التلبس في الجريمة المعلوماتية

 صابر كمال طالب باحث ماستر المعاملات الإلكترونية جامعة الحسن الأول ـ سطات.

مقدمة:

 تعتبر الجريمة المعلوماتية، من المستجدات الإجرامية، حيث تستهدف الاعتداء على البيانات[1] والمعلومات والبرامج، وتوجه للنيل من أجهزة الحواسيب وشبكات الاتصالات وقواعد البيانات والبرمجيات ونظم التشغيل، ومما يظهر مدى خطورة الجرائم المعلوماتية أيضا، هو أنها تمس الحياة الخاصة للأفراد وتهدد الأعمال التجارية  بخسائر فادحة كما قد تنال من الأمن العام والسيادة الوطنية للدول، وتشجيع فقدان الثقة في المعاملات الإلكترونية[2].

وتعرف الجريمة المعلوماتية بأنها هي كل جريمة تتم في محيط أجهزة الكمبيوتر[3]، وقد بادرت بعض الدول للتصدي للجريمة  المعلوماتية من خلال إصدار مجموعة من القوانين، وكذا التصديق على مجموعة من الاتفاقيات التي تخص هذا المجال، وكانت اللجنة الأوروبية المعنية بمشاكل الإجرام أول من تصدت لهذه الجريمة، وذلك حين قررت إنشاء لجنة خبراء للتعامل مع الجريمة المعلوماتية، في قرار لها رقم 113/211196 الصادر في نونبر 1996، ثم بعد ذلك تم اعتماد اتفاقية  بودابست بشأن الجريمة المعلوماتية سنة 2001[4]، والتي انظم لها المغرب بتايخ 29 يونيو 2018 ذلك قصد توفير الأمن الرقمي، وحماية نظم المعالجة الآلية للمعطيات.

والمشرع المغربي بدوره لحظة شعوره بخطورة الجريمة المعلوماتية منذ بداية الألفية الثانية تبنى للقانون الجنائي بابا خاصا بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وذلك بإصدار القانون 07.03 المتعلق بنظم المعالجة الآلية للمعطيات[5]، ورغم محاولة المشرع مواكبة هذا التطور المتسارع من إخلال إصدار القانون 07.03 فإنه لم يأتي بأي جديد بالبحث والتحري في الجرائم المعلوماتية وكذا كيفية التعامل معه ضمن قواعد المسطرة الجنائية المعتمدة في البحث التمهيدي بصفة عامة والبحث  التلبسي بصفة خاصة. والتي نظمها المشرع في الباب الأول من القسم الثاني من الكتاب الأول بعنوان حالة التلبس بالجنايات والجنح وذلك في المواد من 56 إلى 77 من قانون المسطرة الجنائية.

ترتيبا على ما تقدم يمككنا بسط إشكال رئيسي يتمثل في مدى كفاية القواعد الإجرائية العادية للبحث التمهيدي التلبسي استيعاب الجريمة المعلوماتية المتلبس بها؟

وتتفرع عن هذا الإشكال عدة تساؤلات فرعية نوردها على الشكل التالي:

ماهي حالات التلبس في الجرائم المعلوماتية وما هي شروطه؟

ماهي مختلف التدابير المتعلقة بالأشياء المتخدة بمناسبة البحث التلبسي في الجرائم المعلوماتية؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات وأخرى ارتأينا تناول الموضوع وفق التصميم التالي:

  • الفقرة الأولى: حالات التلبس في الجرائم المعلوماتية  وشروطه
  • الفقرة الثانية: التدابير المتعلقة بالأشياء المتخذة بمناسبة البحث التلبسي في الجرائم  المعلوماتية

الفقرة الأولى: حالات التلبس في الجرائم المعلوماتية وشروطه

بالرجوع إلى المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية يمكن القول بأن صور وأحوال التلبس بالجناية أو الجنحة قد أوردها المشرع المغربي على سبيل الحصر، بحيث لا يمكن والحالة هذه الزيادة فيها من أي كان ( أولا )، ولكي تتحقق حالة من حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 56 لابد من توافر شروطه ( ثانيا ).

أولا: حالات التلبس في الجرائم المعلوماتية

إن حالات التلبس بالجريمة لا تخرج عن التعداد الوارد في المادة 56 وهي:

1 ـ ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها

والمقصود بهذه الحالة هو معاينة مرتكب الجريمة أثناء ارتكابه لها، كضبط الشخص داخل نظام المعالجة الآلية للبيانات أو على إثر ارتكاب الجريمة، كدخول المجرم لنظام معلوماتي قصد إختراقه، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون العربي النموذجي الموحد بشأن مكافحة جرائم إساءة استعمال أنظمة تقنية المعلومات[6]، حيث جاء في المادة مايلي: ” وإذا ضبط الشخص داخل نظام المعالجة الآلية للبيانات ـ بدون وجه حق ـ فإنه يعاقب بالحبس والغرامة ( تترك وفقا لتقدير كل دولة )، وإذا ترتب على هذا الفعل انتهاك سرية البيانات المخزنة بالحاسب فإنه يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن ( تترك مدته لتقدير كل دولة ) وغرامة ( تترك لتقدير كل دولة ).

وبالرجوع إلى  النصوص الجنائية نلاحظ أن الفقرة الأولى من الفصل 607.3 من القانون رقم 07.03، تجرم الدخول إلى مجموع أو بعض  نظام المعالجة الآلية للمعطيات، لكن يجب أن يتم ذلك عن طريق الإحتيال، وعليه فإن كل شخص ضبط وهو داخل إلى مجموعة أو بعض نظم المعالجة الآلية للمعطيات فهو في حالة تلبس بشرط أن يتم ضبطه ومعاينته من قبل ضابط الشرطة القضائية، وقد عرف القضاء المغربي نماذج من هذه الجرائم، كالقضية الجنحية المسجلة لدى المحكمة الإبتدائية بخريبكة عدد 04/358 حيث أدانت  أحد التقنيين من أجل جنحة الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات، نتج عنه حذف واضطراب في سيره، وذلك أن هذا الجاني أحدث موقعا له بالانترنيت وبدأ يرسل أشخاص ذاتية ومعنوية بواسطة الانترنيت وتسلم على ضوء ذلك بريدا إلكترونيا حقق له منفعة مالية بدون وجه حق كما ألحق ضررا بمواقع إحدى الشركات[7].

2 ـ الحالة الثانية: أن يكون الفاعل مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكاب الجريمة

هذه الحالة تفترض أن الفاعل قام بارتكاب الجريمة وهو لا يزال مطاردا بصياح الجمهور، بمعنى أنه لم يتم ضبطه وإبقائه بمكان ارتكاب الفعل الجرمي، وهذه الحالة يطلق عليها حالة التلبس المفترض[8]، وتتحقق هذه الحالة بقيام العامة من الجمهور بتتبع مرتكب الجريمة  مع الصياح إثر وقوعها، كأن يقوم شخص بعرض مقطع فيديو مباشر على تطبيق من تطبيقات التواصل الإجتماعي متعلقة بجريمة من جرائم المعاقب عليها  كجرائم الأداب المنصوص عليها وعلى عقوباتها في الفصول 483 وما يليها من مجموعة القانون الجنائي، حيث يسمح بذلك لمستخدمي هذه التطبيقات بنشر ذلك المقطع والتعليق عليه، كما يمكن أن يقوم البعض بنشر صور الفاعل أو مكان تواجده، الأمر الذي قد يسهل عملية التعرف عليه، مما قد يجعل مطاردته ممكنة.

وبذلك يمكن أن تتحقق الحالة الثانية من حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 56 من ق.م.ج،  إذ يبقى الفرق فقط في أن المطاردة في الحالة الأولى تكون بالأبدان والثانية تكون بالأذهان.

مقال قد يهمك :   وضع الكراء التجاري والسكني والمهني في ظل جائحة كورونا

3 ـ إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكابه الجريمة ومعه أسلحة أو أشياء وآثار أو علامات تدل على مشاركته في الجريمة:

عبر القانون على هذه الحالة بحالة وجود المشبوه فيه[9] بعد وقت قصير من ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه شارك في الفعل الإجرامي أو وجد عليه أثر أو علامات تثبت هذه المشاركة وهذه الوضعية من وضعيات التلبس المفترض، كالحالة التي تعرضنا لها من قبل  ( حالة ما إذا كان الفاعل مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكاب الجريمة ) تتمحور حول المجرم وليس الجريمة، بحيث غيب المشرع كما هو ظاهر، اشتراط مشاهدة أو معاينة ارتكاب الوقائع المادية للجريمة ذاتها مكتفيا فقط بالقرائن الدالة عليها واللصيقة بالمشبوه فيه، والتي هي إما مشاهدته حاملا لأسلحة أو أشياء، وإما أن توجد عليه آثار أو علامات حيث يستدل منها بكيفية جدية أنه هو الذي ارتكب الجريمة كفاعل أصلي لها أو مساهم أو شريك[10].

كالحالة التي يتم العثور على أثر أو علامات تثبت ارتكاب المتهم لجريمته كوجود فيديو على مكتبه يثبت أن المتهم ارتكب تلك الجريمة، والمثل على ذلك قضية الصحفي بوعشرين حيث ردت المحكمة على دفاع بوعشرين:

“… وحيث أن التلبس في نازلتنا يتوفر في الحالتين الأولى والثانية، فوجود فيديو في مكتب المتهم يوثق للجريمة ويفسر ضبطه وكأنه على اثر ارتكابها” لأن المحجوز يجعل حالة التلبس قائمة  ومستمرة في الزمان والمكان إلى حين كشف الجريمة ما لم تتقادم كما أن هذه الحالة هي بمثابة أثر وعلامات تثبيت ارتكاب المتهم لجريمة لا  سيما وأن المشرع استعمل عبارة الوقت القصير في المقطع الأول ون المقطع الثاني من الحالة الثالثة للتلبس.

وحيث إن حالة التلبس ليس هي حالة مادية فقط تكتشف بالمشاهدة العادية ” التلبس العادي” وإنما أيضا حالة  ” التلبس الإلكتروني ” باعتبارها أنها تعكس واقع الحال وواقع الجريمة وتنقلها من المادي الملموس إلى الإلكتروني مادام أن المحجوز الإلكتروني يتضمن وقائع الجريمة لاسيما أن ضابط الشرطة القضائية عاين وسيلة الجريمة والجرم بذاته”[11].

وجاء في قرار لمحكة النقض بأن ” البحث الذي أجرته الضابطة القضائية مع كل المتهمين تم إنجازه في إطار مسطرة التلبس لأن  الجرائم المعلوماتية يصعب اكتشافها  في حينها، وإنجاز البحث بشأنها يقضي السرعة والدقة كي لا تندثر آثار الجريمة أو يتطور الضرر، ويصبح من الصعب السيطرة عليه.

إن مدلول مدة الوقت القصير المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية لا تعني في الجرائم المعلوماتية بضع دقائق أو ساعات، طالما أن المجرم المعلوماتي يمكنه أن يرتكب جريمته من خارج الحدود على بعد آلاف الكلمترات”[12].

ثانيا: الشروط الواجبة التحقق لقيام التلبس بالجريمة المعلوماتية

هناك مجموعة من الشروط العامة التي يجب أن تتحقق بالنسبة لكل حالة من الحالات التي اعتبرها المشرع مكونة لواقعة التلبس، وهذه الشروط هي:

1ـ أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس:

لا يمكن تصور حالة التلبس إلا  بالنسبة للجنايات والجنح المعاقبة بعقوبة الحبس، وتخرج عن دائرته الأفعال التي تشكل مخالفة والجنح المعاقب عليها بغرامة.

وبالرجوع للقانون رقم 07.03 نجده يعاقب على جريمة الدخول إلى مجموع أو بعض نظم للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال في الفصل 607.3، من شهر إلى ثلاثة أشهر وبالغرامة من 2000 إلى 10000، كما شدد المشرع العقوبة في الفصل 607.4[13]، وذلك برفع العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبالتالي فكل من ضبط وهو داخل إلى نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال فهو سيخضع لمسطرة البحث التلبسي وفقا للباب الأول المعنون بحالة التلبس في الجنايات والجنح، الموا من 56 إلى 77 من قانون المسطرة الجنائية.

2 ـ أن تحصل المعاينة من قبل ضابط  الشرطة القضائية

مفاد هذا الشرط هو أن تقع المعاينة المادية من قبل ضابط الشرطة القضائية لإحدى حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 56 من ق.م.ج[14]، ومعنى ذلك أنه لا يمكن الإستعاضة عن معاينة ضابط الشرطة القضائية بروايتها عن الغير، ويتأسس هذا الوجوب على كون التلبس بالجريمة وضعية قانونية تسمح لضابط الشرطة القضائية، باتخاذ إجراءات قسرية ض المشبوه فيه، لذلك ورفعا لشبهة الظلم والتسرع، وجب أن يشاهد هذا الضابط بنفسه حالة التلبس وأن الإستناد في ذلك إلى الروايات التي قد تكون مجرد إشاعات[15].

وبهذا فإن المعاينة هنا لا يمكن حصرها فقط في المشاهدة وإنما يمكن أن تمتد إلى غيرها من الحواس كالشم واللمس، وكذلك السمع، كالحالة التي يأمر بها قاضي التحقيق بإلتقاط المكالمات الهاتفية[16]، حيث يمكن في هذه الحالة أن يتم التنصت على شخصين وهما يخططان للقيام بجريمة إرهابية، الأمر الذي قد يجعل المعاينة قد تتحقق من قبل ضباط الشرطة القضائية، وذلك عن طريق اعتماد تقنية التنصت.

3 ـ أن تحصل معاينة ضابط الشرطة القضائية لواقعة التلبس بطريقة مشروعة

يجب أن تتم معاينة ضابط الشرطة القضائية لحالة التلبس بطريق مشروع، ووفق الأحكام والمقتضيات الجاري بها العمل بحيث يجب  أن يكون في وضعية قانونية إزاء قيامه بمهامه[17]، وهكذا يكون من قبيل السلوك المشروع قيام ضابط الشرطة القضائية أثناء إنجازه لمهمته بمعاينة حالة تلبس بالجريمة، كأن يعثر مصادفة أثناء إنجازه لبحث تمهيدي عادي بتفتيش منزل بغرض حجز معطيات وبرامج معلوماتية لإظهار الحقيقة، مخدرا أو سلاحا غير مرخص باستعماله أو موا مهربة، حيث تكون معاينته للمخدر أو السلاح  المحاز بكيفية مخالفة للقانون[18]. والأمر نفسه بالنسبة للجرائم المعلوماتية، إذ يجب أن تتم المعاينة بطريقة مشروعة.

الفقرة الثانية: التدابير المتعلقة بالأشياء المتخدة بمناسبة البحث التلبسي في الجرائم  المعلوماتية

قد تتعدد التدابير المتخذة بمناسبة البحث التلبسي، فمنها ما يتعلق بالأشخاص ومنها ما يتعلق بالأشياء، لذا سنقتصر الحديث على التدابير المتعلقة بالأشياء فقط، لأن الإجراءات التي تتخذ في حق المشبوه فيه في الجرائم العادية هي نفسها الإجراءات التي تتخذ في حقه حين يرتكب جريمة  معلوماتية متلبس فيها.

مقال قد يهمك :   الاستهتار بقانون السير ..سلوك بشري يخلّف مآسي إنسانية و اجتماعية.

حيث أن القواعد الإجرائية المتعلقة بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبها هي قواعد لا تخص جريمة معينة دون الأخرى بل هي قواعد عامة يمكنها أن تنطبق على كافة الأفعال المخالفة للقانون الجنائي بما فيها الجريمة المعلوماتية.

ولعل أبرز التدابير التي تتعلق بالأشياء، والمخولة لضابط الشرطة القضائية باتخاذها بمناسبة قيامه بالبحث التلبسي نجد التفتيش ( أولا )، والذي تليه إجراءات أخرى وأهمها حجز كل ما له علاقة بارتكاب الجناية أو الجنحة ( ثانيا ).

أولا: التفتيش

مع مراعاة الشروط والأوضاع الخاصة التي يرسمها قانون المسطرة الجنائية للدخول إلى المنازل[19]، قصد تفتيشها بحثا عن أية أشياء تؤدي إلى إظهار الحقيقة، يمكن لضابط الشرطة القضائية اعتماد هذين الإجرائيين بحثا عن أية أدلة لها علاقة بالجريمة المرتكبة، كالتفتيش عن معطيات معلوماتية داخل منزل مرتكب الجريمة.

وهذا ما نصت عليه مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية حين نصت الفقرة الثالثة من المادة 59 على أنه:

” يجري التفتيش في جميع الأماكن التي يمكن أن يعثر بها على مستندات أو وثائق أو معطيات معلوماتية أو أشياء مفيدة في إظهار الحقيقة”. هذا وقد أقرت اتفاقية بودابست التي تم إقرارها بتاريخ 23 نونبر 2001 مجموعة من القواعد الإجرائية الخاصة بمرحلة البحث والتحري عن الجريمة المعلوماتية، وبخصوص المقتضيات العامة للتفتيش فقد نظمتها اتفاقية بودابيست في الفصل 19 حيث أوصت على ضرورة تأمين عملية التفتيش والدخول إلى أي نظام كومبيوتر أو جزء منه موجود في مكان أخر بإقليم الدولة، زيادة على منح السلطات المختصة صلاحية الضبط والتأمين للبيانات وأخذ نسخة منها والإحتفاظ بها، وذلك يفيد أن عملية التفتيش قد تكون وسيلة ناجعة لضبط وحجز الأدلة التقليدية ذات العلاقة بأنظمة وبرامج وتجهيزات الحاسبات الآلية ومعدات التشغيل والأوراق والمستندات وآلات  الطباعة والتصوير بالأشعة[20].

وبالرجوع إلى مشروع قانون المسطرة الجنائية نجده ينص على ضرورة حضور الشخص مالك المنزل لعملية التفتيش، فإذا تعذر عليه الحضور وجب على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي شاهدين لحضور التفتيش من غير الموظفين الخاضعين لسلطته، ونفس الأمر ينطبق حينما يجري التفتيش بمنزل الغير، وبهذا نصت الفقرة الثانية  من المادة 60 من مشروع قانون المسطرة الجنائية على مايلي:

” ثانيا: إذا كان التفتيش سيجري في منزل شخص من الغير يحتمل أن يكون في حيازته وثائق أو مستندات أو معطيات معلوماتية أو أشياء لها علاقة بالأفعال الإجرامية، فإنه يجب حضور هذا الشخص لعملية التفتيش، وإذا تعذر ذلك وجب أن يجري التفتيش طبقا لما جاء في الفقرة السابقة “.

وبالرغم من أن مشروع قانون المسطرة الجنائية قد تطرق إلى عملية تفتيش الحواسيب وحجز المعطيات المعلوماتية، إلا أنه لم يحد ما إذا كان بإمكان ضابط لشرطة القضائية بتفتيشها وحجز البيانات والمعطيات الموجوة في مكان آخر، غير مكان البحث الأصلي، حيث غالبا ما يخزن المجرمون صورا غير مشروعة من الأفعال ليس في حواسيبهم الخاصة فحسب، بل أيضا في مواقع التخزين الواقعة في مكان أخر على غرار ما فعلته بعض التشريعات المقارنة كالمشرع الفرنسي حيث نص في الفقرة الثانية من المادة 57 ـ 1 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي على مباشرة بعض إجراءات البحث عن الجريمة الإلكترونية خارج الحدود الإقليمية كإمكانية تفتيش الأنظمة المعلوماتية المنظمة حتى ولو كانت متواجدة خارج إقليم الدولة، حيث سمحت المادة المذكورة لضباط الشرطة القضائية لأن يقوموا بتفتيش الأنظمة المتصلة ولو تواجدت خارج الإقليم مع مراعاة الشروط المنصوص عليها في المعاهدات الدولية.

ثانيا: الحجز

بالرجوع للمادة 57[21] من قانون المسطرة الجنائية يلاحظ أن المشرع يوجب الشرطة القضائية ” على المحافظة على الأدلة والأسلحة والأدوات ”  المستعملة في ارتكاب الجريمة، أو التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة.

والملاحظ من النص ـ المادة 57 من ق.م.ج ـ أنه لم يتطرق إلى كيفية إجراء الحجز على المعطيات أو البرامج المعلوماتية، وخلافا على ما هو عليه الأن فقد حاول واضع مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية أن يحقق من خلال المقتضيات التي جاء بها والمتعلقة بإجراءات البحث والتحري نوعا من الإنسجام مع مختلف الشكليات الخاصة في مجال البحث عن الجريمة المعلوماتية، لذلك عرف مشروع قانون المسطرة الجنائية بعض القواعد الإجرائية الجديدة، حيث خولت المادة 59 [22] من مسودة مشروع القانون لضابط الشرطة أن يقوم بحجز المعطيات والبيانات المعلوماتية التي قد تشكل دليلا لإثبات الجريمة حيث نصت الفقرة الرابعة من المادة 59 من المشروع على أنه: ” يتم حجز المعطيات والبرامج المعلوماتية الضرورية لإظهار الحقيقة بوضع الدعامات المادية المتضمنة لهذه المعلومات ورهن إشارة  العدالة أو بأخذ نسخ منها بحضور الأشخاص الذين حضروا التفتيش توضع رهن إشارة العدالة. لا يحجز ضابط الشرطة القضائية إلا المستندات أو الوثائق أو المعطيات أو الأدوات المعلوماتية أو الأشياء المفيدة في إظهار الحقيقة”.

وهكذا نلاحظ أن هذه التعديلات التي جاءت بها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، وبالخصوص المادة 59، تبنت نفس الصيغة المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي[23].

الخاتمة:

وختاما، فإننا نرى أن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا لتدخل تشريعي بخصوص هذا النوع من الجرائم المستحدثة، وذلك من خلال تعديله مواد القواعد الإجرائية المتعلقة بالبحث التلبسي، وكذا إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم التي تؤطر عمل الشرطة القضائية والنيابة العامة إن اقتضى الحال، ومن تلك المفاهيم حالة التلبس، وكذلك قاعدة بيانات محصنة بشان صور الجرائم المعلوماتية، بغرض تطوير الترسانة الجهوية والمحلية من أجل توضيح الرؤى فيما يتعلق بآفاق رفع التعدي.

وهكذا يمكن القول أن شرعية الإجراءات تقتضي أن تكون موافقة ومحددة وفق القانون ولا تخرج عن روح نصوصه، وبالتالي فإن التوسع في مباشرة الإجراءات أو في تفسير هذه الإجراءات المقررة ق يهدد حقوق وحريات الأفراد.


الهوامش :

مقال قد يهمك :   العَلَمانية ..هل هي حلٌّ لمشكلات اجتماعنا السياسي؟

[1] ـ  عرفت الماة الثانية من الإثفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات والبيانات بأنه: ” كل ما يمكن تخزينه ومعالجته وتوليده ونقله بواسطة تقنية المعلومات، كالأرقام والحروف والرموز وما إليها..”

[2] ـ خالد ممدوح إبراهيم، الجرائم المعلوماتية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، سنة 2009، الإسكندرية، مصر، ص 6.

[3] ـ خالد ممدوح إبراهيم، المرجع السابق، ص 74.

[4] ـ تم اعتماد الإتفاقية وتقريرها التفسيري من لدن لجنة وزراء مجلس أوروبا في دورتها التاسعة بعد المائة في 8 نونبر 2001، وفتح باب التوقيع عليها في 23 نونبر 2001 بمناسبة المؤتمر الدولي حول الجريمة الإلكترونية.

[5] ـ  القانون رقم 07.03 المتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الصادر بتنفيده ظهير رقم 197.03.1 بتاريخ 16 رمضان 1424 ( 11 نوفمبر 2003 )؛ الجريدة الرسمية عدد 5171 بتاريخ 27 شوال 1424 ( 22 ديسمبر 2003 )، ص 4284.

[6] ـ  حررت هذه الإتفاقية باللغة العربية بالقاهرة في 15/01/1432 الموافق ل 21/12/2010، وتم التوقيع عليها من طرف 21 دولة بينهم المملكة المغربية.

[7] ـ حكم جنحي تلبسي عدد 04/408 صدر بتاريخ 2004/02/18 عن ابتدائية خريبكة في الملف لجنحي عد 04/358.

موقع مغرب القانون www.maroclaw.com   اطلع عليه بتاريخ 8 أبريل 2019 على الساعة 22:21.

[8] ـ أحمد قيلش، السعدية مجيدي، سعاد حميدي، محمد زنون، الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية، مكتبة المعرفة، الطبعة الثالثة، 2017، ص 65.

[9] ـ سماه المشرع الفاعل

[10] ـ عبد الواحد العلمي، شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة السابعة، 2018، ص 395.

[11] ـ للإطلاع على رد دفوعات بوعشرين انظر:

Archive. Aljarida24.ma/p/celebrites/278227/.   تم الإطلاع  على الموقع بتاريخ: 10 أبريل 2019، على الساعة 15:14.

[12] ـ قرار رقم 681/1 في 03/08/2011 منشور في  قانون المسطرة الجنائية والعمل القضائي، محمد فقير، ص 92.

[13]  ـ ينص الفصل 607.4 من المجموعة الجنائية المغربية على:

” دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم كل من ارتكب الأفعال المشار إليها في الفصل السابق في حق مجموع أو بعض نظام للمعالجة الآلية للمعطيات يفترض أنه يتضمن معلومات تخص الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو أسرارا تهم الاقتصاد الوطني.

 دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، ترفع العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبالغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم إذا نتج عن الأفعال المعاقب عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل تغيير المعطيات المدرجة في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو حذفها أو اضطراب في سير النظام، أو إذا ارتكبت الأفعال من طرف موظف أو مستخدم أثناء مزاولة مهامه أو بسببها، أو إذا سهل للغير القيام بها”.

[14] ـ أحمد قيلش، السعدية مجيدي، سعاد حميدي، محمد زنون، مرجع سابق، ص 67.

[15] ـ عبد الواحد العالمي، مرجع سابق، ص 399.

[16] ـ جاءت الفقرة الثانية من المادة 108 من ق.م.ج لتنص على:

“…غير أنه يمكن لقاضي التحقيق إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها أو حجزها…”

[17] ـ أحمد قيلش، السعدية مجيدي، سعاد حميدي، محمد زنون، مرجع سابق، ص 67.

[18] ـ عبد الواحد العالمي، مرجع سابق، ص 401.

[19]ـ عرف المشرع المغربي المنزل في الفصل 511 من القانون الجنائي بقوله:

” يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى، ثابت أو متنقل، سواء كان مسكونا فعلا أو معدا للسكنى، وكذلك جميع ملحقاته، كالساحات وحظائر الدواجن والخزين والإصطبل أو أي بناية داخلة في نطاقه مهما كان استعمالها، حتى ولو كان لها سياج خاص بها داخل السياج أو الحائط العام”.

[20] ـ نزار أولاد مومن، الدليل العلوماتي في الميدان الزجري وسؤال نجاعة وسائل البحث والتحقيق، مجلة العلوم الجنائية، العدد الخامس والسادس،  2019، ص 185.

[21] ـ تنص الفقرة الثانية المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي:

” وعليه أن يحافظ على الأدلة القابلة للاندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وأن يحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة”.

[22] ـ نصت الفقرة الأولى من المادة 59 من مشروع قانون المسطرة الجنائية على أنه:

” إذا كان نوع الجنائية أو الجنحة مما يمكن إثباته بحجز أوراق ووثائق أو أشياء أخرى في حوزة أشخاص يظن أنهم شاركوا في الجريمة، أو يحوزون مستندات أو وثائق أو معطيات أو أدوات معلوماتية أو أشياء تتعلق بالأفعال الإجرامية، فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فورا إلى منزل هؤلاء الأشخاص ليجري فيه طبقا للشروط المحددة في المادتين 60 و 62 تفتيشا يحرر محضرا بشأنه”.

[23] ـ  جاء في الفقرة الخامسة من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية مايلي:

 “Il est procédé à la saisie des données informatiques nécessaires à la manifestation de la vérité en placant sous main de justice soit le support physique de ces données, soit une copie realisée en présence des personnes qui assistent a la perquisition. “

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)