سابقة قضائية: المحكمة الإدارية بالرباط تقر حق القضاة في الطعن

أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط مؤخرا حكما يعتبر من بين الأحكام القضائية المبدئية. فقد ألغى مفعول قرار وزير العدل القاضي بعدم تسجيل قاضٍ في لائحة الأهلية[1]، وقدم قراءة مختلفة للنظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء ولضرورة احترام مبدأ تراتبية القوانين وذلك في سابقة تعد الأولى من نوعها بعد صدور دستور 2011[2].

وقائع القضية:

بتاريخ 02/10/2015، تقدّم قاض بدعوى أمام المحكمة الإدارية في مواجهة وزير العدل بصفته نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء. وقد عرض فيها بأنه يشغل منصب نائب لوكيل الملك، وأنه رقي إلى الدرجة الأولى سنة 2009. لكن اسمه لم يدرج في لائحة الأهلية للترقي للدرجة الاستثنائية برسم سنتي 2014 و2015. وأوضح بأنه راسل وزير العدل في الموضوع، فأجابه بأن سبب عدم إدراج اسمه في لائحة الترقية يعود لصدور قرار توقيف في حقه، ولكون الفصل 16 من النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء يحرمه من التسجيل في لائحة الترقية لمدة 3 سنوات. وقد اعتبر القاضي المعني أن جواب وزير العدل يخالف النظام الأساسي للقضاة، وخاصة الفصل 59 منه والذي حدد على سبيل الحصر طبيعة الفعل التأديبي ونوع العقوبات، وليس ضمنها أي نص يحرم القضاة الذين سبق معاقبتهم عن فعل تأديبي من الترقية أو يجمد ترقيتهم لمدة 3 سنوات.

لأجل ذلك التمس المدعي من المحكمة، إصدار حكمها بتسوية وضعيته الإدارية والمالية وإدراج اسمه ضمن لائحة الترقية برسم سنتي 2014 و2015، وبأثر رجعي ابتداء من شهر فبراير 2014، مع ما يترتب على ذلك من أثر قانوني، مع النفاذ المعجل، والحكم له أيضا بتعويض جبرا للضرر المادي.

أجابت الجهة المدعى عليها بمذكرة التمست فيها عدم قبول الطلب شكلا، وفي الموضوع رفضه، باعتباره لا يرتكز على أساس قانوني، اعتمادا على الفصل 16 من النظام الداخلي الذي يبرر قرار عدم تسجيل المدعي في لائحة الترقية لأسبقية صدور قرار تأديبي في حقه.

مقال قد يهمك :   حسن قوبع: حالة الاستثناء أم حالة الطوارئ: دراسة مقارنة -المغرب نموذجا-

المحكمة تعلن اختصاصها:

انطلقت المحكمة في حكمها بتعليل اختصاصها بالنظر في القضية، واعتبرت أنه:

 “ولئن كان البت في الوضعية الفردية للقضاة قد خوله المشرع بموجب المادة 114 من دستور 2011 لأعلى هيئة قضائية إدارية، فإنه ما دام القرار المؤثر في المركز القانوني للمدعي هو قرار اداري صادر بتاريخ 23/09/2014، في إطار أشغال المجلس الأعلى للقضاء الذي استمر في تدبير وضعية القضاة خلال المرحلة الانتقالية إلى حين احداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن المحكمة قد بسطت رقابتها على مشروعية هذا القرار وقضت بانعقاد اختصاصها نوعيا للبت فيه. فالمنازعة تهم في جوهرها التحقق من شرعية قرار عدم إدراج اسم المدعي ضمن لائحة الترقية، وهو عمل إداري سابق عن اتخاد المجلس الأعلى للقضاء لقراره النهائي بخصوصه، مما يجعله عملا إداريا لا ينأى عن رقابة المشروعية”.

مدى شرعية قرار الحرمان من التسجيل في لائحة الترقية:

اعتمدت المحكمة في دراسة هذه النقطة القانونية على مقتضيات النظام الأساسي للقضاة التي حددت العقوبات التأديبية المطبقة على القضاة، خاصة الفصل 59 منه، وجاء في تعليل المحكمة:

“استنادا إلى مقتضيات الفصل المذكور تعد عقوبة الحرمان أو التأخير من الترقية عقوبة مستقلة لا يمكن تطبيقها إلا وفق القانون طبقا لمبدأ الشرعية، في حين أن الادارة في نازلة الحال استندت في تطبيق عقوبة الإقصاء من التسجيل في لائحة الترقي لمدة 3 سنوات، التي تنطوي على تأخير في الترقية على مقتضيات المادة 16 من النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء الذي ينص على أنه: “لا يسجل باللائحة لمدة ثلاث سنوات القضاة الذين اتخذت في حقهم عقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل، وذلك ابتداء من تاريخ الموافقة الملكية على اقتراحات المجلس، على أساس أنهم لا يتوفرون على كافة الشروط المنصوص عليها في الفصل 23 من النظام الأساسي لرجال القضاء”.

مقال قد يهمك :   المستحدث في قضاء مجلس الدولة الفرنسي

وحيث أنه من جهة فبالرجوع الى الفصل 23 المذكور يتضح أن الترقية مشروطة بالتسجيل بلائحة الأهلية للترقي، ولا يستشف من مقتضياته منح الحق للإدارة تلقائيا بالمنع من هذا التسجيل دون الرجوع إلى الجهة صاحبة الاختصاص بإصدار مثل هذا القرار باعتباره عقوبة تأديبية.

وحيث أنه من جهة أخرى وتطبيقا لمبدأ تراتبية التشريع وتدرج القوانين، فإن النص على عقوبة إضافية في النظام الداخلي الذي يعد نصا أدنى مرتبة من النص القانوني المقرر في النظام الأساسي لرجال القضاء يجعل موقف الإدارة المستند إليه متسما بعدم المشروعية لمخالفته مبدأ قانونيا عاما واجب النفاذ، إذ لا يجوز للإدارة القضائية إضافة عقوبة تأديبية لم يسبق للمجلس الأعلى للقضاء التداول فيها، مما يكون معه هذا القرار مشوبا بعيب الاختصاص ومخالفا للقانون، وينطوي على خرق المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على عدم جواز معاقبة الفرد على الفعل مرتين، فيكون بذلك تصرف الإدارة مناقضا لفلسفة المشرع ويمس بالضمانات الجنائية التي تضمن استقلال القضاة”.

قرار المحكمة:

تطبيقا للدستور وللاتفاقيات الدولية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومقتضيات قانون المحاكم الادارية قضت إدارية الرباط، بقبول الطلب شكلا، وفي الموضوع الغاء قرار وزير العدل والحريات القاضي برفض تسجيل المدعي في لائحة الترقية برسم سنة 2014 و2015، مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.


[1] -يتعلق الأمر بحكم المحكمة الادارية بالرباط ، رقم 3449، في الملف رقم 197/7105/2015، صادر بتاريخ 04/10/2016، غير منشور.
[2] -نادرا مع عرضت على القضاء المغربي قضايا مرفوعة ضد قرارات وزير العدل (بوصفه نائبا عن رئيس  المجلس الاعلى للقضاء) بخصوص تدبير الوضعية الفردية للقضاة، ومن بين القضايا النادرة التي تم تسجيلها قبل صدور دستور 2011 الذي أقر بحق القضاة في الطعن، قضية المستشار محمد بفقير الذي رفع دعوى ضد قرار وزير العدل السابق بانتدابه إلى محكمة اخرى. فرغم صدور حكم قضائي أبطل مفعول قرار الانتداب لانتهاء مدته المحددة قانونا، الا أنه تم التحايل على تنفيذ هذه القرار حينما اجتمع المجلس الاعلى للقضاء ليحول قرار الانتداب المطعون فيه الى قرار تنقيل تحت غطاء المصلحة القضائية، فضلا عن الدعوى التي سجلها المستشار محمد بفقير ضد قرار وزير العدل القاضي برفض الترخيص له للإشارة إلى صفته القضائية في مؤلف علمي. لمزيد من التفاصيل، يراجع:  –محمد بفقير: تقييم اقتراحات المجلس الأعلى للقضاء دورتي 2013 و2014، من اللاموضوعية الى اللامشروعية، مقالة منشورة في مجلة دراسات قضائية، عدد مزدوج 8/9، ص 23.

مقال قد يهمك :   عبد الرزاق الجباري: مدونة "الأخلاقيات القضائية" وسؤال المنهج المعتمد في إعدادها ؟!

  • منقول من مجلة المفكرة القانونية.
error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)