تفاقم احتجاجات الأساتذة المتعاقدين في ضوء خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018/ 2021)

بدر اعليلوش[1]

 تابع المغاربة يوم 20 فبراير من السنة الجارية أحداث المسيرة الاحتجاجية التي ساهم فيها ألاف الأساتذة المتعاقدين، والتي عرفت إنزالا أمنيا كثيفا، وتدخلا ثقيلا استخدمت فيه خراطيم المياه والهراوات، وخلف إصابات عديدة في الجانبين، المحتجون والأمنيون، فيما ركز الرأي العام على بعض الصور التي توثق تعنيف بعض الأساتذة المتعاقدين. وقد عرفت هذه الأحداث تغطية إعلامية مكثفة، ومواكبة أكثر كثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت الأحداث محط اهتمام الرأي العام.

في نفس السياق، وفي منحى تصاعدي، سيقرر الأساتذة المتعاقدون من خلال تنسيقيتهم خوض إضراب وطني طيلة الأسبوع الجاري، في ظل عدم توصلهم بأجورهم. وعلاوة على تصاعد الاهتمام الإعلامي بالموضوع، تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي عبارات التضامن، وصورا تنسب لأساتذة متعاقدين وهم بصدد مغادرة حجرات الدرس مرفقة بعبارات الاعتذار للتلاميذ وأولياء أمورهم، معبرين عن أنهم دفعوا إلى الإضراب كحل أخير، وهو الأمر الذي تداولت بعض وسائل الإعلام تفهمه من طرف أولياء التلاميذ الذين وجهوا اللوم للحكومة في نهاية المطاف.

كما أن تفريق بعض الاعتصامات المقامة أمام الأكاديميات الجهوية عرف حسب ما تم تداوله في بعض المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تدخلا عنيفا من القوات الأمنية، غزت صورها موقع فايسبوك، لتطلق مجددا في ظل الإضراب والتصعيد حملة تضامنية واسعة من كافة شرائح المجتمع رفعت شعار: ”الإدماج أو البلوكاج”.

إن السياقات والأحداث الاحتجاجية أعلاه تدفعنا لمساءلة واقع منظومة حقوق الإنسان بالمغرب- في ظل استمرار مقارعة الاحتجاج بالإجراءات الأمنية، واعتباره على ما يبدوا آيلا للزوال ومسألة ظرفية عابرة!-  المغرب الذي يحمل مشروعا طموحا لإرساء حقوق الإنسان جسده في خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018/2021)[2]، وهي تضم بين دفتيها محاور يشكل تنزيلها حلولا ناجعة لاحتواء الظاهرة الاحتجاجية وحسن تصريفها، بل واستثمارها في تعزيز مناخ الديمقراطية بوجهيها التمثيلية والتشاركية.

مقال قد يهمك :   نحو مقترح يضع رفع حالة التنافي بين مزاولة مهنة المحاماة و وظيفة الأستاذ الجامعي في القانون  بيد " مجالس الهيئات "

كما أن هذه الأحداث لا يمكن عزلها عن بعض القضايا الكبرى المتفاعلة معها، وعلى رأسها:

  • توسع هامش الحريات والحقوق وسعي المواطنين إليها في ظل تأزم الأوضاع الاجتماعية المتأثرة بتداعيات العولمة وسيادة الرأسمالية؛
  • تراجع الأدوار والآليات التأطيرية للمجتمع المدني وعلى رأسه الأحزاب والنقابات- الفاعل الأساسي؛
  • تنامي خطر الحركات الإرهابية والمتطرفة المقتاتة على مناخ الإحباط؛
  • مساهمة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على كافة المستويات في عكس مختلف الاختلالات؛

وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى مضاعفة المخاطر والآثار الناتجة عن سوء التعامل مع الظاهرة.  فالاحتجاج السلمي دون الحاجة للتذكير حق كفله الدستور (الفصل 29)، ووسيلة للتعبير وإبداء الرأي، تحيل إلى مسألة غياب الثقة، وتجاوز المؤسسات التمثيلية إلى التعبير الذاتي والمباشر عن المطالب[3].

 وقد تفطنت خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018/ 2021) إلى محورية الحق في الاحتجاج والتظاهر، إذ دعت إلى حماية حق التجمع والتظاهر وتعزيز الآليات المؤسسية فيما يتعلق بمواكبة الحركات المطلبية، معتبرة أن ملاءمة الإطار القانوني المتعلق بحريات الاجتماع مع المعايير الدولية والدستور، ومراجعة القوانين المنظمة للحريات العامة، ومراجعة إجراءات فض التجمعات العمومية؛ ضرورة ملحة (راجع التدبيرين 63 و64 من الخطة)، هذه الأخيرة لا تستغني عن دعم الحكامة الأمنية، تعزيزا لمتطلبات التوازن بين حفظ الأمن والنظام العام واحترام حقوق الإنسان،  والتي تقتضي تفعيل مجوعة من التدابير المتعلقة بإرساء فعل أمني يراعي التناسب ويستحضر الضرورة عند استعمال القوة في فض التجمعات العمومية والتظاهرات السلمية، والذي لن يستقيم دون المزيد من التكوين والتحسيس في مجال استعمال القوة وتدبير فضاءات الاحتجاج (انظر التدابير 50، 59 و61).

إن مسألة التعاقد مع الدولة، التي عوضت التوظيف، لم تحظ يوما بقبول الشارع المغربي، الذي تعاطى معها بظرفية وإذعان، تحاول اليوم الحركة الاحتجاجية إنهاءه، في تكريس لتغييب مفهوم إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام والذي يعد من أهداف خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الأنسان (2018/ 2021).

التي جاءت بتدبيرين أساسيين في هذا الباب يتعلق الأول بتكريس مبدأ التشاور العمومي في إعداد السياسات العمومية والمساهمة في إعداد القرارات والمشاريع (التدبير رقم 5)، ويتعلق الثاني بإطلاق برامج تواصلية لتعزيز الديمقراطية التشاركية (التدبير رقم 8)، والتي تشكل آليات ذات بعد وقائي يسهم في تفادي إهدار زمن الإصلاح الثمين في الاحتجاجات وقمعها وأثارها في تعميق الإحباط العام، فالإذعان نقيظ الإشراك والتشاور.

مقال قد يهمك :   تتميم مدونة التجارة بمقترح قانون لملاءمة الممارسة البنكية في المغرب مع أوروبا

ولا يخفى علينا أن السير نحو تعزيز جودة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي لا ينفك ينفصل عن تحسين وضعية المدرسين، المعول عليهم في تعزيز التربية على حقوق الإنسان والمواطنة وقيم التسامح والعيش المشترك والمساواة والإنصاف؛ ضمانات مغرب في مستوى طموحات مواطنيه (انظر التدبيران 87 و91).

إن كل الإنجازات- نقتبس من الخطة- التشريعية والمؤسساتية والفعلية، على أهميتها وقيمتها في التطور السياسي والحقوقي للبلاد، لا يمكن أن تحول دون القول بأن ثمة اختلالات عديدة ينبغي إصلاحها ونقائص متعددة يتعين معالجتها[4]، وهو ما أفضى لوضع هذه الخطة الوطنية التي نسعى لتنزيلها[5]!.


الهوامش :

 [1]  باحث بسلك الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، عضو المكتب التنفيذي لشبكة شمال المغرب لتتبع تنفيذ خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.

[2]  خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018/2021)، وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان، دجنبر 2017، متاحة على موقع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان: www.didh.gov.ma.

[3]  للتوسع حول الاحتجاج السلمي: مفهومه وأشكاله.. إلخ؛ قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بإعداد دراسة قيمة حول حرية الاحتجاج السلمي، متاحة على  موقعه الالكتروني: www.cndh.ma.

[4]   خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018/ 2021)، وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، دجنبر 2017، ص 11.

[5]  تطمح شبكة شمال المغرب لتتبع تنفيذ خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى التعريف بالخطة الوطنية ودعم العمل على تعزيز تنفيذها، وهي تضم فعاليات من المجتمع المدني بشمال المغرب، وجاء تشكيلها ثمرة لشراكة تجمع مرصد الشمال لحقوق الإنسان بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)