القضاء المستعجل في مادة الشغل

  • من إعداد : عدنان بوشان باحث في قانون الشغل و العلاقات المهنية.

تـقـديـم :

   يعتبر قضاء المستعجلات فرعا من فروع القضاء المدني وهو متميز عن كل من العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي، فهو قضاء مختصر واستثنائي وقضاء سريع، وقد تم تعريفه بكونه قضاء يقصد منه الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة.

   لقد تناول المشرع المغربي مسطرة قضاء المستعجلات في الفصول 149 إلى 154 من قانون المسطرة المدنية، إذ تعتبر هذه المسطرة من بين المساطر المعروفة قانونا سواء في المادة المدنية أو التجارية أو الإدارية، وإذا كان المشرع المغربي قد أفرد لكل من المادة التجارية والإدارية نصوص خاصة بمسطرة المستعجلات (م21 من ق 53.95 إ م ت، م19 من ق 41.90 إ م إ، م6 من ق 80.03 م ا إ) وذلك نظرا لوجود أجهزة قضائية متخصصة، فإن غيرها من المواد تبقى خاضعة لاختصاص المحاكم الابتدائية ولمسطرة المستعجلات المنصوص عليها في الفصل 149 وما بعده، وما دام أن المادة الاجتماعية تدخل ضمن اختصاص المحاكم الابتدائية بموجب المواد 18 و20 من قانون المسطرة المدنية فلا شك أن رئيس هذه المحاكم هو من ينعقد له الاختصاص بنظر كل ما يدخل في نطاق مسطرة المستعجلات وفق الفصل 149 وما بعده،

   لاشك أن لقضاء الموضوع دورا كبيرا في تحقيق استقرار العلاقة الشغلية ومحاولة خلق توازن بين عنصري الإنتاج (الرأسمال البشري و المقاولة)، خاصة وأن مادة الشغل تعتبر من بين أعقد المواد نظرا لتباين وجهات نظر طرفي العلاقة الشغلية وما قد يترتب عن ذلك من آثار، فإذا كان المشغل يبحث عن تطوير ملكيته كيفما شاء، فإن الأجير دائما ما يبحث عن تطوير مستوى معيشته وفقا لظروف ملائمة.

   كل هذه الاعتبارات تقتضي أن يكون للقضاء الوقتي أو التحفظي دورا مهما في الحفاظ على استقرار مؤقت لهذه العلاقة الشغلية، ولو إلى حين بت محكمة الموضوع في النزاع الشغلي مخافة أن يتحول النزاع من نزاع فردي إلى نزاع جماعي قد يستعصى حله وقد يؤدي إلى ضرب غاية المشرع المغربي من سنه قواعد قانون الشغل التي تتمثل في ضمان السلم الاجتماعي.

   بالرجوع إلى مواد مدونة الشغل لا نجد أي نص يشير إلى إمكانية تدخل القضاء المستعجل باستثناء المادة 543 المتعلقة بحماية سلامة وصحة الأجراء، ولا شك أن ذلك راجع إلى طبيعة مادة الشغل الموضوعية، خلاف ما عليه الحال بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي تناول مسطرة المستعجلات في قانون الشغل الفرنسي ضمن الشق التنظيمي منه فخص لها فصلا كاملا من خلال المواد  R1455-1إلى  R1455-12، حيث نصت المادة R1455-5 على أنه في الحالات المستعجلة يجوز لقاضي المستعجلات أن يأمر بجميع التدابير وذلك في حدود اختصاص مجالس العمل دون أن يتعارض ذلك مع وجود نزاع في الجوهر.

  من خلال كل ما سبق فإن التساؤل الذي سنحاول الإجابة عليه هو كالتالي:

  ما هي مجالات تدخل القضاء المستعجل في مادة الشغل وأي مساهمة من خلال ذلك في ضمان الاستقرار المؤقت للعلاقة الشغلية ؟.

  وهو ما سنحاول التطرق إليه من خلال اعتماد التقسيم التالي:

  • المحور الأول: دور القضاء المستعجل في حماية حقوق المشغل
  • أولا : وضع حد للتعدي على مكان الشغل
  • ثانيا: إفراغ الأجير المحتل للسكن المخصص له بسبب الشغل
  • المحور الثاني: دور القضاء المستعجل في حماية حقوق الأجير
  • أولا: حماية صحة وسلامة الأجراء
  • ثانيا: تمكين الأجير من شهادة الشغل
  • ثالثا: إرجاع الأجير المحمي للشغل

المحور الأول : دور القضاء المستعجل في حماية حقوق المشغل

  إن تدخل القضاء المستعجل لحماية حق الملكية غالبا ما يتمظهر لنا في المادة الشغلية إما من خلال اتخاذه للتدابير الاستعجالية اللازمة لوقف أي عرقلة من شأنها أن تؤثر على وضعية المقاولة، أو من خلال إفراغ الأجير المحتل  للمسكن الذي كان مخصصا له بمناسبة مباشرته لشغله.

أولا : وضع حد للتعدي على مكان الشغل

  يعتبر التعدي على مكان الشغل من بين الأخطاء الجسيمة التي أشارت إليها المادة 39 من مدونة الشغل والتي تجعل فصل الأجير مبررا، ويمثل هذا الاعتداء حسب منطوق المادة السالفة الذكر في استعمال أي نوع من أنواع العنف سواء الموجه ضد الأجير أو المشغل يكون الهدف منه عرقلة سير المقاولة، وغالبا ما نكون أمام هذه الحالة خلال نشوب إضراب داخل مكان الشغل يحاول من خلاله الأجراء المضربين التكثيف من وسائل الضغط على المشغل من أجل الاستجابة لملفهم المطلبي.

  لاشك أن حق الإضراب قد يزيغ في بعض الأحيان عن المسار الطبيعي له كوسيلة مشروعة هادفة يلتزم فيه الأجراء بحدوده والنطاق المسطر له من الناحية العملية، لكن قد ينقلب الوضع من وضع سليم إلى وضع شاد يخرج من خلاله الإضراب من منطقة المشروعية إلى منطقة اللامشروعية والتعدي على حق باقي الأجراء غير المضربين في الشغل وحق الملكية المتمثل في الاستمرار الاعتيادي لنشاط المقاولة،

  إذا كيف لنا أن نحمي كل من حق الشغل وحق الملكية مع ضمان حق الإضراب المشروع خاصة وأن الأمر صار يتعلق بنزاع جماعي ليس من اختصاص قضاء الموضوع.

  إن الممارسة العملية والعمل القضائي الاستعجالي قد استقرا على انعقاد الاختصاص للقضاء المستعجل في مثل هذه الحالة متى ما توفر كل من عنصر الاستعجال وعدم المساس بالجوهر، كل ذلك تحت مبرر حماية حق الملكية ومعه استمرارية نشاط المقاولة وتطوير الاقتصاد الوطني.

  ولابد حتى يمكن لقاضي المستعجلات من التدخل في هذه الحالة ثبوت أن هناك عمل غير مشروع يتجلى في عرقلة سير المقاولة، كاحتلال أماكن الشغل أو تخريب الآليات اللازمة لنشاط المقاولة أو منع شاحنات من الخروج من مكان الشغل أو منع غير المضربين من بلوغ أماكن الشغل.

  حيث جاء في قرار استعجالي أن منع أجراء شركة دخول وخروج البضائع يشكل ضررا لهم ولمشغلهم ويبرر تدخل القضاء المستعجل برفع المنع وإزالة الحصار المضروب على الشاحنات المحملة بالسلع.

  وجاء في قرار استعجالي بفرنسا أن طرد الأجراء المضربين المحتلين لأماكن الشغل بالاستناد على فكرة احترام حق الملكية والتعدي الحاصل على هذا الحق.

  من كل ما سبق يمكننا أن نتساءل عن مبررات تدخل القضاء المستعجل في رفع التعدي عن أماكن الشغل؟

  الملاحظ أن القضاء المستعجل المغربي قد أسس تدخله في مسألة رفع التعدي عن مكان الشغل على مصلحة المقاولة، ذلك أن احتلال أماكن الشغل من جانب المضربين سيكون له آثار اقتصادية على المقاولة لا محالة من حيث التمويل أو استمرار نشاط المقاولة أو استقرار الأجراء غير المضربين في شغلهم، فيما نجد أن القضاء المستعجل الفرنسي قد أسس تدخله على وجود اضطراب غير مشروع يبرر هذا التدخل لمنع وقوع ضرر حال، ومعه فإن مجرد الاعتماد على حق الملكية وحرية الشغل لن يكونا كافيين حسب القضاء المستعجل الفرنسي لتبرير طرد الأجراء المحتلين لأماكن الشغل ما لم يوجد خطر داهم في الحاضر أو المستقبل على المقاولة.

مقال قد يهمك :   التعويض عن حوادث السير في التشريع المغربي و المقارن

  يتضح لنا جليا أن غالبية القرارات الصادرة في قضايا الإضرابات والحريات النقابية والاعتصامات كانت دائما لصالح المقاولات، غير أن هناك قرار فريد من نوعه صدر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس والذي قضى برفض طلب الجهة المشغلة بخصوص إفراغ الأجراء المضربين داخل المقاولة، مبررا ذلك بعدم ثبوت لا مشروعية إضراب المدعى عليهم وقد اعتمد هذا القرار على الاجتهاد القضائي المقارن في تبريره لهذا القرار.

ثانيا : إفراغ الأجير المحتل للسكن المخصص له بسبب الشغل

 لقد تناول المشرع المغربي مسألة سكنى الأجير بسبب الشغل ضمن مقتضيات المادة 77 من مدونة الشغل، وحسب هذه المادة فإن إنهاء عقد الشغل كيفما كان سبب هذا الإنهاء يفرض على الأجير إخلاء أو إفراغ السكن المخصص له نتيجة للشغل الذي كان يزاوله وإرجاعه إلى المشغل وذلك في أجل أقصاه ثلاث أشهر من تاريخ إنهاء العقد، لكن ماذا لو رفض الأجير إفراغ السكن وإرجاعه إلى المشغل فهل يجوز لهذا الأخير مراجعة قضاء الموضوع أم القضاء المستعجل ؟.

  إذا كان القانون المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكن للبوابين في البنايات المعدة للسكن قد حدد الجهة القضائية المختصة بإفراغ البواب من المسكن الذي كان يشغله في قاضي الأحكام المستعجلة، فإن مدونة الشغل لم تعمد إلى تحديد هذه الجهة المختصة بإفراغ الأجير المحتل للسكن بدون سند، فهل يمكن القول بانعقاد الاختصاص لقاضي المستعجلات اعتمادا على القياس؟.

  تؤكد مجموعة من القرارات القضائية على اختصاص قاضي المستعجلات في هذه المسألة، ففي أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة صرح من خلاله أن إنهاء رابطة الشغل يجعل الاستمرار في شغل المحل احتلال غير مبرر يبرر اختصاص قاضي المستعجلات لطرد المحتل،

  وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض) أن احتلال المدعى عليها للمحل المتنازع بدون حق ولا سند قانوني يستوجب معه إفراغها بصفة استعجالية.

  يتبين معه أن العمل القضائي قد استقر على منح الاختصاص في دعاوى إفراغ المحتل بدون سند إلى قاضي الأمور المستعجلة، ففي قرار آخر للمجلس الأعلى (محكمة النقض) صرح من خلاله أن الاحتلال بدون سند بطبيعته هو طلب استعجالي لما ينشأ عنه من حرمان حال لمن له الحق في الانتفاع بمحله (قرار المجلس الأعلى عدد 666 مؤرخ في 14 فبراير 2011 ملف مدني عدد 3145/1/3/2010 غير منشور)

  نفس التوجه نجده لدى القضاء اللبناني حيت صرحت محكمة التمييز اللبنانية في قرار لها أن رفض الأجير الإفراغ واستمراره شغل المحل بعد صرفه من الخدمة، يعتبر احتلاله هذا بدون سند أو صفة قانونية وجاز بذلك طرده منها بواسطة القضاء المستعجل.

  يظهر من خلال ما سبق أن للقضاء المستعجل دور كبير في حماية حقوق المشغل سواء من خلال حماية مكان الشغل وبالتالي توفير سلاسلة في استمرار النشاط الاقتصادي والحركة الاقتصادية أو من خلال حماية السكنى المخولة للأجراء بسبب الشغل، وهي حماية تعززها أوامر قضائية استعجالية على مستوى الممارسة، فهل نفس الشيء ينطبق على حقوق الأجراء وهل يمكن تصور تدخل القضاء المستعجل لحماية هذه الحقوق سواء على المستوى النظري أو العملي؟.

المحور الثاني : دور القضاء المستعجل في حماية حقوق الأجير

  إذا كان تدخل القضاء المستعجل من أجل حماية حقوق المشغل ومعه المقاولة بين وواضح، فإن تدخله لحماية الطرف الآخر الذي يمثله الأجير غالبا ما يقتضي الاستنباط و البحث عن مبررات تسمح بإمكانية هذا التدخل، في ظل غياب نص صريح بمدونة الشغل باستثناء المادة 543، خاصة إذا تعلق الأمر بحماية صحة الأجراء وسلامتهم داخل مكان الشغل أو حماية الحق في الشغل أو حماية الحق النقابي.

أولا : حماية صحة وسلامة الأجراء

   اعتبارا للمكانة التي يحتلها القضاء المستعجل ولاسيما وأن الأوامر التي تصدر عنه تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون فقد عملت مدونة الشغل على تكريس هذا النوع من القضاء فيما يتعلق بحفظ صحة وسلامة الأجراء، وهو ما من شأنه تخويل الأجراء بعض الضمانات الحمائية، وهو ما يجعلنا نطرح الأسئلة التالية، كيف يتدخل القضاء الاستعجالي في حفظ صحة وسلامة الأجراء وما هي الإجراءات المتخذة في هذا الإطار؟.

  إن قاضي المستعجلات لا يتدخل هكذا من تلقاء نفسه وإنما لابد من أن يرفع له الأمر من قبل العون المكلف بتفتيش الشغل خاصة في الحالة التي يخل فيها المشغل بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحفظ صحة وسلامة الأجراء إخلالا من شأنه تعريض الأجراء لخطر حال دون غيرها من الحالات، بمعنى أن تدخل القضاء المستعجل لا يتم إلا في الحالة التي يكون فيها الخطر الذي يهدد صحة وسلامة الأجراء خطرا حالا.

  حيث يقوم العون المكلف بتفتيش الشغل بتوجيه المحضر الذي أثبت فيه امتناع المشغل عن الامتثال لمضمون التنبيه الذي وجهه إليه، إلى رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بمقال، وفي إطار بت هذا الأخير في الملف تبقى له كامل الصلاحية والسلطة التقديرية كما حددها الفصل 149 من ق م م، في اتخاذ كل التدابير التي يراها ضرورية لإيقاف الخطر الحال الذي يتهدد الأجراء في صحتهم وسلامتهم، وله أن يمنح في هذا الإطار أجلا للمشغل كما له أن يأمر بالإغلاق عند الاقتضاء مع ضرورة تحديد مدة هذا الإغلاق والذي بموجبه لا يمكن للمشغل بأي حال من الأحوال أن يتهرب من تأدية أجور الأجراء الذين توقفوا عن الشغل بسبب هذا الإغلاق سواء كان إغلاقا كليا أو جزئيا.

  يتبين لنا من خلال ما سبق ذكره أن المشرع المغربي حاول جاهدا أن يضمن أدنى ما يمكن من الحقوق والضمانات الممكن تخويلها للأجراء المعرضة صحتهم وسلامتهم البدنية والذهنية لأخطار حالة، وخول من أجل احترام هذه المقتضيات إمكانية تدخل القضاء المستعجل لما يتميز به من خصوصيات، إلا أن هذه المقتضيات كلها من الصعب ملامستها على أرض الواقع في ظل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية التي يعرفها المغرب سواء على مستوى عدد المقاولات أو النشاطات التي أصبحت تضطلع بها أو على مستوى النقص الذي تعرفه مفتشية الشغل في عدد الأعوان المكلفين بالتفتيش.

  ونظرا لذلك فإنه كان لزاما على المشرع المغربي أن يخول إمكانية توجه الأجراء للقضاء المستعجل من  أجل التبليغ عن عدم احترام المشغل للضوابط التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة في حالة ما إذا كانت تمثل خطرا حالا يهدد حياتهم، خاصة وأن الأجراء هم بالأحرى من يكتوون بنار الأوضاع والظروف الغير الملائمة والغير المنسجمة وما تنص عليه المقتضيات القانونية وبالتالي هم الأولى بضمان حفظ صحتهم وسلامتهم.

ثانيا : تمكين الأجير من شهادة الشغل

  لقد تناول المشرع المغربي مسألة شهادة الشغل في المادة 72 من مدونة الشغل ضمن الباب الخامس المتعلق بتوقف عقد الشغل وإنهاؤه، ولو أن الأمر يتعلق بالتزام من الالتزامات التي تقع على عاتق المشغل، والذي كان من الواجب على المشغل أن يدرجه ضمن مقتضيات الباب الثالث المتعلق بالتزامات الأجير والمشغل، فإذا كانت بطاقة الشغل تسلم للأجير بموجب المادة 23 من المدونة بمناسبة قيام علاقة شغل بين الطرفين، فإن شهادة الشغل تسلم بمناسبة انتهاء هذه العلاقة بغض النظر عن سبب هذا الإنهاء، فما هي المقتضيات التي جاءت بها المادة 72 من المدونة وهل هي إلزامية وما جزاء مخالفة هذه المقتضيات تم هل يمكن للقضاء المستعجل التدخل من أجل تمكين الأجير من شهادة الشغل؟.

مقال قد يهمك :   أحمد منيرة: التنمية الاجتماعية بالمغرب في ضوء القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم (رقم 112.14)

  لقد ألزم المشرع المغربي المشغل بوجوب تسليم الأجير شهادة الشغل عند انتهاء علاقة الشغل أيا كان سبب انتهاء هذه العلاقة، حتى وإن كان الأجير قد فصل نتيجة لما ارتكبه من أخطاء فهي حق للأجير عند انتهاء العلاقة الشغلية، إلا أن تمكينه منها يقتضي منه المطالبة بها حسب ما جاء في المادة 72 من المدونة وهو ما صرحت به محكمة النقض في قرارها عدد 892 بتاريخ 21/10/2010 ملف عدد 1336/5/1/2009، ويقتضي الأمر من المشغل أن يبين في شهادة الشغل تاريخ التحاق الأجير بالشغل وتاريخ الخروج منه، ونوع النشاط أو المهام التي كان يقوم بها خلال فترة اشتغاله بالمقاولة، فماذا لو امتنع المشغل عن تسليم هذه الشهادة للأجير؟.

  تعتبر شهادة الشغل من بين حقوق الأجير الملقاة على عاتق المشغل والذي خول القانون للأجير الاستفادة منها بغض النظر عن سبب إنهاء علاقة الشغل، فهي حق يجد مصدره في كل من القانون وعلاقة الشغل، وبذلك فالمشغل ليس من حقه الامتناع عن تسليم هذه الشهادة بدعوى عدم رد الأجير ما بعهدته من أشياء تعود ملكيتها للمشغل، لأنه لا ارتباط بين هذين الالتزامين يبرر للمشغل استعمال حق الحبس، وقد نص المشرع المغربي على جزاء عدم التزام المشغل بتسليم هذه الشهادة للأجير أشارت إليه كل من المادة 72 و 78 من مدونة الشغل، فالمادة الأولى أكدت على الجزاء المدني والمتمثل في أداء المشغل الممتنع عن تسليم شهادة الشغل للأجير المطالب بها داخل الأجل القانوني تعويضا ماديا يرجع تحديد مقداره للسلطة التقديرية للمحكمة، أما المادة الثانية فأكدت على الجزاء الزجري للمشغل الممتنع عن تسليم هذه الشهادة أو عدم تضمينها لأحد البيانات الأساسية أو عدم تسليمها داخل الأجل المحدد قانونا ويتمثل هذا الجزاء في غرامة من 300 إلى 500 درهم، لكن يبقى السؤال المهم  في هذا الإطار هو مدى إمكانية تدخل القضاء المستعجل من أجل تمكين الأجير من شهادة الشغل متى ما توفر كل من عنصري الاستعجال وعدم المساس بالجوهر؟.

  إن حاجة الأجير لشهادة الشغل غالبا ما تبرره سوق الشغل وما تعرفه من منافسة لليد العاملة، إذ في الغالب الأعم أن الأجير بعد انتهاء العلاقة التعاقدية التي تربطه بمشغله يفرض عليه المنطق البحث عن شغل جديد يضمن من خلاله استقراره المادي والمعنوي، وقد يواجه من طرف المشغل الجديد بضرورة الإدلاء بشهادة للشغل تثبت كفاءته وخبرته والمهام التي سبق له الاشتغال فيها، إلا أنه في مقابل ذلك قد يتصادف مع تعنت المشغل الأول ورفضه تسليم شهادة الشغل فيكون بذلك بين نارين نار ضرورة الإدلاء بما يفيد كفاءته وبالتالي استقرار شغله، ونار تعنت وامتناع المشغل الأول من تمكينه من شهادة الشغل وبالتالي تفويت فرصة شغل جديد، وهي مسألة تقتضي السرعة بحيث لا يسعها زمن قضاء الموضوع ومساطره المعروفة بالبطء وإنما يقتضي الحال هنا تدخل القضاء المستعجل للأمر بتمكين الأجير من شهادة الشغل.

  لا شك من أن شهادة الشغل كما سبق عرضه أعلاه من شأنها أن تساهم في استقرار الشغل وبالتالي الحفاظ على الاستقرار المعيشي للأجير ولأسرته والمساهمة في اندماجه السريع في سوق الشغل واحتسابه ضمن الفئة النشيطة، خاصة إذا تعلق الأمر بالإنهاء الإرادي لعلاقة الشغل والذي يتعذر معه على الأجير الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، هي إذا كلها مبررات تقتضي تدخل القضاء المستعجل من أجل إلزام المشغل باحترام مقتضى قانوني هو من النظام العام وذلك بتمكين الأجير من حقه في شهادة الشغل.

ثالثا : إرجاع الأجير المحمي للشغل

  لقد طرحت بفرنسا مسألة صلاحية قاضي الأمور المستعجلة لإزالة التعدي على حق الأجير المحمي (مندوب الأجراء والممثل النقابي) وذلك بإرجاعه إلى شغله إذا تبين أن سبب فصله من الشغل غير شرعي ومخالف للنظام العام، إذ يعتبر الحق النقابي من أهم الحقوق الأساسية للأجير والذي نصت عليه مجموعة من المواثيق الدولية ابتداء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرورا بالعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية وانتهاء بالاتفاقية الدولية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي والاتفاقية رقم 135 الخاصة بممثلي الأجراء، كما أنه حق دستوري أولته مدونة الشغل بذلك أهمية قصوى سواء من خلال التأكيد عليه ضمن تصديرها أو ديباجتها أو من خلال مقتضياتها، وهو ما يجعل هذا الحق حقا له ارتباط وثيق بالنظام العام المطلق، فأين تتجلى إذا الحماية القانونية والقضائية لهذا الحق؟.

  إن مهام الأجير المحمي داخل المقاولة غالبا ما تتناقض أو تصطدم في بعض الأحيان مع حرية المشغل في تدبير الموارد البشرية والمادية للمقاولة التي يسهر على تسييرها، مما يجعل هذا الأجير المحمي محل تشويش وتضييق من قبل المشغل في القيام بمهامه التمثيلية أو الاستشارية، وهي ممارسات غالبا ما تنتهي باتخاذ المشغل لأحد الإجراءات التأديبية كنوع من التأنيب وإظهار عدم الرضى على الأجير المحمي، وهو الأمر الذي يجعلنا أمام متناقضين حرية المشغل في تدبير مقاولته كمبدأ يجد سنده الدستوري في حق الملكية، وبين حق الأجراء في التمثيلية والتأطير والاستشارة وهي مسائل تجد مصدرها في الحق النقابي كحق دستوري وحق من الحقوق الأساسية للأجراء، إذا كيف يمكن للقضاء التوفيق بين هاذين الحقين دون أن يرجح أحدهما على الآخر، وهل يكمن للقضاء الاستعجالي التدخل من أجل ضمان حماية حق الأجراء في العمل النقابي عن طريق مكنة إرجاع الأجير المحمي المفصول الذي لم تحترم في فصله المسطرة القانونية كما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة؟.

  لقد نصت غالبية التشريعات الوضعية على آلية قبلية لحماية الأجير المحمي مما قد يتعرض له من مضايقات، ففرضت بذلك على المشغل الذي يرغب في اتخاذ أي إجراء تأديبي العمل على مراجعة السلطة المكلفة بمراقبة تطبيق تشريع الشغل لإحراز إذن إداري بالموافقة على اتخاذ الإجراء التأديبي.

  إن نصوص مدونة الشغل قد لا تسعف بالقول بإمكانية تدخل القضاء الاستعجالي لإرجاع الأجير المحمي إلى شغله، فمكنة الإرجاع إلى الشغل تدخل في التشريع المغربي في إطار الفصل في جوهر النزاع حسب مقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل باعتبار هذه المكنة أحد الحلين التشريعين المقيدين لسلطة القضاء (تعويض مادي أو تعويض عيني)، لكن هذا لا يعني منع القضاء الاستعجالي من استخدام هذه المكنة كلما توفرت له الشروط القانونية اللازمة (الاستعجال+ عدم المساس بالجوهر) خاصة وأن الإرجاع في هذه الحالة لن يكون حلا للنزاع الشغلي بمفهوم المادة  41 من م ش وإنما يدخل في إطار الإجراءات التحفظية المنصوص عليها في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية فالإرجاع هنا إرجاع مؤقت إلى حين الفصل في النزاع بشكل نهائي،

مقال قد يهمك :   وردي: أجراس العودة

  إن هذا الحل يجد سنده كما سبقت الإشارة إلى ذلك في حماية الحق النقابي باعتباره من أهم الحقوق الأساسية للأجراء، وكذلك عدم حرمان باقي الأجراء من حقهم في التأطير والدفاع والاستشارة، وهو بذلك تدبير وقائي من شأنه الحد من النزاعات الجماعية و الحفاظ على السلم الاجتماعي، إنه لمن العيب أن لا نأخذ بهذه الاعتبارات كلها للقول بتدخل القضاء الاستعجالي في حين يعطى لهذا القضاء الحق في التدخل لإفراغ الأجراء المحتلين لأماكن الشغل جراء ممارستهم لحقهم النقابي بالاستناد على دواعي فضفاضة كحماية الاقتصاد الوطني أو المقاولة.

  ويزداد الأمر صعوبة في حالة اتخاذ الإجراء التأديبي في حق الأجير المحمي دون استصدار المشغل للإذن الإداري أو خرقه لمقرر مفتش الشغل بعدم الموافقة على الإجراء التأديبي، فأين تتجلي في هذه الحالة الحماية القانونية للأجير المحمي ولفئة الأجراء هل يكفي القول بالفصل التعسفي والتعويض على عدم احترام المسطرة الإدارية، أم أن الفصل في هذه الحالة يكون باطلا يستوجب إرجاع الأجير المحمي إلى شغله مؤقتا لمباشرة مهامه مع حقه في الأجر إلى حين البث في النزاع.

  ففي قرار للمجلس الأعلى اعتبر فيه أن كل إجراء يقوم به المشغل دون موافقة مفتش الشغل يعتبر باطلا (قرار رقم 458 ملف إج عدد 6317/85 )، وفي حكم للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء اعتبرت من خلاله أن الإجراء التأديبي المتمثل في نقل مندوب الأجراء لم تراع في إصداره المسطرة القانونية في استصدار رأي مفتش الشغل وهو ما يجعل الإجراء غير مشروع ولاغيا مما يستوجب معه إرجاع الأجير المندوب إلى شغله (حكم رقم 300 ملف عدد 91/98 بتاريخ 13/10/1999)، فعلى الرغم من أن هذه القرارات هي قرارات موضوعية تهم جوهر النزاع فإن أهميتها لا يمكن أن نتغاضى عنها في انتظار مبادرة القضاء الاستعجالي إلى الأخذ بالإرجاع المؤقت للأجير المحمي إلى شغله إلى حين البث في جوهر النزاع كما هو حال القضاء الفرنسي.

  ففي قرار لمحكمة النقض الفرنسية رقم 40042-89 بتاريخ 3 فبراير 1993 تتجلى وقائعه في رفع الأجير المحمي المفصول دون استصدار إذن إداري بذلك، الأمر أمام أنظار قاضي الأمور المستعجلة هذا الأخير الذي أمر بإرجاع الأجير المحمي إلى شغله الأصلي بنفس الأجل وبنفس ساعات الشغل،

  وفي نازلة فرنسية أخرى طالب أجير محمي من قاضي المستعجلات إرجاعه إلى الشغل مع أداء الأجر عن الفترة ما بين فصله ورجوعه إلى الشغل، وذلك جراء فصله بعد استصدار الإذن الإداري وإلغائه من طرف المحكمة الإدارية، حيث تم إرجاع الأجير المحمي من طرف قاضي المستعجلات جراء إلغاء قرار الإذن بالفصل، وقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بشرعية قرار إرجاع الأجير المحمي إلى شغله (قرار عدد 388922 بتاريخ 09 نونبر 2015).

  وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية عدد 17-13.449 بتاريخ 6 يونيو 2018  حيث جاءت وقائع هذا الملف في قيام مشغل بفصل أجير محمي بعد الحصول على إذن إداري من مفتش الشغل، هذا الإذن الذي ألغاه وزير التشغيل الفرنسي، حيث طالب الأجير المحمي بعد ذلك من قاضي المستعجلات إرجاعه إلى شغله ليتم وقف قرار الإرجاع من طرف محكمة الاستئناف وهو ما اعتبرته محكمة النقض خرقا للقانون وألغت بموجب ذلك قرارها.

  إن ما يدعم توجه القضاء الفرنسي هو صراحة المشرع الذي كان واضحا في تخويل الأجير المحمي المفصول دون إذن إداري من مفتش الشغل أو بعد إلغاء هذا الإذن في طلب إرجاعه إلى شغله أو إلى شغل مماثل له وذلك حسب مقتضيات المادة L 2422-1 من قانون الشغل الفرنسي، خلاف ما عليه حال مشرعنا المغربي.

خـاتـمـة :

  من خلال كل ما سبق يمكن القول على أن تدخل القضاء المستعجل في مادة الشغل من أجل ضمان حماية مؤقتة لطرفي هذه العلاقة، وإن كان غائبا على مستوى تشريع الشغل، فإنه على مستوى العمل القضائي الاستعجالي نجده واردا غير أن كفة حماية حقوق المشغل ترجح على كفة حماية حقوق الأجراء وذلك من خلال ما وقفنا عليه من أوامر استعجالية، إن دور القضاء المستعجل حتى وإن كان وقتيا فإن من شأنه المساهمة في استقرار علاقات الشغل وتطويرها، بما يتميز به من خصائص تتماشى وطبيعة  هذه العلاقات الشغلية، خاصة وأن عدم السرعة في إيجاد حلول لبعض النزاعات الفردية من شأنها أن تتحول إلى نزاعات جماعية يصعب التحكم فيها فيما بعد.


لائحة المراجع المعتمدة :

الكتب :

  • إلياس نصيف، آثار عقد العمل الفردي وإنتهاؤه ومجلس العمل التحكيمي، المؤسسة الحديثة للكتاب لبنان، الطبعة الأولى 2018.
  • ميمون الوكيلي، المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل، مطبعة الأمنية الرباط، الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2017.
  • محمد سعيد جراندي، الدليل العملي لمدونة الشغل، مطبعة صناعة الكتاب الدار البيضاء، الجزء الأول، الطبعة الأولى 2016.
  • ربى الحيدري، التحولات في عقد العمل بين القانون المدني وقانون العمل،المؤسسة الحديثة للكتاب لبنان، الطبعة الأولى 2015.
  • عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2015، مكتبة المعرفة مراكش، الطبعة الأولى 2015.
  • عمر أزوكار، قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل، الجزء الثالث، الطبعة الأولى 2014.
  • بشرى العلوي، الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 2014.
  • محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل علاقات الشغل الجماعية، الجزء الرابع، المجلد الأول، الطبعة الأولى 2011.
  • سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية، مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق، مكتبة دار السلام الرباط، العدد التاسع، 2007.
  • عبد اللطيف هداية الله، القضاء المستعجل في القانون المغربي، الطبعة الأولى 1998.

الرسائل الجامعية:

  • خميس جدي، سكن الأجير بسبب الشغل على ضوء القانون والقضاء، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، 2016-2017.

المقالات:

  • عبد اللطيف الشنتوف، القضاء الاستعجالي في المادة الاجتماعية بين الواقع والمأمول، مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، العدد التاسع، شتاء-ربيع 2014.
  • Clément Rival, Le référé prud’homal en la forme, vilage-justice.com.
  • Cécile Reyboe, Saisir les Prud’hommes en Référé: dans quels cas ? Quelles sont les mesures ordonnées ?, juritravail.com.
  • Maitre Jalain, Le juge des référés du conseil de Prud’hommes, juge de l’urgence, avocat-jalain.fr.
error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)