سجن”القروي” مرشح الرئاسة التونسية يربك فقهاء القانون الدستوري

محمد جعفر باحث في العلوم القانونية

بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرأسية بتونس و التي جرت يوم الخامس عشر من سبتمبر، جاءت النتائج على غير ما كان متوقعا في الخارطة السياسية التونسية، بعد تصدر المستقل “قيس سعيد” الانتخابات يليه “نبيل القروي” ثانيا، بالتالي و نظرا لعدم حصول أحد المرشحين لرئاسة البلاد على الأغلبية المطلقة خلال الدورة الأولى، أصبح لزاما المرور للدورة الثانية التي يتنافس فيها الثنائي الحاصل على أعلى نسبة من أصوات الناخبين في الدورة الأولى و ذلك عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور التونسي و التي جاء فيها :” في صورة عدم حصول أي من المترشحين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى، تنظم الدورة الثانية خلال الأسبوعين التاليين للإعلان عن النتائج النهائية للدورة الأولى، و يتقدم للدورة الثانية المترشحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدورة الأولى.”.

غير أن النقطة التي أثارت تساؤل العديد من المتتبعين و المهتمين سواء بالشأن السياسي أو القانوني بالخصوص، هو الوضعية التي يوجد عليها أحد المرشحين الذي سيخوض غمار الدورة الثانية من الانتخابات الرأسية، نتحدث هنا عن المرشح نبيل القروي الذي يتواجد داخل أسوار السجن و ذلك بعد اعتقاله قبيل الانتخابات الرأسية بتهم فساد و تهرب ضريبي.

و بالتالي، فالتساؤلات التي تطرح في هذا الصدد تتمثل في كيفية تعامل القضاء مع هذه النازلة الفريدة من نوعها و التي قد تصبح نازلة واقعية في حالة نجاح نبيل القروي و تصدره الانتخابات الرأسية في الدور الثاني، و هل عالج الدستور التونسي هذه النقطة بشكل أو بأخر ؟، خاصة و أن هذه الواقعة تبقى هي الأولى من نوعها قد لا يفطن لها المشرع الدستوري و قد تشكل تحديا أمام القضاء الذي يبت في قضية هذا المرشح الرأسي، و هذا ما أكده الأستاذ إبراهيم بو صلاح مساعد الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس معتبرا أن هذه القضية هي الأولى من نوعها في تونس و أنه في حالة نجاح المرشح المسجون سيكون القضاء أمام فراغ، مضيفا أنه ” … في حالة فوزه سنكون أمام مأزق قانوني غير مسبوق في البلاد “، و في نفس السياق اعتبر أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور أن وضعية المرشح نبيل القروي تطرح إشكالا قانونيا حقيقيا، إذ أن هذه الوضعية ليس لها أي حل قانوني و أنها لم ترد سابقا في التاريخ و لم يتعرض لها القانون بمختلف أشكاله .

مقال قد يهمك :   الأمازيغية لغة للتقاضي بمحاكم المملكة

أما من زاويتنا، فإننا نرى بأن هذه القضية تحتاج لاجتهاد قضائي، و نقصد القضاء الدستوري على وجه الخصوص، و هو الأمر الغير متاح حاليا، نظرا لعدم تفعيل و إرساء المحكمة الدستورية بتونس.

غير أنه يمكن القول بأن العمل بمقتضيات المادة 87 من الدستور التونسي قد يكون له دور في تجاوز الأزمة الدستورية التي قد تقع في حالة إعلان فوز المرشح القابع وراء القضبان بمنصب الرئاسة.

خاصة و أنها المادة التي لا تعفي رئيس الجمهورية من المتابعة و إنما تعلق ذلك إلى غاية انتهاء ولايته، و قد نصت هذه المادة على ما يلي : ” يتمتع رئيس الجمهورية بالحصانة طيلة توليه الرئاسة، و تعلق في حقه كافة آجال التقادم و السقوط، و يمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامه “ ، و بالتالي فقد يكون الولوج لهذا السيناريو محتملا خاصة و أن هذا المرشح لا يزال متهما لم يوجه بأدلة تثبت تورطه في المنسوب إليه من اتهامات، و ذلك عملا بالقاعدة القانونية ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته “، غير أن هذا السيناريو يبقى خاضعا بحد ذاته لمجموعة من الاحتمالات، خاصة و أنها نازلة هي الأولى من نوعها التي قد تتحقق في حالة تصدره انتخابات الدورة الثانية، و أمام هذا، يمكن أن تطرح مجموعة من التساؤلات من بينها مدى إمكانية رفض القضاء إطلاق سراح المرشح الرئاسي في حالة نجاحه في الدور الثاني و إعلانه رئيسا للبلاد، هل سنكون حينها أمام أسمى تجسيد لصرامة القضاء و استقلال السلطة القضائية ؟ أم سيتم الاحتكام لما آلت إليه صناديق الاقتراع و أصوات الناخبين و يتم اللجوء إلى الفصل 87 من الدستور التونسي أو إلى حل أخر قد يراه أهل الاختصاص مناسبا للخروج من الفراغ، و هل يمكن ترقب تحرك المشرع الدستوري مستقبلا لإيجاد مخرج لمثل هذه الوقائع الناذرة الوقوع .

مقال قد يهمك :   الحسن الداكي يبرز المقتضيات الجديدة للقانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)