د. محمد بن يعيش : التجزئة العقارية والتقسيم العقاري: أية شروط؟
الأستاذ محمد بن يعيش رئيس غرفة بمحكمة النقض-المجلس الاعلى سابقا-
مقدمة :
التجزيء والتقسيم والقسمة، مفاهيمُ قاسمها المشترك العقار الذي يخضع لإحدى عمليات تجزئته أو تقسيمه إلى أجزاء أو أقسام يصبح بها فاقدا لوحدته، وآيلا إلى وحدات جديدة، إلا أن كلا من التجزئة والتقسيم والقسمة تختلف في المعنى والشروط. ويحكم مفهوم التجزئة العقارية كل من قواعد قانون التعمير وقواعد قانون التجزئات العقارية (الفصل الأول)، بينما يندرج مفهوم التقسيم العقاري أيضا ضمن أحكام قانون التجزئات العقارية وتقسيم العقارات، وتنتظمه أحكام خاصة، وتقيد كل من أحكام التجزئة العقارية وأحكام التقسيم، القسمةَ العقارية بنوعيها الرضائية والقضائية (الفصل الثاني).
الفصل الأول: التجزئة العقارية ـ المفهوم والشروط.
تكتسي التجزئة العقارية طبيعة المؤسسة القانونية المنتمية بقواعدها إلى مجال القانون العام، وخاصة قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية، وتتميز لذلك بمفهومها القانوني (المبحث الأول) الذي يستوجب شروطا لإضفاء الصبغة القانونية على عملية التجزيء العقاري (المبحث الثاني).
المبحث الأول: مفهوم التجزئة العقارية.
تعد التجزئة العقارية عملية تهييئية ترابية وهي بهذه الميزة تخضع بالطبيعة لتوجيه ومراقبة الإدارة ويحكمها لذلك كل من قانون التعمير وقانون التجزئات، إلا أن الموضوع الذي تنصب عليه هو العقار ذو الطبيعية العينية القابل للتملك ولتعدد أنواع الحقوق العينية فيه بين الملكية التي هي الحق العيني الأصلي، والحقوق الأقل منها في المحتوى التي يمكن اعتبارها لذلك حقوقا فرعية عنها.
هذه الطبيعة المزدوجة للتجزئة العقارية جعلت تعريفها من الصعوبة بمكان إلا أن ما يميز التجزئة العقارية هو أنها عملية تقسيمية لعقار من أجل إحداث المباني، ولأجل ذلك تنص المادة الأولى من قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات[1] على تعريف التجزئة بقولها:
“يعتبر تجزئة عقارية تقسيم عقار من العقارات عن طريق البيع أو الإيجار أو القسمة إلى بقعتين أو أكثر، لتشييد مبان للسكنى أو لغرض صناعي أو سياحي أو تجاري أو حرفي مهما كانت مساحة البقع التي يتكون منها العقار المراد تجزئته”.
وما تجدر ملاحظته في تعريف التجزئة العقارية حسب المادة الأولى من هذا القانون أنه وسع مفهومها ليشمل تجزئة العقار عن طريق التقسيم المادي العيني، أو عن طريق التقسيم الذي يفيده البيع أو الإيجار، فلا يجوز بيع جزء من العقار أو كراؤه من أجل البناء فيه إلا إذا كان البيع أو الكراء لا يترتب عنهما مخالفة أحكام قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية.
ولا مفهوم للبيع الوارد في النص، إذ أن كل عملية تفويت لجزء من العقار بالهبة أو الصدقة مثلا، أو إنشاء حق عيني للغير يستطيع بموجبه إقامة البناء تتساوى مع البيع في الآثار بالنظر إلى أن الغاية منها تخويل هذا الغير إمكانية البناء، فيستطيع المخول له حق الزينة في جزء من العقار أن يبني فيه، ويستطيع صاحب حق كراء طويل الأمد إذا ما اتفق مع المكري أن يبني في الجزء الذي اكتراه أن ينشئ مشروعه ويستطيع أيضا صاحب حق السطحية إذا تعلق الأمر بالبناء الذي سيملكه في صورة هذا الحق أن ينشئ البناء على الجزء من العقار فتؤدي كل هذه التصرفات إلى إنشاء المباني في المجال الذي يسري فيه قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية، وهما القانونان اللذان يحكمان التقسيم للعقار من أجل البناء كيفما كانت طبيعة ومصدر هذا التقسيم.
ويغطي مفهوم التجزئة العقارية من حيث شموليته كل الأغراض التي تحدث التجزئة من أجلها لإقامة المباني، سواء كانت مباني سكنية أو منشآت صناعية أو سياحية أو حرفية أو مباني للتجارة، وبغض النظر عن المساحة المخصصة للبقع في التجزئة.
والهدف من تنظيم التجزئة العقارية وإخضاعها لقواعدَ وأحكامٍ تراقب الإدارة مدى احترامها من المجزئين، يكمن في تنظيم المجال وتهيئته لاستقبال المشاريع التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتستطيع الإدارة بفضل هذه القواعد أن توفر الأداة المنهجية والقانونية لضمان تحقيق الصالح العام وإيجاد التوازن بين الحقوق الخاصة للأفراد وحقوق الجماعة والمجتمع في الرقي بمستوى الحياة الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ويتكامل في تنظيم التجزئة العقارية بوصفها عملية تعميرية كل من قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية، وتستهدف إدماج عمليات التجزيء العقاري في التنظيم المجالي وإخضاعها للأحكام القانونية والتنظيمية فلا يسمح بإحداث التجزئة إلا إذا استوفى المعني بالأمر الشروط القانونية والتنظيمية في كل من قانون التعمير وقانون التجزئات.
ولذلك فإن تقسيم العقار في المناطق التي يخصصها قانون التعمير للأبنية لا يمكن الإذن به إلا إذا كان هذا التقسيم يكتسي في طبيعته القانونية الصيغة الخاصة بالتجزئة العقارية، فلا يمكن إحداث تقسيم أو قسمة لعقار واقع في مجال ترابي مخطط في أحد التصاميم لإقامة المباني الحضرية فيه، لأن هذا المجال لا سبيل إلى تجزئة العقارات فيه إلا إذا كان الغرض من تجزئتها إحداث المباني.
وعلى هذا الأساس، فإن كلا من الإدارة والمحكمة في حالة رغب مالك أو صاحب حق عيني عقاري أن يجزئ العقار بتقسيمه أو قسمته أو بتفويته جزئيا أو بإنشاء حقوق عينية تخول للمتمتع بها أن ينشئ المباني، لا يجوز لهما بالنسبة للإدارة أن ترخص في ذلك وبالنسبة للمحكمة أن تستجيب لطلب القسمة إلا إذا توفر المعني بالأمر على رخصة التجزئة[2]، أو كانت شروطها متوفرة.
وتجدر الإشارة إلى أن التجزئة العقارية التي يحدثها صاحبها لبيع قطع الأرض التي تحتوي عليها أو لإكرائها أو لقسمتها بين المجزئين تختلف عن التجزئة العقارية التي تحدث من مالك العقار ليبني فيها بنفسه ويبيع المباني للغير، لأن غرضه إحداث المباني لبيعها ولتمييز هذا النوع من التجزئة أطلق عليها القانون المجموعة السكنية وهو ما يعني أن المجزئ لا يكتفي بتقسيم الأرض أو بيعها أو كرائها من أجل البناء من طرف الغير، وإنما يتولى البناء بعد التجزئة بقصد الاستثمار في عقاره بالبناء أيضا، وهو ما يتطلب منه الحصول على كل من رخصة التجزئة ورخصة البناء.
المبحث الثاني: شروط التجزئة العقارية.
التجزئة العقارية كما سبق القول عملية تعميرية تقتضي مراقبة الإدارة لها منذ ما قبل الشروع في إحداثها إلى أن يُستكمل إحداثها، لتصبح قابلة للبيع أو الكراء أو القسمة، وقد استحدث هذا القانون الأداة المنهجية والقانونية لضبط إنشاء التجزئة العقارية وإخضاعها للأحكام القانونية والتنظيمية تتجلى في جملة الأحكام التي تتعلق بها في كل من قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية.
المطلب الأول: مطابقة التجزئة العقارية لأحكام قانون التعمير.
إن مضمون قانون التعمير عبارة عن مجموعة من القيود القانونية والتنظيمية المفروضة على امتيازات الملاك للحقوق العينية على العقارات[3]، وترجع القيود على الملكية العقارية في إطار قانون التعمير إلى القيود التي ينص عليها في الوثائق التي ينظمها سواء تعلق الأمر بالتعمير التقديري أو التنظيمي.
ويعرف قانون التعمير في المجال الحضري ثلاثة أنواع من الوثائق هي المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، وتصميم التنطيق وتصميم التهيئة، بينما اختص المجال القروي بوثيقة خاصة هي تصميم النمو للمراكز القروية.
وتندرج وثائق التعمير ضمن أدوات التخطيط الحضري المنهجية لتنظيم استعمال المجال وتقنينه أو تحديده لمختلف المناطق الحضرية، وتخصيصها بوظيفة معينة بهدف تحقيق التوازن والتكامل بين أجزائها المختلفة، قصد تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن تنظيم المجال وتدبير تعميره.
أما المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية فيتعلق بالتعمير التقديري، وينص على برامج ومشاريع وخيارات عامة، ولذلك فإن التجزئة العقارية في المناطق المغطاة بهذه الوثيقة تخضع لخياراتها وبرامجها بوصفها الوثيقة التعميرية الوحيدة السارية المفعول[4].
ولأجل مراعاة أحكام هذا المخطط فإن صاحب مشروع التجزئة يقدم طلبه وفقا لما ينص عليه من خيارات ومشاريع تقديرية لأنه وثيقة ملزمة لكل من الدولة والجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية والأشخاص الخاصة، ذلك أن مقتضيات هذه الوثيقة وإن كانت ذات صبغة عامة ويبدو منها أنها لا تعدو أن تكون تصميما تقديريا يراد منه تحقيق أهداف السياسة التوقعية للدولة في مجال التخطيط الحضري والعمراني واستشراف المستقبل، فإن قانون التجزئات العقارية لم يستثنه من تطبيق أحكامه وخياراته على المجزئين[5].
ولأن التجزئة العقارية أوجب قانون التجزئات مطابقتها للمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية فإنه بالأحرى فيها أن تكون مطابقة لأحكام وقرارات كل من تصميم التنطيق وتصميم التهيئة، وهما الوثيقتان التعميريتان التنظيميتان، ويكتسي تصميم التنطيق أهمية خاصة تتجلى في تغطيته لمرحلة انتقالية تفصل ما بين التعمير التقديري والتعمير التنظيمي، ويعتبر لذلك أداة في يد الإدارة لملء الفراغ التنظيمي خلال هذه المرحلة من أجل الحيلولة دون المضاربات العقارية وإحداث تجزئات غير قانونية تضطر الإدارة إلى إعادة هيكلتها.
وأثناء سريان أحكام تصميم التنطيق تخضع التجزئة العقارية لها بأن تكون مطابقة لها في مشروعها الذي يقدم إلى الإدارة مستوفيا لشروط وبرامج ومشاريع هذه الوثيقة من حيث القيود التي تنص عليها، والاستعمالات والتخصيصات المناطقية التي تحددها[6].
وعلى هذا الأساس فإن الإذن بإحداث التجزئة يصدر عن الإدارة بعد دراسة مشروعها واستيفائها للشروط القانونية والتنظيمية المتضمنة في تصميم التنطيق، لأنه لا يعدو أن يكون ترجمة لقواعد وأحكام قانون التعمير المحال عليه بقانون التجزئات العقارية.
ومن أجل ذلك، فإن المحكمة أيضا متى تعلق الأمر بطلب قسمة مقدم إليها لعقار يغطيه تصميم التنطيق، لا يجوز لها أن تحكم بقسمته إلا إذا كانت هذه القسمة بالإضافة إلى أحكامها الخاصة في القانون الخاص تستوفي الشروط القانونية في قانون التعمير وقانون التجزئات بما في ذلك أحكام وثيقة التعمير المتعلقة بتصميم التنطيق، وهو ما يعني أن قسمة عقار واقعٍ في مجال حضري يراعى فيها وجود أحد تصاميم التعمير التنظيمي الساري المفعول لمطابقة أحكامه، ويفترض أن هذه القسمة من شأنها أن يترتب عنها إقامة المباني من طرف المتقاسمين وكذلك لا يجوز للموثقين أو العدول أو المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض أو المحافظ على الأملاك العقارية أو إدارة التسجيل أن يتلقوا أو يسجلوا أي تعاقد من شأنه أن يحصل منه تفويت لجزء من العقار يعتبر في حكم تقسيمه إلا إذا كان هذا التفويت ليس من شأنه أن يخل بالأحكام القانونية والتنظيمية لكل من قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات. وفي حالة وجود تصميم تنطيق ساري المفعول يجب مراعاة أيضا أحكامه وقيوده وارتفاقاته التعميرية[7] من مخططات واستعمالات والتزامات تخص أماكن التجهيزات والمرافق العمومية وارتفاقات عدم البناء.
وقد ينتهي مفعول تصميم التنطيق بانتهاء المدة القانونية له قبل أن يبدأ سريان مفعول تصميم التهيئة في النفاذ، وتطرح لذلك إشكالية منع المخالفات لقانون التعمير نتيجة فقدان أية وثيقة، ولذلك فإن الإدارة ممثلة في المجالس الجماعية تستمر في تطبيق مقتضيات تصميم التنطيق على الرغم من فقدها للسند القانوني، وإلا فإن الوضعية القانونية السليمة للإدارة ألاّ تلزم المجزئين إلا بأحكام المخطط التوجيهي أو القاعدة الأعم من ذلك المتمثلة في موافقة التجزئة لما يصلح له القطاع الواقعة فيه فعلا.
ومهما يكن من أمر فإن التجزئة العقارية التي يقدم بها صاحبها قبل الشروع فيها طلب الترخيص له تراقب الإدارة هذا الطلب من خلال مطابقته لما ينص عليه تصميم التنطيق من أحكام وارتفاقات تعميرية، من أجل أن تصدر قرارها بالترخيص أو رفضه على أن هذه القرارات تخضع للمراقبة القضائية لفحص مشروعيتها في إطار قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية والمبادئ القانونية العامة.
وإذا كانت وثيقة تصميم التنطيق مرحلية وانتقالية تغطي الفراغ بين الوثيقة التعميرية العامة (المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية) والوثيقة التعميرية التنظيمية (تصميم التهيئة) التي تمهد لها فإن هذه الوثيقة تلعب الدور الأساسي في إعطاء الأراضي الخاضعة لها جوهرها العمراني وشكلها الهندسي عن طريق إضفاء طابع التنظيم عليها واستغلالها استغلالا ممنهجا في تلبية الحاجة إلى تهيئة وتوسيع المدن وأحيائها، فهي التي تحدد ضوابط استعمال الأراضي وتقنن مختلف الارتفاقات والالتزامات على الملاك بهدف تحقيق تهيئة منتظمة ومتناسقة وتحدد قواعد مشاريع التجزئات والبناءات[8].
ويحتل تصميم التهيئة أهمية قصوى في رسم البرامج والمشاريع والتجهيزات الأساسية والمرافق الكبرى على الأراضي التي يغطيها، ويميزه طابعه الإلزامي ويشتمل على وثيقة أو وثائق تتكون من رسوم بيانية ونظام يحدد ضوابط استعمال الأراضي والارتفاقات والالتزامات المقيدة للملاك بغرض تحقيق تهيئة منتظمة ومتناسقة وكذا قواعد البناء المتعلقة بالمنطقة التي يغطيها، ويعد لذلك مرجعا في الاختيارات والاستعمالات والارتفاقات والالتزامات للمجزئين في مشاريع التجزئات التي يرغبون في إحداثها، فالتجزئة إذا كانت جائزة لعقار في حد ذاته فإن نوع الاستعمال لهذا العقار والارتفاقات التعميرية الواجبة عليه يخضع لها المجزئ ولا يكون التزامه خاصا بالإذن له بالتجزئة، ففي تصميم التهيئة توضع مختلف الأحكام لاستعمال الأراضي ومختلف الاختيارات والتنطيقات للاستعمال وتخطيطات الطرق والتجهيزات العامة والساحات العمومية والارتفاقات ومختلف الالتزامات وأماكن المرافق العمومية.
وكلما شمل تصميم التهيئة عقارا من العقارات فإن تجزئته لا يمكن الإذن بإحداثها إلا إذا كان مشروعها مطابقا لأحكامه واختياراته واستعمالاته وارتفاقاته، فلا يجوز إحداث تجزئة عقارية مخالفة لأي بند في تصميم التهيئة، ويقع على الإدارة واجب مراقبة ودراسة طلب مشروع التجزئة وفقا لأحكام تصميم التهيئة الذي هو جزء من أحكام قانون التعمير ووفقا كذلك لأحكام قانون التجزئات العقارية، ويتوقف إصدارها الإذن بإحداث التجزئة على استيفاء شروط التجزئة في العقار المعني طبقا لما ينص عليه تصميم التهيئة وقانون التعمير بصفة عامة وقانون التجزئات العقارية.
ووجوب الإذن بالتجزئة العقارية سببه مراعاة الأحكام القانونية والتنظيمية لهذه المنشأة لما لها من آثار إيجابية على عملية التعمير اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وفي تنظيم المجال وتدبير العمران، وهو حكم قانوني عام في العقارات الواقعة في المجالات الحضرية المغطاة بوثائق التعمير الساري فيها قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية ينسحب أيضا على التقسيم الذي قد يكون من اختيار الشركاء في العقار باتفاقهم أو أن يلجأ شريك إلى المحكمة لطلب القسمة، فلا تجوز هذه القسمة إلا في صورة تجزئة عقارية وفق شروطها القانونية والتنظيمية بما في ذلك مراعاة أحكام تصميم التهيئة.
وبالإضافة إلى التعمير الحضري فإن الحاجة إلى تخطيط وتنظيم نمو العمران خارج مناطق المجال الحضري دعت إلى تخصيص المجال القروي بتخطيط عمراني ملائم للبيئة القروية يتميز عن التخطيط الحضري بإجراءاته البسيطة والمرونة اللازمة، ويطلق عليه تصميم التنمية، ويعتبر قرارا تنظيميا يسري على المراكز القروية ويتكون من تصميم بياني وقواعد تتضمن أحكامه[9]. ويحتوي تصميم النمو على تقسيم للعمران وتحديد لأهم طرق المواصلات والساحات والحدائق العمومية ويعين مواقع المباني والمرافق العمومية والمنشآت الاجتماعية ويهدف إلى تنظيم البناءات على شكل متتابع ومتواصل بشرط ألا تقل مساحة القطع الأرضية عن مائة متر مربع، ويحدد المناطق المخصصة للفلاحة وإنتاج الخضر يمكن للفلاحين إقامة أبنية فيها على ألا تقل مساحة الأراضي عن 2500 متر مربع ومناطق لسكنى الفلاحين تنشأ فيها البنايات والمنشآت المرتبطة بها ولا يسمح بالبناء فيها إلا في المساحات التي تصل إلى هكتار واحد فما فوق.
ويلاحظ لذلك أن التجزئة العقارية في المجال القروي تخضع للترخيص الإداري في المراكز القروية التي تحظى بتصميم النمو ويشترط فيها ألا تقل مساحات قطع الأرض عن مائة متر مربع لإقامة الأبنية، وبالنسبة إلى الأبنية التي يمكن تشييدها في عقارات فلاحية يشترط ألا تقل المساحة عن 2500 متر مربع بأن يتم استغلال العقار في أعمال فلاحية مع وجود أبنية في نفس العقار. أما العقارات التي تخصص للفلاحة مع السماح للفلاحين بالسكنى فيها وإقامة منشآت مرتبطة بالفلاحة فإن مساحتها يشترط فيها ألا تقل عن هكتار واحد.
وعلى هذا الأساس فإن طلب التجزئة في المراكز القروية يجب أن يستجيب لهذه الشروط، وفي حالة تقديم طلب القسمة للمحكمة وكان العقار المطلوب قسمته يغطيه تصميم النمو فإن قسمته تعتبر تجزئة، ويجب على المحكمة أن تراقب شروطها للحكم بالقسمة وإلا لا تقبل الطلب لأن العقار يثقله ارتفاق التعمير التنظيمي بالنظر إلى تخصيصه لعمليات البناء، ولا تجري قسمته إلا عن طريق التجزئة القانونية، فقد يكون ضمن المجال المخصص للبناءات التي يشترط فيها إقامتها بشكل متتابع ومتواصل على قطع أرضية لا تقل المساحة فيها عن مائة متر مربع أو يكون مخصصا للفلاحة وإنتاج الخضر أو مخصصا لسكنى الفلاحين وفي كل حالة يجب مراعاة الأحكام القانونية التي هي من قبيل ارتفاقات تعميرية تخضع للمراقبة الإدارية.
المطلب الثاني: مطابقة التجزئة لأحكام قانون التجزئات العقارية.
تحدث التجزئة كما سبق القول لأغراض سكنية أو تجارية أو صناعية أو سياحية أو حرفية بغض النظر عن مساحة قطع الأرض التي يجزأ لها العقار، فلا تشترط مساحة معينة في وحدات التجزئة كما يعتبر تجزئة البيع والكراء وقياسا على البيع كل تفويت أو إنشاء لحق عيني عقاري يمكن للمفوت إليه أو المستفيد من الحق المنشأ أن يبني فيه[10]، فما هي شروط إحداث التجزئة؟ (الفرع الثاني) ومن هم الأشخاص المخولون تقديم طلب رخصة التجزئة؟ (الفرع الأول).
الفرع الأول: الأشخاص المخول لهم تقديم طلب الرخصة بإحداث التجزئة العقارية.
يمكن القول بأن طلب الرخصة بالتجزئة العقارية يجب تكييفه قانونيا من خلال علاقة صاحب الطلب بالعقار المراد تجزئته بأنه تصرف قانوني يجب أن يتوفر على سنده فيه، وعلى هذا الأساس فإن تجزئة عقار تعتبر تصرفا فيه لا يتسلم الإذن به في شكل تجزئة إلا صاحب الحق في هذا التصرف، ومن هذا المنطلق فإن كل من يستطيع أن يشيد البناءات في عقار بسبب حق له فيه ولو لم يكن حق ملكية يصح له تقديم طلب الحصول على رخصة تجزئته فيحق لمالك العقار تجزئته ولمالك الانتفاع المأذون له فيه بالبناء ولصاحب حق الزينة وحق السطحية وللمنتفع بالحبس ولصاحب حق الكراء الشخصي الذي يأذن له المكري بالبناء ضمن بنود عقد الكراء ـ تقديم طلب الحصول على رخصة التجزئة.
أما المالك ملكية فردية لحق الملكية العقارية فإن طلب رخصة التجزئة بالنسبة إليه يعتبر قيدا على تصرفه في عقاره المخول له بمقتضى ملكيته التي تشتمل على عنصر التصرف بالإضافة إلى عنصري الاستعمال والاستغلال (الانتفاع).
وإذا تعلق الأمر بملكية شائعة فإن الشيوع أو الشركة في العقار يُرجع في حكم إدارته والتصرف فيه إلى الفصل 972 من قانون الالتزامات والعقود الذي يقضي بأن قرارات الأغلبية لا تلزم الأقلية في أعمال التصرف وحتى أعمال الإدارة التي تمس الملكية مباشرة[11]، فالمالك على الشياع لحق الملكية على عقار يملك الحق في إدارته وتسييره بشرط أن تكون نسبة ملكيته تفوق ثلاثة أرباعه.
أما تجزئة العقار فإنها ليست من قبيل إدارته وتسييره بل هي تصرف يمس ملكية العقار مباشرة ويؤدي إلى تغييره وإلى إنشاء التزامات جديدة عليه لأنه مرصود للبيع أو الكراء أو القسمة ولا يجوز أن يرخص له بتجزئته بناء على ملكيته الشائعة، الشيء الذي يعني أن تجزئة عقار شائع الملك لا يقبل طلب الإذن بها إلا بتقديمه من جميع الشركاء.
ويترتب على ذلك أن المالك في الشياع في حالة التجزئة العقارية عن طريق القسمة لا يستطيع تجزئته ولا يؤذن له بها لأن ملكيته شائعة وتتوقف تجزئة العقار على إجماع شركائه، في حين أنه لو باع نصيبه كاملا فإن ذلك ليس من قبيل التجزئة فيجوز أن يبيع ملكه الشائع لكن بدون تجزيء فيه، وبخلاف ذلك فإن بيع المالك في الشياع لجزء من حصته الشائعة يخضع فيه لشروط التجزئة العقارية لأن النسبة التي يملكها أراد أن يجزئها بالبيع.
ويكمن الفرق لذلك بين طلب رخصة التجزئة في الملكية الشائعة وطلب القسمة القضائية في أن الإذن الإداري بالتجزئة يتوقف على حصول إجماع الشركاء، بينما لو أثبت الشريك توفر شروط التجزئة أمام المحكمة في طلبه قسمة العقار، فإن شركاءه يجبرون له بهذه التجزئة لأن القسمة القضائية، هي خلاف القسمة الرضائية تحكم بها المحكمة على الممتنع منها.
الفرع الثاني: شروط إحداث التجزئة العقارية.
تجسد شروطَ إحداث التجزئة العقارية الوثائقُ الواجب تقديمها مع طلب الرخصة بإحداثها المستلزمة في قانون التجزئات العقارية سواء منها الوثائق العامة أو الخاصة.
وتنص المادة 4 من قانون التجزئات والمواد من 1 إلى 7 من مرسوم تطبيقه[12] على هذه الوثائق التي يمكن التمييز فيها بين وثائق ومستندات فنية، ووثائق ذات طبيعة تعاقدية نص عليها القانون.
الفقرة الأولى: المستندات الفنية.
تنص على هذه المستندات المادة 4 من قانون التجزئات العقارية وهي الرسم الطبوغرافي ومستندات التصور المعماري للتجزئة العقارية، ومستندات إنجاز الطرق وشبكات الماء والصرف الصحي والكهرباء، وقد حددت مواصفات وأحكام كل وثيقة من هذه الوثائق المواد من 1 إلى 6 من المرسوم التطبيقي.
الفقرة الثانية: دفتر الشروط[13].
الأصل في دفتر الشروط أو كناش التحملات أنه ترجمة للعقد الإداري في مجال الصفقات العمومية، وهو عبارة عن مجموعة الوثائق التي تحتوي على شروط عقد الصفقة تحررها الإدارة مقدما ـ وفي حالة التجزئة العقارية يحرره صاحب المشروع ـ ويقبلها المتعاقد ويلتزم ببنودها، وما يميز دفتر الشروط في مجال العقود الإدارية الخاضعة للقانون العام هو احتواؤه في بنوده على شروط استثنائية وغير مألوفة في عقود القانون الخاص، وفي حالة خلوه من هذه الشروط يعتبر عقدا عاديا يطبق فيه القانون الخاص، وتختص المحاكم العادية في النزاعات التي تثور بشأنه.
ومن قبيل العقود المحتوية على دفتر شروط ومع ذلك تخضع لقواعد القانون الخاص كناش التحملات الذي تنص عليه المادة 4 المذكورة آنفا، ويلتزم صاحب مشروع التجزئة بتقديمه مع طلب الرخصة يبين مختلف الارتفاقات التي تثقل العقار المراد تجزئته وحجم المباني التي ستقام على بقعه، وشروط بنائها والتجهيزات التي تتحملها الجماعة الحضرية أو القروية وتلك التي يتحملها صاحب التجزئة[14].
وتعتبر بنود دفتر الشروط جزءا من كل عقد يبرمه المجزئ مع الغير يلتزم بها نحوه بغض النظر عن طبيعة العقد بيعا كان أو كراء أو قسمة، وسواء أعيد تضمين بنوده في العقد أو أحيل عليه أو تم السكوت عنه تماما، ولا تحول الطبيعة القانونية الخاصة لدفتر الشروط دون مراقبة الإدارة لاحترام شروطه وبنوده من طرف المجزئ.
الفقرة الثالثة: إرفاق طلب الرخصة بشهادة المحافظة على الأملاك العقارية
ينظم التحفيظ العقاري هوية كل عقار ببيان معالمه وتحديد أوصافه وتعيين حدوده والحقوق الكائنة عليه لأصحابها وكذا كيفية تداول وانتقال هذه الحقوق من وإلى ملاكها[15]، وينشأ عن التحفيظ ميلاد جديد للعقار ينهي علاقته بماضيه ولا يعتد بأي حق عليه إلا إذا نشأ محفظا أو بعد أن خضع العقار للتحفيظ، وهو ما يعطي العقار المحفظ مزايا لا تخفى تبعث الاطمئنان في التعامل فيه اقتناء وارتهانا وغير ذلك.
وبالنظر إلى أن التجزئة العقارية تعد عملية تعميرية ينظمها القانون ويضع شروطها بغاية التحكم في المجال والاستثمار في العقار في المدن والقرى الخاضعة لقانون التعمير فقد اشترط قانون التجزئات في العقار المراد تجزئته أن يكون محفظا أو على الأقل يجري تحفيظه بشرط انصرام أجل التعرضات دون تقديم أي تعرض.
وتطرح في هذا الصدد إشكالية الاعتداد بهذا الشرط في طلب القسمة القضائية، فهل يجب على المحكمة في حالة وجود العقار المطلوب قسمته تحت حكم قانون التعمير والتجزئات العقارية، ألا تقبل الدعوى إلا إذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ وانصرم أجل التعرض دون أي تعرض؟
للجواب على هذا التساؤل يبدو أن المحكمة إنما تنظر دعوى القسمة وليس التجزئة ذاتها بمفهومها القانوني، الذي تراقبه السلطة الإدارية المخولة سلطة إصدار الإذن بإحداثها والتي تخضع في قرارها بالترخيص أو الرفض لمراقبة المحكمة الإدارية، وعليه، فإن المحكمة إنما تراقب شروط التجزئة افتراضا وتصورا ليكون حكمها بالقسمة لا يخالف أحكام التجزئة العقارية فتنفذ القسمة القضائية لأطرافها الذين يقع عليهم التزام تقديم طلب رخصة التجزئة من أجل البناء إلى السلطة المختصة.
وإذا كانت التجزئة العقارية وفق شروطها القانونية مؤسسة أو منشأة مجالية تعميرية لا سبيل إلى تقسيم أو قسمة العقار إلا وفقها، فإن التقييد بها في تقسيم أو قسمة العقار ينحصر مجاله في العقارات المثقلة بقيود وارتفاقات قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية في المناطق المخصصة للبناء وفق وثائق التعمير أو قواعد قانون التعمير.
ولذلك فإن العقارات التي لا تقع تحت طائلة ارتفاقات التعمير الخاصة بالتجزئة والبناء تبقى خاضعة لقواعد التقسيم أو القسمة، كما تنص عليها المادة 58 من قانون التجزئات العقارية أو مدونة الحقوق العينية في المواد من 313 إلى 326 منها أو قانون الالتزامات والعقود في الفصول من 1083 إلى 1091 منه أو قواعد الفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك.
الفصل الثاني: التقسيم والقسمة العقارية.
يعتبر التقسيم العقاري حكما خاصا بالمجال الحضري المغطى بوثائق التعمير ويختلف عن التجزئة العقارية والقسمة خارج المجال الحضري بأحكامه الخاصة ولاسيما، المادة 58 من قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، فما هو التقسيم العقاري وفقا لهذه المادة؟ وماذا يميزه عن التجزئة العقارية؟ وما هي القسمة العقارية سواء الرضائية أو القضائية؟ وما هي الشروط المتطلبة خاصة في القسمة القضائية؟
المبحث الأول: التقسيم العقاري وفقا لقانون التجزئات العقارية وتمييزه عن التجزئة العقارية.
إن كلا من التجزئة العقارية والتقسيم العقاري يهمان السطح الحضري، وبعبارة أخرى يجري كل منهما في العقارات التي يسري فيها قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية، إلا أن التجزئة العقارية المقصود فيها إقامة المباني أيا كان الغرض منها، فيتم التقسيم فيها من أجل البناء أو يتم البيع أو الهبة أو غيرهما من طرق التفويت أو الكراء بغرض البناء، فهي تقسيم أو بيع أو هبة أو كراء للعقار بهدف إنشاء البناء، بينما التقسيم يقصد به كل قسمة أو بيع يكون الهدف منهما أن يترتب عليهما تقسيم عقار إلى بقعتين أو أكثر غير معدة لإقامة البناء فوقها، وكذلك بيع عقار لعدة أشخاص في الشياع بينهم إذا كان من شأن ذلك أن يحصل أحد المشترين على الأقل على نصيب شائع تكون المساحة المطابقة له دون المساحة التي يجب ألا تقل عنها مساحة البقعة الأرضية بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير أو دون 2500 متر مربع إذا لم يُنص على مساحة من هذا القبيل.
وعلى هذا الأساس، فإنه استنادا إلى المادة 58 من قانون التجزئات العقارية فإن تقسيم العقارات المغطاة بوثائق التعمير يختلف عن التقسيم في إطار التجزئة في الهدف منه الذي لا يرمي إلى تشييد البناءات، ولذلك فإنه لا يقع في المناطق الحضرية أو القروية المخصصة للبناء وإلا وجب التقيد في الإذن الصادر بالتقسيم بالشروط القانونية والتنظيمية التي ينص عليها قانون التجزئات في بابه الأول، بمعنى أن التقسيم في هذه الحالة يأخذ صيغة التجزئة العقارية فتبحث الإدارة في حالة تقديم الطلب إليها بالتقسيم شروط جوازه وإلا رفضت الطلب لأنه لا ينصب على التجزئة.
أما لو قدم الطلب بالقسمة إلى المحكمة فإنها تبحث شروط التقسيم كما ينص عليها قانون التجزئات بالإضافة إلى شروط القسمة القضائية كما تنص عليها المدونة أو قانون الالتزامات والعقود أو الفقه المالكي، أما إذا كان العقار المراد الحكم بقسمته لا يسري فيه إلا أحكام التجزئة العقارية فإن المحكمة تبحث شروط هذه المؤسسة لتحكم بقسمته إضافة كذلك إلى شروط القسمة القضائية بصفة عامة، وإذا كان لا يقبل لا التجزئة ولا التقسيم تحكم ببيعه لقسمة ثمنه.
وكما يصدق مفهوم التجزئة على البيع في الشياع يصدق مفهوم التقسيم أيضا على البيع فيه إذا كان من شأن هذا البيع أن يحصل المشتري فيه على نصيب شائع يقل عن المساحة التي يجب ألا تكون أدنى من مساحة البقعة الأرضية التي تنص عليها وثيقة من وثائق التعمير، أو تقل عن 2500 متر مربع في حالة عدم وجود هذه الوثيقة.
ويؤخذ من المفهوم المخالف أن التقسيم لعقار في حالة ما إذا كان يسفر عن مساحة تزيد عن المساحة المعينة في وثيقة التعمير السارية المفعول أو عن 2500 متر مربع في حالة انعدامها لا يخضع للإذن الإداري المنصوص عليه في المادة 60 من قانون التجزئات وتقسيم العقارات.
وتقييد التقسيم العقاري بالرخصة الإدارية الغاية منه مراقبة استيفاء الشروط القانونية التي تنص عليها المادة 58[16] وما يليها من قانون التجزئات وتقسيم العقارات وهو تقييد مطلق في الشياع والشركة، فكل شياع أو شركة إذا أريد الخروج منهما أو إسباغ حالة الشياع عن طريق البيع، وكان التقسيم من شأنه أن يخل بالشروط التي ينص عليها القانون يرفض الترخيص به.
وهذا التقييد بالمنع لتقسيم العقار الذي ينص عليه قانون التجزئات إلا باستيفاء الشروط الواجبة فيه عام في القسمة الرضائية والقضائية، وترفض المحاكم تطبيقا للقانون كل طلب تقسيم أو قسمة يخل بأحكام القانون، وإلا حكمت بقسمة التصفية.
وبعبارة أخرى فإن مفهوم التقسيم في قانون التجزئات في الاصطلاح لا يختلف عن القسمة إلا في الشروط الخاصة به من حيث توفر شرط عدم رصد العقار للبناء من خلال قانون التعمير، وكذا حصول المتقاسم على مساحة تقل عن المساحة المحددة في وثيقة التعمير السارية المفعول أو عن مساحة 2500 متر مربع في حالة انعدامها، وهو ما يعني أنه عند توفر هذه الشروط يستلزم جواز التقسيم الترخيص الإداري ولا يجوز للمحكمة أن تحكم بالقسمة إلا مع وجود هذا الترخيص وبالعكس من ذلك إذا تعلق الأمر بقسمة عقار أو بيعه في الشياع وكانت هذه القسمة أو البيع ينتج عنهما مساحة تزيد عن مساحة الوثيقة أو عن 2500 متر مربع، فإنه لا حاجة للإذن الإداري بالتقسيم وتمكن القسمة الرضائية أو القضائية.
المبحث الثاني: القسمة الرضائية والقضائية.
تنص على أحكام القسمة البتية سواء الرضائية أو القضائية، المواد من 313 إلى 326 من مدونة الحقوق العينية والفصول 1083 إلى 1091 من قانون الالتزامات والعقود، إضافة إلى أحكام الفقه على المذهب المالكي التي تعتبر أصلا في القسمة لا تخرج عنها قواعد المدونة و ق.ل.ع، ولا تزال تطبق سواء تعلق الأمر بعقار محفظ أو عقار غير محفظ وذلك بمقتضى الإحالة عليها في المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية. ويجدر لذلك أن نعرض للقسمة في أحكامها الفقهية العامة وفي مدونة الحقوق العينية، سواء منها القسمة الرضائية أو القضائية وفق منهجية الفقه، فنعرض في (المطلب الأول) لقسمة القرعة بعد التعديل والتقويم وفي (المطلب الثاني) لقسمة المراضاة.
المطلب الأول: قسمة القرعة بعد التعديل والتقويم.
الفرع الأول: التعريف والمفهوم.
تعرف القسمة فقها بأنها: “تصيير مشاع من مملوك مالكين فأكثر معينا ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض”[17]، فشمل هذا التعريف كلا من قسمة القرعة وقسمة المراضاة، فإذا اختص شريك بمفرز من شياع في الرقبة أو المنفعة كان ذلك قسمة ولا يحكم إلا بقسمة القرعة بعد التعديل والتقويم، وهي عند الإمام مالك بيع، وعند ابن رشد والقاضي عياض تمييز حق. وعلى ذلك عول الشيخ خليل فنص في مختصره على أن قسمة القرعة هي تمييز حق[18].
والقسمة القضائية تجوز في الأصول وفي العروض (المنقولات)، فالأصول هي الأراضي والمباني والأشجار والثمار العالقة فيها وتجوز في كل متماثل عن طريق التعديل والتقويم، فتقسم الديار على حدتها والأراضي والفدادين والبساتين على حدتها.
ويشترط في القسمة القضائية التقويم والتعديل، ويعني التقويم أن الأنصبة والحظوظ عند إخراجها لأصحابها تقدر بقيمة أقل نصيب فإذا تعلق الأمر بقسمة الدور مثلا وكانت تقبل القسمة العينية فإن التقويم ينصب على أقل نصيب، وتقدر باقي الحظوظ بقدره بحسب قيمته، فقد تكون أرض يُطلب الحكم بقسمتها خصبة في بعض أجزائها دون البعض الآخر أو أن بعض أجزائها مرتفعة القيمة لقربها من الطريق مثلا، أو من مرافق اجتماعية كالسوق أو المستوصف أو المسجد فتقدر لذلك الأنصبة بقيمتها، وينوب حظا في القسمة مساحة أكبر من حظ آخر، لكنه يساويه في القيمة وهو معنى قسمة القرعة بعد التقويم، وتجري القرعة بين المتقاسمين بأن يقترعوا في المقسوم فمن خرج سهم فيه أخذه في نصيبه.
وإذا لم يقبل العقار القسمة العينية على أقل نصيب فإنه يباع ويقسم ثمنه ويدخل في عدم قابلية العقار للقسمة الشروط التي يوجبها قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية إذا لم يقبل القسمة ِوفقها يباع ويقسم ثمنه.
ويجوز جمع الديار والبساتين والأراضي لبعضها البعض بأن يجمع كل صنف منها إلى بعضه فلا يجوز جمع دار وأرض مثلا، ويشترط في الجمع بين الديار وبين الأراضي بعضها مع بعض المساواة في الرغبة والنفاق، بمعنى أن جميع الدور وجميع الأراضي ليجمع بين كل صنف في قسمتها يجب أن تكون محل رغبة على نفس القدر بين الشركاء. أما نفاقها فيعني أن تكون جميعها رائجة في سوق العقار للبيع ولغير ذلك من المشاريع والإنجازات التي يمكن أن تكون محلا لها، وبعبارة أخرى فإن جمع الأراضي على حدتها والديار أيضا على حدتها إذا اختلفت رغبة ونفاقا يمتنع بسبب هذا الاختلاف، فإن أمكن قسمة كل أرض وكل دار وإلا بيعت على حدتها وقسم ثمنها.
وبالإضافة إلى اشتراط الرغبة والنفاق في الجمع يشترط تقارب أمكنتها بعضها إلى بعض، فلا يجمع في القسمة بين دار وأخرى أو أرض وأخرى في حيين متباعدين في المدينة الواحدة ولا يجمع بين أرضين ولو تشابهتا إذا فرقتهما مسافات طويلة، وحتى في حالة تقارب أمكنة الدور والأراضي لا يجوز الجمع بينها على حدتها (الدور وحدها والأراضي وحدها بعضها إلى بعض) إذا ما كانت محلة إحداها مرغوبة والأخرى في محلة مرغوب عنها.
ويرجع تطبيق هذه الأحكام إلى أن كلا من المدونة و ق.ل.ع لا يتضمن أي نص بشأنها.
وفي جمع الدور القديمة مع الجديدة تفصيل، ففي حالة الضرورة يجوز الجمع بأن لم يكن إلا داران قديمة وجديدة، لكن لو تعددت فإنه لا يجوز الجمع ويجب قسمة كل دار على حدة القديمة وحدها والجديدة وحدها[19].
ويجوز جمع المباني ذات الغلة بعضها مع بعض كالدور المخصصة للكراء مع المباني المتخذة للتجارة مثل الحمامات والفنادق والدكاكين، لأنه يَجمع بينها المنفعة ُالتي هي الغلة.
وبالإضافة إلى شرط التقويم في قسمة القرعة يمتنع على المحكمة أن تحكم بالقسمة إلا مع التعديل وهو يعني زيادة في حظ أو جزء نتيجة التقويم يكون أدنى في قيمته عن الجزء أو الأجزاء الأخرى من أجل أن يتعادل معها في هذه القيمة فيضاف إلى الجزء الأقل قيمة ما يتعادل به مع الجزء الأكثر قيمة، فدار مثلا تشتمل على عدة أجزاء يمكن قسمتها بين الشركاء فيها يقوّم الجزء الأقل فيها الواجب لأحد الملاك والأجزاء الأخرى الواجبة لشركائه بحسب قيمتها فيضاف إلى الجزء الأقل في القيمة من المساحة ما يكون به معادلا للأجزاء الأخرى في هذه القيمة. فلو تعلق الأمر مثلا بدارين إحداهما جديدة والأخرى قديمة وتقعان في نفس المكان الرائج فيه سوق العقار والبناء، وهما مرغوبتان من الشريكين أو الشركاء أو الأغيار فإن الدار الجديدة منهما لأن بناءها أطرى وأحدث من بناء القديمة ترتفع قيمتها عن الأخرى، ولأجل ذلك لو جعلت قيمة الدار القديمة بنفس قيمة الدار الجديدة وهي بمساحة ضعفها كان ذلك قسمة جائزة لأنه تعديل وتقويم لا يحكم إلا به مع إجراء القرعة.
وإذا طالب أحد الشركاء بالجمع وكانت شروطه متوفرة فإن من يمتنع منهم يجبر على القسمة مع الجمع.
أما البساتين وهي الأجنات أو حقول الأشجار المثمرة من زيتون وتين وتفاح ورمان وعنب وغيرها، فإنها تقسم على حدتها من دون الجمع بينها إذا احتملت هذه القسمة بأن وسِعت أنصبة الشركاء فيها وانتفع كل بنصيبه، وإلا جاز ضمها بعضها إلى بعض إذا توفرت شروط الضم من التساوي في الرغبة والنفاق وتقاربها بعضها من بعض.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتضاء الجمع من جميع الشركاء المتقاسمين مع عدم توفر شروطه لا يجوز بالنظر لما في ذلك من الغرر والخطر[20].
ومتى توفرت شروط قسمة القرعة جاز الجبر عليها قضاء.
الفرع الثاني: الجبر على القسمة.
يجبر الممتنع من القسمة عليها، وتنص على هذا الحكم المادة 313 من مدونة الحقوق العينية في فقرتها الأخيرة بقولها: “تتم القسمة إما بالتراضي وإما بحكم قضائي مع مراعاة القوانين والضوابط الجاري بها العمل”، وكذلك المادة 317 في فقرتها الأولى التي تنص على أن: “المحكمة تحكم بقسمة العقار المشاع قسمة عينية كلما كانت هذه القسمة ممكنة”، وهو نفس الحكم الفقهي الذي ينص عليه الشيخ خليل في مختصره: “وأجبر لها كل إن انتفع كل”[21].
وتختلف لذلك قسمة القرعة عن قسمة المراضاة في الجبر عليها وفي عدم القيام فيها لا بالعيب ولا بعيوب الرضا[22].
أما بالنسبة لجمع الحظوظ بين المتقاسمين فإن الفقه أجاز جمع حظوظ أهل السهم الواحد كالزوجات والبنات والأخوات والجدات والموصى لهم بالثلث لأنهم بمنزلة الواحد وأجاز جمع العصبة مع كالزوجة، فيخرج فرضها من الحظ الذي جمع فيه مع سهمهن وذلك يعني أنه يجوز الجمع بين فرض وسهم لعاصب فيما لا يجوز الجمع بين فرض وفرض على أنه إذا رضي بعض الشركاء الجمع بينهم يعمل برضاهم ويجمع بين حظوظهم إذ الحق في ذلك يرجع لهم وهم ارتضوا استمرار الشركة بينهم لاسيما، إذا كان الجمع من شأنه أن يجعل القسمة العينية ممكنة كثلاثة شركاء لأحدهم النصف وللثاني الثلث وللآخر السدس فيرضى صاحبا السدس والثلث أن يخرجا معا بالنصف، ويخرج صاحب النصف بالنصف الآخر.
ويعلل بعض الفقهاء منع الجمع بأن فيه غررا فيمنعه ولو مع الرضا مع أن الغرر حاصل حتى مع عدم الجمع وحاصل أيضا في جمع العصبة مع ذي فرض، ولا تخلو القسمة بالقرعة عن غرر فضلا عن أن التعليل بالغرر مبني على أن قسمة القرعة بيع والمشهور أنها تمييز حق لا بيع، وشرعت لرفع الضرر أو تخفيفه ولا إشكال في رفعه أو تخفيفه ولو بالجمع بين الحظوظ في القسمة لاسيما، إذا كان المقسوم لا يقبل القسمة إلا مع جمع الحظوظ إذ القسمة مع الجمع أولى من البيع على المتقاسمين، وأيضا يرد على ذلك بأنه إذا كان لِمن جمع بين حظيهما أن يعودا إلى الشركة بعد القسمة فلا يمنعان من بقائهما عليها ابتداء، ولذلك فإن ارتضاء الجمع لا مانع منه. فإذا كان عقار ملكا في الشياع بين شريكين ومات أحدهما عن ورثته فإن الورثة يجمعون في القسمة أولا جبرا، فيقسم الملك الشائع نصفين ثم يقسم الورثة أحد النصفين بينهم ثانيا. وهذا الرأي يخالفه ابن رشد في حالة أن الورثة وقع تشاح بينهم، فلا يقسم إلا على أقل الأنصباء بالقرعة قسمة واحدة بين جميع الشركاء بمن فيهم شريك الموروث.
والحكم أن العقار الذي يقسم بالقرعة لا يجوز زيادة شيء كي يعدل بين الأنصباء الخارجة للمتقاسمين، فالتعديل إنما يجوز بالشيء ذاته كدار أو أرض يعدل بين أجزائهما منهما ولا يجوز التعديل بزيادة نقد أو شيء منقول إلا أن بعض الفقهاء يجيز التعديل بالزيادة اليسيرة كأن تكون قيمة دار بـ 100 وأخرى بـ 90 فيزيد من يأخذ الدار ذات القيمة 100 خمسة إلى شريكه الذي يأخذ الدار ذات القيمة 90[23].
ولم تنص م.ح.ع على التعديل بالزيادة في الأنصبة بحسب القيمة وهو ما يحيل على قواعد الفقه السابقة الذكر في الموضوع.
وفي قسمة القرعة القضائية يجيز الفقه ادعاء الغبن والغلط فيها ويجب أن يقام بهما بالقرب من القسمة وذلك قبل عام منها، فإذا ثبتا نقضت القسمة إلا إذا فات المقسوم ببناء أو هدم فلا يقام في العقار بالغبن والغلط متى حصل البناء أو الهدم، وإذا فات ببيع وغيره لا يحول ذلك دون القيام بالغبن والغلط، وفي ذلك قول الشيخ خليل: “ونظر في دعوى جور (غبن) أو غلط وحلف المنكر، فإن تفاحشا أو ثبتا نقضت وأعيدت”[24].
أما م.ح.ع فإنها لم تجز القيام بالغلط والتدليس والإكراه والغبن في المادة 315 إلا في قسمة التراضي وجعلت الدعوى بنقض القسمة لأحد هذه العيوب تتقادم بمضي سنة من تاريخ إجرائها.
ويفهم من نصها على جواز القيام بعيوب الإرادة في قسمة المراضاة وحدها قبل تعرضها للقسمة القضائية أن هذه القسمة لا يقام فيها بتلك العيوب.
وتنقض القسمة سواء أكانت قسمة قرعة أو مراضاة إذا ظهر شريك لم يكن من بين المتقاسمين، إنما تبطل قسمة المراضاة وتعاد بين جميع الشركاء، بينما إذا تعلق الأمر بقسمة قضائية فإن طريق نقضها طبقا لقانون المسطرة المدنية بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، ولا يبطل الحكم بظهور الشريك كما في اتفاق القسمة.
ويذهب بعض الفقه في تحديد طبيعة قسمة القرعة وتكييفها بين أطرافها إلى أنها تمييز حق وليست بيعا، وهي لا يمكن أن تكون بيعا وفق ق.ل.ع الذي يشترط في البيع نقدية الثمن.
ويترتب عن الاختلاف في الرأي في القسمة بأنها تمييز حق أو بيعٌ أحكام يمكن الإشارة مثلا فيها إلى الاستحقاق والجائحة، فإذا اعتبرت القسمة تمييز حق فإن المستحق من يده لا يرجع فيما استُحق منه إلا على من بقي بيده الجزء الذي خرج فيه، بينما من هلك جزؤه لا يضمن له الاستحقاق ويسقط عنه، في حين لو اعتبرت بيعا فإن الاستحقاق يضمنه شريكاه المتقاسم معهما معا.
وكذلك لو قسم ثمر الشجر في رؤوسه وأصابته جائحة فإن اعتبار القسمة تمييز حق لا جائحة فيه، أما لو اعتبرت بيعا فإن فيه الجائحة، أي أن المتقاسم يضمن الجائحة في البيع.
والجائحة هلاك الثمر في أكثر من ثلثه بسبب خارجي من رياح مرسلة وبرد وثلج ومطر غزير وجراد ودود وطير ونار وغصب وسرقة وغيرها.
والقسمة القضائية ليس للشركاء فيها أن تقسم لهم المحكمة إلا بعد أن تثبت الشركة والطلب من الشريك فيها للقسمة، والملك على الشياع وثبوت الموت والورثة في حالة قسمة التركة[25].
وعلة وجوب هذه الإثباتات وخاصة إثبات ملكية العقار المراد قسمته تؤخذ بالقياس على بيع الشيء المرهون الذي لا يجوز للمرتهن إلا بعد أن يثبت ملكية الراهن له وعلى بيع مال من أفلس للغرماء بعد أن يثبتوا ملكيته لماله الضامن به لديونه، وبيع ما للزوج لسداد نفقة زوجته وذلك أخذا بالرأي القائل بأن القسمة بيع.
ولا يجوز قسمة عقار قضائيا إلا إذا أدخل جميع الشركاء فيه وكل من له حق عيني آخر عليه[26].
المطلب الثاني: قسمة المراضاة.
عرضت المدونة لقسمة التراضي في المواد 313 إلى 315 واقتضت فيها شروطا هي الشياع والقابلية للقسمة وانتفاع كل متقاسم بجزئه بعد القسمة، وأجازت القيام فيها بعيوب الرضا من غلط وتدليس وإكراه وغبن لا يقل عن الثلث بين قيمة ما خرج في المتقاسم بمقتضى القسمة، وقيمته الحقيقية وقت إجراء القسمة.
وفي الفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك تنقسم قسمة المراضاة إلى نوعين: قسمة مراضاة مع التعديل والتقويم، وقسمة مراضاة بدون تعديل ولا تقويم.
الفرع الأول: قسمة المراضاة بعد التعديل والتقويم.
التقويم في القسمة هو الذي يُحصِّل التعديل بمعنى أن أجزاء المقسوم تقوّم ليحصل بينها التعادل، فيقسم الشيء إلى أجزاء مساوية للأنصباء التي تكون فيه للشركاء مثل النصف والثلث والسدس، لكن بعد أن يعدّل كل جزء بحسب القيمة التي تكون له من أجل أن يكون النصف مثلا مساويا في قيمته لقيمة نصف المقسوم فيعدل في مساحته إن كان عقارا بما تكون قيمة هذا النصف بحسب مساحته مساوية لقيمة النصف الآخر.
وفي قسمة المراضاة مع التعديل والتقويم يجوز جمع حظين وجمع الأجناس المختلفة كعقار وعرض أو حيوان ومنقول آخر وقطاني بعضها إلى بعض متماثلة في القيمة، فلا يجوز مثلا لو تعلق الأمر بغير العقار جمع القمح والشعير وإن كانا جنسا متحدا ولكنهما متفاضلان وغير متماثلين. والعلة في ذلك أن قسمة المراضاة بيع يمتنع فيها ما يمتنع فيه وهذا الحكم حكم شرعي بخلاف قانون ق.ل.ع فإنه يجيز قسمة الأشياء المنقولة وضمها بعضها إلى بعض في القسمة.
وقسمة المراضاة تعمل أيضا على المحجورين كالصبي والمجنون والسفيه والمفلس عندما يظهر السداد فيها ويثبت بالبينة الشرعية، ويقسم عنهم من له النيابة عنهم كالولي- دون إذن القاضي- والوصي والمقدم- مع إذنه- فيما لا تجوز القسمة بين الحاجر ومحجوره إلا إذا كانت قضائية.
الفرع الثاني: قسمة المراضاة من غير تعديل ولا تقويم.
تعتبر هذه القسمة كقسمة المراضاة مع التعديل والتقويم في أحكامها فيجوز فيها جمع حظين وجمع الأراضي والأجنات والديار لأنها كلها عقارات، وزيادة العين وغيرِها، ويقام فيها بعيوب الرضا من غلط وإكراه وتدليس وغبن داخل أجل سنة من إجرائها[27].
ولا تمنع هذه القسمة على الحاجر في مال محجوره كانت بالقرعة أو بالمراضاة ـ مع اشتراط إذن القضاء بالنسبة لغير الولي ـ فهي كقسمة المراضاة مع التعديل والتقويم في ذلك، ويشترط ظهور السداد ومصادفة الصواب فلا يمضي من النائب عن محجوره من فعله إلا ما كان سدادا وصوابا، لكن لو تعلق الأمر بقسمة الحاجر مع محجوره فإنها لا تكون إلا قسمة قرعة مع التعديل والتقويم عن طريق القضاء لأنها من باب بيع النائب عن محجوره لنفسه على الرأي القائل بأن القسمة بيع، وهو لا يجوز وإن وافق السداد[28].
المطلب الثالث: قسمة ما لا ينقسم وضمان الاستحقاق.
الأصل في القسمة أن تكون عينية، وقد تتعذر هذه القسمة بسبب عدم اتساع الشيء في ذاته لجميع الأنصبة عند إفرازها بأن يتعذر الانتفاع بكل نصيب، وقد يرجع السبب في عدم القابلية للقسمة ليس إلى تعذر الانتفاع، وإنما يمنع منها القانون ولو أمكن الانتفاع بالجزء الذي تسفر عنه القسمة، ولا يختلف الفقه في ضمان الاستحقاق في القسمة وإن اختلفوا في تحديد طبيعتها ما إذا كانت تمييز حق أو بيعا، إذ الاستحقاق أثر من آثار البيع ولا يوجد سبب له في القسمة إذا اعتبرت تمييز حق.
الفرع الأول: قسمة ما لا ينقسم.
في حالة تعذر القسمة لعقار لأنه لا يمكن الانتفاع بالحظ القليل الصائر لكل شريك أو لأحدهم فإنه يباع ويقسم ثمنه. وكذلك تمتنع القسمة في حالة عدم توفر الشروط القانونية للتجزئة العقارية وللتقسيم العقاري طبقا للقانونين رقم 12.90 و 25.90 ومرسومي تطبيقهما[29]، ويصار حينئذ إلى البيع لقسمة الثمن بين الشركاء، وهو ما يعني أن الشريك يجبَر لشريكه على البيع، وله أن يشتري أو يشفع ولو جرى البيع بالمزايدة؛ إذ لا فرق في حكم الشفعة بين بيع المساومة أو الممارسة وبيع المزايدة، إلا أن مدونة الحقوق العينية منعت في المادة 302 منها شفعة البيع بالمزاد العلني[30].
الفرع الثاني: ضمان الاستحقاق في القسمة.
لم يشمل الفقه بحكم ضمان الاستحقاق في القسمة إلا غير اليسير، ويمثل له بما زاد على الثلث، ومعنى ذلك أن الاستحقاق إذا كان في أقل من الثلث لا تُنقض القسمة، وله أن يرجع على شريكه بقدر نصف ما استحق منه فيما صار له أو أن يرجع بنصف قيمته، أما إذا استحق من يده أكثر من الثلث فإن له نقض القسمة وإعادتها في الباقي عن المستحق.
وأخذت بهذا الحكم م.ح.ع في المادة 325 التي خصصت أحكامها للعقار غير المحفظ فأجازت فسخ القسمة وإعادتها إذا كان ما استحق من يد المتقاسم يزيد على الثلث، وإذا كان أقل منه فليس له إلا الرجوع بالتعويض.
واستثنت العقار المحفظ من هذا الحكم بأن منعت فسخ القسمة مهما بلغ ما استحق من يد المتقاسم فليس له، إلا أن يرجع على شريكه السابق بالتعويض بالقيمة في الجزء الذي أخذ منه استحقاقا[31].
الهوامش:
[1] القانون رقم 25.90 المنفذ بالظهير الصادر بتاريخ 17 يونيو 1992 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 15 يوليوز 1992 ص 880.
[2] أوجب مشروع مدونة التعمير في المادة 27 منه على المحاكم صراحة الحكم برفض كل قسمة مخلة بأحكام المدونة ،أو من شأنها إحداث تقسيمات غير قانونية وإدخال الجماعة المعنية من طرف المعني في الدعوى تحت طائلة عدم قبولها، ويفهم من ذلك أن المجلس الجماعي يكون طرفا في دعوى القسمة من أجل أن يجيب في هذه الدعوى عما إذا كانت شروط التجزئة العقارية متوفرة أم لا، ويمكن للمحكمة أن تستعين بالخبراء في استبانة توفر هذه الشروط من عدمه.
[3] يعرف الأستاذ عبد الرحمان البكريوي قانون التعمير بأنه عبارة عن مجموعة القيود القانونية والتنظيمية التي يفرضها القانون على الامتيازات المخولة للملاك حسب الفصل 35 من الدستور ومدونة الحقوق العينية والشريعة الإسلامية.
[4] تسري وثيقة التعمير المتعلقة بالمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية لمدة 25 سنة طبقا للمادة 3 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، وفي مشروع المدونة خفض هذه المدة إلى 20 سنة، وسمى الوثيقة بالمخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية.
[5] تنص المادة 9 من قانون التجزئات العقارية على أن: “يتوقف تسليم الإذن من طرف الإدارة بإحداث التجزئة على حصول اتفاق بين أشغال إحداثها وأحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية”.
[6] يهتم تصميم التنطيق بتحديد المناطق ذات استعمالات معينة من مناطق سكنية أو تجارية أو صناعية أو سياحية أو زراعية وغير ذلك، ويعين الأماكن المخصصة للمرافق العمومية والتجهيزات الأساسية والمناطق المؤجلة لإنجاز مشاريع التجزئات فيها والمناطق المحظور فيها البناء.
ـ الحاج شكرة، الوجيز في قانون التعمير المغربي. الطبعة الثالثة، 2008، طبع دار القلم للنشر والتوزيع، ص 106.
[7] تعد وثيقة تصميم التنطيق وثيقة لاستعمال الأراضي وتسري فورا منذ نشرها في الجريدة الرسمية وتلزم بأحكامها الجميع أفرادا وإدارة ويسري مفعولها خلال مدة أقصاها سنتان من تاريخ النشر. (المادة 17 من قانون التعمير).
[8] عبد الرحمان البكريوي، التعمير بين المركزية واللامركزية. تصفيف وإخراج الشركة المغربية للطباعة والنشر، الرباط، بدون تاريخ، ص 83.
[9] عبد الرحمان البكريوي، مرجع سابق، ص 133.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع المدونة تخلى عن تصميم النمو مثلما فعل مع تصميم التنطيق وذلك في إطار المقاربة الجديدة لإعطاء قواعد قانون التعمير بعدا شموليا يدمج الوسط القروي مع الوسط الحضري فتشمل الوثائق التعميرية الاستراتيحية والعملياتية أوسع مدى من الأراضي بغض النظر عن طبيعتها الحضرية أو القروية.
[10] هذا التوسع في مفهوم التجزئة العقارية عن طريق تأويل المادة 1 من قانون التجزئات بالقياس على البيع نظرا لوحدة العلة من خلال إدخال مفهوم التفويت بصفة عامة من بيع أو صدقة أو هبة أو إنشاء انتفاع لإقامة مبان أو زينة أو سطحية أو كراء طويل الأمد مع السماح بالبناء هو ما جاء مشروع مدونة التعمير بخصوص طرق التفويت ليتداركه، إذ نص على التفويت بجميع أشكاله وعلى الإيجار والقسمة الرضائية إلى ثلاث بقع أو أكثر بقصد تشييد مبان مهما كانت مساحة هذه البقع.
[11] ينص الفصل 972 من ق.ل.ع على أن: “قرارات الأغلبية لا تلزم الأقلية: أ ـ فيما يتعلق بأعمال التصرف وحتى أعمال الإدارة التي تمس الملكية مباشرة.
ب ـ فيما يتعلق بإجراء تغيير في الاشتراك أو في الشيء المشاع نفسه.
ج ـ في حالات التعاقد على إنشاء التزامات جديدة”.
[12] المرسوم رقم 2.92.833 الصادر بتاريخ 25 من ربيع الآخر عام 1414 الموافق 12 أكتوبر 1993، الجريدة الرسمية عدد 4225 بتاريخ 4 جمادى الأولى 1414 الموافق 20 أكتوبر 1993، ص 2057.
[13] تنص المادة 4 من قانون التجزئات على أن: “طلب الإذن بالتجزئة يصحب أيضا بدفتر الشروط الذي يتضمن بوجه خاص بيان مختلف أنواع الارتفاقات التي تثقل العقار وحجم المباني وشروط إقامتها والتجهيزات التي تتحمل الجماعة الحضرية أو القروية بإنجازها والتي يجب أن ينجزها صاحب التجزئة”.
[14] أضافت المادة 68 من مشروع مدونة التعمير إلى محتوى دفتر الشروط النص فيه على الاحتياطات العقارية المخصصة لتجهيزات القرب.
[15] الفصل 52 من قانون التحفيظ العقاري كما عدل وتمم بالقانون رقم 14.07.
[16] تنص المادة 58 من قانون التجزئات وتقسيم العقارات على أنه: “في الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها والمجموعات الحضرية والمناطق ذات صبغة خاصة وكل منطقة تشملها وثيقة من وثائق التعمير موافق عليها كمخطط توجيه التهيئة العمرانية أو تصميم تنمية تجمع قروي يتوقف على الحصول على إذن سابق بالتقسيم:
ـ كل بيع أو فسمة يكون هدفهما أو يترتب عليهما تقسيم عقار إلى بقعتين أو أكثر غير معدة لإقامة بناء عليها.
ـ بيع عقار لعدة أشخاص على أن يكون شائعا بينهم إذا كان من شأن ذلك أن يحصل أحد المشترين على نصيب شائع تكون المساحة المطابقة له دون المساحة التي يجب ألا تقل عنها مساحة البقع الأرضية بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير أو دون 2500 متر مربع إذا لم ينص على مساحة من هذا القبيل”.
[17] ينسب هذا التعريف لابن عرفة، البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن التسولي، المجلد الثاني. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، سنة 1971، ص 210.
[18] المرجع السابق، نفس الصفحة.
[19] أنظر نفس المرجع، ص 211 و 212.
[20] نفس المرجع، ص 212.
[21] نفس المرجع السابق، ص 213.
[22] وهو نفس الحكم الذي أخذت به مدونة الحقوق العينية في المادة 315 بأن نصت على أنه: “إذا تمت القسمة بالتراضي جاز لكل من الشركاء أن يطلب إبطالها إذا شاب إرادته عيب من عيوب الرضا، الغلط والتدليس والإكراه أو إذا لحقه غبن لا يقل عن الثلث بين قيمة ما آل إليه بمقتضى القسمة وبين القيمة الحقيقية لحصته في العقار المقسوم، وتكون العبرة في تقديره لقيمته وقت إجراء القسمة وللمدعى عليه في هذه الحالة الأخيرة طلب الإبقاء على القسمة إذا هو أكمل للمدعي ما نقص من نصيبه عينا أو نقدا”.
وتضيف هذه المادة النص على حكم التقادم بمضي سنة من تاريخ إجراء القسمة.
[23] نفس المرجع، ص 216.
[24] نفس المرجع، نفس الصفحة.
[25] نفس المرجع، ص 224.
[26] تنص المادة 320 من المدونة على أن: :”الشركاء يجب أن يدخلوا في دعوى القسمة جميع أصحاب الحقوق العينية المترتبة على العقار3.
[27] وهو ما نصت عليه المدونة كذلك في المادة 315 المشار إليها آنفا.
[28] المرجع السابق، ص 222.
[29] يتعلق القانون الأول بالتعمير والثاني بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
[30] تنص المادة 302 من م.ح.ع على أنه: “إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذها بالشفعة”.
[31] الفقرة الأخيرة من المادة 325 من م.ح.ع.
تعليقات 0