المسؤولية المشتركة بين الزوجين في تدبير الشأن الأسري –دراسة مقارنة–
شهد رحاب كلية الحقوق بطنجة بتاريخ 30 شتنبر 2017 مناقشة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص، تقدمت بها الطالبة الباحثة لطيفة الشدادي، ، وذلك تحت عنوان :
المسؤولية المشتركة بين الزوجين في تدبير الشأن الأسري – دراسة مقارنة
وقد تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة التالية أسماؤهم:
- الأستاذ عبد الخالق أحمدون (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة): رئيسا ومشرفا
- الأستاذ عبد الله اشركي أفقير (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة): عضوا
- الأستاذة وداد العيدوني (أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة): عضوا
- الأستاذ نزهة الخلدي (أستاذة مؤهلة بكلية الحقوق بتطوان): عضوا
وقد قررت اللجنة العلمية قبول الأطروحة شكلا، وفي الموضوع منح الطالبة درجة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا.
وفيما يلي تقرير مقتضب بأهم الاشكاليات والخلاصات التي جاءت بها الأطروحة:
إن موضوع المسؤولية المشتركة بين الزوجين في تدبير الشؤون الأسرية يعتبر من أهم المواضيع التي أثارت ومازالت تثير جدلا واسعا في مختلف المجتمعات المعاصرة، لكونها تتميز بالتعقيد نتيجة تفاعل عديد من العوامل، تجمع بين ما هو قانوني وفقهي، وما هو اقتصادي واجتماعي. لذلك استأثر باهتمام الباحثين في ميدان الأسرة، نظرا لحساسيته ولشدة ارتباطه بمستقبل الحياة الزوجية.
وكما هو متعارف عليه، فإن نظام الزواج يقوم على أساس دعامتين أساسيتين: الأولى تمثلها الزوجة، والثانية يمثلها الزوج، وبتعاونهما المشترك يتحقق بناء الأسرة. ولتكوين هذه الأسرة وقيامها بدورها في المحافظة على النوع البشري وامتداده، شرع الله الزواج، وجعله من سنة دينه، ومنهاج شريعته، مصداقا لقوله عز وجل: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”.
وعلى هذا الأساس اهتمت مدونة الأسرة بتنظيم العلاقة الزوجية اهتماما بالغا، وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، من مبادئ العدل والإنصاف والمساواة، إلى جانب المواثيق والاتفاقيات الدولية، لإعادة التوازن للعلاقات الأسرية، وخلق نظام أسري يقوم على احترام حقوق المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الأطفال باعتبارها مسؤولية مشتركة بين الأبوين.
لذلك فمن أهم المرتكزات التي اعتمدها المشرع أثناء صياغته لمدونة الأسرة هو الارتقاء بالعلاقات الأسرية إلى مستوى التدبير المشترك القائم على مبدأ التشاور والتفاوض والتعاون وتقاسم المسؤولية، وإعادة الاعتبار لمؤسسة الزواج، بالاهتمام بكل مكوناتها أبا وأما وأطفالا.
كما جعل مبدأ المساواة بين الجنسين منطلقه الأساسي وغاياته المنشودة استجابة لمتطلبات الحداثة والديمقراطية والتزاماته الدولية، واستجابة للواقع المعيش للأسرة المغربية التي عرفت تطورات وتحولات كبرى أدت إلى تطور العلاقات بين أفرادها وإلى تبادل الأدوار بين الزوجين بما يحقق المساواة بينهما في تحمل مسؤولية تسيير شؤون الأسرة.
وقد اهتم المشرع بهذا المبدأ انطلاقا من مرحلة الخطبة، إذ تتجسد مظاهر المسؤولية المشتركة من خلال تواعد كلا من الطرفين بالزواج، وحقهما المشترك في العدول عن الخطبة، وفي طلب التعويض إذا صاحب هذا العدول ضرر.
كما يتجلى مبدأ التشاور في المسؤولية أثناء قيام الزوجية من خلال أخذ المشرع بمبدأ إنشاء العلاقة الزوجية بإرادة الطرفين، وتوحيد أهلية الزواج بالنسبة للجنسين، وإلغاء الولاية على المرأة الرشيدة التي أصبحت حقا تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها ( المادة 24 من مدونة الأسرة).
كما عمل على توسيع مجال الإرادة في إبرام عقد الزواج وإنهائه، حيث ترك للزوجين فضاء واسعا لمبدأ سلطان الإرادة في إيراد الشروط وترتيب الآثار وفق رغبتهما وإرادتهما، مادامت لا تتنافى مع مقاصد عقد الزواج وغاياته وطبيعته.
وهكذا أصبحت العلاقة الزوجية قائمة على أساس الاختيار المتبادل بين الشريكين، من خلال منح الزوجة حق مشاطرة الزوج مسؤولية رعاية الأسرة وتسيير شؤونها، واتخاذ القرارات المتعلقة بالبيت والأطفال، كما تم إشراك الزوجة في مسؤولية الإنفاق على الأبناء والمساهمة في تحمل أعباء الحياة الزوجية جنبا إلى جنب مع الزوج. فالالتزام بالإنفاق يعد واجبا تبادليا على عاتق الزوجين كل بحسب إمكانياته وموارده، خاصة وأن الزوجة أضحت طرفا فاعلا ومواطنا كامل الحقوق والواجبات، وشركا حقيقيا للزوج في تحقيق التوازن الأسري.
إن التحديات الجديدة التي فرضتها التحولات الماكرو-اجتماعية سواء على المستوى الديموغرافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي كان لها انعكاس مباشر على اقتصاديات الأسر وأنماط عيشها مما جعلها تعيد النظر في قيمة العمل عند النساء، وإعادة النظر في هيكلة النوع الاجتماعي والقيم المؤطرة له داخل الأسرة والمجتمع بصفة عامة، في اتجاه تحقيق قدر كبير من المساواة في توزيع الأدوار والقرارات.
وهكذا أصبح لزاما تأطير الواقع الجديد الذي تعرفه الأسرة المغربية جراء ولوج المرأة للعمل وإقبالها الكثيف على التعليم ومشاركتها في تنمية المجتمع والأسرة بقانون يعكس المضامين الاجتماعية الجديدة ويطرح حلولا بديلة تلائم مستجدات الوضع، قانون يصحح وضع المرأة وينقلها من وضع التبعية والسلطة، ومن مبدأ الطاعة مقابل الإنفاق إلى وضع المساواة والتكامل والتشارك في الرعاية والمسؤولية الأسرية، تحقيقا للعدل وتيسيرا لدينامية الحياة الاجتماعية.
وعلى هذا الأساس جاءت المادة 49 من م.أ. بآلية جديدة تنظم العلاقة المادية بين الزوجين دون المساس بمبدأ استقلالية الذمة المالية لطرفي العلاقة الزوجية. هذا الإطار التنظيمي الذي استحدثته المدونة من شأنه العمل على ترسيخ نهج المشاورة وتبني مقاربة
التشارك بدل التفرد في كل ما يلزم الحياة الزوجية، وخصوصا الجانب المالي الذي يحتاج إلى تدبير مشترك درءا لكل الخلافات والمشاكل المترتبة عنه بعدما أصبحت المرأة مساهمة أساسية في نفقة الأسرة، وإقرارا بمجهودات كل الطرفين في تنمية الموارد المالية، وإثباتا لحقوقهما في حالة النزاع.
إن مجال تدبير وتوزيع الأموال المكتسبة أثناء فترة الزواج يجسد إلى حد كبير المسؤولية المشتركة بين الزوجين، لأن تدبير هاته الأموال يخضع لإرادتهما في حالة الاتفاق ولا يخفى ما لهذه المقتضيات من أهمية حيث أنها كرست إلغاء التمييز والتفرقة بين الرجل والمرأة في المركز القانوني، وذلك من خلال توسيع مجال الإرادة المشتركة للزوجين في تدبير وتوزيع الأموال.
ونشير إلى أنه كما تتكرس مسؤولية الزوجين على نحو مشترك عند قيام العلاقة الزوجية، يمتد سريان هذه المسؤولية حتى إنهاء هذه الرابطة، مادامت إرادة الزوجين هي التي أبرمت عقد الزواج، فإنه لا يمكن وضع حد لهذا العقد إلا إذا اجتمعت الإرادتين معا على ذلك، وهذا شأن الطلاق الاتفاقي والخلعي.
وهكذا عمد المشرع إلى تقليص إرادة الزوج في إنهاء الرابطة الزوجية، وإقامة نوع من التوازن في هذا الإنهاء، من خلال توسيع مجال التطليق مقابل الطلاق الذي يملكه الزوج، حيث نظم نوعا جديدا من دعاوى التطليق وهو عبارة عن وسيلة مخولة لكلا الزوجين في إنهاء الزوجية بسبب الشقاق، فنص على حق الزوج المضرور في المطالبة بالتعويض متى أثبت مسؤولية الزوج الآخر عن سبب الفراق. آخذا بعين الاعتبار نوع من الموازنة بين ضرر استمرار العلاقة الزوجية وإنهائها.
أهمية الموضوع ودوافع اختياره:
- رصد أهم التحولات المتعددة الجوانب التي مست بنية المجتمع المغربي وأدت إلى خلق بنيات اجتماعية واقتصادية كان لها انعكاسات على بنية الأسرة ووظائف الزوجين داخلها.
- رصد وتتبع واقع تطبيق مدونة الأسرة وما حملته من مستجدات فيما يخص المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات، ومعرفة كيفية تعامل القضاء مع النصوص المعالجة لموضوع مسؤولية الزوجين في تحمل الأعباء والتكاليف المالية للأسرة.قصد ملامسة أهم الإشكالات القانونية والواقعية التي أفرزها هذا التطبيق مع الاعتماد على مجموعة من الآراء الفقهية والاجتهادات القضائية ذات الصلة بالموضوع، وكذا الاطلاع على التشريعات الأسرية المقارنة لمعرفة كيفية تعاملها مع مظاهر التشارك في الروابط الأسرية.
صعوبـــات البحـــــث:
لا يمكن الحديث عن أي بحث دون صعوبة، وإن كانت هذه الصعوبات تختلف من موضوع إلى آخر، وذلك نظرا لارتباط البحث في تناوله بموضوعات مختلفة: الخطبة، الزواج، الشروط الاتفاقية، تدبير الأموال المكتسبة، الطلاق الاتفاقي والخلعي، التطليق للشقاق، الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، حقوق الأطفال ومستحقاتهم بعد الطلاق…الخ زاد الأمر صعوبة. فكل موضوع يستدعي دراسة خاصة للوصول إلى مضامينه والإحاطة بكل جوانبه، لاسيما أمام تعدد الآراء الفقهية والاجتهادات القضائية والمعطيات الإحصائية التي تهم الجانب العملي لكل واحد منها.
إشكالية البحث ومنهجيته:
يعالج هذا البحث إشكالا مركزيا يتمحور حول حدود التوافق والانسجام بين ما هو مقرر قي التشريع الأسري المغربي وما هو مكرس في التشريعات الأسرية المقارنة والمواثيق الدولية ذات الصلة بموضوع المسؤولية المشتركة في الروابط الأسرية.عن هذه الإشكالية الرئيسية تتفرع عدة إشكاليات يمكن إجمالها في التساؤلات التالية:
- هل استطاعت مدونة الأسرة أن تحقق المساواة في العلاقات التشاركية بين الزوجين في رعاية الأسرة وتحمل أعبائها المالية؟ أم أن مداها انحصر في الجاني المتعلق بالحقوق دون أن يطال الواجبات؟ وما هو موقف الفقه منها؟ وكيف عمل القضاء على بلورتها وتفعيلها؟
- هل يمكن المناداة بتقوية الشراكة المالية بين الزوجين بدل الشراكة المعنوية كحل للحد من انحلال الرابطة الزوجية؟ وهل استطاع المشرع المغربي أن يحقق فعلا المساواة بين الزوجين عند انحلال الرابطة الزوجية؟ وإلى أي حد ساهم في تقليص التفاوت بين الأنظمة التشريعية والعمل على فض النزاعات الأسرية؟
- هل ساهمت مقتضيات مدونة الأسرة في تكريس مبدأ التوازن عي الحقوق والالتزامات المالية التي يتحملها الزوجان بعد انحلال ميثاق الزوجية كما هو متعارف عليه دوليا؟
للإجابة على هذه الإشكالات السالفة الذكر، يقتضي الأمر إتباع مقاربة تعتمد على الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع، نظرا لخصوصية وتشعب القضايا التي يتطرق إليها، لذلك فإن تناوله يستلزم دراسة تحليلية للنصوص القانونية ذات الصلة بالموضوعومقارنتها بأحكام الشريعة الإسلامية، وبباقي القوانين العربية أو الغربية قصد معرفة مدى التباعد أو التقارب فيما بينهما في تنظيم هذا الموضوع، مع محاولة استقراء المضامين بشكل يوازي الجانب العملي، والاستشهاد بالأحكام والقرارات القضائية والإحصاءات الرسمية المتعلقة بموضوع الدراسة. كما تم الاعتماد على مناهج علمية أخرى كالمنهج الاستدلالي والنقدي لترجيح رأي معين على باقي الآراء التي قام عليها وموافقتها للشرع والمنطق السليم.
وعليه فقد تم تقسيم الموضوع محل الدراسة إلى بابين:
تم التعرض في الباب الأول: لمظاهر الاشتراك في مجال الروابط الأسرية على ضوء التشريع الأسري المغربي والمقارن عن طريق تناوله في فصلين:
رصد الفصل الأول إلى الحديث عن مسؤولية الزوجين المشتركة في التراضي على إبرام عقد الزواج من خلال التطرق لمبدأ سلطان الإرادة وتوسيع دوره في إنشاء الروابط الأسرية وفي مجال الاشتراط ومدى توافقه مع متطلبات العصر بانسجام تام مع أحكام الشريعة الإسلامية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
بالمقابل انفرد الفصل الثاني بدراسة المسؤولية المشتركة في الاتفاق على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية والذي يحددان بمقتضاه واجبات والتزامات كل الطرفين بشرط احترام أحكام مدونة الأسرة وعدم المساس بحقوق الأطفال، مع الوقوف على أوجه الائتلاف والاختلاف فيما يتعلق بمبدأ التراضي على إنهاء الرابطة الزوجية في كل من القانون المغربي والمقارن. وعلى الإشكاليات المطروحةعلى المستوى العمل القضائي وحصيلة ذلك.
مع الإشارة إلى إلزامية القيام بمحاولة الصلح والتشديد على تفعيل هذا الإجراء في جميع قضايا الطلاق والتطليق –باستثناء التطليق للغيبة- رغم وجود عوامل وإكراهات تحد من فعالية مسطرة الصلح. منها ما هو موضوعي وذاتي، ومنها ما يرجع بالأساس إلى عدم تفعيل الدور المنوط بالمؤسسات المكلفة بإجراء الصلح وتقف حاجزا دون تحقيقها للغاية المنشودة منها.
أما الباب الثاني فتم التطرق فيه لآثار الاشتراك في مجال العلاقات الأسرية على ضوء التشريع الأسري المغربي والمقارن وذلك من خلال فصلين:
فالفصل الأول تمحور حول الآثار المترتبة عن المسؤولية المشتركة عند قيام العلاقة الزوجية، سواء المترتبة عن الخطبة التي لا تعدو أن تكون تواعد رجل وامرأة على الزواج، لا يكتسي أي صبغة إلزامية من الناحية القانونية، فرغم ترتيب المشرع أثار عقد الزواج عليها المتمثل في النسب إذا ما توافرت شروطه، فإن هذا الإقرار هدفه الأساسي حماية نسب الطفل، وليس تغيير التكييف القانوني للخطبة، وهذا ما كرسته أغلب القوانين المقارنة.
كما تم التطرق إلى الآثار المترتبة عن الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الزوجين وما يترتب عنها من إخلال، مع الإشارة إلى ضرورة ضمان حقوق الأطفال ورعاية شؤونهم، وإحاطتهم بالعناية الفائقة، إذ على الأبوين أن يدركا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه أبنائهم، باعتبارهم عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للأسرة. وإن كانت هذه المسؤولية يصعب حصر فلسفتها ومعانيها وتجلياتها القانونية أساسا ناهيك عن وقعها الثقافي، فالزوج لم يعد رب الأسرة الوحيد، بل كل ما يعني الأسرة من توجهات وقرارات سواء خاصة بالأطفال أو الزوجين أو هما معا، أصبحت شأنا ثنائيا بين الزوج والزوجة.
أما بخصوص الفصل الثاني من هذا الباب فيتمحور حول حالت قيام الشقاق بين الزوجين وآليات معالجته، والوقوف على أهم الإشكالات العملية التي أفرزها الواقع والحلول المتخذة بشأنه.كما تم التعرض إلى الآثار القانونية المترتبة عن انفصام عرى الزوجية وانعكاساته على أفراد الأسرة مع رصد الاختلافات الجوهرية في تقدير مستحقات الزوجة والأبناء.
الخلاصات والمقترحات:
يتبين من خلال صفحات أن المشرع وضع أحكام عديدة غيرت من ملامح العلاقة بين الزوج والزوجة، وبنتها على أسس قائمة على المساواة والتفاوض والتعاون والحوار والشراكة في الحياة الزوجية بمفهومها الإنساني والروحي، فلا حياة ناجحة ومستمرة دون وجود تشارك في إنشاء أسرة يسودها الود والاحترام والتكافل، أسرة يصير الزوجان في إطارها مسؤولين معا على رعايتها وتحمل تكاليفها المادية.إلا أن ذلك لا ينفي وجود بعض المقتضيات وقع فيها المشرع في تناقض ولم يحقق المساواة المطلوبة. حيث لم يبين المقصود بهذه الرعاية؟ هل الرعاية المعنوية؟ أم الرعاية المادية التي نجدها ملقاة على الزوج وحده، لأنه ملزم بدفع الصداق والإنفاق على الزوجة والأبناء ودفع مستحقات الطلاق؟
خاصة وأن الزوجة لا تتحمل مسؤولية المساهمة في الأعباء المالية حتى ولو كانت ميسورة أو كان لها دخل شهري، إلا استثناء في حالة عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق ووجود الأبناء. وفي هذا ابتعاد عن روح التكافل الذي ينبغي أن يسود العلاقات الأسرية.
وفي نفس السياق نشير إلى أن الزوجة (الأم) غير متساوية مع الزوج (الأب) في تحمل رعاية شؤون الأبناء، إلا استثناء في حالة عدم تواجده، حيث تحرم من حق مشاركة الأب في النيابة الشرعية على أبنائها القاصرين.
لذلك فإن المشرع مطالب بمراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بالتزامات الزوجين، وإعادة صياغتها وفق ما يقتضيه الواقع، لتصبح أكثر ملاءمة مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع.حيث يمكن تعديل مقتضيات المادة 194 و199 من م.أ. والنص على إلزام كلا الزوجين بالمساهمة في الإنفاق على شؤون الأسرة والأبناء حسب قدرتهما واستطاعتهما، وفي حالة عجز أحدهما عن أداء التزامه بالنفقة وإثبات ذلك، يكلف الزوج الآخر بالإنفاق تطبيقا لمبادئ التضامن العائلي.
وبالرجوع إلى الفصل 480 من ق. ج نجده يشترط عنصر الإمساك العمدي عن دفع النفقة في موعدها المحدد حتى يمكن متابعة الملزم بها بجريمة إهمال الأسرة. لكن من الناحية العملية، فإنه بمجرد ما يصدر الحكم على الملزم بالنفقة، ويتم تبليغه إليه وتحرير محضر الامتناع عن الأداء في حقه، وعدم وجود ما يحجز، يتم إخضاعه لمسطرة إهمال الأسرة، بالرغم من إثباته أنه معسر وليس في استطاعته الإنفاق. لذلك على المحكمة أن تقوم بالتحري بمختلف الوسائل حول الوضعية المادية للملزم بالنفقة قبل اللجوء إلى مسطرة إهمال الأسرة، لاسيما وأن جريمة إهمال الأسرة سيف دو حدين:
فمن جهة تضر بمصالح المحكوم عليه وبمستقبله خاصة إذا كان معوزا أو سيء النية. ومن جهة ثانية تضر بمصالح المحكوم له الذي عانى حتى استصدار حكم بالنفقة، ثم يجد نفسه أمام مرحلة قضائية لن يجني منها سوى الزج بالمحكوم عليه في السجن، فيصبح محروما إما من النفقة أو من الزوج أو الأب حسب الأحوال.
ثم إن المشرع قد أغفل الحالة التي يثبت فيها إعسار الأبوين معا عن الإنفاق على أطفالهما المعوزين، مما يفرض تدخل الدولة باعتبارها مسؤولة عن اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتهم، وذلك عبر إنشاء مؤسسات اجتماعية يقع على عاتقها مد المساعدات اللازمة على شكل رواتب شهرية إلى كل الأسر التي تبين عجزها عن الإنفاق على أطفالها.
-إن مدونة الأسرة رغم احتوائها على نص قانوني خاص بتنظيم الجانب المالي للعلاقة الزوجية، إلا أن هذا المقتضى تميز بعدم الدقة والقصور، مما أدى إلى وجود تباين واختلاف على مستوى العمل القضائي. لذلك على المشرع أن ينظم مسألة اشتراك الأزواجفي الثروة المكتسبة من الناحية الإجرائية والموضوعية وفق نص قانوني دقيق ومتكامل.
فبإلقاء نظرة على عقود تدبير الأموال المشتركة المسجلة بأقسام قضاء الأسرة على المستوى الوطني يبين النسبة الضئيلة لهذه العقود مقارنة بعقود الزواج. وهذا راجع إلى كون هذا النوع من الاتفاق التعاقدي يعتبر نوعا من القيود المكبلة لحرية الرجل الذي يضع أمامه احتمالات تقلبات الزمن والتي قد تتطلب منه أن يكون في حل من كل التزاماته. فالأزواج يحبذون التراضي علي كيفية تدبير الحياة الزوجية شفويا ، وقد يطال الأمر إلى توثيقات معينة خلال الحياة الزوجية إذا ما تعلق الأمر بشراء ممتلكات مناصفة بين الزوج والزوجة، أما التراضي على أمر تدبيرهم الأسري منذ بداية المشوار الزواجي فمازال غائبا.
-كذلك نخلص إلى أن الدور المخول للنيابة العامة في حماية وضمان حقوق الأطفال سواء عند قيام العلاقة الزوجية أو بعد انحلالها، ودورها في إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، ظل محدودا بالمقارنة مع غاية المشرع من إدخال هذا الجهاز في قضايا الأسرة، نتيجة قلة الآليات التي تساعدها على القيام بوظيفتها في مجال الأسرة ودورها في حفظ استقرارها.
فالتطبيق العملي لمقتضيات المادة 53 من م.أ. أفرز العديد من الإشكالات وتبقى أهم صعوبة تعترض عمل النيابة العامة تلك المتعلقة بالإجراءات الكفيلة بحماية الزوج المطرود، لذلك لا بد من تدخل تشريعي يعالج الصعوبة المطروحة ويوفر الوسائل والآليات الكفيلة للسهر على حسن التطبيق لها، والعمل على إحداث مراكز لإيواء مثل هذا الصنف من الزوجات باعتبارهن الأكثر عرضة للطرد من بيت الزوجية خاصة وأن هذه الظاهرة في ارتفاع مستمر. كذلك أن المشرع مطالب بالتدخل لتجريم عرقلة تنفيذ أمر النيابة العامة بإرجاع الزوج المطرود، لأن آثار الطرد قد تتجاوز الزوج المطرود وتشمل الأبناء وتتسبب في ضياع حقوقهم وتشردهم.
-وفيما يتعلق بالنسب الناتج عن الخطبة، فإن المشرع المغربي أحسن صنعا عندما نص على إمكانية إلحاقه بالخطيب إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من م. أ. وذلك حفاظا على نسبهم من الضياع، وإن كانت هذه الشروط تبقى في الغالب صعبة الإثبات أمام القضاء، بالإضافة إلى عدم الجرأة الكافية للقضاء في اللجوء إلى الخبرة في
حالة إنكار الخطيب بأن الحمل منه، وكذا وجود اختلاف في تعامل المحاكم مع هذه الشروط بين اتجاه متشدد في ضرورة توافرها جميعها، وبين اتجاه مرن في التعامل مع هذه الأخيرة.
-نلاحظ أن المشرع أحدث مسطرة التطليق للشقاق والطلاق الاتفاقي وأولى أهمية بالغة لمسطرة الصلح، وجعل القضاء الأسري والمؤسسات المرصدة له محورا لتكريس العدالة التصالحية، إلا أنه لم يعمل على حصر الحالات التي يمكن للزوجين من خلالها اللجوء إلى مسطرة التطليق للشقاق، الأمر الذي جعله يحتل الصدارة بين باقي أنواع التطليق منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، لكون رافع هذه الدعوى غير ملزم بإثبات سبب الشقاق رغم أن معظم المحاكم تستجيب لطلب التطليق للشقاق رغم أن الدعوى في جوهرها مؤسسة على سبب آخر غير الشقاق. كما أن المشرع لم يحدد خصائص الأخطاء التي تؤدي إلى التطليق للشقاق وتوجب التعويض اقتضاء بالمشرع الفرنسي في هذا الصدد.
– وفيما يتعلق بالمبالغ المالية التي تقدرها مختلف المحاكم كنفقة للأبناء لم تعرف تحسنا كبيرا ، بل تتسم بالمحدودية والقصور ولا تكفي لتغطية أبسط الواجبات الضرورية، مما يؤثر سلبا على المستوى المعيشي والصحي والتعليمي للأبناء. ناهيك عن إشكالية تبليغ وتنفيذ الأحكام ما تسببه من عرقلة في استفادة الزوجة (المطلقة) والأطفال من مستحقاتهم، مما يدفع إلى تشغيل الأطفال وهم في سن التمدرس.
فلا شك أن الطفل يظل الضحية الأولى اجتماعيا وقانونيا ونفسيا لواقعة الطلاق، ولا يمكن لأي نظام مهما كانت درجة حمايته أن يعوض فرصة استقراره بين أحضان والديه.
وأخيرا نخلص إلى أن الزوجة المطلقة لا تستفيد من الآثار المالية للطلاق إلا خلال فترة العدة، الشيء الذي يطرح مسألة تأمين حياتها المعيشية بحدة عند انتهاء عدتها،ويزداد الأمر صعوبة إن كان أبناء وكانت غير عاملة، حيث تواجه بمفردها مشاكل أطفالها وتتحمل المسؤولية عنهم وحدها، لذلك لابد من تفعيل صندوق التكافل العائلي .
وعلى العموم فإن تحقيق الأهداف المرسومة لمدونة الأسرة، رهين بالتطبيق السليم والحسن لأحكامها، واستيعاب محتواها بالشكل الذي يتفاعل مع روح النص والغاية من إقراره، وهي مسؤولية ملقاة على عاتق القضاء التي تظل ملجأ لمن أعيته حيلة الود وانسد أمامه سبيل الإصلاح.
تعليقات 0