مناقشة أطروحة تقارب دور النيابة العامة في مجال الأعمال (تقرير)

العدالة الرقمية من خلال مشروع استعمال الوسائط الالكترونية

حول عدم دستورية  المادة 35 من مشروع القانون 17.95 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية

2 أغسطس 2020 - 11:57 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

عادل جليد دكتور في الحقوق

ينص الدستور المغربي في مادته الرابعة  على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد .

عمليا هذه المادة وضعت من أجل ترضية هواجس هوياتية وهذا أمر يؤكده واقع الحال  ، لأنه لتكون العربية لغة رسمية فهذا يعني التمكين لها كلغة للتداول وكلغة للحياة الرسمية للبلاد أي لغة مستخدمة وجوبا في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية داخل الدولة .لكن لا تبدو الصورة على هذا النحو ، فهناك  حقيقيتين تتنازعن المسألة اللغوية في المغرب : الحقيقة الواقعية والحقيقة الهوياتية ، الحقيقة الواقعية تقول بأن اللغة العربية ليست هي اللغة الرسمية للبلاد وإنما اللغة الفرنسية وهذه اللغة هي اللغة المهيمنة على شرايين الحياة في البلاد ، واللغة العربية هي لغة تنازعها هذا المركز وليس هي اللغة المركزية .

على مستوى التشريع ، الملاحظ أن المشرع  أدرك هذه الثنائية ، وبالتالي فإنه في كل مرة يتعلق الأمر فيه  بالحسم قانونا في لغة الوثائق أو العقود أو الأحكام …وغيرها فإنه يحاول دائما أن يعطي الانطباع بأن لغة كل هذه الوثائق هي اللغة العربية  لكنه ، وفيما يشبه الالتفاف على ما كرسه كمبدأ يورد استثناء على ذلك ، وهذا الاستثناء هو ، ما لم يكن هناك  اتفاق للأطراف على اختيار لغة أخرى  ، وجزما فهذا يفرغ شرط وجوب تحرير العقود أو غيرها من الوثائق باللغة العربية من أية قيمة أو فائدة .

هذه المنهجية  في التعاطي مع  اللغة العربية ورد النص عليها في المادة 42 من القانون رقم 09-32 المنظم لمهنة التوثيق والتي جاء فيها ” تحرر العقود والمحررات وجوبا باللغة العربية إلا إذا اختار الأطراف تحريرها بلغة أخرى ” .و تكررت في مشروع القانون المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية المعروض حاليا أمام البرلمان  والذي جاء في المادة 35 منه على ما يلي :”يجري التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك ، أو تحدد الهيئة التحكيمية لغة أو لغات أخرى “.

مقال قد يهمك :   القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب في المغرب

وبطبيعة الحال فهذا الحل التشريعي منتقد ، لأنه ما معني أن تقول بإجبارية تحرير المقرر التحكيمي وغيرها من باقي الإجراءات المتعلقة بالتحكيم  باللغة العربية ، ثم تتبع ذلك بعبارة ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك  أو تحدد الهيئة التحكيمية لغة أخرى ، معناه أن مباشرة التحكيم باللغة العربية ليس إلزاميا ، لأنه ما دامت إرادة الأطراف قادرة على تحرير المقرر التحكيمي بلغة أخرى غير اللغة العربية ، فإن حكم الإلزامية لم يعد له معنى .

قد يقول قائل بأن الأمر يتعلق بحرية للأفراد وأن مسطرة التحكيم هي مسطرة خاصة ، والجواب عن هذا الدفع تتحدد من جهة في أن مسطرة التحكيم ليست كلها اتفاقية فشق منها مرتبط بقواعد النظام العام ولا يمكن لا للمحكم ولا لأطراف العقد الخروج منها ونعتقد أن الطابع النظامي ينسحب للغة التحكيم أيضا ، ومن جهة ثانية فإنه يجب التمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، ، فالتحكيم الذي يتم داخل التراب المغربي ولا يهم مصالح التجارة الدولية  ، أي التحكيم الداخلي ، يعني أن المحكم يقدم العدالة ضمن إطار الدولة التي يعمل بها محكما و يصيغ مقرره التحكيمي بها ، وبالتالي يجب أن يتقيد بلغة هذه الدولة ، ولا يجب ترك اللغة بيد أطراف الخصومة التحكيمية أو المحكم نفسه  ، لأن المسألة هنا مسألة نظامية لا مجال فيها للاختيار .

ومما يدعم هذا الطرح أن اللغة ليست حقا من حقوق أطراف الخصومة  وإنما هي حق للأمة ومرتبط بسيادتها القانونية والتشريعية ولا يمكن تفويض مظهر من مظاهر هذه السيادة لتكون تحت تصرف المحكم  أو أطراف الخصومة التحكيمية يتصرفوا فيها كما يشاؤون ، فالأطراف حقهم يرتكز في ضمان معرفتهم بحقوقهم كأطراف للخصومة  وضمان حقوقهم في الدفاع ، واللغة لا تعتبر من حقوق أطراف الخصومة  وإلا أمكن القول بأن جميع الأجانب الذين يتقاضون أمام المحاكم المغربية من حقهم أن يمكنوا من مقررات قضائية صادرة بلغتهم ، وهذا أمر لا يقول به عاقل .

مقال قد يهمك :   مسؤولية الشركة الوطنية للطرق السيارة عن عدم اتخاذ احتياطات لتأمين مستعملي الطريق

لكن من زاوية أخرى  فإن الصورة تختلف حينما يتعلق الأمر بالتحكيم الدولي ، إذ في هذا الصنف من التحكيم  يمكن لأطراف التحكيم أن يتفقوا على أية لغة لمباشرة إجراءات التحكيم بها لأنه  تحكيم يمس مصالح التجارة الدولية و هو لا يمس بالمصالح الوطنية في أضيق مفاهيمها  ، والمرونة في اللغة التي يمكن أن يباشر بها هذا التحكيم مطلوبة بل وإلزامية ، وبالتالي يمكن القبول بالصيغة التي جاءت بها المادة 35 من المشروع في حالة وحيدة حينما يتعلق الأمر بالتحكيم الدولي دون التحكيم الداخلي .

ما يمكن الخلوص إليه هو أن الإبقاء على  المادة 35 من المشروع  كما هي يجعلها مادة غير دستورية ومخالفة للمادة الخامسة من الدستور ، و لا يكون مناسبا الإبقاء عليها إلا بالنسبة  للتحكيم الدولي ونقلها للباب الخاص بهذا الصنف من التحكيم   ، على أساس أن تتم صياغة مادة مستقلة في الباب الخاص بالتحكيم الداخلي تصاغ فق ما يلي ” إذا تعلق الأمر بالتحكيم الداخلي ، فإنه يجري وجوبا باللغة العربية تحت طائلة البطلان ، وتسري هذه الإلزامية أيضا على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة والمرافعات الشفهية ، وكذا على كل قرار تتخذه هذه الهيئة أو حكم تصدره ، عدا الوثائق المقدمة من الأطراف ” على أساس تعديل باقي  فقرات الفصل لتكون منسجمة مع هذا المبدأ ، وكذا الفصول الأخرى التي لها ارتباط بمسألة اللغة هذه وخاصة الفصل 68 من نفس المشروع .

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)