مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيالإطار النظري للقنصليات العامة وأهمية فتحها بالعيون و الداخلة في ترسيخ مغربية الصحراء

الإطار النظري للقنصليات العامة وأهمية فتحها بالعيون و الداخلة في ترسيخ مغربية الصحراء

عصمان ياسين طالب باحث في سلك ماستر

مقدمة:

إن النظام القنصلي سبق في وجوده واستقراره نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم نتيجة لحاجات التجارة الدولية وما كانت تقتضيه ظروفها في العصور الماضية للمشتغلين بها وحماية مصالحهم، تمكن لهم من ممارسة نشاطهم الاقتصادي وتوثيقا للعلاقات التجارية بين مختلف الشعوب، فمنذ القديم دفعت التجارة أربابها إلى السفر والإقامة في بلاد ثانية كثيرا، ما كانت تختلف عاداتها ونظامها وقوانينها وطرق المعيشة فيها عن ما هي عليها في بلادهم الأصلية، لم تكن تتيسر لهم الحياة ومزاولة مهنتهم في تلك البلاد إذا لم يتركوا يعيشون في ظل الأوضاع المألوفة لديهم، ويشرف على شؤونهم واحد من بينهم ملم بهذه التقاليد والنظم فيقدم في منازعاتها ويسوي خلافاتها وفقا لقوانينها الوطنية ويقوم بحماية مصالحها وتمثيلها لدى السلطات المحلية في كل ما يتصل بنشاطها في البلد الأجنبي الذي تقيم فيه، وكانت تطلق على هذا الشخص تسميات مختلفة ومتعددة من بلد لآخر وكانت أكثرها شيوعا اسم “القنصل consul”.[1]

و يرجع تاريخ النظام القنصلي في أولى صورة  إلى عهد الإغريق القدماء فيما بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد وكانت صورته حينئذ أن يختار الأجانب المقيمون في المدن اليونانية حماة لهم تكون لهم مهمة الوساطة عنهم في الشؤون القضائية والعامة لدى سلطات المدينة التي اتخذها محلا لاقامتهم.

والواضح أن التمثيل القنصلي للدول الأجنبية في الأقاليم الجنوبية وخاصة بالعيون والداخلة يدخل في نفس النطاق وهو توطيد العلاقات ما بين هذه الدول والمملكة المغربية، وكذلك تبادل العلاقات التجارية فيما بينها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التمثيل القنصلي للدول الأجنبية بالعيون والداخلة هو رمز لدعم هذه الدول للسيادة الكاملة للمملكة المغربية على أقاليمه الجنوبية ودعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 للتوصل الى حل سياسي سلمي حول النزاع القائم على الصحراء المغربية.

من خلال هذه المعطيات فدراسة مسلسل فتح القنصليات الأجنبية العامة بالعيون والداخلة وأهميته في ترسيخ الصحراء المغربية ذو أهمية كبيرة تتمثل في:

أهمية الموضوع

تكمن أهمية هذا الموضوع في التعبير التي تجسده هذه التمثيليات القنصلية عبر الاعتراف بمغربية الصحراء، وتكريسا لدور الأقاليم الجنوبية بوابة المغرب نحو إفريقيا و قطبا جذابا للتعاون جنوب جنوب، إلى جانب الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية التي ينهجها المغرب لربط المبادرة المغربية للحكم الذاتي بسياق دولي يحتاج للأمن والاستقرار.

أهداف الدراسة

تتمثل الأهداف الرئيسية لهذه الدراسة في :

» محاولة فهم أعمق لمسلسل فتح القنصليات العامة الأجنبية بالعيون والداخلة وأهميتها في ترسيخ مغربية الصحراء

» محاولة تشخيص امكانيات الدبلوماسية المغربية في الوصول الى حل سلمي للنزاع القائم حول الصحراء

» تقديم تحليل مستفيض للعلاقات القنصلية بين المملكة المغربية والدول التي فتحت تمثيليات قنصلية لها بالعيون والداخلة

» الخروج قدر المستطاع باقتراحات عملية كفيلة بدعم السيادة الكاملة للمملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية .

إشكالية  الموضوع

تعتبر الإشكالية من البؤر المركزية ضمن الخطوات الإعدادية للبحث الميداني، لما لهذه  الخطوة من أهمية على صعيد ترجمة موضوع البحث وقضيته في بناء تساؤلي منظم حول ما ينبغي التفكير والبحث فيه، و لما لها أيضا من أهمية في رسم خطوات العمل اللاحقة وخاصة ما يتصل منها بوضع تساؤلات فرعية للدراسة

ولهذا سوف نتناول هذا الموضوع من خلال الإجابة على إشكالية جوهرية تتمثل في الاستراتيجية التي وضعها المغرب والقائمة على حث الدول على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وذلك بفتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة.

الأسئلة الفرعية

و تندرج من هذه الإشكالية الرئيسية للموضوع عدة أسئلة فرعية تتمثل في

» ما المقصود بالتمثيل القنصلي، وما دوره في العمل الدبلوماسي ؟

» ما هو الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات القنصلية بين الدول ؟

» أين تكمن أهمية مسلسل فتح القنصليات العامة بالعيون والداخلة في ترسيخ مغربية الصحراء ؟

المناهج المعتمدة

اعتمدت في هذا البحث على مجموعة من المناهج وابرزها المنهج التحليلي، وذلك بتحليل ودراسة خطابات مجموعة من الدول بمناسبة فتح قنصليات لها بالعيون والداخلة، كما وظفت المنهج التاريخي لسرد التطور التاريخي للتمثيل القنصلي، إلى جانب المنهج الوظيفي وذلك بدراسة وظائف البعثات القنصلية.

التصميم المعتمد

  • المبحث الأول  : الإطار النظري والقانوني للقنصليات العامة
  • المطلب الأول : مفهوم البعثة القنصلية ودورها في العمل الدبلوماسي
  • المطلب الثاني : الإطار القانوني المنظم للقنصليات العامة
  • المبحث الثاني : مسلسل فتح القنصليات العامة بالعيون والداخلة  وأهميتها في ترسيخ مغربية الصحراء
  • المطلب الأول : دراسة في خطابات الدول أثناء  وقائع فتح القنصليات في العيون والداخلة
  • المطلب الثاني : أهمية فتح القنصليات الأجنبية بالعيون والداخلة في ترسيخ مغربية الصحراء

المبحث الأول : الإطار النظري والقانوني للقنصليات العامة

تتم إقامة العلاقات القنصلية بين الدول بالاتفاق المتبادل[2]، فكلما أرادت دولة انشاء علاقات قنصلية مع دولة اخرى فان عليها الحصول على موافقة الدولة المستقبلة ولا يشترط في الدولة المستقبلة أن تكون كاملة السيادة.

والتعبير عن الموافقة على إقامة العلاقات القنصلية يمكن أن يتم بالنص عليه في معاهدة الصداقة والعلاقات التجارية أو بالمعاهدات القنصلية الخاصة، وقد اضافت اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 وسيلة أخرى لقيام العلاقات القنصلية هي الموافقة الضمنية.

لتمثيل القنصلي دور مهم في العمل الدبلوماسي وهو الأمر الذي سوف نتطرق إليه في المطلب الأول، ثم الإطار القانوني للقنصليات العامة في المطلب الثاني.

المطلب الأول : مفهوم البعثة القنصلية ودورها في العمل الدبلوماسي

يمكن تعريف القنصلية بأنها بعثة دبلوماسية تبعث بها دولة ما إلى دولة أخرى لتمثيلها والدفاع عن مصالحها ولتسهيل أعمال وشؤون مواطنيها المقيمين في الدولة المضيفة، وكذلك العمل على تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة الموفدة والموفد إليها وإصدار جوازات ووثائق سفر والتأشيرات والمستندات اللازمة لرعايا الدولة الموفدة الراغبين في السفر للدولة الموفد إليها وتقديم العون والمساعدة لرعاياها أفراداً كانوا أو هيئات، و تتخذ القنصلية مقراً لها للعمل على تنمية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة الموفدة والموفد إليها وإصدار جوازات ووثائق سفر والتأشيرات والمستندات اللازمة لرعايا الدولة الموفدة الراغبين في السفر للدولة الموفد إليها.

مقال قد يهمك :    عبد الفتاح بن الحسين : المراقبة الإلكترونية في القانون المغربي و المقارن 

ان البعثات القنصلية لها دور مهم في العمل الدبلوماسي، يتمثل في تنمية وتوطيد العلاقات بين الدول وتوسيع الاتصالات وزيادة التبادل الودي مع الحكومات  ومختلف اوساط المجتمع الدولي والقيام بأعمال الاعلام الخارجي على نطاق واسع باستخدام مختلف الطرق المشروعة والتعريف بأحوال الدول في مختلف المجالات مثل الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والتعليم وغيرها وذلك باتخاذ جميع الوسائل الشرعية، إضافة إلى تعزيز التعارف ودفع تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين الدول التي تتبادل التمثيليات القنصلية فيما بينها.

ولعل أبرز مثال على دور القنصلية في العمل الدبلوماسي هو التمثيليات القنصلية للدول الأجنبية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية والتي تعزز من السيادة الكاملة للمغرب على وحدته الترابية، كما تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي.

المطلب الثاني : الإطار القانوني المنظم للقنصليات العامة

قبل دراسة القواعد الخاصة بالتمثيل القنصلي يتعين أولا التمييز بين نوعين منها، حيث نجد القواعد التنظيمية للوظائف القنصلية وللاختصاصات النوعية للقناصل، وهذه مرجعها التشريع الوطني لكل دولة، والقواعد التي تحكم التمثيل القنصلي بصفة عامة كنظام دولي، مرجعها هو القانون الدولي العام .

ونوعان ولا شك يتكاملان ويكونان في مجموعهما ما يمكن أن نسميه بالقانون القنصلي، أو بعبارة أدق تكمل القواعد الوطنية القواعد الدولية فيما لم تتناوله هذه القواعد او تركت أمره للاختصاص الوطني،. لذا يجب على المشتغل بالشؤون القنصلية أن يلم بهذه القواعد وتلك، أي بالقواعد الدولية أولا ثم بالقواعد الوطنية لكل من دولته والدولة الموفد إليها ثانيا.[3]

وبالتالي فمن المفروض أن لا تتضمن القواعد الوطنية ما يتعارض مع القواعد الدولية، وأن تراعي كل دولة عند وضع تشريعاتها ولوائحها القنصلية الخاصة أن تكون في حدود قواعد القانون الدولي والتزاماتها الدولية، بحيث أن كل خروج على هذه القواعد والالتزامات قد يعرض الدولة للمسؤولية عما قد يتبع ذلك من مساس بمصالح الدول الأخرى أو بحقوقها المشروعة[4].

القواعد الدولية : تشمل القواعد الدولية المنظمة للتمثيل القنصل لفئتين، الفئة الأولى تتمثل في القواعد العامة التي تلتزم بها كافة الدول أو مجموعة كبيرة منها، ومصدرها العرف أو المعاهدات الجماعية، والفئة الثانية تتمثل في قواعد خاصة تلتزم بها بعض الدول فيما بينها دون غيرها، مصدرها المعاهدات الخاصة أو الثنائية.

تختلف قيمة كل من هذه القواعد ومدى إلزامها تبعا لمصدرها وذلك على التفصيل الآتي :

 القواعد العرفية وهي التي تثبت بتعارف عموم الدول عليها واتباعها لها على مر الزمن منذ ظهور النظام القنصلي وخلال مراحل تطوره المختلفة بحيث أصبحت بمثابة قانون يتعين عليها مراعاته ولا يحق لها مخالفته الا بالاتفاق فيما بينها، تتميز القواعد العرفية بصفة العمومية وتلتزم بها كافة الدول، وهي ما زالت في الوقت الحاضر قواعد الأساسية التي تحكم نظام التمثيل القنصلي من ناحيته الدولية العامة، لذا يتعين الرجوع إليها كلما لم يكن هناك اتفاق خاص بشؤون القنصلية بين الدول المعنية.

الى جانب القواعد العرفية فإن اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 هي معاهدة دولية تحدد إطارا للعلاقات القنصلية بين الدول المستقلة، تتضمن القواعد الأساسية لتبادل التمثيل القنصلي فيما بين الدول وفقا لما استقر عليه العرف الدولي العام في هذا الشأن كما تتضمن بعض الأحكام الخاصة بمعاملات المسؤولين القنصليين لكل منها لدى الأخرى والاختصاصات التي يتولونها و الحصانات والمزايا التي يتمتعون بها.

هناك ايضا المعاهدات الثنائية وعددها لا حصر له وفي ازدياد متطارد وإليها يرجع الفضل في استقرار الكثير من القواعد العرفية بتكرار النص عليها تبعا في هذه المعاهدات بين مختلف الدول ويبدو أن أولى المعاهدات القنصلية التي تضمنت تنظيما مفصلا لمراكز القناصيل لكل من الدولتين المتعاقدتين لدى الأخرى هي معاهدة المبرمة بين فرنسا واسبانيا في 13 مارس سنة 1769 وقد كانت هذه المعاهدة لنقطة البداية لهذا النوع من المعاهدات واتخذتها كثير من الدول نموذجا لها فيما عقدته من اتفاقات قنصلية.

بدأ إبرام هذه الاتفاقيات ينتشر ويعمم عددها يزداد تدريجيا مع اتساع دائرة العلاقات القنصلية ورغبة الدول التي تتبادل التمثيل القنصلي في تحديد مركز ممثلها القنصليين لدى بعضها البعض.

القواعد الوطنية : بدأت الدول تعنى بتنظيم الخدمة القنصلية عن طريق التشريعات الوطنية منذ القرن 18 عندما اتسعت دائرة التمثيل القنصل وأصبح للكثير منها عدد كبير من القنصليات موزعة في مختلف البلاد، وكانت فرنسا في مقدمة هذه الدول ثم الولايات المتحدة ثم بروسيا ثم  مملكة سردينيا …إلخ.

وتابعت الدول الأخرى الدول المتقدمة في تنظيم خدماتها القنصلية بحيث أصبح لكل دولة تقريبا في الوقت الحاضر تشريع خاص للشؤون القنصلية يتضمن كافة القواعد المتعلقة بجهازها القنصلي بل ويتضمن ايضا لدى الكثير منها تحديد مركز القناصل الأجانب في إقليمها وفق ما استقر عليه العرف الدولي وما تقرر في المعاهدة التي هي طرف فيها.

ولهذه التشريعات الوطنية أهميتها من الناحية الدولية باعتبارها أحد المصادر التي يمكن عن طريقها معرفة مختلف الاتجاهات الخاصة والعامة في كثير من المسائل المتصلة بنظام تمثيل القنصلية وذلك بجانب مساهمتها في تثبيت وتحديد كثير من القواعد العرفية لهذا النظام بإدراجها في نصوصها[5].

المبحث الثاني : مسلسل فتح القنصليات العامة بالعيون والداخلة وأهميتها في ترسيخ مغربية الصحراء

خطا المغرب خلال المرحلة الأخيرة، خطوات كبيرة في مجال السياسة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ودبلوماسية، وحملت هذه المرحلة نجاحات دبلوماسية كبيرة للمغرب، حيث عرف تكريس مغربية الصحراء خلال الفترة دفعة قوية من خلال تحقيق جملة من المكاسب السياسية والدبلوماسية المهمة، كان آخرها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه، والذي حقق فيه المغرب اختراقا غير مسبوق على مستوى أدائه الدبلوماسي.

مقال قد يهمك :   ما الفرق بين القاضي الحاكم بالإعدام و القاتل المتسلسل؟

و يشكل الدفاع عن القضية الوطنية، في أفق الطي النهائية للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، وتعبئة الإمكانيات الدبلوماسية لتعزيز الإشعاع الدولي للمغرب، وتوطيد موقعه كفاعل إقليمي على المستوى الإفريقي والمتوسطي والعربي والإسلامي، وتحصين مصالحه الاستراتيجية وتوسيع دائرة تحالفاته وشركائه، أهم مرتكزات السياسة الخارجية للمغرب خلال المرحلة الأخيرة.

وبالتالي فإن الدبلوماسية المغربية، تستغل المرحلة  التي يمرّ بها ملف الصحراء، لتعزيز هذا الأخير، بفضل استراتيجيتها القائمة على حث الدول على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتأكيد الأمر على أرض الواقع من خلال خطوات قانونية تتمثل بفتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة.

و الواضح أن توالي فتح تمثيليات دبلوماسية بالصحراء يعكس تطوراً في موقف العديد من الدول من النزاع، وبداية مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي.

وبالتالي فقد حققت المملكة في المرحلة الأخيرة انتصارات دبلوماسية هامة في ملف الوحدة الترابية، تمثلت على الخصوص في افتتاح 28 قنصلية عامة في مدينتي العيون والداخلة، تمثل دولا من القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، والتي كان آخرها افتتاح دولة غواتيمالا لقنصلية لها بمدينة الداخلة بتاريخ 01/12/2022.

في هذا الصدد  أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، أن افتتاح العديد من البلدان الإفريقية لتمثيليات دبلوماسية لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة يعد ثمرة الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

ومن هذا المنطلق سنحاول تحليل و دراسة بعض خطابات الدول بمناسبة فتح قنصليات لها في العيون والداخلة  في المطلب الأول، ثم بعدها أهمية فتح هذه القنصليات الأجنبية بالعيون والداخلة في ترسيخ مغربية الصحراء في المطلب الثاني.

المطلب الأول : دراسة في خطابات الدول أثناء وقائع فتح القنصليات في العيون والداخلة

قبل الشروع في دراسة بعض خطابات الدول بمناسبة فتح لقنصليات لها في  مدينتي العيون و الداخلة، فإن دبلوماسية القنصليات تدخل في إطار استراتيجية دبلوماسية عامة تستهدف أساسا الارتقاء بأداء الدبلوماسية المغربية، وبالتالي نجد 28 قنصلية تم فتحها بالأقاليم الجنوبية للمملكة، منها 16 قنصلية بالداخلة وهي كل من (غواتيمالا والرأس الأخضر والطوغو و سورينام و منظمة دول شرق البحر الكاريبي و السيراليون و السنغال والكونغو الديمقراطية وهايتي وغينيا بيساو وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية و ليبيريا و جيبوتي و غينيا و غامبيا)، و 12 قنصلية بالعيون وهي ( مالاوي والأردن وكوت ديفوار والبحرين والإمارات العربية المتحدة و اسواتين وزامبيا وبوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجزر القمر والغابون و جمهورية ساوتومي وبرنسيب)[6]، يجسد افتتاح هذه التمثيليات تعبيرا رسميا أسمى عن اعتراف هذه الدول بمغربية الصحراء، وتكريس لدور الأقاليم الجنوبية بوابة المغرب نحو إفريقيا وقطبا جذابا للتعاون جنوب-جنوب، كما يعد ترجمة عملية لاقتناع هاته الدول بجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي للحل السياسي للنزاع المفتعل حول صحرائه، بتكريس حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

من هذا المنطلق أبرز السيد ماريو أدولفو بوكارو فلوريس في تصريح صحفي عقب حفل افتتاح القنصلية، وهي الأولى من نوعها لبلد من أمريكا اللاتينية بالأقاليم الجنوبية، أن “فتح جمهورية غواتيمالا قنصلية عامة لها بالداخلة يشكل رمزا للصداقة بين البلدين”، وأوضح وزير خارجية غواتيمالا أن “هذه القنصلية تتيح الفرصة لمواصلة توطيد العلاقات بين غواتيمالا والمغرب، لاسيما فيما يتعلق بتطوير المبادلات التجارية والبنيات التحتية، وكذا في مجال التعليم”.[7]

كما جددت غواتيمالا، بنيويورك، تأكيد دعمها لحل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، في إطار احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة.

وأكد ممثل غواتيمالا، أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن بلاده “تجدد دعمها لجهود المملكة المغربية في البحث عن حل سياسي سلمي للنزاع الإقليمي حول الصحراء، وتعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي تشكل أساسا واقعيا، وذا مصداقية وجادا للتوصل إلى حل متفاوض بشأنه بين الأطراف، في إطار احترام الوحدة الترابية للمغرب وسيادته الوطنية”.[8]

» افتتحت جمهورية الرأس الأخضر يوم الأربعاء 31 غشت 2022، قنصلية عامة لها بمدينة الداخلة، مؤكدة بذلك دعمها القوي لسيادة المملكة على كافة ترابها، بما في ذلك الصحراء المغربية، حيث أكد السيد دي فيغيريدو سواريز أن افتتاح القنصلية العامة لجمهورية الرأس الأخضر بالداخلة يعبر أيضا عن دعم مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب، وجهود هيئة الأمم المتحدة لإيجاد حل واقعي وذي مصداقية لتسوية النزاع حول الصحراء، كما أكد أن افتتاح بلاده لقنصلية عامة بالداخلة، يؤكد دعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية.[9]

وفي نفس السياق افتتحت دولة الإمارات مقر قنصليتها العامة في مدينة العيون بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية وأكد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي على أن دولة الإمارات تثمن الدور الرائد لجلالة الملك محمد السادس “حفظه الله” ملك المملكة المغربية الشقيقة في مواصلة التنسيق والتشاور مع القيادة بدولة الإمارات في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة وفي الدفع نحو دعم الجهود الدولية والأممية لحل النزاعات والأزمات على المستويين الإقليمي والعالمي وتبادل وجهات النظر للوصول إلى رؤية مشتركة تتمكن من خلالها مجتمعاتنا في أن تعيش حياة كريمة ملؤها التفاؤل والأمل ومتجاوزة التحديات التي تعيق نهضتها وتنميتها”.

و من جانبه أكد سعادة العصري سعيد أحمد الظاهري على أن افتتاح القنصلية العامة لدولة الإمارات بمدينة العيون المغربية يؤكد الحرص الدائم والصادق للقيادة الرشيدة بدولة الإمارات على تعزيز علاقات الأخوة والتضامن مع المملكة المغربية الشقيقة والتعبير الملموس والفعال عن دعم دولة الإمارات للسيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية وتأييد المبادرة المغربية لتطبيق الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعياً لإرساء الاستقرار والتنمية والازدهار.

وأضاف بأن افتتاح القنصلية العامة الإماراتية بمدينة العيون سيساهم في تعزيز العلاقات الثنائية على كافة المستويات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية بين البلدين الشقيقين مؤكداً الحرص المشترك لقيادتي الدولتين لمواصلة تطوير العلاقات الثنائية بما يخدم ويعزز مصالحهم المشتركة.[10]

مقال قد يهمك :   بعد تعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية..إجراءات جديدة للحد من الاستيلاء على عقارات الغير

عموما فإن خطابات الدول وممثلها بمناسبة افتتاح قنصليات  لها في مدينتي العيون والداخلة تصب في نفس السياق المتمثل في دعمها الكامل للسيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية ودعم مبادرة الحكم الذاتي التي تشكل أساسا واقعيا للتواصل لحل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، في إطار احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة.

المطلب الثاني : أهمية فتح القنصليات الأجنبية بالعيون والداخلة في ترسيخ مغربية الصحراء

نهج المغرب دبلوماسية متمثلة في افتتاح قنصليات أجنبية بالأقاليم الجنوبية، تعزز سيادة المغرب على المنطق و هذا الطرح يؤكده القانون الدولي خاصة اتفاقية فيينا 1963، التي تعتبر أن فتح قنصلية في بلد ما يعد إقرارا بسيادته على أقاليمه المدرجة ضمن حدوده السياسية، كما أن مفهوم السيادة الخارجية لا يمكن تزكيته إلا من خلال اعتراف المجتمع الدولي، الذي يتزايد لصالح  المملكة المغربية.

ان تواصل مسلسل فتح القنصليات بالصحراء المغربية، ولعل فتح غواتيمالا قنصلية عامة لها بالداخلة آخرها، يعد زخم دبلوماسي يعزز سيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية  ويكسبها دعما إقليمياً ودولياً يجعل من طرح الحكم الذاتي أكثر صلابة وقوة.

و يبرز هذا المعطى أهم النجاحات التي طبعت الدبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة، حيث أن ما سمي بدبلوماسية القنصليات يدخل في إطار استراتيجية دبلوماسية عامة تستهدف أساس الارتقاء بأداء الدبلوماسية المغربية، إلى مستوى التطلعات التي رسمها خطاب الملك محمد السادس الشهير في قمة كيغالي عقب عودة المغرب إلى  الاتحاد الافريقي، والذي تضمن ضرورة تصحيح الخطأ التاريخي المتعلق بسياسة الكرسي الذي نهجها المغرب فيما سبق.

إن هذه الخطوات الدبلوماسية الهامة تعد ترجمة عملية لاقتناع هاته الدول بجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي للحل السياسي للنزاع المفتعل حول صحرائه، وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية، لتأكيد الحقوق التاريخية والقانونية المشروعة للمغرب.

كما أنها تأتي في ظل اتساع دائرة الدول المعترفة بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية ومساندته المطلقة في وحدته الترابية.[11]

و في هذا الصدد اعتبر المحلل السياسي محمد بودن أن فتح مجموعة من الدول الإفريقية والعربية ومن أمريكا اللاتينية لقنصليات عامة لها بالصحراء المغربية يؤكد دعمها الكامل لسيادة المغرب على صحرائه ووحدته الترابية بواسطة المواقف والتعبير العملي، و ان هذه المكاسب الدبلوماسية تعكس فعالية الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس رائد دبلوماسية المبادرات والعمل النابع من الالتزام بالعهود والاتفاقات.

وشدد  الأستاذ بودن على أن افتتاح القنصليات في الصحراء المغربية بات يزعج خصوم الوحدة الترابية ويربك تحركاتهم، و وضعهم في عزلة إقليميا بحيث أن ثلث الدول الإفريقية قامت بفتح قنصليات عامة لها بالصحراء المغربية و هذا ينضاف للاتجاه الدولي الواسع الذي يدعم المبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي ويجد صداه في التقارير و القرارات الأممية بخصوص ملف وحدتنا الترابية، ويؤكد أن دولا عديدة ترى أن مصلحتها مع المغرب باعتباره حليف يتمتع بمصداقية كبيرة.[12]

وبالتالي فإن الصحراء المغربية أصبحت من أهم الأقطاب الدبلوماسية و التنموية على الواجهة الأطلسية للقارة الافريقية و أن هذه القنصليات ستمكن الدول من  تتبع التطورات الحاصلة بالصحراء المغربية لتزداد يقينا بأن المغرب، هو صاحب الأرض وسيدافع عن وحدته الترابية بكل الوسائل التي يتيحها له القانون والأعراف الدولية.

خلاصة:

عموما فإن مسلسل فتح القنصليات العامة بالعيون والداخلة ذو أهمية كبيرة في ترسيخ مغربية الصحراء، حيث سعى المغرب للانفتاح على الدول الإفريقية، إن على مستوى الاتفاقيات التي تم إبرامها و التي تجاوزت 1200 اتفاقية، أو على مستوى إخراج الدول الافريقية من دائرة التردد إزاء الموقف من قضية الصحراء، حيث استطاع المغرب تبديد توجه هذه الدول ودفعها لإعلان موقف صريح بدعم مغربية الصحراء نجم عنه تأسيس قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية.

وبالتالي تبنى المغرب لنهج جديد في سياسته الخارجية، يقطع مع حقبة التبعية والولاء للأحلاف التقليدية ويؤسس لأسلوب يقوم على جعل معيار المصلحة ضابطا يحكم القرار الدبلوماسي الخارجي للبلاد.

وإلى جانب اعتماد المغرب خلال هذه الفترة لدبلوماسية تحديد الأهداف بدقة للوصول إلى النتائج المرجوة، كما حرصت المملكة المغربية خلال الفترة الأخيرة، على تحويل صداقاتها مع بعض الدول إلى شراكات استراتيجية تقوم على منطق رابح رابح، إضافة إلى تدعيم التعاون الدولي المتعدد الأطراف في جميع المجالات دون استثناء، خاصة ما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء.

من وجهة نظري فالمغرب له استراتيجية واضحة وخطة ثابتة للوصول الى حل سلمي لقضية الصحراء، وذلك نظرا  للتطور التاريخي الذي عرفته قضية الصحراء المغربية، و الذي تجسد في قرار  الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه و دعمها لمبادرة الحكم الذاتي.


[1]  علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي والقنصلي،  دار النشر المعارف بالإسكندرية، 1962، الصفحة  295

[2]  المادة الثانية الفقرة الأولى من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963

[3]  علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي والقنصلي، مرجع سابق، الصفحة  306

[4]  علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام،. طبعه سنه 1961، الاسكندرية، صفحة 85 _ 92

[5]  علي صادق  أبو هيف، القانون الدولي العام، مرجع سابق، الصفحة 29

[6] بوابة الصحراء المغربية، مصدر سابق.

[7] https://diplomatie.ma/ar

[8]  https://diplomatie.ma/ar

[9]  المملكة المغربية وزارة الشؤون الخارجية و التعاون الإفريقي و المغاربة المقيمين بالخارج، مصدر سابق

[10]  https://www.mofa.gov.ae/،بوابة الامارات العربية المتحدة وزارة الخارجية

[11]  https://madar21.com/10516.htm

[12]  https://2m.ma/ar/news

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]