الوسائل البديلة لحل نزاعات التأمين على الأشخاص-التحكيم و الوساطة نموذجا-

 مقدمة(*):

تكتسي الوسائل البديلة لتسوية المنازعات أهمية كبرى و تحظى بعناية خاصة في المغرب سواء من لدن الأجهزة الرسمية أو المجتمع المدني هذه الأهمية و العناية نابعتان من فلسفة تتبني على التعايش بين نظام القضاء الرسمي و الأنظمة أو الأجهزة الموازية التي تختلف حسب طبيعة النزاعات و أنواعها و هو ما يسمح بتفادي أو تجاوز واقع القضاء الرسمي الذي يشكو من العديد من المعوقات. نخص منها بالذكر طول المساطر و كثرة القضايا و نقص كبير في عدد القضاة مما ينعكس سلبا على جودة الأحكام إضافة إلى ارتفاع قيمة التكاليف و صعوبة أو استحالة الاحتفاظ بالطابع الودي بين أطراف النزاع، و التخوف من جهاز القضاء الرسمي، لذلك فالتوجه الحالي في مجال فض المنازعات أصبح ينبني على حرية الأفراد في اختيار طريقة تسوية نزاعاتهم بهدف التوصل لحلول عادلة و سريعة، و اتاحة الفرصة لهم للمشاركة في اجاد حل للنزاع، كما تضمن للفاعلين الاقتصاديين امكانية الاستمرار في العلاقات بينهم مستقبلا، كما انها تساهم في ترسيخ ثقافة الحوار و السلم الإجتماعي بحيث أصبحت الطرق البديلة لتسوية المنازعات.

تعتبر الوساطة و التحكيم من أقدم الأنظمة التي اعتمدها الإنسان لحل مشاكله و فض نزاعاته، و قد عرف هذا النظام تطورا ملحوظا عبر التاريخ، و اكتسى أهمية بالغة في المجتمعات الإنسانية نظرا لما يتميز به من مرونة و ما يوفره للمتناعين من وقت و جهد و تكاليف و لكونه يغنيهم عن اللجوء إلى القضاء باعتبار الوساطة و التحكيم آليات تطبق مبادئ أكثر رحابة من قساوة و جمود القاعدة القانونية في التشريع الموضوعي و الشكلي مما أدى إلى تزايد الإهتمام بهذه الوسائل حيث غدت الشغل الشاغل للفاعلين الإقتصاديين و الحقوقين.

وإيمانا من المشرع المغربي بأهمية و فعالية نظام الوساطة و التحكيم في حل النزاعات بصفة عامة، فقد تمت المصادقة بإجماع أعضاء البرلمان على قاونو التحكيم و الوساطة الإتفاقية رقم 08.05 و الذي يعد إطارا عاما للوساطة و التحكيم و ذلك بتاريخ 24 يوليوز2007. و يهدف هذا البرنامج الجديد في حل النزاعات إلى تعزيز إيمان الناس بنظام العدالة من خلال توفير خدمات إيجابية لمستخدمي هذه الوسائل، نظرا لما أثبتته إجراءاته من قدرتها على توفير بديل فعال لعميلة التقاضي. كما أن الوساطة و التحكيم لا تهدف إلى الضغط على الأفراد من أجل تسوية النزاع و إنما لتشجيعه على التسوية من خلال قيام الوسيط المحايد بمساعدته على التفاوض و الحوار.

وبالنظر للأهمية التي يكتسيها الموضوع من الناحية القانونية و القضائية، فإلى أي حد استطاعت هذه الوسائل حل النزاعات المترتبة على التامين على الأشخاص ؟ و ما هي معيقات اللجوء إلى هذه الوسائل ؟

للإحاطة بالموضوع ارتأينا تناوله من خلال محورين أساسين:

  • المحور الأول: الإطار القانوني للوساطة و دورها في حل نزاعات التأمين على الأشخاص.
  • المحور الثاني: التحكيم ودوره في حل نزاعات التأمين على الأشخاص.

المحور الأول :الإطار القانوني للوساطة وفعاليتها في حل نزاعات التأمين على الأشخاص.

أولا : ماهية الوساطة

في لسان العرب الوساطة هي المصدر، وهي مهمة الوسيط، أي الذي يتوسط بين متخاصمين، والذي هو أيضا الحسيب في بني قومه.

وقد اكتسبت الوساطة معناها السياسي الاجتماعي، باعتبارها المسعى الذي تقوم به دولة ما أو منظمة أو لجة للمساعي الحميدة بغية التوفيق بين دولتين متنازعتين، وإيجاد تسوية للخلاف القائم[1]

    تعتبر الوساطة من بين الطرق البديلة لحل النزاعات و هي وسيلة اختيارية، اذ تعني تلك المساعي التي يقوم بها شخص محايد عن أطراف النزاع و ذلك من أجل الوصول إلى حل ودي لحد النزاع، و هي تجري في جلسات سرية تكفل الحفاظ على أسرار الطرفان، و المشرع المغربي لم يعرف الوساطة إلا انه نص في قانون المسطرة المدنية  على مجموعة من المهام المنوطة بالوسيط. و يشترط في الوسيط أن يكون من أصحاب الخبرة و الكفاءة و النزاهة، بحيث يتوجب عليه توظيف مهاراته في إدارة المفاوضات من خلال مجموعة من الإجراءات السرية لمساعدة أطراف النزاع من أجل تسوية نزاعاتهم بشكل ودي قائم على التراضي بعيدا عن التقاضي.

    و من أبرز خصائص الوساطة أنها وسيلة لتخفيف العبء على القضاء، إضافة إلى اختصار وقت و جهد و نفقة المتقاضين كما سبقت الإشارة، و يمكننا تصنيف الوساطة إلى ثلاثة أنواع أساسية :

  • الوساطة القضائية :

وفي هذا النوع من الوساطة يتم إحالة النزاع إلى القاضي المكلف بالقيام بمهام الوساطة بصفته الوظيفية ويقوم بمهمة الوساطة عدد من قضاة يسمون قضاة الوساطة. وبالوساطة القضائية يقوم القضاء بإحالة القضايا على وسطاء معينين على قائمة الوسطاء المعتمدين لدى المحاكم و الذين يعملون في غالب الأحيان في القضاء الخاص و هم إما محامون قدماء متفرغون للوساطة أو قضاة متقاعدون و هذه العملية تتم بالمجان بحيث لا يؤدي الأطراف أية أجور لهؤلاء الوسطاء مقابلة خدماتهم[2]

  • الوساطة الاتفاقية :

وهي التي تتم من خلال تعيين وسيط بناء على اتفاق الأطراف يكلف بموجبه بتسهيل الوصول إلى تسوية ودية تنهي النزاع بين الطرفين بعيدا عن أسوار المحاكم، ومن مميزات هذا الاتفاق أنه يتم كتابة إما بعقد رسمي أو عرفي أو بمحضر يحرر أمام المحكمة، كما أن هذا الاتفاق يمكن إبرامه بعد نشوء النزاع ويسمى حينئذ عقد الوساطة، أو يمكن التنصيص عليه في صلب الاتفاق الأصلي أو بملحق له ويسمى شرط الوساطة. وقد تم إدماج الوساطة الاتفاقية في النظام القانوني المغربي كآلية لتسوية النزاعات وديا بموجب القانون رقم 05. 08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 نوفمبر 2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية[3]

كما عرفها الفصل 56-327 من قانون المسطرة المدينة المغربي: “اتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل ابرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد…”

الوساطة القانونية:

تكون هناك وساطة تشريعية و ذلك عندما يكون هناك نص قانوني ينص على إحالة الطرفين للوساطة قبل المرور إلى مرحلة المحاكم.

مقال قد يهمك :   تعديلات مرتقبة على القانون المتعلق بشركات المساهمة بالمغرب

ثانيا : فعالية الوساطة في التأمين على الأشخاص

ظهرت الوساطة كأسلوب فعال في حل المنازعات بشكل عام، حيث أصبح الإتجاه العالمي نحو هذه الوسيلة يزداد في شتى المجالات و منها مجال التأمين، حيث قطعت هذه الأخيرة شوطا كبيرا في مجموعة من الدور الأنجلوساكسونية و لم تعد مقتصرة على القضايا البسيطة و هذا راجع إلى المميزات التي تمتاز بها الوساطة.

1: المرونة:

لعل أهم الأسباب التي استوجبت اللجوء إلى الطرق البديلة لحل النزاعات   وجود  الأساليب التقليدية والشكليات الرسمية المعقدة، فحل النزاع عن طريق القضاء يحتوي و يشمل عدة أمور يجب إتباعها تحت طائلة البطلان مما يشكل  قيودا على عاتق المتقاضين،  ففي الوساطة لا يوجد أي إجراء يترتب عليه البطلان، فعكس ذلك تهدف الوساطة لإتباع أي إجراء يمكن أن يؤدي  للتوصل لحل مرضي لأطراف النزاع، فالوسيط غير ملزم بإتباع إجراءات معينة ما دام الهدف هو إيصال الأطراف للحل الذي يرغبون فيه[4]

 2: استمرار العلاقات الودية بين أطراف النزاع

توفر الوساطة للمتخاصمين الفرصة للالتقاء و عرض وجهات النظر ومحاولة إزالة الإشكالات بين الأطراف و التوصل لحل يرضي الأطراف عن طريق تقريب وجهات النظر المتباعدة و الخروج بمصالحة تزيل كافة الخلافات، خلافا للقضاء   الذي يفصل في نهاية  الدعوى بانتصار طرف و خسارة الآخر بصدور قرار متولد عن قناعة  ورؤية المحكمة بالنزاع مما يؤدي لفقدان العلاقات الودية بين الأطراف وتولد التشاحن و البغضاء.

بالإضافة إلى مميزات أخرى تتمثل في السرعة في حل النزاع والحياد والكفاءة هي كلها عوامل من شأنها أن تعطي للوساطة قوة في حل قضية من طرف الوسيط المختص. وتجدر الإشارة على أن المشرع المغربي قد انخرط و بشكل جدي في هذا المسار و ذلك بإصدار قانون رقم 08.05 و الذي يهدف إلى تقوية الأسس القانونية للوساطة كبديل لحل النزاعات زيادة على ذلك قام المشرع بإنشاء مجموعة من المؤسسات المنوط لهذا بدور الوساطة و التحكيم و نذكر على سبيل المثال و الحصر مركز وجدة للوساطة و التحكيم و المركز الأورو المتوسطي للوساطة و التحكيم بمدينة الدار البيضاء.

المحور الثاني : التحكيم و دوره في حل النزاعات التأمين على الأشخاص

للوقوف على ماهية التحكيم لابد من التطرق إلى التعاريف التي أسندت له خاصة وأنه يشهد اليوم أرقى عصوره، إضافة إلى إبراز خصائصه ومميزاته (أولا)، وصولا إلى بيان إجراءاته و دوره الفعال في حل نزاعات التأمين على الأشخاص (ثانيا).

أولا : ماهية التحكيم

من أجل تحديد ماهية التحكيم ارتأينا تناول مفهومه و خصائصه و مميزاته

1 : مفهوم الـتحكيم و خصائصه :

  أكد الإسلام عند مجيئه على أهمية التحكيم إذ يقول تعالى في سورة النساء: ” وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” (35)[5]

و يقول عز وجل كذلك: ” فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا “ (65)[6]

فالآية الأولى جاءت بمثابة خطاب لجميع المسلمين تكريسا للمبدأ العام للتحكيم، في حين أن الآية جاءت تحدد بوضوح مجال التحكيم في حل المنازعات.

واهتم الفقه المنشغل بالتحكيم بوضع تعريف لما هو المقصود بنظام التحكيم فذهبوا في ذلك مذاهب متعددة تبعا لوجهة نظر كل فقيه.

فالفقيه “جون روبرت” فعرف التحكيم بأنه “يقصد بالتحكيم تحقيق العدالة الخاصة، وهي إليه وفقا لها يتم سلب المنازعات من الخضوع لولاية القضاء العام، لكي يتم الفصل فيها بواسطة أفراد عهد إليهم بهذه المهمة في واقعة الحال”[7]

وقد عرفه الدكتور “وليد محمد عباس” بأنه حسم الخلافات المثارة بين طرفين أو أكثر بواسطة شخص أو أشخاص عاديين يختارهم الأطراف بمحض إرادتهم دون المحكمة المختصة بذلك.[8]

عمل المشرع المغربي على تنظيم التحكيم في شقيه الداخلي و الدولي من الفصول 306 إلى 327 من قانون المسطرة المدنية المعدل بموجب القانون 08.05 الصادر بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007).

وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في القواعد المنسوخة حيث إعراض المشرع عن تعريف التحكيم، بادر في الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية إلى تعريفه قائلا إنه “حل نزاع من لدن هيئة تحكمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم”. كما عمد إلى تعريف اتفاق التحكيم في الفصل 307 بأنه “التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة ، تعاقدية أو غير تعاقدية.”[9]

يتضح لنا من التعاريف السابقة أنها ذات معنى واحد و نستنتج من ثمة أن التحكيم يتميز بالخصائص الآتية:

– التحكيم قضاء خاص،

– التحكيم يجد مصدره في اتفاق الأطراف،

-التحكيم وظيفته حسم النزاع الناشئ بين الأطراف،

-لزومية الحكم الصادر عن المحكم للأطراف.

حتى وإن تباينت التعريفات التي أعطيت للتحكيم، إلا أن هدف أطراف المنازعة القضائية في الاستعاضة عن قضاء الدولة والهروب من المساطر المتشعبة، واللجوء للتحكيم كأداة لإنهاء الخلافات التي تنشأ بينهم، وقد ساعد على ذلك مختلف المزايا التي يتمتع بها.

 2 : طبيعة التحكيم

يتبين مما تقدم في التعاريف السابقة أن المحتكم باتفاقه على التحكيم لا ينزل عن حماية القانون، ولا ينزل عن حقه في الأتجاء إلى القضاء، وإلا فالمشرع لا يعتد بهذا النزول ولا يقره، إذ الحق في الإلتجاء إلى القضاء هو من الحقوق المقدسة التي يتعلق بالنظام العام، وإنما المحتكم باتفاقه على التحكيم يمنح المحكم سلطة الحكم في النزاع بدلا من المحكمة المختصة في نظره.[10]

حيث يقول البعض للتحكيم طبيعة تعاقية كونه عقد رضائي ملزم للجانبين، استنادا في ذلك إلى ارادة الأطراف في حل نزاعهم بطريقة ودية، و اتفاقهم باللجوء إلى محكم الذي يرمي إلى تحقيق مصالح خاصة للأطراف عقد التحكيم، عكس القضاء الذي يرمي إلى تحقيق مصلة عامة. إضافة لكون التحكيم من طبيعة خاصة ومستقل بذاته نظرا لسرعته و فعاليته في حل نزاع مع مراعاة حل الخصوم إلى تنفيذ تعهداتها دون عائق.

مقال قد يهمك :   محكمة الإحالة-إعادة مناقشتها للقضية من جديد والتقيد بالنقطة القانونية

وللتحكيم مجموعة من المميزات تتمثل في بسط الإجراءات حيث تتمتع هيئة التحكيم بالحرية الواسعة في اختيار القانون المناسب في حل النزاع و الابتعاد ما أمكن من الإجراءات الشكلية أمام القضاء العام، بالإضافة إلى السرية التي يتمتع بها أطراف التحكيم عكس علنية الجلسات التي تعتبر من المبادئ القانونية في التقاضي أمام المحاكم الوطنية لمت تقدمه من ضمانات أساسية لحقوق الدفاع، لأنها تمكن الرأي العام من متابعة عمل القضاء ومراقبته[11]

ونحن نرى ان من أهم مميزات التحكيم تتمثل في الاقتصاد في التكاليف حيث تكون تكاليفه أقل مقارنة مع القضاء العادي الذي يتطلب العديد من المصاريف المتعلقة بالمرافعات والمعاينات و الطعون.

ثانيا: اجراءات التحكيم و دوره في حل نزاعات التأمين على الأشخاص

تتطلب مسطرة التحكيم اتباع مجموعة من الإجراءات و القواعد التي أقرتها نصوص المسطرة المدنية من أجل أن يكون للتحكيم دوره الفعال في حل نزاعات التأمين على الأشخاص.

 1: إجراءات التحكيم.

من الخصائص التي يتميز بها التنظيم الجديد للتحكيم على مستوى الإجراءات، التفصيل والتوسع في التناول، والإستقلال نسبيا عن القواعد الإجرائية المتبعة أمام المحاكم، وهذا خلاف على ما كان معمولا به وفق المقتضيات الملغاة وهكذا خصص اثني عشر فصلا للإجراءات (الفصل 9-327 إلى 21-327) من القانون المسطرة المدنية المغربي.

ففي الفصل 18-327[12] قضى المشرع بتطبيق هيئة التحكيم للقواعد القانونية المتفق عليها من قبل الأطراف على موضوع النزاع. و في حالة عدم اتفاقهم طبقت القواعد القانونية الواجبة التطبيق مع مراعاة الهيئة لتلك القواعد الأكثر اتصالا بالنزاع، و تعتد بشروط العقد، و الأعراف و العادات التجارية، و ما جرى به العمل بين الأطراف.

وابرازا للمرونة الإجرائية في القضايا التحكيمية، لم يلزم المشرع الهيئة التحكيمية باحترام نفس القواعد المعمول بها أمام المحاكم وإنما أعطاها سلطة وحرية تطبيق الإجراءات التي تراها مناسبة دون أن تخالف القانون، وذلك دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد المتبعة لدى المحاكم، إلا اذا اتفقا الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم، و تأكيدا لطابع المرونة سمح المشرع لأطراف التحكيم بالاتفاق على مكان التحكيم حيث يجوز أن يكون داخل المغرب أو خارجه، شريطة مراعاة ظروف الدعوى و محل اقامة الأطراف[13]

 2: دوره في حل النزاعات.

عادة ما يتم اللجوء إلى التحكيم في مادة التأمين فتعتمده باعتبارها شركات تجارية واختيارها للتحكيم كوسيلة لفض النزاعات باعتباره الطريق الوحيد لاختصار الوقت وتقليل النفقات وتحقيق نتائج أفضل، مع الإحتفاظ بخوصية النزاع عند الإقتضاء ودون حاجة إلى التصفية بالعلاقات التجارية القائمة مع الطرف الآخر في النزاع، ورغم ذلك هناك بعض المعوقات التي تقف في سبيل اتخاد التحكيم اسلوب في حل التأمين. ومادام أن أغلب النزاعات في ميدان التأمين تجمع بين طرف مهني و الآخر مستهلك فهذا يجعل شرط التحكيم باطلا، وإذا كان المستهلك المغربي من وجهة نظر البعض لا يتوفر على أية وسيلة يحتمي بها ضد خطورة هذا الشرط مادام أن الفصلين 309 و 310[14] من قانون المسطرة المدنية استثنيا العديد من الحقوق لتكون محلا للتحكيم. و لم يجعل العقود المختلطة مشمولة بهذا الإستثناء، لكن من وجهة نظرنا نعتبر هذا التعميم لا يشمل قانون التأمين إذ اعتبر المشرع المغربي في المادة 35 من مدونة التأمينات[15] و غالبا ما تتم هذه الموافقة بتوقيعه على هذا الشرط بعبارة قرئ و صودق عليه، و الغرض من هذه الشكلية هو ضمان علم المؤمن له علما حقيقيا لهذا الشرط و اخفائه بين بنود العقد للتأثير على رضاه.

فقد عرف المنتظم الفرنسي الدولي نشأة عدة مراكز للتحكيم و كانت أولى الدول المهتمة بهذا المجال بريطانيا تم تلتها فرنسا حيث تم احداث مركز فرنسي بتاريخ 10 يناير 2010 للتحكيم في التأمين و اعادة التأمين بتعاون مع عدة فعليات من ضمنها الجمعية الدولية لقانون التأمين، و يمكن اجمال مهامه فيما يلي:

– البحث عن جميع المعطيات الضرورية لحسن سير التحكيم في اعادة التأمين و تطوير اعادة التأمين الإجباري

– تحديد أتعاب المحكمين و نماذج شروط التحكيم الاتفاقي

– خلق مركز دولي للتوثيق في مادة التحكيم

خاتمة:

إن تطوير الوسائل البديلة لتسوية النزاعات هو أكثر من تطوير في الأسلوب، إنه يظهر في الواقع الحاجة إلى تغيير عميق في النظام القضائي المعاصر ينقلنا هذا التغيير من القانون المفروض إلى القانون القابل للمفاوضة، وهذا يعتبر نهاية للدولة صاحبة النفوذ القوي التي تكون فيها القوانين والأنظمة الوسائل الوحيدة والمفضلة لتسوية النزاعات فنحن أصبحنا نعيش في عالم يعطي أهمية كبرى للعقد، وهذه إشارة بأن القانون موجود خارج الدولة وبهذه الطريقة نكون قد انتقلنا من عدالة صارمة إلى عدالة أكثر ليونة، وذلك عن طريق تفعيل تطبيق أساليب الحلول البديلة باتخاذ مجموعة من الإجراءات:

  •  تقنين نظام الوسائل البديلة في نصوص واضحة ومفصلة خالية من الغموض وغير قابلة لعدة تأويلات.
  • نشر وترسيخ ثقافة هذا النظام نظريا وممارسة.
  • مشاركة هيآت الدفاع للعمل على اندماجه وذلك بإدخال تعديلات على القانون المنظم لمزاولة مهنة المحاماة بخصوص السماح للمحامي بممارسة مهنة الوساطة.
  • اقتناع الأطراف بجدواه.
  • المساهمة في إنعاش الوسائل البديلة لفض المنازعات.
  • المساهمة في خلق جو من الثقة والاطمئنان الملائم لتحريك الإدخار الوطني وجلب الاستثمار الأجنبي عن طريق فض المنازعات بالوساطة والتحكيم.
  • المساهمة في مسيرة بناء التنمية الشاملة والجهوية والحكامة الجيدة عبر إنعاش الوسائل البديلة لفض النزاعات.
  • نسج علاقات عمل وشراكة بين الجمعيين ورجال الأعمال والمستثمرين وأسرة القضاء.

ويتطلب إنجاح هذا النظام مجموعة من الضمانات منها:

  • ضمان النزاهة الذي يتطلب احترام موافقة الأطراف المتنازعة.
  • ضمان السرية.
  • ضمان الحياد واستقلالية الوسيط.
  • ضمان أشكال الاتفاق.

لائحة المصادر والمراجع :

لائحة المصادر:

– القرآن الكريم.

– ابن منظور، لسان العرب المجلد الخامس عشر، دار الطباعة والنشر ببيروت، طبعة 2004.

مقال قد يهمك :   بوشعيب البوعمري : مسؤولية المحافظ و الطعن في قراراته

* المراجع العامة:

– وليد محمد عباس: التحكيم في المنازعات الإدارية ذات الطبيعة التعاقدية، دراسة مقارنة في فرنسا و مصر و دول مجلس التعاون لدول الخليج العاربي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، طبعة 2010.

– عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2015، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2015.

– عبد العزيز حضري: القانون القضائي الخاص، مطبعة الجسور، وجدة، طبعة 2007.

* المراجع الخاصة:

– أحمد أبو الوفا: عقد التحكيم وإجراءاته، مطبعة منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الثانية، 1974.

* المقالات:

– عز الدين بنستي: مقال تجليات التسوية الودية في المادة التجارية، مقالات وزارة العدل، عدد 2/2004.

* المواقع الالكترونية:

http://alhoriyatmaroc.worldgoo.com/

http://www.startimes.com/f.aspx?t=34484601

http://www.marocdroit.com/


 الهوامش : 

(*) من عروض الماستر.

[1]–  ابن منظور، لسان العرب المجلد الخامس عشر، دار الطباعة والنشر ببيروت، طبعة 2004، ص 208.

[2] – عز الدين بنستي، مقال تجليات التسوية الودية في المادة التجارية، مقالات وزارة العدل، عدد 2/2004

[3]http://www.marocdroit.com/ تاريخ الولوج: 17:45 01/01/2016

[4]–  http://www.startimes.com تاريخ الولوج: 18:32 01/01/2016

[5] – سورة النساء، الآية 35.

[6] – سورة النساء، الآية 65

[7]–  http://alhoriyatmaroc.worldgoo.com/ تاريخ الولوج: 02/01/2016- 12:04

[8] – وليد محمد عباس: التحكيم في المنازعات الإدارية ذات الطبيعة التعاقدية، دراسة مقارنة في فرنسا و مصر و دول مجلس التعاون لدول الخليج العاربي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، طبعة 2010، ص:21.

[9] – عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2015، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2015، ص:299.

[10] – الدكتور أحمد أبو الوفا: عقد التحكيم و إجراءاته، مطبعة منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الثانية، 1974، ص:16-17

[11] – عبد العزيز حضري: القا-نون القضائي الخاص، مطبعة الجسور، وجدة، طبعة 2007، ص:54

[12] – الفصل 18-327: تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان.

إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه أكثر اتصالا بالنزاع، و عليها في جميع الأحوال أن تراعي شروط العقد =موضوع النزاع و تأخذ بعين الاعتبار الأعراف التجارية و العادات و ما جرى عليه التعامل بين الطرفين، و إذا اتفقا طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناءا على قواعد العدالة و الإنصاف دون التقيد بالقانون.

[13] – الفصل 10-327: تضبط الهيئة التحكيمية إجراءات مسطرة التحكيم التي تراها مناسبة مع مراعاة أحكام هذا القانون دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد المتبعة لدى المحاكم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم.

ولطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في المملكة المغربية أو خارجها، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكانا ملائما للتحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى ومحل إقامة الأطراف. ولا يحول ذلك دون أن تجتمع هيئة التحكيم في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على المستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك.

يعامل أطراف التحكيم على قدم المساواة وتهيئ لكل منهم فرصة كاملة ومتكافئة لعرض دعواه ودفوعاته وممارسة حقه في الدفاع.

تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يكتمل فيه تشكيل هيئة التحكيم ما لم تتفق الأطراف على غير ذلك.

[14] – الفصلين 309-310 من قانون المسطرة المدنية: -الفصل 309

مع مراعاة مقتضيات الفصل 308 أعلاه، لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة.

الفصل 310: لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.

غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي.

بالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 317 أدناه، يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية.

يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في نطاق هذا الفصل إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني.

[15] – المادة 35 :

يقع باطلا ما يرد في عقد التأمين :

1- كل شرط من الشروط التي تنص على سقوط حق المؤمن له في حالة خرقه للنصوص التشريعية أو التنظيمية ما لم يشكل هذا الخرق جناية أو جنحة مرتكبة عمدا ؛

2- كل شرط ينص على سقوط حق المؤمن له لمجرد تأخر في التصريح بالحادث للسلطات أو في الإدلاء بوثائق ، دون المساس بحق المؤمن في المطالبة بتعويض يتناسب مع الضرر الذي يكون قد لحقه من هذا التأخير أو الإدلاء بالوثائق ؛

3- كل شرط تحكيم لم يوافق عليه المؤمن له صراحة عند اكتتاب العقد.

 ظهير شريف رقم 238-02-1 صادر في 25 من رجب 1423 بتنفيذ القانون رقم 99-17 المتعلق بمدونة التأمينات (ج. ر. بتاريخ 2 رمضان 1423 – 7 نوفمبر 2002).

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)