الجزائر من الناحية القانونية والواقعية و أثره على الممارسة السياسية؟.
وفقا للإشكالية السابقة الذكر قسم الموضوع إلى التالي :
أولا : تأثير النص القانوني على إستقلالية أداء البرلمان
تختلف الأنظمة السياسية فيما بينها من حيث تكوين برلمانها، فقد يتكون من مجلس واحد أو مجلسين، إلا أن إصدار التشريع هي الوظيفة المشتركة، أين يقصد بالتشريع كمصدر رسمي للقانون وضع القواعد القانونية في صورة مكتوبة بواسطة السلطات المختصة في الدولة، وفقا لإجراءات محددة ومنصوص عليها في الدستور، وفي هذا الإطار يحتل التشريع مكانة الصدارة بين مختلف مصادر القانون، نظرا إلى وضوحه ودقته في إنشاء وصياغة القاعدة القانونية، كما أنه يستجيب لمقتضيات تطور المجتمع وتعديله، وحتى إلغائه.
نظرا إلى ما يكتسبه التشريع من أهمية، فإنه من الضروري وضع قانون خاص يتضمن مجموعة من الإجراءات والتقنيات لتنظيم عملية التشريع، وضمان أكبر قدر من الإستقلالية للهيئة المنوط لها ذلك.
في هذا السياقأعترف الدستور[1] الجزائري للبرلمان بوظيفة التشريع بموجب نص المادة 98 منه، لكن ليس بصفة مطلقة، أين عمل على تحديد مجال القانون، ما ينعكس على إستقلالية هذا المؤسسة(1) ومن جهة أخرى تأثرها من ناحية الأداء بالسلطة التنفيذية (2).
1- ضعف الآليات الدستورية لتفعيل دور البرلمان
قام المؤسس الدستوري الجزائري بوضع مجموعة من التقنيات الدستورية للحد من سيادة البرلمان، بتقييد وتقليص سلطات البرلمان في مجال التشريع(أ) وإضعاف المبادرة البرلمانية(ب) بالإضافة إلى تعطيل مسؤولية الحكومة أمام البرلمان بإقرار شروط تعجيزية للتوقيع أو الموافقة على الرقابة(ج).
أ- تحديد مجال التشريع
توزع أغلب الدساتير المعاصرة الإختصاص التشريعي بين البرلمان والسلطة التنفيذية وهي الضرورة التي دعت الي التمييز بين مجال القانون الذي يختص البرلمان بالتشريع فيه، ومجال اللائحة الذي تختص به الحكومة، أين أصبح تعريف القانون يتم بالإعتماد على معيارين أساسيين يتمثلان في المعيار الشكلي والمعيار المادي، وهذا يعني تحديد القانون بموجب لائحة حصرية من المواد المدرجة بشكل خاص في مجال القانون[2].
أعترف المؤسس الدستوري الجزائري بصفة مطلقة بممارسة السلطة التشريعية من طرف البرلمان بموجب نص المادة المذكورة أعلاه، وخوله السيادة الكاملة في إعداد القانون والتصويت عليه، وذلك ما يكرس حقيقة الديمقراطية لأن البرلمان هو المترجم لصوت الشعب، لكن بقراءة نص المادة 122 من الدستور التي تنص على التالي: « يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، وكذلك في المجالات الآتية…»، وكذلك نص المادة 123 كالتالي: « إضافة إلى المجالات المخصصة للقوانين العضوية بموجب الدستور، يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الأتية…».
يتضح أن المؤسس الدستوري الجزائري قيد النطاق الذي يشرع فيه البرلمان، وبمفهوم المخالفة لهذا النص منح للحكومة حرية كاملة في إصدار القانون، وبذلك تتحول الأداء البرلماني في الجزائر الى استثناء،الذي يكون الاصيل إستنادا للمبادئ العامة التي تحكم دولة القانون، وتكرس الديمقراطية.
ب-ضعف المبادرة البرلمانية
أقر الدستور الجزائري الساري المفعول في مادته 119 حق المبادرة بالقوانين للوزير الأول والنواب، في شكل مقترحات أو مشاريع قوانين، أين يبدو من القراءة الأولية تكريس المساواة بين مؤسستي الحكومة والبرلمان في هذا المجال، لكن ذلك ظاهريا فقط، إن لم نحكم عليه بتكريس المبدأ في المبادرة للحكومة والإستثناء للبرلمان، باعتبار ما يدل على المساواة هو صياغة الفقرة الأولي من نص المادة فقط، وبعدها تأتي الفقرات والنصوص[3]التي تليها تفرض مجموعة من القيود على أداء البرلمان وتغليب الحكومة عليه.
وفقا لذلك، تتمتع الحكومة بعدة وسائل تجعلها تتحكم في المبادرة التشريعية وتسيطر على الإنتاج التشريعي للبرلمان، من خلال محدودية المبادرة التشريعية البرلمانية أو منحه المبادرة مع تقييدها بمجموعة من الشروط، بالإضافة إلى أن حق المبادرة الحكومية بإمكانه تقليص عدد القوانين ذات الأصل البرلماني سواء عن طريق الإنفراد بالمبادرة التشريعية، أو عن طريق التقدم بمشاريع قوانين بهدف تعديل أو إلغاء قانون قائم صادر عن البرلمان[4].
تميزت مختلف دورات البرلمان في الجزائر بسيطرة الحكومة على التشريع عن طريق إعطائها الأولوية في المبادرة في المقابل تتسم مبادرات أعضاء البرلمان بالندرة والضعف خاصة في بعض المجالات التي تحتاج إلى الكفاءة والتخصص كقانون المالية.
ج- عقلنة وسائل مراقبة الحكومة
تبين سلطة الرقابة مكانة البرلمان في النظام السياسي، أين لا يكفي تولي مهمة التشريع التي تتولى الحكومة دستوريا تنفيذها، وإنما يجب ضمانا لفاعلية التشريع والتقييد به بإعتباره الأداة القانونية لتنفيذ برنامج الحكومة الموافق على هذا الأخير من طرف البرلمان[5]،لذلك أعطى الدستور للبرلمان في مختلف الدول عدد من الآليات ليستخدمها في مواجهة الحكومة.
خول الدستور الجزائري للبرلمان مجموعة من الوسائل في إطار العلاقة التي تربطه مع السلطة التنفيذية، تمكنه من الإطلاع على مختلف مظاهر الحياة السياسية، بواسطة وسائل رقابة جمع المعلومات والحقائق و وسائل إثارة المسؤولية السياسية[6].
تعتبر الأسئلة البرلمانية من أكثر الوسائل التي ينص عليها المؤسس الدستوري استعمالا في مراقبة البرلمان للحكومة،وذلك راجع لمحدودية تأثيراتها السياسية، إذ لا يصل الأمر فيها إلى مستوى إثارة المسؤولية السياسية للحكومة،كما هو الشأن بالنسبة لسحب الثقة أو لملتمس الرقابة[7]بالإضافة إلى ذلك يرد السؤال في بعض الحالات في شكل طلب تدخل مما يصعب تكييفه وتصنيفه في خانة السؤال الكتابي.
2- تغليب السلطة التنفيذية على عمل البرلمان
إستنادا لمبدأ الفصل بين السلطات حددت إختصاصات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية، أين كلف البرلمان بمهمة وضع القوانين التي تحكم المجتمع، وإعطاء السلطة التنفيذية مهمة تنفيذ القوانين، لكن على إعتبار المؤسستان يمثلان سيادة شعب واحد ولضمان عدم فقدان السير المنتظم والمطرد للمؤسسات السياسية، أصبح من الضرورة إقامة علاقة إتصال بينهما.
لكن ذلك ليس تبرير كافي لتطوير سلطة الحكومة إلى درجة تغليبها على أداء البرلمان، وإلا خرقت الديمقراطية بوسائلها، خاصة إذا لم تضبط هذه العلاقة بنصوص دستورية تحترم فيها المبادئ العامة للديمقراطية، لأن ذلك فيه تأثير على مهام السلطة التشريعية.
منح المؤسس الدستوري الجزائري على غرار أغلب الدساتير في العالم مجموعة من المهام للسلطة التنفيذية يكون لها تأثير مباشر على السلطة التشريعية مثل سلطة رئيس الجمهورية بالتشريع بأوامر(أ)وإصدارها لقوانين (ب)والتعيين في أعضاء السلطة التشريعية(ج)وحل البرلمان(د) .
أ- سلطةالتشريع بأوامر
يساهم رئيس الجمهورية مباشرة في صنع القانون بواسطة الأوامر التشريعية، وفقا لما تنص عليه المادة رقم 124 من الدستور الجزائري كالتالي: «لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان.ويعرض رئيس الجمهورية النصوص التي أتخدها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له لتوافق عليها. تعد لاغية الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان. يمكن رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحالة الإستثنائية المذكورة في المادة 93 من الدستور، تتخد الأوامر في مجلس الوزراء».
جاءت صياغة المادة واسعة تمنح لرئيس الجمهورية التشريع في المجالات التي تختص بها أصلا السلطة التشريعية، بما في ذلك القوانين العضوية رغم أهميتها في النظام القانوني للدولة، والإجراءات المعقدة التي تتطلبها، إذ أن الممارسة الفعلية لسلطة التشريع بأوامر أظهرت صدور أوامر تتضمن قوانين عضوية، والأهمبعد أن يتخذ رئيس الجمهورية أوامر في مجال هده الفئة من القوانين، هل يلتزم بالمادة 165 من الدستور التي تنص على وجوب إخطاره للمجلس الدستوري[8]ليراقب مدى دستورية القوانين العضوية؟.
ب-سلطة إصدار القوانين
بعد إنتهاء البرلمان من مناقشة مشروع أو إقتراح قانون والموافقة عليه يحيله إلى رئيس الجمهورية لإصداره لأنه السلطة المختصة دستوريا للقيام بذلك وفق أحكام نص المادة 126 كالتالي: «يصدر رئيس الجمهورية القانون في أجل ثلاثين يوما، ابتداءا من تاريخ تسليمه أياه، غير أنه إذا اخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166 الأتية، المجلس الدستوري، قبل صدور القانون، يوقف هذا الأجل حتي يفصل في ذلك المجلس الدستوري وفق الشروط التي تحددها المادة 167 الأتية. »
يعتبر إصدار القوانين أكثر الإختصاصات التشريعية الأصيلة التي يمارسها رئيس الجمهورية في الواقع، لأن القوانين التي يسنها البرلمان تستدعي إصداره لها.
ج- التدخل في تعيين أعضاء السلطة التشريعية
تنص المادة 101 من الدستور على التالي: “… ويعين رئيس الجمهورية الثلث الأخر من أعضاء مجلس الأمة من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية والثقافية والمهنية والإقتصاديةوالإجتماعية”.
وبذلكيكون المؤسس الدستوري قد إعترفلرئيس الجمهورية بسلطة التعيين داخل السلطة التشريعية، وهذا الثلث في الحقيقة لا يعبر عن إرادة الشعب وإنما يخضع في ممارسته لمهامه لتمرير ما يلائم رئيس الجمهورية وغيقاف ما يلائمه، فهو يسمى بالثلث المعطل[9].
د- حل المجلس الشعبي الوطني
تنص المادة 129 الفقرة الاولى من الدستور على التالي: ” يمكن رئيس الجمهورية أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني…”، يترتب على إستعمال السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية لهذا الحق إنهاء الفترة التشريعية للمجلس الشعبي الوطني قبل أوانها، لكن المشرع ربط هذا الحق باستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة والوزير الأول، رغم ذلك يبقى هذا الشرط غير كافي لخطورة الإجراء على البرلمان، خاصة أنه يخول الحرية الكاملة للرئيس في إستعماله وقت ما شاء.
تعتبر السلطات المذكورة أخطرها على أداء وممارسة البرلمان لمهامه، لكن ذلك لا يعني أنها على سبيل الحصر أين أعترف الدستور الجزائري للسلطة التنفيذية بحق المبادرة بالقوانين و حق التشريع الفرعي الذي يعتبر أهم مصادر مبدأ المشروعية، بمعنى أن السلطة التنفيذية تساهم في تجسيد مبدأ المشروعية من خلال وضع قواعد تنظيمية[10]، تشكل في الكثير من الأحيان خروجا عما جاءت به القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية.
ثانيا : تأثر الأداء البرلماني بالواقع السياسي
ترغب نظرية الديمقراطية الليبرالية في أن يحوز البرلمان على السلطة السياسية الاساسية وان تكتفي الحكومة بتطبيق القوانين التي يصوت عليها البرلمان.جاء التحول الديمقراطي في الجزائر إستجابة للتحولات الكبيرة التي عرفها العالم مند أواخر عشرية الثمانينات، أي مند انتصار القيم اللبرالية بكل أبعادها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية، والتي تنعكس على المنظومة القانونية، وتجسدها في الواقع السلطات الثلاث للدولة.
لا يمكن بذلك فصل البرلمان عن الواقع السياسي لأي دولة،ولكي يتمكن البرلمان من تكوين سلطاته على درجة كافية من الاهمية، وتكوين ثقل مقابل الحكومة يجب أن يملك صلاحيات موسعة وإلا فلن يكون إلا واجهة، كأشباه البرلمانات في الأنظمة التسلطية.
إذن البرلمان هو مؤسسة سياسية تتكون من مجلس أو عدة مجالس، وعدد محدد من الأعضاء تحيط به مؤسسات أخرى، ليؤثر ويتأثر في إطار الممارسة السياسية، وبذلك تلعب تركيبته دورا أساسا في آداءه(1)بالإضافة إلى أعضاءه(2)وعلى اعتبار وزنه كمؤسسة مهمة في الدولة العضو في المجتمعالدولي، فسيتأثر عمله حتما بالمنظمات الدولية خاصة في ظل النظام العالمي الجديد(3)
1- التركيبة السياسية للبرلمان الجزائري
لا تساهم تركيبة البرلمان في الجزائر في عملية الديموقراطية، نتيجة للتخطيط المسبق للإنتخابات،إذ انتجت برلمانا يغلب عليه الحزب الواحد التابع للسلطة، أين أصبح دوره التشريعي والرقابي ثانوي، خاصة بمساهمته في تمرير تشريعات حكومية خادمة لها[11].
يحصل حزب السلطة على معدلات كبيرة ومقاعد مبالغ فيها في الدول العربيةعلى العموم، رغم وجود الكثير من القوانين والنصوص الدستورية، إلا أن الممارسة الميدانية تعكس لنا استحالة أو على الاقل تغيير النظام وهيكله، وفي هذا الإطار يري الأستاذ محمود المجدوب أن السلطة التنفيذية في الأنظمة العربية هي أقوى السلطات، ونجد أن الحزب الذي تسانده هو أقوى الأحزاب حتى لو كان تأثير الجماهير منعدم[12].
يعد مثلا توجيه السؤال من أكثر الوسائل الرقابية استعمالا في الجزائر مقابلة بالوسائل الأخرى، وهذا راجع لسببين، أحدهما يكمن في وجود عقبات دستورية تحول دون إستخدام وسائل أخرى على النحو المشروح أعلاه،والأخر سياسيي يتمثل أساسا بضعف المعارضة والنواب المستقلين عدديا.
يبدو من ناحية الممارسة أن هناك أهدافا سياسية وراء طرح الأسئلة مثلا في البرلمان، سواء لجهة سعي نواب المعارضة لتسليط الأضواء على قصور وسلبيات الجماعة الحاكمة، أم لجهة سعي نواب الموالاة لإفساح المجال أمام الجماعة الحاكمة لعرض إنجازاتها ولإظهار نجاحها في إدارة شؤون البلاد، ترتكز الأسئلة التي طرحت في البرلمان الجزائري على القضايا المحلية، ويعكس ذلك تمركز العمل السياسي في المدن الكبرى للبلاد، مثل قسنطينة وسطيف وهران والجزائر العاصمة، كما تعكس ضعف المجالس المحلية، ويتجه البعض الأخر مساءلة الحكومة حول أدائها على مستوى السياسة الخارجية، وهذا يعكس موالاة البرلمان للسلطة السياسية.
2- نقص الكفاءة والخبرة في نواب البرلمان
تحتاج الديمقراطية إلى مجتمع متشبع بثقافتها لذلك نجحت الانظمة الديمقراطية في إنكليثرا والولايات المتحدة الأمريكية رغم إختلافخصائص كل منهما، ففي الجزائر مثلا نجد الأغلبية من أعضاء البرلمان دون مستوى علمي وكفاءة، وإنعدام نخب تناضل بشكل حقيقي من أجل المصلحة العامة وقيم المجتمع.
يقع على النواب واجب القيام بمعظم العمل الحقيقي في الديمقراطية الحديثة، سواء كان إنتخابهم مباشرا أو غير مباشر، وأغلب هؤلاء النواب سياسيون محترفون يدور عملهم حول الرغبة في شغل المناصب العامة، لذلك فالمسألة الأساسية ليست هي وجود نخبة سياسية أم لا[13]، أو حتي وجود طبقة سياسية محترفة أم لا، إذ أن الأهم كيف يتم اختيار هؤلاء النواب، ومن تم يكونو مسؤولين عن أفعالهم.
3- ضغوط المنظمات الدولية
تمثل المنظمات الدولية على إختلاف انواعها وتباين وظائفها إحدى الظواهر الاساسية التي يتميز بها العالم المعاصر، واكثر من ذلك أصبحت تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، أين تفرض إصلاحات إقتصادية وسياسية على حد السواء، تدفع نحو التحول الديمقراطي.
لكن هذا الدور الجديد، عكس تحديا جديدا تمثل في تخطي مفهوم السيادة[14]، فما كان يعد في السابق من صميم السلطان الداخلي للدولة، أصبح في ظل المنظمات الدولية شأنا عالميا، أين تتضائل بوضوح الحدود الوطنية، خاصة مع تقدم الاتصالات والتجارة العالمية، وبالقرارات التي تتخدها الدول للتخلي عن بعض إمتيازاتها لصالح الترابطات السياسية المشتركة.
يتأثر العمل التشريعي وفق هده المعطيات، خاصة وان السلطة التنفيذية هي التي تصادق على المعاهدات الدولية حسب مصالحها، وبذلك التحكم في الإنتاج التشريعي حسب المصالح الشخصية المرتبطة بالمجتمع الدولي.
خاتمة :
من خلال هذه الدراسة نصل إلى ان إنفصال البرلمان بما له من إختصاص غير وارد من الناحية القانونية والواقعية وعليه يجب تجاوز النقاش حول الفصل المرن والجامد بين السلطات، لانه غير مؤسس على قرينة الصحة، والإنتقال إلى إستقلاليةالبرلمان وتأثيره على الديمقراطية.
ويجب أن نشير إلى ان البرلمان لا يتأثر فقط بالقيود الواردة في الوثيقة الدستورية، والممارسات التي شابت الإنتخابات وحيادها، بل يتأثر أيضا بطبيعة الأحزاب المسئولة دستوريا عن تأطير المواطنين وانتقاء من يشكل النخبة البرلمانية.
ولتعزيز دور السلطة التشريعيةومساهمتها في تكريس الديمقراطية يجب الاخدبأهم التوصيات التالية:
- تكوين أغلبية وازنة في البرلمان قادرة على توجيه العمل الحكومي بقدر كبير من الجماعية في المبادرة والتضامن في المبادرة.
- عدم تقييد البرلمان بالنصوص الدستورية.
- تمثيل مختلف القوى السياسية بعدد من البرلمانيين يوازى حجمها الحقيقي.
- جعل مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة لتقوية السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية في إعداد القانون.
- اشراف جهة حيادية وموثوقة في الانتخابات.
- حصر صلاحية التشريع في البرلمان.
الهوامش :
[1]دستور الجمهورية الجزائرية الشعبية الديمقراطية، صادر في 28 نوفمبر سنة 1996، منشور بموجب مرسوم رئاسي رقم 98 – 438، مؤرخ في 07 ديسمبر 1996، ج ر عدد 96، صادر بتاريخ 08 -12- 1996، معدل ومتمم بالقانون رقم 02 – 03، مؤرخ في 10 أفريل 2002، ج ر عدد 25، صادر بتاريخ 14 – 4- 2002، والقانون رقم 08 – 19 مؤرخ في 15 نوفمبر 2008، ج ر عدد 63، صادر بتاريخ 16 -11- 2008.
[2] مرابط فدوي، السلطة التنفيذية في بلدان المغرب العربي: دراسة قانونية مقارنة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروث، 2010، ص 164.
[3]– أنظر: نصوص المواد من 119- 121 من دستور الجمهورية الجزائرية الشعبية، المرجع السابق.
[4]– كياس عبد النبي، توزيع السلطات في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور 1996، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والإقتصاديةوالإجتماعية، جامعة محمد الخامس، الرباط، 2011، ص 99.
[5]– شبل بدر الدين، بولحية شهيرة، ” العلاقة الوظيفية الرقابية على ضوء مبدأ الشرعية الدستورية والممارسة”، مجلة الإجتهاد القضائي، عدد 4، 2011، ص 278.
– راجع: نصوص المواد من 133- 137 من دستور الجمهورية الجزائرية الشعبية، المرجع السابق.[6]
– كياس عبد النبي، المرجع السابق، ص 123.[7]
– [8] بركات أحمد، الإختصاصات التشريعية لرئيس الجمهورية في النظام الدستوري الجزائري، مذكرة ماجستير في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، 2008، ص 32.
-[9]حاحة عبد العالي، يعيش تمام أمال، “تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات في ظل دستور 1996″، مجلة الإجتهاد القضائي، عدد 4، 2011، ص262.
[10]– راجع: بركات أحمد، المرجع السابق، ص 99.
[11]– ثناء فؤاد عبد الله، آليات التفيير الديموقراطي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروث، 1998، ص 269.
[12]-هلال علاء الدين، المجتمع العربي والتعددية الحزبية في الواقع العربي وتحديات قرن جديد، مؤسسة عبد الحميد تومان، عدد 7، 1999، ص 56.
[13]– ياهو محمد، العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في إطار دستور 1996، مذكرة ماجستير في القانون العام، فرع تحولات الدولة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمرى، تزي وزو، 2013، ص 15.
AVRIL Pierre, Le Parlement législateur , RFSP, 31e année, n° 1, 1981, p. 20.
تعليقات 0