مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيحدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الإذن بالحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي (تعليق على قرار)

حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الإذن بالحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي (تعليق على قرار)

 الحسن أولياس  باحث في العلوم القانونية والادارية

   وجهة نظر حول قرار محكمة النقض المؤرخ في 29 يوليوز 2020 الصادر في الملف عدد: 6128/4/3/2019

-حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الإذن بالحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي


1- تمهيد:

    تعد الدعاوى المتعلقة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت من أكثر الدعاوى الرائجة أمام المحاكم الإدارية، وذلك راجع لازدياد نشاط الدولة للإقامة المشاريع والأوراش الموجهة لتحقيق المنفعة العامة.

    فإذا كان الأصل أن حق الملكية مضمون ولا يمكن الاعتداء عليه أو تقیید حرية صاحبه في التصرف فيه، إلا أنه في ظل التغييرات الاقتصادية والحاجيات الاجتماعية، فإن هذا الحق ليس مطلقا، إذ يبقي للسلطة العامة الحق في نزع ملكية الأفراد كلما استدعت ذلك الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية للبلاد، شريطة احترام مجموعة من الإجراءات تتبلور من خلال مرحلتين: إدارية وقضائية.

     وينظم مسطرة نزع الملكية القانون رقم 7-81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 254-82-1 بتاريخ 11 من رجب 1402 (6 ماي 1982).

      وتجدر الإشارة إلى أن نزع الملكية يستهدف إحلال الدولة أو الجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الأخرى والأشخاص الطبيعيين المفوض لهم في ذلك، محل المالك الأصلي في ملكية عقار أو حق عینی عقاري، وذلك مقابل تعویض يؤدي للمالك.

      أما الاحتلال المؤقت ((فيرمي فقط إلى احتلال ملك معين من طرف السلطة العامة أومن يحل محلها خلال فترة زمنية محددة، مقابل تعویض يدفع إلى المالك )). وقد بين الفصل 50 من القانون رقم 7- 81 المشار إليه أعلاه بأن حق الاحتلال المؤقت يخول الحق في الإذن بالحيازة المؤقتة للعقار وذلك من أجل تسهيل القيام بالأشغال العامة المعهود بها إلى منفذه، وذلك من أجل:

–  أن يقوم بالدراسات والأعمال التحضيرية للأشغال العامة.

 – أو يودع فيها مؤقتا الآلات والمواد أو يقيم فيها أوراشا أو طرقا ضرورية لإنجاز الأشغال أو منشآت أخرى.

 – وإما أن يستخرج منها بعض المواد.

    ويؤذن بالإحتلال المؤقت بمقتضی مقرر إداري يعين العمليات الصادر الأمر بالإحتلال من أجلها ونوعه ومدته المحتملة ومساحته.

    وقد خصص المشرع الباب السادس من القانون رقم 41-90 الاختصاص المحاكم الإدارية فيما يتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت في المواد 37 إلى 40.

     وتمر مسطرة نزع الملكية القضائية أمام المحكمة الإدارية عبر مرحلتين:

المرحلة الأولى : تقديم دعوى الإذن في الحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي:

وهي الدعوى  التي يرفعها نازع الملكية إلى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات، يطلب فيها الأمر بنقل الحيازة إليه مقابل تعويض احتياطي يدفع إلى المنزوع ملكيته أو يودع لفائدته بصندوق الإيداع والتدبير، و تكمن مهمة قاضى المستعجلات في  مراقبة صحة وسلامة الإجراءات الإدارية التي قامت بها الإدارة قبل اللجوء القضاء، ويمكنه في حالة عدم احترام تلك الإجراءات أن يرفض بالحيازة عملا بمقتضيات الفصل 24 من قانون نزع الملكية، دون التطرق للبحث عن مالك العقار.

      وفي هذا الإطار، ورد في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، ما يلي: ” وحيث أنه استنادا لأحكام المادة 24 من القانون 7/81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، فإن قاضي المستعجلات يمكن له الإذن في الحيازة لنازع الملكية متى تبين له أن المسطرة المنصوص عليها في الفصول 8،9،10،12 من القانون أعلاه قد تمت بصورة صحيحة.

مقال قد يهمك :   المصادقة على مشروع قانون جديد يتعلق بالنظام الأساسي لبنك المغرب

وحيث أنه بعد الاطلاع على الوثائق المعززة للطلب، تبين لنا أن المدعية قد سلكت جميع الإجراءات الإدارية المنصوص عليها في الفصول المشار إليها أعلاه، والمتمثلة في التعليق والايداع والنشر وباقي الإجراءات الأخرى، وأن قاضي المستعجلات تحدد مهمته في إصدار الإذن بالحيازة ولا يمكنه أن يتطرق لمسألة البحث حول مالك العقار المراد نزع ملكيته بعد إثارة هذه النقطة من طرف الأطراف المدعى عليهم في نازلة الحال، وإن ذلك يعود إلى اختصاص قاضي الموضوع“، الحكم الإداري عدد 565 بتاريخ 27 يوليوز 2005 في الملف عدد 524/05.

    ومن صور محدودية مراقبة القاضي الاستعجالي الإداري لمسطرة نزع الملكية، عدم اختصاصه في مراقبة شرط المنفعة العامة من خلال الموازنة والمقارنة بين منافعها أو أضرارها أو التحقق من شرط وجودها على اعتبار أن أي مجادلة لعنصر المنفعة العامة هو في حد ذاته طعن في المرسوم المعلن لها والذي يبقى اختصاص النظر فيه ابتدائيا وانتهائيا من صلاحية محكمة النقض طبقا للفصل 9 من القانون 41-90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية.

المرحلة الثانية: دعوى نقل الملكية مقابل تحديد التعويض النهائي:

    بالموازاة مع دعوى الإذن بالحيازة، يتعين على نازع الملكية أن يتقدم بدعوى أمام محكمة الموضوع قصد استصدار حكم بنقل الملكية قبل انصرام أجل سنتين من نشر مقرر التخلي وتبليغه، إلا إذا رفض طلبه طبقا للفصل 17 من قانون نزع الملكية ويتضمن طلب نقل الملكية تحديد الجهة النازعة لمبلغ التعويض الذي تقترحه على المنزوع ملكيته اعتماد على تقديرات لجنة التقييم الإدارية، إلا أن المنزوع ملكيته يحتفظ بحق رفض المقترح وله أن يطلب إجراء خبرة على العقار لتحديد قيمته الحقيقية، وتتولى المحكمة تعيين خبير أو أكثر لتحديد هذه القيمة، وقد تأمر بإجراء خبرة ثانية في حالة ثبوت موجبات تجريح الخبير أو عند المنازعة في نتيجة الخبرة الأولى من قبل من يعنيه الأمر من الأطراف، كما يمكن أن تأمر حتى بخبرة ثالثة عند وجود تناقض صارخ بين الخبرتين الأولى والثانية.

          وبعد استنفاد الإجراءات المتطلبة يصدر الحكم بنقل الملكية وبتحديد التعويض، ويمكن الطعن بالاستئناف في شق الحكم المتعلق بالتعويض دون الشق الخاص بنقل الملكية والذي يعتبر نهائيا عملا بمقتضيات الفصل 32 من قانون نزع الملكية، كما أن القرار الاستئنافي الإداري الصادر في الشق المتعلق بالتعويض يظل قابلا للطعن بالنقض.

2- ملخص قرار محكمة النقض، مع وجهة نظر بشأنه:

أ- ملخص للنازلة الصادر بشأنها القرار:

تتلخص وقائع النازلة فيما يلي:

  • بتاريخ 7 مارس 2019، تم النشر بالجريدة الرسمية لمرسوم موضوعه أن المنفعة العامة تقضي بإحداث مرفق عمومي بمدينة كلميم، وبنزع ملكية قطعة أرضية ذي مطلب التحفيظ عدد ……، يفترض أنها في ملك:
  • طالب التحفيظ: السيد……………
  • المتعرضون: السيد ………….. ومن معه
  • أصحاب الإيداع في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ: السيد …. ومن معه.
  • بتاريخ 8 أبريل 2019، تم إيداع مقال استعجالي بالإذن بالحيازة مقابل إيداع التعويض المؤقت لدى صندوق الإيداع والتدبير ومقال في الموضوع من أجل نقل الملكية مقابل التعويض.
  • أثناء عرض دعوى الحيازة على القاضي الاستعجالي الإداري، تفحص هذا الأخير شهادة المحافظة المدلى بها من طرف نازعة الملكية ليستنتج أن التعويض الاحتياطي هو من حق طالبي التحفيظ وان المتعرضين قد رفض تعرضهم ضد المطلب من طرف المحافظ العقاري بكلميم.
  • وبتاريخ 28 ماي 2019 صدر الأمر الاستعجالي الذي قضى بالإذن للدولة في حيازة العقار مقابل أداء التعويض لفائدة طالب التحفيظ باعتباره هو المالك، طعن ضده بالنقض المتعرضون ورثة مغاربي أحمد
  • على إثر الطعن بالنقض، أصدرت محكمة النقض قرارا مؤرخا في 29 يوليوز 2020 قضى بالنقض والاحالة على نفس المحكمة للبت في القضية من جديد على أساس ان القاضي الاستعجالي لا يحق له مناقشة وثائق تملك المنزوعة ملكيتهم وترتيب أثار عليها تمس بالمراكز القانونية.
مقال قد يهمك :   إحالة مشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي على مجلس النواب

ب- استنتاجات:

     انطلاقا مما تقدم، يتضح أن استجابة قاضي المستعجلات لطلب الاذن بالحيازة متوقف على توفر شرطين:

  • احترام نازع الملكية للإجراءات الإدارية المنصوص عليها في الفصول من 8 الى 12 من قانون نزع الملكية، علما أن جميع الوثائق المثبتة لقيام نازع الملكية بهذه الإجراءات تكون مرفقة بالمقال الاستعجالي.
  • دفع أو أيداع نازع الملكية للتعويض الاحتياطي المقترح من طرفه، هذا التعويض الذي يتم تحديده من طرف اللجنة الإدارية للتقييم.

 ويترتب على عدم احترام الشرطين أعلاه، صدور حكم برفض الحيازة، وهو الأمر الذي استقر عليه الاجتهاد القضائي من خلال الأوامر التالية:

  • الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 9 مارس 2004 في الملف عدد 14-1-04
  • الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 27 يوليوز 2005 في الملف عدد 524/05
  • الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 30 أبريل 1997

    وإذا كان الفصل 32 من قانون نزع الملكية ينص على أنه لا يمكن الطعن ضد الأمر الصادر بالإذن في الحيازة سواء عن طريق التعرض أو الاستئناف، فالسؤال المطروح هل يمكن الطعن ضده بالنقض؟

   هناك اتجاه فقهي يعتبر أنه ما دام المشرع لم ينص على عدم ممارسة هذا الطعن، فإنه يمكن الطعن بالنقض ضد مثل هذه الأوامر.

   انطلاقا مما سبق، يتضح أن محكمة النقض من خلال قرارها موضوع التعليق، قد أجابت عن السؤال المطروح وقبلت الطعن بالنقض ضد أمر استعجالي صادر بالإذن في حيازة العقار وذلك حينما ثبت أن القاضي الاستعجالي الإداري تجاوز اختصاصه المتمثل في مراقبة سلامة إجراءات نزع الملكية ليخوض في مناقشة من له الحق في التعويض بناء على ما هو مدون بشهادة الملكية العقارية.

   ولعل اجتهاد محكمة النقض أعلاه محمود ومطابق للقانون، استنادا إلى الاعتبارات التالية:

  • ما دام الأمر الاستعجالي القاضي بالإذن في الحيازة هو حكم نهائي لا يقبل الاستئناف، فمؤدى ذلك أنه يقبل الطعن بالنقض متى توافرت موجبات هذا الطعن تماشيا مع مقتضيات الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية.
  • من موجبات النقض ضد الامر الاستعجالي الآذن بالحيازة، تجاوز القاضي الإداري لاختصاصاته المتمثلة في مراقبة سلامة إجراءات نزع الملكية من خلال الاطلاع على الوثائق المثبتة لذلك والتي يتم ارفاقها بالمقال وبالتالي فان البت ممن له الاحقية في التعويض هو مس بجوهر النزاع الذي يحضر على القضاء الاستعجالي عموما الخوض فيه.
  • يمكن للقاضي الاستعجالي الحكم بالإذن في الحيازة مقابل أداء التعويض لفائدة المنزوعة ملكيته في حالة وضوح المركز القانوني لهذا الأخير وعدم وجود المانع، كأن يكون المنزوعة ملكيته مالكا لرسم عقاري أو جزء منه وثبوت كون العقار غير مثقل بأي تحمل أو حق يدعيه الغير على الرسم المذكور.
  • في مثل الحالة التي صدر فيها الحكم الاستعجالي موضوع طلب النقض، يجب على القاضي الاستعجالي الحكم بالإذن في الحيازة مقابل إيداع التعويض المحكوم به لدى صندوق الإيداع والتدبير، وذلك إلى حين الحسم في ملكية من له الحق في التعويض كاستصدار طالب التحفيظ لشهادة عقارية تفيد التشطيب على التعرض من طرف المحافظ العقاري بعد صدور قرار رفضه.
  • من الناحية العملية في حالة تعدد المنزوعة ملكيتهم وادعاء كل طرف أنه هو المالك للعقار، فإن الإجراء الذي يتخذ هو قيام الإدارة بإيداع التعويض لدى صندوق الإيداع والتدبير، ولا تستصدر الجهة نازعة الملكية لقرار رفع اليد عنه إلا بعد إدلاء من له الحق بحكم نهائي في مواجهة جميع الأطراف، وذلك بكونه هو المالك للعقار.
مقال قد يهمك :   نور الدين أبو عبد الله: المصلحة الفضلى للطفل في القانون الدولي الخاص و المقارن (الحضانة و النسب نموذحا )

      بناء على ما سبق، فانه يبدو مناسبا تعديل مقتضيات الفصل 32 من قانون نزع الملكية، وذلك بالتنصيص على كون الأمر الاستعجالي الصادر بالحيازة يقبل الطعن بالنقض متى توافرت موجباته ومن ضمنها تجاوز القاضي الاستعجالي لحدود اختصاصاته والخوض في مناقشة من له الحق في التعويض في حالة تعدد الملاك المفترضين وعدم وضوح مراكزهم القانونية كما في النازلة التي صدر فيها قرار محكمة النقض بتاريخ 29 يوليوز 2020.

      وتجدر الإشارة أخيرا إلى أنه بعد صدور قرار محكمة النقض أعلاه، أحيل الملف على المحكمة الإدارية الابتدائية التي طبقت القاعدة القانونية للقرار وأصدرت بتاريخ 2 فبراير 2021 أمرا بالإذن للجهة الإدارية نازعة الملكية في حيازة القطعة الأرضية المعنية التي أسس لفائدتها طالبو التحفيظ الرسم العقاري مقابل أدائها لفائدتهم التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقييم وذلك بعد الإدلاء بشهادة عقارية تفيد وضوح المركز القانوني للمعنيين بالأمر. 


أهم المراجع المعتمدة:

المؤلفات والمقالات:

– ذ نبيل حرزان، منازعات الملك الخاص للدولة، إصدار لمجلة الحقوق، 2017.

– د محمد الحيان، دور قاضي الأمور المستعجلة الإداري في حماية الملكية العقارية الخاصة، مقال منشور بالموقع الالكتروني revuealmanara.com

القوانين:

– القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت

 الاجتهادات القضائية:

– اجتهادات قضائية صادرة عن محكمة النقض ومحاكم الموضوع الإدارية، غير منشورة

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]