النظام القانوني لشركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة

مقدمة (*):

أرخت الظروف الاقتصادية الراهنة بضلالها على الأنظمة القانونية التي عرفت تطورا وتجديدا من أجل تلبية احتياجات البيئة التجارية، هذا التطور جاء على حساب الخروج عن المبادئ القانونية القديمة التي تبين أن التمسك بها لن يكون إلا معرقلا لحركة التطور الدؤوبة التي تعرفها الحياة الاقتصادية.

تعتبر شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدود أحد الأمثلة على تجاوز المبادئ القانونية العامة وعلى ما وصل إليه التطور التشريعي، فهي تنظيم قانوني جديد خاص بممارسة الأنشطة التجارية تحمل في ثناياها ثورة حقيقية على قوانين الشركات، وعلى نظام المسؤولية غير المحدودة للتاجر، وكذا على مبدأ وحدة الذمة.

وقد أقر المشرع المغربي بهذا الإطار القانوني الجديد منذ قانون رقم 96.5 الصادر في 13 فبراير 1997[1] تحت مسمى شركة المسؤولية المحدودة ذات الشريك الوحيد.

وتكمن أهمية دراسة الموضوع فيما للشركة ذات الشخص الواحد من صدى واسع في ملاءمة ومواكبة الحاجيات، والمستجدات لعالم التجارة والأعمال التي تفرضها العولمة الاقتصادية، هذا ما جعل معظم التشريعات اتجهت إلى وضع إطار قانوني حديث لها في إطار تحرر تشريعي متطور لتحقيق الأهداف المتوخاة من أجل مواكبة الاقتصاد العالمي عامة، وإنعاش الاقتصاد الوطني خاصة.

نظرا لهذه الأهمية فإن الموضوع يطرح إشكالات متعددة من قبيل هل كانت مبررات استحداث شركة الشخص الواحد ذات المسؤرولية المحدودة كافية، ومعقولة لدرجة يستحق معها الوضع الخروج عن المبادئ القانونية؟ وهل استطاع المشرع المغربي أن يضع إطارا قانونيا لهذا الصنف من الشركات يستجيب للأهداف التي استحدثت من أجلها؟

وللإحاطة بالموضوع ارتأينا تناوله من خلال مبحثين:

  • المبحث الأول : ماهية شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة، ومبررات استحداثها في التشريع المغربي
  • المبحث الثاني: النظام القانوني لشركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة

المبحث الأول : ماهية شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة ومبررات استحداثها في التشريع المغربي.

تعد الشركات إحدى أهم ظواهر الحياة الاقتصادية، كونها مظهرا من مظاهر التعاون الاقتصادي والتجاري بين أفراد المجتمع، وتعتبر شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة نموذجا من هذا التطور، وجاء استحداث هذا النوع من الشركات استجابة لمجموعة من الظروف الاقتصادية والتجارية التي تتميز بالسرعة والمنافسة الحرة.

وقد ساير المشرع المغربي هذا التطور آخذا بهذا الصنف من الشركات نظرا لما لها من أهمية بالغة وخصائص تميزها (المطلب الأول)، وكان وراء استحداث هذا الصنف من الشركات عدة مبررات قانونية واقتصادية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة

من أجل تحديد ماهية شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة ارتأينا تناول مفهومها (الفقرة الأولى) وخصائصها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهومها

استنادا إلى الفصل 982 من ق.ل.ع[2] نجده ينص على ما يلي: “الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو أعمالهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم…”، وعليه يتضح لنا من خلال استقرائنا لهذا النص أن الشركة لا يمكن أن تقوم كشخص معنوي إلا باتفاق شخصان أو أكثر، فلا يمكن تصور قيام شركة من طرف شخص واحد لأن هذه الأخيرة لا يمكن أن تنشأ إلا بتوفرها على الأركان العامة والخاصة ومن بينها ركن تعدد الشركاء.

هذا التصور التقليدي أصبح متجاوزا أمام التحولات الاقتصادية والتي صاحبتها تطورات تشريعية وخاصة الأوربية منها، حيث أفرزت مفهوم جديد للشركة، والتي لم يعد ينظر إليها كعقد بل كنظام، وهذا التحول أدى إلى تبلور شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة، والتي تعتبر من المستجدات المهمة للقانون المغربي الجديد للشركات، أخذه بالشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد، حيث أنه قد أجاز لأول مرة للشخص الواحد أن يؤسس شركة لا يكون مسؤولا عن ديونها إلا في حدود ما خصصه لها من رأسمال[3].

والشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد هي في حقيقتها مقاولة فردية لا يتحمل فيها صاحبها المسؤولية عن ديونها إلا في حدود المبلغ الذي رصده كرأسمال لها، لذلك فهي تقوم على تخصيص الشخص بإرادته المنفردة لجزء من ذمته المالية يستثمرها في ممارسة نشاط تجاري مع تحديد مسؤوليته عن ذلك النشاط في الأموال التي تتكون منها تلك الذمة المالية الخاصة، ودون أن تمتد إلى ذمته المالية العامة[4].

وكان السبق لتحديد مفهوم هذا النوع من الشركات للمشرع الفرنسي من خلال المادة 1832 من القانون المدني الفرنسي المعدلة بموجب قانون 11 تموز 1985 التي كانت تعرف الشركة بأنها عقد، لتعرف الشركة بعد التعديل من خلال مفهومها النظامي، بأنه: “تنشأ الشركة من شخصين أو أكثر يتفقون بعقد فيما بينهم بتخصيص أموال أو عمل (صناعة) المشرع مشترك بغرض تقسيم الأرباح الناتجة عنه. ويجوز أن تنشأ الشركة بعمل إرادي من شخص واحد وذلك في الحالات التي يحددها القانون”[5].

الفقرة الثانية: خصائصها

نظرا للدور الاقتصادي الحيوي الذي تلعبه هذا الصنف من الشركات جعلها تتمتع بمزايا وخصائص متعددة نذكر منها:

1- مسؤولية الشريك الواحد فيها محدودة: إن السبب الرئيسي وراء إدخال الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك واحد إلى القوانين الوضعية هو تبنيها كأداة لتحديد مسؤولية التاجر الفرد عن نشاطه التجاري[6].

وهذا التحديد للمسؤولية هو أساس تسمية الشركة بالشركة المحدودة، مع ملاحظة أن مسؤولية الشركة ذاتها عن ديونها ليست محدودة بل هي مطلقة في جميع أموالها، ولكن مسؤولية الشريك الوحيد فيها هي المحدودة بقدر مساهمته في رأسمال الشركة[7].

2- تجاوز مبدأ تعدد الشركاء: من المبادئ المسلم بها قانونا هو أن مفهوم الشركة يعني وجود شخصين أو أكثر، حسب الفصل 982 من ق.ل.ع، لكن بعد صدور ظهير 13 فبراير 1997 أصبح بإمكان شخص واحد إنشاء شركة، بحيث أن الشركة لم تعد تعتبر عقدا بل نظاما كما أن ذلك العنصر التقليدي تم تجاوزه[8].

3- تجاوز مبدأ وحدة الذمة: إن إنشاء مقاولة فردية ذات ذمة مالية متخصصة يقوم على أساس السماح للمقاول الفرد بفصل جزء من ذمته وجعل هذا الجزء ذمة مالية اقتصادية مستقلة تتكون من جانب إيجابي وآخر سلبي خاص بها، مع ارتباط كل جانب منها بالآخر، وهذه الذمة المالية المستقلة تخصص للاستغلال التجاري الذي يباشره المقاول الفرد[9].

مقال قد يهمك :   جريمة الشيك بدون مؤونة بين القانون الجنائي ومدونة التجارة

وبناء على ما سبق نرى أنه أمام تنوع خصائص هذه الشركة هو ما دفع الأفراد والفاعلين الاقتصاديين يلتجؤون إلى هذا الصنف من الشركات أكثر من غيرها مما جعل أغلب التشريعات المقارنة تقر بها، وتضع إطارا قانونيا لتنظيمها.

المطلب الثاني: مبررات استحداث شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة

كان وراء التطور التشريعي الذي قام باستحداث شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة، الذي بدوره تجاوز المفهوم التقليدي للشركة الذي كان يقوم على الفكرة العقدية لإنشاء الشركات عدة مبررات قانونية (الفقرة الأولى)، وأخرى اقتصادية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المبررات القانونية

من أهم الدوافع وراء استحداث شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة من شريك وحيد خلق آلية قانونية لتحديد مسؤولية المقاول الفرد عن نشاطه التجاري، وذلك بتمكينه من الحماية اللازمة نظرا للمخاطرة التي ينطوي عليها العمل التجاري وهو مطلب طالما عبرت عنه المقاولات الفردية[10].

إن تحديد المسؤولية كان مطلب أصحاب المقاولات الصغيرة والمتوسطة في عدد من الدول الأوروبية، حيث كان يطالبون بالحماية القانونية من المخاطرة بكل أموالهم في الأعمال التجارية، وإيجاد تنظيم قانوني لمشاريعهم[11]. وذلك عن طريق تجاوز مبدأ الذمة المالية، واعتماد مبدأ التخصيص الذي يقوم على جواز تجزئة أو تعدد الذمم المالية للشخص، وجواز التصرف في إحدى الذمم المالية المخصصة، مع إمكانية تصور وجود ذمة مالية بغير شخص ترتبط به[12].

ونجد أيضا من بين الدوافع الغير المباشرة لاستحداث شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة رغبة التشريعات المقارنة ومن بينها التشريع الفرنسي في الحد من ظاهرة الشركات الوهمية أو الصورية.

فالشركة الصورية في ظاهرها متعددة الشركات وفي باطنها شركة مكونة من شخص واحد هو رب الأسرة الذي يوزع الأنصبة التي في ملكيته وحده على أبنائه القاصرين وزوجه أو أصهاره أو أقربائه أو واحد أو أكثر من الغير لإكمال العدد شكليا وصوريا[13].

بعد صدور قانون 96.5 المتعلق بشركة التضامن، والتوصية البسيطة والمحاصة والشركة ذات المسؤولية المحدودة وخاصة في المادة 44 منه[14]، التي تنص على إمكانية شخص طبيعي أو معنوي واحد أن يكون شركة ذات المسؤولية المحدودة، وجد معظم المقاولين الفرديين المشترين وراء شركات وهمية أنه لا جدوى من الاستمرار في التخفي ما دام القانون الجديد يمنحهم إمكانية ممارسة نشاطهم فرادى مع الاستفادة من مزايا نظام الشركة، كما فتح المجال على مصراعيه للشركات الكبرى لكي تحدث شركات تابعة لها Filialed 100% دونما حاجة إلى الاستعانة بأشخاص آخرين[15].

الفقرة الثانية: المبررات الاقتصادية

إلى جانب الدوافع ذات الطابع القانوني لاستحداث شركة الشخص الواحد ذوات المسؤولية المحدودة، وجدت دوافع وأسباب اقتصادية دفعت بالتشريعات المقارنة للتفكير في آيلة للمحافظة على المقاولة باعتبارها عنصرا هاما وأساسيا للتنمية الاقتصادية، فقد كان الهاجس هو ضمان استمرار نشاط المقاولة وبقاءها مهما كانت الظروف.

ومن جهة أخرى كان هاجس التشريعات التي أدخلت شركة الشخص الواحد هو تشجيع المبادرة الفردية للنهوض بالاستثمار وإنعاشه عن طريق توفير إطار قانوني ملائم للمقاولات الصغرى والمتوسطة[16].

من هنا فإن نمط هذه الشركة، باعتباره يلائم المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات ذات الصبغة العائلية. يوفر إطارا ملائما لتنظيم المقاولة بالمغرب فالجميع يعرف أن اقتصادنا يعاني من معوق أساسي يطرح له صعوبات جهة على مستوى مقدورته على الاندماج في الاقتصاد العالمي، المفروض عليه بفعل سياسة العولمة التي أصبحت تحكم النظام الاقتصادي العالمي الجديد[17].

ومن بين المبررات الاقتصادية الأخرى المباشرة، هي الحفاظ على المقاولة وضمان استمرارها في جميع الوضعيات التي تمر بها، فإنها تحقق غايات أخرى بشكل غير مباشر[18].

من خلال ما سبق نرى أنه كان لهذه المبررات دورا مهما في ظهور مولود جديد ألا وهو المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي أصبحت تشكل نسبة مهمة جدا في تطوير الاقتصاد الوطني.

المبحث الثاني:النظام القانوني لشركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة

إن رصد النظام القانوني لشركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة يحتم علينا البحث في سبل تأسيسها (المطلب الأول)، والبحث كذلك في ميكانزمات تسييرها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: من حيث التأسيس.

تتميز شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة بنظام قانوني متميز على مستوى تأسيسها من حيث الشروط الموضوعية (الفقرة الأولى)، ومن حيث الشروط الشكلية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية.

جاء في نص المادة 44 من قانون 96-5 المتعلق بالشركات، تتكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شخص أو أكثر لا يتحملون الخسائر سوى في حدود حصصهم”.

وبما أن الشركة هي من شريك وحيد فإن الإنشاء لن يتم بمقتضى عقد تأسيسي كما في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وإنما بمقتضى تصرف إرادي منفرد لشخص طبيعي أو معنوي، ولا يكتسب الشخص الوحيد صفة تاجر إن كان شخصا طبيعيا، أما الشريك الشخص المعنوي فقد يكون تاجرا[19].

لا يشترط في الشريك الوحيد الطبيعي الأهلية التجارية لكونه غير تاجر، لذلك يكمن للراشد الذي بلغ سن 18 عشر وكذلك للشخص الذي وقع ترشيده من قبل المحكمة، والمأذون له بإرادة جزء من أمواله على سبيل الاختبار[20] أن يكون شريكا وحيدا في شركة ذات المسؤولية المحدودة.

ومن حيث النظام الأساسي للشركة يتعين على الشريك وضعه، وأن يؤرخ هذا النظام ويتضمن البيانات المنصوص عليها في المادة 50 من قانون 96.5 تحت طائلة البطلان وأن يوقعه هذا الشريك الوحيد.

وحسب المادة 45 من قانون 96.5 تعين الشركة بتسمية ويجب أن تكون متبوعة بعبارة شركة ذات مسؤولية محدودة من شريك وحيد، وحسب المادة 46 من نفس القانون يجب أن لا يقل رأسمال الشركة ذات المسؤولية المحدودة المكونة من شخص واحد عن مائة ألف درهم، ويقسم إلى أنصبة متساوية لا تقل قيمتها الاسمية عن مائة درهم حسب الفقرة 1 من المادة 46، إلا أن جميع الأنصبة تعود ملكيتها إلى الشريك الوحيد، ويمكن تكوين رأسمال من حصص نقدية أو عينية[21].

ومن حيث مقر الشركة ومدتها لا يمكن أن تتجاوز 99 سنة حسب المادة 2 و3 من قانون رقم 17.95[22] والمادة 1 فقرة 2 من قانون 96.5، ومن حيث الغرض نجده لا يختلف عن غرض الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وقد يكون غرضا مدنيا أو تجاريا، ويجب أن يكون الغرض مشروعا وغير مخالف للنظام العام والأخلاق الحميدة تحت طائلة البطلان، حسب منطوق المادتان 337 من قانون 95.17 والمادة 1 من الفقرة 2 من قانون رقم 96.5، إضافة إلى بيان كتابة الضبط التي سيودع بما النظام الأساسي، مع إمضاء هذا النظام من طرف الشريك الوحيد[23].

مقال قد يهمك :   حوار حصري مع الأستاذة سليمة فراجي أول محامية بالجهة الشرقية

الفقرة الثانية: الشروط الشكلية

تحتل الشكلية المتعلقة بكتابة النظم الأساسي في تكوين مختلف الشركات التجارية مكانة متميزة باعتبارها تقوم بدور الفاتحة والإعلان عن انطلاق الشركة وإثبات وجودها، وبصرف النظر عن الإجراءات المتعلقة بالإيداع والشهر، يعتبر تحرير عقد الشركة، أو نظامها الأساسي، أهم مظهر لتجسيد الطبيعة الشكلية للشركة[24].

يتعين أن يكون النظام الأساسي كتابة، وأن يؤرخ ويتضمن البيانات السابقة تحت طائلة البطلان، حسب منطوق المادة 50 من قانون 96.5[25]، ويمكن أن تكون الكتابة رسمية أو عرفية وهذا ما نصت عليه المادة 11 من قانون 17.95 والمادة الثانية من قانون رقم 96.5[26].

ومن حيث شهر النظام الأساسي يتم عن طريق الإيداع لدى كتابة ضبط المحكمة، وأن لا يتم شهر مستخرج منه في جريدة مخول لها نشر الإعلانات القانونية، وفي الجريدة الرسمية (المواد 93 إلى 98 من القانون رقم 96.5) وأن يتم التسجيل أو القيد في السجل التجاري، ولا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية، إلا ابتداء من تاريخ تقييدها في هذا السجل (المادة 2 من القانون 96.5).

المطلب الثاني: من حيث التسيير والرقابة

يؤدي تسيير الشركة دورا هاما لا يتعلق بتدبير شؤونها اليومية فقط، بل يتجاوز هذه الحدود إلى رسم معالم سياستها، وذلك بإعطاء صلاحيات واسعة لمسير الشركة (الفقرة الأولى)، لكنه تفاديا للصعوبات والمشاكل التي قد تقع فيها الشركة مستقبلا فإن هذه الصلاحيات تخضع لرقابة صارمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: صلاحيات المسير

لابد لكل شركة من مسير يتولى تدبير شؤونها ويتخذ القرارات باسمها لتحقيق مشاريعها ولو كانت مكونة من شخص واحد، ولا تخرج الشركة ذات المسؤولية المحدودية المكونة من شخص أو شريك واحد عن هذه القاعدة، إلا أن مسيرها لا يمكن أن يكون إلا شخصا طبيعيا، ولا يجوز اختياره أيضا من الغير شريطة أن يكون هذا الأخير شخصا طبيعيا حسب منطوق المادة 62 من قانون 96.5[27].

يتبين لنا مما سبق وحسب منطوق المادة 62 السالفة الذكر فإذا كان الشريك الواحد شخصا طبيعيا من حقه أن يتولى تسيير شركته بنفسه، أو يختار أحدا أو أكثر من الأغيار لهذه المهمة، أما إذا كان الشريك الواحد شخصا معنويا من الواجب عليه أن يسند مهمة التسيير إلى الأغيار لأن الشخص المعنوي محظور عليه أن يقوم بتدبير شؤون شركة الشخص الواحد حسب نفس المادة.

ويزاول الشريك الوحيد سواء كان مسير أو غير مسير، الصلاحيات أو السلطات المخولة لجمعية الشركاء حسب المادة 44 الفقرة الثانية من القانون 96.5، ولا يجوز أن يخلط بين ذمته الشخصية وذمة الشركة، فللشركة ذمتها الخاصة المستقلة عن ذمة الشريك ترصد لنشاطها والتزاماتها، وتشكل وعاء حقوقها، ولا يحق له أن يغرف من أموالها ما ينفق به عن مصالحه وتكاليفه الخاصة، دون أن يطال الحظر حقوقه في الأرباح الحقيقية إلى جانب تحمله الخسائر في حدوده أنصبته[28].

وترتبت عن تكريس صلاحيات أو سلطات الجمعيات العامة في يد الشريك الوحيد تعطيل تطبيق العديد من المقتضيات التي تجري على الشركات ذات المسؤولية المحدودة المتعددة الأشخاص أو الشركاء، وذلك عملا بالمادة 76 من قانون رقم 96.5 حيث يمكن إبطال القرارات المتخذة خرقا لأحكام هذه المادة بطلب من كل ذي مصلحة[29].

ويتخذ الشريك الوحيد كل السلطات الضرورية لسير الشركة، من تعيين المسير من الغير وتحديد مدته وأتعابه، وتعيين مراقب الحسابات، أو تلك القرارات الرامية إلى تعديل النظام الأساسي، أو زيادة أو تخفيض رأس المال، أو حل الشركة قبل الأوان الذي يترتب عنه تلقائيا انتقال كامل لذمة الشركة إلى ذمته دون إجراء عملية التصفية، لكونه الوحيد المالك لموجوداتها، ويملك كذلك تغيير جنسية الشركة ومقرها، وغرضها، إلا أنه لا يملك تفويض هذه السلطات إلى غيره[30].

يمكن تقليص سلطات المسير من خلال النظام الأساسي، كأن يفرض النظام على المسير ضرورة الحصول على موافقة الشريك من أجل إبرام تصرفات معينة كبيع أو شراء المعدات، أو الأصول التجارية، أو الاقتراض وهذا حتى يتمكن الشريك الوحيد من ممارسة رقابته على التسيير[31].

ويسأل المسير سواء كان الشريك الوحيد أو من الغير، تجاه الشركة والغير عن خرق المقتضيات القانونية أو النظامية، وعن الأخطاء المرتكبة خلال التسيير، وقد تكون هذه المسؤولية مدنية (المادة 67) أو جنائية (المواد 104 إلى 117 مع مراعاة حالة التقرير).

الفقرة الثانية: صلاحيات الرقابة

يملك الشريك الوحيد سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا كامل الحرية لتعيين مراقب الحسابات أم لا، ولا يكون ملزما بهذا التعيين إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي يتجاوز فيها مبلغ رقم معاملات الشركة عند اختتام السنة المحاسبية، 50 مليون درهم دون اعتبار الضرائب[32].

إن الشركات ذات المسؤولية المحدودة سواء المتعددة الشركاء أو أحادية الشريك غالبا ما تكون مقاولات صغيرة، والشريك يمكنه أن يراقب الحسابات شخصيا حتى ولو لم يكن تقنيا في المحاسبة[33].

بالرجوع إلى نص المادة 80 من قانون 96.5: “يمكن للشركاء تعيين واحد أو أكثر من مراقب الحسابات وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 75، نجد أن هذا النص يخير الشريك الواحد بين تعيينه مراقب للحسابات أو أن يراقب الحسابات بنفسه.

وعند تعيين مراقب الحسابات في شركة الشخص الواحد فإن أحكام القانون 95.17 المتعلق بشركات المساهمية هي التي تطبق فيما يتعلق بشروط التعيين وحالات التنافي، وسلطات المراقبين ومسؤوليتهم وعزلهم، ومكافأتهم حسب المادة 13 و83 من قانون 96.5[34].

خاتمة:

أرسى المشرع المغربي على غرار التشريعات الأخرى شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة من أجل تحقيق غايات قانونية واقتصادية، فكان الهدف الأساسي هو تحديد مسؤولية المقاول عن نشاطه التجاري وإمداده بإطار قانوني يشجعه على الاشتغال في إطار من الشفافية، ويجنبه التحايل على القانون من خلال إنشاء شركات صورية كما وفرت شركة الشخص الواحد إطارا يسمح بالحفاظ على المقاولة ككيان اقتصادي منتج ومساهم في الاقتصاد الكلي في جميع الظروف.

مقال قد يهمك :   مظاهر التجريم و العقاب في مدونة الشغل المغربية

توصلنا من خلال ما سبق إلى أن ذمة التخصيص تصلح كأساس قانوني لمسؤولية الشريك الوحيد والإرادة المنفردة كأساس قانوني لتأسيس قانوني لتأسيس شركة الشخص الواحد، والشخصية المعنوية كأساس قانوني للفصل بين ذمة الشريك الوحيد وذمة شركة الشخص الوحيد.

لذلك نرى أن الرهانات والتحديات القادمة تستدعي لمواجهتها نسيجا مقاولاتيا كثيفا وقويا وهذا النسيج يستدعي بدوره الاهتمام والتحفيز والرعاية من خلال ابتداع نظام قانوني للمقاولة يكون أكثر دقة.


لائحة المصادر والمراجع :

المراجع العامة والخاصة :

– فؤاد معلال: شرح القانون التجاري الجديد – الشركات التجارية، الجزء الثاني دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، الرباط الطبعة الرابعة 2012.

– أحمد شكري السباعي: الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي، دراسة معمقة في قانون الشركات الجديد رقم 96.5 و17.95 والقانون 97.13 المتعلق بالمجموعة ذات النفع الاقتصادي، الجزء الخامس في شركات المساهمة المبسطة، وشركات التوصية بالأسهم، والشركات ذات المسؤولية المحدودة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى 2005.

– لحسن بيهي: الشكلية في ضوء قانون الشركات التجارية المغربي، وفق آخر التعديلات لسنة 2006، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الثانية 2007.

المقالات:

– هيوا إبراهيم الحيدري: شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة – دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت، الطبعة الأولى 2010.

– المختار بكور: الشركة الفردية ذات المسؤولية المحدودة من شريك وحيد – إصلاح أم بدعة، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، العدد 46، سنة 2002.

الرسائل:

– فدوى مريمي: شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة – دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في القانون التجاري والمقارن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2006-2007.


الهوامش :

(*) قدمت هذه الدراسة ضمن إحدى عروض الماستر المختصة في قانون الأعمال ومنازعاته.

[1] – ظهير شريف رقم 1.97.49 الصادر في 5 شوال 1417/13 فبراير 1997، بتنفيذ القانون رقم 96.5 المتعلق بشركات التضامن والتوصية البسيطة وشركة التوصية بالأسهم، والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة، الجريدة الرسمية عدد 4478 بتاريخ فاتح ماي 1997، ص: 1058.

[2] – ظهير 9 رمضان 1331 هـ (12 أغسطس 1913)، المتعلق بقانون الالتزامات والعقود.

[3] – فؤاد معلال: شرح القانون التجاري الجديد – الشركات التجارية، الجزء الثاني دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، الرباط الطبعة الرابعة 2012، ص: 117.

[4] – فؤاد معلال: المرجع نفسه، ص:117-118.

[5] – هيوا إبراهيم الحيدري: شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة – دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت، الطبعة الأولى 2010، ص: 158-159.

[6] – فؤاد معلال: مرجع سابق، ص: 119.

[7] – هيوا إبراهيم الحيدري: مرجع سابق، ص: 182.

[8] – المختار بكور: الشركة الفردية ذات المسؤولية المحدودة من شريك وحيد – إصلاح أم بدعة، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، العدد 46، سنة 2002، ص: 213.

[9] – فدوى مريمي: شركة الشخص الواحد ذات المسؤولية المحدودة – دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في القانون التجاري والمقارن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2006-2007، ص: 12.

[10] – فدوى مريمي: مرجع سابق، ص: 10.

[11] – فدوى مريمي: المرجع نفسه، ص: 10.

[12] – فدوى مريمي: المرجع نفسه، ص: 12.

[13] – أحمد شكري السباعي: الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي، دراسة معمقة في قانون الشركات الجديد رقم 96.5 و17.95 والقانون 97.13 المتعلق بالمجموعة ذات النفع الاقتصادي، الجزء الخامس في شركات المساهمة المبسطة، وشركات التوصية بالأسهم، والشركات ذات المسؤولية المحدودة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى 2005، ص: 451.

[14] – تنص المادة 44 على أنه: “تتكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شخص أو أكثر لا يتحملون الخسائر إلا في حدود حصصهم…”.

[15] – أحمد شكري السباعي: المرجع نفسه، ص: 450.

[16] – فدوى مريمي: مرجع سابق، ص: 25.

[17] – فؤاد معلال: مرجع سابق، ص: 124.

[18] – فدوى مريمي: مرجع سابق، ص: 33.

[19] – أحمد شكري السباعي: مرجع سابق، ص: 461.

[20] – المواد 209-218-226 من مدونة الأسرة.

[21] – أحمد شكري السباعي: مرجع سابق، ص: 462.

[22] – ظهير شريف رقم 1.96.124 صادر في 14 ربيع الأول 1417 (30 غشت 1996) بتنفيذ القانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، ج.ر عدد 4422 بتاريخ 17/10/1996، ص: 232.

[23] – أحمد شكري السباعي، المرجع نفسه، ص: 463.

[24] – لحسن بيهي: الشكلية في ضوء قانون الشركات التجارية المغربي، وفق آخر التعديلات لسنة 2006، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الثانية 2007، ص: 40.

[25] – أحمد شكري السباعي: مرجع سابق، ص: 463.

[26] – لحسن بيهي: مرجع سابق، ص: 41.

[27] – أحمد شكري السباعي: مرجع سابق، ص: 466.

[28] – أحمد شكري السباعي: المرجع نفسه، ص: 466.

[29] – أحمد شكري السباعي: المرجع نفسه، ص: 467.

[30] – أحمد شكري السباعي: المرجع نفسه، صك 468.

[31] – فدوى مريمي: مرجع سابق، ص: 50.

[32] – أحمد شكري السباعي: مرجع سابق، ص: 469.

[33] – فدوى مريمي: مرجع سابق، ص: 56.

[34] – فدوى مريمي: المرجع نفسه، ص: 56.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)