الأستاذة سليمة فراجي تتساءل، لم المطالبة بسحب مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء؟

مشروع القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء معروض حاليا على مجلس المستشارين بعد أن تمت المصادقة عليه من طرف مجلس النواب. هذا القانون الذي لا يعدو أن يكون جزءا لا يتجزأ من القانون الجنائي، تضمن بابا أولا بمادة فريدة عرفت مفهوم العنف ضد المرأة بكونه كل فعل أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عنه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي، وبابا ثانيا خصص للأحكام الزجرية المغيرة أو المتممة لمجموعة القانون الجنائي، وبابا ثالثا تعلق بأحكام مسطرية غيرت وتممت أحكام المسطرة الجنائية، وبابا رابعا تعلق بآليات التكلف بالنساء ضحايا العنف، وهي الخلايا واللجان المشتركة بين القطاعات المنصوص عليها في المواد من 10 إلى 16 من الباب الرابع؛ فيما تعلق الباب الخامس والأخير بأجل دخول القانون حيز التنفيذ، والذي هو ثلاثة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.

ولعل الانتقادات التي وجهت إلى المشروع تبين أنه لا يعتبر قانونا شاملا للقضاء على العنف ضد النساء، وضامنا للوقاية والحماية والتكفل وعدم الإفلات من العقاب؛ كما أنه شمل جميع الفئات من أصول وفروع وزوجات وأزواج وقاصرين، وبذلك وسع الفئات المعنية والمستهدفة ضدا على تسميته وعنوانه، مع الإبقاء على وسائل الإثبات الكلاسيكية المعمول بها في مجال وسائل الإثبات، ما يجعله صيحة في واد، ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال محصنا للمرأة من العنف المتفشي؛ والذي يعتبر مهانة ووصمة عار على جبين الأمم والشعوب. وبغض النظر عن إيجابياته وسلبياته من أهم الموجبات الداعية إلى سحب مشروع القانون هو مساسه أحيانا بحقوق مضمونة دستوريا، كحق الملكية الذي يعتبر حقا غير قابل للخرق، إذ نص الفصل 1-526 منه على ما يلي:

يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين احد الزوجين في حالة تبديد أو تفويت أمواله بسوء نية وبقصد الإضرار بالزوج الآخر أو الأبناء أو التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة أو السكن أو بالمستحقات المترتبة عن أن هذه العلاقة الزوجية أو باقتسام الممتلكات.

مقال قد يهمك :   انتكاسة دستور 2011..من المشاركة المواطنة إلى الاحتجاج المواطناتي

يبدو هذا الفصل في ظاهره موفرا للحماية والأمن المالي للزوجين، علما أن ما يسري على الزوج يسري أيضا على الزوجة؛ لان الفصل أشار إلى “أحد الزوجين”.. لكن وحتى لا يتم الاصطفاف إلى فئة الرجال أو فئة النساء فإن حق الملكية حق مقدس وغير قابل للخرق، وهو حق دستوري نص عليه دستور 2011 في الفصل 35 الذي مفاده أن القانون يضمن حق الملكية الذي يخول للمالك حق التصرف والاستعمال والاستغلال.. وبالنسبة لتدبير الأموال المكتسبة من لدن الزوجين خلال فترة الزواج فإنه في إطار المساواة ومراعاة لما قد تقوم به الزوجة من أعمال وخدمات تساهم في اكتساب وتنمية الأموال أثناء قيام العلاقة الزوجية، وتجنبا للخلاف الذي يمكن أن يحدث بينهما، فإنه يتم إرشادهما إلى إمكانية تنظيم الشؤون المالية بواسطة الاتفاق؛ علما أن العدلين اللذين يكلفان بتوثيق عقد الزواج يقومان بإشعارهما بأحكام المادة 49 التي نصت على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية على استثمارها وتوزيعها.

نستنتج من ذلك أن استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين هي الأصل، وهذا المنحى سلكه المشرع المغربي تماشيا مع أحكام الشريعة الإسلامية، إذ أكد على ضرورة فصل الذمم المالية، وهو مبدأ كان موجودا في مدونة الأحوال الشخصية السابقة في الفصل 35 الذي أعطى الحرية المطلقة للزوجة في التصرف في مالها دون رقابة أو وصاية من قبل الزوج. لذلك إذا كان فصل الذمم هو الأصل فإن مدونة الأسرة الحالية أجازته وأقرت تدبير الأموال المكتسبة عن طريق الاتفاق التعاقدي؛ وبالتالي فإنه عند توثيق عقد الزواج يشعر العدلان الزوجين بالمقتضيات القانونية التي تمكن من تنظيم الشؤون المالية.

مقال قد يهمك :   حكيم وردي يكتب عن القانون و السيادة لمواجهة تقرير الفريق الأممي حول اعتقال بوعشرين

المشرع إذن لم يلزم الزوجين بهذا الاتفاق التعاقدي، إذ جاء بصيغة الجواز، وأن هذا الاتفاق إن وجد فإنه يضمن في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج. وفي حالة عدم تحرير الاتفاق من طرف العدلين فإن المشرع يجيز الرجوع إلى القواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية. لذلك إذا كان الزوجان لم يتفقا عن طريق التعاقد على تنظيم وتوزيع الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، فإن الفصل 1-526 يجيز لأحدهما تقديم شكاية جنحية بمجرد تصرف الآخر في أمواله بالتفويت. ونعني بالتفويت البيع أو الصدقة أو الهبة … وقد يتعلق الأمر بعقار محفظ في اسم أحد الزوجين، أو ربما ورثه عن مورثه، يبيعه الزوج أو الزوجة من أجل استثماره في مجالات أخرى ويفاجأ بشكاية قد تؤدي إلى المتابعة والحكم بالحبس والغرامة، والحال أنه مالك رسم عقاري يخصه أو يخصها، متمتعا بكامل الحماية القانونية التي يخولها له حق الملكية من التصرف والاستعمال والاستغلال.

الفصل الذي أشار إلى التفويت أو التبديد بسوء نية قصد الإضرار بالزوج الآخر قد يطرح عمليا عدة إشكالات، إذ إن الزوج ملزم بأداء النفقة في جميع الأحوال، وإن لم يؤدها يتابع بجريمة إهمال الأسرة. وبالنسبة بمستحقات الزوجة المترتبة عن أن هذه العلاقة الزوجية فإن الطلاق لا يصبح نافذا إلا بعد وضع المستحقات في صندوق المحكمة. واقتسام الأموال لا يتحقق إلا بناء على اتفاق تعاقدي بين الزوجين، وفي غيابه يلجأ إلى وسائل الإثبات؛ لذلك فان هذا المقتضى بقدر ما يبدو في ظاهره يحمي أحد الزوجين ماليا من تعسف الزوج الآخر، فإنه قد يتناقض مع مبدأ كوني هو كون حق الملكية مقدسا وغير قابل للخرق، وحق دستوريا بقوة الفصل 35 من الدستور. وعدم أداء النفقة الذي تترتب عنه مسطرة إهمال الأسرة، أو مستحقات الزوجة إثر فصام العلاقة الزوجية، أو طريقة تنظيم الأموال المكتسبة أثناء الزوجية وتوزيعها واقتسامها، منظمة بمقتضى نصوص قانونية، وبالتالي لم يكن لهذا المشروع أن يسن مقتضيات من شأنها المساس بحق الملكية ومصادرة حق المالك في التصرف بالتفويت !

مقال قد يهمك :   دعوى المطالبة بالتعويض بسبب عدم اشتغال الكيس الهوائي بالسيارة إثر تعرضها لحادثة

يصبح أي زوج أو زوجة مهددا بالحبس والغرامة في حالة تفويت أملاكه التي تعتبر حقا من حقوقه إثر تقديم الزوج الآخر شكاية ضده. ولعل هذا الارتباك الذي سيخلق وضعا شاذا، بالإضافة إلى السلبيات التي تميز بها التشريع المذكور، لكفيل للمطالبة بسحبه، وإعادة صياغته بأياد ترتجف على حد تعبير Montesquieu.

الأستاذة سليمة فراجي : محامية – عضو مكتب لجنة العدل والتشريع – مجلس النواب.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)