حماية الأجراء من سلطة المشغل التأديبية في التشريع المغربي والتشريع اليمني
علي أحمد محمد سعيد باحث بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة الحسن الأول – سطات
إن حماية الأجراء من تعسف المشغل في استعمال سلطته التأديبية التي يمنحها له القانون على مستوى تحديد الأخطاء المرتكبة من الأجير المؤدية إلى فصله خارج المقاولة كارتكابه أخطاء صدر بشأنها حكم نهائي أو إفشاء سر مهني وكذلك إذا ارتكب الأجير أخطاء بالمقاولة تؤدي إلى خسارة مادية أو تعاطيه السكر والمخدرات، أو بسبب عدم امتثاله للقواعد المنظمة لحفظ الصحة والسلامة المهنية، وفي حالة غيابه بدون سبب مشروع أو مُبرر.
هذه السلطة توازيها ضمانات تشريعية للأجير في مواجهة المشغل في حالة إصداره لعقوبات معنوية أو مهنية ضده، وبلوغ هذه الغاية رهين بتحقيق مجموعة من العناصر من أهمها قيام الأجراء بمهامهم على أحسن وجه وتنفيذ التعليمات الموجهة لهم من طرف المشغل[1]. وحتى يكون لتعليمات صاحب المؤسسة صدى فعال لدى كل الأجراء والمستخدمين، وحتى لا تذهب هذه التعليمات أدراج الرياح، فقد نص المشرع المغربي و اليمني، على إعطاء المشغل سلطة في تحديد الجزاءات التأديبية المناسبة لطبيعة الشغل[2]، إلا أن هذه السلطة مقيدة بقيود تمنع المشغل من تجاوزها. وقد رتب المشرعان جزاء تأديبياً رادعاً للأجراء من الاستهتار بالشغل[3].
ورغم اختلاف كل من المشرعين على أساس السلطة التأديبية، فإن الأستاذ محمد سعيد بناني يرى أن السلطة التأديبية تغلب عليها نظرية تأسيسية دون إغفال النظرية التعاقدية[4]، أما المشرع اليمني فقد اعتبرها عقدية تستمد من العلاقة التبعية القانونية ومصدرها العقد المبرم بين الأجير و المشغل، نظراً لأن هذا الأخير يقوم بدور الخصم والمحقق، والقاضي في آن واحد. وخوفا ًمن المشرعين من إساءة استعمال هذه السلطة فقد حددا هذه السلطة التأديبية ولم يتركا للمشغل حرية التصرف فيها مطلب أول ووضعا قيوداً وضمانات تكفل حسن استخدامها، وتمنع المشغل من التعسف في استخدام العقوبات التأديبية مطلب ثاني.
المطلب الأول: سلطة المشغل في تحديد الأخطاء التأديبية
لضمان نجاعة سلطة المشغل في إدارة المشروع سعيا إلي تحقيق الأهداف المرجوة، متع مشرعي الشغل المغربي واليمني المشغل بسلطة تأديبية تمكنه من توقيع الجزاء على الأجير، ولكن المشرعين جعل لهذه السلطة حداً إذا كان الخطأ غير مرتبط بالشغل الفقرة الأولى أو إذا أخل بالتزاماته المهنية أو خالف التعليمات الموجهة له داخل المقاولة الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى:- أخطاء غير مرتبطة بالشغل
مدد المشرعان اليمني[5]، والمغربي[6] من سلطة المشغل التأديبية المؤدية إلى الفصل في حالة ارتكاب الأجير أخطاء قد تتعلق بالأخلاق الحميدة التي يجب أن تطبع سلوكه أولاً، وبعنصر الثقة ثانياً خاصة عند خوف المشغل من التأثير على سمعة وسير المقاولة[7].
أولاً:- ارتكاب أخطاء صدر بشأنها حكم نهائي
فرق المشرع المغربي في المادة التاسعة والثلاثين من مدونة الشغل بين الأخطاء المرتكبة من طرف الأجير داخل المقاولة وخارجها في حالة ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة وصدر بشأنها حكم نهائي سالب للحرية، عكس نظيره اليمني الذي لم يفرق هذه الأخطاء في المادة 35 من قانون العمل اليمني إلا أنه من خلال قراءة هذا النص يتضح أنه في الفقرة الثانية من نفس المادة أعطى للمشغل حق فصل الأجير من الشغل بدون إشعار كتابي إذا حكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة بحكم قضائي بات.
يتضح مما سبق أن المشرعين قد توافقا بأن يتم فصل الأجير في حالة ارتكابه لهذه الأخطاء التي تسبب بشأنها حكم نهائي بات، وأشترط المشرع المغربي أن يكون الحكم نهائياً وسالباً للحرية ومتعلقاً بجنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة فقط.
في حين نجد أن المشرع اليمني لم يوضح طبيعة الحكم هل هو ناتج عن جنحة أو جناية فقد جعلها مرتبطة بالشرف والأمانة والآداب العامة، وصدر بها حكم قضائي بات[8]. وهذا يعني أن المشرعين المغربي واليمني قد سارا على نفس التوجه، بالرغم من اختلاف التشريعين في ذكر التسمية جنحة أو جناية إلا أن الهدف واحد وهو أن تكون هذه الأخطاء مرتبطة بالشرف والأمانة و ألآداب العامة، بشرط صدور حكم نهائي[9].
ثانياً:- الأخطاء المتعلقة بعنصر الثقة
أفصح المشرع المغربي على الأخطاء التي يرتكبها الأجير خارج المقاولة والتي تسبب في فصله بطريقة شرعية كما هو مذكور في المادة 39 من مدونة الشغل إلا أن المشرع اليمني لم يفرق كما تم ذكره بين الأسباب المرتكبة داخل وخارج المقاولة، ولكنه جعل أيضاً إفشاء الأجير للسر المهني يؤدي إلى فصله بدون إشعار كتابي[10]. فالتزام الأجير بعدم إفشاء أسرار الشغل ينحدر مما يمليه العقد بصفه عامة من التزام و بمراعاة حسن النية في التنفيذ. وعليه فإن هذا الالتزام ينفذ حتى ولو لم يوجد نص خاص بشأنه[11]. فقد جاء في القانون المدني اليمني بأنه على الأجير” أن يحتفظ بأسرار العمل الصناعية والتجارية حتى بعد انقضاء العقد”[12]. وإذا كانت الفقرة الرابعة من المادة 790 من القانون المدني اليمني قد اقتصرت على الأسرار الصناعية المتعلقة بالإنتاج، والأسرار التجارية التي تتعلق بمعاملات المحل ونشاطه[13]، إلا أن قانون العمل اليمني جاء بنص أكثر وضوح يشمل كافه الأسرار المهنية[14]، فنص على أنه يجب على الأجير” المحافظة على أسرار العمل”[15]. وفي حالة إفشاء هذه الأسرار التي تعتبر ذات أهمية بالغة[16]، فإن المشرع اليمني منح للمشغل الحق في فصل الأجير وإنهاء العقد بسبب ذلك وهذا ما جاء صراحة في نص الفقرة العاشرة من المادة الخامسة والثلاثين من قانون العمل اليمني.
وأعتبر كذلك المشرع المغربي إفشاء السر المهني من الأخطاء الجسيمة التي يحق للمشغل فصل الأجير في حاله ارتكابه نتيجة الضرر الذي قد يلحقه هذا الإفشاء بالمقاولة، ووضع حداً للمشغل بإثبات الضرر الذي أصاب المقاولة حتى يوصف الفعل المرتكب بالخطأ الجسيم الذي يسمح لهذا الأخير بفصل الأجير[17]، خلافاً للنص الجنائي الذي جاء فيه بأنه: “كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع، إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به، سواء كان ذلك الإفشاء إلى أجنبي أو إلى مغربي مقيم في بلد أجنبي يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى عشرة الآلف درهم. وإذا أفشى هذه الأسرار إلى مغربي مقيم بالمغرب، فعقوبته الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهماً. ويحكم بالحد الأقصى المقرر في الفقرتين السالفين حتماً، إذا كانت الأسرار متعلقة بمصنع للسلاح أو الذخيرة الحربية مملوك للدولة. وفي جميع الأحوال، يجوز أن يحكم مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر”[18]، وجاء عن الأستاذ محمد الكشبور أن من المخاطر التي قد يواجهها المشغل في حالة طرد الأجير لإفشائه أسرار مهنية ثم يبرؤه القضاء الجنائي من القيام بذلك الفعل، يصبح من حقه أن يرجع على مشغله بما يمنحه له القانون من تعويضات، إضافة إلى الرجوع للشغل[19].
وعليه يتضح مما سبق أن المشرع المغربي واليمني قد توافقا على أن الأجير إذا أفشى سراً مهنياً يجوز للمشغل فصله من الشغل، وهذا ما أكده القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي جاء فيه “أن السبب الذي يشكل منافسة للمشغل تبرر طرد الأجير من العمل، هو قيامه بأعمال تمس فعلياً بنشاط المشغل في سوق العمل، كأن يسخر الأجير خبرته أو خدماته إلى أخر بشكل يؤثر على مردوديته في العمل لدى مشغله أو يقوم بإفشاء أسرار المؤسسة التي يعمل فيها[20]“.
الفقرة الثانية:- الأخطاء الجسيمة المرتكبة داخل المقاولة
أفردا المشرعان المغربي واليمني للأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الأجير جزاءً قد يصل إلى فصله من شغله[21]، كالسكر العلني وتعاطي مادة مخدرة والاعتداء بالضرب واستعمال أي نوع من أنوع العنف والاعتداء البدني الموجه ضد الأجير أو المشغل أو من ينوب عنه والذي يؤدي لعرقلة سير المقاولة[22]. وفي هذا الإطار أجاز المشرع اليمني في قانون العمل للمشغل بأن يفصل الأجير إذا وجد أثناء ساعات الشغل في حالة سكر أو تحت تأثير مادة مخدرة[23]، وعند قراءة هذا المقتضى بتمعن يتضح أن المشرع اليمني لم يشترط شرب المسكرات و تعاطي المخدرات أثناء الشغل، وإنما اكتفى أن يكون التعاطي من قبل، مع شرط ظهور أثره، حتى لو كان بنسبة قليلة بعد التوجه إلى الشغل أو في أثنائه، وثبت للمشغل أن الأجير يشرب المسكرات أو يتعاطى المخدرات عن حرية واختيار، لأنه يمكن أن يفقد الأجير وعيه جزئياً أو كلياً، مما قد يؤثر على شغل الأجير بالصورة السليمة، كما أنه يفقده ثقته واحترامه، ويمس سمعته بين زملائه في الشغل، إضافة إلى أنه يشكل مخالفه صريحة لأوامر الشرع ونواهيه الشيء الذي دفع بالمشرع اليمني أن يخول للمشغل الحق في أن يفصل الأجير من الشغل، وأن يحرمه من حقه في المكافأة دون شرط[24]، عكس نظيره المغربي الذي ربط هذا الحق في أن يكون السكر علنياً، ومن وجهة نظري فأن المشرع اليمني كان موفقاً عندما لم يحدد بأن يكون السكر علنياً. ومما يلاحظ أن تعاطي المخدرات جاءت ضمن مستجدات مدونة الشغل حيث لم تكن تنظم في النظام النموذجي الملغي[25].
ومن ضمن الأخطاء الجسيمة التي اعتبرها المشرع المغربي مبررة للفصل الاعتداء بالضرب من طرف الأجير داخل المقاولة[26]، والذي لم يتطرق إليه نظيره اليمني وإنما جاء بأنه إذا ارتكب الأجير خطأ نشأ عنه خسارة مادية للمشغل بشرط أن يبلغ المشغل الجهات المختصة بالحادث خلال ثمانية وأربعين ساعة من وقت علمه بوقوعه[27]، وأجاز له القانون في مثل هذه الحالة فصل الأجير من الشغل، كما أن المشرع اليمني وضع شروط لحماية الأجير، وهو إبلاغ الجهات المختصة فور حدوث الخطأ خلال ثمانية وأربعين ساعة من وقت وقوعه، وإلا سقط حق المشغل في فصل الأجير، والإشكال الذي يطرح نفسه هو ما جاء في المادة 35 من قانون العمل اليمني عن عدم شكلية التبليغ وقت وقوع الحادث، وهنا يمكن أن يكتفي بالتبليغ وقت وقوع الحادث، بغض النظر على من بلغ. وقد جاء واضحاً بأن أجاز أن يكون التبليغ شفوياً، أو حتى تلفونياً، وقد يكون التبليغ كتابة، على شكل شكوى تقدم إلى النيابة مثل خطأ ناتج عن سرقة مواد أولية أو أي مواد أخرى مملوكة للمشغل[28]، وهذا ما سار عليه المشرع المغربي الذي اعتبر أن ارتكاب الأجير لخطأ نشأ عنه خسارة مادية جسيمة للمشغل سبب مبرر لفصله[29].
يتضح لنا أن المشرع اليمني قد توافق مع نظيره المغربي حول جواز فصل الأجير بسبب ارتكابه خطاء جسيماً نشأت عنه خسارة مادية للمشغل إلا أنه قد ربط هذه السلطة بقيود وهي إبلاغ الجهات المختصة فور حدوث الخطأ لكي تتأكد هذه الأخيرة من صحة البلاغ ومن مرتكب الفعل، دون تركها للمشغل الذي يمكن أن يرمي الأخطاء تعسفياً على الأجير حتى لو كان ليس هو الفاعل، و ذلك بسبب نزاع سابق بينهم أو لسبب آخر، والتخلص منه وفصله من الشغل.
كما اعتبر المشرع المغربي الاعتداء بالضرب داخل المقاولة خطأ جسيماً يبرر فصل الأجير، وربط إثبات هذا الاعتداء بمعاينة مفتش الشغل وتحرير محضر بذلك[30]، فالاستعانة بمفتش الشغل في هذه الحالة يرمي إلى حماية الأجراء الذين قد يكونون ضحايا للادعاءات الكاذبة مع العلم أن خرق هذا الإجراء يجعل الفصل غير مشروع[31]، إضافة بأن المشغل يستطيع أن يوسع دائرة هذه الإدعاءات بسبب قوة مركزه المالي مما يؤدي إلى حبس الأجير[32].
أما المشرع اليمني فقد نص على أنه “إذا اعتدى العامل على صاحب العمل أو من يمثله أو رئيسه المباشر أثناء العمل أو بسببه اعتداء يعاقب عليه القانون أو وقع منه اعتداء جسماني على أحد العاملين الآخرين في مكان العمل أو بسببه”[33]، يجوز للمشغل في هذه الحالة أن ينهي العقد من جانبه بدون إشعار كتابي أو تحمل الأجر المقرر عن فترة الإنذار، ولم يربط المشرع اليمني هذا النوع من الاعتداء بكونه سبباً مؤثراً على المقاولة ولكنه جعل هذا الخطأ مرتبطاً بالمشغل أو من يمثله أو رئيسه المباشر، كما أنه أوجب شرطين لحماية الأجير في حالة اعتباره خطأ يترتب عليه فصل هذا الأخير إذا اعتدى على احد العاملين أو رؤساء الأقسام الآخرين وهما:-
أولاً:- أن يكون الاعتداء جسمانياً كالضرب أو الجرح أو القطع وأي فعل مادي يمس صديقه أو احد رؤساء الأقسام الآخرين.
ثانياً:- أن يقع هذا الاعتداء في مكان الشغل أو بسببه[34].
ويلاحظ أن المشرع المغربي قد رخص للمشغل صلاحية فصل الأجير في حالة عدم امتثاله للقواعد المنظمة لحفظ الصحة والسلامة لأن ذلك قد يشكل خطأ جسيماً، إلا أنه ألزم المشغل أن يطلع الأجراء على الأحكام القانونية المتعلقة بالاحتراس من خطر الآلات، وأيضاً أن يلصقها في مكان مناسب من أماكن الشغل، التي اعتاد الأجراء دخولها[35]، وعاقب المشرع المشغل في حالة مخالفته للمادة 289 بغرامه مالية تصل من 10.000 إلى 20.000 درهم[36]، وهذا ما سار عليه المشرع اليمني حين عاقب المشغل بغرامة مالية لا تقل عن خمسة ألف ريال ولا تزيد عن عشرة ألف ريال بل يمكن رفع تشديد هذه العقوبة لتصل إلى الحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر[37].
إذا يمكن القول أن المشرعين المغربي واليمني قد أعطى للمشغل صلاحية في فصل الأجير عند ارتكابه لهذه الأخطاء أو مثلها، ولكن يبقى التساؤل عن مدى سلطات المشغل في تحديد الأخطاء الأخرى التي لم تذكر في مدونة الشغل المغربية وقانون العمل اليمني؟ الشيء الذي يمكن أن يجعل المشغل يتعسف بالأجير في حالة ارتكابه خطأ لم يتم تحديدها من قبل المشرعين المغربي واليمني ويمكن القول على أنه مهما كانت دقه مقتضيات وأحكام النصوص التشريعية المنظمة للعلاقات الشغلية فإنها لن تكون قادرة على تحديد كل الأفعال التي يمكن اعتبارها أخطاء جسيمة ولهذا فإن إنشاء أنظمة داخلية يعد أمراً ضرورياً لتحديدها واعتبارها أخطاء جسيمة وفقاً لطبيعة الشغل[38].
المطلب الثاني: الضمانات التشريعية في مواجهة العقوبات التأديبية
نظراً لما تكتسبه العقوبات التأديبية من خطورة بالغة على الحياة المهنية للأجير واستقرار العلاقة الشغلية[39]. فإن المشرع المغربي تناول تحديدها وتدرجها بحسب جسامة المخالفة المرتكبة[40]. ولكن الاختلاف الحاصل هو أن هناك من يرى أن العقوبات جاءت على سبيل الحصر[41]، بينما هناك من يرى أنها جاءت على سبيل المثال لا الحصر، لأن الواقع العملي يكشف أن المشغلين كثيراً ما يلجئون إلى وضع عقوبات غير منصوص عليها قانوناً[42]. فظهير 23 أكتوبر 1948 الخاص بالنظام النموذجي الملغي كان يجعل العقوبات ذات طابع مالي[43]، ومعنوي ومهني، فيبقى التساؤل هل احتفظت مدونة الشغل بهذا التصنيف أم قلصت من لائحة الجزاءات وأحاطتها بقيود وضمانات حماية للأجراء من تعسفات المشغلين في استعمال سلطاتهم، وإلحاق الضرر بهم.
نهج المشرع المغربي نفس نهج المشرع الفرنسي[44] عندما ألغى في المدونة الجديدة عقوبة الغرامة المالية، باعتبار الأجر المورد الأساسي والوحيد وبالتالي جعله محل للحماية القانونية، وفي نفس الوقت لا يسمح بالاقتطاع من أجره تنفيذاً للعقوبات المالية التي توقع عليه[45]. وحمايةً من المشرع المغربي لأجر الأجير نلاحظ أنه قد حدد في المادة 37 من مدونة الشغل لائحة العقوبات التأديبية، وعدم ذكر عقوبة مالية[46]، ولكن يتبين لنا أن المشرع اليمني مازال يحتفظ بالغرامة المالية كخصم من الأجر بعد عقوبتي لفت النظر الكتابي، و الإنذار الكتابي، وهذا ما جاء في نص المادة 93 من قانون العمل اليمني[47]، حيث تتجلى العقوبات التي يوقعها المشغل على الأجير بغرامة الخصم من الأجر، عبارة عن مبلغ من النقود يدفعه الأجير في حالة ارتكابه مخالفة، ويخصم من الأجر اليومي ، أما إذا كان الأجر بالقطعة فإن الخصم يقدر على أساس متوسط الدخل اليومي لثلاثين يوماً، ووضع المشرع بعض القيود على المشغل من استغلال هذه السلطة عند توقيعها حيث وضع سقف معين لهذا الأخير لا يجوز أن يتجاوزه وهو ما أكده في الفقرة الثالثة من نفس المادة بأن يسمح “الخصم من الأجر بما لا يزيد على 20% من الأجر الأساسي”.
وعليه يتضح من النص القانوني بأنه لا يجوز للمشغل أن يتوسع في فرض غرامة على الأجير عن المخالفة الواحدة بأكثر من 20% من الأجر مهما بلغت جسامة المخالفة التي استوجبت فرض الغرامة، إذا تعددت المخالفات التي تستوجب الغرامة في شهر واحد بمعنى أنه لا يجوز للمشغل أن يخصم أكثر من 20% في الشهر الواحد وفاءاً لهذه الغرامات، وما تبقى يخصم من الشهر أو الشهور التالية على أساس النسبة المذكورة، ولا يتم الخصم إلا على أساس الأجر الأساسي فقط فلا تدخل العلاوات، أو البدلات أو المكافئات في الخصم[48]. وبالرغم من هذه الحماية التي وضعها المشرع اليمني فإنها غير كافية لأن العقوبة المالية قد تؤثر على الأجير باعتبارها تحدث خللاً في ميزانيته، وتؤثر على دخله، كما أنها تؤثر على معيشته الأسرية، ولهذا فعلى المشرع اليمني أن يستبعدها ليرعى حق الأجير في حقوقه المالية ويضع بدلاً للعقوبة المالية كنظيره المغربي.
انطلاقاً من مقتضيات المادة السابعة والثلاثين من مدونة الشغل، والمادة الثالثة والتسعين من قانون العمل اليمني، أنه يمكن تقسيم العقوبات التي توقع على الأجير في حالة ارتكابه لخطأ تأديبي إلى عقوبات معنوية الفقرة الأولى، ثم عقوبات مهنية الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: العقوبات المعنوية.
العقوبات المعنوية لا تؤثر على الناحية المالية للأجير في مدونة الشغل مثل الإنذار و التوبيخ، وفي قانون العمل اليمني نص على لفت النظر الكتابي. والإنذار الكتابي، فالإنذار مجرد تنبيه للأجير عن المخالفة التي وقعت منه وتحذيره من مغبة تكرارها، لأنه سيتعرض لعقوبات أشد في حالة استمرار مخالفة أوامر المشغل، وهي أول العقوبات التي جاءت في المادة السابعة والثلاثين من مدونة الشغل وتعتبر من مستجدات المدونة لأنها لم تكن متضمنة في مقتضيات ظهير 23 أكتوبر 1948 المتعلق بالنظام النموذجي الملغي[49]، ولكن يبقى التساؤل هل يكون الإنذار كتابياً أم شفوياً؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، نلاحظ أن المشرع المغربي قد تنبه لهذه المسألة وجاء بمقتضى ذي طابع حمائي من خلال نصه على أنه: “يسلم مقرر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 أعلاه أو مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يداً بيد مقابل وصل، أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور.
يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل، كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله”[50]، بمعنى أنه لا يمكن اعتبار هذا الإنذار إلا إذا كان مكتوباً. أما بالنسبة للمشرع اليمني فقد نظم لفت النظر الكتابي كأول تنبيه تأديبي[51]، ولم يعرفه[52]، فهو ليس جزاء وإنما تنبيه الأجير إلى المخالفة التي ارتكبها قصد عدم تكرارها مرة أخرى، وليكون على حذر لاسيما إن حصلت المخالفة بدون قصد منه أو بحسن نية[53]. كما أنه من مستجدات قانون العمل اليمني إلزام المشغل أن يكون لفت النظر مكتوباً. أما الإنذار فقد تبناه المشرع اليمني في الفقرة الثانية من المادة 93 وهو ثاني أنواع الجزاءات، ويعتبر الإنذار الكتابي جزاء عقابياً تحذيرياً للأجير عندما يرتكب مخالفة في الشغل تستوجب إصدار تحذير للأجير للفت الانتباه إلى منع عدم التكرار، وإلا استحق عقوبة أشد من الإنذار، ومن الحالات التي تستوجب الإنذار الكتابي مثلاً التأخير عن وقت الشغل الرسمي بحسب اللوائح المنظمة لوقت الشغل في المنشأة.
ومن خلال كل هذا يتبين لنا أن المشرع اليمني والمشرع المغربي قد أخذا بنفس عقوبة الإنذار، ولو أن المشرع اليمني جاء بها كثاني أنواع العقوبات إلا أنه قد أفصح بأنه يجب أن يكون الإنذار كتابياً، وهذا ما جاء في صريح النص القانوني بمعنى أنه لا يعتمد الإنذار إن كان شفهياً، و إذا ما وقعت إحدى العقوبتين لفت النظر الكتابي، أو الإنذار الكتابي، أوكليهما على الأجير، فإن المشرع اليمني ألزم المشغل بإزالتهما من سجل الأجير الشخصي متى تحسن سلوكه بعد مرور سنة على توقيعها فعلياً عليه في نفس السنة[54].
أما مدونة الشغل فقد أضافت عقوبة التوبيخ وهو لا يعتبر فقط تحذيراً موجهاً للأجير من العودة إلى ما اقترفه من مخالفة تأديبية، وإنما إفصاح المؤسسة الشغلية عن عدم الرضاء عن سلوكه أو فعله. فالتوبيخ إذا كان لا يؤثر بصفة عامة في وضع الأجير داخل المؤسسة التشغيلية، يمكن أن يؤخر الأجير المعني في الترقيات، ويحول دون الاستجابة إلى ما يتقدم به الأجير المعني من طلبات خاصة بالقروض، أو المنح أو المكافئات.
لذلك يلاحظ أن كبار المستخدمين في المقاولات الشغلية هم اللذين يكونون أكثر حساسية لهذا النوع من الجزاءات التأديبية. هذا بالنسبة للتوبيخ الأول الذي يأتي بعد الإنذار وهو بدون وصف، ولم يشترط فيه المشرع الكتابة، كما أنه ليست هناك مسطرة خاصة لتوقيعه[55].
وبالرجوع للفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة السابعة والثلاثين من مدونة الشغل نجدها قد وضعت توبيخاً ثانياً، أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام، والتوبيخ الثالث، أو النقل إلى مصلحة، أو النقل إلى مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة سكن الأجير[56].
الفقرة الثانية: العقوبات المهنية
في حالة ارتكاب الأجير لنفس الخطأ أو لخطأ أخر ناتج عن مخالفة النظام الداخلي أو الأوامر الموجهة إليه، فإن المشغل لا يقتصر على العقوبات المعنوية، لأن في ذلك شل لسلطته، وإنما يخول له اتخاذ عقوبات أشد تنتقل من درجة العقوبة المعنوية، إلى عقوبة تصيب الأجير في صفته المهنية [57]. والعقوبات التي نص عليها المشرع المغربي جاءت حسب مقتضيات المادة السابعة والثلاثين من مدونة الشغل وتتجلى في عقوبتين وهما التوقيف عن الشغل أولاً، والنقل إلى مصلحة، أو مؤسسة أخرى ثانياً[58].
أولا: التوقيف عن الشغل
التوقيف عن الشغل هو ثالث أنوع العقوبات التي يترتب عنها حرمان الأجير من ممارسة شغله لمدة ثمانية أيام كحد أقصى لا يجوز تجاوزه[59]. والغاية من ذلك حماية الأجير من تعسفات المشغل في الزيادة من عدد الأيام[60]، إضافة إلى الضمانات التي جاء بها المشرع المغربي حين ألزم المشغل عند تعرض الأجير لعقوبة التوقيف من الشغل بالتقيد بمقتضيات المادة الثانية والستين من مدونة الشغل، وعلى أي فإن الحماية التي أصبغتها المدونة لأجراء العاديين تبين محدوديتها مقارنة مع ممثليهم[61]، إلا أن هذه الحماية غير كافية، لأن الفصل التأديبي إجراء خطير، لأنه لا يحرم الأجير من عمله خلال مدة معينة فقط، وإنما يحرمه من أجره خلالها[62].
أما بالنسبة للمشرع اليمني فلم يتخذ مثل هذه العقوبة التأديبية في المقتضيات الخاصة بسلطة المشغل في العقوبات الـتأديبية ضد الأجير، وهذا ما جاء صراحة من خلال التنصيص على أنه “لا يعتبر التوقيف عن العمل عقوبة بحق العامل وإنما هو جزاء احتياطي تستوجبه ظروف العمل والتحقيق”[63]، أي يمكن للمشغل أن يوقف الأجير شفوياً مدة لا تزيد عن خمسة أيام لأغراض التحقيق ويجوز للمشغل أيضاً أن يوقف الأجير عن الشغل كتابياً مدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً إذا طلبت لجنة التحقيق، ذلك لما فيه مصلحة الشغل أو التحقيق، واعتبر الأجير في حكم التوقيف فترة احتجازه لدى الجهات المختصة في القضايا التي تتصل بالشغل أو تكون بسببه، وألزم المشغل بالاستمرار في صرف 50% من أجر الأجير حتى يفصل في قضيته.
وتكريساً لهذه الحماية أمر المشرع المشغل بصرف الأجر المتبقي للأجير أو المخصوم منه في حاله براءته، وإعادة إلى شغله السابق بعد انقضاء مدة التوقيف في حالة ثبوت براءته صراحة. وخوفاً من توسع المشغل في استخدام التوقيف عن الشغل لم يعتبر في حكمه الفترات التي يحتجز خلالها الأجير لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالشغل، إلا أن المشرع اليمني قيد أجر الأجير أو جزء منه بموافقة المشغل، لكنه منع المشغل بفصل الأجير من الشغل، وهذا ما يدل على أن المشرع حاول أن يقلص من هذه السلطة، لكي لا تطال إلى مرحلة الفصل من الشغل[64].
يتبن لنا مما سبق أن المشرع اليمني لم يتخذ التوقيف من الشغل كجزاء للأجير في ارتكابه لمخالفه في الشغل لكنه أجاز توقيف الأجير كإجراء تحفظي في مراحل التحقيق السالفة الذكر، لذا كان من الأجدر على المشرع المغربي استبدال هذه العقوبة بأخرى لان التوقيف عن الشغل يعتبر عقوبة سيف ذي حدين يحرم منها الأجير من الشغل، والأجر خلالها.
ثانياً: التنقل من مصلحة أو من مؤسسة إلى أخرى
يعتبر التنقل من مصلحة إلى أخر أو من مؤسسة إلى أخرى عند الاقتضاء رابع العقوبة التأديبية التي جاءت بها المادة السابعة والثلاثون من مدونة الشغل، وغالباً ما تكون المصلحة المنقول إليها الأجير أقل شأناً وأهمية من المصلحة التي كان يشتغل فيها قبل تأديبه، وقد يتعدى النقل المؤسسة الشغلية ليشمل مؤسسة أخرى، إذ كانت المقاولة لها عدة فروع في أماكن مختلفة[65].وإذا كان الأمر يبدو واضحاً، فإنه غالباً ما يثار اللبس عند نقل الأجير كإجراء يدخل في إطار أعمال السلطة التنظيمية أو الإدارية للمشغل، ويرى الأستاذ محمد سعيد بناني أن التنقل المؤقت للأجير لمهام أخرى قصد الوقوف على قدراته المهنية لا يشكل عقوبة. أما إذ كان نقل الأجير إلى مصلحة أو مؤسسة ناتجاً عن ارتكاب خطأ غير جسيم فإن ذلك يدخل في إطار أعمال السلطة التأديبية[66]. لكن المدونة جاءت بمقتضى ذي طابع حمائي حين أخذت بعين الاعتبار الضرر الذي يمكن أن يلحق الأجير من جراء نقله من مكان عمله الأصلي إلى مكان أخر، فأوجبت ألا يتم توقيع عقوبة النقل إلا عند الاقتضاء مع مراعاة مقر سكن الأجير. ولتحقيق ضمانة أكثر ترى الأستاذة مباركة دنيا أنه كان على المدونة أن تعمم مقتضيات المواد 457 و458 التي توفر حماية خاصة لممثلي الأجراء، ولكن يبقى للقضاء بما له من سلطة تقديرية مراقبة احترام مسكن الأجير على ضوء ظروف كل حالة على حده، ويحقق بدوره الضمانات الأساسية للأجراء من مختلف التعسفات التي تصاحب هذا الأجراء[67].
أما بالنسبة للضمانات التي وضعها المشرع المغربي أثناء توقيع العقوبة التأديبية فقد نص هذا الأخير في الفقرة الثالثة و الرابعة من المادة السابعة والثلاثين من مدونة الشغل على أنه تطبق على الأجراء، مقتضيات المادة 62 والتي جاء فيها بأنه “يجب، قبل فصل الأجير، أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل، أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه. يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة، يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه إلى الأجير. إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل”.
وضع المشرع اليمني مثل هذه الضمانات، ونص أنه: “على صاحب العمل عندما تستوجب جسامة المخالفة تطبق إحدى العقوبات المنصوص عليها في البندين 3 و 4 من المادة 93 من هذا القانون أن يجري تحقيقاً إدارياً مع العامل ويجوز للعامل طلب حضور ممثل اللجنة النقابية في موقع العمل أو ممثل عن العمال إذا لم تكن هناك لجنة نقابية”[68]، إضافة إلى أنه ألزم المشغل بالقيام بالتحقيق خلال فترة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة، و الاستماع إلى أقوال الأجير ودفاعه عن نفسه وإلى أقوال شهود النفي الذين يتقدم بهم، إضافة إلى إجراء التحقيق كتابة وتوقيع كافة الأطراف المشاركة فيه، و الاستماع إلى أقوال الأجراء الذين هم على علم بظروف المخالفة وحيثياتها، و إنجاز التحقيق وتطبيق العقوبة عند الإدانة خلال فترة لا تزيد على شهر[69].
إذن بالرغم من اختلاف المصطلحات والتسميات في كلاً من تشريعي الشغل المغربي واليمني، إلا أنه يتضح لنا أن هذه الضمانات لها نفس الهدف وهو الاستماع إلى الأجير، وحق الدفاع عن نفسه، ولكن يبقى التساؤل المطروح هل هذه الضمانات كانت كافية لحماية الأجير؟ وهل حملت في طياتها عقوبات تلزم المشغل باحترامها؟.
ما يلاحظ على المشرع المغربي أنه لم ينص على أية عقوبة في حالة عدم احترام المشغل لمبدأ التدرج في العقوبة أو الأخذ بعقوبة غير منصوص عليها في هذه الجزاءات، إضافة إلى ذلك لم يعاقب في حالة مخالفة المشغل لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل وعدم الأخذ بهذه المسطرة التي جعلها كضمان لحق الأجير للدفاع عن نفسه، غير أن القضاء المغربي جاء واضحاً حيث نص في أحد قراراته بأنه ” يجب على المشغل في حالة ارتكاب الأجير خطأ جسيماً وقبل اتخاذه قراراً بالفصل التأديبي احترام الإجراءات القانونية المحددة في المادة 62 من مدونة الشغل، وإلا اعتبر إنهاؤه عقد الشغل متسماً بالتعسف، ولا حاجة إلى إجراء بحث من طرف المحكمة للتأكد من ارتكاب الأجير ما نسب إليه من خطأ”[70]. إلا أن أفضل ما جاء به المشرع المغربي وهو خضوع القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية لمراقبة السلطة القضائية [71]، بمعنى أن المشرع أعطى الحق للأجير للطعن في سلطة المشغل التأديبية أمام القضاء، وهو ما يعتبر مقتضى حمائياً، ومن وجهه نظري كان على المشرع أن ينفرد بهذا المقتضى في مادة مستقلة بدل أن يجعلها كفقرة في مقتضى المادة الثانية والأربعين من مدونة الشغل، وكان من الأجدر على المشرع المغربي أن يضع عقوبات تردع المشغل في حالة مخالفته لهذه المقتضيات، كما عمل نظيره اليمني الذي نص في المادة 154 على عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن 5000ريال ولا تتجاوز عن 20.000 ألف ريال يمني.
خاتمة
يمكن استخلاص كيفية حماية الأجراء من سلطة المشغل التأديبة في التشريع المغربي واليمني، خلال التعرف على أوجه التوافق والاختلاف، وعليه يتضح أن المشرعين لم يتوافقا على تحديد طبيعة الخطاء الجسيم المسبب لفصل الأجير من الشغل إلا أنهما قد توافق بأن الآثار الناتجة عن هذه الأخطاء تؤدي إلى إنهاء العقد غير أن المشرع المغربي قد فرق بين الأفعال المرتكبة من طرف الأجير المؤدية إلى فصله داخل المقاولة وخارجها ولكن نظيره اليمني لم يفرق بينهما وهو ما يتطلب منه مراعاة هذه التفرقة ومع ذلك فقد توفقا حول فصل الأجير بسبب إفشاء سر مهني وكذلك إذا ارتكب الأجير خطاء يؤدي إلى خسارة مادية للمقاولة، وتوافقا أيضاً حول فصل الأجير بسبب تعاطيه السكر والمخدرات. كما أن المشرع اليمني لم يفصح عن إعفاء الأجير من عقوبة الفصل في حال إثباته أن الضرر كان نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي أو فعل الغير وكان عليه أن يعفي الأجير في حالة الإثبات الناتج عن الضرر الذي صعب دفعه، إلا إنهما توافقا حول جواز فصل المشغل للأجير بسبب عدم امتثاله للقواعد المنظمة لحفظ الصحة والسلامة المهنية، وبالرغم من اختلافهما في عدد أيام غياب الأجير بدون سبب مبرر إلا أنهما قد توافقا على أنه يمكن فصله في حالة غيابه بدون سبب مشروع أو مُبرر. كان ذلك عن بعض الأخطاء الجسيمة والأسباب المؤدية إلى إنهاء شغل الأجير المحددة في مدونة الشغل المغربي وقانون العمل اليمني ولكن كيف يمكن تحديد سلطة المشغل في تحديد الأخطاء الأخرى التي لم يتطرق لها القانونين السابقين؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد من وضع أنظمة داخلية للمقاولات لأهميتها في تسيير طبيعة وإدارة المقاولة.
انسجم المشرع المغربي مع المواثيق الدولية والقوانين المقارنة خاصة الفرنسي منها عندما إلغاء العقوبة المالية على الأجراء الصادرة من قبل المشغل إلا أن نظيره اليمني لم يلغيها وكان عليه أن يلغيها ولكنه لم يتخذ عقوبة التوقيف عن الشغل أو التنقل من مصلحة أو مؤسسة إلى أخرى وذلك حكمة منه لتقليص سلطة المشغل التأديبية ولكنه أجاز توقيف الأجير كأجراء تحفظي في مراحل التحقيق، لذا كان من الأجدر على المشرع المغربي أن يستبد هذه العقوبة بأخرى لأنها عقوبة أشبه بسيف ذو حدين كونها تحرم الأجير من شغله ومن أجره خلال تلك المدة، إلا أنه ألزم المشغل بمبدأ تدرج العقوبة عكس نظيره اليمني الذي لم يأخذ بهذا التدرج.
الهوامش:
[1]– حسن هروش: ” الرقابة القضائية على السلطة التأديبية للمشغل، مجلة المحاكم المغربية، العدد 109، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، يوليوز / غشت 2007، الصفحة 39.
[2]– محمد الكشبور: ” التعسف في إنهاء عقد الشغل أحكام التشريع ومواقف الفقه والقضاء دراسة مقارنة”، طبعة 1992، صفحة 73.
[3]– محمد على الشرفي: ” شرح أحكام قانون العمل “، مطبعة أوان للخدمات الإعلامية، الطبعة الرابعة 2008 / 2009 ، الصفحة 151.
[4]– خالد أيت علال: ” حدود سلطة المشغل التأديبية”، تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص”، شعبة قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2005 / 2006 ، الصفحة 18.
[5]– أنظر الفقرة 2 و 10 من المادة 35 من قانون العمل اليمني.
[6] – أنظر الفقرة 1 و 2 من المادة 39 من مدونة الشغل.
[7] – محمد الكشبور: ” إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل لإحكام الفصل التعسفي للأجير دراسة تشريعية وقضائية مقارنة”، طبعة 2008، الصفحة 154.
[8]– محمد علي الشرفي: مرجع سابق، الصفحة 196.
[9]– للاستفادة أكثر أنظر بهذا الشأن القانون الجنائي المغربي، وقانون الجزاءات والعقوبات اليمني.
[10]– أنظر الفقرة 10 من المادة 35 من قانون العمل اليمني.
[11] – عبد الله علي الخياري: “شرح قانون العمل اليمني الجديد “، مركز الأمين للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2006 ، الصفحة 223.
[12] – الفقرة الرابعة من المادة 790، من القانون المدني اليمني.
[13] – عبد الله علي الخياري: مرجع سابق، الصفحة 223.
[14]– محمد عبد القادر الحاج: ” شرح قانون العمل اليمني”، مكتبة الجيل الجديد صنعاء، الصفحة 129.
[15]– الفقرة السابعة من المادة 90 من قانون العمل اليمني.
[16]– جاء في نص المادة 791 من قانون العمل اليمني بأنه ” إذا كانت طبيعة العمل تسمح للعامل بمعرفة عملاء رب العمل أو بالاطلاع على سر عمله فأن لرب العمل أن يشترط على العامل أن لا ينافسه ولا يشترك في مشروع ينافسه بعد انقضاء العمل بشرط أن يكون العامل بالغاً رشيداً وقت إبرام العقد وأن يكون العقد محصوراً من حيث الزمان والمكان ونوع العمل ومقصوراً على القدر الضروري لحماية مصالح رب العمل المشروعة.
ولا يجوز لرب العمل أن يتمسك بالشرط المتقدم ذكره إذا فسخ العقد أو رفض تجديده دون أن يقع من العامل ما يبرر ذلك أو إذا وقع منه ما يبرر فسخ العامل العقد”، وحماية من المشرع على الأجير من تعسف سلطة المشغل نص في المادة 792 من نفس القانون أعلاه بأنه ” إذا اتفق على شرط جزائي للإخلال بالامتناع عن المنافسة وبالغ فيه رب العمل لجعله وسيلة لإجبار العامل على البقاء معه مدة أطول من المدة المتفق عليها كان هذا الشرط وشرط المنافسة باطلين”.
[17]– محمد الكشبور: “إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل لإحكام الفصل التعسفي للأجير دراسة تشريعية وقضائية مقارنة”، مرجع سابق، الصفحة 156.
[18]– الفصل 447 من القانون الجنائي المغربي.
[19]– محمد الكشبور: “إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل لإحكام الفصل التعسفي للأجير دراسة تشريعية وقضائية مقارنة”، مرجع سابق، الصفحة 157.
[20]– قرار المجلس الأعلى، ملف اجتماعي عدد 772 / 2 / 1 / 2004، تحت عنوان منافسة غير مشروعة – أجير ومشغله، صدر بتاريخ 23 / 02 / 2004، “الاجتهاد القضائي المغربي”، قرار منشور في المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى، المحور الخامس من قرارات الغرفة الاجتماعية، العدد 64 / 65 / لعام 2006، الصفحة من 264 إلى 266.
[21]– أنظر المادة 39 من مدونة الشغل والمادة 35 من قانون العمل اليمني.
[22]– جاء عن الأستاذ محمد الكشبور بأن “السرقة وخيانة الأمانة والاعتداء بالضرب والسكر العلني وكلهما أوصاف لجرائم منظمة بالقانون الجنائي من حيث ركناها المادي والمعنوي، ومن حيث العقوبة التي تطبق بشأنها غير أن المطلوب في إطار قانون الشغل هو تحقيقها كواقعة مادية داخل المقاولة لكي توصف بالخطاء الجسم”، مرجع سابق، الصفحة 160.
[23]– أنظر الفقرة الثالثة من المادة 35 من قانون العمل اليمني.
[24]– عبد الله الخياري: مرجع سابق، الصفحة 253.
[25]– محمد الكشبور: مرجع سابق، الصفحة 159.
[26]– جاء في البند الخامس من الفقرة الثالثة من المادة 39 من مدونة الشغل بأنه يجوز للمشغل فصل الأجير من الشغل في حالة اعتدائه بالضرب داخل المقاولة.
[27]– أنظر الفقرة السادسة من المادة 35 من قانون العمل اليمني.
[28]– محمد علي الشرفي: مرجع سابق، الصفحة 158.
[29]– أنظر الفقرة الخامسة من المادة 39 من مدونة الشغل.
[30]– خالد أيت علال: مرجع سابق، الصفحة 27.
[31]– محمد الكشبور: مرجع سابق، الصفحة 171.
[32]– بما أن العقوبة في مدونة الشغل جاءت بفصل الأجير فقد جاء في نص الفصل 288 من القانون الجنائي المغربي بأنه “يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملاً الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل.
وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها، جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات”.
[33]– أنظر الفقرة الرابعة من المادة 35 من قانون العمل اليمني.
[34]– عبد الله على الخياري: مرجع سابق، الصفحة من 253 إلى257.
[35]– المادة 289 من مدونة الشغل.
[36]– أنظر المادة 297 من مدونة الشغل.
[37]– أنظر المادة 154 من قانون العمل اليمني.
[38]– مباركة دنيا: “ضمانات توقيع العقوبات التأديبية في ظل مدونة الشغل الجديدة”، مجلة القصر، مجلة فصيلة للدراسات والوثائق القانونية، العدد 14، ماي 2006، الصفحة 11.
[39]– محمد علي الشرفي: مرجع سابق، الصفحة 151.
[40]– مباركة دنيا: مجلة الصقر، مرجع سابق، الصفحة 13.
[41]– عبد العزيز العتيقي: “محاضرات في قانون الشغل”،مكتبة المعارف الجامعية، فاس طبعة 2005، الصفحة 88.
يرى أن العقوبات جاءت واردة على سبيل الحصر وإلا فما الجدوى من ذكرها، إذا كان المشغل سيبقى حرا في إنزاله ما شاء من العقوبات.
[42]– خالد أيت علال: مرجع سابق، الصفحة 43.
[43]– حسن احد يدو: “أية حماية للأجراء في ظل السلطة التأديبية للمشغل”، بحث لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، شعبة القانون الخاص، وحدة قانون الأعمال، السنة الجامعية 2009-2010، الصفحة 31.
[44] – Jean Péfissier – Alain Supiot – Antaine Jeammaud, Droit du travail, DALLOZ, 20édition, 2000, page 886.
[45]– مباركة دينا: مرجع سابق، الصفحة 16.
[46]– أنظر المادة 37 من مدونة الشغل.
[47]– نصت المادة 93 من قانون العمل اليمني بأنه “يجوز لصاحب العمل في حالة مخالفة العامل لواجباته المحددة في هذا القانون أو في عقد العمل أن يوقع بحقه أحدى العقوبات التالية:-
– لفت النظر الكتابي.
– الإنذار الكتابي.
– الخصم من الأجر بما لا يزيد على 20% من الأجر الأساسي.
– الفصل من العمل مع احتفاظ العامل بحقه في كافة المستحقات المنصوص عليها في هذا القانون وفي تشريعات العمل الأخرى”.
[48]– وهذا ما أكده المشرع اليمني، في نص المادة الثانية من قانون العمل عندما عرف الأجر الأساسي بأنه “ما يدفعه صاحب العمل للعامل لقاء عمله من مقابل نقدي أو عيني يمكنه تقويمه بالعملة، ولا يدخل في ذلك المستحقات الأخرى من غير الأجر الأساسي أيًا كان نوعها”.
[49] – خالد أيت علال: مرجع سابق، الصفحة 37.
[50]– المادة 63 من مدونة الشغل.
[51]– أنظر الفقرة الأولى من المادة 93 من قانون العمل اليمني.
[52]– عبد الله علي الخياري: مرجع سابق، الصفحة 238.
[53]– محمد علي الشرفي: مرجع سابق، الصفحة 153.
[54]– أنظر الفقرة الأولى من المادة 95 من قانون العمل اليمني.
أما ما جاء في مضمون الفقرة الثانية من نفس المادة أن المشرع قد إعطاء للمشغل صلاحية في تخفيض أو أن يلغي أي من العقوبات الأخرى بحق العامل متى تحسن سلوكه خلال العام.
[55]– خالد أيت علال: مرجع سابق، الصفحة 39.
[56]– أنظر المادة 37 من مدونة الشغل.
[57]– مباركة دينا: مرجع سابق، الصفحة 18.
[58]– أنظر المادة 37 من مدونة الشغل.
[59]– أنظر المادة 37 من مدونة الشغل.
[60]– حسن احد يدو: مرجع سابق، الصفحة 38.
[61]– أنظر المادة 457 من مدونة الشغل
[62]– خالد أيت علال: مرجع سابق، الصفحة41.
[63]– البند الأول من الفقرة الثانية من المادة 98 من قانون العمل اليمني.
[64]– أنظر المادة 98 من قانون العمل اليمني.
[65]– خالد آيت علال: مرجع سابق، الصفحة 42.
[66]– حسن احد يدو: مرجع سابق، الصفحة 40.
[67]– مباركة دنيا: مرجع سابق، الصفحة 19.
[68]– المادة 96 من قانون العمل اليمني.
[69]– المادة 97 من قانون العمل اليمني، إلا أن الفقرة الأولى من المادة 97 من قانون 5 لسنة 1995 كانت تنص على أنه”على صاحب العمل عند التحقيق في المخالفة اتخاذ ما يلي:-
أ-القيام بالتحقيق خلال فترة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ اكتشاف المخالفة.
ب-إنجاز التحقيق وتطبيق العقوبة عند الإدانة خلال فترة لا تزيد على شهر.
ج-الاستماع إلى أقوال العامل ودفاعه عن نفسه وإلى أقوال شهود النفي الذين يتقدم بهم.
د-إجراء التحقيق كتابة وتوقيع كافة الأطراف المشاركة فيه.
خ- الاستماع إلى أقوال العلماء الذين هم على علم بظروف المخافة وحيثياتها”.
[70]– قرار المجلس الأعلى، عدد 1011، في الملف الاجتماعي عدد 1144 / 5 / 1 / 2010،صدر بتاريخ 25 غشت 2011، تحت عنوان الفصل التأديبي- عدم احترام مسطرة الفصل، قرار نشر في مجلة قضاء محكمة النقض، العدد 75، لعام 2012، صفحة 318 إلى 320.
[71]– أنظر الفقرة الأخير من المادة 42 من مدونة الشغل المغربية.
تعليقات 0