الاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي في قانون المسطرة المدنية المغربي
مقدمة:
يعتبر الاستئناف طريقا من طرق الطعن العادية، يلجأ إليه كل من تضرر من حكم ابتدائي قابل للاستئناف، من أجل إحالة النزاع على محكمة أعلى درجة لينشر أمامها من جديد وتقضي إما بتعديل الحكم أو إلغائه أو تأييده.
ولما كانت الشروط العامة للاستئناف لا تعالج في الغالب إلا وضعية عادية يكون فيها أحد الطرفين قد كسب دعواه الابتدائية كليا، فيستأنفها الطرف الخاسر، فإنه قد تثار بعض الصعوبات القانونية بسبب تعقد وتشابك العلاقات القانونية نتيجة تعدد أطراف النزاع الواحد، في حالة ما إذا لم يوجه الاستئناف إلا من بعضهم أو وجه ضد البعض منهم دون الآخرين الذين كانوا أطرافا في المرحلة الابتدائية، مع أن مصلحة الأطراف الذين لم يوجه الاستئناف ضدهم تقتضي تواجدهم خلال مرحلة الاستئناف للدفاع عن حقوقهم.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد عمل من أجل معالجة هذا الوضع بالسماح للطرف الذي لم يستأنف ضده الحكم الابتدائي وكانت مصالحه ستتضرر خلال مرحلة الاستئناف إمكانية رفع استئناف مثار بمقتضى الفصل 135 من قانون المسطرة المدنية للدفاع عن مصالحه.
وتتجلى أهمية هذا النوع من الاستئناف في كونه الوسيلة الفعالة التي يمكن من خلالها معالجة قصور الاستئناف الفرعي الذي يمكن أن يرفع فقط من طرف المستأنف عليه، وكذلك الشأن بالنسبة لنظام التدخل الذي يخول فقط للغير التدخل للدفاع عن مصالحه.
يتعين علينا أن نشير إلى أنه وبقدر الأهمية التي يعالجها موضوعنا هذا فإنه يطرح معه إشكالية أهم وهي كالآتي:
إلى أي حد توفق المشرع المغربي من خلال سماحه برفع الاستئناف المثار من حل الإشكالات التي يطرحها النزاع الواحد المتعدد الأطراف؟
وقد ارتأينا للإجابة عن الإشكالية أعلاه تقسيم موضوعنا هذا إلى مبحثين على الشكل التالي:
- المبحث الأول: ماهية الاستئناف المثار وصوره وتمييزه عن الاستئناف الفرعي
- المبحث الثاني: شروط الاستئناف المثار ودوره في معالجة قصور الاستئناف الفرعي
المبحث الأول: ماهية الاستئناف المثار وصوره وعلاقته بالاستئناف الفرعي
يعتبر الاستئناف المثار أو الاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي من أنواع الاستئنافات التي ظهرت حديثا، من أجل معالجة قصور الاستئناف الفرعي ونظام التدخل في الاستئناف الذي لا يسمح لبعض الأشخاص أن يكون أطرفا في النزاع رغم أن مصالحهم تقتضي تواجدهم في هذا النزاع من أجل الدفاع عن مصالحهم، التي يمكن أن تتضرر بسبب منعهم من التواجد في هذا النزاع، وهكذا سنحاول في هذا المبحث التطرق إلى ماهية الاستئناف المثار (المطلب الأول)، على أن نتناول في (المطلب الثاني) صور هذا الاستئناف وعلاقته بالاستئناف الفرعي.
المطلب الأول: ماهية الاستئناف المثار
يتعين علينا من أجل إبراز ماهية الاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي أن نحدد نشأنه (الفقرة الأولى) وطبيعته القانونية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: نشأة الاستئناف الناتج عن الاستئناف الأصلي
أخذ هذا الشكل من الاستئناف اسمه الحالي الاستئناف المثار، أو الناتج عن الاستئناف الأصلي، في فرنسا بمقتضى قانون 23 ماي 1942، وكان قبل ذلك التاريخ يعرف باسم الاستئناف الاحتمالي، وقد قننه المشرع الفرنسي لأول مرة بمقتضى مرسوم 14 يوينو 1938 في خضم التعديلات التي عرفها نظام الاستئناف في فرنسا ومنها على الخصوص تلك التي تمت بمرسوم 30 أكتوبر 1935، والتي جعلت أجل الاستئناف يسري في حق من بلغ إليه الحكم ومن بلغه، أو بلغ بناءا على طلبه من تاريخ هذا التبليغ[1].
وقد كان لهذا الإصلاح صداه في المغرب، حيث تدخل المشرع المغربي في عهد الحماية لتعديل مقتضيات الفصل 227 من قانون المسطرة القديم بمقتضى ظهير 19 فبراير 1946، وتكملته بإجازة قبول كل استئناف تسبب فيه الاستئناف الأصلي وفي جميع الأحوال، شرط أن لا يؤدي إلى تأخير الفصل في الاستئناف الأصلي[2]، وهي نفس المقتضيات التي تضمنها قانون المسطرة الحالية في الفصل 135 منه[3].
غير أن المشرع الفرنسي بمقتضى المسطرة المدنية الصادرة سنة 1975[4]، نص على أن الاستئناف المثار يمكن أن يرفع بناء على الاستئناف الأصلي أو الفرعي الذي أثاره من أي شخص حتى ولو لم يكن مستأنفا عليه، ما دام هذا الشخص كان طرفا في خصومة الدرجة الأولى وبذلك أصبح من الممكن في هذا القانون أن يكون الاستئناف المثار ناتجا سواء عن الاستئناف الأصلي أو الفرعي، بينما بقيت صيغة الفصل 227 من قانون المسطرة المدنية المغربي على حالها في قانون المسطرة الحالي[5].
الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للاستئناف المثار
لقد أثارت الطبيعة القانونية للاستئناف المثار اختلافا كبيرا وسط الفقه فبينما ذهب جانب من الفقه إلى أن الاستئناف المثار صورة أخرى للاستئناف الفرعي اتجه جانب آخر منه إلى اعتباره صورة للتدخل الاختياري.
فالاتجاه الأول[6] يرى أن الاستئناف المثار يقترب كثيرا من التدخل، فهو ليس مخصصا بالضرورة للطرف الخاسر ابتدائيا، بل يمكن لمن استجابت المحكمة الابتدائية لبعض طلباته ومستنتجاته أن يقدم استئنافا مثارا، ولذلك فإن هذا الاستئناف يهدف إلى توسيع دائرة الخصومة، إلى الأشخاص الذين كانوا أطرافا في الحكم الابتدائي، لكنهم رأوا أنه من غير الضروري تقديم استئناف، كما أن الاستئناف الأصلي لم يوجه ضدهم.
أما الاتجاه الثاني[7] يرى أن الاستئناف لا يهدف إلى توسيع دائرة الخصومة الاستئنافية من حيث الأشخاص، فالأمر يتعلق فقط بإعادة إدماج طرف ابتدائي في النزاع في المرحلة الاستئنافية، لم يكن أجنبيا عنه لا في أصله ولا في تطوره ولذلك من الطبيعي إعادة ظهوره فيه، ولهذا يستبعد هذا الفقه فكرة التدخل كأساس للاستئناف المثار، ويحبذ اعتباره استئنافا فرعيا.
ورغم هذا الاختلاف حول طبيعة الاستئناف المثار، فإن هذا الأخير يهدف إلى غاية محددة، وهي إعادة ظهور أطراف الحكم الابتدائي الذين اختلفوا في المرحلة الاستئنافية، إما لعدم استئنافهم لذلك الحكم أو بسبب عدم توجيه الاستئناف ضدهم.
المطلب الثاني: صور الاستئناف المثار وتميزه عن الاستئناف الفرعي
سنعالج في هذا المطلب صور الاسئناف المثار (الفقرة الأولى) على أن نخصص (الفقرة الثانية) لتميز الاستئناف المثار عن الاستئناف الفرعي.
الفقرة الأولى: صور الاستئناف المثار
تتعدد صور الاستئناف المثار، بحيث يمكن لأي طرف كان في المرحلة الابتدائية أن يقدمه، ونتناول صوره كالآتي:
أولا: الاستئناف المثار المقدم من طرف ابتدائي غير مستأنف ضده
وصورة هذه الحالة أن تقضي محكمة ابتدائية على دائن لصالح مدينه وضامن هذا المدين، أو لا تمنح الدائن سوى جزءا مما طلبه، فيستأنف هذا الأخير الحكم ضد المتسبب في الضرر، وبذلك لا يستطيع الضامن تقديم استئناف فرعي لأنه ليس مستأنفا ضده، لكن ضرورة تواجده أمام محكمة الدرجة الثانية لا يثار مصلحة تسمح له بتقديم استئناف مثار ناتج عن الاستئناف الأصلي، أو ناتج عن الاستئناف الفرعي للمضمون إذا أراد الاستفادة من قاعدة لا يضار أحد باستئنافه[8].
ثانيا: الاستئناف المثار الصادر من المستأنف عليه ضد طرف ابتدائي غير مستأنف ضده
إن القضاء الفرنسي سمح للمستأنف عليه بتقديم استئناف مثار ضد من كان طرفا في الحكم الابتدائي، حتى قبل تكريس المشرع الفرنسي لهذا الحق بمقتضى مرسوم 1972 ومسطرة 1975، لما تحققه هذه الإمكانية من إعادة تجميع خصوم الدرجة الأولى أمام محكمة الاستئناف، وهي الإمكانية التي توفرها أيضا تقنية الإدخال أمام محكمة الاستئناف في القانون الفرنسي، خلافا للقانون المغربي الذي يقصر التدخل على من له حق ممارسة تعرض الخارج عن الخصومة[9].
ثالثا: الاستئناف المثار الصادر من مستأنف عليه ضد مستأنف عليه
يعتبر الاستئناف المثار الصادر من مستأنف عليه ضد المستأنف عليه ضروريا عند تعدد المستأنف عليهم، مع افتراض وجود نزاع فيما بينهم، أو على الأقل اختلاف في المصالح أمام المحكمة الدرجة الأولى، بحيث يعتبران معا كاسبين للحكم الابتدائي إزاء المستأنف الأصلي، لكن أحدهما يكون خاسرا لدعواه إزاء الطرف الآخر، ولذلك يتقدم باستئناف مثار ناتج عن الاستئناف الأصلي موجه إلى المستأنف عليه الآخر، الذي يراه مستفيدا وحده من الحكم الابتدائي. إذن فهذا الاستئناف يرفع ممن خسر قضية الدرجة الأولى على من كسبها، أما كونهما معا يحملان صفة مستأنف ضدهما، فهي مسألة لا تغير من علاقتهما ببعضهما شيئا ما دام يوجد نزاع أو اختلاف مصالح بينهما[10].
رابعا: الاستئناف المثار للمستأنف الأصلي ردا على الاستئناف العارض للمستأنف عليه
يدخل هذا الشكل الاستئنافي للاستئناف في إطار التجديدات التي جاءت بها مسطرة 1975 الفرنسية، ويجد سنده في نص المادة 549 من هذا القانون التي جاء فيها أن الاستئناف العارض أو الفرعي يمكن أن يرفع بناء على الاستئناف الأصلي أو الفرعي الذي أثاره، من أي شخص حتى لو لم يكن مستأنفا عليه، ما دام هذا الشخص كان طرفا في المرحلة الابتدائية، وهكذا يمكن للمستأنف الأصلي في فرنسا الاستفادة من مقتضيات هذا النص لتقديم استئناف عارض ردا على الاستئناف العارض للمستأنف ضده[11].
الفقرة الثانية: تميز الاستئناف المثار عن الاستئناف الفرعي
لابد من الإشارة إلى الروابط التي توحد الاستئناف المثار، والاستئناف الفرعي، وذلك عن طريق تحديد أوجه الالتقاء بين النظامين (أولا)، ثم نحدد أوجه الاختلاف بين الاستئنافين (ثانيا).
أولا: أوجه الالتقاء بين الاستئنافين
فأوجه الالتقاء بين الاستئناف الفرعي والاستئناف المثار تكمن في أن كلاهما يندرج ضمن ما يعرف بالاستئنافات العارضة “Les appels incidents”، لأنه وكما هو معلوم فالاستئناف إما أن يكون أصليا وهو الذي تفتتح به خصومة الاستئناف وإما أن يكون عارضا وهو كل استئناف يرفع بمناسبة خصومة موجودة شأنه في ذلك شأن الطلب الأصلي، والطلب العارض[12].
ومن أوجه التشابه بينهما كذلك أن هذين الاستئنافين (الفرعي والمثار) يلتقيان في فكرة أساسية وهي توسيع نطاق الأثر الناقل للاستئناف[13].
ثانيا: أوجه الاختلاف بينهما
إن توسيع الأثر الناقل للاستئناف يختلف في حالة استخدام تقنية الاستئناف المثار عنه في حالة استخدام وسيلة للاستئناف الفرعي.
– فإن الاستئناف المثار يساهم بكل تأكيد في توسيع نطاق الأثر الناقل من حيث الأطراف، فبواسطته يتمكن الشخص الذي كان طرفا في المرحلة الابتدائية من أن يدخل لنطاق خصومة للاستئناف ولو أنه لا يعتبر مستأنفا عليه مما يسمح بإعادة تكوين القضية من حيث أشخاصها أمام محكمة الدرجة الثانية الشيء الذي سيترتب عنه كذلك إعادة تكوين موضوع الطلب القضائي مرة ثانية أمام محكمة الاستئناف، وفي هذه النقطة بالذات يكمن الاختلاف الأساسي والجوهري بين الاستئناف الفرعي والاستئناف المثار.
فالفرق بينهما هو أن توسيع نطاق الأثر الناقل للاستئناف الذي أحدثه من قبل الاستئناف الأصلي عن طريق الاستئناف الفرعي ينصب على موضوع الطلب القضائي ذاته وليس على عنصر الأشخاص في هذا الطلب، فأطراف النزاع لم يطرأ عليهم أي تغير أو إضافة وذلك خلافا للاستئناف المثار.
وعلى هذا يمكن القول بأن الهدف الأساسي للاستئناف الفرعي هو إعادة تكوين موضوع الطلب القضائي أمام محكمة الاستئناف في حدود النقل، أي في حدود الأثر الناقل المترتب على هذا النوع من الاستئناف، أما الاستئناف المثار فيساهم في إعادة تكوين أشخاص القضية أمام محكمة الاستئناف ، ومع ذلك فإن هذا النوع من الاستئناف يؤدي أحيانا إلى إحداث تأثيرات مختلفة على موضوع الطلب القضائي ذاته[14].
إضافة إلى ما سبق يلاحظ أن من بين الأمور التي تميز الاستئناف المثار عن الاستئناف الفرعي فكرة المصلحة في كلا الاستئنافين[15]، فالاستئناف الفرعي يفترض أن المستأنف عليه قد خسر في المرحلة الابتدائية، أما في الاستئناف المثار فلا يفترض أن صاحب الاستئناف قد تحمل أية خسارة، فمن الجائز أن يكون قد كسب دعواه أمام محكمة الدارجة الأولى، ورغم ذلك وبناء على المصلحة الاحتمالية يكون له أن يحمي هذا المكتسب بواسطة الاستئناف المثار وبذلك فإن المصلحة في الاستئناف المثار ينبغي أن تكون مصلحة جديدة ناتجة عن وجود الاستئناف الأصلي، الذي من المحتمل أن ينتج عنه تغيير في موقف صاحب الاستئناف المثار، ويؤدي إلى الإضرار به، ورغم أن هذا الضرر ليس حالا وإنما هو ضرر محتمل فإن مصلحته تقتضي انضمامه إلى خصومة الاستئناف للدفاع عن حقوقه[16].
المبحث الثاني:شروط الاستئناف المثار ودوره في معالجة قصور الاستئناف الفرعي
نظرا لكون الاستئناف الفرعي، يرفع فقط من المستأنف عليه، فهذا الأمر قد يؤدي إلى نتائج سلبية بالنسبة للنزاع الواحد المتعدد الأطراف، ومن أجل معالجة قصور هذا النوع من الاستئناف، تم ابتكار تقنية الاستئناف المثار (المطلب الثاني)، ولقبول هذا الاستئناف الأخير لابد من توفر مجموعة من الشروط (المطلب الأول).
المطلب الأول: شروط الاستئناف المثار
إن الاستئناف المثار يتطلب ضرورة وجود استئناف أصلي، فهذا الأخير شرط أساسي (الفقرة الأولى) من أدل السماح لذي المصلحة في التواجد في خصومة الاستئناف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وجود استئناف أصلي
يعتبر وجود الاستئناف الأصلي مفترض قانوني لوجود الاستئناف المثار، ذلك ما أشار إليه الفصل 135 من قانون المسطرة المدنية، فهذا الأخير لا يرفع إلا بمناسبة استئناف أصلي مرفوع من قبل، بل إن الاستئناف لا يوصف بأنه استئناف عارض أو مثار، إلا لأنه تال في التاريخ لاستئناف آخر مرفوع من قبل.
ويترتب على ما سبق، أن الاستئناف المثار لا يمكن أن يكون مرفوعا إلا ضد الحكم الذي طعن فيه بالاستئناف الأصلي، ولذلك فإن صاحب الاستئناف المثار لا يمكنه أن يرفع استئنافه ضد حكم آخر غير الحكم المرفوع ضده الاستئناف الأصلي حتى لو كان من صاحب الاستئناف المثار، وصاحب الاستئناف الأصلي طرفا في هذا الحكم الآخر، بل يجب عليه الطعن في هذا الحكم بطريق الاستئناف الأصلي[17].
ونظرا للاتصال المسطري بين الاستئناف الأصلي والاستئناف المثار، فإن العديد من التشريعات ربطت بين القبول الشكلي للاستئناف الأصلي وقبول الاستئناف المثار شكلا.
فالمشرع الفرنسي نص في المادة 550 من قانون المسطرة المدنية على أنه يجوز لمن سقط حقه في الاستئناف الأصلي أن يرفع استئنافا فرعيا أو مثارا في أية حالة تكون عليها الدعوى ما لم يكن الاستئناف الأصلي نفسه غير مقبول.
وفي تعليق على هذه المادة يقول حسن الأنصاري النيداني “ففيما يتعلق بالحكم الأول المستفاد من هذه المادة، فإن الاستئناف الفرعي أو المثار يتبع نفس مصير الاستئناف الأصلي، فلن يكون مقبولا إلا إذا كان الاستئناف الأصلي نفسه مقبولا وصحيحا وعلة ذلك أن الاستئناف الفرعي أو المثار لم يكن من المتصور قبوله عندما يرفع بعد الميعاد أو بعد قبول الحكم، وذلك لأن فوات ميعاد الطعن وقبول الحكم يؤدي إلى صيرورة هذا الحكم باتا”[18].
وبعد دراسة علاقة الاستئناف الأصلي بالاستئناف المثار، بقي أن نشير هنا إلى أثر تنازل المستأنف الأصلي عن استئنافه على الاستئناف المثار، إلى أثر قيام صاحب الاستئناف المثار بتنفيذ الحكم الابتدائي على حقه في تقديم هذا الاستئناف.
أولا: أثر تنازل المستأنف الأصلي عن استئنافه على قبول الاستئناف المثار
إذا كان الاتجاه التشريعي في فرنسا[19] والقضائي في المغرب[20] قد أكد على عدم جواز وضع حد لخصومة الاستئناف بإرادة منفردة، في علاقة ثنائية بين المستأنف الأصلي والمستأنف ضده فرعيا، فإنه يمكن القول بعدم جواز ذلك، ومن باب أولى، في علاقة متعددة الأطراف، ولذلك فإذا تنازل المستأنف الأصلي عن استئنافه في مواجهة المستأنف الفرعي، جاز لمستأنف عليه آخر أن يقدم استئنافا مثار ضد المستأنف الأصلي، كما جاز له تقديم استئنافه ضد المستأنف عليه المستأنف فرعيا، بل ويجوز أيضا لشخص كان طرفا في الحكم الابتدائي أن يقدم استئنافا مثارا ضد المستأنف الأصلي الذي تنازل عن استئنافه، أو ضد المستأنف الفرعي الذي حصل له التنازل من جانب المستأنف الأصلي[21].
وهكذا تبين أنه إذا تنازل المستأنف الأصلي عن استئنافه في مواجهة أحد المستأنف عليهم، فإن هذا التنازل يعتبر كأن لم يكن إذ ما رفع مستأنف عليه آخر استئنافا فرعيا أو مثارا.
ثانيا: أثر تنفيذ الحكم الابتدائي من طرف طالب الاستئناف المثار على قبول استئنافه.
يرى بعض الفقه الفرنسي أن الاستئناف المثار يجب أن يقبل حتى ولو نفذ صاحبه الحكم الابتدائي بعد وقوع الاستئناف الأصلي[22] لكن القضاء الفرنسي لم يأخذ بهذا الحل في قضية مشهورة عرضت على محكمة إكس بروفانس بتاريخ 26 نونبر 1975، كانت تتعلق بنازلة أدت إلى سلسلة من الاستئنافات المتعاقبة بسبب تعدد الأطراف المرتبطة بالضمان، حيث أن الملزم الأول الذي نفذ الحكم الابتدائي وجد نفسه أخيرا مستأنفا ضده، فقام بدوره باستئناف الحكم ضد المحكوم له استئنافا مثارا[23]، وهذا الاستئناف كان يجب أن يقبل، كما لاحظ ذلك بعض الفقه الفرنسي لأـن استئناف الضامن الأخير، يعيد جميع الأطراف إلى حلبة المواجهة، كما أن تنفيذ الحكم الابتدائي من طرف صاحب الاستئناف المثار لم يحصل إلا بسبب المتابعات التي وقعت ضده من طرف المحكوم له[24].
الفقرة الثانية: صفة ومصلحة صاحب الاستئناف المثار
إذا كان الحق في رفع استئناف فرعي لا ينشأ إلا لمن توفرت له صفة المستأنف عليه في استئناف أصلي، فإن الحق في رفع استئناف مثار ينشأ لكل من كان طرفا في خصومة أول درجة، وهو ليس بالضرورة من المستأنف ضدهم، كما أن هدفه من استئناف الحكم الابتدائي، لا يرمي بالضرورة إلى تعديل هذا الحكم[25].
أما فيما يتعلق بالمصلحة، فهناك اختلاف بين فكرة المصلحة في الاستئناف المثار وفكرة المصلحة بالنسبة للمستأنف الفرعي، فهذا الأخير يفترض فيه أنه خسر جزئيا بعض مطالبه ابتدائيا ومع ذلك لم يتقدم بأي استئناف أصلي، اعتقادا منه أن خصمه سوف يقبل بهذا الحكم، لذلك لا يستأنفه فرعيا إلا تبعا لاستئناف هذا الخصم، أما صاحب الاستئناف المثار فمن الجائز أن يكون قد كسب دعواه أمام المحكمة الابتدائية، ورغم ذلك، وبناء على احتمال فقدان هذا الكسب استئنافيا يتقدم باستئناف مثار[26]. وقد ذهب الفقه والقضاء في فرنسا إلى التأكيد على أن مصلحة الاستئناف المثار لا ترتبط بوجود خسارة أو فشل في المرحلة الابتدائية، بل يكفي أن يكون هناك خطر احتمالي بالنسبة له في تعديل الحكم الابتدائي[27].
وقد تبنى بعض الفقه المغربي نفس توجه نظيره الفرنسي، وذلك من خلال تأكيده على أنه يمكن لصاحب الاستئناف المثار، إذا ظهرت مستجدات ناتجة عن استئناف غيره للحكم الابتدائي ضده أن يقدم استئنافا مثارا، خاصة وأنه قد لا يهدف بالضرورة إلى تعديل الحكم الابتدائي، ومع ذلك فإن قبول مثل هذا الاستئناف في القانون المغربي يصطدم صراحة مع نص الفصل 135 من ق.م.م الذي قصر الاستئناف المثار على كونه ناتجا عن الاستئناف الأصلي، خلافا للتشريع الفرنسي الذي اعتبره جائزا ولو نتج عن استئناف عارض أو فرعي[28].
المطلب الثاني: الأشخاص الذي يمكن أن يوجه الاستئناف المثار ضدهم ودوره في معالجة قصور الاستئناف الفرعي
سنحاول التطرق من خلال هذا المطلب إلى الأشخاص الذين يمكن أن يوجه الاستئناف المثار ضدهم (الفقرة الأولى) على أن نتطرق في (الفقرة الثانية) إلى دور الاستئناف المثار في معالجة قصور الاستئناف الفرعي.
الفقرة الأولى: الأشخاص الذين يمكن أن يوجه الاستئناف المثار ضدهم
إذا كان الاستئناف الفرعي بالمعنى الضيق لا يوجه إلا ضد المستأنف الأصلي، فإن صاحب الاستئناف المثار يجب أن يتمتع بقدر أكبر من الحرية في توجيه استئنافه المثار، وإلا فقد هذا الاستئناف غايته التي خلق لأجلها وهي تمكين طرف غير مستأنف ضده من التواجد في مرحلة الاستئناف، أو هدفه الحديث المتمثل في تمكين محكمة الدرجة الثانية من إنهاء النزاع في كليته بين أطرافه[29]. ولذلك يمكن القول بأن التطور الحديث لنظام الاستئناف كوسيلة لإنهاء النزاع، يجعل الاستئناف المثار مقيدا بشرط واحد مشترك من حيث الشخص الذي رفعه، أو من حيث الطرف الذي يقدم ضده، وهو أن يكون طرفا في الحكم الابتدائي[30].
ومعنى هذا أنه في حالة توفر الشرط المشار إليه أعلاه فيمكن أن يقدم الاستئناف المثار من طرف ابتدائي غير مستأنف ضده، ضد المستأنف الأصلي، أو ضد المستأنف ضده كذلك. ويرى جانب من الفقه[31]، أن القضاء المغربي لا يسير في هذا الاتجاه وإنما يأخذ بالاستئناف المثار في صورته التقليدية، بمعنى أن القضاء المغربي لا يعتد بالاستئناف المثار إلا إذا كان موجها من طرف ابتدائي غير مستأنف ضده، ضد المستأنف الأصلي[32].
والملاحظ أن أخذ القضاء المغربي بالصورة التقليدية للاستئناف المثار لا يمكن أن تعالج جميع الوضعيات التي وجد من أجلها الاستئناف المثار كالحالة التي يكون فيها مثلا لأحد أطراف الحكم الابتدائي غير المستأنف ضده مصلحة إزاء الطرف المستأنف عليه.
وسبب هذا التوجه القضائي المجانب للصواب حسب بعض الفقه[33]، هو عدم التطبيق السليم لمقتضيات الفصل 135 من ق.م.م الذي لا يمنع من قبول أي استئناف ناتج عن الاستئناف الأصلي، بل أن الصياغة العامة لمقتضيات الفصل المشار إليه يمكن أن تشكل في نظر هذا الجانب من الفقه سندا، للقضاء في قبول كل استئناف مثار ناتج عن الاستئناف الأصلي، أي كان الشخص الصادر عنه، وأيا كان الشخص الموجه ضده، عندما يكون هذا الشخص أو ذاك طرفا في الحكم الابتدائي.
الفقرة الثانية: دور الاستئناف المثار في معالجة قصور الاستئناف الفرعي
يحتل الاستئناف الفرعي أهمية بالغة كونه يساهم في حماية حقوق صاحبه، غير أن هذه الحماية تبقى ناقصة لكونها تقتصر على طرف معين (المستأنف عليه وحده) والحال أن خصومة الاستئناف قد يشترك فيها عدة أشخاص بفعل ترابط مصالحهم، وكل واحد منهم يحاول الدفاع عن هذه المصالح قدر المستطاع[34].
لأجل ذلك فقد أوجد المشرع المغربي على غرار بعض التشريعات كالتشريع الفرنسي، بمقتضى الفصل 135 من ق.م.م وسيلة فنية تسمح بانضمام الشخص الذي كان طرفا في النزاع أمام المحكمة الابتدائية ولم يتم استئناف الحكم ضده، وكانت مصالحه تقتضي تواجده أمام محكمة الاستئناف للدفاع عنها، أن يقوم برفع استئناف مثار[35].
ويرى جانب من الفقه أن أهمية هذا النوع من الاستئناف تكمن في كونه الوسيلة الفعالة تتجلى في كونه الوسيلة الوحيدة والفعالة لمجابهة تعدد أطراف الحكم الابتدائي، ومعالجة وضعية أحد أطرافه الذي لم وجه الاستئناف الأصلي ضده، بحيث لا يمكنه تقديم استئناف فرعي لأنه ليس مستأنفا عليه، ولا يستطيع التدخل في المرحلة الاستئنافية لأنه ليس من الغير، مع أن مصلحته تقتضي تواجده في المرحلة الاستئنافية للدفاع عن حقوقه ومصالحه[36].
خاتمة:
بناء على ما سبق ذكره في هذا العرض يمكن القول بأن الاستئناف المثار يعد الوسيلة الفعالة، التي يمكن من خالها معالجة الإشكالات التي يطرحها النزاع الواحد المتعدد الأطراف، وعليه ندعو المشرع المغربي إلى تعديل مقتضيات الفصل 135 من ق.م.م الذي يسمح فقط برفع استئناف مثار باعتباره ناتجا عن الاستئناف الأصلي من الطرف غير المستأنف عليه ضد المستأنف الأصلي بمقتضى نص آخر يسمح بقبول كل استئناف مثار ناتج عن الاستئناف الأصلي، أيا كان الشخص الصادر عنه، وأيا كان الشخص الموجه ضده، بشرط أن يكون مثيره طرفا في النزاع الابتدائي.
لائحة المراجع:
* المراجع العامة والخاصة:
– الدكتور عبد العزيز حضري، استئناف الأحكام المدنية فيه التشريع المغربي، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، السنة 2009.
– نبيل إسماعيل عمر، الطعن بالاستئناف وإجراءاته في المواد المدنية التجارية الإسكندرية، 1980.
– حسن الأنصاري النيداني، مبدأ وحدة الخصومة ونطاقه في قانون المرافعات، دراسة علمية وعملية لظاهرة أطراف الخصومة دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 1998.
– سعاد موافق: تعدد أطراف الدعوى وأثره في قانون المسطرة المدنية – دراسة مقارنة – مطبعة الأمنية، 2015.
– نور الدين لوباريس: نظرات في قانون المسطرة المدنية مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة 2012.
* الرسائل:
– حكيم الفرجاني: الاستئناف الفرعي في القانون المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدنية المعمق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعية 2005-2006.
الهوامش:
+ تم إعداد هذا العرض سنة 2015/2016 من طرف طلبة ماستر قانون العقود والعقار بكلية الحقوق وجدة.
[1] – الدكتور عبد العزيز حضري، استئناف الأحكام المدنية في التشريع المغربي، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، السنة 2009، ص: 337.
[2] – الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 337.
[3] – ينص الفصل 135 من ق.م.م على أن: “… ويكون كل استئناف نتج عن الاستئناف الأصلي مقبولا في جميع الأحوال غير أنه لا يمكن في أي حالة أن يكون سببا في تأخير الفصل في الاستئناف الأصلي”.
[4] – ينص الفصل 549 من قانون المسطرة الفرنسي “يحق لكل من كان طرفا أما محكمة الدرجة الأولى ولو لم يكن مستأنفا عليه أن يرفع استئناف فرعيا بناء على الاستئناف الأصلي أو الفرعي الذي أثاره”.
[5] – الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 338.
[6] – Perot : Appel Provoqué et indivisibilité en matière d’appel-colloque la voie d’appel aix en province 1962 – préc, p. 94.
أورده الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 339.
[7] – Hebraid : Effet dévolutif evocation in colloque voie d’appel aix en province pré – cit, p : 16.
أورده الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 339.
[8] – الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 343.
[9] – الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 345.
[10] – نفس المرجع، نفس الصفحة.
[11] – الدكتور عبد العزيزي حضري، م.س، ص: 347.
[12] – حكيم الفرجاني، لاستئناف الفرعي في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون المدين المعمق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، أكدال، السنة الجامعية 2005-2006، ص: 35.
[13] – نبيل إسماعيل عمر: الطعن بالتماس إعادة النظر، الإسكندرية، 1983، ص: 906.
[14] – نبيل إسماعيل عمر: م.س، صك 906.
[15] – حكيم الفرجاني، مرجع سابق، ص: 36.
[16] حول فكرة المصلحة الاحتمالية في الاستئناف المثار، يراجع:
– Frédéric Ferrand : Appel encyclopédie Dalloz reperlaire de procédure civile Mars 1999, n° 363, P : 46.
[17] – سعاد موافق، م.س، ص: 422.
[18] – حسن الأنصاري النيداني: مبدأ وحدة الخصومة ونطاقه في قانون المرافعات، دراسة عملية وعملية لظاهرة أطراف الخصومة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 1998، أوردته سعاد موافق، ص: 423.
[19] – أنظر المادة 401 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي.
[20] – أنظر قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا الصادر بغرفتين بتاريخ 21 مارس 1996) مجلة الإشعاع العدد 17، أشار إليه الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 356.
[21] – سعاد موافق، تعدد أطراف الدعوى وأثره في قانون المسطرة المدنية – دراسة مقارنة – مطبعة الأمنية، 2015، ص: 428.
[22]– Perrot : colloque la voie de l’appel, p : 102, n°13.
أورده الدكتور عبد العزيز حضري مرجع سابق، ص: 356.
[23] – للإطلاع على وقائع هذه النازلة يمكن الرجوع إلى الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 357.
[24] – نفس المرجع، نفس الصفحة.
[25] – سعاد موافق، مرجع سابق، ص: 431.
[26] – نفس المرجع، ص: 432.
[27] – الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 359.
[28] – الدكتور عبد العزيز حضري، مرجع سابق، ص: 358.
[29] – الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 360.
[30] – سعاد موافق، م.س، ص: 433.
– الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 361.
[31] – نفس المرجع، ص: 361.
[32] – لمزيد من الإيضاح، راجع: الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 345.
[33] – لمزيد من الشرح، أنظر نفس المرجع، ص: 361.
[34] – حكيم الفرجاني، م.س، ص: 37.
[35] – لمزيد من الرشح أنظر: نور الدين لو باريس: نظرات في قانون المسطرة المدنية، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة 2012، ص: 170.
[36] – لمزيد من الشرح، أنظر الدكتور عبد العزيز حضري، م.س، ص: 336.
تعليقات 0