المرأة المغربية : مكتسبات قانونية وواقع إداري
محمد الخير باحث في القانون .
ظل النقاش حول المرأة وحقوقها محل تفاعل مختلف التيارات الفكرية والسياسية ، وهو ما تجسد عموما في التحولات القانونية التي شهدتها أنظمة مختلف الدول بدءا من المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية مرورا بمطابقة نصوصها سواء الدستورية أو القوانين الأخرى مع المبادئ التي تبنتها في تعهداتها ([1]) في مقابل مواكبة قضائية لتلك التحولات من خلال انفتاحه على الفلسفة التشريعية المبنية على أسس جديدة تروم تحقيق المساواة والعدل والانصاف بين متخلف افراد المجتمع وتحديدا لفائدة النساء والأطفال في مقاربة تتجاوز الابعاد الوطنية بغية تحقيق اعلى درجات تمكين المرأة سواء تعلق الامر بما هو قانوني ،أو اقتصادي او اجتماعي حتى بات مركز المرأة في المنظومة القانونية والقضائية مقياسا في مؤشرات التنمية وغيرها التي يعتد بها في تصنيف تطور تلك الدول.
وفي هذا الصدد سلك المغرب مقاربة تدريجية في معالجة المسألة الحقوقية للمرأة ، حيث عرفت المنظومة القانونية تحولات عميقة مند بداية تسعينات القرن الماضي من خلال فتح الباب على تعديل قوانين الأحوال الشخصية وما يرتبط بها من تشريعات أخرى ، مرورا بإقرار عدد من المؤسسات إضافة الى انفتاح على المحيط الدولي وتحديدا رفع التحفظات على عدد من الاتفاقيات والمصادقة عليها ، الامر الذي افضى الى تشكيل رصيد قانوني ومؤسساتي معتبر ، قبل ان تتوج مدونة الاسرة هذا المسار الطويل والشاق في دعم حقوق المرأة والطفل والتي استهدفت مراجعة جدرية للمفاهيم والقواعد التي تنظم مراكزهما وترسيخ مبادئ الانصاف والمساواة في الحقوق والواجبات .
وبقدر ما كانت حقا هذه المدونة حدثا تاريخيا هاما في الشكل والمضمون فإن تطبيقاتها بعد ازيد من ستة عشر سنة ما زالت تحيط به عدد من الاختلالات ،حتى بات التساؤل مشروعا حول الارتدادات التي عرفتها ، وما اذا كان الامر يتعلق بأزمة نص أو أزمة تطبيق ؟
وهكذا من خلال استقراء جانب من مظاهر الاختلال في تطبيقات المدونة في علاقتها بالمبادئ التي أقرتها يمكن رصد عدد من الإشارات والتي توحي بأن المرأة ما زالت تعاني من تبعات قصور في الفهم وسوء في التطبيق يفاقم من حدته غياب او ضعف التنسيق بين الإدارات و الجهة الموكول اليها ابداء التفسير السليم للنص القانوني على ضوء القواعد العلمية المعتمدة سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، إضافة الى عدم قدرة الإدارة في جانب اخر على مواكبة المفاهيم المتطورة التي جاءت بها نصوص المدونة لتكريس قواعد المساواة والانصاف بين الرجل والمرأة وحماية الطفل ، وسأكتفي هنا برصد جانب من هذه التطبيقات الإدارية من خلال الإشارات التالية :
أولا : ممارسة الولاية على الأطفال .
شكلت ولاية الأم على أبنائها مطلبا أساسيا للجمعيات الحقوقية النسائية في مرحلة ما قبل مدونة الاسرة قي ظل وضع لم يكن يعترف لها بحق الولاية عليهم واقتصاره على الاب الذي لم يكن فقط يعكس عدم المساواة بين الطرفين ولكن كان يكرس نظرة قاصرة الى دور المرأة في الاسرة واعتباره موسوما بالتبعية ، وهو الامر الذي حاولت المدونة أن تحرز تقدما بشأنه بالارتقاء بالأم الى مرتبة الولي طبقا للمادة 230 من المدونة الى جانب الاب والقاضي ، تمارسها وفق شروط المحددة في المادة 231 وما يليها.
واذا كان مفهوما أن هذا التحول جاء مشروطا ، فإن الممارسة الإدارية افتقرت الى المواكبة الفعلية سواء على مستوى الوثائق المعتمدة من طرف الإدارة أو العمل الإداري والقرارات المرتبطة بها حيث ظلت النظرة التقليدية الى المرأة وصلاحيتها للولاية على أبنائها هي التي تغلب على جانب كبير من هذا العمل ، ويتفاقم الأمر في بعض القطاعات التي يفترض أن تحمل لواء نشر ثقافة المساواة والحقوق والواجبات المتبادلة للأجيال المقبلة ، وفي هذا الشأن لوحظ أن بعض مؤسسات التعليم الثانوي تتمسك بإثبات نيابة الام عن أبنائها القاصرين من خلال تكليفهم الادلاء بوثيقة صادرة عن القضاء بهذا الخصوص رغم تحقق شروط المادة 231 من مدونة الاسرة كما في ملفات الاستفادة من المنحة الجامعية على سبيل المثال، والعلة التي تسوقها الإدارة في هذه الحالات ضرورة تعزيز الملف بوثيقة تثبت هذه الولاية ، رغم ان الامر في حقيقته يتعلق بمقتضى قانوني واجب التطبيق من جميع المؤسسات الإدارية منها والقضائية دون حاجة الى اثباته بقدر ما التحقق في شروط تلك الولاية.
والامر نفسه سجل في القيود التي تصادف مساطر الاستفادة من بعض برامج الدعم الاجتماعي كما هو الحال بالنسبة للولوج الى برنامج تيسير ” للتحويلات المالية المشروطة في اطار الحد من ظاهرة الانقطاع المدرسي حيث تصادف النساء صعوبات في الاستفادة من التعويضات المخصصة باعتبار أن الاب هو من جرت العادة على تعبئة بيانات الأبناء المتمدرسين بصفته ولي أمرهم.
ويسجل الواقع كذلك معاناة المرأة المغربية من صعوبات جمة في استصدار جانب اخر من الوثائق الإدارية الخاصة بالأبناء سيما في حالة انتهاء العلاقة الزوجية أو وجود نزاع قضائي مع والدهم أو غيبته أو غيرها من الأسباب التي تحول دون قيام الاب-الولي- باستصدارها من قبيل جوازات السفر ، حيث لوحظ أن بعضا من الإباء يعمدون الى التملص من تجديد وثائق أبنائهم سيما متى كانت الإقامة الاعتيادية للحاضنة خارج ارض الوطن أو حتى تغيير عناوينهم وصعوبة التواصل معهم وهو ما يهدر مصالح الطفل والام على حد سواء ، في حين أن مدونة الاسرة تولت حل هذه المعضلة ولو جزئيا حين اتاحت بموجب المادة 236 للام أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للاب( [2]).
أما على صعيد المؤسسات الخاصة فالأمر لا يخرج عن تلك القاعدة ، ويكفي الإشارة هنا الى مطالبة بعض المؤسسات البنكية للمرأة بإثبات نيابتها الشرعية عن الأبناء رغم تبوث وفاة والدهم وتحققها بقوة القانون ، إضافة الى افراغها من محتواها بالزامها استصدار اذن قضائي لسحب المبالغ المودعة لفائدتهم لديها، مع ما يعنيه الامر من هدر للحقوق و للجهد والوقت في إجراءات غير ذات جدوى ، وهنا لا بد من التأكيد أنه لئن كان القضاء قد تعامل بنوع من الليونة واليسر في حل جزء من هذه الاختلالات حماية للطفل والمرأة في بداية تطبيق المدونة وضرورة استيعاب فلسفتها ومضمامينها ، فانه بات من غير المستساغ السير في نفس الاتجاه وضرورة الحرص والحزم في التطبيق السليم للقانون باعتباره نصا واجبا التطبيق من الافراد و الإدارة دون عقبات .
ثانيا : انتقال المحضون الى خارج أرض الوطن
يعتبر سفر المحضون الى خارج أرض الوطن من بين الإشكاليات التي تثار بمناسبة تطبيق مدونة الاسرة سواء في مرحلة استمرار العلاقة الزوجية أو اثناء المنازعة القضائية غير أنها تطرح بحدة اكبر بعد انتهاء تلك العلاقة سيما لارتباطه الشديد بحق غير المحضون في الزيارة وبسط رقابته عليه وتدبير شؤونه وتتبعه ، فاذا كانت المادة 179 من المدونة قد اشارت الى إمكانية تضمين قرار اسناد الحضانة أو في قرار لاحق منع السفر بالمحضون الى خارج ارض المغرب دون موافقة نائبه الشرعي ، أو اللجوء الى قاضي المستعجلات في حالة الرفض لاستصدار اذن بذلك بعد التأكد من الصفة العرضية للسفر ومن عودة المحضون الى المغرب ، فإن التطبيق الإداري لهذه المقتضيات شابه خلل بين من خلال اشتراط الاذن المسبق للنائب الشرعي قبل مرافقة المحضون لحاضنته والسفر خارج البلاد في جميع الحالات ، في حين أن الأصل هو حرية التنقل سواء داخل ارض الوطن أو خارجه الا بقيد قانوني مادام أن ذلك لا يحول دون تنفيذ الأطراف لالتزاماتهم ، وأعتقد أن المادة 179 جعلت تقييد حرية المحضون وسفره بمعية حاضنته الى خارج ارض الوطن استثناء بدليل وجوب الإشارة الى هذا القيد في الحكم القضائي القاضي بالحضانة أو في حكم لاحق ، كما أتاحت حتى في حالة عدم موافقة الاب على السفر استصدار اذن قضائي . وقد امتد الخلط في العمل الإداري بين الاذن الصادر في اطار المادة 179 والتي تتعلق بالإقامة الاعتيادية داخل ارض الوطن للحاضنة والمحضون ، وغيرها من الحالات التي تكون فيها تلك الإقامة الاعتيادية للحاضنة في الأصل خارج المغرب قبل المنازعة القضائية والتي لا يجب أن تخضع للقيد الوارد فيها .
ثالثا : عدم التقيد ببعض المفاهيم القانونية
تميزت مواد مدونة الاسرة بمراجعة شاملة لعدد من المصطلحات والمفاهيم التي كان تضمنها قانون الأحوال الشخصية ، كما ان المراسيم والقرارات الصادرة تطبيقا لبعض موادها سارت في نفس اتجاه الفلسفة والاهداف التي ابتغت تحقيقها ، الا أنه ذلك لا يمنع من تسجيل بعض الاختلالات في هذا الشأن من قبيل عدم احترام الشهادات الإدارية الخاصة بالمخطوبة للمصطلحات الواردة في القرار المشترك لوزير العدل ووزير الداخلية والصادر في 2/3/2004 ([3]) بتضمين مصطلحات أخرى من قبيل ، بكر ، أم عازبة الخ … رغم أن النموذج المعتمد في هذه الشهادات لم يرد فيه أي من تلك العبارات المستعملة والتي قد تحمل على انها انتهاك لخصوصيات المرأة وامتهان لكرامتها .
رابعا : الدفع السلبي باللجوء الى القضاء
اذا كان تطبيق النصوص القانونية من مهام القضاء فان ذلك يكون بمناسبة النزاعات المعروضة عليه والبت في القضايا المثارة ، وعلى الرغم من الدور المحوري الذي تبوأه القاضي الاسري في تطبيق مدونة الاسرة ، الا أن ذلك لا يحول دون القول ان التطبيق السليم للقانون مسؤولية جميع الأطراف افرادا كانوا ، مؤسسات ومجتمع مدني ، كما تبقى الإدارة من أهم الفاعلين في تحقيق رهان المساواة بين الرجال والنساء من خلال فهم حقيقي للمدونة يتماشى مع المكتسبات التي حققتها الاسرة المغربية سواء بالنص القانوني أو التفسير القضائي السليم للقاعدة القانونية ، وبطبيعة الحال فإن هذا لا يتحقق في ظل منطق الدفع باللجوء الى القضاء من طرف الإدارة قبل تحقيق الخدمة الإدارية للمرأة والطفل بمناسبة طلبها فيكل وقت وحين ما دام ان عددا من الحقوق يبقى مصدرها القانون ولا يحتاج سوى الى تفعيل حقيقي من منطق المسؤولية دون تملص او تأخير غير مبرر أو مقنع ، فعدد من مرتفقي أقسام قضاء الاسرة من النساء والأطفال يؤكدون في طلباتهم الى أنهم تقدموا الى الإدارة في سبيل بلوغ الخدمة المطلوبة الا أنها اشترطت استصدارهم لاذن أو موافقة أو حتى حكم قضائي من أجل الاستجابة لها -طبعا في غير الحالات التي يشترط فيها القانون ذلك – وهو ما من شأنه أن يجعل الضمانات القانونية والمكتسبات المحققة محدودة الأثر .
وختاما يظل الرقي بالحقوق الدستورية والقانونية للمرأة والطفل يقتضي معالجة شاملة لنظام الخدمات الإدارية المقدمة يراعي مختلف التحولات التي عرفتها المنظومة القانونية الوطنية والنهل من التفاسير القضائية الموحدة لعدد من النصوص وترسيخ ثقافة المساواة والحماية الإدارية للمرأة والطفل بموازاة مع الحماية القانونية والقضائية المكتسبة ، فالاحتكاك اليومي بالإدارة ومنطق السرعة في تقديم الخدمة المستحقة من شانه أن يساهم في بلوغ تلك الأهداف من معطى أساسي هو أن القانون شرع ليطبق من طرف الجميع وفي أجل معقول ، الأمر الذي قد لا يسايره منطق الإدارة المحافظة غير الفاعلة والمتفاعلة مع محيطها القانوني والقضائي والمشوب عملها في كثير من الأحيان بالحدر ، ولعل دروس جائحة كوفيد 19 وتبعاتها على النسيج الاقتصادي والاجتماعي كفيلة بان نحسم في اختياراتنا التنموية من خلال دعم مركز المرأة المغربية وضمان التمكين الاقتصادي والاجتماعي بما يتناسب ودورها الحقيقي في المجتمع ، ويبقى اليوم الوطني للمرأة هو مناسبة للتفكير في مستقبل مجتمع ما بعد الجائحة ودور المرأة المغربية فيه بعد مساءلة متخلف البرامج الاجتماعية والاقتصادية السائدة ، وحتما مجتمعات ما بعد الجائحة لن تكون كما قبلها .
الهوامش :
1) من قبيل اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة المعروفة اختصارا باتفاقية “سيداو” المتعمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة1979 والتي دخلت حيز التنفيذ في 1981 .
2)نصت المادة 236 من مدونة الاسرة أن الاب هو الولي على أولاده بحكم الشرع ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي ، وللام أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب ، الا أن الملاحظ أن جانبا كبيرا من الإدارة تساهم في تغييب هذا المقتضى من خلال فهم غير ملائم للنص القانوني وتطبيق غير سليم.
3) قرار مشترك لوزير الداخلية ووزير العدل رقم 321-04 الصادر بتاريخ 2/3/2004 بتحديد بيانات الشهادة الإدارية الخاصة بالخطيبي.
تعليقات 0