المريني: الحق في الرد مكـــفــول على شتائم الأستاذ جعفر حسون
عبد الوهاب المريني
نشرت منذ أسابيع ؛ مقالة في المجلتين القانونيتين الإلكترونيتين؛ مجلة العلوم القانونية Maroc droit؛ ومجلة مغرب القانون Maroc law تعليقا علي مقال كان نشره الأستاذ نقيب هيأة المحامين بالدار البيضاء؛ تعقيبا منه علي رأي للسيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء؛ بخصوص عدم وجوب تقديم طلب التصريح بالتسوية القضائية ؛ بواسطة محام .المسألة أثارت في نفسي حمية النقاش ؛ فكتبت بضعة أسطر في الموضوع ؛ حرصت فيها بقدر ما أستطيع علي الموضوعية المطلوبة في أي تعليق علمي .
منذ بضعة أيام ؛ قبل العيد ؛ كلمني أحد الفضلاء من الأصدقاء؛ وفي سياق الحديث أشار للمقالة المذكورة ؛ موافقا علي بعض ما جاء فيها ومخالفا البعض الآخر ؛ وهو أمر طبيعي وعادي ؛ وفي نفس الوقت سألني عن رأيي فيما كتبه الأستاذ جعفر حسون تعليقا علي الموضوع . أجبته؛ أن لا علم لي بذلك وسألته عن موقع النشر؛ فعدت له أبحث حتى عثرت عليه. قرأت المقال علي شاشة الحاسوب ؛ ثم قمت بطبعه علي حامل ورقي ؛ كيي أتبين بوضوح محتواه ومضمونه .
تضمن مقال الأستاذ حسون المُوقَّع بصفته مستشارا قانونيا ؛ تعليقا وتعقيبا مطولين موجهين في آن واحد لما كتبه الأستاذ النقيب ولما كتبته .وهو ما يهمني بصفة مباشرة .(مقال الأستاذ حسون على الرابط)
قام الأستاذ حسون في جزء المقالة المخصص للرد علي كلامي ؛ برصد وتتبع دقيقين لكل كلماتي وعباراتي وآرائي ؛
مع العمل علي تفنيدها وهدمها كلها؛ إذ لم يجد لي فيها ؛ قولا مقبولا !!.
أن يتتبع معلق ؛ الكلام المعلَّـق عليه ؛ بتلك الحماسة والدقة ؛ فهو أمر محمود ويدل علي عناية بما يقرأه .
لكن شتان بين التتبع بحسن نية ؛ والتتبع بغيرها .
قررت الرد ؛ ولكن فقط فيما يخص الهجوم الشخصي ؛ دون الخوض في الجانب الموضوعي ؛لأني وجدت تعليقاته مغموسة في حبر الأنانية والنرجسية والسادية الفكرية ؛ فكل كلام غير كلامه غير صحيح ؛مما يجعل المناقشة في الجوهر غير ذات معنـي . وربما أعود يوما لكتابة مقالة علمية في المواضيع والقضايا المثارة ؛ ولكن ليس في سياق الرد ؛كما اليوم .
للسجال والمناقشة العلنية المفتوحة ؛ وبلغة العصر ؛ التفاعل مع ما يكتب ويقال ؛ قواعد وضوابط تتعلق بالشكل والجوهر؛ ما يهمني اللحظة فيها هي الأولي .
من أهم هذه القواعد ؛ اللباقة واللياقة في أسلوب وكلمات التعليق علي كلام الآخر ؛ وعدم استعمال كلمات جارحة أو جمل تفتقد الذوق السليم في القول والكلمة ؛ أو يضعف فيها واجب التقدير والاحترام للغير الذي نتكلم عنه ]؛ الالتزام بحرفية كلام الغير وعدم تحريفه .
لكن؛ مع الأسف الشديد ؛ فقد تجاهلت مقالة الأستاذ حسون هذه القواعد ؛ إذ انتهج فيها سبيلا آخر ؛ مناطه الهجوم الشخصي ؛ دون أن أعرف سبب ذلك ؛ فلا علم لي بوجود علاقة سابقة به حتي تقوم بيننا عداوة تدفعه لكل تلك الشتائم .
وردا علي ذلك أقول :
1) عندما يكون موضوع الكتابة ؛ تعليقا علي ما كتبه شخص آخر ؛ سواء كان ذلك في إطار مصنف منشور في شكل كتاب ؛ أو صورة مقالة ؛ فإن ما سار عليه العرف العلمي في هذا المجال ؛ عربيا وغربيا ؛ هو الإشارة إلي صاحب الرأي المعلق عليه ؛ إما باسمه وصفته المهنية أو العلمية ؛ أو بإحدي كلمتين ” الكاتب ” أو “الباحث “. أو فقط إذا عصي ذلك علي قلمه ونفسه كما عند الأستاذ حسون ؛ باسمه مع كلمة السيد فلان .
بدأ الأستاذ حسون كلامه عني ؛ بقوله ” انبري للإسهام في هذا النقاش من أساتذتنا الجامعيين الدكتور عبد الوهاب المريني؛ في دراسة ….”
أ ) إن الصفتين ” أساتذتنا الجامعيين ” و ” الدكتور “إن كانتا تبدوان ظاهريا دالتين علي الاحترام واللياقة؛ فالحقيقة أنهما ملغومتان بما سيتضح بعده من صور اللمز والغمز التي امتلأت بهما صفحات التعليق .فالقصد منهما النيل من الصفتين؛ وهذا أسوأ علامات وصور قلة العفة . فنحن نعلم بالتجربة ؛ أنه عندما نريد الغمز من أحد نستعمل صفة الدكتور بكثير من التفخيم مع قليل من التوقير .
وإذا كانت الصفة حقا لي مشروعا ؛ نلته بجهدي وعملي ؛ بشهادة خيرة أساتذة الجامعة المغربية ؛ فإنني مع ذلك كنت دائما أرفض استعمالها وأطلب من مخاطبيَّ استبعادها ؛ ولكن لا غالب إلا الله ؛ فقد أصبح استعمال الصفة لازمة كلازمة الشعر ؛ في الكلام عن أستاذ جامعي ؛ وحتي عن غيره ؛ ولا أنفي أن البعض يحبها ولا يبغي عنها بديلا . لكن الصفة ربما تزعج الأستاذ حسون ؟
ب ) بعد ذلك ؛ بدأ الأستاذ حسون يستعمل بصفة منتظمة وصفا غير معتاد في الكتابات الفقهية المحترمة ؛ وهو كلمة” الدارس ” ، ” يقول الدارس ، ” يبدو أن الدارس” ،”لعل أستاذنا الدارس “.
رغم أن الجذر الفعلي للكلمة ؛ درس؛ وهو فعل ذو معني شريف ومقبول ؛ لكن الظاهر والخفي في كلام الأستاذ حسون ؛ هو فقط اللمز والتقليل إن لم يكن التحقير؛ فلم يطاوع الأستاذَ حسون قلمُه بكلمة غيرها ؛ ولكأنما انمحت من القاموس كل الأوصاف الأخري .
ج ) عندما لا يوافق رأيُ الآخر ؛ رأيَ المعلق ؛ فقد جري العرف العلمي الرصين علي القول ” خلافا لما يراه فلان ؛ فإن الرأي عندي هو كذا وكذا ؛ أو أنني لا أوافق فلانا في رأيه فيما يتعلق ب…لكن الأستاذ حسون ؛له طريقة أخري في التعامل مع الغير ؛ فقد أصر بصورة غريبة علي استعمال وصف غير مناسب وغير لائق ؛ وهو الضياع الفكري ؛حيث كتب يقول عني ” إن الدارس ضاع بين المعني اللغوي ..” وفي مكان آخر ” إن أستاذنا الدارس قد ضاع بين مفهومين “[ لاحظوا صيغة التهكم في العلاقة بين” أستاذنا “و ” ضاع ” ]
أن يختلط الأمر علي طالب مبتدئ في أولي سنوات الكلية ؛ أو شخص لا علاقة له بالمجال وليس له تكوين فيه ؛ بين مفاهيم أو أفكار أو معان ، أمر ممكن ووارد ؛ ومع ذلك لا نقول له ” ضعت ” ؛ لأن الضياع ربيب الجهل والعمي الفكري ؛ وهو ما لا أظنني مصابا بأحدها .
لذلك ؛ فــــأن يصفــني السيد حسون بالضائع غير المميز ؛ فهذا شتم غير مقبول ؛ ومردود عليه .
2 ) الأصل كذلك في النقاش الفكري المحترم ؛ الالتزام بحرفية كلام الآخر الذي ننتقده ؛ وعدم تحريفه. والحال أن الأستاذ حسون ؛ لم يكتف بالتسفيه الشخصي ؛ بل اعتمد تقنية التحريف. فعندما كان يعلق علي رأيى بخصوص الطبيعة القانونية لحق الدعوي ؛ قال ” ولعل أستاذنا هنا أيضا قد ضاع بين مفهومين مختلفين…. وعلي أي حال فسواء تعلق الأمر بالحق في التقاضي ؛ كحق عام مقرر ضمن منظومة الحقوق المدنية والسياسية للأفراد غير القابلة للتصرف –……علي خلاف قول الدارس بأنها معرضة للانقضاء والانتقال ” “
في هذا الاستعراض و “النقد ” لكلامي ؛ قام الأستاذ حسون بتحريفه وتشويهه ؛ لغاية في نفسه ؛ لا يعلمها سواه .
لقد كنت كتبت : ” فالطلب ليس هو موضوع الدعوي ؛ لأن الدعوي ليس لها موضوع ؛ فهي حق إجرائي شخصي ينتمي لطائفة الحقوق ؛ وهو معرض للانقضاء والانتقال ” لم يكن في كلامي ذكر لحق التقاضي ولكن ل :حق الدعوي ؛ ومع ذلك رأي الأستاذ حسون في كلامي ضياعا وعدم تمييز بين الدعوي وحق اللجوء إلي القضاء .
3 ) في إطار متابعته الدقيقة [ وهي ميزة له ] لكل كلمات المقالة ؛ استوقفه كما قال ” تعبير مقاضاة الشخص لنفسه”، واعتبر ” أنه تعبير إذا كان يجري علي لسان العامة ؛فإنه غير متصور في إجراءات التقاضي …. و لا يصح القول بمنازعة الطالب مع نفسه “
أ – الأصل في مخاطبة الناس ؛ احترام مراكزهم وكرامتهم ؛ وعدم تسفيه كلامهم أو تحقيره ؛ لكن الأستاذ حسون له سلوك آخر؛ فـقد سمح لنفسه بوضع كلامي في درجة “لسان العامة ” قاصدا بذلك النزول به دون الموقع العلمي الذي يستحقه .
ب – إن تقنية التحريف والتشويه المعتمدة من السيد حسون ؛ جعلته يتعمد عدم بيان الصورة كاملة ؛ والإغفال عن قصد ؛ لمنطلق الكلام ومنتهاه فيما كتبته .
يرتبط الوصف الذي استعملته – علي سبيل التشبيه – بالحالة موضوع النقاش ؛ وهي ما صرح به السيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء بشأن عدم وجوب تقديم طلب التصريح بفتح مسطرة التسوية القضائية من التاجر المدين نفسه ؛ بواسطة محام .وقد اعتبرت أن هذا الطلب من قبيل نزاع الشخص مع نفسه ؛ لأن الطلب غير موجه ضد شخص آخر ؛ فضلا عن أنه مقدم للمحكمة في إطار الطلبات الموضوعية وليس في إطار الأوامر بناء علي طلب .هذا اجتهاد شخصي ؛ ليس فيه ما يتعارض مع القواعد العامة بشأن الخصومة .
أن لا يوافق هذا الوصف والتكييف ؛ هـوًي في نفس الأستاذ حسون ؛ فهذا شأنه ؛ لكن أن يسفه كلامي وينزع مني حقي في التعبير والتكييف ؛ فهذا قمة التعسف والأنانية الفكرية .
4 ) يعتبر الأستاذ حسون ؛ أن ما قلته عن مصدر استعمال كلمة “المقال ” بخصوص علاقته مع التراث القضائي المغربي ؛لا علاقة له بتراثنا الفقهي الناطق رسميا وتاريخيا ودستوريا بالعربي الفصيح ” . إنه هنا يريد أن يظهر بمظهر المنافح عن التراث ؛ ولكأنما ما قلته فيه مساس به . إن السبب في هذا التصعيد الكلامي المجاني؛ مرجعه التحريف والفهم السئ المقصود ؛ فلقد كتبت ” ولعله – أي المصطلح – مستوحي من التراث القضائي المغربي حيث كان يستعمل لفط المقال[ بسكون الميم وفتح القاف ] كناية عن القول الصادر عن الشخص الماثل أمام القاضي ؛ طلبا لإنصافه]، فهل في العبارة الواردة في صيغة التساؤل والاستفهام في حرف ” لعل ” إنكار لعروبة التراث القضائي المغربي ؟؟؟وهل “لمقال” المنطوق بالدارجة من العربي الفصيح ؟؟
لا يكتفي الأستاذ حسون بذلك ؛ بل يضيف له شتيمة أخري مما درج عليه قـلمه الذي يقطر ب الأنا؛ قائلا ” والذي يبدو أن الدارس قد ضاع بين المعني اللغوي للمقال … وبين المفهوم الاصطلاحي ..؛
ولعمري إنها قمة الغرور والأنانية والاستعلاء .
5 ) إن المسألة المستشكل فيها في كل ما كتب وقيل ؛ مسألة دقيقة ومحددة ؛ وهي هل يمكن تقديم طلب التصريح بفتح مسطرة التسوية القضائية ؛ بصفة شخصية أم يلزم بواسطة بمحام ؟؟
لقد عنون الأستاذ حسون مقالته ” تأصيل الحكم وتفصيل المقال في مسألة إلزامية الاستعانة بمحام”، وقد كان المتوقع من هذا العنوان ؛ أن يجيب الكاتب عنه ويحدد ما إذا كانت الاستعانة بالمحامي في المسألة موضوع النقاش ؛ إلزامية أم لا ؟
غير أن الأستاذ حسون فضل السباحة الحرة في المحيط ؛ حيث لا شاطئ ولا حدود ؛ قائلا : “ لم يكن رائدنا … الاصطفاف إلي جانب هذا القول أو ذاك ؛ بقدر ما كان هاجسنا إعادة الاعتبار لمناهج التأصيل الفقهي والقانوني، وإحياء أصول التفسير والتأويل القانوني ” .
أن يسائل باحث ما ؛كتابا أو مقالا من الناحية المنهجية ؛ أمر منطقي ومطلوب ومشروع؛ لكن شريطة أن يكون ملما بعلم المناهج ؛ وأن يكون له فيه علم مكتوب ورأي أو نظرية معروفة؛ لكن فيما نعلم ؛ لا نعرف للسيد حسون دراسات أو نظريات منشورة ومقروءة في علم مناهج التأصيل الفقهي والقانوني ؛ ولم نقف بعد علي حالة موت علم أصول وقواعد التفسير والتأويل القانوني ؛ حتي يكون للكاتب فضل إحيائها من موتها .
وحتــي يخفف الأستاذ حسون من عنف كلامه ؛ وغلواء أنانيته الفكرية ؛ أنهاه ؛بأن كلامه “صواب يحتمل الخطأ… وأنه فوق كل علم عليم ”
6 ) أخيرا ؛ كتب الأستاذ حسون في مقالته “… تداعيات هذا التوجه الذي يهدد سلامة الممارسة القانونية ؛ قضاء ومحاماة ؛ وفي كافة المجالات ،وتهدد الأمن القانوني والقضائي ؛ هي أكثر ما استفزني لخوض غمار هذا النقاش القانوني ؛ وقد سكت دهورا عن الكلام المباح لأسباب ليس هذا مجال ولا زمن الخوض فيها ” .
لا تهمني هذه الأسباب ؛ بقدر ما يهمـنـىي أثر السكوت .
يقص علينا القرآن الكريم قصة أهل الكهف الذين طال نومهم سنين عددا ؛ فلما أفاقهم الله من نومهم ؛لحكمة له في ذلك ؛ وجدوا العالم قد تغير ؛ وأن ورقهم [ بفتح الواو وكسر الراء] الذي كان معهم قبل نومتهم العميقة ؛ لم يعد صالحا للتبضع من السوق ؛ فعادوا إلي كهــفهم؛ حيث شملتهم رحمة الله فأماتهم ؛ وأصبحت قصتهم مثلا وذكري
لذلك ؛ أهمس بصوت مسموع في أذني الأستاذ جعفر حسون: ” قليلا بل كثيرا من التواضع العلمي والفكري ؛ وشيئا من الاحترام للغير؛ إن أردت أن يكون لكلامك مكان في الخريطة الفقهية ؛ أو عــد لصمتك وسكوتـك ؛ فقد يكون ذلك أفضل .
عذرا للقراء الكرام ولمعارفي عن ردة الفعل الطبيعية والمشروعة؛هذه ، فجرح الكلام أشد علي النفس من جرح الحسام .
وأعدهم وألتزم؛ بخصوص هذا الموضوع ؛ بالقول المشهور: رفعت الصحف وجفت الأقلام ، ولن أعود لهذا الكلام .
تعليقات 0