مجلة مغرب القانونالقانون العامسليمة فراجي: تقديم المواطنين الى المحكمة الجنائية الدولية وتوفير السياج التشريعي لحفظ اولوية القضاء الوطني

سليمة فراجي: تقديم المواطنين الى المحكمة الجنائية الدولية وتوفير السياج التشريعي لحفظ اولوية القضاء الوطني

سليمة فراجي محامية وبرلمانية سابقة

تقديم

عرفت البشرية سلسلة من أفظع الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية، من إبادة جماعية وجرائم حرب تقشعر لها الابدان ، وممارسات رهيبة تفنن مرتكبوها في أشكال الايذاء والتعذيب والإعدام بدون محاكمة ، وحالات متعددة للاختفاء القسري ، وجرائم ضد الإنسانية في جميع أنحاء العالم ، سواء بسبب الحروب الدولية أو الصراعات الإقليمية، ولم تنزل العقوبات بالجناة رغم خطورة الجرائم التي ندد بها المجتمع الدولي واستنكرها الضمير الإنساني وشجبها تاريخ الإنسانية.

انتصار المجتمع الدولي لمبدأ مكافحة الإفلات من العقاب:

عقب الحرب العالمية الثانية انشأ الحلفاء محكمتين عسكريتين دوليتين في نورمبورغ وطوكيو قصد تقديم كبار مجرمي الحرب الى العدالة ، ووفقا لقرار مجلس الأمن المؤرخ سنة 1993 تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا ومنح لها اختصاص ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية اثناء النزاعات المسلحة ، كما انه بموجب قرار مجلس الأمن المؤرخ سنة 1994 تم انشاءالمحكمة الجنائية برواندا منح لها اختصاص ملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وما يتصل بها من جرائم ضد الإنسانية.

النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

لئن تعثرت عملية إنفاذ القانون الدولي الإنساني بشكل يشفي غليل ضحايا الانتهاكات الجسيمة في حق البشرية جمعاء ، فإن إنشاء المجتمع الدولي للمحكمة الجنائية الدائمة يعد خطوة جبارة في ميدان القمع الجزائي ، اذ تعتبر هيئة قضائية دولية دائمة مقرها بلاهاي لها سلطة ممارسة اختصاصها على الأشخاص المرتكبين لأشد الجرائم خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره ، ومكملة للمحاكم الجنائية الوطنية ، أنشئت بمقتضى معاهدة دولية تم ابرامها تحت إشراف الأمم المتحدة هي معاهدة روما الموقع عليها بتاريخ 1998/7/17، و دخلت حيز التنفيذ بتاريخ فاتح يوليوز 2002 , وقد نصت المادة 120 من نظامها الأساسي على عدم جواز وضع أي تحفظ عليه اذ يشكل كلا لا يتجزأ ، يستثنى من ذلك ما نصت عليه المادة 124 من النظام الأساسي والتي تنص انه يجوز للدولة عندما تصبح طرفًا في النظام الأساسي ، ان تعلن عدم قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لمدة سبع سنوات بخصوص جرائم الحرب اذا ارتكب الجريمة رعاياها أو تم ارتكابها فوق إقليمها ، كما أن تسوية المنازعات التي قد تطرأ بخصوص الوظائف القضائية للمحكمة فانها تحلها بموجب قرار صادر عنها تطبيقًا لمبدأ : ان أية جهة قضائية أو تحكيمية هي سيدة اختصاصها وتتوفر على ” اختصاص الاختصاص” compétence de la compétence . كما يتضمن النظام الأساسي مبدأ الشرعية اذ نصت المادتان 22و23 ان لا جريمة الا بنص ولا عقوبة الا بنص واكدت المادة 29عدم سريان التقادم في حق مرتكبي الانتهاكات ومجرمي الحرب قصد الحيلولة دون الإفلات من العقاب ، بالإضافة الى كون المسؤولية الجنائية للأفراد لا تؤثر على مسؤولية الدولة

اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية:

ينعقد الاختصاص الموضوعي للمحكمة بخصوص اربع جرائم :

-جريمة الإبادة الجماعية وتتجلى في في ارتكاب افعال لتدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية معينة عن طريق القتل أو احداث اذى جسماني أو عقلي جسيم لاعضاء المجموعة ، أو اتخاذ إجراءات تمنع تناسلها أو نقل الأطفال من مجموعة الى مجموعة أخرى ، أو اخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها الاهلاك الكلي أو الجزئي .

-الجرائم ضد الإنسانية وهي جرائم ترتكب على نطاق واسع وممنهج ضد السكان المدنيين كالقتل والإبادة والنقل الإجباري للسكان والتعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري ، والاسترقاق والاستعباد الجنسي

-جرائم الحرب، وهي التي تشكل انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف لسنة 1949 ، مثل القتل العمد وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها دون وجود ضرورة عسكرية ، والانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة مثل قتل أو جرح من استسلم باختياره ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه ، أو تعمد توجيه الهجمات ضد المباني المخصصة لأغراض دينية أو تعليمية أو فنية أو علمية أو خيرية أوالآثار التاريخية ، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى على ان تكون أعيانًا مدنية لا أهدافا عسكرية

مقال قد يهمك :   المراقبة الجبائية في التشريع المغربي و مدى نجاعتها في تحقيق العدالة الضريبية

-جرائم العدوان : من اهم إنجازات مؤتمر كامبالا سنة 2010 هو إعطاء تعريف لجريمة العدوان والتي تتمثل في قيام شخص ما في وضع يتيح له التحكم بالفعل في العمل السياسي أو العسكري للدولة أو توجيهه بتخطيط أوإعداد أو شن أو تنفيذ عمل عدواني يعد انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة ويعني العمل العدواني استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي وتتنافى مع الميثاق الأممي سواء بإعلان الحرب أو بدونه .

أما بخصوص الاختصاص الزمني فان المحكمة تمارس اختصاصها بشأن الجرائم التي يرتكبها الجناة بعد دخول نظام روما حيز التنفيذ أي بعد الأول من يوليوز 2002. كمًا انها تمارس اختصاصها فقط في مواجهة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم بعد دخول النظام الأساسي حيز التنفيذ ،تكريسا لمبدأ عدم الرجعية الشخصية وعدم اختصاصها بالنسبة للجناة الذين لم يبلغوا ثمانية عشر عاما بعد ارتكاب الجريمة ، اضافة الى مبدأ عدم جواز معاقبة الجاني مرتين عن نفس الفعل .

الدول المعنية ببسط اختصاص المحكمة الجنائية الدولية:

لا احد يجادل في كون المحكمة أنشئت بمقتضى اتفاقية دولية، وبذلك لا تبسط اختصاصها مبدئيًا الا على الجرائم التي تقع بالدول التي انضمت الى الاتفاقية ، وبالتالي فان الدول التي لا تعتبر طرفا في معاهدة روما أي لم تصادق عليها تكون غير معنية باختصاص المحكمة الجنائية الدولية ،باستثناء الحالات التي و لو لم تصادق دولة ما على الاتفاقية، ولكنها تقبل بممارسة اختصاصها بخصوص جريمة معينة بموجب اعلان يتم إيداعه لدى مسجل المحكمة وفق ما تقتضيه المادة 12 من المعاهدة ، وكذلك الحالة المنصوص عليها في المادة 13 من النظام الأساسي التي تتم فيها احالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية من طرف مجلس الأمن متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولو تعلق الأمر بدولة ليست طرفًا ولم تصادق على الاتفاقية ، ومع ذلك ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية للبحث والمحاكمة بشأن الجرائم موضوع اختصاصها ولو تعلق الأمر بدول ليست طرفًا ولم تصادق على الاتفاقية ، الشيء الذي يتعين معه على الدول توفير السياج التشريعي وملاءمة بين ما ارتبطت به دوليًا وبين تشريعاتها الوطنية من اجل كفالة التطبيق العملي والفعلي للالتزامات الدولية في إطار النظم القانونية الداخلية .

مبدأ التكاملية في نظام روما:

مما تجدر الإشارة اليه ان المحكمتين الجنائيتين ليوغسلافيا السابقة ورواندا أخذتا بمبدأ الاختصاص المتزامن ، مع إعطاء الأولوية للمحكمتين على القضاء الوطني للدول ، واذا وقع تنازع الاختصاص تبسط المحكمة الدولية ولايتها للمحاكمة ، على حساب القضاء الوطني ، ولعل السبب يرجع الى كون المحكمتين الدوليتين ليوغوسلافيا ورواندا تم إنشاؤهما مؤقتا بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالحفاظ على السلم والأمن بالعالم ،وارتأى المنتظم الدولي منحهما اختصاصا حصريا للمحاكمة ، عكس نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية الذي انتصر لمبدأ التكامل بين القضاء الوطني والقضاء الدولي مع إعطاء الأولوية في البحث والمحاكمة للقضاء الوطني ، بمعنى ان المحاكمة الدولية لا تتم اذا كان الشخص قد تمت محاكمته امام المحاكم الوطنية التابعة لدولته شرط ان تكون هذه المحاكمة جدية وليست صورية ،وتم فيها مراعاة أصول المحاكمات الواجبة ، ولعل مبدأ التكاملية من شأنه احترام سيادة الدول واختصاصها الشخصي على مواطنيها ، وإعطاء الدولة المنسوب اليها الفعل المعتبر جريمة وانتهاكا فرصة الإصلاح والمعالجة دون تدخل جهة خارجية ، علماان الغرض من المحاكمة الدولية هو عدم الإفلات من العقاب ، وأنه اذا لم تتم محاكمة الشخص بمقتضى قوانينه الوطنية أو تمت محاكمة تمويهية أو صورية فان الشخص يظل خاضعا لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، نستنتج من ذلك ان مبدأ التكامل يبسط الاختصاص للقضاء الوطني بالأولوية على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الذي لا يمكن اعتباره بديلا للقضاء الوطني ولا ملغيا له وإنما اختصاص تكميلي للقضاء الوطني بصراحة المادة 17التي تنص على كون المحكمة تقرر عدم قبول الدعوى اذا كانت دولة مختصة تجري تحقيقا أومقاضاة في نفس الدعوى .

مقال قد يهمك :   الحيثيات الصحيحة لواقعة "الاغتصاب الزوجي" بطنجة

مبدأ التكامل يحول دون تنازع الاختصاص بين القضاء الجنائي الدولي والقضاء الوطني:

لقد انتصر نظام روما لمبدأ التكامل بين القضاء الوطني والقضاء الدولي ممثلا في المحكمة الجنائية الدولية ، بإعطاء الأولوية في البحث والمحاكمة للقضاء الوطني للدول الأطراف ، وبذلك لا ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية ولا تتدخل الا في حالة تقاعس القضاء الوطني في القيام بمهمته على الوجه المطلوب وبذلك فان اختصاصها ليس بديلا وإنما تكميليًا للقضاء الوطني ينعقد اذا ابانت الدولة عن عدم رغبتها في اجراء التحقيق والمحاكمة حماية للشخص من المسؤولية الجنائية ، أو اذا تأخرت الإجراءات والمساطر لدرجة تنم وتوحي بعدم توفر النية والرغبة في تقديم المشتبه في ارتكابهم جرائم موضوع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الي العدالة ، أو ان الإجراءات لم تتم بشكل مستقل ونزيه ، أو اذا تبين ان الدولة المختصة غير قادرة على اجراء التحقيق أو المحاكمة بسبب الانهيار الكلي للنظام القضائي الوطني أو عدم قدرة سلطات الدولة على التكفل باحضار المتهم و التحري واستجماع الحجج والشهادات ، كما تصرح المحكمة بعدم قبولها الدعوى اذا كان المتهم سبقت محاكمته من اجل نفس الأفعال من طرف محكمة أخرى ما لم تكن هذه المحاكمة صورية الهدف منها المحاباة و حماية مقترف الجريمة من تدخل واختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، أو إعطاء الانطباع فقط على مباشرة الإجراءات دون توفر الجدية والعزم على التحري بشأن الجرائم وتحديد المسؤوليات ، أو رفض استدعاء الشهود أو تهديدهم للحيلولة دون تقديم شهاداتهم المنتجة ، أو لم تجر المحاكمة بكيفية نزيهة وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة ، آنذاك تسحب الاختصاص من القضاء الوطني لتفعيل اختصاصها ، علما انه يستبعد اختصاص القضاء الوطني لفائدة القضاء الدولي ممثلا في المحكمة الجنائية الدولية اذا كانت الأبحاث والتحقيقات غير مستقلة وأنها تخضع لمؤثرات سياسية كأن تكيف الدولة جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية انها جريمة قتل عادية من جرائم الحق العام للتملص والإفلات من ملاحقة القضاء الجنائي الدولي .

مثال ذلك ان السلطات القضائية الصربية تابعت الرئيس ميلوزوفيتش من اجل جريمة اختلاس أموال عامة لحمايته من الملاحقة من طرف المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة ليوغوسلافيا السابقة ، بتهمة جريمة الإبادة الجماعية ، كما ان صدور عفو خاص أو عام على مرتكبي جرائم موضوع اختصاص القضاء الدولي بعد محاكمتهم يجعل المحكمة الجنائية مختصة في المحاكمة لان نظام روما لا يسمح باستفادة المحكوم عليهم من العفو الامر الذي يفهم منه عدم الرغبة في العقاب وتكريس قاعدة الإفلات منه .

وللإشارة فقد سبق للمحكمة الجنائية الدولية ان اقرت اولوية الاختصاص للقضاء الليبي لمحاكمة عبد الله السنوسي من اجل جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية أحيلت عليها من طرف مجلس الأمن طبقا للمادة. 13 رغم ان ليبيا ليست طرفا في معاهدة روما الشيء الذي نستنتج منه ان المحكمة لا تكون بديلًا للقضاء الوطني بالنسبة للدول الأطراف ومن باب أولى بالنسبة للدول التي لا تعتبر طرفًا ولم تصادق على المعاهدة.

عدم تعارض نظام المحكمة الجنائية الدولية مع التشريعات والقوانين الوطنية:

مما تجدر الإشارة اليه ان وجود عقوبة في قانون دولة ما ليست موجودة في نظام روما، أو عدم وجود عقوبة في قانون دولة ما موجودة في النظام الأساسي لا يشكل تعارضًا بين النظام الأساسي والقضاء الوطني ، كما ان الدولة اذا حاكمت شخصا بمقتضى قانونها الوطني يمكنها ان تطبق عقوبات غير واردة في نظام روما مثلا المشرع المغربي نص على عقوبة الإعدام في بعض الجرائم ونظام روما لا ينص على هذه العقوبة ، كما ان المتهم الذي يحاكم امام القضاء الوطني لا يمكنه ان يطلب تطبيق قاعدة القانون الأصلح للمتهم ، استنادا الى كون الدولة التي صادقت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يصبح هذا النظام قانونًا من قوانينه.

مقال قد يهمك :   سليمة فراجي : مافيا العقار تستفيد من مدونة الحقوق العينية

ضرورة ملاءمة الدول لتشريعاتها الوطنية مع معاهدة روما : النموذج المغربي:

لقد اكد النظام الأساسي لروما على ضرورة قيام الدول الأطراف باتخاذ كل الإجراءات في التشريعات الوطنية لكفالة جميع صور التعاون الدولي بالإضافة الى ادخال التعديلات القانونية والدستورية لجعل الدساتير والقوانين متلائمة مع ما جاء في النظام الأساسي للمحكمة .

تعتبر المملكة المغربية طرفًا في معظم اتفاقيات القانون الدولي الإنساني أهمها اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 المتعلقة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة والبروتوكولين الملحقين لعام 1977 , كما نص دستور المملكة على النهوض بمنظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وحمايتهما والإسهام في تطويرهما ، كما جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق احكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة كما نص الفصل 23 من الدستور على تجريم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان، وفي هذا الصدد فان مشروع القانون الجنائي المغربي10.16 المعروض على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب نص في الباب السابع مكرر على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ورتب لبعضها عقوبات الإعدام هذه العقوبة الغير واردة في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية ، في حين لم ينص على جريمة العدوان الواردة في نظام روما ، الشيء الذي يجعل المغرب متوفرًا على ترسانة قانونية تحميه من تدخل القضاء الجنائي الدولي وتمكنه من بسط اختصاصه و محاكمة مجرمي الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ومجرمي الحرب طبقا لأحكام قانونه الوطني ، علما انه لم يصادق على نظام روما ، و ان مسألة الاعتداء على سيادة الدول غير واردة لكون المحكمة الجنائية الدولية أنشئت بمقتضى اتفاق دولي يرتكز على التراضي وليس هناك ما يجبر أية دولة على الارتباط به مجبرة، واذا قررت المصادقة والالتزام بأحكام النظام ولو كان مقيدا لسيادتها ، فان ذلك التراضي والقبول بالارتباط بمعاهدة دولية يشكل ممارسة للسيادة وليس هجرًا لها ، طبعا مع الإشارة إلى الحالة التي يتصرف فيها مجلس الأمن بناء على مقتضيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويحيل أي قضية على المحكمة الجنائية الدولية حتى ولو تعلق الامر بدول لم تصادق على معاهدة روما .

علما ان بعض الدول الأفريقية تلاحظ ان هذه المحكمة تركز خاصة على القارة الأفريقية دون غيرها وبالفعل توجد تسع تحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية تخص عدة دول أفريقية وهي : أوغندا ، وأفريقيا الوسطى ، وجمهورية الكونغو، وساحل العاج ، والسودان، ومالي ، وكينيا ، وليبيا.

وللإشارة فان روسيا قد انسحبت من نظام روما وهي من اصحاب حق الفيتو ، هل لاقتناعها بعدم جدوى هذه المحكمة على اعتبار انها وسيلة الأقوياء لترهيب الضعفاء ، أم ان إصدار الجهاز القضائي المستقل المتوج لمسار القانون الدولي الإنساني لأربعة احكام فقط خلال 14سنة وبتكلفة مالية قدرها مليار دولار امر يثير الجدل ، أم ان هناك نوايا لا تسلم بعقلة وأنسنة أساليب القتال وتتفادى الملاحقة تكريسا لمبأ الإفلات من العقاب خصوصًا ان المادة 29 من النظام تنص على عدم سريان التقادم في حق مرتكبي الانتهاكات و مجرمي الحرب ، وأنه لا احد دائم في المسؤولية ، ولا احد ينجو من فخ القانون والسياسة ، اضافة الى كون المسؤولية الجنائية للأفراد لا تؤثر على مسؤولية الدولة .

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]