الدكتور مصطفى بن حمزة: عن المساواة المؤسسة للامساواة (تحميل الدراسة)
فضيلة الدكتور مصطفى بن حمزة
رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة و
عضو المجلس العلمي الأعلى وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
(*) ينفرد موقع مغرب القانون بنشر هذه الدراسة تحت عنوان :
“عن المساواة المؤسسة للامساواة”.
لقد اعتادت أسماعنا على أن تستقبل نوبات ودفقات متتالية متوترة من المطالبات الصاخبة المشتغلة على مشروع مشترك يستهدف الإعلاء من قيم اجتماعية معينة تنتقى دون سواها، من أجل اجتذاب الاهتمام إليها، وجعلها قضية رأي عام، وأكثر ما يأتي ذلك التصعيد في سياق استقبال مواعد دولية، أو حال الاستعداد للدخول في استحقاقات انتخابية، تتطلب تبني قضايا ساخنة قادرة على الاستقطاب.
وكثيرا ما يحتف بتلك النداءات والمطالبات احتداد في لغة الخطاب، ومصادرة مسبقة لما يمكن أن يبديه المخالف من الآراء، ثم محاصرة المخالف في خانة ضيقة من نعوت التخلف واللاعقلانية والماضوية ورفض التجديد والتحديث، وما إلى ذلك من الأسلحة الدعائية الجاهزة التي يواجه بها الخصم.
ويكتسب النقاش حدة فائقة وحيدة بعيدة عن الموضوعية والرصانة، حينما ينخرط فيه من لا علم له بالموضوع، ومن لم يوله من الفكر ومن الزمن ما يؤهله لأن يستوعب أكثر جوانبه .
لذا، فإن أول ما يستدعيه طلب الحقيقة في قضايا الفكر والشريعة والمعرفة عموما، هو الاهتمام بما يجنب المجتمع حدوث الاحتكاكات والاختلافات الحادة المتكررة التي لا بد أن تترك آثارا سيئة وندوبا فاغرة غائرة على وعي الأمة، وعلى استدامة روح المحبة بين أفرادها، كما يتعين أن نعلي من مستوى النقاشات ، وأن نذود عن ساحاتها من ليس مؤهلا للاشتراك في أطوارها.
لأن التجربة أفادت أن تدخل غير المؤهلين علميا في النقاشات العلمية لا يضيف شيئا علميا، لأنه إن وقع فلن يكون إلا تعصبا مذهبيا، أو تقوقعا فكريا أو تكلسا إيديولوجيا، وهو لا يمكن أن يجلب إلى النقاش أي قيمة مضافة، بل إنه على النقيض من ذلك يمكن أن يربك النقاشات ويوسع فيها دائرة الخلاف، على قاعدة أنه لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف، كما يقول ابن رشد الحفيد.
وفي هذا السياق فإني أقترح فحص مبدا يكثر تداوله والاحتكام إليه والاحتجاج به في مشروع من يشتغلون على إلغاء كثير من الثوابت المكونة للذهنية الجمعية للمجتمع المغربي، وأعني به مبدأ المساواة بمفهومه المتحرر من كل القيود والتحفظات. وبمفهومه المنضبط والقابل للتنزيل السليم على ما راكمته الأمة من رصيد قيمي ثقافي وديني عبر تاريخ متطاول عاشه المغرب .
وسوف أعالج هذا المبدأ على ضوء معطيات العلم الشرعي، مترسما خطوات يقتضيها منهج البحث الصارم الذي لا ينصاع للذاتية ولا يأتمر بالإديولوجيا، وإنما يستجمع الحقائق ويتحرك من خلال تناقضاتها ليجري بينها تقابلات جدلية تفضي إلى انبثاق فكرة هي الصواب.
أما ما تعتمده بعض النخب من فرض الفكرة الواحدة وإلغاء ما سواها، ومن تقديم الفكرة المفروضة على أنها جبرية حديثة لا يسع المرء أن يخالفها أو يقف ضدها، وإلا عرض نفسه للقصف والتبخيس، وهذا محض مصادرة لطلاقة الفكر ولحريته.
وإذا كان القدماء يعيبون على من يستكين للفكرة الواحدة، ولا يضم إليها أثناء البحث والنقاش ما يناقضها، ويرون ذلك مسلكا غير سليم، فإن مواخذة المحدثين بهذا الفعل ستكون أمرا أشد لزوما، ما دام هؤلاء لا يكفون عن التلويح والإشادة بحرية الفكر وطلاقته .
الدعوة إلى المساواة ضمن كتلة من الدعوات
تتكرر المناداة بالمساواة ضمن كتلة من دعوات متتالية تطالب المجتمع المغربي بالتخلي عن بعض ثوابته في صيغ ملتبسة تشي بأن وراءها دسيسة مشروع كامن يترقب أن يخترق المجتمع، وهو أكبر من أن يكون مجرد أفكار بريئة انبثقت في ذهن شخص بعد إعمال جيد للفكر في لحظة إشراق وصفاء ذهني، ثم بزغت الفكرة وتحمس لها وصار يدعو إليها مبتهجا بها، على نحو ما ابتهج أرشميدس لما اكتشف الوزن النوعي، وغدا يلهج بذلك في الشوارع.
لقد واجه المجتمع المغربي هذه الدعوات الجديدة بشيء غير يسير من الارتياب والتوجس، لأن مطالب هذه النخب التي ترفع هذه المطالبات، وتقدم نفسها على أنها نخب تنويرية حداثية تحمل مشروع التغيير والتطوير، قد عودت المغاربة على إعلان مطالبات تبرز في صور مريبة تبعث على الشك والتوجس، وقد تبدت تلك المطالبات في تنسيق كتائبي ظاهر کشف عن أن الأمر يتعلق بمشروع فكري مرصود سلفا، غايته تفكيك القيم وبعثرتها وخلخلة التماسك المجتمعي، وتعريض المجتمع للتداعي.
وقد أدرك هذا الجمهور المستهدف بمحض عبقريته وذكائه وصفاء ذهنه أن وراء هذه الحملة المتعاقبة الفقرات والمتصدية للقيم والثوابت والروابط الاجتماعية كتيبة من العاملين، من أفرادها منظرون ومخرجون للمشروع وموزعون للأدوار، وشخوص تؤدي الأدوار الأساسية ومبارسات، تؤدي أدوارا هامشية ثانوية من المشروع، إضافة إلى مواكبة ومؤازرة من فريق من الذباب الإلكتروني الكثيف الذي يتلقف الدعوات ويطنطن بما ويطريها ويبرزها على أنها هي وحدها فكر حر حداثي يتجه إلى المستقبل.
فلهذا كله، فإن الحس الديني والوطني قد تفطن لخلفيات هذه المطالب، ثم استيقن مجافاتها للإنية المغربية، ولم يكن كل ذلك منه عن تعصب للقديم لأنه قديم، أو رفض للحديث لأنه حديث، وإنما كان ذلك موقفا مبدئيا أنتجه التفكير الصادق، وأملاه الحرص على سلامة المجتمع، وإلا فإن المغرب طالما تقبل في تاريخه مشاريع تحديدية جريئة، وتعامل معها إيجابيا لما أدرك صحتها وجودتها وتماهيها مع الهوية المغربية.
وعلى أي حال، فإن المساواة ليست مبدأ حديثا ولا غريبا عن الثقافة المغربية حتى يبشر به الآن بكل ذلك الإلحاح والإصرار وبتلك الشراسة التي تزحف على الثوابت .
وقد كانت المساواة دوما في العمق من وعي الفلاسفة والمفكرين عبر تاريخ الإنسانية، ثم تأكدت خلال المرحلة الإسلامية بعدما انسجم مبدأ المساواة واتسق مع جميع مقررات الإسلام وأحكامه التي احتضنتها واستدمجتها منظومته التشريعية.
لتحميل هذا الدراسة كاملة المرجو الضغط على الرابط أسفله :
تحميل دراسة فضيلة الدكتور مصطفى بن حمزة تحت عنوان عن المساواة المؤسسة للامساواة
تعليقات 0