خصوصية تحفيظ الأملاك الوقفية على ضوء قانون التحفيظ العقاري و مدونة الأوقاف
- محمد بوطاهري : باحث في قانون العقود و العقار.
- مقدمة رسالة ماستر تحت عنوان : “خصوصية تحفيظ الأملاك الوقفية على ضوء قانون التحفيظ العقاري و مدونة الأوقاف”.
مقدمة الرسالة :
يعتبر العقار رافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها، إلا أن مساهمة العقار في التنمية غالبا ما تصطدم بإكراهات عدة تعيقه عن القيام بدوره، ومن بينها طبيعة البنية العقارية بالمغرب حيث تتسم بكونها مركبة ومعقدة نتيجة تداخل مجموعة من العوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
فالنظام العقاري المغربي يتسم بتنوع وتعدد في هياكله العقارية، فإلى جانب الأملاك العامة[1] والخاصة للدولة[2] والأملاك الغابوية[3]، نجد أراضي الجماعات السلالية[4] وأراضي الجماعات الترابية[5] بالإضافة إلى الأملاك الوقفية، ومع أن هذا التعدد لا يمثل إشكالا في حد ذاته، إلا أن طريقة تدبيره تنطوي على الكثير من الاختلالات.
كما أن النظام العقاري المغربي يمتاز بازدواجية في نظامه، حيث يتواجد نظام العقارات المحفظة إلى جانب العقارات الغير المحفظة، والتي في طور التحفيظ، هذه العوامل جميعها تشكل عائقا في وجه تحقيق العقار لدوره التنموي المنشود.
وتعتبر الأملاك الوقفية من بين أهم هذه الهياكل العقارية المغربية إذ تمثل مساحات شاسعة وكبيرة ضمن النسيج العقاري المغربي، وتلعب دورا هاما في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وهذا الأمر جعل المشرع المغربي يعتني بها منذ زمن بعيد ويوفر لها حماية قانونية، تتمثل في إصداره لمجموعة من الظهائر والقوانين التي تنظم مؤسسة الوقف وتوفر لها الحماية المطلوبة، ومنها ظهير 21 يوليوز 1913[6]، الذي كان يعتبر بمثابة الإطار العام المنظم لمختلف أحكام الوقف إضافة إلى ظهائر أخرى[7] كانت تنظم مؤسسة الوقف وطرق التصرف فيها إلى حين صدور مدونة الأوقاف[8].
حيث عملت هذه المدونة على تجميع الأحكام الفقهية المتناثرة للوقف بهدف حسم التضارب في أموره المختلفة، وإعادة تنظيم أحكامه القانونية شكلا ومضمونا، بما يراعي خصوصية الوقف واستقلاليته المستمدة من طابعه الإسلامي الخالص ومن أحكام الفقه الإسلامي.
وقد عرف ابن عرفه الوقف بأنه إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا[9].
كما عرفه المشرع المغربي في المادة الأولى من مدونة الأوقاف والتي جاء فيها: “الوقف هو كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة، ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون.
يكون الوقف إما عاما أو معقبا أو مشتركا”.
وتمتاز الأوقاف بمجموعة من الخصوصيات من أهمها:
- الأملاك الوقفية غير قابلة للتصرف فيها.
- الأملاك الوقفية غير قابلة للحجز.
- الأملاك الوقفية لا تكتسب بالتقادم.
- الوقف العام يتمتع بالشخصية المعنوية.
- الوقف العام غير قابل للنزع ولا للتخصيص.
- الأملاك الوقفية لا تعجيز فيها.
- الأملاك الوقفية لا تنال منها نهائية الرسم العقاري.
- الأملاك الوقفية تخضع لمسطرة التحفيظ المنصوص عليها في ظ ت ع المعدل والمتمم بالقانون 14.07[10].
ونظرا لشساعة الأملاك الوقفية فإن الإحاطة بها تصطدم بصعوبات كثيرة، إذ ا علمنا أن أغلب العقارات الوقفية لا تتوفر على رسوم التحبيس ولا تعلم وزارة الأوقاف بوجودها إلا عند وقوع نزاع حولها، حيث يعترف السكان المجاورين بأنها عقارات وقفية
ومن أجل خلق أرضية قانونية وصلبة للأملاك الوقفية، تجعلها في منأى عن أي اعتداء أو تطاول، فإنه يمكن للجهة المكلفة بالأوقاف، أن تعمل على حمايتها وتحصينها عبر سلوك مسطرة تحفيظها حسب ما هو مقرر في ظ ت ع. كما تم تعديله وتتميمه بالقانون 14.07، لأن المشرع المغربي لم ينظم مسطرة خاصة بتحفيظ الأملاك الوقفية في مدونة الأوقاف بل جعلها خاضعة للمسطرة العادية المنصوص عليها في ظ ت ع المعدل والمتمم بالقانون 14.07.
ونظرا للأهمية التي يعرفها الوقف وخصوصيته المستمدة من طابعه الإسلامي باعتباره وجها من أوجه التبرع، التي تساهم في تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي، فإن المشرع خصه بخصوصيات على مستوى مسطرة تحفيظه، تميزه عن تحفيظ باقي الأملاك الخاصة، هذه الخصوصية تبرز على مستوى المرحلة الإدارية والقضائية وكذلك الأمر حتى بعد تأسيس الرسم العقاري.
وعلى هذا الأساس فتحفيظ العقارات الوقفية بعد إجراء مسطرة التطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري، وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به. لا يعتبر هدفا في حد ذاته بل هو وسيلة من جملة الوسائل التي يتم اللجوء إليها لحماية الهياكل العقارية بصفة عامة، والعقار الموقوف بصفة خاصة.
ولذلك فتحفيظ الأملاك الوقفية يعتبر من بين أهم واجبات إدارة الأوقاف تجاه الأملاك الوقفية، حيث تم التنصيص على هذا المقتضى في العديد من مواد مدونة الأوقاف من بينها الفقرة الثالثة من المادة 50 حيث جاء فيها: “يتمتع الوقف العام بالشخصية الاعتبارية منذ إنشائه. وتتولى إدارة الأوقاف تدبير شؤونه وفقا لأحكام هذه المدونة، وتعتبر ممثله القانوني”.
كما جاء في المادة 118 من مدونة الأوقاف في فقرتها الأولى أنه “توضع الأوقاف المعقبة تحت مراقبة إدارة الأوقاف”.
وتم التنصيص كذلك في المادة 129 من نفس المدونة على أنه: “يخضع الوقف المشترك لنفس الأحكام المطبقة على الأموال الموقوفة وقفا عاما وتقوم إدارة الأوقاف بتدبيره”. وبالتالي فإن واجب المراقبة والتدبير يحتم على إدارة الأوقاف المحافظة على الأملاك الوقفية، وذلك عبر سلوك مسطرة التحفيظ لما توفره هذه الأخيرة من ضمانات قوية للملك الذي أسس بشأنه الرسم العقاري.
ولهذه الغاية فإن آلية التحفيظ العقاري تعتبر من بين الآليات التي تضمن للأملاك الوقفية أدائها لوظيفتها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك على اعتبار أن استمرار الوقف في أداء رسالته النبيلة لا يمكن أن يتحقق إلا بتحصين الوضعية القانونية والمادية له، وحماية لها من مختلف أشكال الترامي والاعتداء.
ومن هذا المنطلق يعتبر تحفيظ الأملاك الوقفية من أبرز أوجه الحماية التي يمكن توفيرها للأملاك الوقفية، إذا علمنا أن المشرع خصها بعدة مميزات على مستوى هذه المسطرة، حيث أقر إجبارية تحفيظها في حالة معاوضتها[11]، كما خصها بإمكانية سلوك الطعون الغير العادية للدفاع عنها[12]. إلا أن استثناءها من الخضوع للأثر التطهيري[13]، يعتبر من بين أهم خصوصيات مسطرة تحفيظها، لهذا فإن إدارة الأوقاف مدعوة إلى المحافظة على الوقف عبر سلوك مسطرة التحفيظ العقاري.
فهرس الرسالة :
مقدمة.
الفصل الأول : خصوصية الأملاك الوقفية أثناء سريان مسطرة التحفيظ العقاري.
المبحث الأول: خصوصية تحفيظ الأملاك الوقفية خلال المرحلة الإدارية.
- المطلب الأول: حالات طلب تحفيظ الأملاك الوقفية.
- الفقرة الأولى: الحالة العادية لتحفيظ الأملاك الوقفية.
- الفقرة الثانية: إجبارية التحفيظ عند معاوضة العقارات الوقفية.
- المطلب الثاني: مسطرة التعرض كآلية لحماية الأملاك الوقفية و الآثار المترتبة عنها
- الفقرة الأولى: خصوصية التعرض على الأملاك الوقفية.
- الفقرة الثانية: الآثار المترتبة على التعرض على تحفيظ الأملاك الوقفية.
المبحث الثاني : خصوصية تحفيظ الأملاك الوقفية خلال المرحلة القضائية.
- المطلب الأول: آليات تدخل القضاء في مسطرة تحفيظ الأملاك الوقفية.
- الفقرة الأولى: البت في موضوع التعرضات..
- الفقرة الثانية: البت في نطاق التعرض
- المطلب الثاني: مميزات الطعون الصادرة في دعاوى تحفيظ الأملاك الوقفية.
- الفقرة الأولى: إمكانية الطعن بإعادة النظر.
- الفقرةالثانية: مميزات الطعن بالنقض في دعاوى تحفيظ الأملاك الوقفية.
الفصل الثاني: الآثار القانونية المترتبة على تحفيظ الأملاك الوقفية.
المبحث الأول : الطبيعة القانونية للحوز في عقار و قفي و الآثار المترتبة عليه.
- المطلب الأول: إشكالية شرط الحوز في الوقف المتعلق بعقار محفظ.
- الفقرة الأولى: موقف الفقه من الحوز في و قف عقار محفظ.
- الفقرة الثانية : التوجه القضائي من الحوز في وقف عقار محفظ.
- المطلب الثاني: مميزات تقييد الأملاك الوقفية و الأثر المترتب عليه.
- الفقرة الأولى: مدى اعتبار التقييد بالرسم العقاري صورة من صور الحوز.
- الفقرة الثانية: الأثر المنشئ للتقييد في مواجهة الأملاك الوقفية.
المبحث الثاني: نهائية الرسم العقاري في مواجهة الأملاك الوقفية.
- المطلب الأول: نهائية الرسم العقاري كآلية لحماية الأملاك الوقفية.
- الفقرة الأولى: حجية الرسم العقاري الناتج عن تحفيظ العقار الوقفي.
- الفقرة الثانية: عدم قابلية الرسم العقاري الناتج عن تحفيظ العقار الوقفي للطعن.
- المطلب الثاني: استثناء الأملاك الوقفية من الخضوع لقاعدة التطهير.
- الفقرة الأولى : استثناء الأوقاف العامة من قاعدة التطهير.
- الفقرة الثانية : الأوقاف المعقبة و مدى خضوعها لقاعدة التطهير.
خاتمة.
لائحة المراجع.
الفهرس.
الهوامش :
[1]– ظهير شريف صادر بتاريخ 7 شعبان 1332 ( 1 يوليوز 1914)، في شأن الأملاك العمومية بالإيالة الشريفة، الجريدة الرسمية عدد 62 بتاريخ 10 يوليوز 1914، ص: 257.
[2]– ظهير شريف مؤرخ في 4 ربيع الثاني 1938 (27 دجنبر 1919) يتعلق بتخصيص أراضي مخزنية بقدماء المحاربين المغاربة، الجريدة الرسمية عدد 351، بتاريخ 19 يناير 1920، ص: 5.
[3]– الظهير الشريف المؤرخ في 23 ذي الحجة 1335 (10 أكتوبر 1917) في شأن حفظ الغابات واستغلالها، الجريدة الرسمية عدد 235 بتاريخ 29 أكتوبر 1917، ص: 901.
[4]– ظهير شريف بتاريخ 26 رجب 1337 (27 أبريل 1919) بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، الجريدة الرسمية عدد 329 بتاريخ 18 أغسطس 1919، ص: 410.
[5]– ظهير شريف صادر بتاريخ 17 صفر 1340 (19 أكتوبر 1921) يتعلق بالأملاك المختصة بالبلديات، الجريدة الرسمية عدد 446 بتاريخ 5 نوفمبر 1921، ص: 1022.
[6]– ظهير شريف متعلق بنظام تحسين حالة الأحباس العمومية، الصادر بتاريخ 16 شعبان 1331 الموافق ل 21 يوليوز 1913، الجريدة الرسمية عدد 20 بتاريخ 17 شوال 1331 الموافق ل 19 شتنبر 1913، ص: 147.
[7]– من بينها: الظهير الشريف المؤرخ في 16 من جمادى الثانية 1332 (12 ماي 1914)، بإحداث مجلس أعلى للأحباس؛ الجريدة الرسمية عدد 83 الصادرة بتاريخ 29/05/1914، ( نسخة بالفرنسية)، ص: 384.
– الظهير الشريف المؤرخ في 7 رمضان 1334 (8 يوليو 1916) المتعلق بضبط أمر المعاوضات في أملاك الأحباس التي عليها المنفعة؛ الجريدة الرسمية عدد 196 الصادر بتاريخ 24-7-1916 (نسخة بالفرنسية).
[8]– ظهير شريف رقم 1.09.236 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 الموافق ل 23 فبراير 2010 يتعلق بمدونة الأوقاف، الجريدة الرسمية عدد 5847 بتاريخ 14 يونيو 2010، ص: 3154.
[9]– مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: محمد بن محمد بن عبد الرحمان (الحطاب)، دار الفكر، سنة النشر 1412 هـ /1992م، الطبعة الثالثة، الجزء السادس.
[10]– الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري، كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177، الصادر بتاريخ في 25 من ذي الحجة 1432 الموافق ل (22 نوفمبر 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5998، بتاريخ 24 نوفمبر 2011، ص: 5575.
[11]– تنص المادة 72 من مدونة الأوقاف على أنه: “يشترط لإجراء أي معاوضة عينية للأوقاف العامة أن تكون العين المعاوض بها محفظة وأن تساوي أو تفوق قيمتها التقديرية قيمة العين الموقوفة”.
[12]– تنص المادة 57 من مدونة الأوقاف على أنه: “يوقف الطعن بالنقض المقدم من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف العامة تنفيذ الأحكام المطعون فيها”.
– كما تنص المادة 58 من مدونة الأوقاف على أنه: “يمكن الطعن بإعادة النظر في الأحكام القضائية الصادرة في الدعاوى المتعلقة بالوقف العام متى قامت حجية على حبسية المدعى فيه، وذلك داخل أجل خمس(5) سنوات من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا”.
[13]– تنص المادة 54 من مدونة الأوقاف على ما يلي: “إن الرسوم العقارية المؤسسة لفائدة الغير لا تمنع المحكمة من النظر في كل دعوى ترمي إلى إثبات صفة الوقف العام لعقار محفظ، شريطة أن ترفع الدعوى في مواجهة جميع ذوي الحقوق المقيدين.
وإذا ثبت أن العقار المذكور موقوف وقفا عاما، بناءا على الحكم القضائي الصادر بذلك والحائز لقوة الشيء المقضي به، فإن المحافظ يشطب على كل تسجيل سابق، ويقيد العقار بالرسم العقاري المتعلق به في اسم الأوقاف العامة”.
تعليقات 0