مجلة مغرب القانونالقانون الخاصتقييم لبعض مقتضيات مدونة السير  في ضوء مستجدات  قانون  116.14

تقييم لبعض مقتضيات مدونة السير  في ضوء مستجدات  قانون  116.14

عبــدالإله العبـاسي

عضو المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب

باحث في القانون

تـقديــم:

لن نبالغ في القول إذا إعتبرنا أن آفة حوادث السير باتت في الظروف الراهنة من أهم المواضيع   الاجتماعية التي تقلق راحة كافةمكونات  المجتمع على المستوى الوطني بسبب ما تحصده من أرواح بريئة وما تخلفه من مآسي اجتماعية لدى عائلات ضحاياها ، وماتكبده من خسائر مادية تكلف الاقتصادالوطني الشيء الكثير،فاستعمال السيارة والاعتماد عليها أصبح من ضروريات الحياة اليومية للإنسان لكونها أصبحت الوسيلة الحديثة التي يعتمد عليها في التنقل وقضاء المآرب وتوفير الجهد والوقت، غير أنه ورغم ما تقدمه السيارة من فوائد كثيرة ومهمة لمستعمليها فإن سوء استخدامها من طرف بعض السائقين يجعلها مصدر خطر على حياة الإنسان[1].

ففي الوقت الذي أصبحت فيه الطرقات بالمغرب تشكل مسرحا للعديد من الحوادث الخطيرة التي تتزايد يوما بعد يوم حيث أن معضلة حوادث السير عرفت إرتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة مخلفة وراءها العديد من القتلى و الجرحى المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، و لا أدل على ذلك الإحصائيات المؤقتة لحوادث السير على المستوى الوطني خلال سنة 2018 حيث بلغ عدد حوادث السير المرتكبة 96133 حادثة نتج عنها 3485 قتيلا و 8725 مصابا بجروح بليغة و 128249 مصابا بجروح خفيفة[2].

ولذلك  كان لابد من بلورة و تحديد برنامج و  مخطط متكامل للتخفيف من مخاطر حوادث السير ببلادنا، وفي هذا السياق جاء قانون 52.05 بمثابة مدونة السير على الطرق[3] في إطار  الإصلاحات التشريعية التي عرفتها و تعرفها بلادنا في إطار تعزيز الترسانة القانونية  كإطار قانوني الغاية منه الوقايةمن جهة والزجر من جهة ثانية لفرض احترام قانون السير و الإلتزام بقواعد السير العام على الطرق المفتوحة للسير العمومي  على جميع مستعملي الطريق وإعادة تأهيل السائقين المخالفين بعد ارتكابهم بعض المخالفات لقانون السير، وذلك من خلال ما يتضمنه من إجراءات مسطرية وموضوعية وأخرى تقنية وعلمية أكثر حداثة وتقدما في مجال إثبات الجرائم.

ومن أجل تنزيل و تحقيق  الأهداف المذكورة و الغاية من سن قانون السير  فإن المشرع قد أناط بكل الجهات المعنية بتطبيق أحكام المدونة اختصاصات دقيقة ورصد لها آليات محددة لضبط مخالفات مقتضياته ، ومن بين تلك الجهات جعل للقضاء سواء النيابة العامة من خلال تحريكها للدعوى العمومية – حيث تعتبر الطرف الرئيسي الذي يرجع إليه حق تحريك الدعوى العمومية باسم المجتمع [4]– أو قضاء الحكم – باعتباره الجهة التي خولها القانون صلاحية إصدارالأحكام في الدعوى المعروضة أمامها[5]  دورا محوريا في التطبيق السليم لمدونة السير و التقيد بأحكامها و السهر على حماية حقوق ضحايا حوادث السير و ضمان أمنهم القانوني و القضائي .

غير أن مدونة السير ورغم ما تضمنته من إجراءات ومساطر مفصلة، ورغم وجود مجموعة من النصوص التنظيمية التي تروم التطبيق السليم للأحكام الموضوعية التي جاءت بها، فإن الجهاز القضائي المتمثل في النيابة  العامة و قضاء الحكم قد واجه صعوبات في تطبيقها ناتجة عن الإشكاليات التي كانت تطرحها و لا زالت  تطرحها .

ووعيا من المشرع المغربي بقصور بعض المقتضيات القانونية الواردة بمدونة السير في توفير الحماية القانونية و القضائية لحقوق الأفراد ضحايا حوادث السير و الذي أفرزه التطبيق العملي للمدونة السالفة الذكر ، فقد بادر إلى إدخال عدة تعديلات تروم تحقيق المزيد من الحماية و التقليل من نسبة حوادث السير التي تقع بمختلف الطرق العمومية على الصعيد الوطني ، و في هذا الإطار جاء  القانون رقم 116.14[6] حيث أدخل المشرع عدة تعديلات بمقتضى القانون السالف الذكر سواء على المستوى الموضوعي  أو على مستوى الإجرائي لتجاوز بعض النقائص التي اعترت مدونة السير ، فهل أفلح المشرع المغربي في تجاوزها من خلال هذا القانون؟

  و من هذا المنطلق يبقى التساؤل مشروعا  حول الإشكاليات التي تطرحها بعض مقتضيات مدونة السير على الرغم من التعديلات التي أدخلها المشرع المغربي بمقتضى القانون 116 .14 ؟ و هل حققت هذه التعديلات أو ستحقق الهدف المبتغى من وراء إدخالها؟ و ما هي الحلول الكفيلة بتجاوزها ؟ و ماهي الإشكالات التي كانت تطرحها مدونة السير و مازالت تطرحها على الرغم من التعديلات السالفة الذكربمناسبة تطبيقها من طرف القضاء؟

        و للإجابة على مختلف هذه التساؤلات  سنتعمد على مقاربة قانونية تروم تحليل المقتضيات القانونية المرتبطة بقانون السير مع تطعيمها ببعض الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع كلما سنحت الفرصة بذلك للوقوف على مدى حماية  مدونة السير لحقوق الأفراد و ضمان أمنهم القانوني و القضائي.

 و لدراسة هذا الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى ثلاث نقط أساسية نتناول في النقطة الأولى الإشكالات المثارة على مستوى ضبط مخالفات أحكام مدونة السير( أولا)، على أن نتناول في النقطة الثانية الإشكالات المثارة أثناء إجراءات المحاكمة (ثانيا)، ثم نتطرق في نقطة ثالثة للإشكالات المثارة أثناء إصدار الأحكام و تبليغها و مواكبتها مع التطرق لبعض الحلول الكفيلة بتجاوز هذه الإشكالات  أثناء المناقشة في متن الموضوع.

و عليه سنتطرق لدراسةهذا الموضوع وفق التقسيم الآتي:

أولا: الإشكالات المثارة على مستوى ضبط مخالفات أحكام مدونة السير

ثانيا: الإشكالات المثارة أثناء إجراءات المحاكمة

ثالثا: الإشكالات المثارة أثناء إصدار الأحكام و تبليغها

أولا: الإشكالات المثارة على مستوى ضبط مخالفات أحكام مدونة السير

إذا كان من المقرر قانونا بمقتضى قانون المسطرة الجنائية، أن النيابة العامة هي من تتولى إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها[7]، فإنه في قضايا السير لا يخرج اختصاصها عن هذا الإطارمع وجود بعض الخصوصيات المسطرية التي جاء بها مشرع مدونة السير الجديدة، غير أن تطبيق أحكام هذه الأخيرة من قبل النيابة العامة  و المحاكم تعترضه مجموعة من الإشكالات القانونية على مستوى ضبط مخالفات أحكام مدونة السير ، فأين تتجسد هذه الإشكاليات؟

للإجابة على هذا السؤال سأحاول دراسته من خلال ست نقط  أساسية الأولى مرتبطة بالإشكالات المتعلقة  بالمعاينة الآلية لمخالفات تجاوز السرعة  و الثانية متعلقة  بالإشكالات المثارة بشأن إزاحة المركبات المودعة في المحجز بسبب عدم الخضوع للمراقبة التقنية ، فيما تتعلق النقطة الثالثة بالاشكاليات المرتبطة بإثبات جنحة السياقة تحت تأثير مواد مخدرة أو أدوية تمنع السياقة بعد تناولها، و النقطة الرابعة تتناول الإشكالات المرتبطة بالخبرة التقنية و البحث الإداري في حوادث السير المميتة ، على أن نتناول في نقطة خامسة الإشكاليات المرتبطة بإثبات بعض المخالفات التي تحتاج لوسائل تقنية ، ثم نتطرق في النقطة السادسة لإشكالية تداخل جنحة الفرار كظرف تشديد و كجنحة مستقلة.

أ :الإشكالية المرتبطة بالمعاينة الآلية لمخالفات تجاوز السرعة

في إطار الثورة الرقمية و التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم اليوم  كان لزاما على المشرع المغربي في ظل وجود وسائل تكنولوجية متطورة التنصيص قانونا على استخدامها لضبط المخالفات لقانون السير، حيث أوجب  على الضباط والأعوان المكلفين بضبط مخالفات نظم السير استعمالها لضبط مخالفات تجاوز السرعة القانونيةطبقا لأحكام المواد 191 و 194 و 197 من المدونة ، والمادة 12 من المرسوم رقم 2.10.419 الصادر بتاريخ 29/09/2010 المتعلق بتطبيق مدونة السير، فإنه يترتب عن ذلك أن النيابة العامة لا يمكن لها  أن تتابع السائقين الذي أخلوا بقانون السير من أجل مخالفات تجاوز السرعة القانونية طبقا للمادتين 184 و 185 من مدونة السير، ولا من أجل جنحة تجاوز السرعة بأكثر من 50 كلم/ساعة طبقا للمادة 175 من المدونة، إلا إذا تمت الإشارة في المحضر على أن المخالفة قد تم ضبطها باستعمال أجهزة تقنية تعمل بطريقة آلية و ذلك لكون المشرع في مدونة السير نص صراحة على  ضبط مخالفات السرعة بوسائل تقنية[8].

كما أنه لا يمكن للنيابة العامة أن تتابع من أجل مخالفة عدم احترام السرعة المفروضة المنصوص عليها في المواد 186  و87 من مدونة السير ولو كانت الظروف والملابسات يستفاد منها أن السائق كان يسير بسرعة تتجاوز السرعة المفروضة، إلا إذا تمت الإشارة في المحضر إلى السرعة المفروضة بالمكان الذي ضبطت به المخالفة ، و هذا ما يجعل من ضبط مخالفات السرعة و معاقبة المخالفين  أمرا صعبا خصوصا إذا استحضرنا النقص الحاصل لدى الأعوان المكلفين بضبط مثل هذه المخالفات في الوسائل اللازمة لضبطها.

  و على الرغم من التعديلات التي طالت المدونة بمقتضى القانون السالف الذكر فإن المشرع لم ينتبه لهذه الإشكالية و لم يحاول أن يجد لها حلا تاركا فراغا على هذا المستوى يجعل من فرض إحترام السرعة القانونية أمرا صعبا.

ولتجاوز هذه الإشكالية يتعين على المشرع المغربي من جهة  التدخل في هذا الإطار و تخويل النيابة العامة السلطة التقديرية في المتابعة بتجاوز السرعة أو عدم احترام السرعة المفروضة، في الأحوال التي لا تكون فيها أجهزة المراقبة الالكترونية (الرادارات) أو علامات تحديد السرعة موجودة بمكان وقوع الحادثة – خصوصا و أن أجهزة المراقبة الالكترونية ” الرادارات الثابتة و المتحركة ” غير معممة على جميع الطرقات العمومية- وتظهر من خلال ظروف وملابسات الحادثة – المحددة بمحضر الضابطة القضائية – أن السائق المخالف كان يسير بسرعة غير ملائمة ومكان الحادثة إذ أن كل سائق يتوجب عليه ملاءمة سرعته لظروف زمان و مكان الحادثة[9] و إن إقتضى الحال التوقف نهائيا[10]، أو أنه تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بمكان الحادثة ، و من جهة ثانية يتعين على الأعوان المكلفين بضبط هذه المخالفات  في حالة عدم التوفر على جهاز المراقبة الإلكترونية  وصف مكان المخالفة و ظروف ارتكابها بدقة حتى تتمكن النيابة العامة من تقدير السرعة التي كان على السائق أن يسير بها إستنادا للأوصاف الواردة بمحضر المخالفة و تحدد التكييف القانوني الواجب التطبيق على المخالفة المرتكبة.

  و بقدر ما مكنت هذه الوسائل التقنية من ضبط المخالفين لقانون السير بقدر ما طرحت إشكالا واقعيا ، إذ لوحظ في الآونة الأخيرة إرتفاع كبير في الشكايات المعروضة على مختلف النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة إذ يتوصل الشخص بمحضر المخالفة المتمثلة في تجاوز السرعة و بمكان معين و يفاجئ بأنه لم يقم  بتاتا بزيارة ذلك المكان الذي رصدت فيه كاميرات المراقبة المخالفة المذكورة، و فضلا عن ذلك فإن الصورة المرفقة بمحضر المخالفة و التي يتوصل بها الشخص لا تتعلق بسيارته و هناك اختلاف واضح بينها و بين السيارة مرتكبة المخالفة لا من حيث الشكل و لا من حيث اللون القاسم الوحيد المشترك هو رقم تسجيل السيارة بل و قد يكون هناك اختلاف في طريقة كتابة رقم التسجيل ، و يواجه الشخص بضرورة أداء مبلغ الغرامة لقاء المخالفة التي لم يرتكبها و هي غير مستساغة بالنسبة إليه.

و تجدر الإشارة هنا أن هذا الأمر يكشف عن واقع آخر يجب على المشرع المغربي التصدي له عن طريق إيجاد صيغة معينة لتفادي أداء الشخص غرامة عن فعل لم يرتكبه شخصيا ، خصوصا عندما يكون الإختلاف واضحا بين سيارته و السيارة مرتكبة المخالفة إذ يجب أن لا ننسى أن هناك سيارات تم تزوير رقم تسجيلها باستخدام رقم تسجيل مدرج بالناظم الإلكتروني للسيارة المسجلة بالمغرب.

ب – الاشكالية المرتبطة بإزاحة المركبات المودعة في المحجز بسبب عدم الخضوع للمراقبة التقنية

تنص المادة 116 المذكورة على أنه: “يجب إزاحة المركبة المودعة في المحجز، لعدم توفرها على وثيقة المراقبة التقنية أو لعدم صلاحية هذه الأخيرة، و نقلها إلى أقرب مركز للمراقبة التقنية، بواسطة مركبة مرخص لها، لإخضاعها إلى المراقبة التقنية “.

   من خلال قراءة المادة المذكورة يظهر أنها  واضحة الصياغة ، و لكن بمجرد محاولة تطبيقها  عند ضبط المخالفة هنا يطرح إشكال عملي و واقعي يواجه النيابة العامة  و هو أنه عند ضبط مركبة غير خاضعة للمراقبة التقنية يتم قطرها ليتم إيداعها بالمحجز[11] إلى حين إنهاء المخالفة ، و معلوم أن إنهاء المخالفة يتطلب نقل المركبة لمركز الفحص التقني لإخضاعها للمراقبة التقنية و الحصول على الوثيقة التي تثبت ذلك و تصبح بذلك مطابقة لأحكام مدونة السير و هذا الأمر صعب التنفيذ إذ أن العون الذي يضبط المخالفة لا يسمح بتسليم المركبة لمالكها إلا بعد الإدلاء بما يفيد إخضاع المركبة للفحص التقني  و لا يمكن لمالك المركبة الإدلاء بالوثيقة المطلوبة دون نقل المركبة لمركز المراقبة التقنية لإخضاعها للفحص التقني و هنا يبقى الأمر يدور في حلقة مفرغة دون تحقيق نتيجة تذكر و بالتالي فالمشرع لم ينتبه لهذا الإشكال من خلال التعديلات الأخيرة .

 و إلى جانب المصالح الإدارية المختصة التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالنقل و ضباط الشرطة القضائية أو العون المحرر للمحضر ، يخول القانون للسلطة القضائية – سواء تعلق الأمر بالنيابة العامة أو بقضاة التحقيق أو هيئة الحكم- صلاحية إصدار الأمر بإيداع المركبات في المحجز كلما نص القانون صراحة على ذلك ( مثلا المواد 160 و 161 و 238 و 286 من مدونة السير) ، إذا تعلق الأمر بالمخالفات الواردة في المادة 111 [12]  من مدونة السير كحالة المركبة الحاملة لصفائح تسجيل مزورة أو غير متوفرة عليها أو غير مسجلة أو غير مؤمن عليها أو الموجودة في وضعية مخالفة للأحكام بالمصادقة…، و يعهد إلى الجهة التي عاينت المخالفة بتنفيذه  طبقا للشكليات المحددة قانونا في المادة 113 و ما يليها من مدونة السير على الطرق[13] ووفق المدة التي قد تحددها السلطة القضائية المصدرة للأمر عند الإقتضاء[14].

  و من أجل تجاوز هذا الإشكال نرى أنه يتعين التنصيص صراحة على وجوب التزام سائق المركبة أو مالكها أو المسؤول المدني عنها لدى الضابطة القضائية – قبل نقلها بواسطة مركبة مرخص لها- بإخضاعها إلى المراقبة التقنية داخل أجل معقول و إدلاءه بما يفيد تنفيذ التزامه المذكور خلال هذا الأجلوذلك تحت طائلة الجزاء ، مع التنصيص صراحة على ضرورة احتفاظ الضابط المختص أو العون محرر المحضر برخصة سياقة المعني بالأمر مقابل إذن بقيادة المركبة المعنية إلى حين تسوية وضعيتها و جعلها مطابقة لأحكام هذا القانون.

ج – الاشكالية المرتبطة  بإثبات جنحة السياقة تحت تأثير مواد مخدرة أو الأدوية التي تمنع السياقة بعد تناولها 

 لطالما أثارت المادة 183 من مدونة السير إشكاليات عديدة بمناسبة ضبط  المخالفات التي نصت عليها و خصوصا إثبات جنحة السياقة في حالة سكر حيث دأبت العديد من المحاكم إلى تبرئة المخالفين لعدم إعتماد جهاز كشف الهواء “الرائز” المنبعث من فم السائق الذي يكن في حالة سكر و لا تظهر عليه أيه علامة تفيد ذلك، حيث تنص المادة المذكورة على مايلي: “يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى سنة واحدة وبغرامة من خمسة آلاف (5.000) إلى عشرة آلاف (10.000) درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص يسوق مركبة، ولو لم تكن تظهر عليه أية علامة سكر بين، مع وجوده في حالة سكر، أو تحت تأثير الكحول يثبت من وجود نسبة من الكحولتحددها الإدارة في الهواء المنبعث من فم السائق أو من وجودها في دمه، أو يسوق مركبة مع وجوده تحت تأثير المواد المخدرة أو بعض الأدوية التي تحضر السياقة بعد تناولها”.

 و قد تباينت الإتجاهات بهذا الخصوص حيث أن الإتجاه الأول يرى بأن المادة 183 جعلت جنحة السياقة في حالة سكر أو تحت تأثير الكحول لا تكون قائمة و لا يمكن إثباتها إلا باستعمال “الرائز” الذي يثبت تشبع الهواء المنبعث من الفم بنسبة من الكحول، وعدم الاكتفاء بمعاينة ضابط الشرطة القضائية لحالة السكر التي يكون عليها من وجد على تلك الحالة ولو اقترنت بإحدى علامات السكر البين، وذلك تطبيقا لحرفية نص المادة 183 من مدونة السير، فيما الإتجاه الثاني يعتبر جنحة  السكر والسياقة في حالته متوافرة على كافة عناصرها ولو بدون استعمال الرائز الذي يحدد نسبة تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول الذي يجب الاستغناء عن استعماله وذلك كلما وجد السائق في حالة سكر بين ثابتة بمعاينة ضابط الشرطة القضائية لإحدى علامات السكر البين طبقا للمرسوم الملكي المؤرخ في 14/11/1967، كانبعاث رائحة الخمر من الفم بشكل قوي، وعدم القدرة على المشي والتلعثم في الكلام وحمرة العينين إلى غير ذلك من المواصفات القانونية لحالة السكر العلني البين.

  و لوضع حد لهذا التضارب و الإختلاف في القرارات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة تدخلت محكمة النقض لتوحيد الإجتهاد و التوجه بمختلف المحاكم بشأن إثبات جنحة السياقة في حالة سكر  حيث جاء في قرارها الصادر بهذا الشأن أنه “لا يلجأ إلى استعمال الرائز للنفس بواسطة النفخ في جهاز الكشف عن مستوى تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول المنصوص عليه في المادة 207 من مدونة السير إلا في الحالة التي لا تكون تظهر على السائق أية علامة سكر بين مع وجوده في حالة سكر، مما يستخلص منه انه في حالة السكر البين و السياقة في حالة سكر ، فإنه يكفي لإثباته وجود محضر معاينة من طرف الضابطة القضائية و هو المحضر الذي تبقى له حجيته إلى أن يثبت ما يعاكسه عملا بمقتضيات المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية[15]“، و بعد هذا القرار ذهبت جل المحاكم إلى إدانة المتهم بجنحة السكر و السياقة في حالته و هذا ما أكده حكم المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة عدد 111 بتاريخ 20/02/2019 في ملف جنحي سير عدد 861  الذي جاء فيه” و حيث إن الضابطة القضائية عاينت على المتهم حالة السكر بكل مواصفاتها القانونية ، و أنه استنادا إلى إعتراف المتهم تمهيديا و معاينة الشرطة القضائية تكون جنحة السكر العلني البين و السياقة في حالته قائمة في حقه بكل عناصرها التكوينية مما يتعين معه التصريح بإدانته من أجل ذلك”.

      و معلوم أن التصريح بعدم المؤاخذة يعني إهدار العديد من الجهود المتمثلة في عمل الشرطة القضائية و عمل النيابة العامة قبل تحريك الدعوى العمومية وبعدها مما يؤدى إلى تحميل  خزينة الدولة لغرامات مهمة وعدم تحقيق الردع بنوعيه الخاص والعام، علما أن أكبر نسبة حوادث السير كانت  وما زالت بسبب السياقة بعد تناول المسكرات سواء خمر أو مخدرات أو أدوية ، لذلك كان قرار محكمة النقض المشار إليه أعلاه صائبا و في محله.

مقال قد يهمك :   رقابة القاضي الإداري على مشروعية الترخيص بالبناء

لكن إذا كان الإشكال تم حله بالنسبة لإثبات السياقة في حالة سكر ، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للسياقة تحت تاثير المواد المخدرة أو الأدوية التي تمنع السياقة بعد تناولها فهل الأمر يحتاج للرائز أو لجهاز آخر أم لوسائل يمكن من إثبات السياقة في الحالات المذكورة أعلاه.

إن الملاحظ بهذا الخصوص  أنه من النادر عمليا أن نجد أنفسنا  أمام جنحة السياقة تحت تأثير المواد المخدرة أو الأدوية التي تحضر السياقة بعد تناولها و لذلك لصعوبة الإثبات في هذا المجال ، و في هذا الإطار تنص المادة  213 من مدونة السير على الطرق  على أنه :” يأمر ضباط أو أعوان الشرطة القضائية بإخضاع الأشخاص المشار إليهم في المادة 207 من مدونة السير أعلاه لإختبارات الكشف لإثبات ما إذا كان الشخص قد استعمل مواد مخدرة أو استعمل أدوية تحظر السياقة بعد تناولها، و تحدد الإدارة لائحة هذه الأدوية”.

 بناء على ما سلف ذكره فإنه لإثبات السياقة تحت تأثير مواد مخدرة أو أدوية تحظر السياقة بعد تناولها لابد من إخضاع الشخص لإختبارات الكشف للتأكد مما إذا كان يسوق المركبة تحت تاثير الحالات المذكورة، و هذا الكشف عمليا يتم عن طريق أخذ عينات من دم الشخص الذي من المحتمل ان يكون تحت تأثير مواد مخدرة أو أدوية تحظر السياقة بعد تناولها و إخضاعها للتحليل لقياس نسبة المخدرات أو الأدوية  في المحظورة في دمه، و في حالة ثبوت إختبارات الكشف و إيجابيته ، أو إذا رفض المعني بالأمر الخضوع للإختبارات المذكورة ، أو في الحالة التي يستحيل عليه فيها الخضوع لها يقوم ضابط الشرطة القضائية بالتحققات الهادفة إلى إثبات الحالة المذكورة لدى المعني بالأمر وفق الشكليات و الشروط المحددة في المادتين 214 و 215 من مدونة السير[16].

لكن السؤال المطروح يتمحور حول من سيقوم بهذا الإختبار هل الشخص المعني بالأمر أم ضابط الشرطة القضائية الذي قام بضبطه ؟ و إذا إعتبرنا أن ضابط الشرطة هو من يكلف بالقيام بذلك  فأين تجرى هذه التحاليل ؟ ثم من سيقوم بأداء ثمن إجراءها ؟ علما أن السائق سوف يرفض أداء ثمنها لكونه لا يمكنه أداء  ثمن تحاليل من شأنها أن تثبت المخالفة أو الجنحة ضده، ثم ما العمل إذا ضبط السائق و كانت هناك دلائل على إمكانية وجوده في إحدى الحالات التي نحن بصدد دراستها و كان مكان ضبطه يتواجد بمناطق نائية؟ ثم إن المشرع المغربي بمقتضى المادة 215 من مدونة السير[17] يشترط إجراء هذه التحاليل في نفس اليوم و أن هذه التحاليل يجب أن تجرى على وجه السرعة لتفادي اندثار آثار المواد المخدرة أو الأدوية؟  ثم هل أن إختبار الكشف هو الوسيلة الوحيدة لإثبات السياقة تحت تأثير المواد المخدرة أو الأدوية التي تمنع السياقة بعد تناولها ؟ ثم ماذا عن إعتراف المتهم بالسياقة في الحالات المذكورة؟ ثم هل  تعتبر السياقة تحت تأثير المواد السالفة الذكر  من الجرائم التي تثبت بالمعاينة؟

 كل هذه الأسئلة تجعل من إثبات السياقة تحت تأثير المواد المخدرة و الأدوية المحظورة أمرا صعبا يتطلب من المشرع المغربي التدخل لإعداد وسائل أكثر مرونة لضبط مثل هذه الجنح ، فضلا عن أنه و لتفعيل مقتضيات المادة 183 من مدونة السير في هذا الشق يجب العمل على خلق تنسيق ما بين السلطة الحكومية المكلفة بالنقل و وزارة الداخلية  ووزارة الصحة و تضافر الجهود فيما بينها من أجل إيجاد صيغة ملائمة و مرنة لتسهيل تطبيق مقتضيات المادة المذكورة في الشق المتعلق بالتثبت من حالات الساقة تحت تأثير مواد مخدرة أو أدوية تحظر السياقة بعد تناولها.

د -الاشكالية المرتبطة  بالخبرة التقنية و البحث الإداري في حوادث السير المميتة

تنص المادة 137 من مدونة السير على أنه ” يمكن أن تكون حوادث السير الخطيرة أو المميتة  موضوع بحث تقني و إداري ، و يراد بالبحث التقني و الإداري القيام بجميع التحريات التقنية  و الإدارية الضرورية لتحديد أسباب و ظروف وقوع  الحوادث المذكورة ، يحدث لهذه الغاية لدى السلطة الحكومية المكلفة بالنقل مركز وطني للأبحاث التقنية و الإدارية  للبحث في حوادث السير الخطيرة أو المميتة ، يحدد تنظيمه و اختصاصاته و كيفية اشتغاله بنص تنظيمي ، و  يوجه تقرير البحث التقني والإداري الذي يعده المركز المذكورداخل أجل عشرة أيام كاملة[18] – و قد أكد ذلك قرار صادر عن المجلس الأعلى الذي أصبح حاليا محكمة النقض حيث جاء فيه ” أن جميع الآجال المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية هي آجال تامة لا تشمل يوم الإفتتاح و لا يوم الإختتام[19] “- من تاريخ وقوع الحادثة إلى السلطات الإدارية  و كذا  إلى النيابة العامةللإستئناس به  في تحديد مسؤولية الأطراف”.

        الملاحظ في هذا الصدد و منذ الوهلة الأولى أنه يجب على الجهة المكلفة بالبحث التقني و الإداري أن تتواجد بمكان الحادثة ساعة وقوعها لإجراء الأبحاث و التحريات الضرورية للوقوف على ظروف و أسباب وقوع الحادثة الخطيرة أو المميتة دون غيرها من الحوادث، لكن الواقع غير ذلك فهذه الجهة لا تتحرك إلا بعد مرور مدة زمنية ليست بالهينة على تاريخ ارتكاب الحادثة لإنجاز تقرير بحثها و إرساله للجهات المختصة و ذلك بسبب غياب آليات التواصل بين هذه الأخيرة وبين الشرطة القضائية والتي تحول دون علم الجهة المعنية المذكورة بوقوع الحادثة في إبانها وبالتالي عدم القيام بالبحث التقني والإداري المنصوص عليه في المادة 137 المذكورة ، و من بين أهم الجهات التي يحال عليها هذا التقرير هي النيابة العامة المختصة مكانيا للبت في المسطرة المنجزة على إثر ارتكاب الحادثة للإستئناس به لتحديد مسؤولية كل طرف في الحادثة ، إلا أنه غالبا ما تحال المسطرة على النيابة العامة التي تقرر فيها و تحرك الدعوى العمومية بشأنها و تراقبها بل و قد يصدر الحكم في القضية و يتم استئنافه ثم بعد ذلك يحال تقرير البحث التقني و الإداري على النيابة العامة ، فما فائدته في هذه الحالة .

          ثم إنه على فرض إلتزام الجهة المكلفة بالبحث التقني و الإداري بالآجال التي حددها  المشرع لإحالة التقرير المنجز على النيابة العامة فإن  الإشكال الذي يطرح من الناحية القانونيةهو عندما يكون هناك تناقض بين محضر الضابطة القضائية وبين التقرير المذكور فهل يمكن الاستئناس بهذا الأخير في تحديد المسؤول عن الحادثة المميتة، أم استبعاده والاعتداد فقط بما تضمنه المحضر من ظروف وملابسات في تحديد المسؤول عن الحادثة المذكورة؟ ثم إنه من بين الأسباب التي تؤخر إنجاز التقرير المذكور هو عدم إحداث المركز الوطني  للأبحاث التقنية و الإدارية  للبحث في حوادث السير الخطيرة أو المميتة لدى السلطة الحكومية المكلفة بالنقل فضلا عن عدم إصدار النص التنظيمي الذي يحدد كيفية اشتغاله.

ولتجاوز هذه الإشكاليات، يتعين إصدار نصوص تنظيمية من شأنها أن تنظم طريقة التعاون والتواصل بين الضابطة القضائية وبين المركز المذكور حتى تتمكن الجهة المكلفة بالبحث التقني و الإداري  من الحضور إلى مكان وقوع الحادثة المميتة أو الخطيرة  في الوقت المناسب، وتتمكن بالتالي من إجراء البحث التقني والإداري على الوجه الأكمل.

هـ – الاشكالية المرتبطة  بإثبات بعض المخالفات التي تحتاج لوسائل تقنية

    إن القارئ لمدونة السير و لمراسيمها التطبيقية  سيلاحظ أن المشرع المغربي و بغية ضبط سلوك السائقين على الطرقات المغربية و لفرض إحترام الاستعمال العام للطرق المفتوحة للسير العمومي فإنه لا يتوانى في كل مناسبة على أن يجرم كل فعل من شأنه أن يتسبب في حادثة سير قد تكلف الدولة الشيء الكثير ، و لا أدل على ذلك من كثرة المخالفات التي تم تجريمها سواء قبل قانون 116.14 أو بعده، و هذا أمر محمود حتى يعلم السائقين أنهم يسيرون في الطريق العمومي مراقبين و منضبطين و لترسيخ ثقافة أن الطريق ملك للجميع و يجب إحترامها و إحترام نظم السير عليها.

       غير أن الجدير بالذكر أن العديد من الأفعال التي تم تجريمها لم تتم مواكبة تنزيل المقتضيات المجرمة لها خصوصا إذا علمنا أن بعض المخالفات لها طبيعة تقنية تحتاج لوسائل تقنية لضبطها و إثباتها على السائقين المخالفين إذ يقتضي الأمر تزويد الشرطة القضائية أو الأعوان المكلفين بضبط مخالفات قانون السير و  تحرير المحاضر بشأنها بالأدوات اللازمة لضبط نوع معين من المخالفات ، تبقى مخالفات تجاوز السرعة أهمها و إن كان الملاحظ على أرض الواقع أنه تم تزويد  الشرطة القضائية و الأعوان بأجهزة لضبط هذا النوع من المخالفات إلا أن ذلك يبقى غير كاف  سيما إذا إستحضرنا أن هذه الأجهزة لم يتم تعميمها بعد على الصعيد الوطني و خصوصا أجهزة المراقبة الإلكترونية” الرادارات الثابتة و المتحركة” .

        و فضلا عن ذلك فهناك مخالفات من الدرجة الأولى التي تستوجب أجهزة تقنية لضبطها و يتعلق الأمر بمخالفة انخفاض عمق النقوش المرسومة فوق الشريط الدارج للإطار المطاطي عن المستوى المحدد من طرف الإدارة  أو وجود تمزقات أو شقوق تبرز النسيج على جوانب الإطار المطاطي أو على الشريط الدارج فهذه المخالفة تقتضي تحديد عمق النقوش المطلوب و العمق الذي يجب ألا ينخفض عنه  و المستوى المحدد من طرف الإدارة و هذه النقط كلها مسائل تقنية تستوجب التوفر على التقنيات اللازمة لضبطها من قبل الشرطة القضائية أو الأعوان المكلفين بضبط مخالفات قانون السير.

       و كذلك هو الشأن بالنسبة لمخالفة تجاوز الوزن الإجمالي المأذون به محملة  المقيد في شهادة التسجيل  لمركبة أو  لمجموعة مركبات أو للمركبات المتمفصلة  بنسبة 10%  إلى أقل من 30%  فالأمر هنا يقتضي التوفر على جهاز لوزن المركبات للتأكد من نسبة تجاوز الوزن المحدد في شهادة تسجيل المركبة المخالفة و هذا الأمر صعب في الواقع خصوصا إذا استحضرنا عدم توفر عناصر الشرطة القضائية أو الأعوان المذكورين أعلاه  على هذا الجهاز السالف الذكر ، أو حتى إذا توفر لدى جهة أخرى و قرر العون الذي يضبط المخالفة الإستعانة بهذه الجهة فإن بعد المسافة عن مكان تواجده  و حجم المركبات المخالفة – مع العلم أن المركبات المخالفة غالبا ما تكون المركبات ذات الوزن الثقيل كالشاحنات و المركبات المتمفصلة –  قد يجعل من الأمر صعب و بالتالي تعذر ضبط مثل هذه المخالفات، لذلك و جب توفير الوسائل التقنية اللازمة لضبط كل مخالفة على حدى لتحقيق نوع من الفعالية و لفرض إحترام مقتضيات مدونة السير على الطرق.

و – إشكالية تداخل جنحة الفرار كظرف تشديد و كجنحة مستقلة

كما هو معلوم فإن المشرع المغربي جعل من محاولة التملص من المسؤولية المدنية أو الجنائية سواء بالفرار عقب ارتكاب الحادثة أو بتغيير حالة مكان الحادثة أو بأي وسيلة أخرى  جنحة مستقلة  و أفرد لها أحكاما خاصة بها في مدونة السير[20] .

       و هكذا فكل سائق ارتكب حادثة سير و لم يتوقف رغم علمه بذلك أو قام بتغيير حالة مكان الحادثة أو  قام بأي وسيلة كانت محاولة التملص من المسؤولية المدنية أو الجنائية التي من الممكن أن تترتب عن الحادثة فإن يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنة و غرامة من 5000  إلى 10.000 درهم و ترفع العقوبة للضعف في حالة العود طيقا لأحكام المادة 182 من مدونة السير.

        لكن السؤال المطروح إذا إقترنت هذه الجنحة بحادثة سير نتج عنها إصابة ضحايا بجروح غير عمدية  أو عاهة مستديمة أو قتل غير عمدي فهل سنعتبرها جنحة مستقلة أم ظرف تشديد؟

        للجواب على هذا السؤال يجب الرجوع للمواد 166-1 و 167 و 169 و 172 من مدونة السير و التي تعتبر اقتران حادثة سير بجنحة محاولة التملص من المسؤولية المدنية أو الجنائية بالفرار أو تغيير مكان الحادثة أو بأي وسيلة كانت ظرف تشديد ، فالملاحظ من خلال المواد المذكورة أن المشرع المغربي جعل هذه الجنحة ظرفا مشددا و حصرها في حالتين  و هي الفرار و تغيير مكان الحادثة دون غيرها من الحالات الواردة في المادة 182 من مدونة السير و التي توسع من حالات التملص من بالمسؤولية بعبارة ” أو بأي وسيلة كانت”  فهذه العبارة غير واردة ضمن مكونات هذه الجنحة باعتبارها ظرف  تشديد ، و عليه فالمشرع المغربي حدد محاولة التملص من المسؤولية المدنية أو الجنائية كظرف تشديد في الحالتين السالفتي الذكر.

    و بناء على هذا التفسير فلا يمكن متابعة السائق الذي ارتكب حادثة سير نتج عنها جروح غير عمدية أو عاهة مستديمة أو قتل غير عمدي بجنحة محاولة التملص من المسؤولية المدنية أو الجنائية إلا إذا قام بالفرار أو قام بتغيير مكان الحادثة ، و عليه فإن السائق الذي يرتكب الحادثة و يترك سيارته و بها ما يثبت هويته بمكان ارتكابها و يغادر لا يمكن متابعته من أجل جنحة الفرار[21] حيث أنه بسلوكه هذا يثبت حسن نيته و هذا ما ذهبت إليه المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة في أحد أحكامها بقولها” و حيث  إنه بخصوص جنحة الفرار فإنه لم يثبت سوء نية المتهم في مغادرته مكان الحادثة خصوصا و انه راجع مصلحة الشرطة تلقائيا بعد إنتهاءه من عمله ، الأمر الذي يتعين معه إعمالا لمبدأ الأصل في الإنسان البراءة و التصريح ببراءته من أجل ذلك[22] “.

ثانيا– الإشكاليات المثارة  على مستوى إجراءات المحاكمة

بعد ضبط المخالفات لمقتضيات مدونة السير و إنجاز المحاضر بشأنها من طرف ضباط الشرطة القضائية أو الأعوان المكلفين بضبط مخالفات قانون السير فإنه يتم إحالة هذه المحاضر على النيابة العامة المختصة مكانيا و التي وقعت المخالفة أو الحادثة بدائرة نفوذها و التي بدورها تحرك الدعوى العمومية بشأن هذه المحاضر- طبعا بعد استنفاذ إجراءات السند التنفيذي  و الغرامات التصالحية و الجزافية بهذا الشأن- يفتح لها ملف و يدرج بجلسة تحددها و يحال على السيد رئيس المحكمة  للمحاكمة، و في هذا الصدد تطرح بعض الإشكاليات التي رغم صدور قانون 116.14  لم يتم تجاوزها  و يتعلق الأمر هنا بالإشكالية المرتبطة بإلزامية الخبرة الطبية، و كذا نقص بعض بيانات محاضر المخالفات المحررة من قبل شرطة السير و الجولان.

أ – الإشكالية المرتبطة بإلزامية الخبرة الطبية في حوادث السير الناتج عنها جروح

حسب التعديلات الأخيرة المدخلة على مدون  السير على الطرقتنص المادة 171 من مدونة السير على أنه ” يخضع لزوما ، بأمر من وكيل الملك لخبرة طبية كل شخص، ضحية حادثة سير أدلى للمحكمة المختصة بشهادة طبية تبين عجزه عن العمل مؤقتا للمدة المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 167 أعلاه أو تعرضه لعاهة مستديمة كما هو مبين في الفقرة الأولى من المادة 169 أعلاه”.

       إن هذه المادة سبق و أن  أثارت مقتضياتها  نقاشات واسعة بمحاكم المملكة نتج عنها ظهور اتجاهين مختلفين حيث ذهب الأول إلى أن الخبرة الطبية[23] المنصوص عليها في المادة 171 من المدونة ترتبط بالدعوى المدنية التابعة دون الدعوى العمومية، و أن هذه المادة إذ تخاطب المحكمة بالذات لأن الدعوى العمومية أقيمت من طرف النيابة العامة بناء على الشهادات الطبية المرفقة بالمحضر و أن الدعوى المدنية التابعة إذ تقتضي الأمر بإجراء خبرة ـ باعتبارها لازمة لتحديد التعويضات المنصوص عليها في ظهير 02 أكتوبر 1984ـ فإن المادة171 ألزمت المحكمة باللجوء إليها صراحة.

في حين ذهب الاتجاه الثاني إلى أن الخبرة التي تأمر بها المحكمة في إطار المادة 171 من المدونة ترتبط ارتباطا وثيقا بالدعوى العمومية وليس بالدعوى المدنية، على إعتبار أن صياغة مقتضيات هذه المادة جاءت عامة فهي لم تحدد أن الخبرة  إلزامية في حالة المطالبة بالحق المدني فقط وإنما يكفي الإدلاء بشهادة طبية تبين العجز عن العمل المؤقت لمدة تفوق 30 يوما أو التعرض لعاهة مستديمةلتكون المحكمة ملزمة باللجوء إلى الخبرة سواء تقدم الضحية بالطلبات المدنية أم لا ، وعلاوة على ذلك يؤكد هذا الاتجاه بأنه إذا كان المقصود في المادة 171 هو حالة المطالبة بالحق المدني فإنه لا حاجة لإلزام من قبيل ما نصت عليه هذه المادة  حتى تلجأ المحكمة إلى الخبرة، ذلك أن المقتضيات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية إذ هي الواجبة التطبيق في هذه الحالة فإنها تغني عن مقتضيات المادة 171 المذكورة .

          غير أن المادة  المذكورة بصياغتها الجديدة جعلت الأمر أكثر تعقيدا  عندما ألزمت السيد وكيل الملك بإجراء خبرة طبية على كل ضحية أدلى بشهادة طبية تفوق مدة العجز بها 30 يوما أو إذا تعرض لعاهة مستديمة ناتجة عن حادثة سير، و لكن السؤال المطروح هو متى يمكن للسيد وكيل الملك المختص الأمر بإجراء خبرة طبية على الضحايا المذكورين أعلاه سيما و أن الصياغة الجديدة جاءت عامة و لم تحدد الوقت الذي يجب أن تجرى فيه هذه الخبرة، إذ إشترطت المادة المذكورة الإدلاء بالشهادة الطبية للمحكمة حتى يمكن للسيد وكيل الملك إجراء الخبرة الطبية و هنا يطرح سؤال آخر و هو ما المقصود من عبارة المحكمة، هل الأمر يتعلق بالسيد وكيل الملك أم يتعلق برئيس المحكمة؟

   إن من شأن الصياغة الجديدة للمادة 171 من مدونة السير أن تعود بنا  للإختلاف و التباين المشار إليه آنفا في العمل بين مختلف المحاكم و بالتالي فالمشرع لم يكن واضحا بخصوص هذه النقطة ، و عمليا فإنه في إطار الإجتهاد فإن  السيد وكيل الملك و أثناء تتبعه للحوادث التي تقع بالطريق العمومي و عندما يدلي ضحاياها بشواهد طبية تتجاوز مدة العجز بها 30 يوما أو إصابتهم بعاهة مستديمة فإنه يأمر بإجراء خبرة طبية أثناء البحث التمهيدي و ذلك بقيام عنصر الشرطة القضائية المكلف بالمسطرة بتحرير طلب كتابي و يوجهه للسيد وكيل الملك الذي يؤشر عليه و يوجه للسيد مدير المستشفى الإقليمي بالمدينة تحت سهر الضابط المكلف بالمسطرة و يتم إنجاز الخبرة الطبية للتأكد مما إذا كانت مدد العجز المدلى بها في الشواهد الطبية مبررة أم لا.

        و لتجاوز هذا الغموض و عدم الدقة في صياغة المادة 171 من مدونة السير وجب على المشرع المغربي التدخل  لتعديل المادة المذكورة و ذلك بتغيير عبارة ” إذا أدلى للمحكمة بشهادة طبية…..” بعبارة ” إذا أدلى أمام السيد وكيل الملك بشهادة طبية….”.

مقال قد يهمك :   مـــلود عشعاش: علاوة الأقدمية في مدونة الشغل -قراءة في القانون وموقف القضاء وواقع الممارسة-

ب -إشكالية نقص بعض بيانات محاضر مخالفات السير المحررة من طرف شرطة السير و الجولان

      معلوم أنه فضلا عن ضباط الشرطة القضائية فإن المشرع جعل سلطة تحرير محاضر مخالفات السير بيد الأعوان المكلفين بضبطها و هؤلاء الأعوان يراقبون مدى إحترام قواعد السير على الطرق و كلما تبين لهم ارتكاب مخالفة إلا و قاموا بتحرير محضر بشأنها و استخلصوا الغرامات إن رغب السائق في الأداء ، إلا أنهم و أثناء تحرير تلك المحاضر فإنهم لا يلتزمون بملء كل البيانات المحددة في نموذج المحضر، و لعل أهم هذه البيانات تلك المرتبطة بهوية السائقين مرتكبي المخالفة حيث يشيرون إلى الإسم العائلي و الشخصي للمخالف و عنوانه دون غيرها من البيانات .

       و بناء على ذلك تحال هذه المحاضر داخل الآجال المحددة قانونا على النيابة العامة المختصة لإتخاذ القرار بشأنها، إلا أن أعضاء النيابة العامة و هم بصدد تكييف المحاضر المحالة عليهم يجدون أن هذه المحاضر لا تتضمن ما يفيد الهوية الكاملة للسائق المخالف و تسطر المتابعة تجاوزا و تحيل الملف للحكم فيه  ، و أثناء ذلك يصطدم القاضي المكلف بالقضية بنقصان البيانات المرتبطة بالهوية و يصدر حكما بعدم قبول المتابعة لتعذر تحديد هوية السائق لمعرفة الإختصاص النوعي من عدمه خصوصا ما إذا كان السائق المخالف راشدا أو حدث لتحديد الجهة المختصة لمحاكمته طبقا للقانون.

ثالثا– الاشكاليات المثارة على مستوى إصدار الأحكام و تبليغها

تتلخص الإشكالات المرتبطة بإصدار الأحكام و تبليغها ومواكبتها في مواجهة السائقين المخالفين لأحكام مدونة السير في مجموعة من النقط على الشكل التالي:

أ – إشكالية عدم اشتمال مدونة السير على عقوبات لبعض المخالفات

عملت مدونة السير على الطرق  على ترتيب المخالفات إلى درجات فاعتبرتها مخالفات من الدرجة الأولى والثانية و الثالثة و حددت الأفعال التي تدخل في كل خانة على حدى و على سبيل الحصر لا المثال، إلا أن المشرع بمقتضى التعديلات الجديدة أغفل بعض الأفعال  و أقصاها من دائرة التجريم  ، فعلى سبيل المثال  مخالفة عدم تقديم الوثائق ففي ظل القانون القديم وخاصة الفصل 33 من ظهير 19/01/1953 نجده ينص على عقوبة لهذه المخالفة، إلا أن مدونة السير اكتفت بتنظيمها فقط، فالمادة 63 من مدونة السير تنص على أنه “يجب أن تكون شهادة  التسجيل أو الوثيقة التي تحل محلها موجودة على متن المركبة أثناء سيرها على الطريق العمومية”،  والمادة 68 في فقرتها الثانية تنص على أنه:”يجب لزوما أن توجد الوثيقة التي تثبت المراقبة التقنية على متن المركبة أثناء سيرها على الطريق العمومية ” ، و المادة 9 من المدونة التي تنص على أنه “يجب الإدلاء برخصة السياقة أو بالوثيقة التي تحل محلها إلى الأعوان المكلفين بمراقبة تطبيق أحكام هذا القانون والنصوص الصادرة التطبيقية كلما طلبوا ذلك”، ففي أي صنف من المخالفات يمكن إدراج مخالفة عدم تقديم الوثائق هل مخالفة من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة وذلك لتقرير الغرامة المالية المناسبة؟

إن القارئ لهذه المواد يفهم من صيغة الوجوب الواردة بها أنه في حالة عدم التقيد بمضمونها يتعرض المخالف لعقوبات، فما هو إذن نوع هذه العقوبات؟

تنص المادة 103 على أنه :”…. يجب الأمر بتوقيف المركبة في الحالات التالية:

 – عدم الإدلاء برخصة السياقة

 – عدم الإدلاء بشهادة التسجيل

–  عدم الإدلاء بالوثيقة التي تثبت الخضوع للمراقبة التقنية.

وتنص المادة 109 على أنه: ” إذا لم يثبت المخالف انتهاء المخالفة داخل اجل 72 ساعة…. وجب …تحويل التوقيف إلى الإيداع في المحجز ….”.

من خلال قراءة هذه المواد يتضح أن العقاب يقتصر على مجرد توقيف المركبة الذي قد يتحول إلى الإيداع بالمحجز متى توافرت شروطه، و لا يظهر أي جزاء مالي لمثل هذه المخالفات.

إن الأمر لا يقف عند هذا الحد والأشكال الذي يواجه المحكمة هو عندما تحال المحاضر على النيابة العامة طبقا للمادة 227 من مدونة السير ،فأمام غياب نص صريح في المدونة يعاقب على مثل هذه المخالفات وحتى في المادة 186 لا نجدها تتضمن المواد التي توجب تقديم الوثائق المذكورة، فهل يعمل وكيل الملك على حفظ المخالفة لعدم وجود نص معاقب على اعتبار على أنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص أو يقرر  المتابعة ؟

إن الحل الأمثل لهذه الإشكالات هو تدخل المشرع للتنصيص صراحة على اعتبار مثل هذه المخالفات من درجة معينة حتى يتسنى تطبيق العقوبة الملائمة وإشعار وكيل الملك لوزارة النقل بالقرارات المتخذة سواء من قبله أو من قبل هيئة الحكم.

ب – إشكالية مفهوم  المادة 96 من مدونة السير

       تنص المادة 96 من مدونة السير في فقرتها الأولى على أنه ” تصدر الإدارة قرارا بتوقيف رخصة السياقة[24]  لمدة ثلاثة أشهر للمرة الأولى و ستة أشهر في حالة العود في حق كل سائق مركبة يقوم بنقل البضائع  أو  بالنقل الجماعي للأشخاص دون …..”.

       إن ما يمكن ملاحظته  من خلال القراءة المتأنية للمادة المذكورة بعد تعديلها أن المشرع جعل من الإدارة خصما و حكما في نفس الوقت إذ هي التي تحرر محضر المخالفة من خلال الأعوان المكلفين بذلك  كلما تبين للعون عدم تقيد السائق بمقتضيات المادة المذكورة ، و تمر بعدها مباشرة لمرحلة التوقيف الإداري لرخصة السياقة لمدة معينة دونما حاجة إلى صدور حكم قضائي بذلك و هنا يطرح السؤال عن دور القضاء بهذا الخصوص؟

       ثم إن ما يثبر الإنتباه بهذا الشأن هو منح صلاحية التصريح بوجود حالة العود للإدارة مع العلم أن حالة العود[25] حالة قانونية و تكييف قانوني لا يمكن القول بقيامه  إلا بالطرق المحددة قانونا، و بالتالي فهذه المادة على الرغم من التعديلات المدخلة عليها بمقتضى قانون 116.14 إلا أنها ما تزال تطرح إشكالا وجب تجاوزه  و هو مرتبط كما سلف الذكر بضرورة الفصل و التوفيق بين سلطة الإدارة في تحرير المخالفات و سلطتها في التوقيف الإداري لرخصة السياقة من جهة  و في إسناد التحقق من حالة العود للقضاء الذي يبقى هو الوحيد المختص في تحديد وجود حالة العود من عدمه طبقا للمقتضيات المنظمة لها بمقتضى الفصول 154 إلى 160 من القانون الجنائي.

ج – إشكالية مفهوم التقييدات المتعلقة برخصة السياقة

       لقد نص المشرع المغربي على مخالفة عدم احترام التقييدات المتعلقة برخصة السياقة في المادة 185 من مدونة السير في البند الثالث  و إعتبرها مخالفة من الدرجة الثانية و عاقب على مرتكبيها بغرامة من 500 إلى 1000 درهم ، فعبارة التقييدات عبارة عامة تحتمل معاني كثيرة تؤدي عمليا إلى اختلاف المتابعات، فبعض النيابات العامة تعتبر عدم احترام التقييدات يتعلق بالأساس برخصة السياقة المؤقتة والتي انتهت صلاحيتها كما هو ظاهر من التاريخ المدون فيها، ومن النيابات العامة من تعتبر المخالفة مرتبطة بنوع المركبة المساقة إلى غير ذلك، هذا التضارب في المتابعات يؤثر على التطبيق السليم للقانون وعلى الأمن القانوني المفروض أن تحققه القاعدة القانونية.

         و بناء على ذلك وجب على المشرع المغربي التدخل تشريعيا و لو بمراسيم تطبيقية لتحديد المقصود بالتقييدات المتعلقة برخصة السياقة و تحديد هذه التقييدات على سبيل الحصر لمعرفتها و ليس ترك ذلك لمحض الصدفة  حتى تتمكن النيابة العامة  من تحديد التكييف السليم و حتى يتمكن قاضي الحكم من إيقاع الجزاء القانوني المناسب.

د – إشكالية إثبات حالة العود في مفهوم المادة 183 من مدونة السير

 مرة أخرى يتحدث مشرع مدونة السير عن حالة العود في المادة 183 من مدونة السير  بالقول ” …في حالة العود ترفع العقوبتان المذكورتان و مدة توقيف رخصة السياقة إلى الضعف، و يوجد في حالة العود الشخص الذي يرتكب المخالفة داخل خمس سنوات التالية لتاريخ صدور مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل أفعال مماثلة”.

          فكما هو معلوم لدى الجميع أن شروط حالة العود محددة في القانون الجنائي من خلال 154 إلى 160 كما سلف الذكر، والمادة 183 في الفقرتين الرابعة و الخامسة  قررت مضاعفة العقوبة في حالة العود متى ارتكبت أفعال مماثلة دون تحديد لماهية الأفعال المماثلة بمعنى هل المقصود هنا أفعال بعينها أي السياقة في حالة سكر أو تحت تأثير الكحول أو تحت تأثير المواد المخدرة أو الأدوية التي تمنع السياقة بعد تناولها أم أفعال مشابهة لها.

          و لهذا اختلفت توجهات النيابات العامة في تحديد مفهوم المماثلة لتقرير حالة العود، فهل الأمر يتعلق بارتكاب نفس الفعل أو ارتكاب أي مخالفة من نوع آخر وفي حالة ارتكابها سيكون المخالف في حالة عود، وأمام هذا التضارب في تحديد مفهوم المماثلة صدرت أحكام مختلفة ، و ترتيبا لما سبق فعلى المشرع توخي الدقة في تحديد مفاهيم المقتضيات التي يشرعها للعقاب على فعل معين مع استحضار كيفية تطبيق هذه المقتضيات من طرف القضاء لتلافي إصدار أحكام و قرارات قضائية مختلفة.

هـ – إشكالية الحكم بالحرمان من إجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة

       لقد اشترط المشرع المغربي على كل شخص راغب في سياقة مركبة على الطريق العمومي أن يحصل على رخصة سياقة مطابقة لصنف المركبة التي يريد سياقتها بعد إجتياز إمتحان الحصول[26] عليها لدى مؤسسة لتعليم السياقة[27]كما جاء في مقتضيات المادة الأولى من مدونة السير[28] أو يسوق مركبته برخصة سياقة لا تناسب صنف المركبة المعنية ، و أن كل سائق يسوق مركبته خرقا لمقتضيات هذه المادة فإنه يكون معرضا للحكم عليه بغرامة مالية من 2000 إلى 4000 درهم.

       و فضلا عن الغرامة المالية التي يعاقب بها السائق الذي يسوق مركبته دون حصوله على رخصة سياقة أو برخصة سياقة لا تناسب صنف المركبة المعنية، فإن المشرع المغربي عاقب السائق الذي يوجد في الحالات السابقة علاوة على ذلك بالحرمان من الحصول على رخصة السياقة لمدة ثلاثة أشهر في الحالة الأولى و بالحرمان من الحصول على رخصة السياقة المطابقة لصنف المركبة المعنية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر[29].

        إن القارئ  لهذه المادة و للوهلة الأولى يستنتج أنها صيغت بطريقة سلسة و واضحة ، غير أنها و عند تطبيق مقتضياتها من طرف القضاء تطرح إشكالا مهما لا يتعلق بتطبيق العقوبة المالية و إنما يتعلق بتطبيق العقوبة المرتبطة بالحرمان من الحصول على رخصة السياقة  أو الحرمان من الحصول على رخصة السياقة المطابقة لصنف المركبة المعنية لمدة ثلآثة أشهر، فالإشكال الذي  يواجه القضاء على وجه الخصوص  هنا يطرح على مستويين أولهما على مستوى تحديد صنف المركبة إذ يصعب على القاضي تحديد صنف المركبة  لكون الأمر يحتاج لخبرات تقنية لمعرفة الصنف المقصود ، و ثانيهما هو تحديد  تاريخ سريان أجل الحرمان من الحصول على رخصة السياقة للمدة المذكورة.

        الملاحظ في هذا الصدد أن المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 148 من مدونة السير قد التزم الصمت إذ إكتفى بتحديد مدة الحرمان من الحصول على الرخصة المذكورة دون تتحديد تاريخ سريان هذا الأجل هل يبتدئ من تاريخ ضبط السائق في إحدى الحالات السابقة أي السياقة دون الحصول على رخصة أو السياقة برخصة لا تناسب صنف المركبة المساقة؟ أم  يبتدئ من تاريخ صدور الحكم من طرف القضاء؟ أم يبتدئ من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا؟

      و عمليا ذهبت أغلب المحاكم إلى إحتساب تاريخ سريان أجل الثلاثة أشهر المذكورة من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا و هذا ما ذهبت إليه المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة في العديد من أحكامها[30] .

و – إشكالية الحكم بالدورة التكوينية في التربية على السلامة الطرقية

      إن السائق الذي يرتكب حادثة سير نتج عنها جروح غير عمدية  أو عاهة مستديمة أو قتل غير عمدي يكون عرضة للعقاب المنصوص عليه في المقتضيات الناظمة لكل حالة على حدى سواء العقوبات الحبسية أو الغرامات المالية، و فضلا على ذلك فإن يكون عرضة للحكم عليه بالخضوع لدورة تكوينية في التربية على السلامة الطرقية في شكل تدريب يتلقاه بمؤسسة من مؤسسات التربية على السلامة الطرقية[31] .

       و هكذا فعلى كل سائق ارتكب حادثة سير نتج عنها حالة من الحالات السابقة أن يخضع لزوما لدورة تدريبية في التربية على السلامة الطرقة بإحدى المؤسسات المرخص لها بذلك، و عند نهاية كل دورة تدريبية تسلم لكل متدرب شهادة تدريب في نسختين أو ثلاث نسخ حسب الحالات يحدد نموذجها بقرار لوزير التجهيز و النقل[32] ليدلي بها للجهات المختصة.

غير أنه بعد التعديلات المدخلة على مدونة السير بمقتضى القانون 116.14 أصبح النقاش يدور حول إمكانية الحكم بالدورة التكوينية في التربية على السلامة الطرقية في الحالة التي ترتكب فيها حادثة سير نتج عنها جروح غير عمدية سيما و أن المشرع المغربي قد قام بحذف عبارة “لزوما” من المادة 168 من مدونة السير[33] من عدمه، و هكذا فجل المحاكم كانت تصدر أحكامها بإخضاع السائقين مرتكبي حوادث السير التي ينتج عنها جروحا غير عمدية لدورة في التربية على السلامة الطرقية على نفقتهم.

  لكن بعد التعديلات السالفة الذكر استمرت المحاكم في الحكم بإخضاع المتهمين لدورة في التربية على السلامة الطرقية ، إلا أن محاكم أخرى ذهبت عكس ذلك و عل سبيل المثال المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة حيث أصدرت حكما ابتدائيا قضى بإخضاع المتهم لدورة في التربية على السلامة الطرقية و تم استئناف الحكم من طرف السيد وكيل الملك بها فقضت غرفة الإستنافاتالإبتدائية في الملف عدد 273/2014  بتاريخ 11/04/2017  في الدعوى العمومية بإلغاء الحكم الإبتدائي جزئيا فيما قضى به من إخضاع المتهم لدورة في التربية على السلامة الطرقية و تأييده في الباقي معللة قرارها “بأن القانون 116.14 المغير و المتمم لمدونة السير حذف الفقرة الثانية الخاصة بإلزامية الخضوع لدورة في التربية على السلامة الطرقية سواء من المادة 168 منه أو 162 المستحدثة و جعل إرجاع رخصة السياقة المحكوم بتوقيفها متوقفة على الإدلاء بما يفيد الخضوع لدورة في التربية على السلامة الطرقية بحيث لم يعد هذا الإجراء عقوبة إضافية أو تدبيرا وقائيا شخصيا تقضي به المحكمة و إنما أصبح إجراء إداريا صرفا مفروضا بقوة القانون تتكلف الإدارة بمراقبة مدى إحترامه ، و أن القانون 116.14 و إن كان قد حذف إلزامية الخضوع لدورة في  التربية على السلامة الطرقية  من المادة 168 من مدونة السير فإنه قد اشترط في نفس المادة إرجاع رخصة السياقة إلا بعد الإدلاء بما يفيد الخضوع  لدورة في  التربية على السلامة الطرقية   و بالتالي فإن المادة المذكورة قد أبقت على التدبير المشار إليه كعقوبة إضافية”، و نفس القرار تم الطعن فيه بالنقض من طرف السيد وكيل الملك بنفس المحكمة بتاريخ 17/04/2017 ليصدر قرار عن محكمة النقض في الموضوع و يؤيد ما ذهبت إليه غرفة الإستنافات بالمحكمة الإبتدائيةبخنيفرة و تبنى حيثياته مضيفا أن ” قانون 116.14 دخل حيز التنفيذ قبل صدور الحكم في النازلة ، و أن أحكام الفصل السادس من القانون الجنائي تستوجب تطبيق القانون الصلح للمتهم في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة و الحكم نهائيا بشأنها، و بخصوص النازلة تبقى المقتضيات الأصلح للمتهم هي التي أتى بها قانون 116.14  و بالتالي المحكمة المطعون في قرارها قد طبقت المقتضيات المستحدثة من مدونة السير عليها في المادتين أعلاه فجاء قرارها معللا  و غير خارق لأي مقتضى قانوني و ما بالوسيلة على غير أساس[34]“و قضت برفض الطلب.

        و استنتاجا مما سبق يتبين أنه لم يعد هناك سبيل للحكم بإخضاع المتهم الذي يرتكب حادثة سير نتج عنها جروحا غير عمدية طبقا للمواد 166-2 و 167 من مدونة السير لدورة في التربية على السلامة الطرقية ، و يبقى الحكم بها قاصرا على حالات ارتكاب حادثة سير نتج عنها قتل غير عمدي كما جاء في بعض أحكام المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة[35] طبقا للمادة 172 و 173 من المدونة  و حالات ارتكاب حادثة سير نتج عنها عاهة مستديمة طبقا للمواد 169، و 170 من نفس المدونة .

و – إشكالية تضارب العمل القضائي بخصوص عدم أداء الضريبة السنوية على السيارات

       كما أوجب المشرع على السائقين ضرورة التوفر على رخصة سياقة مناسبة لسياقة المركبة [36] ذات المحرك على الطريق العمومية و أداء واجبات تأمين[37] المسؤولية المدنية عن الأخطار الناجمة عن استعمال المركبات و كذا إخضاعها للفحص التقني[38] و تسجيلها بمصلحة تسجيل[39] السيارات[40] ، فقد ألزم السائقين مالكي المركبات بأداء الضريبة السنوية الخصوصية على السيارات بشكل سنوي لتصبح المركبة في وضعية سليمة تجاه قانون السير.

       غير أن هذا المقتضى قد لا يلتزم به السائقين مالكي المركبات و في هذه الحالة يقوم ضباط الشرطة القضائية و الأعوان المكلفين بضبط مخالفات قانون السير بتحرير محاضر بهذا الشأن و إيداع المركبة بالمحجز إلى حين إنهاء المخالفة و إحالة الملف على النيابة العامة التي غالبا ما تتابع المعني بالأمر من أجل انعدام الضريبة السنوية طبقا لمقتضيات المادة 208 من المدونة العامة للضرائب في فقرتها الثالثة  و يحال على رئيس المحكمة لمحاكمته ، و هنا يظهر الإختلاف في العمل القضائي حيث هناك محاكم تدين السائق من أجل ذلك و أخرى تبرئه  من المنسوب إليه.

       و بالرجوع لمقتضيات المادة المذكورة يتبين أنها تتضمن جزاءات إدارية لا تكتسي طابع العقوبة الجنائية بل هي عبارة عن غرامة إدارية يضاف إليها نسبة مائوية عن التأخير في الأداء ، و بالتالي تبقى إدانة المخالف من أجل عدم أداء الضريبة السنوية على السيارات غير مرتكزة على أساس قانوني سليم.

       و يبدو أن التوجه السليم في هذا الصدد هو عدم تحريك المتابعة من أجل عدم أداء الضريبة السنوية من طرف النيابة العامة لكون الأمر يتعلق بمخالفة إدارية تبعا للتفسير السابق ، و إن وقع أن تابعت النيابة العامة المخالف فإنه على المحكمة أن تبرئ المخالف من المنسوب إليه استنادا لعدم وجود الجزاء الجنائي ، و في هذا الصدد ذهبت المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة في حكم لها حيث جاء في حيثياته ” و حيث إنه بخصوص المتابعة المتعلقة بعدم التوفر على الضريبة السنوية طبقا لمقتضيات المدونة العامة للضرائب ، فإنه طبقا لمقتضيات المادة المذكورة فإن الأمر يتعلق بمخالفة إدارية معاقب عليها بغرامة إدارية تطبق من طرف الإدارة و ليس هناك ما يفيد أن المخالفة موضوع المتابعة معاقب عليها بغرامة زجرية، و أنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص ، مما يتعين  معه  التصريح ببراءته منها[41] “. و بناء على ذلك فإن ضابط الشرطة القضائية و الأعوان المكلفين بضبط مخالفة السير و كلما تعلق الأمر بضبط مخالفة عدم أداء الضريبة السنوية على السيارات فإنهم أثناء ذلك لا يتلقون تعليمات من النيابة العامة المختصة بل يكتفون  بإتخاذ الإجراءات و التدابير الإدارية الرامية إلى إيداع المركبة بالمحجز إلى حين إنهاء المخالفة.

مقال قد يهمك :   ع.الحق صافي : قانون العقود بين التنظيم العام والتنظيمات الخاصة-الحصيلة والآفاق-ج1.

ز – الإشكالية المرتبطة بالمادة 174 من مدونة السير

       نص المشرع ضمن مقتضيات  المادة 174 على أنه ” يجب على الإدارة، في حالة عدم توصلها بنسخة من الحكم بتوقيف رخصة السياقة، أن ترجع الرخصة إلى صاحبها، عند انصرام المدة القصوى المنصوص عليها في المواد 168 و 170 و 173 أعلاه ” .

فالقراءة السطحية والمجردة للمادة 174 المذكورة في معزل عن باقي المواد ذات الصلة يجعلنا نستشف ضمنيا بأن رخص السياقة التي يتم الاحتفاظ بها في الحالات الثلاث المشار إليهم في المادة نفسها تتم إحالتها إلى الإدارة ممثلة في المصلحة الحكومية المكلفة بالنقل، فالتساؤل المطروحهو هل الإحالة المذكورة يجب أن تتم كلما تعلق الأمر بحالة من الحالات الثلاث المشار إليها في المادة 174 المذكورة على سبيل الحصر أم بغيرها من الحالات و هل هذه الإحالة إلزامية؟

الملاحظ أنه لا يوجد أي نص يلزم النيابة العامة بإحالة رخص السياقة إلى الإدارة، باستثناء المادة 217 من المدونة و التي ألزمت النيابة العامة فقط بتبليغ الإدارة كل المعلومات المتعلقة بكل احتفاظ برخصة السياقة[42].

ولتجاوز هذا الإشكال يتعين التنصيص صراحة على الحالات التي يتوجب فيها على النيابة العامة إحالة رخصة السياقة على الإدارة المكلفة بالنقل، مع التنصيص على الحالات التي يمكن للنيابة العامة أن تعمل فيها سلطتها في الملاءمة بشأن الاحتفاظ برخصة السياقة من عدمه، كأن تقرر مثلا الاحتفاظ بها متى كانت المخالفة للأحكام المدونة خطيرة كمحاولة التملص من المسؤولية الجنائية بالفرار أو تغيير حالة مكان الحادثة، و السياقة تحت تأثير الكحول أو مواد مخدرة، و كذا في الحالات الثلاث المشار إليها في المادة 174 المذكورة، والمتمثلة في الجرح غير العمدي والعاهة المستديمة والقتل غير العمدي متى كان ذلك بسبب التهور و عدم  احترام ضوابط السير، وترجعها إلى صاحبها في باقي الحالات التي تكون فيها المخالفة المرتكبة غير خطيرةوترى فيها بأن الاحتفاظ برخصة السياقة لا يتلاءم وظروف النازلة أو أن الاحتفاظ بها سيؤدي إلى خلق مأساة اجتماعية كحالة السائقين المهنيين الذين يتوقف دخلهم المعيشي على رخص سياقتهم.

ويستمد هذا الاقتراحوجاهته في بعض بنود مدونة السير ذلك أن قراءة المادة 174 في سياق المادة 152 و229 من نفس المدونة، يستشف منها بأن النيابة العامة لا تحتفظ برخصة السياقة في جميع الحالات التي تنص فيها المدونة على سحب أو توقيف أو إلغاء رخصة السياقة، بحيث جاء في المادة 152 المذكورة ما يلي: ” يعاقب بغرامة من ألفي(2000) درهم إلى ثمانية آلاف(8000) درهم، كل شخص صدر في حقه مقرر قضائي حائز لقوة الشئ المقضي به أو قرار إداري بتوقيف رخصة السياقة أو بسحبها أو بإلغائها لم يودع رخصة السياقة الخاصة به لدى الإدارة، داخل الآجال المحددة له….”
ثم جاء في المادة 229 من نفس المدونة ما يلي: “استثناءا من أحكام المادة 228 أعلاه، إذا  كان حامل رخصة السياقة يمكن من تسجيل المعلومات في شكل الكتروني، فإن المعلومات المتعلقة بالاحتفاظ برخصة السياقة والإذن بالسياقة وتوقيف رخصة السياقة المشار إليها فـــــي المادة المذكورة، يتم تسجيلها على هذا الحامل، ويصبح الاحتفاظ برخصة السياقة عندئذ غير ذي موضوع”.

ك – الإشكالية المرتبطة بالمادة 236 و 237  من مدونة السير

إن الهدف المبتغى  من الإشعار هو تمكين الإدارة المتمثلة في وزارة التجهيز والنقل من تفعيل قاعدة سحب النقط من رخصة السياقة وتسجيل كافة المعلومات المتعلقة بالغرامات التصالحية والجزافية التي أداها الحاصل على رخصة السياقة طبقا للمادتين 37 و 99 من مدونة السير، لذلك أوجب المشرع على وكيل الملك إشعار الإدارة أعلاه بكافة المعلومات المتعلقة بمحاضر حوادث السير وذلك بمقتضى المادتين 236 و237 من المدونة.

و تنص المادة 236 على أنه ” في حالة حفظ المحاضر من قبل النيابة العامة، أو في حالة صدور مقرر بعدم المتابعة أو بالإدانة أو أي مقرر يبت في موضوع قضية عرضت على محكمة، تنفيذا لأحكام هذا القانون أو للنصوص الصادرة لتطبيقه، يوجه وكيل الملك على الفورإلى الإدارة نسخة من محضر المخالفة ومنطوق القرار بعدم المتابعة أو المقرر الصادر عن المحكمة لأجل المعالجة والتتبع وفقا لأحكام هذا القانون”.

وتنص المادة 237 على أنه ” توجه النيابة العامة نسخا من المقررات أو منطوقا للأحكام الصادرة تنفيذا لأحكام هذا القانون أو للنصوص الصادرة لتطبيقه، التي حازت قوة الشيء المقضي به إلى الإدارة داخل أجل أقصاه خمسة عشر(15) يوما من تاريخ صدور المقرر”.

إن ما يمكن ملاحظته لأول وهلة أن المادتين تتضمنان صياغة سليمة وواضحة ومفهومة إلا أنه بالتدقيق  أكثر في  العبارات المستعملة تتضح بعض الإشكالات المرتبطة بها، فالمادة 236 توجب على وكيل الملك إشعار وزارة التجهيز النقل بكل المقررات الصادرة ولم تشترط أي شرط فيما يخص تلك المقررات، مما يعني  أنه ولو كانت مجرد أحكام ابتدائية غير نهائية يجب توجيهها إلى وزارة النقل، هذه الأخيرة تعمل على تطبيق الإجراءات الواجبة كخصم النقط وتسجيل المخالفات في جداديات السياقة، لكن الإشكال المطروح هنا ما العمل عندما تستأنف النيابة العامة أو الشخص المخالف تلك المقرراتوبعد ذلك تصدر عن محكمة الاستئناف مقررات تلغي الأحكام الابتدائية، فكيف ستتصرف وزارة النقل؟ هل ستقوم بإرجاع النقط التي سبق خصمها ومحو ما تم تضمينه في الجداديات ؟ أم يعني صياغة المادة أن على وكيل انتظار مرور أجل الاستئناف وبعد ذلك يشعر وزارة النقل بالمقررات غير المطعون فيها بالاستئناف فيها بعد أن أصبحت أحكاما نهائية ولا يشعرها بالمقررات التي تم الطعن فيها بالاستئناف حتى يتسنى للمخالفين ممارسة حق التقاضي على درجتين وعدم التسرع في خصم النقط أو أي إجراء آخر حتى تصبح الأحكام نهائية.

أما المادة 237 قد تضمنت عبارة ” توجه النيابة نسخا من المقررات أو منطوق الأحكام … التي حازت قوة الشيء المقضي به…. “،  فهل عبارة النيابة العامة يقصد منها وكيل الملك لوحده اعتمادا على المادة السابقة 236 التي عهدت إليه مهمة إشعار الإدارة، أم أن كلمة – النيابة العامة – تشمل أيضا الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، لأنه يستساغ منطقيا إن وكيل الملك يقوم بإشعار الإدارة فيما يخص الأحكام الابتدائية التي لم يتم الطعن فيها بالاستئناف، و بانتهاء أجل الاستئناف تصبح حائزة لقوة الشيء المقضي به، أما الأحكام التي تم الطعن فيها بالاستئناف وإن حازت قوة الشيء المقضي به عن طريق تأييدها أو إلغائها من طرف محاكم الدرجة الثانية فلا يمكن أن يكلف وكيل الملك بتتبعها وإشعار الإدارة بشأنها نظرا للصعوبات الواقعية وعدم البث في القضايا بالسرعة الواجبة.

 لذلك كان حريا بالمشرع أن يحدد المقصود بكلمة “النيابة العامة” وذلك بذكر وكيل الملك والوكيل العام للملك كل فيما يخصه فيجعل وكيل الملك مكلفا بإشعار الوزارة بالنسبة للمقررات والأحكام الابتدائية التي حازت قوة الشيء المقضي به والتي لم يتم الطعن فيها بالاستئناف أو يمنح نفس الدور للوكيل العام للملك في المرحلة الاستئنافية لأنه هو الأقرب إلى تنفيذ مقتضيات المادة أعلاه، ويتحقق بالتالي غاية مشرع مدونة السير مع جعل ذلك رهينا بإكتساب المقررات الصادرة لقوة الشيء المقضي به ثم يتم الإشعار بعد ذلك.

خاتمــــــة:

    و ختاما يمكن القول من خلال هذه الدراسة المتواضعة  أن المشرع المغربي من خلال التعديلات المدخلة على قانون 52.05 المتعلق بمدونة السير بمقتضى قانون 116.14  المغير و المتمم له حاول جاهدا تجاوز الإشكالات التي أفرزها التطبيق العملي لمدونة السير على الطرق على مر ثمان سنوات ، فكان موفقا في جانب مهم من هذه التعديلات كما سبقت الإشارة إليه في متن هذه الدراسة، فيما الجانب الآخر ما زال يحتاج لتدخل تشريعي لتجاوز الإشكالات التي كانت تطرحها مدونة السير و ما تزال تطرحها على الرغم من التعديلات المشار إليها سالفا ،  و ما هذا التقييم الذي عملنا عليه لوضع بعض مقتضيات مدونة السير في محك التطبيق العملي و تمحيصها  لها لخير دليل على وجود صعوبات تعترض القضاء سواء النيابة العامة أو قضاء الحكم في التطبيق السليم لمقتضياتها  و يشكل مدعاة للعمل على تجاوزها لاحقا لتحسين و تجويد الترسانة القانونية التي تحكم قانون السير بالمغرب لتحقيق الأمن القانوني و القضائي للأفراد داخل المجتمع.

      و هذا لن يتأتى إلا من خلال إعتماد مقاربة شمولية أثناء إدخال تعديلات على مدونة السير تروم إشراك جميع الفاعلين و الجهات المعنية بتطبيق أحكام مدونة السير  أثناء صياغة و إعداد مشاريع النصوص القانونية ، و مواكبة هذه النصوص بندوات تفسيرية ليسهل فهمها و فهم المقصود منها من طرف الجميع و نشر المعلومة القانونية بالشكل الكافي لتكون متاحة لجميع الممارسين و تمكينهم من الأعمال التحضيرية المرتبطة بإعداد القوانين لتيسير فهم النص القانوني وتطبيقه تطبيقا سليما.


الهوامش:

[1] و في هذا الإطار يأتي قوله سبحانه و تعالى ” و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس” سورة الحديد الأية 24.

. [2] إحصائيات مؤقتة برسم سنة 2018 صادرة عن اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير.

[3].ظهير شريف رقم 1.10.07 صادر في 26 من صفر 1431 الموافق ل 11 فبراير 2010 بتنفيذ القانون 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق  ، الجريدة الرسمية عدد 5824 بتاريخ 08 ربيع الآخر 1431 الموافق ل 25 مارس 2010 ص 2168.

. راجع بهذا الصدد عبدالواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول الطبعة السابعة 2018 ، ص 87.86.[4]

.راجع بهذا الصدد عبدالواحد العلمي ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني  الطبعة السادسة  2018 ، ص 164. [5]

[6].ظهير شريف رقم 1.16.106 بتاريخ 13 شوال 1437 الموافق ل 18 يوليوز 2016 ، جريدة رسمية عدد 6490 بتاريخ 7 ذو القعدة 1437 الموافق  ل 11 غشت 2016، ص 5865.

[7].تنص المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي:”تتولى النيابة العامة إقامة و ممارسة الدعوى العمومية و مراقبتها و تطالب بتطبيق القانون ، و لها أثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة”.

. راجع بهذا الخصوص المادة 52 من المرسوم رقم 2.10.419  بتاريخ 29 شتنبر 2010  بشأن العقوبات و التابير الإدارية و معاينة المخالفات.[8]

.حكم ابتدائي عدد 109 بتاريخ 20/02/2019 صادر عن المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة في ملف جنحي سير عدد 1275/17، غير منشور.[9]

[10]. قرار محكمة النقض عدد 301/2 المؤرخ في 2008.3.5 ملف جنحي عدد 34-3033/2006  قرار منشور قضاء محكمة النقض في حوادث السير و التأمين ، عمر أزوكار ، الطبعة الأولى 2014 ، صفحة 97.

[11]. يقصد بالإيداع في المحجز تنقيل مركبة أو جزء من مركبة متمفصلة “مجموعة مركبات مكونة من مركبة جارة و نصف مقطورة” موضوع مخالفة إلى مكان يعينه العون محرر المحضر أو السلطة المختصة  أو السلطة القضائية و حراستها فيه ، قصد الإحتفاظ بها في ذلك المكان طوال المدة المقررة على نفقة مالكها.

. لمزيد من التفاصيل راجع المادة 111 من مدونة السير.[12]

. انظر بهذا الفقرة السادسة من المادة 191 من مدونة السير.[13]

[14]. أنظر بهذا الخصوص منشور السيد وزير العدل عدد 15 س 3  و تاريخ 17 شتنبر 2010 حول تطبيق أحكام القانون رقم 52.05  المتعلق بمدونة السير على الطرق..

[15]. قرار عدد 897 الصادر بتاريخ 3 يوليوز 2013  عن محكمة النقض  في  الملف الجنحي عدد 2899/6/2/2013 ، قرار منشور بنشرة قرارات محكمة النقض ، الغرفة الجنائية، العدد 14 ، ص 133.

[16]. منشور السيد وزير العدل عدد 15 س 3  و تاريخ 17 شتنبر 2010 حول تطبيق أحكام القانون رقم 52.05  المتعلق بمدونة السير على الطرق، مرجع سابق .

[17]. تنص المادة 215 من مدونة السير على أنه” يجب لأجل القيام بالإختبارات و التحاليل و الفحوص المنصوص عليها في القسمسن الفرعيين 2 و 3 أعلاه ان يكون الأجل الفاصل بين ساعة وقوع الحادثة  أو ساعة ارتكاب المخالفة أو ساعة مراقبة المعني بالأمر و ساعة الإختبارات و التحاليل و الفحوص المذكورة أقصر ما يمكن في نفس اليوم”.

.[18]. يعني لا يحتسب اليوم الأول و الأخير من أجل عشرة أيام  و تستثنى من ذلك الآجال التي تكون محددة بالساعات  و إذا كان اليوم الأخير للأجل يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده كما ينص على ذلك قانون المسطرة الجنائية في المادة 750 باعتباره القانون العام الشكلي.

.قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 29/03/1979 تحت عدد 538  في الملف الجنحي عدد 46084 ، قرار منشور في قانون المسطرة الجنائية و العمل القضائي المغربي لمحمد بفقير ، الطبعة الثانية 2011 ، طبعة مزيدة، الصفحة 479.[19]

. راجع بهذا الخصوص مقتضيات المادة 182 من مدونة السير .[20]

[21]. قرار محكمة النقض عدد 324/2 المؤرخ في 12/3/2008 ملف جنحي عدد 21959 /07 منشور في قضاء محكمة النقض  في حوادث السير و التأمين ، عمر أزوكار ، الطبعة الأولى 2014 ، صفحة 109.

.حكم ابتدائي عدد 46 بتاريخ 06/02/2019  في ملف جنحي سير عدد 28/2019، غير منشور.[22]

[23]. تجدر الإشارة إلى أن إجراءات الخبرة الطبية تخضر لمقتضيات قانون المسطرة المدنية و خصوصا الباب الثالث المتعلق بإجراءات التحقيق في فرعه الثاني المتعلق بالخبرة من خلال الفصول 59 إلى 66.

= للإطلاع أكثر على المقتضيات التي تنظم إجراءات الخبرة أثناء المحاكمة و التطبيقات القضائية لها، راجع محمد بفقير قانون المسطرة المدنية و العمل القضائي المغربي ، الطبعة الثالثة  سنة 2012 ، طبعة مزيدة و محينة ، الصفحة 145 و مايليها.

. أنظر المادتين الأولى  و الثانية من المرسوم رقم 2.10.419 السالف الذكر.[24]

. تجدر الإشارة إلى أن حالة العود تم تنظيم مقتضياتها في الفرع الرابع من القانون الجنائي  و خصوصا الفصول من 154 إلى 160.[25]

راجع أيضا التطبيقات القضائية لحالة العود في ، محمد بفقير ، مجموعة القانون الجنائي و العمل القضائي المغربي ، طبعة ثانية ، سنة 2011 طبعة مزيدة و منقحة ، الصفحة 100 و ما يليها.

.راجع بهذا الخصوص مقتضيات المرسوم رقم 2.10,311 بتاريخ 29 شتنبر 2010 بشأن رخصة السياقة.[26]

. أنظر بهذا الخصوص مرسوم رقم 2.10.432 بتاريخ 29 شتنبر 2010 بشأن تعليم السياقة.[27]

[28].تنص المادة الأولى من مدونة السير على أنه” لا يجوز لأي شخص أن يسوق مركبة ذات محرك أو مجموعة مركبات على الطريق العمومية ما لم يكن حاصلا على رخصة للسياقة سارية الصلاحية و مسلمة من قبل الإدارة ، تناسب صنف المركبة أو مجموع المركبات التي يسوقها.

. لمزيد من التفصيل راجع مقتضيات المادة 148 من مدونة السير.[29]

. حكم عدد 94 بتاريخ 13/02/2019 في ملف جنحي سيرعدد 1106/2018 غير منشور.[30]

حكم عدد 119 بتاريخ 20/02/2019 في ملف جنحي سير عدد 51/2019 غير منشور.

حكم عدد 238 بتاريخ 27/03/2018 في ملف جنحي سير عدد 206/2019 غير منشور.

. يخضع تنظيم التربية على السلامة الطرقية لمرسوم رقم 2.10.376 بتاريخ 29 شتنبر 2010 بشأن التربية على السلامة الطرقية.[31]

[32]. راجع بهذا الخصوص قرار وزير التجهيز و النقل رقم 2705.10  بتاريخ 29 شتنبر 2010 بشأن تحديد نماذج الرسائل المتعلقة بالإشعار بخصم النقط و بإلزامية الخضوع لدورة في التربية على السلامة الطريقة و باسترجاع النقط و بإلغاء رخصة السياقة عند فقدان مجموع الرصيد من النقط و نموذج الوصل بإرجاع رخصة السياقة الملغاة.

.كانت المادة 168 من مدونة السير تنص على ما يلي:” يتعرض مرتكبو المخالفات المنصوص عليها في المادة 167 أعلاه لما يلي:[33]

1…..2.إلزامية الخضوع على نفقتهم لدورة في التربية على السلامة الطرقية”.

.قرار عدد 1431/2 مؤرخ في 29/11/2017  صادر عن محكمة النقض في ملف جنحي عدد 17999/2017 ، قرار غير منشور.[34]

.حكم عدد 36 بتاريخ 06/02/2019 في ملف جنحي سير عدد 166/2018 ، غير منشور.  [35]

    حكم عدد 32 بتاريخ 30/01/2019 في ملف جنحي سير عدد 18/2019 ، غير منشور.

.راجع المادة 1 و 148 من مدونة السير.[36]

. انظر المادة 120 و 131 من مدونة التأمينات.[37]

. انظر المادة 184 من مدونة السير.[38]

[39]. يخضع تسجيل المركبات للمرسم عدد 2.10.421 بتاريخ 11 فبراير 2010 المتعلق ببشأن المركبات ، و كذا قرار وزير التجهيز و النقل رقم 2711.10 بتاريخ 29 شتنبر 2010 يتعلق بتسجيل المركبات ذات محرك و المقطورات

. راجع مقتضيات المواد 53 و ما يليها  و المادة 160 من مدونة السير.[40]

. حكم ابتدائي عدد 247 صادر عن المحكمة الإبتدائيةبخنيفرة  بتاريخ 27/03/2019 في ملف جنحي سير عدد 218/2019 ، غير منشور.[41]

[42].تنص المادة 217 من مدونة السيرعلى ما يلي:”…يجب على كيل الملك داخل أجل 7 أيام أن يبلغ كل المعلومات المتعلقة بكل إحتفاظ برخصة سياقة و جميع المقررات الصادرة عنه إلى السلطة الحكومية المختصة قصد تسجيلها”

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)